ل رو1د هه7هه11 8111 اللال
امه لأبي عبد الله الحارث بن أسد المحاسبي المتوفى سنة 243 ه حقيق عبد القادر أحمد عطا الطبعة الرابعة مزيدة ومنقحه وخرجة احادينه
نامعلوم صفحہ
============================================================
عالجقوق مجفوظة
اللقالعلمةم 1م
لحميي بيروت - لبحنان الاراللعلت رام ااظ بيروتلبناع طم: هانف:801332- 805606 - 800842 صر:11/9424 سلس : 4724516 185762
صفحہ 1
============================================================
بسم الله الرحمن الرحيم الامام المحاسي ات من شخصته تحدثنا عن الإمام الحارث بن أسد المحاسبي في مقدمات الكتب التي نشرناها من ترائه المجيد، وهي : الوصايا، وأعمال القلوب والجوارح وملحقاته ، وآداب النفوس وملحقاته. وهذا الأخير قد قارب الظهور إن شاء الله تعالى.
ولا نريد أن نكرر - ونحن نقدم للرعاية لحقوق الله - ما تحدثنا عنه في الدراسات السابقة عن هذا الإمام الذي تعددت جوانب عظمته ، ولذلك آثرنا أن نستشرف على لمحات من القمم الشامخة التي تبرز من تاريخ هذا الرجل العظيم في تراث العرب الايسلامي، ولعلنا نوفق بحول الله وقوته إلى إعطاء القارىء صورة واضحة عن شخصية هائلة من أوائل مفكري الإسلام، ومن أبعدهم سحقا وغورا في عالم المعرفة والخبرة بالنفس البشرية، ومن أصدقهم مسلكا، وأنقاهم طوية وأخلصهم سبيلا، وأخفاهم عن أضواء الشهرة على هذا المدى الطويل من الزمان .
1 - شخصية من خير القرون لقد صدر البيان النبوي الشريف بأن خير القرون: قرنه ه ثم الذين يلونهم م الذين يلونهم.
ثلاثة قرون هي: خير القرون، كما شهد من لا ينطق عن اهوى عوالله ، وهي شهادة لا تنفي الخير عن باقي القرون بعد الثلاثة كما يتبادر إلى بعض الأذهان،
صفحہ 2
============================================================
ولكن معناها تغليب الخير على هذه القرون، وندرة الأخيار في القرون التالية التي يسودها اضطراب الفكر والرأي والسلوك، وللأخيار بين زمر الأشرار من الفضل ما للأخيار الذي حملوا أمانة تأسيس قواعد السلوك في عصور النور ، فلكل مكانه من التاريخ لا ينكره إلا جحود.
فالقرن الأول هو قرن التشريع وحفظ السنة قولا وفعلا وتركا وتقريرا عن السيد الكامل عين الأعيان سيدنا محمد ه ، حتى لقد أصبح حفظ الصحابي وععمله من أصول التشريع، لا يختلف في هذا المبدأ اثنان.
ومع التشريع كان الفتح، وكان تفرق الصحابة أعلام الهدى والنور في البلدان ال المفتوحة، إما ليعطروا بدمائهم الطاهرة ثرى البلاد المفتوحة في سبيل إعلاء كلمة اله، وتأصيل سنة النبي ، وإما لنشر العلم والتشريع، وتربية جيل من المعلمين المرشدين يجملون لواء الفكر من بعدهم عاليا على هامة الزمن.
ومما لا خلاف عليه أن كل صحابي كان يعلم ما عرف من السنة، ويقيم تعاليمه وأحكامه على أساس ما عرف، فكان مع بعضهم ناسخ ومع الآخر منسوخ، أو مع بعضهم عام، ومع الآخر خاص، أو مع بعضهم مطلق ومع الآخر مقيد، وهكذا كانت جوانب العظمة العديدة في شخصية الرسول الأعظم ه تكون عددا هائلا من المدارس الفكرية والتشريعية، تتلمذ فيها أعداد هائلة من نجوم اهدى من اصحابه الأكرمين رضوان الله تعالى عليهم، فكانوا بحق ينابيع معرفة، وأعلام هدى، وأصول علم تتطلب من يجمع عنهم، وينظم السنة المتلقاة منهم تنظيما زمنيا وأصوليا يضع الناسخ بعد المنسوخ، والمقيد بعد المطلق، والمخصص بعد العام.
وكانت تلك المهمة الشاقة هي مهمة علماء القرن الثافي ، حيث استقرت الدولة الاسلاءمية، وأحاط الحفاظ علما بالسنة. فلئن كان القرن الأول قرن الجمع والتشريع، فإن القرن الثاني هو قرن المقارنات والتنظيم.
ومن هنا كان القرن الثاني هو أغنى القرون وأثراها كيفا لا كما، إذ فيه وضعتا أصول العلوم الإسلامية، وبدأت تبرز في مجال الإسلام الفسيح شجرات العلوم
صفحہ 3
============================================================
المختلفة تمد أغصانها للدارسين المستبصرين تطلب الري ومدد النماء.
وكان القرن الثاني في الواقع لا يكفي لاستيعاب فقه السنة والكتاب، وتأسيس أصول السلوك، بل إن أصول الوعي الروحي للإسلام لم تكن قد استمسكت جذورها بعد في تربته الطاهرة الطيبة.
