مقدمة
حرف الألف
حرف الباء
حرف التاء
حرف الثاء
حرف الجيم
حرف الحاء
حرف الخاء
حرف الدال
حرف الذال
حرف الراء
حرف الزاي
حرف السين
حرف الشين
حرف الصاد
حرف الضاد
حرف الطاء
حرف الظاء
حرف العين
حرف الغين
حرف الفاء
حرف القاف
حرف الكاف
حرف اللام
حرف الميم
حرف النون
حرف الهاء
حرف الواو
حرف الياء
مقدمة
حرف الألف
حرف الباء
حرف التاء
حرف الثاء
حرف الجيم
حرف الحاء
حرف الخاء
حرف الدال
حرف الذال
حرف الراء
حرف الزاي
حرف السين
حرف الشين
حرف الصاد
حرف الضاد
حرف الطاء
حرف الظاء
حرف العين
حرف الغين
حرف الفاء
حرف القاف
حرف الكاف
حرف اللام
حرف الميم
حرف النون
حرف الهاء
حرف الواو
حرف الياء
قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية
قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية
تأليف
أحمد أمين
مقدمة
في نحو سنة 1938 طلب مني أن أكتب سلسلة مقالات في مجلة الإذاعة فاحترت في اختيار موضوع تتعاقب مقالاته، وبعد ذلك هداني تفكيري إلى أن أكتب سلسلة مقالات في العادات والتقاليد المصرية بعنوان دائرة المعارف المصرية أرتبها حسب حروف الهجاء، فبدأت بحرف الألف، وبدأت من حرف الألف بالإبرة أذكر على الأخص عقائد المصريين فيها والأمثال التي قيلت فيها، واستمررت على ذلك نحو أربع عشرة مقالة ولما ينته حرف الألف، ثم شاء القدر أن أختار عميدا لكلية الآداب سنة 1939 فنصحني بعضهم ألا أستمر في هذه المقالات؛ لأنها تتنافى مع جلال العمادة، مع أنها كانت في اعتقادي أجل من عميد.
ومضت السنون وتركت العمادة، وأخيرا في نحو سنة 1948 سألني سائل: هل كتبت في مجموع مقالاتك هذه شيئا عن أبي علي وأم علي وما معناهما؟ فأجبته، وهاجني ذلك إلى أن أتم ما بدأت فأخذت أجمع الماضي وأكمله، واستغرق مني ذلك نحو أربع سنين، ورأيت صعوبات كثيرة في هذا الموضوع فلم أكن أعتمد إلا على الذاكرة غالبا، وساعدني أني تربيت في حارة بلدية تكثر فيها العادات والتقاليد، وقد منحني الله ذاكرة طيبة حفظت ما كان يجري أمامها حتى مع التقدم في السن، فأخذت أستذكر ما مضى، وكلما ذكرت عادة أو كلمة قيدتها من غير ترتيب حتى إذا تمت اجتهدت في ترتيبها، وعرفت إذ ذاك فضل الخليل بن أحمد لما بدأ يجمع معجمه «العين» لا عن مثال يحتذيه وسلك في ذلك مسلكا دقيقا بوضع الكلمة حسب مخارج الحروف وحذف المهمل منها، ولكني لم أفعل ذلك بل اكتفيت بتقييد ما أذكره.
ثم رأيت أن كلمة «دار المعارف» كلمة فخمة لا تتناسب وهذا الكتاب، فتواضعت وسميته «قاموس العادات والتقاليد المصرية».
وأخيرا كنت أجلس مع صديقي الأستاذ توفيق الحكيم فقص علي أن مستشرقا فرنسيا أراد أن يترجم كتاب «يوميات نائب في الأرياف» فوقف عند ترجمة كلمة «كوز ذرة» وتساءل: ما معنى كلمة «كوز» هنا ثم ترجمها بكلمة «كوب من الذرة» وبذلك انحرف عن المعنى الأصلي، فلفت ذلك نظري إلى أن هؤلاء المستشرقين وأمثالهم في حاجة إلى شرح التعابير الشعبية، فأخذت أجمع هذه التعابير وأشرحها ولكني وجدتها كثيرة جدا تحتاج إلى سنين في جمعها فاكتفيت منها بعرض نماذج وتركت لمن يأتي بعدي حصرها والبحث في إرجاعها إلى أصلها الذي أخذت منه، ثم رتبتها على حروف المعجم واضطررت من أجل جمعها إلى مطالعة في كتب كثيرة شعبية، هذا إلى ما وعته الذاكرة.
وفي الحق أني أعتقد أن المؤرخين قد قصروا فأهملوا الجوانب الشعبية عند كتابتهم التاريخ اعتزازا بأرستقراطيتهم، مع أن الأدب الشعبي - في نواح كثيرة - لا يقل شأنا عن اللغة الفصحى وأدبها، سواء من حيث فنها أو من حيث دلالتها على حالة الشعوب.
لم أستقص العادات والتقاليد المصرية في جميع عصورها؛ لأن هذا عمل شاق طويل، بل اكتفيت بها في العصر الحديث الذي عاصرته أو سبقني بقليل.
وقد أقدمت عليه وأنا وجل؛ لأنه موضوع جديد أظن أني لم أسبق إليه، والجديد عادة غريب، وأنا أعتقد أنه فتح باب يكمله من يأتي بعدي، وقد دعاني إلى تأليفه ما رأيت من عادات وتقاليد وتعابير كانت حية في زمنها ثم أخذت تندثر حتى إن أولادي قل أن يعرفوا منها شيئا، فالمؤرخ في حاجة شديدة إلى تدوينها والانتفاع بها.
نعم قد يؤخذ علي أن في نشر هذه الأشياء تشهيرا بالمصريين وحطا من شأنهم؛ لأن أكثرها خرافات وأوهام، وانتشار الثقافة بين المصريين وخصوصا النساء أزال كثيرا منها، ولكن عذري في ذلك أنه تسجيل لما كان، وحمد لله على أخذها في الزوال، والحق أحق أن يقال من غير اعتبار للوم لائم أو اتهام متهم، فإذا رأى راء أن في هذا عيبا وتشهيرا، رأيت أن في هذا مفخرة للمصريين إذا نظرنا إلى أين كانوا، وإلى أين صاروا، وكيف قطعوا خطوات واسعة في عهد قريب في التقدم.
فهذا الكتاب يمثل مرحلة زالت أو هي على وشك الزوال، كما يمثل أمة طفرت إلى استعمال العقل بعد الإغراق في الخيالات والأوهام، وقد كتبنا في التعبيرات الهمزة قافا؛ لأن اللغة الشعبية لا تنطق بها قافا مطلقا، وإنما تنطق بها همزة؛ لأن القاف أسهل في الكتابة من الهمزة، وأدل على الأصل، فنحن إذا كتبنا قال آل، كانت نابية على النظر مستكرهة على السمع، ولم أمعن في كتابة العادات القديمة؛ أي ما كان عند قدماء المصريين، أو عند المصريين في العصور الوسطى؛ لأن الموضوع الأول أليق أن يكتب فيه علماء الآثار القديمة، والموضوع الثاني أليق أن يكتب فيه المتخصصون في تاريخ مصر في ذلك العصر، وإنما اكتفيت بذكر العادات والتقاليد التي كانت في زمني أو قبل زمني بعهد قليل.
وفكرة الكتاب في حاجة إلى أن تدرس من نواح كثيرة: (1)
من ناحية هذه العادات والتقاليد وأي منها كان موروثا من عهد قدماء المصريين، وأي منها مستحدث، وهذا المستحدث، ما الأحوال الاجتماعية التي سببته؟ (2)
دلالة هذه العادات والتقاليد على الطور الاجتماعي الذي كانت تعيش فيه البلاد، والتي انتقلت منه وسبب الانتقال. (3)
هو في حاجة إلى استكمال الناقص، وزيادة الشرح. (4)
من ناحية التعابير فهي في حاجة إلى أن تدرس دراسة لغوية لمعرفة أصولها: هل هي من أصل تركي مثلا، أو إيطالي، أو فرنسي، أو عربي محرف، وهي أيضا في حاجة إلى استكمال الناقص منها، فإني رأيت الذين عنوا باللغة الشعبية جمعوا مفردات لا تراكيب وأساليب، مع أن الناحيتين يكمل بعضهما بعضا، فلما رأيتهم جمعوا الكلمات، عنيت بجمع التعابير والأساليب، ولم أستقص كل هذه التعابير والأساليب فهناك أضعاف لها في ثنايا الكلام الشعبي، اكتفيت بذكر نموذج منها، فهو يحتاج إلى من يكمله.
هذا إلى ما فاتني من العادات والتقاليد، وقد عودتنا الطبيعة أن الشيء يبدأ ناقصا فإذا قدر له البقاء كمل على الزمان، وليس يعلم إلا الله ما لقيت من عناء في جمعه وترتيبه، فقد شغل به ذهني طويلا، وأحيانا كنت أفكر فيه وأنا نائم، فتأتيني فكرة عادة من العادات أو تعبير من التعابير، فأستيقظ وأوقد المصباح وأكتب في مذكراتي ما تذكرت حتى لا أنساه في الصباح.
وقد ينظر إليه بعض الأرستقراطيين من العلماء نظرا شزرا، ويعجبون كيف أن أستاذا جامعيا يتنزل إلى قيد عادات وتعابير شعبية، يعنى بها العوام، ولكن عذري أني أرى أن هذه ناحية تهم المؤرخ الصادق كما يهمه أدق شيء وأصغره، وأني أعتقد أن في العادات والتقاليد دلالة على نوع الأخلاق ونوع العقلية للشعوب، وأن في التعابير الشعبية من أنواع البلاغة ما لا يقل شأنا عن بلاغة اللغة الفصحى، وأن هناك من أمثلة المصريين وتعبيراتهم وزجلهم ما يعجب به عالم البلاغة، كما يعجب بامرئ القيس وزهير، وشاء القدر أن أعنى بالناحيتين في آن واحد، فقد كنت أحضر الجزء الثاني من ظهر الإسلام فأغرق في تاريخ الطبري وفلسفة إخوان الصفاء وابن سينا، وأخرج من ذلك، فأنظر في المجلات الشعبية الخفيفة لألتقط منها بعض التعبيرات، وأعتقد أن في كل خيرا ومنفعة، والله المسئول أن ينفع به كما نفع بإخوانه من قبل، فما أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله.
أحمد أمين
القاهرة في 10 / 1 / 1953
حرف الألف
إإي شمر:
تعبير يقال لمن يغضب من أي كلمة ولو تافهة، فيقولون: يغضب من إإي شمر.
آدي آخرتها:
تعبير يقال للنتيجة تعقب العمل السيئ.
آدي زمان البدنجان:
يعتقدون أنه في زمان البذنجان يكثر الجنون.
1
آدي الزير وآدي غطاه:
تعبير يعني أنهما متناسبان؛ أي إن البرهان حاضر، فإذا قلت: إن الغطاء ليس على قدر الزير، أو الزير ليس على قدر الغطاء، فهذا هو الزير، وهذا هو غطاه، يحكمان بيننا.
آدي اللي صار وآدي اللي كان:
تعبير يعني هذا ما حدث.
آه:
تعبير يستعمل في اللغة العربية استعمالات كثيرة، قصيرة وممدودة فيقولها من يسمع المغني استحسانا له، وهي بالمد، ويقولها المريض وهو يتأوه، ويمدها على حسب مرضه، ويقولها بالخطف من رأى منظرا غريبا، خصوصا إذا كان مرعبا، وتقال أيضا بالمد بمعنى نعم، ومثلها في هذه الاستعمالات ما عدا معنى نعم لفظ الجلالة «الله».
آهين:
هي تثنية آه فإذا زاد الوجد على العاشق، فبدل أن يقول: آه، يقول: آهين وأحيانا يجمعونها على آهات.
آه يا وعدي:
تعبير يعني ما أكثر ما ألقاه منك.
أبات أعلم في المتبلم، يصبح ناسي:
تعبير يقال للشخص الذي ينسى ما يذكر له، ولا يتعلم مما يجري أمامه، والمتبلم تطلق على الأبله والساهي، وخصوصا من يتعاطى المنزول.
أبات مهني وألحس مسني:
يقولون: إن فأرا في الصحراء كان مع فقره حرا، فأضافه فأر القرية، فلما أمسك ندم على ما فعل، وقال: إنه كان خيرا أن أبيت فقيرا متهني، ولو اقتصرت على لحس مسني.
أب له:
إذا رئي ولد يفعل فعلا جيدا أو رديئا، وقد ورثه عن أبيه إذا كان معروفا به: قالوا أب له، وقريب منه قولهم: هو ابن مين؟؟
الإبرة:
هي الأداة المعروفة، وقد أصبحت محورا يدور عليها كثير من الاعتقادات المصرية، والأدب المصري الشعبي، وقد أخذت هذه الاعتقادات تندثر تبعا لرقي الأمة واستنارتها.
كان عامة المصريين يحرمون بيع الإبر بعد العصر، وكان على باب حارتنا «عطار» لو بذلت له عشرة قروش ثمن إبرة بعد العصر لا يرضى أن يبيعها، وأساس ذلك عندهم خرافة شائعة، وهي أن الملائكة الموكلة بقسمة الأرزاق تنزل بعد العصر، فتقسم الأرزاق حسب الحالة التي يرون عليها الإنسان، فإذا كان في سعة من العيش زادته سعة ، وإن كان في ضيق أعطته على قدره، وهم يعتقدون أن حرفة الخياطة من أبأس الحرف وأفقرها، فهم يكرهون أن تراهم الملائكة على هذا البؤس فترزقهم على قدر بؤسهم، فحرموا من أجل ذلك الخياطة وبيع الإبر بعد العصر.
وعند بعضهم اعتقاد بأن الخياطة بالليل تؤذي الأموات، فهم يكرهون أن يخيطوا شيئا بالليل، وفي بعض القرى يتشدد النساء في ذلك فلا يعرن إبرة لأي سبب بعد العصر، فإذا دعت الضرورة إلى ذلك وضعتها المعيرة فوق رغيف من الخبز وأعطته لطالبة الإبرة فتأخذ الرغيف وعليه الإبرة، ولكن لا تمسها بيدها مباشرة.
وعندهم نوع من الإبر يسمى «الإبرة الغشيمة» وهي الإبرة التي لا عين لها، وهي في الأصل إبرة أخطأت الآلات التي تصنعها فمرت عليها من غير أن تثقبها، فلما كثر الطلب عليها كان تجار الإبر يستوردونها بتوصية منهم عليها، وكان السبب في الإقبال عليها اعتقاد العجائز أنها تبطل عمل السحر، فهن يأخذنها ويلففنها في خرقة ويضعنها في حجاب من جلد فتمنع العين والسحر.
وقد دخلت الإبرة في الأدب المصري الشعبي كما دخلت في الأدب العربي، فهي في الأدب المصري سبة للمرأة، فإذا رأت امرأة امرأة أخرى نحيفة جدا، وكانت جلدا على عظم، عيرتها بأنها «إبرة»، وكانت هذه سبة فظيعة يوم كان المثل الأعلى للجمال هو السمن، وكان الخاطب يوصي الخاطبة بأن تكون المخطوبة «بيضاء سمينة غنية وشعرها أصفر»، فأما الآن فقد تغير هذا الذوق، وتغلب حب الرشاقة على حب السمن؛ ولذلك فقدت هذه السبة كثيرا من قيمتها.
ومن الأمثال العملية في الإبرة «يفتي على الإبرة ويبلع المدرة»، ومعنى يفتي على الإبرة أنه يفتي بتحريم الإبرة على غيره، ومعنى «المدرة» المذارة وهي التي يذرى بها الحب، وهو مثل يضرب لمن يحرم على الناس صغار الأمور وهو مع ذلك في نفسه يرتكب كبائرها، فهو لغيره يحاسب على الإبرة وهو في نفسه يبلع المدرة.
ومن أمثالهم أيضا «الإبرة اللي فيها خيطين ما تخيطش»، وهو مثل يضرب لتعدد الرؤساء والخوف من فساد العمل بكثرة الأوامر المتناقضة، فهو شبه بالمثل الآخر: «المركب اللي فيها ريسين تغرق.»
ومما يتصل بأمثال الإبر أنهم إذا عابوا خياطة خائطة قالوا: «بين الغرزة والغرزة ترقد المعزة»، يعنون بذلك أن غرز الخياطة ليست منسجمة ولا دقيقة، فبين كل غرزة وأخرى فضاء كثير يتسع لرقاد العنزة.
ومن أمثالهم أيضا «التركي يحفر البير بإبرة» وهو يدل على عقيدتهم في التركي بأنه صبور على نيل غرضه يصل إليه في دؤوب وصبر، ولو لم يجد وسائله متوافرة استطاع أن يتخذ أي وسيلة مهما صغرت وكمل نقصها بصبره والثبات على قصده.
وفي القرآن الكريم:
ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ، وسم الخياط هو ثقب الإبرة الذي لا يدخلون الجنة حتى يدخل الجمل في خرق الإبرة، فهذا مستحيل وذاك مستحيل، وهذا تعبير جميل عن الاستحالة.
ومن التعبيرات اللطيفة في ذلك قول الشاعر:
فلو أن ما بي من جوى وصبابة
على جمل لم يدخل النار كافر
أي لو أن ما به من وجد وهيام وضنى وصبابة نزل بالجمل لهزله وجعله كالفتلة تدخل في إبرة، وإذا دخل الجمل في إبرة دخل الكافر الجنة.
والعرب جمعت الإبرة على إبر وأحيانا تجمعها على إبار ككتاب، ومن ذلك قول القطامي:
وقول المرء ينفذ بعد حين
أماكن لا تجاوزها الإبار
وهو معنى ظريف أي إن القول قد يصل في الحز واللدغ ونحوهما إلى حيث لا تنفذ الإبر.
وشاع في الأيام الحديثة التعبير بقولهم: «السياسة وخز الإبر» ويعنون بذلك سياسة العداء في الخفاء تخز وخزا من غير أن تسيل دما.
إبريق:
الإبريق إناء من الأواني التي يستعملها المصريون، وله صنبور يصب منه الماء، ويد يمسك منها، وهو يستعمل من الصفر أو من النحاس الأحمر، وفي العصور الحديثة استعمل من الصاج، واستغني عن الصنبور بشفة يصب منها الماء، وإذا ذكر الإبريق ذكر الطشت، وكان كثيرا ما يستعمل لتنظيف اليدين قبل الأكل وبعده فكان من يريد الأكل يصب على يديه الخادم من الإبريق في الطشت، فإذا فرغ منه غسل يده أيضا لتنظيفها.
وكان من الأشياء التي تلاحظ دائما في جهاز العروس شراء الطشت والإبريق، فلما غزتنا المدنية الحديثة استغنينا غالبا بالحنفيات عن الطشوت والأباريق إلا في القليل النادر.
أبزيم أو آبزين:
هو في لسان العامة اسم لآلة من نحاس أو حديد مستطيلة، وفي وسطها لسان رفيع، تستعمل في السروج، أو براذع الحمير، وفي كتاب الألفاظ الفارسية المعربة «الأبزيم جمعه أبازيم، معرب آبزين» وقد استعمل في العصر الحاضر استعمالات كثيرة، فوضعوه لحزام الجلد، وفي البنطلونات، وعلى وجه أحذية النساء، وكانت امرأة في قرية من قرى الشرقية تختزن أبزيما من هذا النوع وتزعم أنه يمنع النزيف من الحبلى وتعيره لكل من أرادته لهذا الغرض من المستعيرات، والنساء المستعيرات له يعتقدن أن لولاه لاستمر النزيف وسقط الحمل، وكانت لا تعيره إلا لمن رهنت عندها حليا يساوي عشرة دنانير على الأقل وبعد الحلف على المصحف بأنها ترده، فلما كثرت الأبازيم بطل سحرها.
أبلس:
أبلس بمعنى تشيطن، يقول: بلاش أبلسة؛ أي لا تتشيطن، وهو مأخوذ من إبليس، كما أن تشيطن مأخوذة من شيطان، وتمرد من مارد، وبعض الناس يستعمل بدل أبلس تأبلس.
ابن:
أصل كلمة «ابن» للولد المذكر فيقال: ابن فلان وابن فلانة نسبة إلى أبيه وأمه، ولكن العرب أضافت الابن إلى شيء ليست العلاقة بينهما أبوة أو أمومة، فسمت اللص ابن الطريق أو ابن الغبراء؛ وذلك أن اللص يتصل بالطريق اتصال الابن بأبيه، وسمت الليل «ابن الكروان» وهكذا.
ونجد هذين الاستعمالين بعينهما في اللغة المصرية، فهم يقولون محمد بن علي وحسن بن فاطمة، وكذلك ينسبون الابن إلى شيء له به اتصال وإن لم يكن الثاني ابنا للأول، ولهم في هذا الباب ألفاظ كثيرة متعددة النواحي فيقولون مثلا:
ابن فن:
لمن مهر في صناعة ما.
ابن روحه:
لمن كان عصاميا ربى نفسه.
ابن فتلة:
للمحتال النصاب.
ابن سبعة:
أي سبعة أشهر؛ أي إنه مكث في بطن أمه سبعة أشهر فقط بدل تسعة يعتقدون أن من كان كذلك كان ضيق الخلق غضوبا، فهم يطلقون هذه الكنية على كل من كان سريع الغضب .
ابن سوق:
للبياع المتجول.
ابن غرام:
لمن سار على هواه ودار على حل شعره (كما يقولون).
ابن الليالي:
وهو يطلق على من كان من طائفة تحفظ القصائد الغزلية الصوفية، كقصائد ابن الفارض ينشدونها عند إقامة الأذكار.
ابن كلمة:
وهو يطلق بمعنيين، فأولا يطلق على من كان سريع التصديق لكل ما يقال له، وثانيا: لمن كان سريع التأثر بما يقال فكلمة ترضيه وكلمة تغضبه.
ابن الحاكم:
وهي كلمة كانت تطلق في الزمن الماضي القريب في الأرياف على العسكري والقواس والحاجب الخفير والصيارفة في القرى، يعنون بذلك أنهم مكلفون من قبل الحكومة بأعمالهم، فيجب أن تحترم أوامرهم، ولا يلامون إذا استعملوا شيئا من القسوة والعنف في أثناء تأدية وظائفهم.
ابن الزمن:
وهي أيضا تستعمل استعمالين أحدهما أن تطلق على الخبير المجرب الذي رباه الزمان وأفاده حنكة وخبرة، والثاني أن تطلق على الرجل ذي المروءة الذي يدخر عند الحاجة وعند حلول كوارث الزمان.
ابن درزي:
وتطلق على اللئيم الميال إلى الإضرار بالناس، وهي نسبة إلى الدروز - تلك الطائفة التي تبعت الحاكم بأمر الله ولهم عقائد خاصة بهم - وعامة المصريين يعتقدون فيهم سوء العقيدة، ولذلك يتخذونهم علما للسباب.
ابن مره:
وهذه سبة عندهم يطلقونها على من لم تنجح تربيته وخرج فاسدا لا يصلح لشيء، وسبب هذه العقيدة أنهم كانوا يرون المرأة بطبعها رحيمة ضعيفة لا تقسو على ابنها ولا تعرف ما ينفع الولد وما يضره، وإذا عرفت وجه النفع والضرر منعتها الرحمة من تنفيذه بالشدة، إنما الذي يشتد ويقسو هو الرجل، فإذا لم يكن للولد أب أو عم أو أخ يربيه ويقسو عليه لا ينجح الولد، وقد دلتهم على ذلك التجارب في زمنهم، ولست أدري ما رأيهم في المرأة الجديدة المتعلمة إذا وكل إليها أمر تربية الولد، فإني لم أجد المثل تغير مع أن الأحوال كلها تغيرت.
ابن ساعته:
يطلقونه على من لا يستمر على حال، فهو الآن صديق وغدا عدو، وهو الآن على رأي وبعد ساعة على رأي آخر وهكذا.
ابن كيف:
يستعملونه للدلالة على من أصيب بكيف من الكيوف، ولكن لا يستعملونه في الكيوف السهلة المألوفة كالشاي والقهوة والدخان؛ وإنما يستعملونه في الكيوف الحادة كمن اعتاد الأفيون أو الحشيش وأخيرا الكوكايين، وقد يطلقون على «الحشاش» وحده: «ابن شداد» وسبب ذلك أنه يستعمل «الحشيش» في «الجوزة» ثم يشد منها أنفاسه فهو ابن شداد من أجل ذلك.
ابن ناس:
للرجل الكريم الأصل ومثله «ابن الأصول» و«ابن السيادة» و«ابن بيت»، وفي عكس ذلك يقولون «ابن اللي هو ابنه» يريدون بذلك أنه غير معروف النسب، فهو كقول العرب: «زياد ابن أبيه.»
ابن الضرة:
يقال للمكروه الممقوت؛ لأن الضرة تكره ضرتها أشد الكراهية وتكره كل من ينتسب إليها، وخصوصا ابنها؛ لأنه يشارك أبناءها في مال زوجها وعطفه وعنايته.
وهناك شتائم كثيرة بدئت بالابن وقد كان حظ كلمة «الابن» في السباب والشتائم أكثر من حظ غيرها، وكثرة السباب بالآباء والأمهات دليل على أن المصريين كانوا يعنون بقيمة الأب والأم عناية قد تفوق عنايتهم بتقويمهم للشخص في نفسه أو بعبارة أخرى بقيمته الذاتية.
واستعملت كلمة «الابن» أيضا كثيرا في الأمثال، فقالوا: «ابن الوز عوام» و«ابن العنزة يعلم أمه الرعية» و«ابنك حتة من كبدك» و«ابن الحرام يطلع يا قواس يا مكاس» و«ابنه على كتفه وهو داير يدور عليه» ونحو ذلك مما لا يحصى.
ابن أرملة:
هو كابن مرة الذي تقدم، يكنون به عن الشاب أو الرجل الذي لم يربه رجل كأبيه، وإنما ربته امرأة كأمه، ومن غريب العوائد أن المرأة في واحة سيوة إذا مات عنها زوجها حبسوها في غرفة مظلمة لا يراها أحد إلا خادمة تقدم لها الطعام وما تحتاج إليه حتى تنقضي عدتها، وهم يزعمون أن عينا شريرة تلبسها في أثناء تلك المدة فلا تنظر إلى أحد إلا أضرت به وأول ذلك ابنها الذي تربيه.
وأول شخص تراه عند خروجها من سجنها لا ينجو من الموت، ولذلك يرسلون المرأة إلى عين ماء آخر المدة تغتسل فيها، وفي أثناء اغتسالها ينادي مناد في الأسواق يحذر الناس من الوقوف في طريقها.
ابن البلد:
نالت هذه الكلمة شهرة كبيرة بين الناس، وكان لها مدلول يختلف باختلاف العصور، وقد أدركتها منذ خمسين عاما تطلق على الرجل الذي يجمع صفات مختلفة في ملبسه وحديثه وهيئته وطريق سلوكه.
