فقال صادق: المسألة أنك لم تحب.
فهز منكبيه قائلا: ربما.
ولم يغير إسماعيل قدري من سيرته، ويقول ببساطة: الجنس شيء عظيم ومفهوم وهو مكتف بذاته.
فيقول طاهر: رأي عجيب لإنسان له ثقافتك وعقلك.
فيقول بترو: الجنس يضعك في صميم الوجود ولا وزن عندي لما يقول المنفلوطي .. لعله شغل عن الحب أو لم يخلق له. •••
وفي غمرة الهموم الخاصة الممتعة خفق فؤاد الوطن خفقة أليمة عميقة بموت الزعيم سعد زغلول. شد ما ذهلنا واشتعلت جوانحنا بنار الحزن والحسرات، حتى طاهر عبيد وجم وأسف بعد أن أظلت زعامة الراحل الجميع في الائتلاف الوطني وأحبه الخصوم مع المريدين والأتباع. وكل منا له حكاية عن الخبر في أسرته وما أسال من دموع. كل عين بكت سعد وكل قلب امتلأ بالشجن، وسأل صادق طاهر عبيد: كيف تلقى عبيد باشا وإنصاف هانم الخبر؟
فأجاب: بالحزن طبعا، وقال أبي إنه في أعوامه الأخيرة كفر عن ماضيه كله وأصبح أبا للشعب والوطنية.
وذهبت جماعتنا إلى ميدان الأوبرا وانحشرنا في الجموع الحزينة الواجمة ننتظر، وعندما لاح النعش فوق المدفع ارتفعت صرخات الأسى إلى سماء أغسطس الصافية التي تقطر حرارة ورطوبة، وجرفنا التيار وراء الجنازة إلى شارع محمد علي، وهناك اختلطت الهتافات بصوات المطلات من النوافذ والشرفات، ورجعنا إلى العباسية صامتين بلا سعد. ونخوض أمواجا جديدة من تاريخنا المفعم بالحرارة والقلق، فنبايع خليفة سعد ونرقب ما يلوح في السماء من نذر وبشائر.
وفي عام البكالوريا ضاعفنا الهمة تطلعا للنجاح، واجتهد إسماعيل قدري مستهدفا التفوق ليلتحق بالحقوق بالمجان، ولكن سوء الحظ اعترض سبيله المرسوم بتدبير ماكر؛ ففي ختام الثلث الأول من العام الدراسي لزم قدري أفندي سليمان الفراش لمرض في القلب، اختل نظام إسماعيل وشغل بأبيه، وازدادت متاعب الأسرة بتكاليف الطبيب والأدوية، وحدثنا إسماعيل عن مرض أبيه بتأثر شديد، عن هزاله، وورم ساقيه، وضعف الأمل في شفائه. والحق أن قدري أفندي لم يسترد صحته، وأسلم الروح في أواخر مارس قبل الامتحان بشهر تقريبا. وأساء مرضه وموته صديقنا إساءة لا تجبر، نجح في البكالوريا وجاء ترتيبه دون المتوقع ودون ما يستحق، وعجز معاش والده عن توفير المصروفات له، وبالكاد وفى احتياجات الأسرة الضرورية. وسئل عما ينوي فعله فأجاب بأسى: لا توجد فرصة للمجانية إلا في كلية الآداب.
وشعرنا جميعا بأن همة عالية قد أهدرت عبثا، وقال له صادق مواسيا: لا تحزن، ففي أي مجال فرصة للتفوق.
نامعلوم صفحہ