سليم :
إني أجهل هذه العائلات تمام الجهل، ومن البديهي ألا تكون أهلا لإعطاء معلومات عني، ولا أكتمك أيتها السيدة أنه بلغني أن الناس هنا يتقولون كثيرا عني وعن غرابة أطواري، فهم يرون في وجودي في هذه المدينة بعيدا عن أهلي حالة لا يمكنهم أن يعللوها إلا بالسوء، ولكن الإنسان الحكيم لا يأخذ بظنون الناس، والناس إذا ساءت فعالهم ساءت ظنونهم، أما أنا فلم أحفل بأقاويل هؤلاء الجماعة الذين يتحدثون عن غرابة أطواري؛ لأني أعرف طباعهم، وأعلم أن الناس في أكثر الأحيان أعداء لما جهلوا، وإني مرتاح إلى أن أطواري تخالف أطوار هؤلاء الجماعة، والحياة التي أحياها تخالف الحياة التي تعودوها. - «ولكن الناس يقولون: إنه لم تكن بينكم وبين والدكم مراسلة في بادئ الأمر، وأن المراسلة بينكما قد ابتدأت منذ عهد قريب.»
فنظر سليم إلي نظرة ذكرتني حديثه السابق الذي ذكر لي فيه تدخل القوم هنا في شئون الفرد الخصوصية، ثم التفت إلى السيدة ج. وقال: «وما معنى ذلك؟» ورأيت أن صبره كاد ينفد.
قالت: «يجب ألا تغضبوا؛ لأننا أحببنا الاستقصاء لمعرفة حقيقة أمركم، فالذي دفعنا إلى ذلك حرصنا نحن أيضا على مستقبل دعد.» - «إذن، حضرتك تعتمدين على كلام الناس.» - «إننا لا نعرفكم كثيرا؛ ولذلك نحن مضطرون إلى الاعتماد على ما نسمع.» - «حتى ولو كان ما تسمعينه مما لا يوثق به؟»
ورأيت أن الحال صائرة إلى ما لا تحمد عقباه، ولكن السيد ج. تدارك الأمر وقال: «الذي أراه يا سيد سليم، أن مركزكم لا يضمن مستقبل الفتاة التي تريدونها زوجا لكم، ولما كانت السيدة سلمى تريد أن تضمن سعادة ابنتها الوحيدة، فلا أعتقد أنها تسلم لكم بعقد الزواج، ولست أقول: إن السيدة سلمى لا تفقه معنى العشق والغرام والهيام؛ إنها تعلم كل ذلك ، ولكنها تريد الدليل على أن مركز من يتزوج ابنتها يكفي لإسعادها.»
سليم :
ومن يضمن المستقبل؟ بل من يضمن أن السعادة مقرونة بالمراكز؟!
فقالت السيدة: «أما أنا فأرى أن الفن ليس عملا ثابتا كالوظيفة أو أكيدا كالتجارة.»
فقال سليم: «أرى أن الحديث قد شط بنا عن الغاية، ويحسن بنا أن نقف عند هذا الحد، وتكرموا بإبلاغ السيدة سلمى هذا الحديث، وهي تتخذ الموقف الذي تراه أفضل.»
وعلى أثر هذا الكلام ودعنا الزوجين وانصرفنا، فلما صرنا خارج المنزل تنفس سليم الصعداء، أما أنا فأقبلت عليه ألومه على صراحته مع السيد ج. وزوجه، وأبديت له اعتقادي بأني لا أرى مبررا لكثرة الكلام الذي قالاه فقال: «لا تزد علي ما بي، فقد كفاني ما لاقيته من هذه المساومة التجارية، وإذا كنت قد لبيت دعوة السيد ج. فالمسؤولية ليست واقعة علي.»
نامعلوم صفحہ