فصل في شبه المعتزلة في نفي كلام الله تعالى
وقد ذكرتم مااستدل به بعض المعتزلة على أن كلام الله مخلوق، وهو قوله -تعالى-: ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ﴾ ١، ولا يشك من له عقل أن مَنْ دل الخلق على أن كلام الله مخلوق بقوله: ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ﴾ ٢، لقد أبعد النَّجْعة، هو إما مُلْغِز وإما مُدَلِّس، لم يخاطبهم بلسان عربي مبين، وقد قال تعالى-: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ ٣.
وقال النبي ﷺ: "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم" ٤، مع أنه ليس في هذه الآية شبهة لمن احتج بها، فلله الحمد والمنة- ولا يشبِّه بها إلا مَنْ أزاغ الله قلبه على رعاع الناس، نسأل الله العافية. وقلتم الحروف يلزمها التعاقب، ويتقدم بعضها بعضا، فيلزم أن تكون مخلوقة. قلنا: إنما يلزم التعاقب في حق من يتكلم من المخارج، والله -سبحانه-غير موصوف بذلك.
وأيضا فواجب على كل مكلَّف التسليم لما جاء في الكتاب والسنة، ولا يعارضه بزخارف المبطلين وهذيان الملحدين، قال-تعالى-: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ ٥. فَمِنَ الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم.
_________
١ سورة الحديد آية: ٣.
٢ سورة الحديد آية: ٣.
٣ سورة آل عمران آية: ٧.
٤ البخاري: تفسير القرآن (٤٥٤٧)، ومسلم: العلم (٢٦٦٥)، والترمذي: تفسير القرآن (٢٩٩٤)، وأبو داود: السنة (٤٥٩٨)، وأحمد (٦/٤٨،٦/١٢٤،٦/١٣٢،٦/٢٥٦)، والدارمي: المقدمة (١٤٥) .
٥ سورة النساء آية: ٦٥.
1 / 101