فهو يلبس جبة وقفطانا وعمامة ويعنى بها كل العناية، ولا بد أن تكون هذه الملابس مستوفية لشروط كثيرة، فيجب أن يكون نسيجها خفيفا لطيفا، وأن يكون لون الجبة زاهيا كالأزرق الفيروزي أو الأخضر الفستقي أو الأحمر القرمزي، وأن يكون لون الجبة منسجما تمام الانسجام مع لون القفطان، وأن يكون لون الحزام منسجما معهما.
ويجب أن يكون طربوش العمامة خفيف الوزن، وأن تكون العمامة قليلة وأن يكون شال العمامة مفتلا، وأن تظهر هذه الفتل من الأمام على شكل دبابيس، ويجب أن يكون «المركوب» أحمر خفيف الجلد رقيق النعل صغير الوجه، ويلبس في يده خاتما رفيعا من الذهب فصه فيروز أو ياقوت أو زمرد، وأن يكون وجهه حليقا دائما كأنما خرج من عند الحلاق لساعته، وأن يكون مقصوص الأظفار دائما.
ويجب أن يعنى العناية التامة بكل شيء في هندامه، فالجبة والقفطان مهندستان هندسة تامة لا يشذ أحدهما عن الآخر في شيء مهما قل، والعمامة موضوعة على الرأس بأناقة والمركوب في الرجل منسجم.
وهو في كل ذلك نظيف أنيق يتحرج من أي شيء يعلق بثيابه أو بأطرافه، وأكثر من شاهدتهم من هذا القبيل كانوا ضعاف البنية نحيلي الجسم عليهم آثار المرض، وذلك لسببين: (1)
أن رقة عواطفهم ناشئة غالبا من ضعف مزاجهم. (2)
أن نوع معيشتهم لا يبعث على حركة ولا نشاط فيستلزم ذلك ضعفا في صحتهم، يضاف إلى ذلك أن كثيرا منهم كانوا يستعملون المعاجين و«حق» العنبر ونحو ذلك من المكيفات وفي هذا كله إتلاف للصحة.
وأما في سلوكه فهو خافض الصوت؛ إذا تكلم ففي أناة ورقة وإذا ضحك فعلى قانون، وإذا مشى ففي تؤدة تامة حتى لا تختل هندسة ملابسه، وإذا رأى أمامه أرضا مرشوشة عمل لها ألف حساب كيف يتخطاها من غير أن ينال «مركوبه» أذى، ومن غير أن ينال أذياله مكروه، وإذا أكل فالأناقة التامة من تصغير اللقمة والدقة في نظافة أصابعه، والمراعاة الدقيقة حتى لا ينال ثوبه شيء مما يأكل ونحو ذلك.
ولابن البلد اصطلاحات في كلامه ولوازم يكثر من استعمالها، فهو بين كل كلمة وكلمة يقول: «بلا مؤاخذة» و«بلا قافية» و«يكرم من سمع» و«عن إذنك» و«اسمح لي» و«الأبعد» و«يا سيد» و«أعزك الله» و«أكرمك الله»، ونحو ذلك من الكلمات الشائعة بينهم، الدائرة على ألسنتهم.
وابن البلد - في العادة - يكثر من التنكيت، ويستعمل في حديثه الكناية والتورية ويعرف مناحي الكلام، ويستطيع أن يرد على النكتة بمثلها أو بأحسن منها، ويجتهد أن يرضي محدثه كل الرضا، فلا يجرح إحساسه ولا يخدش عواطفه ولا يسمعه كلمة قاسية، وإذا رأى الحق يؤلم فلا بأس من الكذب، ويتحرى أن يجعل آخر الحديث نكتة ختامية تثير الضحك وتبعث الرضا فيمتلئ المكان بالسرور، ويتفرق الجالسون أو المتحدثون وفي نفوسهم الإعجاب «بابن البلد».
وقد يسمى «ابن البلد» أيضا «الذوق» فيقولون فلان ذوق، وهو اختصار لذي ذوق وأحيانا يسمونه ابن ذوق، والفرق بين «ابن الذوق» و«ابن البلد» أن الأول يراعى فيه حسن التصرف أكثر مما يراعى حسن الشكل وما إلى ذلك، أما ابن البلد فيراعى فيه الأمران جميعا.
وقد عرف المرحوم قاسم أمين الذوق السليم بأنه الشعاع اللطيف الذي يهدي صاحبه إلى أن يقول ويفعل ما يناسب المقام ويجتنب ما لا يناسبه، وعامة المصريين يعتقدون أن القاهرة أحسن البلاد ذوقا، فكما أنها «أم الدنيا» فكذلك هي «أم الذوق».
ومن أقوالهم المأثورة: «الذوق لم يخرج من مصر» ومصر في قولهم هذا يعنون بها القاهرة لا القطر المصري بأجمعه، ويروون في هذا قصة طريفة وهي أن رجلا كان اسمه «حسن الذوق» كان في منتهى الظرف والكياسة واللباقة رقيق الحس والشعور فغاضبه قوم من المصريين فعزم على الرحلة من مصر، فلما وصل إلى «باب الفتوح» وهو أحد أبواب القاهرة مات هناك، وما يزال قبره في هذا المكان إلى الآن، ويعرف ضريحه «بسيدي الذوق»، ومن أجل هذا قالوا: إن الذوق لم يخرج من مصر، وكلمة الذوق في هذا المثل تدل على المعنيين معا، فالمراد بها مرة الشعور الرقيق ومرة سيدي حسن الذوق والله أعلم.
ابن حظ:
يقال للرجل الذي يطلب حظه وشهوته من سكر ونساء ونحو ذلك، ويظهر أن «ابن» هنا بمعنى ذو، ومثله «ابن ناس» ويطلق على النسيب الحسيب، ومثله أيضا ابن حرام وابن حلال فيقال للرجل الطيب: ابن حلال، وللخبيث الماكر: ابن حرام.
ابن دانيال:
وإنما اخترناه من الأعلام؛ لأن له شخصية مصرية واضحة كالبهاء زهير.
كان يفتح دكانا داخل باب الفتوح، يكحل فيه عيون الناس، ويدر ذلك عليه مالا قليلا، شكا كثيرا من قلته وبؤسه.
وفي ذلك يقول:
يا سائلي عن حرفتي في الورى
وصنعتي فيهم وإفلاسي
ما حال من درهم إنفاقه
يأخذه من أعين الناس •••
ويظهر أنه كان يتعاطى المنزول، فله قصيدة رفعها إلى القاضي يشكو زوجته:
بك أشكو زوجة صيرتني
غائبا بين سائر الحضار
غيبتني عني بما أطعمتني
فأنا الدهر مفكر في انتظاري
غبت حتى لو أنهم صفعوني
قلت كفوا بالله عن صفع جاري
دار رأسي عن باب داري فبالله
أخبروني يا سادتي أين داري
أنا أنسى أني نسيت فلا يخش
سميري إذاعة الأسرار
وكان له نكت يتداولها المصريون ويتضاحكون منها شعرا ونثرا، من ذلك قوله:
فسر لي عابر مناما
أحسن في قوله وأجمل
وقال لا بد من طلوع
فكان ذلك الطلوع دمل
والمصريون يسمون الدمل والخراج طلوعا وربما عددته أول روائي مصري، فقد كان يؤلف الروايات تمثل في خيال الظل وبقي بعضها إلى اليوم.
ابن رابية أو أولاد رابية:
كانوا أسرة معروفة في القاهرة، وكانوا يدعون في الأفراح وتكون من لياليها ليلة يقال لها: ليلة أولاد رابية، وكان عملهم إرهاصا للتياترو والتمثيل، فكانوا في ليلة يمثلون رواية من الروايات، ولكن مع الأسف كان تمثيلهم مبتذلا، فهم ينطقون بأقبح الألفاظ ويأتون بأفحش الأعمال ويشمئز من منظرهم وكلامهم ذو الذوق السليم، وقد انقرض هؤلاء وحل محلهم السينما والتمثيل، ومثلهم في ذلك أحمد الفار المشهور، فكان أيضا يأتي بأعمالهم.
ابن كباية:
الكباية الكوب التي تشرب فيها الخمرة، وكثيرا ما يقال هذا القول للتفاخر فيقول الرجل: أنا ابن كباية وكثيرا ما يدلون به على شدة الصداقة فيقولون: نحن أولاد كباية، أما ابن الحشيش والمعجون ونحو ذلك فيقال: ابن كيف، وهو لذلك يتظاهر بالرقة واللطف.
وسواء ابن الكيف أو ابن الكباية فهما يكرهان أن يجلس معهما أحد على غير كيفهم، ولذلك يتنادر أهل المجلس سواء في السكر أو في الحشيش على من لم يجارهم فمثلا يقولون لبعضهم تنكيتا على من لم يفعل فعلهم، وفي أثناء الكلام ينظرون إليه «شال الحمام، حط الحمام» تعريضا له بالخروج، ويقولون: «قالوا للجندي عزل رمى قاووقه» أو «دهده يا سيدي هي لازقة بغرا» أو «دستور يا سيادي.»
ابن نكتة:
أصل النكتة في اللغة العربية النقطة من بياض في سواد أو من سواد في بياض تقول هو كالنقطة البيضاء في الثوب الأسود، ثم استعملت على طريق المجاز فيما جاء في وسط الكلام من عبارة منقحة أو جملة طريفة صدرت عن دقة نظر ولمعان فكر، أو مسألة لطيفة تؤثر في النفس انبساطا، يقولون: جاء بنكتة في كلامه، وقد نكت في قوله، ورجل منكت، ونكات بهذا المعنى، ثم استعملت في النوادر الظريفة تستثير الضحك وتبعث السرور، وفي هذا المعنى الأخير يستعملها المصريون فيقولون للرجل الذي يأتي بالنوادر المضحكة «ابن نكتة».
وقد اشتهر المصريون من قديم بالميل إلى الضحك وحب الهزل فقد نقل المقريزي عن أبي الصلت «أن أخلاق المصريين يغلب عليها الانهماك في الملذات والاشتغال بالترهات، وفي أخلاقهم من الملق والبشاشة ما أربوا فيه على من تقدم ومن تأخر.» ولا نريد أن نناقشه في قوله، فكل ما نريده هنا أنه يصف المصريين بالبشاشة وقد أداهم حب البشاشة هذا إلى حب النكتة.
وقد يتصل بها قول ابن خلدون، فإنه لما رأى المصريين قال: «أهل مصر كأنهم فرغوا من الحساب.» يريد بذلك أنهم لا يطيلون النظر في العواقب، وتبعه في ذلك تلميذه المقريزي فقال: من أخلاق أهل مصر الإعراض عن النظر في العواقب فلا تجدهم يدخرون عندهم زادا كما هي عادة غيرهم من سكان البلاد، بل يتناولون أغذية كل يوم من الأسواق بكرة وعشيا. وعدم الإمعان في حساب العواقب يستتبع الفرح والمرح؛ لأن الإنسان إذا لم يفكر في العواقب لم يحمل هما فيكون مجال النكت عنده فسيحا.
ومن غريب ما نلاحظه في هذا الباب أن أشد الناس بؤسا، وأسوأهم عيشة وأقلهم مالا وأخلاهم يدا أكثر الناس نكتة، ففي القهاوي البلدية حيث يجلس الصناع والعمال ومن لا صنعة لهم ولا عمل، وفي المجتمعات الشعبية حيث يجتمع البؤساء والفقراء نجد النكتة بينهم تحل محلا ممتازا.
ونجد ابن النكتة محبوبا مقدرا، يفتقد إذا غاب، ويبجل إذا حضر، كأن الطبيعة التي تداوي نفسها بنفسها رأت البؤس داء فعالجته بالنكتة دواء.
على كل حال شهر المصريون بالنكت يعجبون بها ويتفننون فيها وتتناقل بينهم في المجالس، وفيهم من يتحرى أخبار «آخر نكتة» كما يتحرى أخبار آخر ساعة وآخر سعر للقطن في «البورصة»، وقد شهرت القاهرة بذلك أكثر من غيرها من المدن والقرى؛ لأن «النكتة» تابعة للذوق، فإذا رقي الذوق رقيت النكتة.
ومما يؤسف له أن الأدباء والمؤلفين لم يعنوا بتدوين «النكت» عنايتهم بتدوين الأشعار والمقالات ترفعا منهم عن ذلك واستصغارا لشأن النكت وتحقيرا لها، وليسوا في ذلك منصفين، وأقرب مثال لذلك النكت البديعة التي كانت للمرحومين عبده البابلي وحافظ إبراهيم وغيرهما، فإنها تموت تدريجيا بمرور الزمان؛ لأنها لم تدون، مع أن بعض نكت حافظ قد تفوق بعض قصائده، وتدل على حضور البديهة وحسن الذوق أكثر مما يدل عليها الشعر، فحبذا لو التفت الأدباء إلى قيمة النكتة وعنوا بها عنايتهم بالأدب «الكلاسيكي».
ولكن بحمد الله لم نعدم في المصريين من عنوا بهذا الباب ودونوا فيه، وقد أردت أن أتتبع التأليف في هذا الباب ومشاهير المضحكين في مصر من عهد الفتح الإسلامي؛ ولكني وجدت ذلك يطول، فاكتفيت بإلمامة يسيرة فيما يتعلق بهذا الباب في العصر الحديث.
ولعل أجدرهم بالذكر مؤلف كتاب «هز القحوف في شرح قصيدة أبي شادوف» وهو الشيخ يوسف بن محمد بن عبد الجواد الشربيني، ومن الأسف أني لم أعثر على ترجمة لهذا الرجل، ولكني عثرت في أثناء الكتاب على أن المؤلف حج سنة 1107ه، وأنه كان واعظا فهو من علماء القرن الحادي عشر الهجري.
ولهذا الكتاب الذي يستهزئ به الناس قيمة كبرى، ففيه وصف اجتماعي دقيق لحالة الفلاحين في عصره وبؤسهم وظلم الحكام لهم وأنواع عاداتهم في المأكل والمشرب والزواج وغير ذلك، وفيه تدوين للغة الفلاحين كما ينطقونها وأغانيهم، وفيه حكايات ظريفة مما سمعها أو شهدها لولا أنه لا يعف عن ألفاظ الفحش، ويخيل إلي أن المؤلف رأس المدرسة التي عنيت بالتنكيت عن طريق اللعب بالنحو والخروج من باب إلى باب من غير مناسبة والمفارقات ونحو ذلك.
وقد اتبعت هذه الطريقة، فيما بعد على لسان الشيخ حسن الآلاتي، وقد كان فكها لطيفا، وكان يجتمع مع بعض أصحابه في البيوت ويتسامرون ويتنادرون ويتكلمون في الجد والهزل، ثم تسامع بهم الأصحاب فكثروا وضاقت عليهم البيوت فاتخذوا قهوة لطيفة في حي الخليفة بالقرب من السيدة سكينة وسموها المضحكخانة الكبرى، وشاع صيتها في القاهرة، وكان يأتيها الناس من كل ناحية، بل كان يأتيها بعض الأمراء في زي الفقراء ليروا هذه الأعجوبة.
وكان يدير هذه الجلسة في القهوة جماعة من الظرفاء رئيسهم الشيخ حسن الآلاتي المذكور، فيفتحون موضوعا ويتنادرون عليه، وينتقلون من باب إلى باب حتى يتقدم الليل، ويتخلل أحاديثهم أحيانا زجل وأحيانا قصص وأحيانا سباب ... إلخ.
وقد مات الشيخ حسن الآلاتي سنة 1889م وألف من ذلك كله كتاب دون فيه بعض ما كان يجري سماه: «ترويح النفوس ومضحك العبوس» طبع في ثلاثة أجزاء.
وأظهر ما في هذا الكتاب من فنون المضحكات فن «المفارقات» فقد ارتقى على يد الشيخ حسن الآلاتي واستخدمه استخداما كبيرا، فيقول مثلا في مطلق خطاب له: «إلى السيد المهاب والضبع الوثاب الصادق الكذاب عالم العصر ومصلي الظهر وتارك العصر الجاهل بصلاة القصر، الذي بني على ظهره مائة قصر، أعز إخوان ذي المجد الرفيع الشأن من تهابه الخرفان، ولا تحتقره «الشجعان» الضارب بالنقرزان قاهر ابن خلكان مولانا الشيخ رمضان.»، والكتاب مملوء بالقصص والتنكيت، وتهزؤ النحو بالإعراب الماجن والعرضحالات على طريقة الدعابة ... إلخ.
وكان يعاصر حسن الآلاتي ويجري معه في هذا المضمار عبد الله نديم المتوفى سنة 1896، فقد أنشأ مجلة أسبوعية اسمها «التنكيت والتبكيت» كما أنشأ مجلة أخرى اسمها «الأستاذ» وفي كلتا المجلتين كان يمزج الجد بالهزل والكلم السياسي وينقد الحياة الاجتماعية في شكل فكاهي جذاب، وتتابع هذا الباب فأنشئت جريدة «حمارة منيتي» وغيرها من المجلات إلى أن كان في أيامنا الكشكول ثم آخر ساعة ... إلخ.
كل هذه مدرسة واحدة بعدت عن الأدب الكلاسيكي واتصلت بالأدب الشعبي، وعنيت بالنكت وبالتعبير اللاذع وبالنقد المخفف بالفكاهة.
والنكتة أنواع، فمنها العقلي الذي يستخرج الإعجاب لما فيه من دلالة على ذكاء، ومنها اللفظي الذي قيمته في التلاعب باللفظ، ومن خصائص النكت العقلية أنها عالمية يمكن ترجمتها إلى اللغات الأخرى من غير أن تفقد قيمتها، أما النكت اللفظية فمحلية تفقد قيمتها بترجمتها.
كذلك تتنوع النكت، فمنها ما يستخرج الضحك القوي العميق، ومنها ما يبعث على التبسم فقط ومنها ما يدعو إلى الإعجاب فقط من غير تبسم ولا ضحك، وأكثر ما يثير الضحك هو النكت التي تبنى على السخرية بالغير والاستهزاء به وتحقيره، أما النكت التي لا تشتمل على نقد لاذع ولا على سخرية حادة فتبعث على التبسم أو الإعجاب.
والأمم تختلف اختلافا كبيرا في مقدار حبها للنكات وإعجابها بها فمنهم من شهر بها، ومنهم من كان حظه منها قليلا فاترا، فأظن أن في العالم الشرقي أشهر أمة بالنكتة الأمة المصرية، وهي في ذلك تفضل الشام والعراق والحجاز، وكذلك في العالم الأوروبي تفوق أمة أمة في هذا الباب.
والأمة الواحدة تختلف في تقويم النكت من حيث الكمية والكيفية، وحسبنا دليلا على ذلك الأمة المصرية نفسها، فقد كانت منذ عهد ليس ببعيد تعجبها النكت اللاذعة، وكلما كانت النكتة ألذع كانت أبدع، والذي يرجع إلى النكت التي كانت تنشر في «حمارة منيتي» و«الصاعقة» و«المسامير» وما ينشر الآن في المجلات المشابهة لها يرى تقدما محسوسا يستدعي الإعجاب، فقد كان ينشر في تلك المجلات نكت صارخة مكشوفة كل الانكشاف عارية كل العري، قد ذكر فيها بصراحة أسماء المهجوين ونسبت إليهم أشنع التهم مع سفاهة لفظ وقبح معنى، وكان الجمهور يتقبل ذلك قبولا حسنا؛ أما اليوم فاكتفي في كثير من الأحيان بالتلميح مكان التصريح، وباللذع الخفيف مكان اللذع السخيف، وبالكناية بدل الحقيقة، وسيفعل الزمن فعله في استمرار الرقي.
وهذا تابع للذوق؛ لأنه هو الذي ندرك به النكت، فكلما رقي الذوق استلطف النكت الراقية واستسخف النكت العارية، ونظير ذلك الذوق في الملابس فالقروية يعجبها الأحمر القاني أو الأصفر الفاقع، والقروي يعجبه الألوان الزاهية على حين أن الممدن والممدنة تعجبها الألوان الباهتة.
كما نلاحظ أن النكت تختلف باختلاف مقدار ثقافة الأوساط؛ فالجماعة المثقفة ثقافة عالية تعجبها النكت العقلية والنكت التي تثير التبسم لا الضحك، والنكت التي تستدعي الإعجاب لا النكت المؤسسة على الهجاء، ومن هم أقل ثقافة تعجبهم النكت المبنية على اللعب بالألفاظ ويعجبهم التصريح وتعجبهم مرارة النكتة وهكذا، ثم إن النكت ركن أساسي في كل أدب، فمن قديم أولع الأدباء بالمضحكات يحلون بها كتابتهم، ويسترضون بها قراءهم ولا نعلم أدبا خلا من هذا الضرب من القول، فمن أشهر أنواع الأدب وأكثره ذيوعا روايات المهازل «الكوميديا» وأساسها ومحورها النكت المضحكة والنقد اللاذع، وكان لها حظ كبير في الأدب اليوناني، وسارت على نهجه الآداب الأوربية.
والأدب العربي غني بالنوادر والنكت، ومنذ فجر الإسلام عني الأدباء بتدوين النكت عنايتهم بتدوين المواعظ وترجموا لأشعب المضحك كما ترجموا لجرير والفرزدق والأخطل، فلما جاء عصر التأليف كان للجاحظ وابن قتيبة فضل كبير في توجيه المؤلفين إلى الناحية المضحكة في الأدب، فالجاحظ يؤلف ما يضحك كرسالة «التربيع والتدوير» ويروي ما يضحك في ثنايا كتبه، وينبه إلى أنه إنما يفعل ذلك ليزيل عن القارئ «السأم».
وابن قتيبة في أول كتابه «عيون الأخبار» يقول: إنه حلاه بالنوادر الطريفة والكلمات المضحكة ليروح القارئ من كد الجد وتعب الحق، فالمزح إذا كان حقا وكان في أحايينه وأوقاته فرج عن النفوس وبعثها على النشاط.
ومما يؤسف له أن الذين كتبوا في تاريخ الأدب العربي على النمط الحديث لم يعنوا ببحث هذا الباب عنايتهم بغيره، فقد عقدوا أبوابا لدراسة الشعر ولدراسة المقامات والرسائل ولم يعقدوا بابا للفكاهات يدرسون فيه تطورها مع أنها جزء هام من الأدب كأهمية الشعر والخطابة.
وفي الحق أن تاريخ الفكاهة هو تاريخ الأدب وجد معه منذ نشأته وترقى أو انحط أيام رقيه وانحطاطه، وكانت عناية الفرنج بالفكاهة ودراستها في أدبهم وتاريخه أكثر من عنايتنا في أدبنا، وعرض لها النقاد عندهم كما عرضوا لكل أنواع الأدب وطبقوا على النكت ما قالوه في الفن الجميل، فكما قالوا «الفن للفن» قالوا «النكتة للنكتة»، والذي يدرس الذوق في الأمة ويريد أن يتعرف مقدار رقيه وانحطاطه يجب أن يدرسه في الفنون وفي الملابس وفي الأزياء وفي النكت.
وفي المصريين من يحترفون قول النكت واختراعها وروايتها، ومن هؤلاء من يدعون للحفلات يملأونها سرورا وضحكا، ومنهم من يقتصر في ذلك على صحبه وأصدقائه يؤنسهم في مجالسهم الخاصة ويروي لهم كل ما اخترع من النكت، ومنهم من يحترفه من ناحية التحرير في الصحف والمجلات الفكاهة، وقد وصف المرحوم قاسم أمين رجلا من هذا الطراز فقال: أتعرف حسين بك؟؟ لا، رجل خفيف ولطيف، لا تغيب البشاشة عن وجهه ولم يره أحد قط غير مبتسم إذا قال لك نهارك سعيد ضحك، وإذا أخبرته أن الهواء طيب ضحك، وإذا سمع أن زيدا مات ضحك، زينة المجالس وأنيس النوادي يرى نفسه مكلفا بوظيفة السرور فيها ومنوطا بنشر التفريح حوله، يستخدم كل شيء لتسلية نفسه وأصحابه فيجد في أهم الحوادث موضوعا للتنكيت وفي أحسن الرجال محلا للسخرية، لو ضحيت حياتك في أشرف الأعمال فلا بد أن يفتش فيها عن الجهة التي يتخذها واسطة للاستهزاء وجعلها أضحوكة للناس.
ولم يعجبه هذا الشكل فقال : «بين هذا الهذيان القبيح والانتقاد الهزلي الصحيح فرق عظيم، فالانتقاد الصحيح يصدر عن علم وشعور وذوق سليم ينظر إلى مواضع العيوب في الإنسان وجهات الضعف في الحوادث، فيبتسم بالسكون واللطف، وإذا علا صوته للضحك فليس لأن الضحك غاية في نفسه، بل يعده وسيلة للفت النظر إلى شيء يحزنه وأمر يبكيه.» ... إلخ.
ولعل هذه الكلمة من المرحوم قاسم أمين كتبت في ظروف قاسية؛ إذ كان هناك هازلون يوجهون إليه نقدا لاذعا لموقفه في تحرير المرأة وآخرون يوجهون مثل ذلك للمرحوم الشيخ محمد عبده، وكانوا في نقدهم يسبون أفحش السباب وينقدون ألذع النقد. •••
ولأولاد البلد طرق في التنكيت، فأحيانا يدعى شخصان للمبارزة في النكت وأيهما غلب حكم عليه، ويستعملان في ذلك طرقا مختلفة ويسمى ما تدور عليه النكت بالقافية، ومن أشهر هذه الطرق أن يقول أحدهما جملة ويرد الآخر إيش معنى ثم يرد الأول، مثال ذلك:
الأول :
عمر الأبعد ...
الثاني :
إيش معنى؟
الأول :
فص ملح وداب.
الأول :
الأبعد بين الناس ...
الثاني :
إيش معنى؟
الأول :
كمالة عدد ... إلخ.
وقد تتخذ المباراة شكلا آخر فيقول الأول مثلا: «الأبعد غراب ونشف» فيقول الثاني: «الأبعد يعطي ملامح للنعجة» فيقول الأول: «سلالم بيت الأبعد اتنين والباقي سلبه» فيقول الثاني: «سقف بيت الأبعد ملاية»، وأحيانا تدور القافية على شيء يختارانه منها كأن تكون القافية «جنينة» أو «قرافة» أو نحو ذلك، فمن عجز أخيرا عن المتابعة حكم عليه، ومن غلب عزي كما يعزى على المصيبة، وقد تكون المباراة شعرا لا نثرا، ومن خير الأمثلة على ذلك ما وقع لعبد الله نديم، فقد جمعه عظيم من عظماء طنطا مع جماعة من الأدباتية في محفل عام وجعل جعلا لمن يغلب وعقوبة لمن يغلب، وتباروا بالشعر حتى غلبهم «عبد الله نديم» وقد حكى هذه القصة بطولها في بعض كتبه ودون كل ما قيل فكانت مثلا من الأمثلة على ما كان يجري إلى عهد قريب في هذا الباب.