ولذلك لم يكن الفكر الإسلامي قد اكتمل كما، وإن كان قد برز في سمائه اعلام مؤسسون فإن التكامل يبدو عند ظهور الوجهات المقايلة ، ورد التلاميذ على المقابلين هم، وهو ما تم بالفعل في القرن الثالث . إذ كان الجمع والفقه والتأصيل الا و التشاور والأخذ والرد بيد فحول العلماء الذين تمخضت عنهم القرون الثلاثة قدا اكتمل جمعا وفقها وضبطا في جميع فروع المعارف الإسلامية الأصيلة . وأصبح علىا لوحة الزمن : النعمان ، ومالك ، والشافعي، وأحمد، والسفيانان، وابن المبارك والأوزاعي بالشام، والليث بن سعد في مصر . كما كان في ميدان السلوك أمثال الجنيد البغدادي ومعروف الكرخي، وبشر الحافي . وكان للسلوك والعقيدة معا إمامنا الجليل الحارث بن أسد المحاسبي إذ هو أول من تكلم في إثبات الصفات لا وأول من قمع قرون الشيطان الوافدة إلى بلاد الإسلام من ضلالات الأمم المفتوحة التي لا تزال تحن إلى وثنية زمنية قضى الإسلام على أصولها.
وقد كان الإمام المحاسبي مع تخصصه في التصوف علما وذوقا وحالا، وفي العقيدة ذوقا واعتقادا وعلما، فقيها شافعيا عظيما لا خلاف في عظمته، بل الخلاف كله قد دار في أنه : هل كان من أصحاب الشافعي الآخذين عليه، أم كان من المعاصرين له السائرين على مذهبه، كما تحدث ابن السبكي في طبقات الشافعية .
وكان مع فقهه محدثا خبيرا ، عن عدد كبير من أئمة الحديث، من طبقة يزيد ابن هارون.
وحدث هو كذلك، وسمع عنه الكثير من التلاميذ الذين صاروا أئمة فيما بعد .
ومن هنا يمكن أن يقال بحق : إن الإمام الحارث بن أسد المحاسي ، كان زاهدا
صفحہ 4
============================================================
صوفيا فقيها محدثا أصوليا متكلما على هدى من السنة والبصيرة السليمة . وقل من تجمعت له هذه المواهب في ذلك العصر الذي عاش فيه وهو ما بعد النصف الثافي من القرن الثاني الهجري إلى عام 245 من الهجرة.
2 - مرشد الجماهير في القرون الماضية والحاضرة تتهدد العامة موجات من الضياع والضلال.
موجات من الضياع الناتج عن الإهمال، إذ يتجمع المريدون في كل علم حول استاذهم، ولهم من وسائل التحصيل، والقدرة على الموازنة والمقارنة ما يؤهلهم لانسلاك في دوائر كبار العلماء . ولما كانت تلك الآلات وغيرها من آلات العلم لاا تهيا لعامة المسلمين فإن تلك الدوائر العلمية تلفظهم إلا من فترات قصيرة يفدون اليها سائلين عن حكم، أو مصححين لعقيدة، ثم ينصرفون حيث لا يستطيعون التجاوب مع تلك الحلقات الأكاديمية يوما أو بعض يوم وموجات من الضياع الناتج عن الجهل ، ثم عن فلسفة الجهل التي تأبى الاعتراف بالجهل، ومن ثم تفسد نفسية جماهير العامة ، وتسدل ستارا كثيفا على الجهل، وتدع أصحابها إلى التعرض لحظر الاستمساك بالخطأ، والكبر عن السؤال، ويبدو ذلك واضحا من قولة سليمان بن عبد الملك لأبنائه بعد أن جلس إلى عطاء ليتعلم منه مناسك الحج : تعلموا العلم فإني لا أنسى ذلنا بين يدي هذا العبد الأسود .
كان هناك إذن حقد على العلماء من أوساط العامة ومنهم السلاطين والأمراء ل وكان هناك تهالك من علماء السوء. كما يقول المحاسبي، على أبواب الأغنياء من العامة، يزهدونهم في الدنيا، ثم يأخذونها منهم في المجلس، وكان امتهان من أغنياء العامة للعلماء.
وكان هناك من نتائج ذلك الاضطراب فقدان النصح من العلماء لعامة المسلمين وخاصتهم، فاهتزت القيم، وسادت الدعوى، واستمسك كل فريق بدوائره، واصبح المجتمع الاسلامي أحزابا متنافرة يهددها الانقسام بالشر والوبال.
صفحہ 5
============================================================
وموجات من الضياع الناتج عن الانغماس في مجالس اللهو الغاصة بالشعراء المجان، والمخنثين الوافدين، والغانيات من بائعات اهوى، ورواد زقاق الخمر ال وذائقي خيال الليل تحت أغصان الكروم وبين خرير الجداول، وسلطان العيون الفاجرة.
وموجات من الضياع الناتج من فطنة شيوخ المذاهب الدخيلة الوافدة التي ستهدف أولا هدم أصول العقيدة في أكثر أوساط المجتمع عددا ، وأشدهم شعورا بالفراغ، واستعدادا للهجوم، وليس ذلك الوسط إلا وسط العامة الذين ضلوا بلا راع يحميهم غائلة الغزو الفكري، والتعقيد النفسي، والتردي في أوحال الرذيلة العمياء.
