قصة الخلق: منابع سفر التكوين
قصة الخلق: منابع سفر التكوين
اصناف
2
دور الملك في التكوين
استطاع «سرجون» إذن، ولأول مرة، أن يوحد مدن سومر في دولة مركزية موحدة، يسودها عنصر سامي وافد، وكان ذلك إيذانا بتحول فوضى الفرقة إلى نظام، في جهاز إداري واحد صارم، وخضوع كافة السلطات الاجتماعية المتراتبة، لسلطة واحدة آمرة ناهية، تتمثل في شخص الملك الجديد، المالك لكافة المشتركات المدينية السابقة، التي تحولت بسادتها البشر والآلهة إلى أتباع للسيد الجديد المطلق النفوذ، الذي تحول بدوره بالسلطة المجردة من القسر إلى سلطة باطشة، بعد أن تدهورت سلطة مجالس المشتركات الأولى وقيودها على العاهل تدريجيا نتيجة للاتساع الهائل للدولة ليمسك الملك المتحرر النفوذ بكل السلطات. وفي الدولة السرجونية، تحرر الملك تماما من نفوذ أي مجالس شعبية، وأصبح القسر والبطش الأسلوب الأسرع في الوصول والتأثير في البقاع المترامية الأطراف، لتحقيق مآرب الدولة الموحدة، إزاء طوارئ لا تحتمل انتظار الرأي الشعبي في دولة واسعة، وتم تمثيل الكل في ذات الحاكم، والإله الذي ساد بسيادة هذا الحاكم، ومن ثم أخذ الإله يتحول عن صورته الرحيمة القديمة كأب بدائي للمشترك، ليتحول إلى طاغ طغيان الملك، كلمته نافذة نفاذ كلمة الملك، عصيانها قد يدمر الدولة أو يؤخرها على المستوى الإنساني، فهي خيانة عظمى، وعصيانها على المستوى الإلهي كفر وإثم عظيم، ومن ثم أصبحت كلمة الملك والإله واحدة، لا راد لها ولا لقضائها، فتحولت القدرة الإلهية من الفعل بالعمل، إلى الفعل بالكلمة، وظهر لأول مرة دور الكلمة الإلهية في التكوين الرافدي، على ما سنرى بعد قليل.
المهم أن الساميين الوافدين تركوا الآلهة السومرية على حالها لكن مع تبديل في أسمائها إلى أسماء سامية، ومع بعض التغيير في الأدوار والوظائف، فظل مجمع السبع المقررة المصائر قائما وكذلك مجمع العظام الخمسين، لكن بعد أن توارى «آن» زعيم السبع المقررة المصائر، ليحل محله «إيل» أو «إل» السامي أما الأرض «كي» فأصبح «أرد
ARD »، كذلك «أوتو» الشمس تم تعديله إلى «شمش»، و«نانا» القمر باعتباره الإله جميل الصورة الزين، إلى «سين»، والزهرة «إينانا» إلهة الجنس الشبقة العاشقة دوما للعشرة والمعاشرة الجسدية، أصبحت «عشتار» من العشرة والتعشير (أي الجماع والحمل)، بينما تحول «آنليل» إلى «الليل» خلال الدولة الأكادية، ثم أزاحه إله الدولة البابلي الصاعد «مردوخ
MARDUK » نهائيا، واستولى على صفاته ومناصبه، ثم لم يكتف بذلك، بل اقتنص كل اختصاصات الآلهة العظام الخمسين، ولم يمض وقت قصير حتى تمكن من الاستيلاء على اختصاصات باقي الآلهة، وحتى دور «آنكي» الأب الأول، سلب منه مبدئيا على يد إله جديد هو «أيا
EA »، ثم أخذه منه «مردوخ» باعتباره في الميثولوجيا البابلية ابن «أيا» ووريثه، أو الابن الذي فاق أباه قوة وحكمة .
وفي ذلك يقول «عبد العزيز صالح»: إنه قد «انتفع البابليون ببعض عناصر الفكر السومري، عن أصل الخلق المادي والمعنوي في دنياهم، وخرجوا بنظرية عن نشأة الوجود، جعلوا ربهم قطب الدائرة فيها.»
1
ويضيف «بوتيرو»: «إن البابليين لا يبدو أنهم افترضوا انعداما كليا للأشياء كأصل الوجود، بل افترضوا فوضى وعدم انتظام شامل، وبهذا فإن الكون لا يبدأ بخلق ... لكن يبدأ بتنظيم ما هو في حالة فوضى.»
نامعلوم صفحہ