أبو:
الأب في اللغة الوالد، وقد استعملته العرب كنية عن بعض الأشياء، فكنوا الأسد «أبا الحارث» والثعلب «أبا الحصين» والهرم «أبا مالك» قال الشاعر: «أبا مالك إن الغواني هجرنني» وقالوا للرجل الكريم: أبا الأضياف، وقالوا للفتاة: إنها بنت أبيها؛ أي مثله في صفاته، روي عن عائشة أنها وصفت حفصة بنت عمر، قالت: «كانت بنت أبيها»؛ أي شبيهة به في قوة النفس وحدة الخلق والمبادرة إلى الأشياء، أما إذا قالوا: ابن أبيه فمعناه أنه غير معروف الأب.
وعلى العكس من ذلك لا أب له ولا أم له، فإذا قالوا لا أبا له، فأكثر ما يستعمل في المدح؛ أي ليس له أب يتكل عليه؛ وإنما هو يكفي نفسه، وأما لا أم له فيستعملونها في الذم، لأنهم يقولونها للقيط ولمن ليس له أم حرة، بل إنه أمه من الإماء.
أما في اللغة المصرية فيستعملونها استعمالات مختلفة، فأحيانا يستعملونها بمعنى ابن فيقولون: أبو يوسف لمن كان اسم أبيه يوسف وأبو محمد لمن كان اسم أبيه محمدا، وأحيانا يستعملونها بمعنى والد فيقولون: أبو محمد لمن كان له ولد واسمه محمد.
وهناك كنى مشهورة لأسماء خاصة فيقولون: أبو عوف لمن اسمه عبد الرحمن، وأبو علي لمن اسمه حسن، وأبو درش أو أبو درويش لمن اسمه مصطفى، وأبو حنفي لمن اسمه محمود، وأبو داود لمن اسمه سليمان وهكذا.
وتستعمل كناية عن الشجاعة، فيقولون للشجاع: أبو الفوارس وأبو زيد، ويقولون للأسود: أبو سمرة، وللحشاش: أبو شداد، وهناك طائفة من الأولياء لهم كناية من هذا القبيل فيقولون للسيد البدوي: أبو طنطا نسبة لاسم البلدة طنطا، ويسمونه أيضا أبا فراج، ويسمون الرفاعي أبا العلمين، والشيخ الشعراني أبا المواهب.
ولهم اصطلاحات خاصة في هذه الكلمة فيقولون:
أبو علي:
للرجل اللطيف الكثير الإنفاق السمح الكريم، وهو إما مأخوذ من الحسن بن علي أو من السلطان حسن سلطان بني هلال فإنهم يلقبونه دوما بأبي علي.
أبو جيبين:
لمن ينفق ما معه ولا يبالي، كأنهم يريدون أن له بدل الجيب جيبين حتى إذا نفد ما في أحدهما أنفق ما في الآخر، ويستعملون قريبا من ذلك أبو جيب مخروق للسفيه المبذر المتلاف .
أبو طويلة:
للمفرط في الطول مع بلاهة وغفلة.
أبو الروس:
للكبير الرأس المقسم رأسه إلى أقسام.
أبو عين نايمة:
للذي يعتاد الصمت مكرا وخداعا، وأحيانا يطلق على الخجول الحيي، وفي عكسه يقولون: أبو عين قارحة أو فاجرة.
أبو رجل مسلوخة:
وهو اسم للعفريت يخوف به الأطفال ويصفونه بأنه مخلوق نصفه الأعلى كالإنسان ونصفه الأسفل كالحمار، وله ذنب وبفخذيه سلوخ في الجلد يظهر منها لحمه الأحمر.
أبو قردان:
وهو ذلك الطائر الأبيض المعروف، وكان يرى في العهد الماضي أسرابا كثيرة يتبع الأرض المروية يلتقط ما فيها من الديدان والحشرات الصغيرة، وقد كان الفلاح يحرم إيذاءه لما يرى من منفعته، ثم كثر صيده فقل وتنبهت الحكومة إلى منفعته فحرمت صيده، والعامة تقول في أمثالها «زي أبو قردان هايف ونظيف؛ لأن أبا قردان لا يهمل نفسه، فإذا ناله شيء من قذر اجتهد في إزالته فيحكه بمنقاره حتى يزيله، فهو دائما نظيف، وعدوه «هايفا» لقلة غنائه، وللعامة أغنية في أبي قردان وهي: أبو قردان، زرع فدان، ملوخية وباذنجان فحت في الطين، لقى سكين، دبح أولاده وطلع مسكين. وقد اجتهدت أن أفهم معناها فلم يتيسر لي ذلك.
أبو حديد:
وهو لقب لشيخ اسمه الشيخ صالح أبو حديد، له مسجد بالقاهرة بشارع الحنفي، يقول علي باشا مبارك في خططه: إنه كان في أول أمره قاطع طريق، وكان له صاحبان أحدهما الشيخ يوسف المدفون في شارع القصر العيني ثم قبض عليهم، فأما الشيخ يوسف فكان يلوذ بلاظ أوغلي فأفرج عنه، وأما الشيخ أبو حديد فاحتمى بمغنية، وادعت أنه مجنون واعتقل لسانه من الخوف، ثم شاع عنه أن له كرامات وقد علق علي باشا مبارك على هذه القصة بقوله: «وجامعه عظيم لم يبن لغيره من أهل الفضل والمعرفة والعلم، ولكن هذه عادة قديمة ألفها المصريون من قديم الزمان وطالما نبه عليها كثير من المؤلفين في كتبهم.»
أبو فروة:
وهو اسم أطلقه المصريون على ذلك الثمر المعروف بشاه بلوط، وقد سموه بهذا الاسم لما في داخل قشرته من الوبر والزغب الشبيه بفروة الحيوان.
وهناك أسماء وكنايات كثيرة بدئت بأبو في التعبير المصري لا يمكننا هنا إثباتها جميعا، ومن الأمثلة المصرية التي استعملت فيها كلمة أب قولهم: «أبوك ما هو أبوك وأخوك ما هو أخوك» يقولونها عند الشدائد التي ينسى فيها الابن أباه والأخ أخاه، وفي هذا المثل نظر إلى قوله تعالى:
يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه ، وقولهم: «اللي يترك صنعة أبوه وجده يلقى وعده» يريدون بذلك الحض على احتراف حرفة الآباء والأجداد، فإن ذلك أجدى وأنفع وأضمن للنجاح، ومن باب «أبو» أبو زيد الهلالي وسيأتي.
أبو دقيق:
حشرة صغيرة تنتقل من صورة إلى صورة، فيخلق أولا في صورة ثم ينقلب إلى صورة أخرى، ثم إلى ثالثة وهو في تغير الصور تتغير طباعه فهو في أول أمره كدودة القز، راسب في قاع البحر، ثم ينخرط في سلك آخر، ثم يعلو على سطح الماء، ثم ينخرط في سلك الحيوانات الهوائية، ويتحلى بكسوة ظريفة الشكل فتكون له أجنحة كاللؤلؤ والمرجان، ويصير غذاؤه من نسيم الهواء.
ويكون في أول أمره خاليا من الأجنحة ثم تخلق له ويطير، فمن نظر في تطوره أذعن بربوبية خالقه، وأعجب بما تحلى به من جمال أجنحة وجمال شكل، ويقول العامة في أمثالهم «يا أبو الدقيق يا أبو النخال، اركب يا عم انزل يا خال» يقال في تطور الحال من فقر إلى غنى، ومن ترف إلى بؤس.
أبو زيد الهلالي:
أبو زيد الهلالي شخصية غريبة غامضة لم يذكر لنا المؤرخون شيئا تفصيليا واضحا عنها، ولكن في ثنايا الكتب بعض نتف قليلة هنا وهناك، كان أبو زيد هذا في القرن الخامس الهجري وهو من قبيلة «هلال»، ونسب إليها فقيل: هلالي، وهلال هذه كانت قبيلة كبيرة بدوية تسكن نجدا، يجاورهم في مسكنهم قبيلة أخرى اسمها سليم، وكانت هلال وسليم جفاة سلابين نهابين يخرجون من ديارهم فيغيرون على أطراف الشام والعراق حتى ضجت منهم الدولة العباسية، وأرسلت في أيام الواثق سنة 230 حملة بأمر القائد التركي (بغا الكبير) لتأديبهم على ما ارتكبوا من فساد في المدينة.
وهاجر قوم من «هلال» و«سليم» إلى مصر ونزلوا أولا في الوجه البحري، ولكنهم ساروا سيرتهم الأولى من سلب ونهب حتى ضج منهم الناس، فأمر الخليفة الفاطمي العزيز بالله (365-386) بطردهم إلى الصعيد، ولكنهم فعلوا في الصعيد كما فعلوا في كل مكان من سلب ونهب وتخريب، وكان من بني هلال هؤلاء فروع مختلفة منهم زغبة وربيعة وعدي، فعم ضررهم واستغاث أهل البلاد من شرهم، وفي خلافة المستنصر الفاطمي ثارت بلاد المغرب عليه فنصحه بعض مشيريه أن يبعث إلى المغرب هؤلاء العرب من هلال وسليم، فإن ظفروا بالثائرين، فقد كسب تلك البلاد وأخضع الثورة وظفر بالخصوم، وإن انهزموا وقى الله مصر شرهم، فأرسلهم سنة 441ه، وأعطى لكل واحد منهم بعيرا ودينارين، وقال لهم: قد أعطيتكم المغرب، ففرحوا بذلك وجازوا النيل إلى برقة ببلاد المغرب ونزلوا بها وافتتحوا أمصارها واستباحوها، وكتبوا لإخوانهم في مصر يدعونهم إلى السفر إليهم ويصفون لهم ما هم فيه من خير ونعيم، فأرادوا الرحيل فمنعهم المستنصر حتى يأخذ من كل واحد دينارين فعوض بذلك ما دفعه لمن قبلهم، وسارت سليم وفروع هلال من دياب وزغب إلى تونس كالجراد المنتشر، لا يمرون بشيء إلا أتوا عليه، حتى وصلوا إلى تونس، وقسموا البلاد بينهم وبين قبيلة سليم، فأخذت سليم شرق تونس وهلال الغرب ووقعت بين هؤلاء العرب وبين سكان البلاد الأصليين من البربر كقبيلة زناتة وصنهاجة حروب يطول ذكرها كما وقعت الفتن والحروب بين بعض العرب وبعض، وبعض البربر، وكان ذلك فيما بين سنة 440 وسنة 460ه، واشتهر في هذه الحروب رجال كثيرون منهم دياب بن غانم وأبو زيد الهلالي، هذه الحروب وهذه الوقائع في القرن الخامس الهجري في بلاد المغرب هي ميدان لسيرة أبي زيد.
وهذه القصة ثلاثة أقسام: القسم الأول منها يصف تاريخ بني هلال في بلاد السرو (وهي منازل حمير بأرض اليمن)، وكان من أعيان الهلالية جابر وجبير ابنا المنذر الهلالي، وقد رحل جبير بأمه إلى نجد وصار فيما بعد سلطانها.
وكان أن أتى من نسل جابر الأمير حازم والأمير رزق وكانا يحكمان في بلاد السرو، وقد تزوج الأمير رزق «خضراء» بنت شريف مكة، وولدت منه ولدا أسمر اللون اسمه بركات، وهو الذي لقب فيما بعد بأبي زيد، وقد تعاون أبو زيد وابن عمه حسن بن سرحان بن حازم على فتح الهند في حديث يطول، أما القسم الثاني فتدور حوادثه حول رحلة بني هلال إلى نجد، وقد ألجأهم إلى هذه الرحلة من السرو إلى نجد مجاعة عظيمة في بلاد السرو باليمن.
وقد استقبل الهلاليون في نجد استقبالا حسنا من الملك غانم وابنه دياب (وكان دياب من فرع جبير) ومن بني زغبة وقد وقعت الحرب أخيرا بين دياب بن غانم وأبي زيد الهلالي لأسباب نسائية يطول شرحها، وانتهت بانتصار أبي زيد وخضوع دياب.
والقسم الثالث تدور حوادثه حول رحلة الهلالية إلى المغرب، فإن أبا زيد ذهب مع أتباعه إلى تونس ليبحث عن أرض خصبة لما حلت المجاعة بنجد، فلما حلوا بتونس واتصلوا بالبربر حدث أن وقعت «سعدة» بنت الزناتي خليفة وهي من البربر في حب «مرعي» أحد أصحاب أبي زيد، وقد وقعت حروب بين الهلالية والزناتية بسبب ذلك انتهت بقتل الزناتي خليفة، ثم اختلف الهلاليون فيما بينهم على قسمة أملاك الزناتي خليفة، وثارت الحروب بين أبي زيد ودياب وانتهت بقتل دياب لأبي زيد، فاجتمع قوم للأخذ بثأر أبي زيد منهم بريقع والجازية بنت الحسن وانتقموا من دياب وقتلوه، وقد قتلت الجازية أيضا في هذه المعارك.
هذا موجز مختصر جدا لقصة طويلة تقرأ في أيام نتبين منها أن حوادث القصة حدثت بين البدو من الأعراب وأن أرضها كانت بين بلاد العرب (من السرو في اليمن إلى نجد في الحجاز) وبين بلاد المغرب من تونس وما حولها، ولم تدخل مصر في هذه الحوادث إلا من ناحية أن الهلاليين أقام بعضهم فيها سنين ثم رحل أكثرهم إلى المغرب.
ولكن القصة كان لها شأن كبير في مصر، فقد أعجب بها الشعب المصري؛ لأنها مكتوبة بلغة شعبية، ولأن حوادثها بدوية ساذجة، ولأنها تشتمل على بطولة من نوع خيالي أشبه ببطولة الجن، ولأن فيها حبا لطيفا بسيطا تضحي في سبيله الأفراد والقبائل، لهذا كله كانت القصة محبوبة إلى الشعب المصري، فإلى القريب كان في كل حي رجل يطلقون عليه اسم (الشاعر) وكان في حارتنا بالمنشية رجل اسمه «أحمد الشاعر» كان يخرج بعد العشاء إلى القهوة من داره فتتخذ له منصة عالية يجلس عليها وحوله المستمعون، ويخرج القصة من منديل لفها به، ويأخذ فنجان القهوة، ويبدأ في قراءة قصة أبي زيد، والناس يصغون إلى الحوادث باهتمام وكثير منهم يدخن «التنباك» في الجوزة وصبي القهوة يجيء ويذهب للمستمعين؛ هذا بتعميرة وهذا بقهوة «سادة» وهذا بقهوة بسكر، والمستمعون يختلفون في ميولهم، فمنهم من يتعصب لأبي زيد ومنهم من يتعصب لدياب، وقد يقوم النزاع والسباب والضرب بين الفريقين فإذا جاءت ليلة سينتصر فيها أبو زيد عمل أنصاره «فرحا» في القهوة فزينوها واستعدوا لها، وإذا جاءت ليلة سينتصر فيها دياب فعل أنصاره كذلك، ولا يزال الشاعر يقرأ وهم يصغون إلى قرب الفجر ثم ينصرفون إلى بيوتهم وأنصار أبي زيد فرحون إذا انتصر، مهمومون إذا انكسر، وكذلك أنصار دياب.
فكانت هذه القصة تقوم مقام السينما والتمثيل في أيامنا هذه، وكان الشيخ أحمد الشاعر يلقي القصة إلقاء حسنا، يتحمس في مواقف الحماسة، ويترنم في القصائد.
وظلت هذه القصص تتداول في مصر قرونا طويلة، وقد قرأها ابن خلدون في القرن الثامن الهجري وأعجب بها وببلاغتها، ونقد الناس الذين لا يرون البلاغة إلا فيما كان جاريا على قواعد النحو والصرف فقال في الجزء السادس من تاريخه بعد أن وصف بلاغتها وجودة أشعارها «إلا أن الخاصة من أهل العلم يزهدون في روايتها ويستنكفون منها لما فيها من خلل في الإعراب، ويحسبون أن الإعراب هو أصل البلاغة وليس كذلك.»
ولم يفت ابن خلدون أن القصة لها أصل تاريخي، ولكنه زيد عليه وأدخل فيه كثير من الحوادث المصنوعة والأخبار التي لا يوثق فيها.
ومهما كان فالقصة لها أثر حميد في الأوساط الشعبية المصرية في العصور السوداء التي اجتازوها، فقد كانت سمرا لذيذا في ليلهم وحديثا طريفا في نهارهم، وكانت تبعث فيهم الغزل اللطيف والحماسة الحارة والعصبية للأبطال، وكانت سلوة لمن لا يحسنون القراءة فيستمعون لنوع من الثقافة طريف.
وآسف أشد الأسف؛ لأن هذه العادة امحت أو هي على وشك الامحاء، ولو رقيت وهذبت واستمر القراء يقرؤون في المقاهي قصة أبي زيد وغيرها من القصص لكانت ضربا من نشر الثقافة جميلا مفيدا.
أبو لسان زفر:
تعبير يعني هجاء شرير كثير السب.
ابعد عن الشر وغني له:
قال وقنيله: تعبير يعني ابعد عن الشر وغن له، حتى يبعد، قال ولا تكتف بذلك، بل اجعل بينك وبينه قناة.
أبو نضارة أو أبو نضارة زرقة:
لقب لرجل يهودي كان يسمى «يعقوب صنوع» وقد أخرج مجلة في عهد الخديو إسماعيل اشتهرت بالجرأة ونقد الخديو حين لم يكن أحد يجرؤ على هذا، فكان هو والشيخ جمال الدين الأفغاني من أجرأ الناس في النقد هذا في جده وذلك في هزله، وكان من أنصار تعيين البرنس سعيد حليم مكان إسماعيل ويدعو له وقد أقفلت جريدته ونفي إلى فرنسا، فأخرجها باسم «أبو نضارة» حتى لا تصادر، وأخرج لهذا الغرض أيضا مجلة فرنسية هزلية لتكون داعية في الأوساط الأوربية، وعندي مجموعة منها اشتهرت بإتقان صورها وحسن دلالتها.
أتاري:
يقولون للرجل يأتي بما ينتظر منه، فمثلا إذا ظهر غنى رجل قالوا فيه أتاريه بيضيع كثير، بمعنى لأنك غني تنفق المال الكثير، وتقال أيضا للشيء يتعجب منه فيعرف سببه يقول الرجل للضيف: أتاري الدنيا نورت؛ أي كنت لا أعرف سببا لهذا النور، ثم ظهر السبب، ويضيفون إليه الضمير أحيانا فيقولون: أتاريه وأتارينا.
الأتراك:
كانوا عنصرا كبيرا يمثلون طبقة الأرستقراطية من المصريين، وكانوا يأتون من الأناضول أو إستنبول أو غيرهما، ويعد المصريون أذكى منهم، ولكنهم يمتازون بالترفع والتكبر وحب السلطة والعناد، وهم ينظرون إلى سائر المصريين نظرة فيها احتقار على أنهم خلقوا من دم أقل من دمهم، ولذلك يطلقون عليهم اسم «فلاحين» مقرونة بالازدراء ، وقد عرفوا بالنظافة في بيوتهم وملابسهم كما عرفوا بالترف والنعيم والعيشة الواسعة، وساعد محمد علي باشا على إشراك المصريين في الحكم وفي الجندية، واشتهر التركي بتدينه، ولكن تدينا شكليا تنقصه روح الإسلام فهو يعنى بالأدب أمام تلاوة القرآن، وبإقامته الصلاة أكثر مما يعنى بتحري العدل ورفع المظالم وعدم الرشوة، ويعتقد أنه إذا ارتكب هذه الجرائم كلها، يرفعها عنه بناء مسجد أو سبيل أو مدرسة، ومع الأسف لقي منهم المصريون الأمرين، ومن أمثالهم المشهورة «آخر خدمة الغز علقة» والغز طائفة من الأتراك، وهو يمثل الإحساس الذي يحسه المصري إزاء التركي، وقد أخبرني صديق من أبناء الأتراك هؤلاء قال: خرج والدي ذات يوم بموكب كالمعتاد وأراد أن يريني سلطانه، فنظر إلى اليسار وكنا نسير على النيل، فرأى أحد الفلاحين، يركب ذهبية جديدة يجرها أربعة من الفلاحين بالحبال، فصاح أبي في الفلاحين أن قفوا، وأمرهم أن يجروا الذهبية إلى البر ففعلوا، ورأى الغني هذا المنظر فنزل، وجاء لأبي فقال له أبي: متى كان الفلاح يركب ذهبية جديدة؟
الغني :
مراحمكم وعدلكم ومراحم أفندينا خديوي مصر وعدله، جعلتنا نستريح ونطمئن ودا شيء يفرحكم ودا خير يسركم.
والدي :
لكن كيف يجوز للفلاحين أن يتشبهوا بأسيادهم ويركبوا الذهبيات؟
الفلاح :
الحمد لله إحنا بنجري ونلعب على حسكم وفي ظلكم وظل أفندينا، والعبد وما ملكت يداه لمولاه فأنا عبدكم وعبد أفندينا والذهبية ملككم وملك أفندينا.
والدي :
أنا أقول لك كيف تجاسرت وتشبهت بأسيادك وركبت ذهبية.
الفلاح :
أستغفر الله العظيم أن أكون أريد التشبه بكم.
والدي :
إذا كنت لا تريد التشبه بنا فلماذا اشتريت الذهبية، وركبتها في البحر كأنك من أسياد البلد؟ وتريد أن يشوفك الفلاحون ويقولون دا له شأن ومقام.
الفلاح :
يا سيدي إن كان لي مقام فهو بفضلكم أنتم وأفندينا.
والدي :
الفلاح من نسل فرعون وفي المثل ليه يا فرعون اتفرعنت، قال: ما لقيت أحدا يردني.
الفلاح :
أستغفر الله إن كنتم ترون أن في ذلك عيبا فإني أشهد الله ورسوله أن لا أعود لركوبها أبدا، وتبت إلى الله على يديك.
والدي :
توبتك مقبولة، ولكن يلزمها تفكيرة.
الفلاح :
لا ورأسك ورأس أفندينا ما أنساها أبدا.
والدي :
لا لا، لا بد من تفكيرة ولو صغيرة ... يا ولد، حضر الخدامون.
والدي :
اربطوه من ذراعيه، وهاتوا النسوة اللي بيملئوا البلاليص دول، وروحوا خليهم يرشوا الأرض حتى تصير وحلة، واسحبوه فوق الوحل ذهابا وإيابا ليعرف أولا قيمة الثياب التي يلبسها، ففعلوا ذلك، وأمر بضربه العلقة، حتى سال الدم من رجليه وركبتيه وظهره، وقال له والدي: إن شاء الله ما تنساش، مع أن هذا الفلاح كان غنيا كبيرا ولا أحب أن أذكر اسمه.
وكان التركي لا يطيق أن يترأس عليه مصري، ومرة عين رجل تركي «أمير ياخور»؛ أي مفتشا على المواشي وكان رئيسا عليه مفتش مصري لزراعة الباشا فأمره مرة أن يرسل بهيمتين من مزرعة إلى مزرعة، فأبى وادعى أنه هو الرئيس مع أن مرتبه كان ضعيفا أي مبلغ 175 قرشا، فأمر المفتش الكلافين أن يذهبوا بالماشيتين إلى المزرعة الأخرى ففعلوا فذهب التركي معهم وأبى عليهم أن يستخدموا الماشيتين، وسحب بندقيته وأبى إلا أن يأخذ أجره ويترك هذا العمل ففعلوا معه ذلك، والحكايات على ألسنة الناس كثيرة في غطرسة التركي وسوء معاملته للفلاح، وعناده، وضيق عقله وضربه العلقة للفلاح لأتفه سبب، حتى اشتهر عن فلان باشا أنه كان يأمر بضرب الفلاح أو الموظف ثم يأخذ في صلاته.
ومن الأتراك المماليك، وكانوا متميزين بسمات خاصة، ومن صفاتهم: أنهم مغرورون يعتدون بأنفسهم وبقوتهم كثيرا، ولما علم أحد الفرنسيين بحملة نابليون على مصر، ذهب إلى مراد بك وأطلعه على هذه الحركة فضحك مراد بك ضحكا طويلا فخما، يستخف به من قوة الفرنسيين وتفكيرهم في ذلك، وقال: إنهم إذا حضروا سحقناهم سحقا، فكانت النتيجة أن دارت الدائرة على مراد بك وأتباعه في وقعة الأهرام.
أثر النبي:
هو حجر فيه صورة رجل بأصابعها، يزعمون أنه من أثر النبي في الحجر، وهم يتبركون به، وفي ضاحية القاهرة بلدة صغيرة تسمى «أثر النبي» من أجل ذلك.
وبعض هذه الأحجار يتخذها بعض المشايخ دعاية للولاية، ومقصدا للتبرك ، فيضعها على رأسه.
أجرنه:
أصلها من أجل أنه.
الأحجبة:
الأحجبة جمع حجاب، وقد اشتهر بين العوام المصريين استعمال الأحجبة، وأشهر من اشتهر بعملها المغاربة من أهالي تونس والجزائر ومراكش، ويليهم في ذلك السودانيون وبعض الفقهاء، والعادة أن يكتبوها بحبر أحمر وأخضر، ثم تطبق الورقة وتوضع في جلد أحمر ويعلقها في رقبته من أراد، ويكون الحجاب تحت الثياب، وبعض الناس يتعمد أن يكتب الحجاب بنجاسة حفظا من العفاريت، ويقولون: إن الجن أسرع في إنجاز الأغراض من غيرهم.
وبعض الناس ينقطعون لهذا العمل وبعضهم يغالي فيه وبعضهم يتحجب بالمصحف الشريف؛ لذلك طبع في حجم صغير جدا ليوضع في الجيب الصغير، وبعض الأغنياء يضعه في علبة صغيرة من الذهب أو الفضة للتبرك، وقد ألف بعض العلماء كتبا في الأحجبة على اختلاف أنواعها: فحجاب لشفاء المريض، وحجاب لقضاء الحاجات وحجاب لتحبيب الزوج في الزوجة وغير ذلك، ومن أشهرها كتاب «مجربات الديربي».
وأعرف رجلا انقطع لعمل الأحجبة، وكان مكارا خبيثا تقصده النساء لعمل حجاب لتحبيب زوجها فيها وتقصده أخرى لشفاء ابنها وغير ذلك، فما مضت عليه سنة من هذه الحرفة إلا وأصبح معتوها وألزم نفسه بأن يقول كل ليلة يا لطيف خمسة آلاف مرة، ومن الغريب أنه يعتقد أن هذه الأحجبة وأمثالها ضلال في ضلال، ولكنه لا يمكنه أن يتركها بعد أن تعودها وأصبحت جزءا من حياته، وسيأتي أنواع من الأحجبة في مواضعها، وأحيانا تكون هذه الأحجبة مؤسسة على الوهم، كالذي حكى لي صديق أنه رأى حجابا قد وقع من ضيف كان نازلا عنده، ففتحه فلم يجد إلا ورقة من قصاصات إحدى الجرائد.
الأحزاب:
في مصر أحزاب كثيرة، تقليدا لأحزاب البلاد الأوربية، ولكنها في أوربة مبنية على اختلاف البرامج، فكل حزب له برنامج خاص، ينتسب إليه من اعتنق مذهبه كحرية التجارة وتأميم المناجم، أما في مصر فتكاد تكون اختلافات أفراد، بعض الناس يتصلون برجل، فيكونون حزبا، وآخرون يتصلون بآخر، فيكونون حزبا آخر، والأحزاب في مصر قريبة العهد، بدأت تقريبا حوالي سنة 1906، وكانت في مصر ثلاثة : الحزب الوطني، وحزب الإصلاح على المبادئ الدستورية، وحزب الأمة.