وكانت مهمة قيادة هؤلاء العامة إلى بر الأمان شاقة وعسيرة، فالأهواء متباينة وعقد النفس ختلفة، والحجب تختلف كثافة ورقة، والبيئات شتى، والشهواتا مستحكمة، إلى غير ذلك من مظاهر التباين والاختلاف، دون أي غاية تربط بين هذه الجماهير الهائلة من شعب الإسلام.
كانت هناك مدرستان هائلتان من مدارس الفكر الإسلامي في عصر الإمام المحاسبي، مدرسة أهل السنة بزعامة الإمام أحمد بن حنبل، وهي مدرسة تقوم على اساس أن الدين نصوص تفسرها أسباب النزول. وإلى جانب تلك المدرسة تقوم مدرسة الاعتزال التي تقوم على أساس أن الدين نصر يفسره العقل وحده .
ونحن إن كنا نعيب بعض مسالك المعتزلة ، ونؤيد مذهب أهل السنة إذا تكامل نصه وأسباب ونزوله بوجدان الإسلام العميق، وسبحات الروح النقية بين قممه وشوامخه، فليس للفكر الإسلامي غنى عن النص وأسباب النزول ولاغنى عن العقل وموازينه، ولكننا لا نجرد الإسلام الغني الفسيح الآفاق ، العظيم في جوانب عديدة من وجوهه من مدرسة ثالثة هي مدرسة الذوق الروحي، الذي يجمع إلى النص والعقل ذوق الوجدان، وكانت تلك المدرسة الثالثة بزعامة الحارث بن أسدا المحاسي.
صفحہ 6
============================================================
المعتزلي يطالب تلميذه بصفاء العقل، والسني يطالب تلميذه بإقامة وصفاء الروح ال ولكن أيا من المدرستين لم ترسم الطريق لصفاء الروح الذي يعتبر بحق أساس الاصلاح لمجتمع يوشك على الفساد .
كان أهل السنة والفقهاء على درجة من حسن النية بالحجماهير ، إذ يكتفون بإقامة ظاهر الطقوس الدينية ، ولا يهتمون بفحص الدوافع والغايات إلا في نطاق القوانين الي تحدد الأعمال العبادية بشروطها وأركانها ومبطلاتها .
ولم تكن آي مدرسة من المدرستين صالحة لقيادة الحجماهير، فالجماهير فقيرة من النصوص، كما هي فقيرة من العقل الغواص وراء المعضلات، كما أنها عاطلة من الصفاء الذي يحدد البداية والغاية كما يريدها الإسلام، ومن هنا كان الأساس الذي أقام عليه الإمام المحاسبي بناء مدرسته هو : تحديد البداية والغاية وتطهير القلب من دنىء الوزر، وحمايته من هجمات النفس، ثم تصحيح العبادات على ضوء الكتاب والسنة، والاكتفاء من العلم بالقليل مع العمل ، فإذا ماتم للمريد إحكام هذا القدر الا وعرف كيف يراقب نفسه ويحاسبه، وكانت له قوة قاهرة على نفسه صلح أن يكون شيخا يرشد الجماهير بعد أن يتفقه ويحدث ليكون فقيها صوفيا، لا صوفيا فقيها إذ الأول أعلى وأثبت كعبا من تاليه بلا نزاع.
والعامة على جهلهم بالعلم هم قدر كبير من القدرة على النقد وتلمس السقطات على عكس العلماء الذين يسعفهم التأويل، وحسن الظن ، وتغليب الخير سياسة للناس ونظرة فاحصة لما يدور في عقلية الأوساط الشعبية من أفكار تستغرقهم تماما تحقق ما نقول.
ومن هنا كانت القدوة الحسنة الصادقه القويمة هي عدة المرشد الجماهيري والعامل الأساسي في نجاجه وقوته على أداء رسالته كاملة . فما هنالك من قوة تقهر جبروت الجهل لدى العامة أعظم من قوة الصدق في السلوك، والعمل بالعلم والرغبة عما في أيدي الناس.
صفحہ 7
============================================================
وكان الامام المحاسبي هامة شماء في هذا المضمار.
لفظ الدنيا ... وازدرى هوى النفس.. ولم يستجب ها إلا في ميدان الحلال الخالص ... مات أبوه الثري الواسع الثراء، وأباحت الشريعة ميراثه منه حتى ولو جعه من غير وجوه الحل . ولكنه رفض أن يأخذ من ميراث أبيه شيئا وهو جائع كثير الضر محتاج إلى دانق كما يقول عنه تلميذه الحجنيد البغدادي آنذاك .
لماذا لأن أباه كان قدري المذهب. أو كان واقفيا من الخوارج. و إذا كانت الشريعة قد ترددت في الحكم بكفر القدرية أو الواقفية . فقد أصر من جانب الورع على رفض الميراث قائلا : "لا توارث بين أهل ملتين" .
وهو يؤكد رأيه في كفر القدرية أو الواقفية حينما تعلق بأبيه عند "باب الطاق" في بغداد ، وقد تجمع الناس حوله، وهو يقول له : طلق آمي ، فإنك على دين وهي على دين آخر" . كما يروي عنه تلميذه اسماعيل السراج.
ولو لم يكن ورعا يدع ما فيه شبهة، ولا يكتفي بأن يدع الحرام وحده، لتشبث خلاف علماء الشريعة في كفر القدرية أو الواقفية، واحتوى ميراثه من آبيه وهو في أمس الحاجة إليه . ولكنه الورع المثالي الذي يندر أن يوجد في غير الإمام المحاسبي إلا على فترات متطاولة من الزمان.
