فقد علم ما سيكون، ثم قال: "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله" ١. فالرب ﷾ عالم بما سيقع من التنازع، فقال: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ ٢، ومن المحال أن يأمرهم برد ما تنازعوا فيه إلى ما لا يفصل النزاع، ويبين الحق من الباطل، وقد أمرنا الله -سبحانه- أن نقول: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ ٣.
وفي صحيح مسلم أن النبي ﷺ كان يقول إذا قام من الليل يصلي: " اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم" ٤.
فهو يسأل ربه أن يهديه لما اختلف فيه من الحق، فكيف يكون محبوب الله عَدِمَ الهدى في مسائل الخلاف، وقد قال الله له: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ ٥، وأيضا فالشك والحيرة ليست محمودة في نفسها باتفاق المسلمين.
غاية ما في الباب أن من لم يكن عنده علم بالنفي ولا الإثبات يسكت، فأما مَن علم الحق بدليله الموافق لبيان رسول -الله ﷺ فليس للواقف الشاك الحائر أن ينكر على هذا العالم المتبع للرسول، العالم بالمنقول والمعقول.
قال الإمام أحمد-﵀: مَن لم يقل: القرآن كلام الله، غير مخلوق، فهو يقول: مخلوق، والأمر كما قال ﵀.
فإنا نجد بعض من يقول بالوقف يعيب على من ينفي الخلق عن كلام الله، ويحتج عليه بحجج القائلين بالخلق، كما أوردتم شيئا من ذلك، وعبتم على الإمام أحمد ﵀ في كلامه في هذه المسألة قلتم: إن أحمد جعل هذه المسألة عديلة التوحيد. قلتم ذلك اتباعا لمن استوفى نصيبه
_________
١ الترمذي: المناقب (٣٧٨٨) .
٢ سورة النساء آية: ٥٩.
٣ سورة الفاتحة آية: ٦.
٤ مسلم: صلاة المسافرين وقصرها (٧٧٠)، والترمذي: الدعوات (٣٤٢٠)، والنسائي: قيام الليل وتطوع النهار (١٦٢٥)، وأبو داود: الصلاة (٧٦٧)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (١٣٥٧)، وأحمد (٦/١٥٦) .
٥ سورة طه آية: ١١٤.
1 / 106