الحزب الوطني:
أسسه مصطفى كامل باشا، ودعاه إلى ذلك ما شعر به من تأخر صحته وكان برنامجا واسعا طموحا، يغري الشبان باعتناقه وهو استقلال مصر وتكوين دستور البلاد، بحيث تكون الهيئة التنفيذية مسئولة أمام مجلس نيابي تام السلطة، واحترام المعاهدات الدولية والاتفاقات المالية التي ارتبطت بها الحكومة المصرية بالنسبة لسداد الديون، والصراحة في انتقاد الأعمال الضارة، وتشجيع الأعمال النافعة، والعمل لنشر التعليم على أساس وطني صحيح بحيث ينال الفقراء أوفى نصيب، وترقية التجارة والصناعة والزراعة، وبث الشعور الوطني في الشعب وإفهامه حقوقه الوطنية، ودعوته للتعاون، والعناية بالشؤون الصحية، وبث روح المحبة بين المصرين والأجانب، وتقوية العلاقة بين مصر والدولة العلية، والدعاية لمصر في الخارج، ونفي كل شبهة عنها يلصقها بها خصومها، ويشترط لقبول الأعضاء في الحزب الوطني أن يكون الطالب مصريا معروفا بالأخلاق الفاضلة لم تصدر عليه أحكام تمس شرفه وسمعته، وألا يكون عضوا في حزب آخر.
حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية: «بعد تأليف الحزب الوطني رأى الشيخ علي يوسف صاحب المؤيد إنشاء حزب آخر وسماه حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية»، وكان من أغراضه خدمة الخديو عباس والدفاع عنه، وخصوصا أن الحزب الوطني تخلى عن الخديوي وهاجمه، وكان برنامجه تأييد السلطة الخديوية، والمطالبة بتحقيق الوعود والتصريحات التي أعلنتها بريطانيا العظمى عند احتلالها لمصر، والمطالبة بمجلس نيابي في مصر ليكون تام السلطة، وأن يكون التعليم الابتدائي عاما ومجانا، وأن تكون اللغة العربية لغة التعليم في البلاد، وأن تعطى الوظائف في المصالح المصرية للوطنيين على حسب الكفاءة، وأن تكون محاكمة الأجانب جنائيا أمام المحاكم المختلطة، وقد كان رئيس هذا الحزب الشيخ علي يوسف ووكيله أحمد باشا حشمت.
حزب الأمة:
ألفه المرحومان محمود سليمان باشا وحسن باشا عبد الرازق وأنشأ جريدة له اسمها «الجريدة»، كان رئيس تحريرها أحمد لطفي السيد باشا، وكان الخديوي يخشى أن يكون لسعد زغلول باشا وأحمد فتحي زغلول باشا دخل في هذا الحزب، وتلخص مبادئه فيما يلي: معاضدة حركة التعليم ونشره بكافة الطرق، وجعله إجباريا في التعليم الأولي والابتدائي، والحصول على حق البلاد الطبيعي في الاشتراك مع الحكومة في وضع القوانين والمشروعات العامة، وتوسيع اختصاص مجالس المديريات، ومجلس شورى القوانين تدرجا إلى المجلس النيابي، وتوسيع نطاق الجمعية الزراعية، توصلا إلى تقدم البلاد الزراعي وعدم إهمال الصناعة والتجارة والعمل على ترقيتها، وقد ظهر فيما بعد أن سعد باشا وفتحي زغلول باشا يعملان سرا على تأييد هذا الحزب، وقد علق عليه اللورد كرومر أملا كبيرا في مناهضة الخديوي عباس، ولكن ...
اشتدت المنازعات بين هذه الأحزاب الثلاثة وبلغت حد السباب والمهاترة، ثم جاء الوفد فاكتسح هذه الأحزاب كلها، ولم يسم نفسه حزبا، بل قال: إنه نائب عن الأمة كلها ولم يبق إلا الحزب الوطني ثم انقسم الوفد أقساما، فخرج منه جماعة وتسموا: الدستوريين أو الحزب الدستوري ورئيسهم اليوم الدكتور هيكل باشا، والسعديين وكان رئيسهم إبراهيم عبد الهادي باشا، ومن الأسف أنه عند الانتخاب لا تعرض البرامج ولا يتم الانتخاب عليها، وإنما تعرض الأشخاص، ومعنى الحزب الفلاني أنه ينتمي إلى الرئيس الفلاني، فإما لأنه تربطه به رابطة ما، وإما لاتحاد أعضاء الحزب في عقليات متشابهة.
ومن الغريب أن مجلس النواب لم يستطع في المدة الطويلة أن يسقط وزارة لم يرض عنها، وفي الأيام الأخيرة ظهرت هيئة الإخوان المسلمين تدعو إلى العمل بمبادئ الإسلام وتطبيقها على الأمة والتخلق بالأخلاق الفاضلة ونحو ذلك، وقد قتل أخيرا رئيس الهيئة وهو المرشد العام الشيخ «حسن البنا» لما اتهمت الهيئة بقتل «محمود فهمي النقراشي رئيس الحزب السعدي»، وقد انتشر أتباعه انتشارا كبيرا مما يدل على استعداد المصريين لتلبية الدعوة الدينية، ثم كان أيضا الحزب الاشتراكي وهو يدعو إلى المبادئ الاشتراكية وأصبح له عضو واحد في مجلس النواب يمثله، ويدعو لمبادئه، وعدده أقل من عدد أي حزب آخر، وقد تقسمت هذه الأحزاب طلبة الجامعات أحيانا يتفقون وأحيانا يختلفون فيتضاربون، وإذا اختلفوا كانت هناك هتافات مختلفة تدل على رغباتهم.
ولما حدث الانقلاب الأخير، وعزل الملك السابق، وقبض ضباط الجيش على ناصية الحال، انكمشت الأحزاب، وأصدرت الحكومة قرارا بضرورة تنظيم كل حزب نفسه، وتطهيره من الأعضاء المتهمين بالرشوة، واغتصاب الأموال، واشترطت تنفيذ ذلك لتكون الانتخابات القادمة على أسس صحيحة، تبنى على مبادئ الحزب لا على الأشخاص، وقد بدأت الأحزاب تفعل ذلك جديا، وتستعد لمواجهة الأحوال الحاضرة، ونحن نكتب ذلك والأحزاب كلها قائمة قاعدة في تنفيذ هذه التعاليم.
أحلق شنبي لو حصل ده:
حلق الشنب كناية عن أن يكون امرأة لا شنب لها؛ أي إذا حصل هذا فأنا امرأة لا رجل.
أخليك تمشي ع العجين ما تلخبطوش:
تعبير يعني لأؤدبنك أدبا يجعلك تمشي مستقيما.
إداله شلوت:
تعبير يعني رفسه بالرجل، واشتقوا منه فعلا فقالوا شلت له.
إداله قلم بعزم ما فيه:
القلم: الصفع؛ أي صفعه بكل قوته.
الأدعية:
يكثر المسلمون من قراءة الأدعية، وهي أنواع مختلفة، دعاء للشفاء مثل: «حصنتك بالحي القيوم الذي لا يموت أبدا ودفعت عنك السوء بألف ألف لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» ومثل «اللهم رب الناس أذهب البأس، واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما يا رب العالمين ...»
ودعاء لقضاء الحاجات مثل الصلاة على النبي خمسمائة مرة، وقوله: «أسأل الله الكريم الديان الحنان المنان الرحيم الرحمن ذا الجود والفضل والإحسان والخير والامتنان بحق ذاته السمية وصفاته المنية وبحق الأئمة الأعلام، نور الهدى ومصابيح الظلام أن تقضي حوائجنا وأن تختم لنا ولأحبابنا ولكل من له حق علينا بالإيمان والإسلام، وأن تطهرنا وإياهم من الذنوب والآثام، وأن تجمع كلا من الأشياخ والأحباب والآباء والأمهات في دار السلام بسلام.»
وبعض هذه الدعوات مأثور عن النبي
صلى الله عليه وسلم
وبعضه عن الصحابة أو التابعين، وبعضه عن الأولياء والصالحين ...
إذا حضرت الملائكة ذهبت الشياطين:
تعبير يعني إن حضر رجال الخير، ذهب رجال الشر.
الأذن:
إذا طنت الأذن اعتقد بعض المصريين أن أحدا يذكر من طنت أذنه في تلك الساعة فيضع يده عليها، ثم لا يزال يذكر أسماء من يظن أنهم ذكروه بعد أن يسد أذنه بوضع يده عليها، فإذا ذكر الاسم الذي كان يذكره سكت الطن ويقولون: «إذا طنت الودن اليمين عدو مبين، وإذا طنت الودن الشمال، حبيبي سال» ومن المشهور في كلامهم «يا ودن طني، كل يوم خبر.»
ومثل ذلك رف العين:
فإذا رفت العين اليمنى تنبأ صاحبها بحدوث شر، وإذا رفت العين اليسرى تنبأ بحدوث خير، وقد أخرجوا فيلما حديثا بعنوان (عيني بترف).
ومثل ذلك أيضا أكلان اليد، فإذا كان في اليد اليمنى كان إيذانا بأنه سيضرب أحدا، وإذا كان في اليسرى كان إيذانا بأنه سيسلم على أحد أو سيقبض فلوسا، ومثل ذلك خدر الرجل وتنملها.
أربعاء أيوب:
هو يوم الأربعاء الذي قبل شم النسيم، وقد اعتادوا فيه أن يبيعوا نبتا يقال له البرتوف، يدعون أنه إذا نقع في الماء واغتسل به يوم الأربعاء شفى من الضر، وأنه هو النبات الذي شفي به أيوب، وفي ذلك اليوم ينادى على نبت آخر ذي رائحة طيبة بقولهم: يا رعرع أيوب.
أردغانة:
تعبير يستعملونه في المائدة الكثيرة الأكل المشوشة.
الأرمن:
توجد منهم طائفة لا بأس بها في مصر، وقد اشتهروا بجودة الصنعة وإتقانها، والمهارة في التجارة، وعدم المبالاة بالغربة ولذلك نجحوا حيث لم ينجح غيرهم، وكسبوا من الأموال ما تضخمت به ثرواتهم، وإذا سابقوا الوطني في الصناعة أو التجارة سبقوه.
الأروام:
هم اليونانيون، وهم طائفة كبيرة في مصر امتازت ببعض مهن، كفتح القهاوي والبارات ومحلات البقالة، والخمارات كما امتازوا بالنشاط وجمع المال ولذلك جمع بعضهم ثروات هائلة، وكان لهم من النشاط العجيب ما مكنهم من الانبثاث حتى في القرى النائية وبين الفلاحين يبيعونهم الخمور ويبتزون أموالهم ويصبرون صبرا تاما على معيشة تشبه معيشة الفلاحين.
ومنهم تجار أقطان وحبوب يستطيعون لذكائهم وممارستهم أن يضحكوا على الفلاح المغفل، فيستلبونه ماله ويسخرونه في مصالحهم، وربما كان احتلالهم أشد أثرا من الاحتلال الإنجليزي، وهم شديدو المعرفة بعادات الناس من فلاحين وغير فلاحين وتقاليدهم، فلذلك تكون مداخلهم أعمق، وأساليبهم أدق، ومما يؤهلهم لذلك أنهم سرعان ما يتخلقون بأخلاق أهل البلد ويتعودون عادتهم ويتكلمون بلغتهم ...
أروح فين وآجي منين:
تعبير يعني الرجل عندما يحار، وتسد أمامه المسالك.
أزرق:
كثيرا ما يسمى المصريون الأزرق أخضر، تفاؤلا بالخضرة، وكراهية للزرقة، ولذلك سموا العتبة الزرقاء، بالعتبة الخضراء، وكانت عتبة زرقاء لبيت من بيوت أمراء هذا الحي ويقولون، زرق المسمار في الخلب؛ أي أدخله بسهولة، ويقولون: «نابه أزرق» لمن كان خبيثا مكارا.
الأزهر:
لا يهمنا في كتابنا هذا تاريخ الأزهر وعمارته والدراسة فيه ومركزه من العالم الإسلامي، وإنما يهمنا في موضوعنا هذا عادات الأزهريين، واتصالها بعادات الشعب كله.
والأزهر بناء كبير، قسم إلى أروقة، فللصعايدة رواق، وللبحاروة رواق، وللشوام رواق، وللأتراك رواق ... وهكذا، وكثيرا ما كنا نشاهد منازعات تحصل ويتبادل فيها الضرب وتثور فيها العصبيات، فأحيانا تحدث المشاجرة بين البحاروة والصعايدة والعكس، وأحيانا بين المغاربة والمصريين ... وهكذا.
وكل جماعة عليهم أوقاف خاصة بهم يأخذون من ريعها (الجراية)، سواء في ذلك الطلبة أو العلماء، وهي في القديم تتراوح بين ثلاثة أرغفة وعشرين رغيفا، وكنت كثيرا ما ترى على أبواب الأزهر مجاورين يبيعون جراياتهم أو يستبدلون ببعضها إداما.
وفي الأزهر بجانب الأروقة، صحن كبير سماوي قد بلطت أرضه، يتشمس فيه المجاورون في الشتاء، وينامون فيه في ليل الصيف، وكثيرا ما ترى ملاية بيضاء، أو عباءة سوداء قد فرشت في هذا الصحن ووضعت عليها الزوادة، وهي عبارة عن خبز أخضر للمجاور من بلده فيخشى عليه من التعفن فيضعه في الشمس ثم يجمعه بالليل.
وكان العلماء ينصبون أنفسهم مدرسين، فإذا سمعهم الطلبة فإما أن يقروهم على تدريسهم أو يقيموهم من أمكنتهم، ثم وضع لهم نظام الامتحان، ويجلس الشيخ إلى جانب عمود إما في الأرض أو على كرسي مجنح مرتفع، ويقرأ درسه في كتاب، ويطيل ويعيد في كل جملة ويفتتها تفتيتا، والكتاب عادة عبارة عن متن وشرح وحاشية، وقد يزاد أيضا على هذا كله تقارير، وفي كل كلمة تتوالى على الشيخ الأسئلة، فإذا كان حصيفا استطاع أن يجيب عليها، ولهم اصطلاحات خاصة في الأسئلة والأجوبة.
وفي جانب من جوانب الأزهر زاوية تسمى زاوية العميان ينتسب إليها عميان الأزهر، وقد عرفوا بالجبروت مصداقا لقولهم: كل ذي عاهة جبار.
والأزهريون كانوا يقرءون في الفجر التفسير والحديث، وفي طلوع الشمس الفقه، وفي الظهر النحو، وفي العصر العلوم الدنيوية كالجغرافيا والرياضة.
وفي أركان الأزهر كتاتيب على الطريقة البدائية، وكان في الأزهر ميضأة كبيرة يتوضأ منها الأزهريون فأبطلها الشيخ محمد عبده ووضع مكانها الحنفيات، فادعوا أنه أذهب البركة من الأزهر، وقاموا عليه وانتقدوه.
وفي الأزهر على يمين المحراب الكبير صندوق صغير يقال إن به طلسما يمنع من سكنى العصافير وسائر الطيور.
وكان قبل الحنفيات صهاريج أربعة تحت الصحن تملأ بالماء ثم يستقى منها طول السنة.
وفي جانب الأروقة دواليب كل دولاب يشتمل على خزانات، والطالب إذا تقدم في الطلب أعطي مفتاح خزانة وضع فيها كتبه وجرايته وما يحتاج إليه.
ومن عادة الصعايدة إذا أتوا من بلدهم أن يحضروا معهم مئونة نصف السنة تقريبا من خبز وسمن وجبن وكشك وعدس وبصل، وأكثرهم يسكن مع بعض زملائه في غرفة واحدة في الوكالات التي حول الأزهر، وفيهم من يتزوج من بلده ثم يحضر إلى الأزهر ويترك زوجته وأولاده، ثم يذهبون إلى بلادهم في أيام البطالة، وغالبهم يباشر أعماله بنفسه من طبخ وغسل ثياب وترقيعها، وأكثر أكلهم وخصوصا الفقراء منهم، المدمس والفلافل أو الطعمية والمخلل والكرات والفجل والنابت، وكان الزي في زمننا للجميع الجبة والقفطان أو الجلابية والعباية والعمامة، وكثيرا ما يستعملون فراء الغنم للجلوس عليه في الدرس، وقل أن يتعهدوا بيوتهم بالتنظيف، ومن الأمثلة التي كانت منتشرة بين الأزهريين قولهم: «العلم زبال» يعنون به أن العلم لا يلائم المظاهر، وإنما يذهب إلى القذرين الذين يشبهون في قذارتهم الزبالين، وشاع بين القاهريين أن من الأزهر ينتشر الجرب، وقد يحصل بين بعض الساكنين في الحجرة الواحدة عناد على غسل الأطباق فيقول كل منهم: «اغسله أنت» وتكون النتيجة عدم غسلها.
واشتهر أهل الأقطار الأخرى من هنود وشوام وأتراك بالنظافة في الثياب والسكنى.
وإذا ختموا كتابا كان من عادة الطلبة أن يأتوا في حلقة الدرس بالمباخر والقماقم والعطريات، فيرشون ماء الورد وينثرون اللوز والتمر ويقبلون يد الشيخ.
وكانت العادة أيضا عند بعض المجاورين أن يطلبوا الإجازات (البراءات) من المشائخ فيكتبوا لهم الإجازات بخطوطهم، وهي تتضمن الإقرار بتحصيل الطالب ومهارته في الفنون. •••
وكان الطلبة يحترمون مشايخهم احتراما زائدا ولو كانوا أغنياء والمشايخ فقراء، فيقبلون أيديهم ويجرون وراء حمارهم وينظفون بيوتهم إذا لم يكونوا متزوجين ويمتثلون أمرهم، والمشايخ يلبسون الفرجيات، وهي ذات كمين واسعين تتخذ من جوخ أو تبيت.
والمجاورون يحترمون في بلادهم فلا يشغلون في السخرة، ولا يجندون في الجيش، ويمكن أن يكون هذا هو السبب في كثرتهم، والغالب أن يتبع الطالب مذهب أبيه فإن كان حنفيا فهو حنفي أو شافعيا فشافعي وهكذا.
ولما انحصرت الفتوى والقضاء في مذهب الحنفية تحول كثير إليه للتعيش، وقد كان الطلبة والمشايخ لا يأخذون ماهية إلا الجراية فكانوا يتكسبون من أوجه أخرى كإمامة مسجد وأذانه، ودروس خصوصية وخصوصا للمستشرقين.
ولكل رواق عصبية يتعصبها بعضهم ضد غيرهم، وتحدث في الأزهر حوادث كثيرة منها ما يكون ضد الحكومة إذا أرادت التدخل، ومنها ما يكون بين الأزهريين أنفسهم، ومنها ما يكون بين العلماء للتنازع على المشيخة والوظائف الرئيسية وهكذا ...
ومثال هذه الحوادث أن أحد مماليك محمد علي باشا وكان مجاورا في الأزهر ضربه بعض الطلبة بسكين فقطع أصابعه من أجل مرتب الجراية فقطعت جرايته وأخذ وسجن ثم نفي إلى بلاده وكان تركيا.
وقد كان العلماء في القديم واسطة جيدة بين الحكومة أو على الأدق الوالي وبين الناس، فإذا شكا الجمهور من شيء وسطوا العلماء في التظلم منه، وكان منهم أعضاء في المجلس الذي ألفه نابليون بونابرت عند دخول الفرنسيين مصر.
وللأزهريين أثر كبير في الحياة المصرية من حيث عاداتهم وتقاليدهم حتى في الأمور السياسية إلى يومنا هذا، فقد كان للأزهر دخل كبير في ثورة مصر سنة 1919، ويظهر أكبر تأثيرهم فيمن يتعلمون في الأزهر من أهل القرى في الأرياف، ثم يعودون إلى بلادهم بعد أن يتموا دراستهم أو قبل إتمامها، وقد يكونون مأذونين أو فقهاء كتاتيب أو نحو ذلك، ولبعضهم أثر كبير سيئ، فإصلاح الأزهر ليس أثره قصرا عليه، بل يتعداه إلى سائر البلاد في العالم الإسلامي.
هذه هي صورة الأزهر أيام كنت طالبا به؛ أي من نحو خمسين عاما، ولكنه تغير ككل شيء كما تقول الأغنية البلدية:
كل شيء في الدنيا اتحول
وحبنا مش زي الأول
والحق أن للأزهر ميزات: منها أنه رفع راية الثقافة، يوم حوربت الثقافات حتى انكمشت، وأنه كان قبلة المسلمين في الأقطار الإسلامية كلها، وأن منهجه في التدريس يعلم طلبته الصبر والدقة فلا يقبلون من العبارات إلا ما كان دقيقا منطقيا، ومركزا، ولهم صبر طويل على تفتيتها وشرحها.
الأزياء:
من أكثر ما يلفت النظر إلى المصريين تنوع أزيائهم، وخصوصا الرجال، وهذا ما يدهش الأجنبي إذا زار مصر لأول مرة فهم يجدون العجب من اختلاف هذه الملابس فجبة وقفطان وعمة، وجبة وقفطان وطربوش، وجلابية وطربوش، وجلابية وطاقية، وبدلة إفرنجية وغير ذلك مما لا تجد له نظيرا في اللبس الأوروبي، وكذلك المرأة: ملاءة لف، وحبرة؛ وغير ذلك.
والذي يلاحظ الآن التغير السريع في الأزياء فالنساء تغيرت أزياؤهن بعد السفور تغيرا كبيرا، وقبل السفور كانت تتغير عادة الأزياء من حين إلى آخر فمثلا كانت ثياب النساء في الطبقة العليا والوسطى في عهد محمد علي قميصا من حرير مختلف الألوان إما أبيض أو ورديا أو بنفسجيا أو أصفر أو أزرق ويزركش غالبا بالحرير أو أسلاك من ذهب، ويكون واسعا جدا وعريض الأكمام وقصيرا، ثم (شنتيان) يلف به الخصر بواسطة تكة تمر في باكية بأعلاه ويربط من أسفل بالساق ثم يسبل إلى القدمين، ثم (يلك) وهو ثوب يلتصق بالقامة وينسدل إلى القدمين ويلف الجسم بإزار من أمامه من فوق إلى تحت، ويكون مفتوحا من الجانبين وحزام يحيط بالوسط من حرير أو كشمير أو نحو ذلك، ويلبس السيدات فوق اليلك جبة من الجوخ في فصل الشتاء مقورة من الأعلى وتكون مفتوحة.
أما غطاء الرأس فطاقية حمراء صغيرة يلف حولها منديل من حرير مزركش وتوضع في مقدمة الطاقية صفيحة مستديرة ويسميها النساء (قرصا)، والأغنياء منهن يصنعنها من ذهب ويرصعنها بالأحجار الكريمة.
وهن لا يقصصن شعورهن بل يتركنها، أو يضفرنها ضفائر في النهار أو في الليل، وفي السهرات يتحلين بالحلي الكثيرة كالأقراط والعقود والخواتم والأساور.
ثم دخل على ذلك تغيير كبير في عهد الخديو إسماعيل، فكن يلبسن كذلك الشنتيان، وهو سروايل واسعة تمكن السيدة من الجلوس على الشلتة، وفوق الشنتيان صديري بدون أكمام وفوقه اليلك وهو رداء طويل، وعند الخروج يلبسن الفرجية وهي أشبه بالعباءة الواسعة، ويضعن على رؤوسهن العزيزية وهي غطاء للرأس مغطى من الداخل بقماش وفوقه ورد صناعي وتحته اليشمك يغطي الوجه، وهو من القماش الشفاف.
أما الرجال فكانوا في الغالب يلبسون العمامة سواء في ذلك الأغنياء أو غيرهم والجبة والقفطان والحزام، ثم دخل التغيير على لباس الرجال والنساء جميعا، فالنساء أصبحن يخرجن بالفساتين التي يلبسنها في البيت على شكل أجمل، والرجال فشا فيهم اللبس الإفرنجي من جاكتة وبنطلون حتى بين رجال الأزهر ودار العلوم ... وفشا لبس الطربوش أخذا من الأتراك.
أما الفلاحون فهم كعادتهم يلبسون الجلاليب الزرقاء، وقليل منهم يلبسون الزعابيط، وهم يحتفظون بالعمامة على الرأس، وأكثرهم يسير حافيا من غير جزمة ولا مركوب، والنساء يلبسن الجلاليب السود الطويلة ويغطين رؤوسهن عند الخروج بمنديل ووجوهن بالطرح ويتحلين بالحلق، وأحيانا بالخلخال وأحيانا بالأساور.
وكل أمة تريد الإصلاح عادة، توحد زيها كما فعل الأتراك في ثورتهم فلم يستثن منهم في لبسهم إلا رجال الدين الرسميين فقد سمح لهم بالعمامة، أما سائر الشعب فقد فرض عليهم لبس البدل الإفرنجية والقبعات، حتى المؤذنين، وذلك شعورا بأن توحيد اللبس أول عمليات التجديد؛ لأنها تبعث في النفوس نشاطا، وقد بدأ المصلحون في مصر يفكرون أيضا في توحيد الزي.
استحضار الأرواح:
من عادة بعض المصريين استحضار الأرواح، بعد أن كانوا يستحضرون الجن، وقد شاهدت مجلسا لاستحضار الأرواح هذا، رأيتهم قد أطفئوا الأنوار، وأداروا أسطوانة على الفونوغراف، تبعث الهدوء والسكينة، ثم استحضر رئيس المجلس شخصا ونومه تنويما مغناطيسيا، وأغرب ما شاهدته رجل قالوا: إنه غير مثقف، وإن أصله مبيض فلما نوموه كان يتكلم بالإنجليزية بلهجة هندية، وهو يداوي الحاضرين ويخبر كلا منهم بمرضه وطريقة علاجه.
ولكن طريقة علاجه والحق يقال لم تنجح معي، وقد زعموا أنهم يشاهدون في سقف البيت مناظر أرواح لأشخاص يعرفونهم ولكني لم أر ... وحكوا لي أشياء كثيرة من هذا القبيل، وطلبوا مني أن أجلس في حجرة وحدي في الظلام في ليلة الجمعة؛ لأنهم يرسلون الأرواح، ولكني لم أفعل.
مرة أخرى وإن لم تكن من هذا القبيل، بل من قبيل الإخبار بالمغيبات زارني رجل تونسي يزعم أنه يقرأ البخت وكان معي صديق، وقد طلب منا هذا المغربي أن نكتب أوراقا لما نحب أن نسأله فيه، ثم نضعها في مصحف أمامنا وهو يخبرنا بالأسئلة والأجوبة من غير أن يقرأها.