وهو نفسه في كتابه "المكاسب" لا يجرم ميراثا من هذا النوع، ولكنه يضيف إلى دلائل صدقه مع ربه فيما اختاره لنفسه من سبيل إليه حينما رآه تلميذه الحجنيد متهالكا على نفسه من الجوع، فدعاه إلى بيت عمه، وجهز له طعاما فاخرا، ولكنه تناول لقمة، وأخذ يلوكها ولا يسيغها، ثم قام مسرعا وخرج.
فلما قابله في اليوم التالي وسأله قال : " يا بني، أما الحاجة فكانت شديدة، ولكن بيني وبين الله علامة إذا لم يكن الطعام مرضيا عنده ارتفعت إلى أنفي منه زمنة ، أو ضرب عرق في آصبعي، فقد رميت بتلك اللقمة في دهليزكم وخرجت" .
صفحہ 8
============================================================
وماذا عليه لو لم يكن صادقا أصيلا في صدقه مع ربه أن يأكل، ويتجاهل الزمنة التي ارتفعت إلى أنفه، أو العرق الذي ضرب في أصبعه، وهو أمر يستوي في عدم الفطنة إليه العلماء والجماهير على السواء: وبهذا الصدق النادر استحق الحارث بن أسد بحق أن يكون رائدا لمدرسة الوعي الروحي المجنحة بالكتاب والسنة والعقل، في وحدة متناسقة تقهر النفوس الجامحةا وتروضها في يسر نحو الله في نجاح وبهذا الصدق استطاع أن يقبض على زمام أعداد كبيرة من الطلاب، وأن خضعهم لسلطان إرشاده - وهو الأمين في السر والعلانية - وأصبح طلابه كاما وصفهم تلميذه اسماعيل السراج، يجلسون بين يديه من بعد صلاة العشاء إلى بعد منتصف الليل، وكأن على رؤوسهم الطير.
ومن عدة شيوخ هذه المدرسة الخبرة العميقة بالنفس البشرية في أطوائها المحيرة وأعماقها السحيقة المجهولة، وخداعها الذي يشتبه بالحق فلا يكشفه إلا جبابرة أهل البصائر، وجواسيس القلوب، وبكر النفس وفرها ومعاودتها للهجوم، ومغالبتها بالمحاسبة والتفتيش والمواجهة حثى تستسلم تماما لصوت الحق والصدق ، وتأنس إلى الطريق، وكان من بركات هذه العدة وبواكيرها ذلك التراث الهائل من الدراساتا النفسية التي تركه لنا الإمام المحاسي، وتولاه من جاء بعده من مرشدي الصوفية المحققين بالنماء والتعميق، حتى آثرت المكتبة الاسلامية وسبقت غيرها من مكتبات الأديان والحضارات الأخرى في هذا المجال. وكان ممن حمل لواءه من بعده على مدى العصور، مهتديا بمنهاجه : أبو طالب المكي، والحكيم الترمذي، وأبو سعيد الخراز ، والشيخ الأكبر ابن عربي، والإمام الغزالي . وفي القرون المتأخرة: الإمام العربي الدرقاوي، وسيدي مصطفى بن كمال الدين البكري، مؤسس الطريقة ال الخلوتية في مصر والشام، والذي عني بجمع جمهرة من دراسات الصوفية للنفس البشرية في موسوعته المخطوطة التي سماها "العرائس القدسية، المفصحة على الدسائس ل النفسية" .
صفحہ 9
============================================================
3 - منهجه في التربية يقول أئمة الإرشاد الصوفي: إن الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق . ولا نجدا في التاريخ مدرسة فكرية أثرت ثراء المدرسة الصوفية في تعدد مناهجها، وكثرة طرائقها، وتنوع مذاقاتها ومشاربها ، وأصالة ملكة الاجتهاد البناء لدى شيوخها .
ونحن حينما نتحدث عن المدارس الصوفية إنما نعني تلك المدارس الأصيلة التي تستند إلى الكتاب والسنة، وتستمد نورها من مشكاة الاسلام النقية، ولا تنساق وراء الوهم وخداع النفس، وضلال الجهل، وأضواء الشهرة.
هناك التصوف العام، وهناك تصوف الفقهاء وتصوف آهل الحديث ، وتصوف العباد، وتصوف المرتاضين، وتصوف النساك، وتصوف الحكماء والمناطقة، وتصوف الأصوليين، وتصوف الطبائعيين.
ولقد حدد العارف الشيخ أحمد زروق في القاعدة (59) من قواعده تلك الوجوه مع شيوخها، وقال تعليلا لشمول القاعدة الصوفية لجميع فروع العلم: إن عدد وجوه الحسن يقضي بتعدد الاستحسان.
ونزيد على هذا التعليل الحكيم : أنه لا العلوم العقلية ، ولا العبادات الشكلية ولا لانقطاع والاعتزال في الكهوف والمغارات يمكن أن يملأ الفراغ السحيق في أعماق الإنسان.
والإمام الحاسبي نفسه تحدث في هذا الصدد في مقدمة وصاياه إذ قال: لم أزل برهة من عمري أنظر اختلاف الأمة وألتمس المنهاج الواضح، والسبيل القاصد، وأطلب من العلم والعمل، وأستدل على طريق الآخرة بإرشاد العلماء ل وعقلت كثيرا من كلام الله عز وجل بتأويل الفقهاء، وتدبرت أحوال الأمة ونظرت في مذاهبها وأقاويلها، فعلقت من ذلك ما قدر في ، ورأيت اختلافهم ججرا عميقا غرق فيه ناس كثير وسلم منه عصابة قليلة.
