الفن المتكامل
خاتمة
ريتشارد ڤاجنر
ريتشارد ڤاجنر
تأليف
فؤاد زكريا
مقدمة
في 23 مايو من عام 1963م احتفل العالم بذكرى مرور مائة وخمسين سنة على مولد ڤاجنر؛ ذلك الفنان الضخم الذي يلمع اسمه بين الأقطاب القلائل للفن الموسيقي. وكان هذا التاريخ باعثا لي على أن أعود إلى تقليب صفحات هذا المخطوط الذي كتبته من سنوات طويلة، والذي كنت أنتظر لنشره مثل هذه الفرصة الملائمة، فوجدت فيها سجلا ما زلت أعده طريفا لحياة هذا الفنان، وشرحا أومن بفائدته لأعمال ڤاجنر وفلسفته في الفن والحياة. وأستطيع أن أقول إن معظم آراء ڤاجنر في الفن والسياسة لا تروقني؛ غير أن روعة مؤلفاته الموسيقية كفيلة بأن تضمه إلى سجل الفنانين الخالدين، الذين ينبغي أن ندرس حياتهم وأعمالهم مهما كان فيها من عناصر تبدو غريبة على أفهامنا.
وقد حاولت أن أعرض في هذا الكتاب شخصية ڤاجنر بأكبر قدر ممكن من الموضوعية؛ كما حاولت أن أعرض آراءه في الحياة والفن كما كان هو ذاته خليقا بأن يعرضها، ولكني لم أمتنع عن إصدار الأحكام عليه عندما كنت أجد ذلك ضروريا، وإن تعمدت أن يكون ذلك في أضيق الحدود. وهكذا سيجد القارئ في هذا الكتاب تسجيلا لحياة وأعمال وأفكار فنان تقلبت حياته بين البؤس الذي جعله يشرف على الموت جوعا، وبين البذخ الذي جعل ملكا يضع خزائن دولة بأسرها بين يديه، وتفاوتت أفكاره بين الدعوة إلى الثورة الشعبية إلى حد التعرض للموت من أجلها، وبين التعصب القومي المقترن بأبغض النزعات العدوانية والتوسعية في الأمة الألمانية، وتطورت أعماله من تصوير شخصيات أبطال أسطوريين يتحدون جميع السلطات والتقاليد إلى تمجيد المسيحية والخضوع التام لسلطة الدين. وفي كل هذا التقلب والتغير ، كانت أعماله الفنية - من وجهة النظر الموسيقية الخالصة - تقف شامخة لا تتأثر إلا بشخصية مبدعها الجبارة، بحيث لا يكاد المرء يشعر، إذا استمع إلى النغم الرائع الذي تكونه مؤلفاته من البداية إلى النهاية، بما كان يدور من وراء النغم من أحداث هائلة وتقلبات عنيفة في نفس صاحبه أو في المجتمع الذي عاش فيه. وإلى هذا العنصر الثابت ترجع عظمة ڤاجنر. أما نظرياته الفنية أو آراؤه السياسية أو أفكاره الدرامية فلها من الخصوم بقدر ما لها من الأنصار أو يزيد.
وعلى هذا فإني أعرض كتابي هذا على القارئ دون أن أكون واثقا على الإطلاق إن كان تأثيره النهائي في نفس هذا القارئ سيكون إعجابا بشخصية ڤاجنر أم سخطا عليها؛ غير أن هناك أمرا واحدا لا أشك فيه على الإطلاق، هو أن ذلك القارئ إذا تحول إلى «سامع» يحسن تذوق الموسيقى، فسوف ينحني إجلالا أمام فن ڤاجنر الرفيع.
نامعلوم صفحہ