وقد ذهب إلى الحمام، وظل يأتي بحركات غريبة ثم عاد إلينا وقرأ بعض الآيات، وقال: إن فلانا يسألني في ورقة عن اسم أبيه وأمه، ولم يكن أحد في البيت يعرف اسمهما ولا أنا، واسم أبيه كذا واسم أمه كذا، وأخبرني صاحبي أنه صدق في ذلك، ثم سأله عن اسم ابنه فأخبره بصدق، ثم قال له: إنك سألت عن سعر القطن وسيرتفع، وكنت أنا كتبت أسئلة في ورقة، منها سؤال عن مرضي فأخبرني، وذكر دواء لم ينفعني، وكان مما كتبته في الأسئلة: «هل ستقوم الحرب العالمية الثالثة؟ ومتى؟» فقال: إنها ستكون في نوفمبر القادم ولم يحدث فظهر لي من جميع ذلك أن الرجل بالحركات التي عملها في الحمام قد نوم نفسه تنويما مغناطيسيا، وبذلك استطاع أن يقرأ أفكارنا.
أما الإخبار بالمستقبل فكان مجرد تخمين؛ أي إنه كان يقرأ من أفكارنا ما نعلمه، شأن كل المنومين المغناطيسيين، عندهم من الموهبة ما يستطيعون به أن يقرأوا أفكار الناس، أما قراءة المستقبل فدعوى لم يقم عليها برهان، والله أعلم.
الاستخارة:
الاستخارة ضرب من قراءة الغيب، فيستخيرون بالسبحة تؤخذ مجموعة من الحبات اعتباطا، وآخر حبة هي القول الفصل في أن يفعل أو لا يفعل، وأحيانا يستخيرون بالمصحف يفتحونه حيثما اتفق، ويستخيرون بورق يقطعونه، ورقة فيها نعم، وورقة فيها لا، ويستخيرون بأول قادم يطلع عليهم، إن كان مليح الوجه أو رديئه، وهي شائعة عند المصريين.
الاسترسال:
هو خلق من أخلاق العامة أو قاعدة من قواعدهم في المحادثة.
يفتتح الواحد منهم حديثا فيترك الحديث لمن بعده فيكمله مع الاسترسال ... وذلك ناشئ من ضعف العقلية ... ومن الغريب أن نرى ذلك بين المتعلمين، فقل أن نرى مثلا رجلا يتحدث عن موضوع واحد ثم يتم الحاضرون الكلام فيه وحده، ويأخذك العجب إذا قارنت بين مفتتح الكلام ومختتمه؛ وذلك أخذا من كتب الأدب عندهم، وهناك نوع من البلاغة يسمى الاستطراد وهو في معنى الاسترسال كالذي يفعله الجاحظ وابن عبد ربه وابن قتيبة وأمثالهم حتى في الكتب، فترى كتاب الفقه كابن عابدين يغرق في موضوع فقهي، وإذا به يتحدث في إعراب (حاشا لله) وهكذا، ولذلك لا تخلو كتاباتهم من مفارقات طويلة قد تكون لها علاقة بالموضوع بعيدة، وربما كان الرقي العقلي كفيلا بذهاب هذا العيب.
الاستغاثة:
يكثر المصريون من الاستغاثة بالأولياء، وهم يختلفون قوة وضعفا فأهل القرى يستغيثون بأوليائهم في قراهم، وأهل المدن بمشايخهم ومنهم من يعتقدون لهم سلطة عامة كالسيد البدوي وسيدنا الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة ولهم في ذلك أناشيد ونذور، وربما بلغ ما يدخل في صندوق النذور للسيد البدوي في ثلاثة أشهر ما يزيد عن ألف جنيه، يدفعها الفقراء المحتاجون لمشايخ المسجد الأغنياء، ولهم في كل شيخ قصائد وابتهالات مثل ما قيل في السيد البدوي:
يا سيد كم لك من مدد
يسمو عن وصف أو عدد
وبكم طنطا أعلى بلد
بوسيع رحابك يا سيد
كم جاءك مسكين يبكي
وعليل من ألم يشكي
وفقير في حال ضنك
فأخذت بيده يا سيد ...
أهل التصريف لهم شان
في الكون رجال شجعان
والقوم جميعا فتيان
وأبو الفتيان هو السيد
حتى في الحج مع الركب
تسعى بالجسم مع القلب
وتكون دواما في الدرب
نحو المختار أيا سيد
للشدة أنت أبو فراج
سند للعاجز والمحتاج
وسبيل الفضل بكم قد راج
وازداد بسرك يا سيد
وقع القنديل من الأعلى
للأرض فلم يكسر أصلا
نورت بنورك ما أظلم
من لاذ بك لا يظلم
وألنت حديد الباب إذا
جندي جاء يريد أذى
فنجا من لاذ بكم وكذا
ينجو من جاء إلى السيد •••
وأعرف صاحبا لي ركب القطار مع الركاب، فلما وصلوا إلى طنطا قال بعض الحاضرين «الفاتحة» للسيد، فاستنكر هذا الرجل فعلهم فقاموا عليه يضربونه حتى كاد يهلك وما نجا منهم إلا بادعاء بعض أصحابه أنه مجنون، ولكل شيخ من هؤلاء الأولياء مولد تقام فيه الأفراح والليالي الملاح، وتختلف في عدد الأيام وفي عظم الزينات وفي الحلوى التي تباع على الأبواب، وربما كان أعظم مولد للسيد البدوي ولسيدنا الحسين، ويقصد إليهما من كل البلاد وتكثر فيهما الاستغاثات والدعوات.
الاستفهام:
يعتمد الشعبيون في الاستفهام على الصيغة واللهجة أكثر مما يعتمدون على حروف الاستفهام أو أسمائها، فتستطيع بالمران أن تفهم إذا كانوا يستفهمون أو يخبرون، وكذلك الاستنكار حتى إن الكلمة الواحدة مثل كلمة «الله» تستعمل استعمالات كثيرة تدل على معناها لهجتها؛ فقد تكون للتعجب، وقد تكون للاستنكار، وقد تكون للإعجاب، حسب النغمات، ونحو ذلك.
استنجلينا:
كلمة دخلت في اللغة العامية حديثا بمعنى الجنون يقولون: فلان استنجلينا؛ أي بعقله خبل.
الأسرة:
ويسمونها «العيلة» وهي عادة وحدة الأمة، وكانت كل جملة من الأسر تضمها حارة، والحارات يضمها شارع، والشوارع تضمها المدينة أو القرية.
وقد كان للأسرة نظام معروف، فكان يضم الرجل الكبير والزوجة والأبناء والبنات وقد تضم أيضا الأقارب، كالابن وزوجته وولده والأخت المطلقة والحماة وغير ذلك، وقد يضم البيت زوجتين «ضرتين»، ومن أجل كبر الأسرة كانت تكثر فيها المشاحنات والخصومات وقد ينقضي الليل في الحكم بين المتخاصمين والمتخاصمات، وقد ينتهي بالضرب أو الطلاق.
والأسرة إلى عهد قريب كانت محكومة بالسلطة الأبوية فكل السلطة في يد الأب، والزوجة لا تجرؤ أن تأكل معه، والأولاد يحترمونه فلا يصح أن يدخلوا أمامه، ولا أن يتكلموا بصوت يعلو على صوته، ولا يصح أن يتزوجوا إلا برضاه، والأم لا يصح أن تخرج إلا بإذنه، وبيده ميزانية البيت، وهو الذي يتحكم فيما يؤكل وما لا يؤكل.
والأسرة أيضا وحدة اقتصادية كما أنها وحدة اجتماعية، فلكل حارة سوقها القريب منها، تشتري منه الضروريات ولا تحتاج إلى غيره إلا في الكماليات، وهي أيضا وحدة دينية، فالولد يتعلم منها شعائر الدين وقريب من الحارة المسجد، يصلون فيه صلاة الجماعة وصلاة الجمعة، والمسجد أيضا يقوم بوظيفة اجتماعية بجانب الوظيفة الدينية فسكان الحارات يتعارفون في المسجد، ويعرضون فيه مشاكلهم الاجتماعية، وفي الأرياف يتحدثون عن حالة الزراعة من قطن وقمح ودودة وما فعل الحر بالزراعة وما فعل البرد وغير ذلك.
والمرأة في أسرة الفلاحين أحسن منها في المدن فهي تعين زوجها في زراعته فتحلب جاموسته وتصنع سماده وتأتيه بغذائه في الغيط وتعينه في الدرس والجمع، وتفهم في الزراعة مثل ما يفهم على عكس المدنية، فالفرق بين معلوماتها ومعلومات زوجها كبير؛ ولذلك يتفاهم الزوجان الفلاحان في كل شئونهما، وقل أن يكون ذلك في المدن فقد كانت الزوجة إلى عهد قريب خادمة نظيفة والزوج في وظيفته أو قراءته أو حساباته المالية منعزلا عن زوجته لا يستطيع إشراكها معه.
وقد شاهدنا في عصرنا تحول الأسرة من سيطرة الأب إلى سيطرة الأم ومن استبداد الرجل إلى استبداد المرأة، وشاهدنا في عصرنا أيضا أن حجاب المرأة يتحول إلى سفورها، وجهلها إلى تعلمها، وتفريطها في حقوقها إلى الغلو في طلبها، حتى لتريد أن تشارك في السياسة فتنتخب وتنتخب، وشاهدنا مزاحمتها للرجل في العمل والتوظف، وشاهدنا كثيرا من البيوت يكون فيها الزوج موظفا والزوجة موظفة ويسلمان أولادهما للمربيات.
ولما فشا تعليم المرأة قل الاعتقاد بالخرافات والأوهام، ولما سفرت المرأة عرفت كثيرا من أحوال الرجال، وشاركت في إدارة الأموال وزاد حظها في كل شأن من شئون الحياة، ومع ذلك بقيت الأسرة قديما وحديثا خير مرب للأطفال، ولم يوجد ما يستعاض به عن الأسرة.
وقد كان في القديم تتعارف الأسرة وترتبط برباط متين خصوصا من كان منها في حارة واحدة أو شارع واحد، ولكن لما غزتنا المدنية الحديثة قل اختلاط الأسر فكثيرا ما ترى أسرة في شقة من عمارة لا تعرف شيئا عمن يسكن بجوارها، تقليدا للإفرنج في معيشتهم، ومن أجل هذا أيضا كان من أكبر مظاهر الأسر في الزمن القديم الاشتراك العام في المأتم والأفراح، ومساعدة الأسرة البائسة، وعيادة المريض إذا مرض في الحارة، والمشي في جنازته، وسؤال كل فرد في الحارة عمن يساكنه فزال كل ذلك بحكم اعتزال الأسرة.
والأسرة المصرية كثيرة العطف على أفرادها، وهي تصغي إلى العاطفة أكثر مما تصغي إلى العقل، ومن مظاهر ذلك كثرة الاتصال بموتاها في زيارتهم في كل موسم والطلوع عليهم بالخوص والفاكهة والفطير وقراءة القرآن الكريم والترحم عليهم وغير ذلك، ثم مساعدة الأولاد مهما كبروا واستطاعوا أن يقفوا على أرجلهم، ثم الخوف الشديد من سفرهم والبعد عنهم ولو إلى مسافة قصيرة.
ومن هذه العلاقات احتفالات كبيرة بمظاهر الزواج والمأتم حتى تقع الأسرة من جراء ذلك في فقر شديد، وقد تضطر الأسرة إزاء عطفها الشديد إلى ارتكاب ما يضره فأعرف أسرة لم ترض أن ترسل أولادها إلى المدارس خوفا عليهم، وأعرف أفرادا من أسرة أخرى فسدوا لكثرة ما يمدهم به آباؤهم وأمهاتهم من الأموال كلما طلبوا ... وهكذا، حتى إذا انفصل الولد أو البنت وكونا لأنفسهما بيوتا خاصة ظل الاتصال شديدا بينهما وبين الأسرة، ولا بد من أن يرسلوا إليهم كعكا في العيد الصغير، ولحما في العيد الكبير، وهدايا متتالية، وهذا عكس ما نشاهده في الأسر الأوروبية، أعرف أسرة أمريكية مات واحدها في الحرب فنشرت عنه الجرائد، فلما ذهب بعض الأصدقاء للعزاء شكوا في أن يكونوا هم المقصودين لأنهم لم يشاهدوا عليهم أثرا من آثار الحزن، ونعم إنهم يحزنون ولكن في حدود ضيقة ويحزنون في أنفسهم ويبشون للناس.
وتجد كثيرا من الأغنياء في أوروبا وأمهاتهم أو آباؤهم في أشد حالات البؤس، وقل أن ينفق إنجليزي أو أمريكي على ابنه في التعليم الجامعي، ولكنه إذا أراد الولد عمل بنفسه ليتكسب ويصرف على نفسه كأن يشتغل صبي لبان أو بائع جرائد أو موزع بريد في جامعة أو كناسا للجامعة أو طباخا، ثم من مظاهر الأسرة المصرية أيضا الاتصال والاعتزاز بالأقارب حتى الأبعدين، فها ابن ابن عمه، وهذه بنت بنت خالته، وهكذا حتى ليبلغ ببعضهم الاعتزاز بحارته أو قريته.
والأسرة المصرية كما يدل عليها ماضيها وحاضرها سائرة إلى السفور وإلى توحد الزوجات وإلى التعلم وإلى السلطة النسائية، وإلى مشاركة المرأة في الأعمال التجارية والسياسية وإلى التزوج من غير أقاربها وإلى تحديد النسل وعدم الإكثار منه، وإلى ضياع الفروق الكبيرة بين الرجل والمرأة في الترام والقطارات ونحو ذلك، وإلى ضيق نطاق الأسرة والاهتمام فقط بالأزواج والبنين والبنات وإلى الاستقلال المالي.
وأخشى أن يرجع الأمر إلى ما قاله هيرودوت عن المصريين «إن النساء يعملن في الأسواق والرجال يعملون في البيوت.»
أسلوب الكتابة:
يختلف أسلوب الكتابة اليوم عن الأسلوب في الأيام الماضية، فقد كان خصائص الأسلوب الماضي قلة المعاني والعناية بالألفاظ والتزام السجع، حتى في أسماء الكتب وعنوان المقالات والإمعان في الجناس والفرح به، وتضمين الكتابة الشعر.
ولم تكن الكتابة طيعة في أيدي الكثيرين، بل كان الكاتب كأنه ينحت من الصخر، وكانت الكتابة ممزوجا فيها اللغة العامية باللغة الفصحى، كما يرى في كتاب بدائع الزهور وتاريخ الجبرتي، وكان عبد الله نديم في مجلة الأستاذ ينشر بعض مقالاته باللغة الفصحى وبعضها باللغة العامية.
ثم رزق الله الأمة من تحرر من السجع وتحرر من الزينة اللفظية وأطلق لقلمه العنان، وربما كان من طلائع هؤلاء إبراهيم المويلحي وعبد الله نديم، والشيخ محمد عبده في عهده الأخير، أما من قبلهم كرفاعة الطهطاوي وعبد الله أبي السعود، ومحمد أنس وميخائيل عبد السيد صاحب جريدة الوطن فكانوا يمثلون الخصائص القديمة التي ذكرناها.
وكان من أكبر ما ساعد على الانطلاق في الكتابة والتدفق وغزارة المعاني الصحافة المصرية، واقتباس الأدباء المحدثين من الأدب الغربي، كما كانوا يقتبسون من الأدب العربي، وكان المثل الأعلى للكتابة مثلا إنشاء العطار وما كتبه من سجع وجناس وبديع، ثم صار المثل الأعلى حديث عيسي بن هشام لمحمد المويلحي، والنظرات للمنفلوطي، وكلاهما لم يتحرر من السجع بتاتا، ولم ينطلق صاحبه انطلاقا تاما، فظلا يحنان إلى السجع حينا، وينطلقان حينا، حتى استوى للأدباء الحديث المرسل، والتحرر من السجع، وحتى بعد تقليد الأدب الغربي ظلت في مصر مدرستان، مدرسة تقلد الأدب العربي القديم في سجعه ونمط بلاغته، ومدرسة تقلد الأدب الغربي في استرساله وعنايته بالمعاني، ومن الملاحظ أن النثر العربي في مصر نجح في تقليده الأدب الغربي أكثر من نجاح الشعر، فقد ظل الشعر مقيدا بالبحور القديمة والقوافي والموضوعات غالبا، ولم يتحرر تحرر النثر.
اسم التفضيل:
للمصريين ولع باسم التفضيل، ولهم في ذلك تعبيرات لطيفة وتشبيهات بليغة أعرض للقراء أهمها؛ فهم يقولون: «أبرد من مية طوبة» يقولونه للسمج الثقيل الروح، وإنما اختاروا طوبة؛ لأنه أكثر الشهور بردا، وأهل الجزائر يقولون في مثله «أبرد من الثلج»، والعرب الجاهلون يقولون: «أبرد من عضرس» والعضرس البرد أو حب الغمام، والمولدون يقولون: «أبرد من استعمال النحو في الحساب»، ويقولون أيضا: «أبرد من شيخ يتصابى وصبي يتمشيخ»، ويقولون: «أبغض من وش التاجر يوم كساد السوق»، وأصله مثل عربي وهو «أبغض من وجوه التجار يوم الكساد»، وفي مثله يقولون: «أبغض من ريح السدب للحيات» والسدب محرفة عن السداب، وهو نبت زهره أصفر ورائحته ليست قوية، وهم يدعون أن رائحته تطرد الحيات والثعابين، ولذلك نجد في كثير من البيوت نبات السدب مزروعا في «القصاري» وعلماء النبات والحيوان هم الذين يستطيعون أن يذكروا لنا الرأي الصحيح في ذلك، و«يقولون»: «أبخل من كلبة يزيد» ولم أدر من يزيد هذا؟ هل هو يزيد بن معاوية أم غيره؟ وربما كان أصل المثل أبخل من كلبة ميت يزيد وميت يزيد هذه قرية من قرى المنوفية «مشهورة بالبخل»، وكلابها أبخل منها حتى يحكوا عن بخلهم وبخلها حكايات كثيرة.
والعرب من قديم تصف الكلب بالبخل فتقول: «أقبح من قرد، وأبخل من كلب» وفي ذلك يقول الشاعر:
وأقبح من قرد وأبخل بالقرى
من الكلب أمسى وهو غرثان جائع
والعرب القدماء يقولون : «أبخل من مادر» ومادر هذا رجل من بني هلال، بلغ بخله أنه سقى إبله فبقي في أسفل الحوض ماء قليل، فبال فيه حتى لا ينتفع به أحد من بعده، ويقولون: «أثقل من جبل الجيوشي»، وهو جبل بالقاهرة قرب القلعة وتشبيه الثقل المعنوي بالجبل معروف مشهور، فأهل الجزائر يقولون: «أثقل من جبل»، والعرب تقول: «أثقل من أحد»، ويقولون: «أثقل من الكانون» قال الحطيئة يهجو أمه:
أغربالا إذا استودعت سرا
وكانونا على المتحدثينا
وقد اختلف الشراح في تفسير هذا البيت فقال قوم: إنه يريد بالكانون الموقد، وهو ثقيل؛ لأن العرب كانت تضع حجرين على الجبل وتوقد بينهما النار، فالجبل أحد دعائم الكانون، ومن أجل هذا سموه ثالثة الأثافي، وقال بعضهم: إنه يريد بالكانون شهر كانون؛ لأنه في قلب الشتاء.
وللمصريين تعبيرات كثيرة في الثقل فيقولون: «أثقل من آخر يوم في رمضان»، و«أثقل من المطالب بالدين»، والموظف يقول: «أثقل من آخر يوم في الشهر»، والمرأة تقول: «أثقل من الحماة» و«أثقل من أخت الزوج.»
وإذا شكت امرأة لأخرى قالت الأخرى لها: «تشكين ولا حما ولا أخت زوج»، ويقول العامة أيضا: «ليس أثقل من الإنسان على الإنسان» وهم ينظرون في ذلك إلى قول الشاعر:
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى
وصوت إنسان فكدت أطير
ويقول شاعر في وصف ثقيل:
وثقيل قال صفني
أنت في الوصف جليل
قلت قولا باختصار
كل ما فيك ثقيل
ويقولون أيضا في هذا المعنى «أثقل من الهم على القلب» وهو تعبير ظريف وبعضهم ينطقه «أكثر من الهم ع القلب.»
وفي عكس ذلك يقولون: «أخف من ريش النعام» يقولونه في الخفة واللطافة، يعبرون به عن الإنسان وعن الكلام وعن كل شيء ظريف، ويقولون: «أجوع من كلب العرب»؛ لأن أغلب العرب الذين يسكنون على حدود المدن المصرية فقراء فكيف بكلابهم، وأهل الجزائر يقولون: «أزلط من فار الجامع» ومعنى أزلط منتوف الشعر، ومنه قول المصريين رأسه زلط؛ أي لا شعر فيها، ومثل قول أهل الجزائر قول الفرنسيين «أفقر من فأر الكنيسة»، والعرب تقول في ذلك: «أجوع من كلبة حومل» وحومل هذه امرأة من العرب كانت تجيع كلبة تحرسها، فكانت تربطها بالليل لحراستها وتطردها نهارا وتقول لها: التمسي لنفسك لا ملتمس لك، فلما طال ذلك على الكلبة أكلت ذنبها، ويقولون: «أقل موال ينزه صاحبه» يعنون بذلك أن الإنسان إذا حفظ موالا ولو كان تافها وأحبه كان سببا في سروره إذا غناه، ويقولون: «أمر من الصبر وأمر من الحنظل» وأمر هنا من المرارة، والصبر مادة مرة، وفي ذلك يقولون: «أمر من الصبر سؤالك للئيم»، و«أمر من الصبر سؤالك لغير مولاك»، ويقولون: «أمسخ من الطبيخ الشايط» والطبيخ الشايط هو الطعام الذي يحترق على النار فيسوء طعمه وتفسد رائحته، يضربونه مثلا لكل شيء كريه لا طعم له ولا معنى له.
وعلى الجملة فقد أولع المصريون والعرب من قبلهم باسم التفصيل جريا وراء المبالغة.
اسم النبي حارسك:
تعبير يقال لدفع العين، ويقال أيضا لمن أشرف على مكروه.
الأسماء والألقاب:
لبعض المصريين أسماء وألقاب غريبة وخصوصا عند الفلاحين أما أهل المدن، وخصوصا الطبقة الراقية فتعتني باختيار الأسماء، وكثيرا ما يستعملون الأسماء التركية كثروت وبهجت وحكمت ... إلخ، وفي العصور الحديثة قلد الأقباط الإنجليز في أسمائهم، كوليم وجورج، أما الفلاحون والطبقة السفلى من القاهريين فلهم أسماء وألقاب وكنى غريبة مثل: أبو سنة، أبو سبعة، أبو هبل، أبو خربوش، الأعور، الأسود، الأعسر، الأعرج، أبو طبيخ، برغوث، بلاص، جمل، بعرور، حلوف، حتحوت، جحش، جندي، دبور، غراب، سمسار، عجل، فار، شرباش، شرباص، شلتوت، عفن، قط، كرارة، كشك، وزة.
ومن النكت اللطيفة أن رجلا كان من بلدة اسمها الزريبة بجوار بلبيس وكان اسمه الحاج علي الفحل، فاستدعي مرة للشهادة بمحكمة الزقازيق، فلما سأله القاضي عن اسمه واسم بلده قال: «علي الفحل من الزريبة» فضحك القاضي.
ومن أسماء النساء وألقابهم: بعرورة، جندية، عساكر، ستهم، ست الكل، ست الدار، ست الأهل، ست أبوها، ست البلد، زعبوطة، بطة، هندية، هانم، هنومة، مكية، سيدة، مسعدة، مسعودة، سيسبان، ست إخواتها، أم الخير، زحلفة، طربوشة ، شعلة، شعلانة.
ولهم في أسماء الشهور بعض اصطلاحات، فيسمون المحرم عاشوراء، وربيعا الأول مولد النبي، وربيعا الثاني مولد الحسين، وجمادى الأول وجمادى الثاني الجمادين، وشوالا شهر العيد الصغير، وذا القعدة بنات الأعياد، وذا الحجة العيد الكبير.
ويسمون الجسم كله البدن والجتة، ويسمون الجمجمة النافورة، والشعر النابت على أم الرأس شوشة، والأذن الودن، وطبلة الأذن «صرصور الودن»، والصماخ «بت الودن» وبؤبؤ العين النني، والشارب «الشنب»، والفم «الحنك»، والمريء «الزور»، واللحية «الذقن»، والترقوة «الجوزة»، والثدي «البز»، والبطن «الكرش»، ومفاصل الإصبع «العقد»، والإصبع الكبير «الكبير» والسبابة «الشاهد».
الأسياد:
يستعمل في الغالب للأولياء من أهل عالم الغيب أو الجان، وأحيانا يكون الأسياد من أشكال مختلفة: هذه عليها أسياد سودانية، وهذه حجازية، وهذه مغربية، وهكذا، ويتضح ذلك في حفلات الزار، فربات الزار تضرب نغمات مختلفة على الدف، لكل نوع من الأسياد ضربة خاصة ولا تفقر السيدة إلا إذا دقت دقات مناسبة لهذا النوع من الأسياد التي عليها.
وتستعمل كلمة الأسياد في لسان الشعب المصري بمعنى العفاريت والأولياء التي تركب الإنسان وخصوصا السيدات، وتتقمص أجسامهم وأجسامهن، ولهم في هذا تعبيرات مختلفة فيقولون - مثلا - «جتته مش خالصة»؛ أي جسمه مشغول بالأولياء أو العفاريت، ويقولون: «ركبه عفريت» و«عليه أسياد»، وإنما كانت الأسياد تألف النساء أكثر من الرجال لضعف أعصابهن ورقة مزاجهن واستعدادهن لسلطة الأوهام عليهن.
ولكل سيد من هؤلاء الأسياد ملابس تناسب جنسه وأغان تناسب لغته ورقصات تناسب أمته ودقات على الدف تناسب رقصته.
فإذا كان الشيخ الذي على الست عربيا لبست في الزار لبسا عربيا، ورقصت رقصة عربية، وغنت لها جوقة الزار غناء بلهجة عربية، وإذا حضر الشيخ على لسان الست تكلم بلهجة عربية، ونظير ذلك إذا كان مغربيا أو سودانيا أو حبشيا.
ومن أجل هذا يكون للست التي عليها الأسياد ملابس خاصة للزار وحلي خاصة بحفلات الزار، تتناسب والشيخ الذي عليها، وإذا كان الشيخ لم يعرف بعد، فإن الكدية والمغنيات تدق لها سبع دقات كل دقة على طريقة خاصة، وعند كل دقة وكل طريقة تلبس السيدة لباسا من جنسها ، فالنغمة التي تعجبها فترقص لها تكون هي الطريقة التي تعرف بها الست، ويعرف بها نوع الأسياد الذين يلبسون جسمها.
فإذا كانت الأسياد من نجد كان من ضمن الأغنية: يا سيد نجد، يا لابس سيفك، يا محيي ضيفك، يا مدلع في الميدان، يا لابس العباية في الميدان، مكحل عيونه، وراخي شعوره.
وإذا كان سودانيا، فمن أغانيه: يا أبو العباس يا سلطان الرجال، يا حامي الرجال، يا مرحبا بك يا مرحبا، يا لابس الياقة والكوفية على العمامة.