صفحہ 10
============================================================
ورأيت كل صنف منهم يزعم أن النجاة لمن تبعهم، وأن الهلاك لمن خالفهم وهكذا يلعب الخلاف دورا خطيرا في تعقيد النفوس، واستمساكها برأيها ، ومحاولتها إلباس الباطل ثوب الحق، وعلى أحسن تقدير فالخلاف يشغل الأمة كلها بالجدل حول الآراء المتباينة، وما أفلح قوم كانت غايتهم الجدل.
على أن التدهور الخلقي قد يصيب طوائف العلماء والزهاد والعباد فتفسد نواياهم، ويضل سعيهم، ويضلون غيرهم شعروا املم يشعروا.
وأساس الضلال كله كما يقول الإمام المحاسي في مقدمة وصاياه هو : اتباع
اهوى، فهو يعمي عن الرشد، ويضل عن الحق، ويطيل المكث في الغرة" (1) .
وإذا كان الاجماع قد انعقد على أن سبيل النجاة في التمسك بتقوى الله ، وأداءا فرائضه، والورع في حلاله وحرامه، وجميع حدوده، والإخلاص لله تعالى بطاعته والتأسي برسوله عالله ، فهل اجتمعت كلمة العلماء على رأي واحد يعصم الناس من المتاهات المردية؟ وفي هذا المجال تدع الإمام المحاسبي يجيب على هذا التساؤل إجابة خبير عجرب، قال (2) : طلبت معرفة الفرائض والسنة عند العلماء بالآثار ، فرأيت اجتماعا واختلافا ووجدت جميعهم مجتمعين على أن علم الفرائض والسنة عند العلماء بالله وأمره، الفقهاء عن الله، العاملين برضوانه، الورعين عن محارمه، المتأسين برسوله عليه الصلاة والسلام".
النجاة إذن هي الغاية ، وأخلاق النبوة ووالتحقق بها هي الوسيلة، هكذا استقرت بالامام المحاسبي رحلته الفكرية والحجسدية الطويلة التي حددها في مقدمة وصاياه، وشتان بين تلك الغاية والغاية التي حددتها النفس الخادعة لسائر العلماء، وحددت هم وسائل الوصول إليها (2) .
(1) الوصايا 19.
الوصايا 30.
(3) أنظر الباب الأربعين من الوصايا، حيث فصل المحاسبي آفات العلماء .
صفحہ 11
============================================================
غاية عامة العلماء : الغلبة، والتفوق، والشهرة، وتسفيه المخالفين، ووسائلهم إلى هذه الغاية جدل ولدد، ورمي للغير بالعظائم، وهدم كل تليد من التراث، ودعوى عريضة، ونفاق عفن، وثرثرة مملولة، ونقول لا أصالة فيها .
أما الذين اختارهم الإمام المحاسبي ليطلب النجاة على آيديهم فقد أسف أشدا الأسف لأنه وجد علمهم مندرسا، ووجدهم أقل من القليل، ووصفهم فقال : وجدتهم مجتمعين على نصح الأمة، لا يرجون أبدا في معصيته ، ولا يقنطون ابدا من رحمته، يجببون الله تعالى إلى العبد بذكر آياديه وإحسانه ، ويحثون العباد على الأنابة إلى الله تعالى... فقهاء في دينه، علماء بما يحب ويكره، ورعين عن البدع والأهواء، تاركين للتعمق والاغلاء، مبغضين للجدال والمراء... ورعين في مطاعمهم وملابسهم وجميع أحوالهم، مجانبين للشبهات، متقللين من المباح، زاهدين في الحلال" (1).
وهكذا عشق الإمام المحاسي منهج هذا اللون من العلماء بالله، الفقهاء عنه واكتفى من علم النقل بما يعرف به الحدود، وعلم أكثر من ذلك، ولكنه لم يشارك في معركة الانتصار للمذهب، والرد على المخالفين كما شارك غيره ممن لم يؤثر النجاة.
وأعلن الإمام المحاسبي رأيه في القدوة التي اختارها فقال: " فتبين لي فضلهم واتضح لفي نصحهم، وأيقنت أنهم العاملون بطريق الآخرة، والمتأسون بالمرسلين والمصابيح لمن استضاء بهم، واهادون لمن استرشد بهم، فأصبحت راغبا في مذهبهم مقتبسأ من فرائدهم، قابلا لآدابهم، طلبا لطاعتهم، لا أعدل بهم سببا، ولا أوثر عليهم أحدا ، ففتح الله لي علما اتضح لي برهانه ، وأنار لي فضله ، ورجوت النجاة من اقتربه وانتحله، وأيقنت بالغوث لمن عمل به ، ورأيت الاعوجاج فيمن خالفه ورأيت الرين متراكما على قلب من جهله وجحده، ورأيت الحجة العظمى لمن فهمه ورأيت انتحاله والعمل بحدوده واجبا على، فاعتقدته في سريري، وانطويت عليه (1) الوصايا 31.
صفحہ 12
============================================================
بضميري، وجعلته آساس ديني، وبنيت عليه أعمالي، وتقلبت فيه بأحوالي، وسألت الله عز وجل أن يوزعني شكر ما أنعم به علي، وأن يقويني على القيام بحدود ما عرفني به، مع معرفتي بتقصيري في ذلك، وأني لا أدرك شكره أبدا" .
