فأجاب: إني لا آكل لحما في الصباح مطلقا، وإنما أتناول نصف برتقالة وبيضة وكأسا صغيرا من الشاي، قال ذلك وأبرقت عيناه ولم أر فيهما شيئا من الكذب.
ثم قلت له: أرجوك أن تعلمني كم مرة تأكل في النهار؟
فأجاب بكل سكينة: إني أتناول الطعام دفعتين في اليوم في الصباح والظهر، وأتناول على الغداء صحنا من الحساء وصحنا من اللحم الأبيض وشيئا من الحلوى والفاكهة وفنجال قهوة ولفافة تبغ.
فقلت له: وإذا كان الأمر كما ذكرت فما تفعل بقناطير المال المقنطرة المحشودة في خزائنك؟
فأبرقت عيناه واختلج حاجباه وارتفع كتفاه، وقال: أصنع من نقودي نقودا أخرى.
فقلت له بسرعة: ولماذا تصنع النقود؟ - لأزيد ثروتي اتساعا.
فقلت: وما الفائدة في تلك الزيادة؟
فقام عن مقعده ودنا مني ووضع يده على كتفي، وسألني قائلا: هل أنت في عقلك أم أنت معتوه؟
فأجبته من ساعتي: وأنت أيهما العاقل أم المعتوه؟
فاطرق مليا وقال: الجنون فنون، والحق أني أول مرة في حياتي أرى رجلا مثلك، ثم تثاءب حتى كادت شفتاه تلتصق بأذنيه، ثم أخذ يتفرس في وينظر إلي من رأسي حتى قدمي، ولحظت من وجهه أنه يعد نفسه إنسانا طبيعيا كسائر الناس، ولحظت أن في ربطة عنقه دبوسا صغيرا من الزمرد، وبعد برهة ساد فيها السكوت سألته: ما هو العمل الذي يتعاطاه؟ فأجاب: أتعاطى مهنة عمل النقود.
نامعلوم صفحہ