وإذا كانت السيدة سودانية ضربت لها الدلوكة وقالوا: دلكتك يا دلوكة، يا مرحبا يا دلوكة، عدي البحر على دراعه، طلع النخلة بدماغه، يا فارس بين إخوانه.
وإذا كانت مغربية سموها عويشة، وقالوا: يا عويشة لله يا مغربية، يا عويشة لله عقبال يومك، حلق عويشة على الخد نادي، حزام عويشة على الخصر ليه، خلخال عويشة رنة برنة، يا عويشة لله يا مغربية، يا عويشة لله ارضي علي، يا عويشة لله من المغرب جيه، يا عويشة لله ارضي علي من تونس جية، من مكة جية وست عظيمة ... وهكذا. •••
ولهم نشيد عند البخور، منه قوله: اتكلنا على الله والنبي، الفاتحة لعمر وعثمان وعلي، والعشر الكرام المتدركين بكل ولي ... وملوك السما وملوك الأرض، والشهدا والصالحين، واللي انقفل عليهم الدرب، وملوك البر وملوك البحر وإخواننا، يجعلهم راضيين عنا ... الفاتحة لستي سكينة وسيدي محمد الخواص الفاتحة لستي سكينة، صاحبة الليلة العظيمة؛ الفاتحة لسكان المغرب عويشة لله، والسادات البكرية والخضر وإلياس، سلام لهم وعليهم، وكمان الفاتحة لسلطان الحبش، كبير مع صغير شيء لله، ولهم الفاتحة. •••
وللأسياد نظام متسلسل الحلقات، من حفلات بخور، ومن حفلات زار، وسيأتي الكلام على ذلك في مادة «بخور» ومادة «زار»، انظرهما في حرف الباء وحرف الزاي.
الأشاير:
يطلقونها على أدوات الذكر التي تتقدمه من رايات وبيارق وطبل ودف ونحو ذلك، وتستعمل عادة في المحافل كمولد النبي ومولد الحسين وإقامة أذكار خصوصية.
الأشلا:
اسم يطلقونه على ما يطلق عليه اليوم (المستشفى) وهو اسم كريه يقابل بالفزع؛ إذ يظهر أن التمورجية والأطباء كانوا يعاملون فيه المرضى معاملة قاسية، وبقي من آثاره إلى اليوم كراهية إرسال المريض إلى المستشفيات، ويظهر أنه اسم تركي كان يطلق على الثكنة، وكان المستشفى يكاد يقصر على جرحى الجنود، ولذلك كان من مفهوم الأشلا أيضا الدماء والجروح وما إلى ذلك.
الأشياء المقدسة:
يقدس المصريون أشياء كثيرة، كحذاء الجلشني، والنعل القديم، يعلقونه على رأس الخيل أو على باب دكان، أو يعلقونه تحت إبط الأطفال، يعتقدون أنه يمنع من تأثير العين.
ويشترط في مثل هذا النعل أن يكون ملقى في الطريق، لا يعرف له صاحب، وأن توجد إحدى الفردتين فقط، ويعتقدون أكثر وأكثر في بوابة المتولي، ومعنى المتولي أحد الأقطاب الذين يحكمون الدنيا، وترى بوابة المتولي مربوطا على مساميرها فتل كثيرة أو شعور أو قطعة من منديل، ويعتقدون في الأضرحة ويتبركون بالمحمل.
ومما يقدس أيضا في مصر شجرة الحنفي وشجرة العذراء في المطرية وشجرة الشراكسة ونحوها، ويقدسون أيضا الخبز فيحرمون المشي عليه ويلتقطونه من الطريق ليضعوه بجانب الحائط، ويقولون: أستغفر الله العظيم، كما يقدسون الورقة المكتوبة ولو كانت قطعة من جريدة لعل فيها آية من القرآن أو اسما من أسماء الله إلى غير ذلك.
أصبح حاله عدم:
تعبير يعني صار يائسا، فعدم كل شيء وخصوصا الصحة.
أصحاب العاهات:
الاعتقاد الشائع أن أصحاب العاهات جبارون، أخذا من قولهم: كل ذي عاهة جبار، وذلك كالأعمى والأعرج، ويظهر أن ذلك طبيعي؛ لأن الطبيعة تريد أن تعوض النقص، فصاحب العاهة إذا رأى نقصا فيه اشرأب إلى القوة ليستر نقصه، فكان جبارا ليتحدث عن جبروته فيستر آفته.
وقد اشتهر بعض أصحاب العاهات ببعض الحرف فقد رأيت مثلا أن السقائين عموما في الواحات الخارجة عميان، ويسيرون فرقا فرقا، وكثيرا من العرج يبيعون الجرائد والمجلات، ومنهم من يستغل عاهته لعطف الناس عليه كبعض الشحاذين، يري الناس ذراعه المقطوعة أو برصه لاستدرار الإحسان منهم.
وعلى العموم فالعاهات كثيرة في مصر نسبتها فيهم أكثر من غيرها من الأمم بسبب القذارة والغبار والاعتماد على طب الركة وعدم الإيمان بالأطباء أو الكسل في المعالجة.
إصطبل عنتر:
هو كهف منقور في الجبل بأسيوط على بعد ساعة بالمشي العادي، وأصله من مقابر قدماء المصريين على دهليزه كتابة هيروغليفية، فيها اسم كاهن من كهنة العائلة الثالثة عشرة، وهذه العائلة على قول علماء الحفائر تولت من سنة 2151 إلى 2398ق.ب. وقد اتخذ هذا الكهف وأمثاله ملجأ للمسيحيين الذين كانوا يفرون من الاضطهاد في مبدأ انتشار النصرانية على عهد الملوك الوثنيين.
أما لم سمي هذا إصطبل عنتر فلم أقف عليه، ولعله مجرد وهم وتخريف كما سموا مصطبة عالية في حي الخضيري، بمصطبة فرعون ويقصده بعض الناس أحيانا هو وأمثاله من الكهوف لاصطياد العقارب؛ لأن بها عقارب كثيرة وبعضها يكون فيه فص بقدر الحمصة مادته عظيمة، فإذا عثر على عقربة بها فص من هذا اصطيدت العقربة، ونزع منها هذا الفص، ويعتقدون أنه نافع للدغة العقرب.
وطريقة صيد العقارب أن يلبس الصائد ثوبا مخصوصا لهذا الغرض مصنوعا من الجلد قطعة واحدة، يلبسه من الصدر، ومع الصائد عصا في طرفها قطعة حديد محددة، ولها رأس كرأس السنارة يدخلها الصائد في العقرب، ويخرج بها في النور، فإذا وجد في ظهرها هذا الفص استخرجه في الحال بملقاط من حديد قبل أن تموت، وقل أن يوجد هذا الفص؛ لأنه نادر.
والعقارب في هذه الكهوف كثيرة جدا، وقد شهد كثيرون ومنهم أطباء بنفع هذا الفص في لدغة العقرب فمن لدغته عقرب دهن من هذا الفص عقب لدغه وربط جيدا فيقف سمها في مكانه ويتجمد حتى يصير كتلة واحدة ولا يسري في الجسم، وبعد أربع وعشرين ساعة يفك الرباط ويشرط المكان المتجمد فيه السم فيبرأ المريض.
أطلق منادي:
إذا ضاع شيء وأجروا بعض أشخاص مخصصين للنداء يقولون: أطلق عليه منادي.
الأعراب:
يسكن مصر، وبالأخص على تخومها قوم من البدو، يسمون الأعراب وقد كانت سيرتهم في الزمان الأول سيرة غير حميدة لاشتهارهم بالسلب والنهب، وتلك عادة قديمة، حتى ذكرها ابن خلدون في مقدمته، ووصفهم فيها أوصافا كثيرة.
واستمر شيء من هذا الحال إلى يومنا هذا فالأطيان التي يسكنها بدو أو حولها بدو تكون ضعيفة الثمن والإيجار؛ لأن البدو ينهبون محاصيلها، وإذا استأجروا لا يدفعون إيجارها، ولهم مع ذلك فضائل من كرم وبساطة عيش، وكان عددهم كبيرا أيام الحملة الفرنسية، فقد بلغ أيامها نحو مائة ألف نفس تقريبا منها ثمانية عشر ألفا إلى عشرين ألفا فوارس، وهم يحبون الصحراء، ولا يسرون من سكنى الحضر؛ لأنهم كما يقولون يفقدون فيها خشونتهم وبسطتهم وشجاعتهم، وتضعف فيها عصبيتهم، وهم يتأثرون بالعواطف أكثر من تأثرهم بالعقل، ويعشقون الحرية والاستقلال، ويعتزون بنسبهم، ولا يخضعون لنظام، وإذا خاطبوا أميرا خاطبوه بجرأة، وإذا جد الجد اكتفوا بالقليل من لبن النياق أو بعض التمور، كما اشتهرت نساؤهم بالشجاعة وبالجمال في ذلك يقول المتنبي:
حسن الحضارة مجلوب بتطرية
وفي البداوة حسن غير مجلوب
ويقيم البدو عادة في الخيام، وهي تصنع من الأوبار السوداء أو السمراء أو من جلود المعز، وتمتاز خيمة الرئيس ببياضها ويقسمون الخيام عادة إلى قسمين، قسم للنساء وقسم الرجال.
وقد اقتسموا الصحراء المصرية فلكل قبيلة نصيب منها، وكثيرا ما يختلفون فيتحاربون، ولا يزالون يحبون من الرجل أن يكون فصيحا، ويحبون التشبيهات في الكلام، وتقل بينهم الأمراض لاستنشاقهم هواء الصحراء، واعتيادهم الرياضات البدنية، ومن هؤلاء التراجمة والأدلاء وهم في أصلهم من هؤلاء القبائل، تعلموا اللغات الأجنبية كالإنجليزية والفرنسية والألمانية، وهم يلازمون السياح إذا حضروا إلى مصر في الشتاء ويعرفون مسالك الصحراء، ولهم صدق نظر في تقدير المسافات ومعرفة جهة الماء، ومنهم مع الأسف قطاع طريق ومهربو حشيش وإن كان قد قل ذلك اليوم، ومع الأسف أيضا قد انتفع بهم الإنكليز في ثورة عرابي، فاستهووهم بالمال حتى أعانوهم بكل ما يستطيعون، والحكومة تحاول من عهد محمد علي كسر شوكتهم وتقليم أظفارهم وتحضيرهم، حتى إن محمد علي في أحد حروبه مع الأعراب اشترط في الصلح معهم أن يسكن كبار زعمائهم وشيوخهم مدينة القاهرة ليكونوا رهنا عنده على طاعتهم.
وقد أراد علي بك الكبير أحد أمراء المماليك في النصف الثاني من القرن الثامن عشر أن يبيدهم، ولكن كانت هذه سياسة خاطئة، فمن الخير الانتفاع بهم والاحتفاظ بشجاعتهم وصد عدوانهم، ومن الأمثال المشهورة على لسان المصريين «ظلم الترك ولا عدل العرب» وهذا يدل على أن ما لقيه المصريون من هؤلاء البدو أسوأ مما لقوه على يد الأتراك مع شدتهم.
أعزنه:
أصلها: أعز أنه، ثم استعملت بمعنى افرض.
أفندي:
لقب كان يطلق على الحكام الذين يلبسون الطربوش والبدل، فإذا كان يلبس جلبابا وطربوشا قالوا إنه أفندي بظرميط، ومعنى بظرميط أنه ملخبط، فهو أفندي للبسه الطربوش، وابن بلد للبسه الجلباب، وكذلك يسمون الولد يأتي من أبوين أحدهما مصري والآخر سوداني بظرميط، ويسمون أيضا الفراخ التي تأتي من ديك هندي وفرخة بلدية أو بالعكس بظرميط، ويقولون: «بلاش بظرمة»؛ أي كلام فارغ.
وأصل اسم الأفندي كان محصورا في العائلة المالكة في الأستانة، يقابل برنس الإفرنجية، وكان يطلق على السيدة المحترمة أم الأفندي، والآن برطشت الكلمة فصارت تطلق حتى على الفراشين الذين يلبسون البدلة، ويخدمون في الأفراح والمآتم، تمييزا لهم عن الفراشين ذوي العمم.
الأفيون:
يستعمل أحيانا للتدخين في مصر وهو يناسب من غلب عليه السكون والميل إلى التأمل، وأحيانا يخلطونه بغيره ويسمى المنزول، ويستعمله غالبا من يريد التخدر عند اتصالهم الجنسي وهو محرم، وهو عادة فاشية في بعض العوام وقع في أضرارها كثير من النساء، وهو يخدر الأعصاب ويدير الدماغ ويثقل اللسان حتى ليعرف الشخص من كلامه وحركاته بأنه أفيونجي، ومن يستعمله يسمى أفيونجيا.
الأقباط:
الأقباط هم العنصر المصري الأصيل، وهو الذين يصح أن يقال حقا إنهم من قدماء المصريين، وهم عنصر له صفات خاصة أظهرها الانكماش والوجوم والحزن، وربما كان سبب ذلك ما عوملوا به في أيام اليونان والرومان والعرب من العنف، ومن قديم شهروا بالحساب وإدارة الأموال خصوصا حساب الفدان، ولما تمكنوا من هذه المناصب ومن المال مالوا إلى الأخذ بالثأر من جراء ما لحق بهم من المظالم والاضطهاد، وخصوصا لما عهد إليهم مساحة الأراضي فاعتبروا أنفسهم أصحاب مصر الشرعيين وسادتها الحقيقيين، وأن المسلمين في نظرهم كانوا فاتحين غاصبين، ويستريح كثير من المسلمين المصريين إلى استخدامهم في الأعمال الحسابية لاشتهارهم بالطاعة، ويلبسون كما يلبس المسلمون سواء في المدن أو في الريف، وهم أميل إلى اللون الأسود أو الأزرق.
وهم من أكثر الناس تحمسا لدينهم، وذهابهم للكنيسة، ويهتمون بالحج إلى بيت المقدس اهتمام المسلمين بالحج إلى الكعبة، ورجال الدين منهم يلبسون فرجية سوداء تشبه فرجية العلماء المسلمين، ولهم عمامة خاصة سوداء، ولا يتزوجون إلا من أنفسهم، بينما قليل من المسلمين يتزوجون منهم.
وهم يحتقرون المرأة إذا عقمت، ويجهلون اليوم لغتهم القديمة، وقد كثروا في الوظائف ومهروا في صياغة الحلي، وفي الفيوم يستقطرون ماء الورد، وفي أسيوط ينسجون الكتان، وهم مع ذلك يشاركون في الأعمال الأخرى التي يزاولها المصريون.
ومن الأسف أن أقيم مؤتمر اتسعت فيه هوة الخلاف بين المسلمين والأقباط وألقيت الخطب تمجد الأقباط، وتندد بالمسلمين، وسمي «مؤتمر الأقباط»، فرد عليهم المسلمون في مؤتمر آخر رأسه مصطفى باشا رياض، ولكن تدارك الله هذه الحركة بالتوفيق بين المسلمين والأقباط في الثورة المصرية فكنت ترى في العربة الواحدة أو في الشوارع عالما مسلما وقسيسا وهما يتعانقان، واشترك في الحركة الوطنية المسلمون والأقباط على السواء.
وقد اعتادت الوزارة المصرية أن يكون أحد وزرائها قبطيا على الأقل، ومن عهد أن قتل بطرس باشا غالي وكان قبطيا ورئيس وزارة مال أولو الأمر إلى أن يكون رئيس الوزارة مسلما إلا في القليل النادر.
أقدام وأعتاب ونواص:
يقصدون أن التفاؤل والتشاؤم يكونان في هذه الأمور الثلاثة، الأقدام وهي الدواب، والأعتاب وهي مدخل المساكن، والنواصي وهي الخيل، ويعنون أن هذه الأمور الثلاثة إما مبختة وتكون مصدر سعد، وإما منحوسة وتكون مصدر شقاء.
ويعتقدون أن الدابة إذا أكثرت من هز رأسها وهي مربوطة، فتلك علامة على قرب موت صاحبها، والدابة التي تكون شفتها السفلى أطول من العليا دليل الخير والبركة، ويعتقدون أيضا أن اللون الأحمر القاتم في الدابة دليل الحرون، واللون الأبيض الذي يخالطه شعر أسود دليل القوة والنشاط، وإذا كان الشعر الأسود في بعض الجسم فقط فهو أحسن ما يختار، ويسمونه القروشي.
وأما المسكن فالباب الذي يفتح إلى الشمال دليل السعادة والخير، والباب الذي يفتح إلى الغرب دليل السيادة والرياسة، والباب الذي يفتح إلى الشرق دليل الصحة والعافية، والذي يفتح إلى الجنوب دليل الفقر والعوز وسوء المصير.
وكثير من الناس يتوهمون الخير أو الشر في البيوت لمجرد حادثة حدثت لأول مرة، مصادفة إن خيرا وإن شرا ...
اكفي على الخبر ماجور:
تعبير يعني احفظ هذا السر ولا تذعه.
الأكل:
اعتاد المصريون أن يتناولوا كثيرا من أنواع الأطعمة، وسكان المدن منهم يكثرون من أكل اللحوم وخاصة اللحم الضأن، وخاصة في عيد الأضحى، أما القرويون فيأكلون لحم الجاموس ولحم البقر ولحم الجمل إذا تيسر لهم.
والفقراء منهم لا يأكلون لحما، وقد يبلغ الفقر ببعضهم ألا يأكلوا لحما إلا في العيد الكبير، وهم لا يأكلون لحم الخنزير لتحريمه ويأكلون الطيور الداجنة كالفراخ والحمام، ويأكلون السمك واللبن والبيض وهم ينوعون الخضارات، فيأكلون الخبازي والقلقاس والبامية والملوخية والباذنجان والطماطم والقرع والكرنب والفاصوليا، كما يأكلون البقول كالعدس والفول والترمس والبصل، وانتشر بينهم في الأيام الأخيرة أكل البطاطس تقليدا للأوروبيين وهم يطهون الأطعمة بالزبدة والمسلي والزيت، وهم يختصون بكثرة البهارات كالفلفل والشطة والقرفة والقرنفل، ويكثرون من الليمون وعصره على الأطعمة وخصوصا البامية والباذنجان، وأساس الغذاء عند المدنيين الخبز من القمح وعند الريفيين الخبز من الذرة، وقد يضعون عليها الحلبة.
ومما مهروا فيه شواء اللحم، وقد يشوون خروفا بأكمله، ولذاك شهروا بصنع الكباب، وهو عبارة عن قطع صغيرة من اللحم توضع في أسياخ صغيرة، واشتهر صانعها باسم «الحاتي»، ويبتدئ المصريون الأكل بالشوربة ثم بصنوف اللحوم والطيور وحدها أو مع الخضر، ثم بالأرز ويطهونه بالزبد أو عصير اللحم أو بهما معا، وأحيانا يكون حشوا بورق العنب أو نحو ذلك، وأحيانا يخلطونه باللحم المفروم. وهم يكثرون أيضا من الفطائر محشوة بالجبن أو اللحم المفروم أو مسقية بالشربات، ومن أطباقهم التي يعتزون بها «الكنافة» والقطائف والفول المدمس، وهم لا يهتمون كثيرا بما يفتح الشهية قبل الأكل - ويسميه الإفرنجة (الأوردوفر ) - وإن كانوا يكثرون من السلطات المختلفة، كسلطة الطحينة والقوطة واللبن والخيار المخلل، ويختمون الطعام عادة بالحلويات كالفطائر الحلوة والمهلبية ونحوهما، ثم بالفواكه في مواسمها كالبطيخ والخوخ والمشمش والعنب والبلح والموز.
وهم يأكلون الأصناف تباعا ولا يقدمونها دفعة واحدة، وقلما يستعملون قائمة الطعام قبل الأكل، وإنما يأكلون حسب ما قدم لهم مع جهلهم بما يأتي، وكانوا في القديم يأكلون بأيديهم؛ ولذلك يجتهدون في غسلها قبل الأكل وبعده، فلما انتشرت المدنية الحديثة أكلوا بالشوكة والملعقة والسكين، وهم يستحسنون الحديث على الأكل حتى تطول مدته وتكثر لذته.
وكان الأكل في أيامنا الأولى مرتين: مرة عند الضحى، ومرة عقب صلاة العصر، ثم تغيرت هذه الحالة في الأيام الأخيرة، فأكلوا صباحا أكلا خفيفا من جبن وزيتون ولبن وقهوة ثم أكلوا ظهرا ثم أكلوا عشاء، وإذا بدءوا الأكل قالوا: «بسم الله الرحمن الرحيم» وإذا ختموه قالوا: «الحمد لله رب العالمين»، وكان الفقراء ومتوسطو الحال يجلسون إذا أكلوا على السجاد أو البساط وأمامهم الطبلية المستديرة، ثم أدخلوا نظام المائدة المرتفعة يأكلون عليها.
ومن عادات المصريين أن يكثروا من الحلف على الضيف أن يأكل ولو تظاهرا حتى يختم، وأن يكثروا من ألوان الطعام، ويعتبروها علامة كرم ولو لم يأكل.
وفي الأفراح يقام الناس حسب مراتبهم، ويجلسونهم على المائدة ولو لم يكونوا متعارفين من قبل فتكون أكلة ثقيلة، وبعض الأغنياء يقيمون الموائد ظهرا وعشاء لكل قادم عليهم أو زائر لهم ولو لم يكن معروفا أنه سيحضر، ثم اندثرت هذه العادة. وأخيرا انتشرت فيهم عادة عمل البوفية، وهو طعام مختلف الأنواع من لحم وفاكهة وحلوى، يدعون إليه الضيوف، ثم يتركونهم وشأنهم، يأكلون حسبما تيسر لهم.
أكل في المسمط لسان:
المسمط محل بيع حوائج الخروف ونحوه من لسان وفشة وكوارع ورأس.
أكل النار:
هي عادة منتشرة بين بعض الصوفية فيدعون أنهم يستطيعون أكل النار من غير أن يصيبهم أذى، ويدعون أيضا أن الولي الذي ينتسبون إليه يحول بينهم وبين الأذى من أكل النار، مع أنه قد يكون السبب في عدم الأذى استخدام مواد كيماوية تمنع أثر النار حتى لتخلط بعجينة الورق فتمنعه من الاحتراق، ومثل ذلك أكل الزجاج ونحوه.
إكمنه:
تعبير يستعملونه كثيرا بمعنى لأن، فيقولون: إكمنه أبوه غني بيضيع كتير، وإكمنه أبوه غني جايب له عربية، وأحيانا يستعملونها مفردة، ويستغنون عما بعدها، فيقولون إذا رأوا أحدا يفعل شيئا في إعجاب ودلال: إكمنه.
إلا:
تستعمل للاستثناء، وهو العادة المألوفة، ولكن الغريب أنها تستعمل بمعنى «بهذه المناسبة»، يقولون «إلا» فلان سافر؟ «إلا فلان تزوج؟؟»؛ أي بهذه المناسبة هل سافر فلان، وهل تزوج ...؟ ويظهر أن أصلها في هذا المعنى: هلا.
ألسطة:
كلمة إيطالية معناها (مستعد، متهيئ) يقولون: (جاي ألسطة)؛ أي على آخر استعداد في الزينة.
الألعاب:
للمصريين ألعاب كثيرة بعضها عام كالنرد والشطرنج والدومينو، وبعضها خاص مثل ما يلعبه الأطفال من الكورة، وهي على غير النمط الإفرنجي المعروف؛ إذ يكببون كيسا ويضعون حجرا يسمونه الميس ويلعبون ألعابا مختلفة كل لعبة ثلاث مرات حتى يأتوا على آخرها، ومثل الاستغماية هي أن يختبئ أحد الأطفال ليبحث الآخرون عنه، ومثل الكبة وهي حجارة صغيرة يلعبونها على أشكال مختلفة ومثل الطاب إلى غير ذلك.
ومن الألعاب الألعاب الرياضية، وكانوا يلعبونها قبل تعودهم الرياضية البدنية الإفرنجية، مثل المصارعة، فيتجردون من ثيابهم إلا ما ستر عورتهم، ويتعرون من نصف أبدانهم، ويتصارعون كل اثنين مع بعضهما حتى يغلب أحدهما، وأحيانا يلبس المصارعون لباس جلد نصفيا، ويمسكون بأيديهم ما يسمى بالزخمة من الجلد، وكانت الزفات قديما تشتمل على المصارعين يمشون أمام الزفة، ومن أشرف أنواع الرياضة ركوب الخيل، وهي أثر من آثار عهد الفروسية، والمتفننون منهم يقومون بحركات كثيرة عليها.
وربما كان للمماليك أثر كبير فيها لتمرنهم عليها، وقد خلف ذلك البرجاس، وهو أيضا معروف في مصر، وهي لعبة مؤداها أن يركض فارسان من جانبين مختلفين، حتى إذا التقيا قذف أحد الفارسين الآخر بأقصى ما في ساعده من القوة والشدة بعصا من جريد النخل وقد يحدث به جرحا بليغا، وقد يموت، ومهارة اللاعب أن يتقي وقع هذه العصا عليه.
ومن الألاعيب المعروفة لعبة الحاوي فيزمر الحاوي زمارة إذا أراد اللعب، فيأتي المتفرجون من الأطفال والرجال والنساء يتحلقون حوله، وفي كل لعبة يجمع ما جاد به المتفرجون، وهي ألعاب متنوعة كأن يغرس الحاوي في جسمه نصلا أو رمحا، وفي الواقع أنه لا يغرسه في جسمه وإنما يغيب في قرابه، ومثل الأكواب التي يحولون فيها البيض إلى كتاكيت ويصبغون الأوراق البيضاء بألوان مختلفة، ولعبة إخفاء النقود وبلع النار وبلع شلات من الصوف الخام ثم يخرجونها منسوجة، وهم ينصبون هذه النصبة عادة في المواسم والأعياد، وقد يجتمع اللعاب فيمثلون رواية هزلية أو يلاعبون قردا فيعلمونه حركات مختلفة يأتي بها، كالعجوز إذا عجنت، والسكران إذا مشى، والشايب لما يدلع، ونحو ذلك.
وقد قرأت قديما أن رجلا كان يلاعب القرود في الدولة العباسية فيقول صاحب القرد للقرد: هل تود أن تكون تاجرا؟ فيهز رأسه أن نعم وصانعا فكذلك، ثم يسأله: هل تريد أن تكون وزيرا؟ فيشير لا، لما كان عليه الخلفاء مع الوزراء من قتل ومصادرة.
ألف ليلة وليلة:
كتاب قصص مشهور، مرت عليه مئات السنين، ولم يعرف المصريون قيمته حتى تنبه إليه المستشرقون فترجموه إلى لغاتهم واستوحوه وقلدوه، فقلدهم العرب وأخذوا يقومونه، وأكثر قصصه مبني على كيد النساء والإيمان بالقضاء والقدر، والإيمان بالحظ، وقد ألف في أزمنة مختلفة وأصله فارسي، والعامة تسهر به في البيوت والقهاوي، وقد أحسوا بما ينتج عن العكوف عليه من الكسل فنسبوا إليه الشؤم، وقالوا: إن قراءة الكتاب كله على ليال متوالية في بيت أو قهوة لا بد أن تنتهي بحادث مؤلم خصوصا خراب البيت أو القهوة، ومما يدل على تأليفه في عصور مختلفة وزيادة النساخ فيه أن في بعض نسخة ذكر القهوة من البن، ولم يعم استعمالها إلا في سنة 1500م، وكذلك ذكر التبغ ولم يعرف استعماله إلا بعد اكتشاف أمريكا، وهو يفيد الأطفال والسيدات عند قراءته في البيوت للتسلية وتوسيع الخيال ولذة القصص، ويشبهه في ذلك قصة أبي زيد والظاهر بيبرس وأمثالهما.