ونقول كذلك: إن الإمام المحاسبي لم يصل إلى هذا القرار إلا بعد بحث وتدقيق ودراسة عميقة للإنسان بوجه عام، وللعلماء من بني الانسان بوجه خاص استمع إليه يقول (1) : اثم رأيت الناس أصنافا ، فمنهم العالم بأمر الآخرة، لقاؤه عسير، ووجوده عزيز، ومنهم الجاهل، فالبعد عنه غنيمة، ومنهم المتشبه بالعلماء، مشغوف بدنياه، مؤثر ها، ومنهم حامل علم، منسوب إلى الدين ، ملتمس بعلمه التعظيم والعلو، ينال بالدين من عرض الدنيا، ومنهم حامل علم لا يعلم تأويل ما حمل، ومنهم متشبه بالنساك، متحر للخير، لا غناء عنده، ولا نفاذ لعلمه، ولا معتمد على رايه ، ومنهم منسوب إلى العقل والدهاء، مفقود الورع والتقوى، ومنهم متوادون، على الهواء واقفون، وللدنيا يذلون، ورياستها يطلبون، ومنهم شياطين الانس، عن الآخرة يصدون، وعلى الدنيا يتكالبون، وإلى جمعها يهرعون، وفي الاستكثار منها يرغبون، فهم في الدنيا أحياء، وفي العرف موقى، بل العرف عندهم منكر" .
على أن الامام المحاسبي لم يقتصر في دراسته مجتمعه على طوائف العلماء وطلاب العلم وحدهم، بل إنه درس طبقات التجار والمحاربين والقراء وغيرهم، واودع ملاحظاته القيمة في كتاب "المكاسب" ، وكتاب "آداب النفوس" ، وكتاب "الوصايا" .
وخلص من كل دراسته وملاحظاته إلى النتائج التالية: 1 - لا خير في الخلاف، ولا نجاة فيما فيه خلاف.
(1) الوصايا 28.
14
صفحہ 13
============================================================
2 - لا جدوى من علوم العقل والنقل إذا لم تستند إلى وجدان روحي يصل الانسان بربه، ويعرفه قدر نفسه، ويلزمه حدود الورع والزهد .
3 - رعاية جماهير المسلمين آمر واجب بعد أن فقدوا الرعاية وأوشك أن يضل هم السبيل في متاهات المدنيات الوافدة.
م بنى الإمام المحاسبي رسالته التي اعتزم أن يؤديها إلى المسلمين على الأسس الآتية: 1 - التطهير خير من عمل البر دون تطهير.
وهذا لأن الانسان مأمور بترك الشر كله، وليس مأمور بفعل الخير كله فالأولى به أن يتتبع خصال الشر في نفسه بالقمع . والتخلص من خصلة واحدة من خصال الشر عنده خير من كثير من أعمال البر، وذلك لأن الخير إذا خالطه الشر استحال إلى شر، فالشر شر كله ، ومنبع الضلال هو إكثار عمل البر مع انكماش القلب على خصال السوء وخداع النفس.
2 - الزهد في الحلال.
فلا شيء يفسد السلوك البشري قدر ما يفسده عقد القلب على حب مظاهر الوجود والاستمساك بها ، واتخاذها غاية من الحياة.
وليس الزهد كما يزعم بعض الناس قاصرا على الحرام، فالحرام قد أمر الناس ال جميعا بتركه ، ولا فضيلة للانسان في تركه إلا اتباع الأمر، أما زوائد اليقين والمعرفة والعلم والصلاح فإنما هي في الزهد في الحلال.
3 - الحب تقليد للمحبوب، وليس ادعاء وترترة.
فحن لا نرى إنسانا مسلما إلا وهو يدعي حب النبي له ، وحب الصالحين والأولياء، فإذا ما لاحظنا سلوك هذا الذي يدعي الحب وجدنا مسلكه مباينا مسالك من يدعي حبهم، وهذا حب كاذب.
صفحہ 14
============================================================
والدليل على ذلك كما فصله الإمام المحاسبي في "آداب النفوس" أن الجائع يحب الطعام، والعطشان يحب الماء، فإذا ما علقنا له الماء والطعام في عنقه أبي إلا أن يتناول منهما، فما للانسان يكتفي بحفظ سير الصالحين والأنبياء دون أن ينال من سلوكهم بالعمل على مناهجهم، إلا أن تكون نفسه قد خدعته ولم يشعر.
4 - تخليص العمل من الآفات في بدايته وأوسطه ونهايته .
وقد أفاض الإمام المحاسبي في الرعاية، وآداب النفوس، وفي عامة كتبه في الحديث عن آفات الأعمال، وخداع النفوس فيها، وأبدع في بيانه أدق الدسائس النفسية وأخفاها على الخبراء، حتى عد بحق من أوائل المؤسسين للدراسات النفسية في التراث العربي.
ومن أطرف ما فطن إليه الإمام المحاسبي: أن رقابة الإنسان على نفسه لرعاية مرات عمله لازمة بعد العمل بعشرات السنين كما هي لازمة في بدايته ونهايته، فقد يعتقد الانسان أنه صادق في عمله ، وفي تخليص إرادته لله وحده، ويعتقد الناس فيه مثل اعتقاده في نفسه، ولكن براعم الكذب قد تكون كامنة في أعماق النفس ، فلا ظهر إلا بعد عشر سنين او بعد خمسين سنة .
