فقالت، وهي تتنهد: لن نستطيع الزواج كما نتمنى.
فقال مستسلما لغيظه: أعرف ما قيل وما يقال، ولكن الحب أقوى من ذلك.
فقالت وعيناها تدمعان: الواقع أقوى من أمانينا. - المسألة أن حبك ليس بالقوة التي ظننتها. - لا تظلمني.
شعر بأنها لا تريد أن تعدل عن قرارها، إنها لم تعد تحبه، إنها لم تحبه قط.
هتف غاضبا: أكذوبة!
تمتمت بانزعاج: ماذا؟ - خاب ظني فيك.
قالت بتوسل: لا تزد في عذابي.
لوح بيده غاضبا، فأصابت أنامله جبينها، فتراجعت مذعورة. أفاق من غضبه. وثب نحوها قائلا: معذرة، لم أقصد. - كفى! - أكرر الأسف .
فقالت بصوت هادئ: يجب أن أذهب.
فتحول عنها دون تحية. توغل في الطريق صوب الشمال والظلام يهبط ودفقات من الهواء الرطب تهب. عجب من فراغ الوجود من كل شيء إلا نبض الألم في أعماقه، ألم وفراغ، فراغ وألم، إن لم يكن الحب مرضا فلا بد له أن يوجد له دواء. ولكن أين وكيف ومتى؟ وفكر في أنه أخطأ في تركها تفلت من يده، فاستدار وراح يعدو ليلحق بها، ولكنه لم يعثر لها على أثر. ورجع الفراغ ورجع الألم، وحلم أنه يستطيع أن يقتل أمها، فقرر أن يقطع رأسها تحت المقصلة، استحضر بخياله صورة المقصلة كما رآها في فصل الثورة الفرنسية. يا للداهية! ما هذا الفراغ وما هذا الألم؟ ولأول مرة يعاني الوحدة وهو وسط أصحابه وهم يقضون الفترة الأخيرة من العطلة الصيفية، رغم أنهم جميعا على شاكلته، ممن لا يكترثون للحياة العامة وتستغرقهم الشئون الخاصة. وبدافع من كبرياء لم يبح لأحد منهم بسره. أما أكثر اليوم فخلا فيه إلى نفسه في حجرته الخاصة - للنوم والدراسة معا - غارقا في التأمل، ولم يخرج من عزلته في سهرة التلفزيون حيث تجتمع الأسرة وكأنها غير مجتمعة. غرق في التأمل حتى وجد نفسه، ولأول مرة، يسأل عن معنى حياته أو معنى الحياة. ومضت المعاني تتلاشى وتتبخر في الهواء، وقلب عينيه بين جدران الحجرة وسقفها وكأنما يجول في الكون، ثم سأل: هل يوجد في قلب هذا الكون هدف أو معنى؟!
نامعلوم صفحہ