ألفاظ الملق والنفاق:
هي كثيرة في اللغة الشعبية ، مثل: رب البيت، وسعادتك، وعزتك، وخادمكم المطيع، وعبدكم، ومحسوبكم، يرفع هذا إلى عتبة بابكم، ويقبل الأرض بين أيديكم، ويستجدي من نعمكم، ويدعو لكم بطول العمر والبقاء ... إلخ إلخ من مئات الكلمات، وكان من نعم العهد الجديد إلغاء الرتب والنياشين وما يتبعها من ألقاب، ولكن أنى هذا؛ والنفوس مرنت على هذا سنين وسنين، فلا بد من جيل جديد يمرن من جديد على خطاب المساواة.
اللي:
يستعمل المصريون كلمة «اللي» اسم موصول ويكتفون بها عن كل اسم موصول آخر فهي للمفرد المذكر والمفرد المؤنث والمثني المؤنث وجمع الذكور وجمع الإناث والعاقل وغير العاقل، فلو عقدنا بابا لاسم الموصول في اللغة العامية لم نجد غير «اللي».
وقد كثر استعمال هذه الكلمة في اللغة المصرية وكثر ورود الأمثال التي بدئت بها، ولنقص عليك طرفا منها من ذلك قولهم: «اللي أوله شرط آخره نور» يقال للحض على حصول الاتفاق قبل البدء في العمل حتى لا يحصل خلاف بعد، «اللي أكل لحمتها ياكل عضمتها» يقال بمعنى أن من له فائدة الشيء عليه أن يتحمل متاعبه، ومثل ذلك قول أهل الجرائم: اللي يحلب الغنم عليه يسرحها. «اللي اختشوا ماتوا» يقال للدلالة على فساد الزمان، وأنه لم يبق من الناس إلا من قل حياؤه. «اللي تزرعه بإيدك تحصده بإيدك» يعنون أن نتيجة عملك من جنس عملك إن خيرا فخير وإن شرا فشر، وهذا المعنى كثير الاستعمال، من ذلك قول الشاعر:
كل امرئ - يا عمرو - حاصد زرعه
والزرع شيء لا محالة يحصد
وقوله:
من يزرع الشر يحصد في عواقبه
ندامة، ولحصد الزرع إبان «اللي تسكر به افطر به» يقال تبكيتا للرجل ينفق ماله في الترف والفخفخة وما يضر، على أنه محتاج إلى ما هو ضروري. «اللي تصاحبه ما تقابحه» يقال للحث على حسن السلوك مع من تكون الضرورة داعية إلى معاشرته كجار في المسكن أو شريك في العمل أو نحو ذلك. «اللي تشوفه راكب على عصا قول له مبارك الحصان» يراد به مجاراة كل إنسان على قدر عقله ومسايرة كل أحد على هواه. «اللي تجمعه النملة في سنة يأخذه الجمل في خفه» يضرب للفقير المقتصد قليلا قليلا ثم يأتي عليه من يذهب بما يقتصده دفعة واحدة، كغني ظالم يسلبه ماله أو ابن مسرف يبذر ما جمعه أبوه في الزمن القصير. «اللي تملكه اليد تزهده النفس» يقال للدلالة على أن النفس تزهد ما ألفت وملكت وتطمع فيما منعت كما قال الشاعر:
أحب شيء إلى الإنسان ما منعا «اللي تغلب به العب به» يقال للحض على استعمال وسائل الغلبة أيا كانت شريفة أو غير شريفة. «اللي حطيته في الطاقة تلقاه في الطاقة»؛ أي ما ادخرته ينفعك يوم تحتاج إليه فإن لم تدخر لم تجد. «اللي عاوز يسرق جمل يحضر له كمامة»؛ أي من أراد شيئا وجب أن يعد له عدته، ومثل ذلك قول أهل الجزائر: «اللي عاوز يسرق صومعة يحضر لها بير.» «اللي فلوسه حرام يعرف باب المحكمة» يمثل عقيدة الناس في المحاكم والتقاضي وأن الدخول في القضايا يفقر ... إلخ، إلخ.
الألوان:
تختلف الأمم اختلافا كبيرا في الألوان من حيث التفاؤل والتشاؤم منها، ومن حيث حبها أو بغضها، ومن حيث استعمالها في المناسبات وفي المواقف الرسمية ونحو ذلك.
فقد اعتاد أكثر الناس (مثلا) لبس السواد عند الحزن، وقد ذكروا أن أهل الأندلس كانوا يتخذون البياض لباس الحزن، وفي ذلك يقول الشاعر:
يقولون البياض لباس حزن
بأندلس فقد من الصواب
ألم ترني لبست بياض شيبي
لأني قد حزنت على الشباب
والمصريون عادة يتفاءلون بالأخضر والأبيض، ويتشاءمون من الأسود والأزرق، فتراهم يقولون: «نهار أسود أو أزرق» إذا أرادوا التعبير عن يوم مملوء بالشر، وفي عكس ذلك يقولون: «نهارك أبيض»؛ أي مملوء بالخير، وقد يكنون عن البركة بشيء شديد البياض فيقولون: «نهارك لبن أو نهارك زي الفل»، ومن تشاؤمهم من الأسود أيضا أنهم ينادون الرجل الأسود بقولهم: «يا أبيض» تفاؤلا ونفورا من السواد، ومن تفاؤلهم بالأخضر تسميتهم «العتبة الخضراء».
ويغلب على أهل الوقار والرزانة والمتقدمين في السن والطبقة الأرستقراطية أو من يحذو حذوهم لبس البدل السوداء أو القريبة من السواد؛ لأنها تبعث الوقار والهيبة، فهي في ذلك أشبه بلباس الحزن بجامع الرزانة أو الوقار في كل.
والعرب خاصة والشرقيون عامة - مع تشاؤمهم بالأسود ولبسهم السواد في الحزن - يعجبون بسواد العيون وسواد الشعر، وإن كان منهم من يميل إلى العيون الزرق أو الخضر والشعر الأشقر، ولكن الغالب حب السواد فيهما، وهذا طبيعي ومعقول؛ لأن لون بشرتهم يغلب عليه السمرة والأنسب للسمرة سواد العين وسواد الشعر حتى يكون هناك انسجام في الألوان يرتاح إليه النظر، ولذلك كان بغيضا عند أهل الذوق من المصريين أن يروا فتاة سمراء قد صفرت شعرها بالأوكسجين.
والمصريون يقولون: «قلبه أسود» كناية عن أن قلبه مملوء بالحقد والحسد، وفي عكسه يقولون: «قلبه أبيض»؛ أي صريح لا غش فيه، والعرب تستعمل في مكان «أسود القلب» أسود الكبد، قال الشاعر:
فما جشمت من إتيان قوم
هم الأعداء فالأكباد سود
وتقول العرب: سويداء القلب؛ أي حبته، ويقولون: «رميته فأصبت سواد قلبه»؛ أي القلب نفسه وكثيرا ما يصغرون سوداء فيقولون: سويداء، ويقولون: أصابه في سويدائه.
وكان أهل المدينة يطلقون على الحرة (وهي المكان الذي علا سطحه حجارة سوداء كأنها شيطت بالنار) وعلى الليل الأسودين، ومنه حديث عائشة رضي الله عنها: «لقد رأيتنا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم
ما لنا طعام إلا الأسودان» وقد فسره بعضهم بالتمر والماء، ولكن التفسير الصحيح أنهما الحرة والليل؛ لأنها أرادت أن تبالغ في شدة الحال وأن ليس معها إلا الحرة والليل.
والعرب أيضا تسمي شخص كل شيء سوادا، فسواد الإنسان متاعه، والسواد الأعظم العدد الكثير من الناس، وقال بعضهم: «إنما السؤود في السواد»؛ أي إن السيادة الحقة أن يكون الشخص سيدا عند عامة الناس لا عند خاصتهم؛ لأن الخاصة عدد قليل والسيادة فيهم محدودة المدى بخلاف السيادة على العامة.
والمصريون يكنون عن الإنسان أحيانا بأسود الشعر، ومن الأمثال في ذلك «أسود الرأس ما تأمن له»؛ أي لا تأمن شر الإنسان، وفي أمثالهم أيضا وهو يوضح المثال السابق «ربي أسود الرأس يقلعك» و«ربي أزون المال ينفعك»، والمراد بأزون المال أقل حيوان كالكلب والقط؛ أي إن إسداء الخير للإنسان يعود بالوبال على من أحسن إليه، وخير من ذلك الإحسان إلى أحقر الحيوان.
ولون الخضرة محبوب عند المصريين يتفاءلون به؛ لأن أكثر لون المزروعات الخضرة، والزرع عماد حياتهم، ولذلك قد يسمون اللون الأزرق أحيانا أخضر، ويطلقون الأخضر على كل شيء رطب ندي، فيسمون الثوب المبلول الذي لم يجف أخضر، والأرض إذا كانت مرشوشة خضراء، ويظهر لي أن هذا الاستعمال الأخير تحريف عن الأخضل باللام لا بالراء، فالعرب تقول خضل الشيء؛ أي ندي، والشيء أخضل؛ أي ندي مبتل، ومنه قولهم: «عيش خضل»؛ أي طيب ناعم، وشباب خضل؛ أي ناعم مترف، ومنه قول الطويراني في لاميته:
نعم الألى علمونا من مكارمهم
غر الخصال وصانونا عن الخطل
سرنا على إثرهم في كل ناحية
سير النسيم على ذي نضر خضل
فجاء العامة وحرفوا اللام راء وسموا الشيء الرطب أخضر بدل أخضل، وقد يجوز أن يكون هذا الوصف من الخضرة أيضا؛ لأن العرب استعملت الخضرة وصفا للغض الناعم.
ومما يدل على تفاؤل المصريين بالخضرة قولهم: «ربنا يجعل قدمك علينا صلق أخضر»؛ لأن الصلق لطيف الخضرة، فهم يتمنون أن يكون قدمه أو أثره أخضر حسن العاقبة.
ولعل هذا كان من الأسباب في اختيار العلم المصري أخضر؛ لأنه من جهة يدل على أن الأرض المصرية زراعية عمادها الاقتصادي الزراعة، ومن جهة أخرى يدل على التفاؤل بهذا اللون الجميل.
والعرب كالمصريين لم يستعملوا الألوان بدقة، فخلطوا بين الأسود والأزرق والأخضر فسموا مثلا السماء خضراء مع أنها زرقاء.
وفي الحديث «ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر»، فالخضراء السماء، والغبراء الأرض، وسموا سمرة الجلد خضرة، فقال شاعرهم:
أخضر الجلدة في بيت العرب
وسموا الكتيبة خضراء إذا كان رجالها يلبسون الدروع السوداء، وفي الحديث «إن الحارث بن الحكم تزوج امرأة فرآها خضراء» فطلقها؛ أي سوداء، وقالوا في عكس ذلك «سواد العراق » وهو أرضه الخصبة التي تكثر فيها الأشجار الخضراء والزروع الخضراء، وهكذا خلطوا بين الأسود والأخضر والأزرق.
والمصريون يعبرون عن اللون إذا اشتد بأنه غامق وإذا خف بأنه فاتح فيقولون: أسود غامق وأحمر غامق وأحمر فاتح وأخضر غامق وأخضر فاتح، وهم يرتبون الأزرق رتبا فإذا كان زاهيا قالوا: أزرق صيني، ولعله تشبيه بألوان الأطباق والفناجين؛ لأنها تسمى كلها «صيني»، فإذا كان أفتح من ذلك قالوا: «صافي» كلون الجلاليب التي يلبسها العامة، فإذا كان أفتح من ذلك قالوا: «سماوي»؛ أي كلون السماء، فإذا كان أفتح من ذلك قالوا: «لبني»؛ أي كلون اللبن؛ لأن في لونه زرقة خفيفة.
وأحيانا يقولون: «أحمر إنجليزي» إذا كان شديد الحمرة كلون لباسهم الذي كانوا يلبسون من أعوام، فإنه كان شديد الحمرة، ويقولون أخضر غامق، فإذا كان أفتح من ذلك قالوا: أخضر زرعي؛ أي كلون الزرع، فإذا كان أفتح من ذلك قالوا: أخضر فستقي؛ أي كلون الفستق.
وقد اتخذ العباسيون السواد شعار الدولة الرسمي ولذلك غلا في أيامهم سعر الثياب السود، وكان شعار الثوار البياض فيقولون: «إن جماعة خرجوا عليهم وبيضوا» واشتهر على لسانهم اللون الأصفر، وقالوا في ذلك كثيرا، وقد شرحنا هذا في كتابنا فيض الخاطر، والله أعلم.
أما غريبة:
تستعمل أما هنا بمعنى هذه أو تلك وكذلك تأكيد الغرابة، وتستعمل أما بهذه المعاني في مواضع كثيرة، فيقولون: أما حاجة كويسة، وأما حاجة وحشة، وهكذا.
الأمثال:
الأمثال نوع من أنواع الأدب، يمتاز بإيجاز اللفظ وحسن المعنى ولطف التشبيه وجودة الكناية، ولا تكاد تخلو منها أمة من الأمم، ومزية الأمثال أنها تنبع من كل طبقات الشعب، وليست في ذلك كالشعر والنثر الفني إنهما لا ينبعان إلا من الطبقة الأرستقراطية في الأدب، فالعجائز في البيوت تؤلف الأمثال وطبقة الفلاحين ينبع منها أمثال وكذلك طبقات الصناع والتجار وغيرهم.
وأمثال كل أمة مصدر هام جدا للمؤرخ والأخلاقي والاجتماعي يستطيعون منها أن يعرفوا كثيرا من أخلاق الأمة وعاداتها وعقليتها ونظرتها إلى الحياة؛ لأن الأمثال عادة وليدة البيئة التي نشأت عنها، فالعربي البدوي في الصحراء نجد أمثاله مشتقة من عيشته من جمال وخيام وأرض وجدب وخصب ومطر ونحو ذلك، والذين يسكنون السواحل يشتقون أمثالهم من البحر والسفن والصيد والسمك ونحو ذلك.
كما نستطيع أن نفهم من الأمثال مبلغ إدراك الأمة للأشياء، وما تثيره في أنفسهم من معان، ومبلغ ذوقهم في التشبيه واقتدارهم على انتزاع وجوه الشبه بين المشبه والمشبه به.
كما أنها تدل على ما يستحسنه الشعب وما يستقبحه أو على الأقل ما تستحسنه الطبقة التي نبع منها المثال وما تستقبحه، فيستطيع الباحث في أمثال أمه أن يعرف ما الذي تكرهه وما الذي تحبه، وما الذي تكبره وما الذي تحتقره، كما يستطيع أن يعرف منها مقدار تقديرها للأخلاق من كرم وبخل واقتصاد وإسراف وخيانة وأمانة وغدر ووفاء وحرية وعبودية.
كما يستطيع أن يعرف منها مقدار تدينها وعدم تدينها، وما هي الروابط التي بين الشخص وبين أسرته وبينه وبين أصدقائه وبينه وبين أمته إلخ ...
فإذا جمعنا - مثلا - الأمثال المصرية التي قيلت في المرأة أمكننا أن نعرف منها نظرتهم إلى المرأة، وإذا جمعنا الأمثال المالية أمكنا أن نعرف منها نظرتهم الاقتصادية وهكذا.
ولكن يعترض الباحث في الأمثال صعوبات كثيرة منها: أن الأمثال لا يعرف قائلها حتى تستطيع أن تعرف من أي وسط نبعت، هل قالها ريفي أو حضري، وهل قالها سوقي أو أرستقراطي؟ والناس - عادة - يهتمون بقائل الشعر، فكثير من الشعر يمكننا معرفة قائله، أما المثل فلا؛ فقد تقوله عجوز في بيتها أو فلاحة في حقلها، أو صانع في مصنعة، ثم يسير القول في الناس من غير اهتمام بقائله، كما أنه يصعب تحديد تاريخ المثل في أي عصر قيل، وقد يكون هذا هاما جدا لأنا كثيرا ما نجد أمثالا متضاربة فهم يقولون - مثلا - «القرش الأبيض ينفعك في اليوم الأسود» ويقولون: «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب» فهذان مثلان متناقضان ينصح أولهما بالتدبير والثاني بالتبذير، فهل نبعا من وسطين مختلفين، أو قيلا في وقتين أو حالتين مختلفين، ومثل قولهم: «ابن الوز عوام»، وقولهم: «باب النجار مخلع»، فبين هذين المثلين شبه تناقض.
نعم إن بعض الأمثال يمكن معرفة تاريخها بدلائل مختلفة، فقد جمع لنا - مثلا - الأبشيهي في كتابة «المستطرف من كل فن مستظرف» طائفة من الأمثال العامية المستعملة في زمنه، وقد كان مؤلفه في القرن الثامن الهجري.
وأحيانا يدل المثل نفسه على التاريخ الذي قيل فيه مثل: «آخر خدمة الغز علقة» فإن المثل يدل على أنه قيل في مدة حكم الأتراك لمصر.
كما أن بعض الأمثال يدل على نوع الوسط الذي نبعت منه مثل: «النوتي في حساب والريس في حساب» فإنه يدل على أنه نبع من وسط المراكبية، ومثل قولهم: «إيش عرف الفلاح بأكل التفاح» فإنه يدل على أنه نبع من وسط الحضريين، ومثل قولهم: «اللي مالوش شيخ شيخه الشيطان» فإنه نبع من وسط مشايخ الطرق، وهكذا. ولكن هذا قليل، وأكثر الأمثال لا يعرف قائلها ولا تاريخها ولا منبعها.
ومما يفيد الباحث في الأمثال مقارنة أمثال الأمم بعضها ببعض كالموازنة بين أمثال الإنجليز والفرنسيين والألمان والمصريين والشاميين والمغاربة ونحو ذلك، وهذه المقارنات تدل على أن بعض الأمثال يكاد يكون عاما بين الأمم، وهو ما اتصل بالإنسان كإنسان، وما اشترك فيه الناس من تجارب الحياة مثل: تقدير المال ووجوب التدبير ومثل: «معظم النار من مستصغر الشرر» ومثل: «إذا كان الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب» ومثل القول بأن الورد يظهر بين أشواك، ونحو ذلك من المعاني التي تكاد تتفق فيها الأمم؛ لأنها نتيجة تجارب مشتركة أدت إلى نتائج متحدة.
وهناك - على العكس من ذلك - أمثال تختلف فيها الأمم إما من حيث اختلاف التعبير، وإما من حيث اختلاف البيئة، وإما من حيث اختلاف الظروف الاجتماعية، فإذا قال المصري: «إن اصطلحات الضراير يخرب البيت» فهذا مثل لا يمكن أن يقوله الفرنسي أو الإنجليزي الذي لا يتزوج إلا واحدة، وإذا قال الشرقي: «إن اشتريت الحمار حضر له المنخسة» فلا يقوله الغربي الذي ليس في بلده حمير، وإن قال الفرنسي: «أفقر من فأر الكنيسة» فالمسلم لا يشتق أمثاله من الكنائس وهكذا ...
وهذه مقدمة صغيرة لدراسة الأمثال.
وللمصريين أمثال كثيرة منها ما شاركوا فيه الأمم الأخرى؛ لأنها نتائج تجارب إنسانية عامة - كما قلنا - ومنها ما هي خاصة بهم؛ لأنها نتيجة بيئتهم ونوع معيشتهم، ومنها ما هي خاصة بطائفة من الطوائف دون عامة المصريين؛ لأنها نبعت من وسطهم وقيلت في شأن من شؤونهم، وبعض هذه الأمثال في منتهى الحكمة والدقة، وبعضها نتيجة نظر قاصر وتجربة ناقصة وعقل سخيف.
والآن نعرض لبعض الأمثال مرتبة حسب الموضوعات لا كما يفعل المؤلفون في ترتيبها حسب الحروف الأبجدية: «حمارتك العرجاء ولا سؤال اللئيم.»
وكثرت في الأيام الأخيرة الأمثال الدالة على الاستعباد والخضوع للحكام، مثل قولهم: «إن ابتليت بظالم جاريه»، «حاكمك سيدك»، «يا بخت من كان النقيب خاله»، «اللي تشوفه راكب على العصا قوله له مبارك الحصان.»
ويقول أهل الجزائر في هذا المعنى: «إذا قال سيدك ديب قل ما أعتاه» ويروون أن سيدا رأى في مزرعته حيوانا فنادى خادمه احذر الذئب، فقال الخادم: إنه ثعلب، فقال السيد: إنه ذئب، فقال الخادم: إنه ثعلب، فرفع السيد عصاه وضرب به رأس الخادم بعد أن ذهب الثعلب، فقال الخادم ما دمت تقول إنه ذئب فهو ذئب ما أعتاه، فقيل هذا المثل ... إلخ.
ومثل قولهم: «إن فاتك الميري اتمرغ في ترابه.»
وقولهم: «أنا أول من أطاع وآخر من عصى»، «إن كنت في بلد يعبدوا الجحش حش وادي له»، «إن كان لك عند الكلب حاجة قل له يا سيدي» ... إلخ.
ومن الأمثال التي تدل على علاقة الحاكم بالمحكوم:
قولهم: «آخر خدمة الغز علقة»، وهو مثل وضع أيام كان المصريون تحت حكم الأتراك والغز طائفة منهم، وهو يدل على أن المصريين قد لاقوا العنت من حكم الترك.
وقولهم: «ظلم الترك ولا عدل العرب»، وهو يدل على أنهم قد لقوا من بدو العرب أكثر مما لقوا من ظلم الأتراك.
وقولهم: «أكمن أبوك سنجق داير على حل شعرك» يدل على أن من ينتسبون إلى السناجق وهم ضباط الأتراك كانوا يعيثون في الأرض فسادا، ويسيرون تبع هواهم.
وقولهم: «ارقص للقرد في دولته» يدل على خضوع المصريين لكل حاكم في أيامه مهما ظلم.
وقولهم: «رايح فين يا صعلوك بين الملوك» يدل على احتقارهم أنفسهم أمام العظماء كأنهم من طينة أخرى.
وقولهم: «راحت من الغز هاربة قابلوها المغاربة»، والمغاربة قوم من الجنود كانوا يجندون من المغاربة للغزو؛ أي إنهم هربوا من شر فوجدوا أشر منه.
قولهم: «ضرب الحاكم شرف» قولهم: «جندي الكرا ما يحاربوش»؛ أي إن الجنود الذين يجندون بالكراء لا يصدقون في الحرب.
وقولهم: «يا فرعون من فرعنك قال مالقيتش حد يردني.»
وقولهم: «لا تلابط البدوي ولا تجاريه» (الملابطة المصارعة)؛ أي إنك إن لابطته فقد يغلبك، ولا تجاره؛ لأن البدو مشهورون بسرعة العدو. «لا تذم ولا تشكر إلا بعد سنة وست أشهر»، «زي التركي المرفوت يصلي لحد ما يستخدم.» «ما حدش يقول يا جندي غطي دقنك» (الجندي الأمير التركي)؛ أي لا يستطيع أحد أن يشير عليه بالخير إذا أراد الشر. «الولد ولد ولو حكم بلد.» «حاكمك سيدك» وهو يدل على الاستسلام للحاكم المستبد.
ومن الأمثال الدالة على حالة المرأة:
قولهم: «الأصيلة ما تتاقلش بمال.»
وقولهم: «تحت البراقع سم ناقع.» «تاخدي جوزي وتغيري، ما تخيلي»، «تبقى عورة وبنت عبد ودخلتها ليلة الحد.»
قالوا هذا لأن العادة أن يكون الزواج ليلة الجمعة أو الإثنين، فأن يكون الزواج ليلة الأحد نكبة أخرى. «الغزالة تغزل برجل حمار» ومثله: «لبس الخنفسا تبقى ست النسا.» «زي أم العروسة فاضية ومشبوكة.» «وفري نفسك يا حماتي ما لي إلا مراتي.» «لبس البوصة تبقى عروسة» (البوصة: القصبة من غاب أو نحوه)، فإذا ما وضع عليها ما يصنع من فضة أو ذهب ولبس فيها سميت عروسة. «الغجرية ست جيرانها.» «خد من الزرايب ولا تأخذ القرايب.» «خد المليح واستريح.» «قالوا خدوا جوز الخرسة اتكلمت.» «الخنفسة عند أمها عروسة»، ومثله «القرد في عين أمه غزال.» «الراجل ابن الراجل اللي عمره ما يشاور مرة.» «الراجل ومراته زي القبر وأفعاله»؛ أي إن السر الذي بينهما لا يذاع. «الحما حمة، وأخت الجوز عقربة صمة.» «قالوا يا جحا مراة أبوك بتحبك، قال: يمكن اتجننت.» «قعاد الخزانة ولا جواز الندامة» الخزانة الحجرة الصغيرة. «فاتت ابنها يعيط وراحت تسكت ابن الجيران.» «الفاجرة داريها والحرة عاديها.» «البايرة لبيت أبوها.» «بوس إيد حماتك ولا تبوس إيد مراتك.» «بنت الدار عورة» والمراد أنها غير مستحسنة؛ لأنها في اليد. «بنت الفارة حفارة.» «بنت الحرافة تطلع دراسة.» «البنات بسبع وجوه.» «بره وردة وجوه قردة.» «جوزوا مشكاح لريمة ما على الاثنين قيمة.»