وقد ساق لذلك مثالا في "آداب النفوس" فقال : إنه قد يبدو لبعض الناس أن صي اسماء صلحاء المحلة وعبادهم وزهادهم، ويقيدهم في سجل، فيهمل اسم هذا العابد الذي غبر عشرات السنين معروفا بالصلاح والولاية، أو يكتب اسمه في آخرهم، فيجد هذا العابد في نفسه ، ويتحرج صدره ، ويفصح أو لا يستطيع أن فصح، وفي هذه اللحظة ظهر كذبه طوال هذا الزمن ، إذ بان أنه لم يكن يخلص آرادته لربه وحده، وإنما عمل لنفسه طوال هذه السنين.
وساق مثالا آخر في نفس المرجع يقع فيه جمهور العباد والصالحين، فقد يصنع عابد معروفا إلى بعض الناس يبتغي به وجه الله وحده بزعمه، وتمضي السنون الطويلة، ثم تبدو من العابد إلى المصنوع إليه المعروف حاجة فلا يقضيها له ، فيذكر في نفسه معروفه الذي كان قد صنع إليه منذ زمان طويل، ويجد في نفسه عليه ،
صفحہ 15
============================================================
وقد بان بهذا الشعور كذبه في ادعائه صنع المعروف لله منذ سنين.
ويبدو الإمام المحاسبي المعيا في وضع المقاييس الدقيقة لاختبار إخلاص النفس في عملها، فهو يقول في "آداب النفوس" : هب أنك أردت أن تصنع وليمة تبر بها الأحباب لوجه الله تعالى، فاختارت نفسك عددا من الناس هذه الوليمة زاعمة أنها لاتريد من عملها سوى سرور الأخ المؤمن ولاشيء غيره، فإن أردت اختبارها في ذلك فاعرض عليها نقض العمل من أساسه، وابتداءه من جديد، والأضراب عن هذا الفوج من الناس الذين اختارتهم نفسك، فإن جادت بذلك دون حرج في الصدر فالعمل لله حقيقة، وإن حدث الحرج في الصدر ونازعتك إلى ذلك الفوج بالذات فليس العمل لله ، وليست النفس إلا كاذبة خادعة.
وهكذا تموج كتب المحاسي بهذه التجارب الطريفة التي تدل على ذكاء فطري الا غريب لم يتيسر لغيره من أئمة السلوك إلا نادرا، وكتاب الرعاية الذي نقدمه إلى القراء في توبه الجديد خير شاهد على ألمعية الإمام رضي الله عنه .
وهكذا يؤسس الإمام المحاسي مذهبه على آساس إعادة الإنسان إلى فطرته النقية الصافية ، أما الأعمال فيكفي منها ما قل مع صحة القصد، وسلامة الهدف ، وخلاصه من الآفات، فهو لا يعني بالكم ما قد يعني كل العناية بالكيف . كما أننا لا نلاحظ في كتبه أنه عني بطقوس الطريق الصوفي التي عرفت فيا بعده، فلم يكن عصره في حاجة إلى توتيق العهود على المريدين، ولم يكن الفساد قدا استأسد واستكلب حتى يحتاج المرشد إلى ترتيب الأذكار والأوراد وتنظيمها، ولكنا راه يتحدث عن الأوراد في كتاب المسائل، ويوصي بتنظيم وتقسيم القران على اليالي، وينصح بتقسيم الليل بين الصلاة والقرآن ، ويرشد إلى أفضل أوقات الليل وتنظيم الطعام للسالك ، ولعل تلك كانت بذور التنظيم الصوفي المجيد الذي آتى ثماره الزكية من بعد الإمام رضي الله عنه .
وهو لا يتحدث عن المكاشفات والمواجيد باعتبارها أساسا في السلوك، وهكذا قال الأئمة من بعده، ولكنهم فصلوا مواجيدهم ومكاشفاتهم بما شاء الله لهم، ولكنه
صفحہ 16
============================================================
أشار إشارة عابرة في "آداب النفوس" إلى أن طيب اللقمة وحلها وتخليص النفس من شرورها ، وتصحيح مبادىء الأعمال وغاياتها ويجعل الكون كله سترا رقيقا ينظر السالك من خلاله إلى عالم الملكوت.
4 - أزمة نفسية؟!
اولع المتحدثون بتفسير الظواهر التي تبدو على السالكين إلى الله مخالفة لما عليه المجتمع من تقاليد بأنها " أزمة نفسية" .
أما أنها أزمة نفسية حسب المصطلح عليه في علم النفس النظري الحديث فلا .
و أما أنها أزمة صراع بين الروح والنفس تخضع على أثرها النفس لسلطان الوعي الروحي، وتثبت الروح كمال سيطرتها على النفس بإرغامها على ما لم تكن تألفه ، وما كانت تأنف منه ، فنعم، وألف نعم ولئن كان تفسير ما حدث للامام المحاسي من خروج على المألوف يفسر على أنه أزمة نفسية بالمعنى المتعارف عليه عند النظار في التحليل النفسي الحديث ، فإنا نتهم كل من يقولون بذلك بالبلاهة، أو بالعمل السري ضد المثل العليا للإسلام .
