119

قصہ طروادہ

قصة طروادة

اصناف

وقال هكتور: تخدع نفسك يا أخيل إذا ظننت أني كنت ألوذ بأذيال الهرب منك، حين أجريتك هذه الأشواط الثلاثة حول إليوم! لا ... فإنني ما حاولت إلا إجهادك وأن ينال الإعياء منك، والآن، ها أنا ذا قد انقلبت للقائك فإما أن أقتلك وإما أن تروي روحك الظامئ من دمي. من يدري؟ أليست الأقدار مطوية عنا في صحائف الغيب؟ لا يعلمها إلا سيد الأولمب وكبير الآلهة: زيوس جل شأنه!

بيد أنني أطمئنك من الآن يا أخيل، إن أظفرتني السماء بك، فلن أفضحك في هذه العدة السابغة من فوقك، ولن أنزع عنك تلك الدروع الضافية التي لن تنفعك من المقادير من شيء ... ثم أعدك أيضا ألا أفضحك بعد موتك في هذا الجسم العزيز الذي سيكون بعد قليل جثة لا نأمة فيها ولا حياة ... لن أرسل بك إلى عراء طروادة فأنبذك فتأكل الطير منك، وتنوشك سباع البرية الموحشة التي تعج بالضواري والكلاب ... لا ... لن أفعل من ذلك قليلا ولا كثيرا ... بل سأترك لجنودك البواسل أن يحملوك إلى سفائنك عزيزا في قتلتك كما كنت عزيزا في معاشك.

والآن؛ يا ابن بليوس! هل تعدني الوعد الذي وعدتك؟ وهل تعاملني بمثل ما أنا معتزم أن أعاملك إن أظفرتك السماء علي؟

وتزلزل الأرض تحت عربة أخيل مما سمع من مهاترة ابن بريام، ويقذفه بشواظ من الكلم المحنق والقول المضطرم ثم يقذفه بصعدته الظامئة التي تمرق إلى هكتور كالبرق الخاطف لو أصابت منه عضوا لذهبت به إلى الجحيم.

ولكن هكتور العظيم ينفتل كالبرق الخاطف، فيهوي رمح أخيل إلى أرض الساحة ويغوص ثمة إلى ثلثيه ... إلا قليلا.

وكانت فرصة طيبة لهكتور ينفرد فيها بخصمه الأعزل لو لم تكن مينرفا حاضرة وعلى أهبة تامة لمعاونة أخيل؛ فلقد سارعت إلى الرمح فانتزعته من الأرض، وسلمته لصاحبه دون أن يلمحها هكتور ...

وقبل أن يتهيأ لها أن تصنع ذلك قال ابن بريام: «أخيل! ها قد طاشت ضربتك وآن لطروادة التليدة أن تستريح منك يا ألد أعدائها! لقد كنت تحدث نفسك برأس هكتور غريمك وخصمك، فلتبحث الآن عن رأسك يا ابن بليوس.»

ولم يكد البطل المسكين يتم قولته ويضيع بها فرصته حتى كانت مينرفا قد أعادت الرمح إلى أخيل ... وحتى تبسم أخيل ابتسامة لاذعة ساخرة بما قال هكتور الذي داعب هو الآخر رمحه ثم أرسله كأنه الحتف فارتد على درع فلكان، ثم هوى إلى الأرض فغاص فيها؛ وقبل أن يلحق به هكتور حال أخيل بينهما، وأصبح الموت أقرب إليه من حبل الوريد؛ وتلفت ابن بريام يبحث عن أخيه ديفوبوس فلم يعثر له على أثر فصاح من الوجل يقول: «يا ديفوبوس! أغثني يا ديفوبوس! أدركني يا ديفوبوس! هات لي رمحا يا ديفوبوس ...»

بيد أن ديفوبوس لم يغثه ولم يدركه ولم يحضر له رمحا، وبدت له مينرفا وهي تبتسم ابتسامة خبيثة زلزلت أركان هكتور؛ الذي فطن إلى الحيلة التي جازت عليه، فقال يخاطب الربة الساخرة وهو يكاد ينشق من الغيظ: «يا للسماء! أهكذا تخاتل الآلهة، فتقضي بموتي في معركة لا أحمل فيها سلاحا ... ولكني سأقاومك يا ابن بليوس، فإذا سقطت فلن يكون لك في ذلك فضل ولا محمدة، واذهب من بعدها فصل للخاتلة التي نصرتك وآزرتك ...»

وامتشق المسكين سيفه، ولكن ماذا يصنع الجزار البتار في ملحمة لا يقطر الموت فيها إلا على أسنة الرماح!

نامعلوم صفحہ