فأمر الملك فسملوا عينى الوزير وتركوه على رأس طريق الجيش، وشيدوا هذه الأميال، ولما وصلت الجيوش الثائرة، وجدوا الوزير على تلك الحال، فتعجبوا وحملوه إلى حضرة الملك، وكانوا قد سمعوا هذا الخبر من جاسوسهم، فبحث الملك الأمر، فقال الوزير: بعد هذه الخدمات الجليلة التى قدمتها طوال عمرى اتهمنى الملك بما قال العدو عنى كذبا وقالوا: إن لى مراسلات معكم وهذا سبب تلك الفتنة، وابتلانى بمثل تلك العقوبة، وشوى نسائى وأبنائى على النار، ورمانى على رأس هذا الطريق، وطلبت من الحق جل وعلا أن أصل إلى تلك الحضرة حيا حتى أنصف نفسى منهم، ولما وصلت إلى هذه السعادة، آمل أن يكون الأمر هكذا وسوف يكون، وقد صنعت حيلة لقيت منها تعبا فقد صنعت وشققت طريقا فى تلك الصحراء، وأردت أن أعطيهم ملكك، ولما لم يرد الحق تعالى ووقع التقدير على خلاف التدبير، فاعلم أن كشتاسف سيأتى بجيش جرار، وبمجرد أن يصلوا إلى هنا، فنصل من تلك الطريق إلى دار ملكه، قال: كيف يمكن أن يكون هذا؟، قال: يأمر الملك حارسا بأن يقف على ربوة ويراقب تلك الصحراء، وإذا ما أراد فإن مفترق الطرق هذا عندما ينظرون فيه يرون هذا الميل، ففرحوا وقالوا: تحقق الأمل وليأمر الملك بتجهيز الماء والطعام للجيش مدة عشرة أيام، ففعلوا هذا واتجهوا إلى الصحراء، ولما وصلوا إلى هذا الميل رأوا ميلا آخر فظنوه طريقا، وما كانوا على علم بمكر الوزير، فساقوا الجيش إلى الصحراء، وكابدوا مشقة شديدة حتى وصلوا إلى الميل الأخير، ورأوا مكتوبا عليه مات كل من وصل إلى هذا المكان ولم ينج واحد من مائة ألف، فحاروا وسألوا الوزير ما هذا؟، قال: العبيد العقلاء دانوا بعبوديتهم لمولاهم، وقدمت نفسى فداء للملك والمملكة، واعلموا الآن أن أقرب طريق تخرجون به من الصحراء هو الطريق الذى جئتم منه. ومما يروى أن ملك الهند نجا مع سبعين شخصا من المقربين إليه من هذه الصحراء، وهلك الباقون جميعا، ويجب على الوزير أن يخاف الله، محبا للملك وحاميا للدنيا مهتما بأمر الرعية حتى يكتب سمعة طيبة على صحائف الأوراق والدواوين، ويترك ذكرى له.
ومن آثاره بيضاء شيراز، وكان من المعاصرين له من مشاهير الحكماء سقراط العامل تلميذ فيثاغورث وطيماوس وجاماسب، وكانت مدة ملك كشتاسف مائة وعشرين سنة، ويقال: مائة وستون.
بهمن بن إسفنديار:
عند ما صار ملكا، استن سيرة حسنة ورسوما جيدة، وعمر العالم وأيد دين زردشت، واستولى على أرجاء الدنيا، وقصد سجستان وخرب زابلستان، وصلب فرامرز انتقاما لأبيه، ومن آثاره فى فارس سد بهمن فى كوار ومدينة بسا وجرم وبوشنكان، وكان من معاصريه ديمقراطيس الحكيم وبقراط الطبيب، ومدة ملكه خمسون عاما، ويقال: مائة وأربعة عشر.
شعر
ولو أن أيام عمر بهمن كانت ربيعا
لكنه مات فى النهاية من جود الفلك المظلم
ولو أن الدنيا أضاءت عينها به
ففى العاقبة أظلمت عينه بالفناء
هماى بنت بهمن:
صفحہ 55