هل كان الصديق الأكبر رضي الله عنه على رأيهم مصابا بأزمة نفسية بالمصطلح الحديث وهو يجرد نفسه من ماله في سبيل الله، ويخلل ثوبه بأعواد وهو أمير للمؤمنين هل كان إمام العدل عمر رضي الله عنه مصابا بأزمة نفسية بالمصطلح الحديث وهو يلبس توبا فيه ثماني رقاع بين يديه ومن خلفه إحداها من آدم وهو يسير الجيوش، ويرهب الكفر، ويزحف بالرعب على تيجان الجبابرةا هل كان أستاذ جامعة السنة النبوية في صفة المسجد النبوي آبو هريرة مصابا بازمة نفسية وهو يعانق الغقر والعلم معا، ويحفظ للمسلمين ترانهم المجيد؟
صفحہ 17
============================================================
وأخيرا وأولا هل كان سيد البشر ه مصابا بأزمة نفسية وهو يرفض الدنيا المعروضة عليه بمفاتيحها، ويختار الفقر ليشكر ويصبر هناك فرق كبير بين الأزمة النفسية المصطلح عليها حديثا ، وبين الانتصار علىا النفس ، وتسخيرها لخدمة المجموع، وإنكارها في سبيل بناء مجد حضاري يقوم على المثل الأعلى.
فالأزمة النفسية المصطلح عليها حديثا علة عصبية تقارب الجنون ، أما الانتصار على النفس كما أوضحناه فهو قمة الاعتدال على المستوى العالمي، وقمة الأخلاقا الانسانية المرضية عند الله، وعند المحتاجين إلى العون من الناس .
وهل كان الإسلام إلا خروجا عن المألوف في عصره لدى جميع الأمم، وفي قلب جزيرة العرب؟ خروجا في كل شؤون الحياة؟ من العلو في الأرض إلى التواضع والفقر إلى الله، من الأثرة إلى الإيثار ، من التطاول في البناء إلى قدر الضرورة؟ من كل شيء تقره النفس وتهواه، إلى كل شيء يقره وعي الروح الموصول بالغيب ويهواه رب الغيب2 ولكن ما حيلتنا في العصر ومصطلحاته، وما حيلتنا في انقياد المفكرين الأعمىا الى كل ما هو أجني عن بيئتهم وتقاليدهم، وما حيلتنا في ظلمات القلوب وإغراقها في الأضواء الكاذبة، والتراث المسموم.
وما وصفه الإمام المحاسبي من حالته النفسية في أول عهده بالبحث عن المنهاج الذي يرتضيه لنفسه لا يدل من قريب ولا من بعيد على آنه مريض نفساني على الاطلاق، فلا ندري من أين استقى القائلون بمرضه نفسيا معلوماتهم استمع معي آيها القارىء الكريم إلى العبارات التي وردت في مقدمة وصاياه الا والتي استند إليها القائلون بإصابته بأزمة نفسية .
م أزل برهة من عمري أنظر اختلاف الأمة، وألتمس المنهاج الواضح...
وأستدل على طريق الآخرة بارشاد العلماء... ورأيت اختلافهم بحرا عميقا غرق فيه
صفحہ 18
============================================================
ناس كثير ... فتفقدت في الأصناف نفس، وضقت بذلك ذرعا، فقصدت إلى هدي المهتدين بطلب السداد واهدى، واسترشدت العلم، وأعملت الفكر فتبين لي من كتاب الله، وسنة نبيه، وإجماع الأمة، أن اتباع الهوى يعمي عن الرشد ...
فعظمت مصيبتي لفقد الأولياء الأتقياء، وخشيت بغتة الموت أن يفجأني على اضطراب من عمري لاختلاف الأمة، فانكمشت في طلب عالملم آجد ي من معرفته بدا.
ولا نعلم في هذا الكلام ما يوحي بأزمة نفسية بالمعنى الحديث ، وإنما هو صراع بين النفس والروح كان قوامه : هل يخضع الإمام المحاسبي لعرف العصر ، ويلتمس الشهرة في حلقات العلم المعروفة في عصره، وبين صيحات الجدل وحب الظهور على الخصوم؟ أو يؤمن بنظرية الخمول، وإنكار الذات، والعمل من أجل الحق ، دون انتظار جزاء؟
لقد اختار الإمام المحاسبي المنهاج الثاني ، ونبذ المنهاج الأول، وفضل أن يكون فقيها بالقدر الذي يمكنه من معرفة الأركان والشروط والواجبات، أو أن يكون فقيها واسع الاطلاع لا ليخوض المعركة مع الخائضين، ولكن ليتلمس أصول الداء ي المجتمع الذي يعيش فيه ، والذي تهدده الأهواء والفتن.
لقد عرض علينا الإمام المحاسبي نموذجا من فقهه الواسع وخبرته الشاملة بآراء المعاصرين والسابقين له في كتابه "المكاسب" عند حديثه عن مذاهب السلف في المطاعم والملابس، ولكنه أعطانا صورة مشرفة هدف الفقيه الذي يقارن بين الآراء الا ويمتصها تماما، ويصل غاية المجتمع الإسلامي بغاية الفكر ، لا سيما وهو ينقد الزهاد القائلين باعتزال الحاكم الظالم ، وعدم مشاركته في الحرب حتى ولو أغار على البلاد مغير، أو ينقد الذين اختاروا الحياة على اللقاط، أو على ما تنبته الأرض من أعشاب، أو غير ذلك من وجوه الحياة السلبية التي تتنافى مع هدف الإسلام من العمل والجهاد والبذل في سبيل إعلاء كلمة الله وتحطيم كلمة الالحاد .
صفحہ 19