وعبس أخيل عبوسة قاتمة ثم نظر إلى أبوللو مغضبا وقال: «حسبك يا سيد الشمس ما ضيعت من جهود وما فوت علي من ثارات. أعرج في سمائك الشاسعة ودع بني الموتى يصطرعون من أجل المجد والشرف ... لقد أنقذت خصمي من قتلة محققة، فهل يا ترى تظل يا سيد الشمس تعترض طريق الأقدار ليمرح في كنفك الفجار الأشرار؟»
وانطلق أخيل يعدو في إثر هكتور، وكان هكتور قد أخذته العزة أن ينجو بنفسه فيدخل المدينة مع الداخلين.
وكان بريام الملك الشيخ يشرف على الساحة الحمراء من أحد أبراج مدينته، فرأى ابنه واقفا في إحدى حنيات الأسوار يستجم، ويرسل في رهج الميدان عينين سادرتين محزونتين تشفان عن قلق عميق، واضطراب دوي، فريع الأب المفئود وزلزل زلزالا شديدا، وطفق يئن أنينا عاليا ويضرب صدره الموهون بيديه الواهيتين ثم يصيح بابنه أن يسارع إلى البوابة الإسكائية قبل أن يلحق به أخيل، عسى أن ينجو مما يتربص به من منون. «أي بني! هكتور! فيم تقف في هذا الميدان وحدك تنتظر الطاغية أخيل عليه لعنة السماء والآلهة بقتله بني وإهداره دماء مواطني!
هلم يا بني فحسبي ما جزعت على بوليدور، وحزنت أمض الحزن وأوجعه على ليكاون، وما حطم قلبي من الأسى على أبناء إليوم!
هلم يا بني فأنت أمل طروادة ومعقد رجائها، وليس لها بعدك من ولي ولا شفيع!
هلم فأبوك الشيخ قد صدعه الحزن وأوقرت ظهره ويلات الحرب وأغطشت عينيه أرزاء هذا البلاء، فلا تكن أنت محنة المحن التي تحل به، واستبق شبابك له يتسل بك، ولأمك المفجعة تستلهم بقربك الصبر على ما كرثها الزمن الصارم من نكبات يلاحق بعضها البعض، وتأخذ أولاها بتلابيب أخراها مشرق كل شمس وكل مغيب شمس.
هلم يا هكتور إلي! إلى والدتك! إلى زوجك! إلى طفلك الذي تكاد تسلمه لليتم، وتدعه خلفك للشقاء!
هلم وحسبنا أرامل شجعاننا اللائي يحلن إشراق أيامنا ظلمة، ويصيرن لألاء الحياة قتاما، ويرسفن في أغلال الاستعباد حيث يقمن في خدمة الإغريق اللؤماء!
هلم إلي يا بني! فوأرباب الأولمب إني لأرتعد فرقا كلما خلتك ملقى بالعراء تنوشك سباع الطير، منبوذا لضواري هذه البرية التي طالما أطعمتها وأكرمت مثواها ...»
وصمت الملك وراعه أن ابنه لم يتحرك لتوسلاته، بل لبث مكانه يرمق الميدان، فراح يضرب يدا بيد، ثم انحنى فجعل يحثو التراب على رأسه المجلل بثلج الشباب وندف الأيام، وبهذه الشعلة البيضاء التي زادتها أحداث الزمان اضطراما.
نامعلوم صفحہ