وقال أيضًا ﵀: فإن الإمام أحمد مثلًا قد باشر الجهمية الذين دعوه إلى خلق القرآن ونفي الصفات، وامتحنوه وسائر علماء وقته، وفتنوا المؤمنين والمؤمنات الذين لم يوافقوهم على التجهم بالضرب والحبس والقتل والعزل عن الولايات وقطع الأرزاق ورد الشهادة وترك تخليصهم من أيدي العدو، بحيث كان كثير من أولي الأمر إذ ذاك من الجهمية من الولاة والقضاة وغيرهم: يكفِّرون كل من لم يكن جهميًّا موافقًا لهم على نفي الصفات، مثل القول بخلق القرآن ويحكمون فيه بحكمهم في الكافر ... ومعلوم أن هذا من أغلظ التجهم، فإن الدعاء إلى المقالة أعظم من قولها، وإثابة قائلها وعقوبة تاركها أعظم من مجرد الدعاء إليها، والعقوبة بالقتل لقائلها أعظم من العقوبة بالضرب.
ثم إن الإمام أحمد دعا للخليفة وغيره ممن ضربه وحبسه واستغفر لهم وحللهم مما فعلوه به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر، ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لم يجز الاستغفار لهم، فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والإجماع١.
أما الإشكال الذي في هذا الكتاب، وهو أن بعض أهل العلم شكك في نسبة هذا الكتاب إلى الإمام أحمد رحمه الله٢، بل إن
_________
١ مجموع فتاوى شيخ الإسلام "٤٨٨/١٢-٤٨٩".
٢ كالإمام الذهبي ﵀ ذكر أنه موضوع على أبي عبد الله أحمد بن حنبل، ولم يأت بدليل على ذلك، بل قال: لعله قاله. ومأخذ الإمام الذهبي على هذا الكتاب أن فيه كلامًا لا يصدر عن مثل الإمام أحمد. وهذا لا يكفي في إهدار نسبة هذا الكتاب للإمام =
1 / 15