============================================================
فعند ذلك تعلم النفس أن ما ظهر منها لعباد الله عز وجل لن ينعهم(1) أن حمدوا فعله ويعظموه بذلك، ويروا له الفضل والقدر.
وتعلم النفس أن ما بطن (2) منه وسره لو ظهر لحمد ذلك منه وفضل به فتطلب النفس الراحة إلى التزين بالدين بما ظهر وبما أسر أن يكون محمودا معظما (3) وليكون في الدنيا محمودا معظما.
لأنه لما منعها من كثير من لذاتها من الدنيا، فإذا وجدت موضع خلاص في الدين إلى طلب اللذة والراحة نازعته إليه، لتصيب من راحة الدنيا بعد منعه لها أكثر لذتها وراحتها، وهي شهوتها الخفية، ولذتها الكامنة، لأنها ليست من ظاهر شهواتها.
فعلم العبد - إذا نازعته إليها - أنها قد نازعته إلى شهوتها ولذتها، وليس من شهوتها الظاهرة، ولا من شهوات مطعمها ومشربها وملبسها ومنكحها التي تناها جوارحها، ولكن شهوة من باطنها في خير ظاهرها ، فهي خفية في النفوس لأنها ليست بظاهرة من فضول حلال منفرد به ، ولاشر ينفرد من الشر الذي لايشوبه الخير ، ولكنها شهوة خفية إذ صارت ممازجة للخير داخلة فيه.
فعاملها ظاهر الخير، فهو مطيع في الظاهر، يرى أنه لله عز وجل يعمل والنفس قد أبطنت الشهوة، لتتزين بذلك وتتصنع عند العباد بظاهر الطاعة، وأنها قربة لايتهم العبد نفسه فيتفقدها ، لأن الشهوة تخفي على العبد قصده من أجلها فلا يتبين ذلك إلا بالعلم الدال على قصده ما هو ، فكمنت وخفيت على العامل إذ لم يستضيء بالعلم (4).
(1) في ط: لن يمتنعوا.
(2) في ط: يظن.
(3) يعني : أن النفس تدفع العبد إلى حب الحمد من الخلق على ما ظهر منه وما بطن من العبادات القلبية والحجسدية.
(4) انظر للمؤلف "آداب النفوس"، و"المسائل في أعمال القلوب والجوارح" من تحقيقنا ، ففيها زيادة ايضاح في باب الرياء وباب النية.
154
صفحہ 153