واستيقظ بطل إليوم من غفوته الصاحية، وانطلق لسانه من عقاله يقول: «أندروماك! أيتها الحبيبة! اسمعي إلي!»
لا تخالي يا أعز الناس إلى أن قلبي قد تحجر فلم يخفق لكل ما ذكرته من قبل! لا! لقد خفق كثيرا بمثل هذه الهواجس، بل هو قد ذكرك وقد تصور أن هكتور مقتول، وكأنك كما ذكرت عن أمك في جملة السبي، وأنك تئوبين مع أحد القادة الهيلانيين إلى هيلاس! وأن القائد الغليظ قد ضمك إلى حريمه، أو بالغ في الإيذاء فجعلك إحدى سراريه أو خدمه، كلما مر بك أحد أشار إليك بالبنان: «مسكينة! هذه زوجة هكتور فتى طروادة، وابن ملكها المقدام، البطل الذي سفك الدماء وسعر الهيجاء، تعمل هنا اليوم خادمة ذليلة، كسيرة القلب، مهيضة الجناح، تأتمر بأمر السفلة والأخساء!» «لا يا أندروماك! لقد ذكرت ذلك جميعا ومن أجل هذا فأنا لهذه الحرب وأنا لهؤلاء الأعداء! سأحطمهم! سأدك الأرض من تحتهم! سأسقط السماء عليهم كسفا! من أجلك! من أجلك يا أندروماك! لا ... لا ... بل من أجلك يا طروادة! يا وطني! يا بلادي!»
وسكت فتى طروادة قليلا، ثم ذكر المعركة وما يدور فيها، فتقدم إلى زوجه فطبع على جبينها قبلة كلها هموم، ومد يده يريد أن يأخذ سكمندريوس فيداعبه أو يودعه؛ ولكن الطفل صرخ مروعا من هذه الخوذة النحاسية المذهبة التي تحمي مفرق أبيه! وابتسم والداه برغم حزنهما، ورفع هكتور الخوذة وألقاها على الأرض المعشوشبة، وتناول الطفل فأرقصه قليلا حتى انفرجت شفتاه عن ضحكة عالية، ولثمه كما تلثم العاصفة فننا وارفا فتلفحه، ودفع به إلى حضن أمه.
وانطلق يطوي الطريق إلى المعمعة!
بتروكلوس
إن يكن قد أصاب الطرواديين قرح فقد أصاب الهيلانيين قرح مثله.
ذلك أنه ما كاد يغادر نبتيوما حومة الوغى، صادعا بأمر الإله الأكبر، حتى أفاق الطرواديون وأحلافهم، كما أفاق الهيلانيون من قبل حين غادر الحومة مارس وزبانيته.
أفاق الطرواديون إذن، وصحا زيوس من رقية حيرا، فأقسم إلا أن تدور الدائرة على جنودها من شانئي أخيل؛ وإلا أن يحيق بهم مكر هذا السحر الذي ملأ جفنيه، وغلق سمعيه، وأطلق أيديهم في أبناء طروادة يضربون منهم كل عنق كريم وكل بنان!
وما هي إلا أن لم الطرواديون شعثهم، ورتقوا فتقهم حتى استطاعوا أن يعيدوا الزحف، ويأخذوا أعداءهم المزهوين بنشوة النصر على غرة منهم، ويطلع سيد الأولمب من ذروة جبل إيدا فيمكن لهم من أبناء هيلاس، ثم يسلط عليهم صواعقه ويفتح عليهم السماء فتمطرهم بعذاب واقع ليس له من دونه دافع، إلا أن يثأر لابن ذيتيس، حبيبة القلب، ومنية النفس!
وفزع أوليسيز إلى رمحه،
نامعلوم صفحہ