إنه شافهه بذلك عند توديعه إياه، فجاءه ابن المقفع يوما فأدخله حجرة، ثم سجر له تنورا ألقاه فيه وهو يصيح: يا أعوان الظلمة، وقيل: إنه ألقى في بئر وأطبق عليه حجر. وقيل: حماما، فلم يزل فيه حتى مات، وقيل: دقت عنقه وقطّع عضوا عضوا وألقيت أعضاؤه في النار، وهو يراها ويصيح صياحا شديدا، وقيل:
فى بئر النورة في الحمام وأطبق عليه صخرة فمات «١» .
وشكا بنو على بن عبد الله ما صنع سفيان بابن المقفع إلى أبى جعفر المنصور، فأمر بحمل سفيان إليه، فلما جىء به وجاء عيسى بن على وغيره ليشهدوا عليه أن ابن المقفع دخل داره فلم يخرج، وصرفت دوابه، وغلمانه يصرخون وينعونه وجاء عيسى بتاجرين يثبتون الشهادة على قتله، فقال لهم المنصور: أرأيتكم إن أخرجت ابن المقفع إليكم، ماذا تقولون؟ فانكسروا على الشهادة، وكف عيسى عن الطلب بدم ابن المقفع، وكان سديف بن ميمون مولى آل المهلب مائلا إلى أبى جعفر، فلما استخلف وصله بألف دينار، ثم اتصل بمحمد وإبراهيم ابنى عبد الله بن حسن حتى قتلا، فاختفى حتى أمنه عبد الله بن على والى المدينة، فلما قدمها أبو جعفر جد فى طلبه حتى ظفر به فجعله في جوالق، وضرب حتى كسر، ثم رمى به في بئر وبه رمق حتى مات.
فهذا وأمثاله من سيرته خلاف سنن الهدى، وكان الفضل بن الربيع يمنع عائد الخليفة أن يسأل عن شىء يقتضى جوابا ويقول: اجعلوا عيادتكم دعاء، فإذا أردت أن تقول: كيف أصبح الأمير بالكرامة، وإن أردت السؤال عن حاله فقل: أنزل الله على الأمير الشفاء والرحمة، فإن المسألة توجب الجواب، وإن لم يجبك اشتد عليك وإن أجابك اشتد عليه. وكانت الخلفاء إذا عطست شمتت، فعطس هارون «٢» الرشيد فشمته، فقال له الفضل: لا تعد، أتكلف أمير المؤمنين ردا وجوابا،
1 / 74