256

قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية

قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية

اصناف

قدم وأخر من أردت من الهوى

مات الذي قد كنت منه تستحي

وشنق بعض الأمراء، وكانوا محبوبين فكثر عليهم الحزن والأسف، وقد خلت البلاد للسلطان سليم وتمكنت الدولة العثمانية من الديار المصرية فصارت مصر ولاية بعد أن كان سلطانهم أعظم السلاطين، وذلك أن السلطان سليم أناب عنه (خير بك)، وترك بمصر خمسة آلاف فارس وخمسمائة من رماة البنادق والرصاص، ولما خرج خرج معه ألف جمل محملة من الذهب والفضة، غير التحف والنحاس والصيني والخيول والبغال والإبل، وقد سلبت رجاله ووزراؤه من مصر وبلادهم ما لا يدخل تحت حصر.

ولحق مصر من الضرر الشامل مدة إقامة عساكره بها ما لا يوصف، وعمت البلية، وبطل منها خمسين صنعة، ولم يجلس في القلعة، ولا أنصف مظلوما من ظالم، بل كان مستغرقا في لذته وسكره مقيما في المقياس بين الصبيان المرد، وترك الحكم لوزرائه، ولم يكن يظهر إلا وقت سفك الدماء، وعساكره دنيئون قذرون يأكلون في الأسواق على ظهور الخيل، يتجاهرون بقلة الدين وشرب الخمر، وغالبهم لا يصلي ولا يصوم، وليس لهم أدب ولا ذمة، ومع ذلك فقد أسعده الحظ، واتسعت مملكته من الفرات إلى مصر، وأخذ معه ابن السلطان الغوري، وقد أرسل إلى القسطنطينية قبل خروجه كثيرا من علماء مصر وأشرافها وتجارها، وعددا من أهل كل حرفة، فتعطل بمصر كثير من المصالح، ومن خوف الناس من جنوده كان الأعيان يستأجرون بعض العثمانيين ليحفظوا بهم بيوتهم، وصار هؤلاء الجند العثمانيون إذا رأوا رجلا ماشيا في الطريق قالوا: إنه شركسي يريدون الفتك به، فيستشهد بالناس أنه ليس شركسيا، وإنما هو مصري، فيقولون له: اشتر نفسك من القتل بدفع شيء من المال، فيفعل ذلك؛ وصار كل من عادى عدوا من المصريين دس إليه عند العثمانيين، ونهبوا القماش والسلاح والخيل والبغال والجواري والعبيد من كل شيء جليل، ونهبوا الذهب والسروج الذهبية والبلور والعقيق والخلع المطرزة بالذهب، ثم تغالوا حتى أخذوا أموال الأوقاف، ولم يردعهم أحد؛ فغالوا في الضرائب، وأخروا صرف ماهيات الشراكسة نحو ثمانية أشهر ثم دفعوا لهم منها شهرين؛ وقتلوا الكلاب الكثيرة حتى قال قائلهم:

تأملوا ما جرى بمصر

من حادث عم بالعذاب

فما رعى الترك في دماء

فكيف يرعوا دم الكلاب

وقد نظم ابن إياس في ذلك قوله:

نوحوا على مصر لأمر قد جرى

نامعلوم صفحہ