ومن الأمثال الدالة على الحالة الاجتماعية والأخلاقية: «زي بعجر أغا ما فيه إلا شنابه.» «زي ساعي اليهود لا يودي خبر ولا يجيب خبر.» «الدنيا بدل يوم عسل ويوم بصل.» «الدنيا زي الغزية ترقص لكل واحد شوية.» «الوش وش حاج والطبع ما يتغيرش.» «لا شجرة إلا وهزها ريح.» «خدلك من كل بلد صاحب ولا تأخذ من كل إقليم عدو.» «خدوا من فقرهم حطوا على غناهم» يضرب للغني يستنزف ما عند الفقير ومثله: «عاز الغني شقفة، كسر الفقير زيره؛ جت الفقير وكسه، ما أقل تدبيره.» «الخسارة اللي تعلم مكسب.» «الخشب اللين ما ينكسرش.» «خفف أحمالها تطول أعمارها.» «خفها تعوم»، والضمير على السفينة. «خلق ناس وتحفهم وكبب ناس وحدفهم.» «خلي بينك وبين الجرب غيط.» «خبطتين في الرأس توجع.» «خل المية مية وأردب»؛ أي احتط بالزيادة. «من شاف بلوة غيره هانت عليه بلوته.» «التنا ولا الغنى» التنا: الثناء والسمعة. «ثوب غيرك ما يليقش عليك.» «غاب القط العب يا فار.» «الغايب ما لوش نايب.» «الغربة تعلم.» «غشيم ومتعافي.» «الغضبان خي المجنون» خي: أخ. «ضبة خشب تحفظ العتب» (الضبة: القفل الذي يركب على الباب ويقفل بها) يقولون: إنها تمنع من السرقة. «الضحك على الشفاتير والقلب يصبغ مناديل» الشفاتير: الشفاه، والمعنى (الضحك في الظاهر والقلب يبكي). «الضرب في الميت حرام.» «ضعيف وياكل ميت رغيف.» «ضلالي وعامل إمام، والله حرام.» «ضيع سوقك ولا تضيع فلوسك»، أي لا تشتر إلا إذا وثقت بالربح، فإذا لم تثق فاحفظ فلوسك. «اسأل مجرب ولا تسأل طبيب.» «أصحاب العقول في راحة .» «ياللي بترقص في الظلام مين حاسس بيك.» «يا فاحت البير ومغطيه، لا بد من وقوعك فيه.» «يا معزي بعد سنة يا مجدد الأحزان.» «زي الإبرة تكسي الناس وهي عريانة.» «قال له نام لما أذبحك، قال دا شيء يطير النوم.» «كدب مساوي ولا صدق مبعزق.» «كل بير قصادها بلاعة.» «كل شيء عند العطار، إلا حبني غصب.» «أعط العيش لخبازينه.» «أقل شيء يرضي الخاطر.» «أقل موال ينزه صاحبه.» «تدبل الوردة ورائحتها فيها.» «لا إنسان ولا حلاوة لسان.» «راحت الناس وفضل النسناس.» أي إن الخيرين ذهبوا ولم يبق إلا الأشرار.
مثله قولهم: «ما بقي على المداود إلا شر البقر»، «ياكل ويشرب ووقت الحاجة يهرب»، «يا مؤامنة للرجال يا مؤامنة للمية في الغربال»، «يا مستكثر الزمان أكثر»، «يا حامل هم الناس، خليت همك لمين»، «يا باني في غير ملكك يا مربي في غير ولدك.» «زبال في إيده وردة» يضرب لمن يتجمل بما لا يتفق وحالته. «الزمار ما يغطيش دقنه»، «زبلة ويقاوح التيار»، «زرعت لو كان، وسقيته يا ريت، طرحت ما يجيش منه» يضرب للمتمني ولا يعمل، ويتكل على أمانيه، «زي الخروب، قنطار خشب على درهم سكر»، «زي روايح أمشير، كل ساعة في حال» (الروايح: الرياح)، «زي الطبل، صوت عالي وجوف خالي»، «زي فقراء اليهود لا دنيا ولا دين»، «زي المش كل ساعة في الوش»، «داهية تخفي الشرك» (الشرك: المشاركة)، «الدخان القريب يعمي» يعنون أن المصايب لا تأتي إلا من الأقارب. «دور الزير على غطاه لما التقاه» يدل على اتصال الإنسان بما يناسبه. «واحد شايل دقنه والتاني تعبان ليه.» «الوسخة تفرح ليوم الحزن.» «اربط الحمار جنب رفيقه، إن ما تعلم من شهيقه، يتعلم من نهيقه»، «أسيادي وأسياد أسيادي، اللي يعولوا همي وهم أولادي.» «النحس مالوش إلا أنحس منه.» «النهاردة دنيا وبكره آخرة»، «النواة تسند الزير.» «لقمة جاري ما تشبعني وعارها متبعني.» «لما اتفرقت العقول كل واحد عجبه عقله، ولما اتفرقت الأرزاق ما حدش عجبه رزقه.» «لو شاف الجمل حدبته وقع وانكسرت رقبته.» «ما تتم الحيلة إلا على الشاطر.» «ما تيجي المصايب إلا من الحبايب.» «ما تعرجش قدام مكسحين.» «ما شتمك إلا من بلغك.» «ما قدرش على الحمار اشطر على البردعة.» «مالقوش في الورد عيب قالوا له يا أحمر الخدين.» «ما تعملش كيس حرير من ودن خنزير.» «ما يعجبك البيت وتزويقه، دا اللي جوه نشفان ريقه.» «من جاور الحداد ينحرق بناره.» «من حبه ربه واختاره جاب له رزقه على باب داره.» «ساعة لقلبك وساعة لربك.» «ساعة الحظ ما تتعوضش.» «الساهي تحت رأسه دواهي.» «اللي مالهوش قرابة مالهوش عداوة.» «شابت لحاهم والعقل لسه ما جاهم.» «الشحاتة طبع.» «شخشخ يتلموا عليك» يريدون الدلالة على طمع الناس في المال. «الشرا يعلم البيع.» «شرارة تحرق الحارة.» «الشرط عند الحرت، ولا الخناق في الجرن»، وهو يدل على أنه من وضع الفلاحين. «الشكك يفلس التاجر الألفي»؛ أي صاحب الألوف. «شيلني وأنا أشيلك.» «الردا طويل واللي جواه عويل.» «الرقص نقص.» «الحيطة الواطية كل الناس تنط عليها.» «قالوا: أبو فصادة بيعجن القشطة برجليه، قالوا: كان بان عليه.» «قالوا: الله يلعن اللي يسب الناس، قال: الله يلعن اللي يحوج الناس لسبه.» «ناموسة وعاملة جاموسة.» «قالوا للأعور: العمى صعب، قال: نصف الخبر عندي.» «قالوا للغراب: ليه بتسرق الصابونة قال: الأذية في طبع.» «قالوا للمشنوق: غطي رجليك، قال: إن رجعت ابقوا عاتبوني.» «قالوا: يا جحا عد موج البحر، قال: الجايات أكثر من الرايحات.» «قالوا: يا جحا فين مراتك؟ قال: بتطحن بالكرا، قالوا: فين طحينك؟ قال: كريت عليه! قالوا: كنت خلي مراتك تطحنه!» «قالوا: يا كنيسة اسلمي، قالت: اللي في القلب في القلب.» «قبل ما أقول يا أهلي يكونوا جيراني غاثوني.» «القفص المزوق ما يطمعش الطير.» «القفة اللي لها ودنين يشيلوها اثنين.» «قول له في وشه ولا تغشه.» «الفار وقع من السقف قال له القط اسم الله عليك.» «في الوش مراية وفي القفا سلاية.» «اقنع بالحاضر لغاية ما ييجي الغايب.» «اقطع العرق يسيح دمه.» «أعمى ويسرق من المفتح.» «الأصل الردي يردي على صاحبه.» «العيب من أهل العيب مش عيب.» «العيان ما حد يعرف بابه ، والعفي ما أكثر أصحابه.» «عيوبي لا أراها، عيوب الناس أجري وراها.» «الظن السوء بيودي جهنم.» «البيت بيت أبونا، والغرب يضربونا.» «بيت العنكبوت كثير على من يموت.» «بيت النتاش ما يعلاش.» «البهيمة العشري ما تناطحش.» «صاحب الحق عينه قوية.» «صباح القرود ولا صباج الأجرود.» «صبري على نفسي ولا صبر الناس علي.» «صلح خسران ولا قضاء كسبان.» «إذا كان اللي بيتكلم مجنون يكون اللي بيسمع عاقل.»
ومن الأمثال الدالة على اعتقادهم في القضاء والقدر والحظ قولهم: «إذا حل القضا لا ينفع طب ولا دوا.»
ومثله قولهم: «وقت القضا يعمى البصر.» «تحوش الوحوش، غير رزقك ما تحوش.» «تبات نار تصبح رماد، لها رب يدبرها.» «السعد ما هوش بالشطارة.» «قيراط بخت، ولا فدان شطارة.»
ومن أمثال التي تدل على الاقتصاد: «الدراهم مراهم، تخلي للعويل مقدار، وبعد ما كان بكير، سموه الحاج بكار.» «هاتي يا مدره ودي يا سدرة»، السدرة: إناء من نحاس يشبه القدر يغسلون فيه أواني القهوة. «هز فلوسك ولا تهز دقنك»؛ أي عرض فلوسك للمطالب ولا تعرض عرضك. «مال تجيبه الرياح تأخذه الزوابع.» «مال الكنزي للنزهي.» «مال الوقف يهد السقف.» «من حف في غموسه أكل عيشه حاف»؛ أي من أفرط في إدامه أول الأكل اضطر آخر أكله أن يأكل خبزه من غير إدام، والمعنى من أفرط في الصرف من غير حساب ندم على ما فات. «معاك مال: ابنك ينشال، معاكش ابنك ما ينشالش»، «خد من التل يختل.»
ونظيره: جبال الكحل تفنيها المراود. «الفلوس زي العصافير تروح وتيجي»، «يقطع الطشت الذهب، اللي تطرش فيه الدم.»
والمتأمل في هذه الأمثال يستخرج منها أخلاق المصريين في العهد الماضي، فهم يمجدون حكامهم، ويطيعون أوامرهم، ولا يثورون لمظلمة، وهم يعظمون من انتسب إليهم، ثم إن تجاربهم دلتهم على كثير من أنواع المعاملة والاعتقاد، كعدم ثقتهم بالإنسان، واحترام الغني واحتقار الفقير، ثم إن علاقتهم بالمرأة علاقة مبنية على سوء الظن، فالأخت تأخذ زوجها من حجر أختها، وهم يعتقدون في الأصالة أكثر مما يعتقدون في الجمال.
ثم هم يؤمنون بالقضاء والقدر والحظ، حتى إن مقدارا من الحظ خير من مقدار كبير من المهارة، ثم هم يقومون المال تقويما كبيرا، فالقرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود، وإذا كان مع الإنسان مال عز وعز بنوه، وإذا لم يكن معه مال ذل وذل بنوه.
كما أنه مما يلاحظ أن الروح المصري المرح ظاهر في الأمثال بما فيها من سخرية لاذعة وتشبيهات مضحكة، ويستطيع المتأمل أن يستخرج بدقة نظره أكثر من هذا.
الأمراض:
يشترك المصريون مع غيرهم في الأمراض وتكثر عندهم أنواع خاصة أكثر من غيرهم، من أشنعها «الدوسنتاريا» وهي كثيرة في مصر، يكثر معها الإسهال، ثم مرض الكبد للحر ولكثرة شرب الماء، وقد ينشأ عن الدوسنتاريا البواسير، وتتفشى بينهم الأمراض الديدانية لعدم نقاوة الماء الذي يشربه الفلاحون، ثم الأمراض الجلدية كالجرب وحب النيل، وقد يكون حب النيل هذا خاصا بمصر، وهي حبوب تظهر على الجلد في أيام فيضان النيل ولذلك سموها «حب النيل»، وأحيانا يسمونها «حمو النيل» وكذلك «القوبة والجدري»، ولشدة الحر والغبار تكثر بينهم أمراض العين، يقول بعض الرحالة من الفرنج: «إنه شاهد في مروره في شارع من شوارع القاهرة عشرين أعمى، وعشرة عورا، وعشرين احمرت جفونهم وسال منها الصديد»، والرمد في المدن أكثر منه في الأرياف، ويضيف بعضهم إلى أسباب الرمد التي ذكرناها شدة الضوء لسطوع الشمس سطوعا قويا، وكذلك ينتشر في مصر مرض السيلان والزهري، وهم لا يعتقدون أن سببه اتصال غير شريف، بل قد يكون الفزع أو البرد الشديد، ولذلك لا يستحيون كثيرا من ذكره أو الإصابة به.
ومنها الأمراض السرطانية وهي الحمد لله قليلة في مصر، وكذلك الأمراض كالسل فإنها قليلة في مصر، بالنسبة لغيرها وكذلك الأمراض العقلية.
ومن الأمراض المتوطنة حمى التيفوس والتيفود، ولكن من فضل الله أن الطب الحديث بدأ يتغلب عليهما.
ويكثر بين المصريين - مع الأسف - مرض البول السكري، ولكنه أخف نوعا من المرض السكري في الأقطار الأخرى.
أم:
يستعملها المصريون بمعنى الوالدة، كأم حسن، وأم حسين، وأم خليل، ويستعملونها ككلمة أب، بمعنى صاحبة كأم الخلخال، وأم العباية، وأم الشال، وأم الجلابية الحمراء، واشتهر عنهم تكنية امرأة كانت في عهد الخديو إسماعيل بأم الشعور، وكانت ماهرة في اللعب على الحبل والإتيان بحركات بهلوانية غريبة، وكانت تستدعى في أفراح الأغنياء، كما اشتهرت الطعمية بأم الفلافل، نسبة إلى الفلفل؛ لأنه يوضع فيها؛ وكما اشتهرت السيدة زينب بأم هاشم وأم العجايز، ومن ذلك أم علي وأم قويق.
أم علي:
أم علي طعام مشهور لذيذ الطعم، يصنع من الرقاق الرفيع واللبن والسمن، فإذا فردت راقات منه وضع في منتصف «الصينية» جوز ولوز وزبيب وبندق مكسر، ثم أكملت الصينية مع إضافة اللبن والسمن أيضا، ثم تدخل الفرن فتكون أكلة لذيذة.
أم قويق:
هي البومة، ويتشاءم منها العامة كثيرا، فإذا صاحت في بيت فذلك إنذار بمصيبة تحل بأهله فيخرب، يقولون لمن كان سيئ الطالع: «وش البومة»، وربما كان السبب أنها طائر ليلي ليس فيه ميل للاستئناس ويميل إلى العزلة، وكذلك يذهب إلى الخرائب.
أنا أحبه حب يفوق الوصف:
تعبير يعني أنه لا يوصف لشدته.
أنا بدي:
تعبير بودي؛ أي أحب كذا، فأنا بدي أتزوج؛ أي بودي أتزوج.
أنا في حالي وأنت في حالك:
تعبير يعني أنا في شأني وأنت في شأنك، ومثلها روح في حالك، ومثله راح ألاقيها منين واللا منين؛ أي لا أدري من أي جهة تأتي المصائب، من هنا أو من هنا.
إن، وإذا:
يستعمل المصريون كلمتي إن وإذا في معنى واحد تقريبا، ولا يفرق بينهما الفرق الدقيق المعروف في النحو، واستعمالهم «إن» أكثر من استعمالهم «إذا»، ولذلك كثرت في لسانهم الأمثال المبدوءة بإن، وقلت المبدوءة بإذا، وأحيانا يروى المثل بالوجهين، فبعضهم يرويه بإن وبعضهم يرويه بإذا.
ومن أشهر أمثالهم في هذا الباب قولهم: «إن كنت في بلد يعبدوا الجحش حش وارمي له» وهو مثل يدل على حب الاستسلام والميل إلى الخضوع والطاعة ولو كان الأمر باطلا، وكره الثورة والمجاهرة بالحق، وقد وردت أقوال كثيرة في هذا المعنى مر بعضها، ومثل قول المعري:
ولما رأيت الجهل في الناس فاشيا
تجاهلت حتى ظن أني جاهل
ومن أمثال «التلمود»، «إذا كان الثعلب ملكا فانحن له»، وفي أمثال أهل الجزائر: «إذا وجدت الناس يعبدون العجل فعليك بالحشيش.»
وقال الشاعر:
تحامق مع الحمقى إذا ما لقيتهم
ولاقهمو بالجهل، فعل ذوي الجهل
وخلط إذا لاقيت يوما مخلطا
يخلط في قول صحيح وفي هزل
فإني لقيت المرء يشقى بعقله
كما كان قبل اليوم يسعد بالعقل
ومن طريف ما يحكى في ذلك أنه لما ولي جلال الدين الزينبي الوزارة دخل عليه شاعر اسمه أبو الفضل والمجلس حافل بأعيان الرؤساء والوجهاء، فوقف بين يديه وأظهر السرور والفرح ورقص، فقال الوزير لمن يفضي إليه بسره: قبح الله هذا الشاعر! إنه يشير إلى ما تقوله العامة في أمثالها «ارقص للقرد في زمانه.»
وفي هذا المعنى يقول الشاعر:
إذا رأيت امرأ وضيعا
قد رفع الدهر من مكانه
فكن سميعا له مطيعا
معظما من عظيم شانه
فقد سمعنا بأن كسرى
قال قديما لترجمانه
إذا زمان السباع ولى
ارقص على القرد في زمانه
ومن الأمثال العامية في ذلك:
يا اللي تعاشر الناس
وتريد منهم نصافة
كن بينهم نسناس
إوع تبين حصافة
وهذه الأقوال وأمثالها أثر من آثار عصور الاستبداد والظلم، فطلبوا من الناس أن يكونوا آلات صماء وأحجارا جامدة، تطيع ولو ظلمت، وترضى ولو نكبت، وتقبل الحاكم ولو كان قردا، وتطيع الأمر ولو كان فاسدا؛ فلما انتبه الناس وقررت قواعد الحرية وجب أن يتغير مثل هذه الأمثال ويطلب من الناس ألا يقبلوا الظلم ولو أكرهوا عليه، وأن يقولوا الحق ولو أوذوا في سبيله، وأصبحت هذه الأمثال أثرية تفيد المؤرخ ولا تفيد الأخلاقي.
ومن الأمثال المبدوءة بإن قولهم: «إن شفته بيسب اعرف إنه بيحب.»
وهو قول حكيم مبني على دراسة نفسية عميقة، فقد يظهر الإنسان غير ما يضمر خصوصا في الحب، وقد سبق مجنون ليلي إلى هذا المعنى فقال:
كلانا مظهر للناس بغضا
وكل عند صاحبه مكين
وقريب من هذا المعنى وإن لم يكن منه تماما قول البهاء زهير:
سميت غيرك محبوبي مغالطة
لمعشر فيك قد فاهوا بما فاهوا
أقول زيد وزيد لست أعرفه
وإنما هو لفظ أنت معناه
ومن قولهم: «إن جار عليك الزمن جور على دراعك»، وهو مثل لطيف، ومعناه إن اشتد عليك الزمان فأصابك بالفقر وقلة الرزق، فاشتد أنت على ذراعك وأكثر من العمل بيديك والجد في طلب الرزق لتغلب بجدك جد الزمان في حربك، وفي هذا المثل قوة رائعة.
ومن قولهم:
إن أقبلت باض الحمام على الوتد
وإن أدبرت بال الحمار على الأسد
ومعناه إن أقبلت الدنيا وحسن الحظ سهل العسير وحصل البعيد، كأن يبيض الحمام على الوتد، وإن ساء الحظ حصل ما لم يكن في الحسبان فيذل العزيز حتى يبول الحمار على الأسد، فعند إقبال الدنيا يسهل كل عسير وينقلب التراب ذهبا، وعند إدبارها يتعقد كل سهل وينقلب الذهب ترابا ويتحكم الحمار في الأسد، وهو من الأمثال الكثيرة في اللغة العامية التي تدل على إيمان شديد بالقدر وبالحظ.
ويقولون: إن اصطلحت الضراير يخرب البيت.
وذلك لأن عداوة الضراير أمر محتم وأمر طبيعي؛ لأن كل واحدة ترى أن الأخرى سلبتها حقها في الزوج، فإذا اصطلحتا واتفقتا فلا بد أن يكون هناك سبب غير طبيعي فقد تتفقان على الإضرار بالزوج؛ لأنه عدوهما المشترك، فقد أغضب كلا بزوجة عليها، وقد تتفقان على الانتقام من حماتهما؛ لأنها كذلك عدوهما المشترك، وقد تتفقان على غير ذلك، وفي كل هذا هدم للبيت وعمل على خرابه.
ويقولون: «إن سرقت اسرق جمل وإن عشقت اعشق قمر»؛ أي إما كبار الأمور وإلا فلا، وقريب من هذا المعنى قول الشاعر:
لنا الصدر دون العالمين أو القبر
ويقولون: «إن جابوا للمجنون ألف عقل على عقله ما يعجبوش إلا عقله.»
أي إن الضعيف العقل لا يعترف بضعف عقله، بل يعده من أحسن العقول ويعد أحكامه من أحسن الأحكام، ومن أحسن ما قيل في ذلك: إن كل إنسان راض عن عقله وساخط على حظه.
ويقولون: «إن كانت الدعوة تجوز ما كان بقى صبي ولا عجوز»؛ أي إن الله لا يستجيب كل دعوة ولو كان يستجيبها لما بقي أحد؛ لأن كل إنسان لا يسلم من غاضب يدعو عليه.
ويقولون: «إن لبست الخيشة برضه عيشة»، تقوله الجميلة التي تستغني بجمالها الطبيعي عن جمالها الصناعي.
وأخيرا: «إن كان حبيبك عسل ما تلحسوش كله.»
إنت ممروع ليه؟:
تعبير يعني متكبر متعنطز ليه.
إنت اللي فيهم:
تعبير يعني الشخص البارز الذي يعتمد عليه من بين أصحابه.
إن شاء الله:
تعبير يكثر على ألسنة المصريين، فهم إذا وعدوا بعمل شيء شفعوه غالبا بقولهم: إن شاء الله، اعتمادا على قوله تعالى:
ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا * إلا أن يشاء الله ، وهو يعتذر إذا لم يفعل الشيء بأن الله لم يشأ، وقد علق الأمر على المشيئة وهي كما ترى لا تقال إلا لشيء ينوي عمله في المستقبل، ولذلك يستخفون جحا عندما سئل أين حمارك؟ فقال: ضاع إن شاء الله؛ لأنه تعبير عن الماضي، ويعبرون بها أيضا عند الأمل في الشيء، فيقولون: سأغتني إن شاء الله، وستتزوجين زواجا حسنا إن شاء الله وهكذا.
إن عامت قرقشت، وإن غرقت قرقشت:
تعبير يعني أنهم لا يهمهم ما يحدث، فإن لديهم من الرزق وهدوء البال، ما يجعلهم يضربون صفحا عن كل ما يحدث، وهو دليل على الأنانية البحتة.
إن كان اللي بيتكلم مجنون، خلي السامع يبقى عاقل:
تعبير يعني أنه لا يصح أن يجاري السامع المتكلم في كل ما يقول، فإن تكلم أحد بالكلام الفارغ، فلا يصح للسامع أن يجاريه.
أنه:
تستعمل بمعنى أنا، فيستخفون الوقف على الهاء الساكنة بدلا من الألف وقريب منها: إنهو بمعنى أيها، فيقول أحدهم «إنهو الأحسن من دول»؛ أي أيهم من هؤلاء.
انتقال الجبل:
أسطورة من أساطير الأقباط، وقصة مخترعة من أقاصيصهم، خلاصتها: أنه كان لبعض سلاطين مصر وزير يهودي أسلم، والعداوة بين اليهود والنصارى معروفة، فأراد الوزير أن يوقع الملك بالنصارى، فقال له: «إن إنجيلهم يقول: لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل: انتقل من هنا إلى هنا، فينتقل»، فاستصوب الملك هذا الرأي، وأمر فاستحضر البطريرك وكبار الأقباط من رجال الدين، وسألهم عن هذه الآية، وهل هي واردة في الإنجيل فقالوا له: نعم فقال الملك: إذا لا بد من تحريك الجبل عما كان، وإلا محوت أثركم، فاستمهلوه ثلاثة أيام، ولما خرجوا دعوا القسوس جميعهم في مكان واحد، وصاموا لله، وواظبوا على الصلوات، وطلبوا من الله، ومن السيدة مريم، رفع هذه الغشاوة عنهم وفي صبيحة اليوم الثالث نام البطريرك وهو واقف فكلمته السيدة مريم وقالت له: إذا دخل الكنيسة إنسان وعلى كتفه جرة ماء، وهو بعين واحدة فأمسكه، فإن خلاص الشعب على يديه، وإياك أن يهرب منك؛ فلما انتبه من نومه، تربص لذا الأعور، حتى إذا سار أمامه أمسكه البطريرك؛ وكان هذا الرجل إسكافيا اشتهى امرأة كشفت عن ساقيها، ليقيس لها حذاء، ثم ندم على ما وقع منه، وقلع عينه بالمثقاب الحديد، وترك تلك الحرفة، وصار سقاء، وبينما البطريرك والإسكافي يتكلمان، وفد رسل الملك عليهما، فذهبا إلى القصر، فأخذهما الملك إلى جبل الجيوشي وقال: أريد أن تنقلا هذا الجبل من مكانه فقال له البطريرك: إننا نريد أن يطلب المسلمون من الله نقل الجبل قبلنا، لنرى أيقدرون على ذلك أم لا؟ فاستصوب الملك رأيهم، ودعا المشايخ والقضاة المسلمين، فتوضأوا وصلوا وصرخوا بالأذان، فلم يتحرك الجبل، وطلب البطريرك أن يمتحن اليهود كذلك، ففعلوا فلم يتحرك الجبل، وأخيرا جاءت جموع النصارى والبطريرك والإسكافي، فأمرهم البطريرك أن يصرخوا بصوت واحد مرتفع، صرخة واحدة: إننا نأمرك أيها الجبل بحق من أرساك وثبتك في هذا المكان أن تنتقل من موضعك وتجيء إلينا، ولا تؤذي أحدا من خلق الله، فتحرك الجبل من موضعه، وجاء إليهم، وصرخ الملك يطلب من البطريرك أن يقفه في مكانه، فلما انصرف الناس استحضر الملك البطريرك إليه سرا، وصرف جميع مماليكه، ومن كان عنده، وقبل يد البطريرك، واعترف بأحقية المسيحية وتنصر، وذهبا إلى الكنيسة سرا، واعتنق المسيحية وتعمد، وخزي المسلمون خزيا كبيرا، ولما علم بذلك بعض عقلاء المسلمين تنصروا أيضا، وقد صنع المسلمون قصة على هذا النمط يرفعون فيها شأن الإسلام والمسلمين، وكلتا القصتين خرافة ظاهرة.
إهئ مهئ:
إهئ حكاية صوت المرأة الخليعة عند الضحك، ومهئ لإتباع إهئ.
أهل السماح الملاح:
تكثر هذه الكلمة في صفة الأجواد الخيرين، ومن الظريف مما يحكى أن أحد المغنين كان يغني: أهل السماح الملاح فين أراضيهم.
فأجابه محمد البابلي: محجوز عليهم في البنك العقاري؛ أي لجودهم وسماحتهم، خربت بيوتهم.
أوراد:
الأوراد جمع ورد، والورد عادة دعاء طويل بعض الشيء يتلى في وقت معين، وكان لكل شيخ طريقة عادة ورد أو أوراد تتلى في أوقات معينة، مثل ورد السحر، وورد يقرأ عند الخوف من الأمواج يسمى ورد البحر، والناس عادة يحفظون هذه الأوراد، خصوصا الأوراد التي تنسب لشيخهم الصوفي، وهم يتلونها مرارا، ومن أضرارها اعتماد الناس عليها في قضاء حوائجهم، وبسط رزقهم، ولذلك يتركون العمل اعتمادا عليها، كما اعتمدوا عليها في تكفير الذنوب، والاستكثار من الحسنات، بدلا من أن يعتمدوا على الأعمال الصالحة.
الأوقاف:
الأوقاف كثيرة في مصر؛ وهي نوعان: أوقاف أهلية، كأن يقف الرجل على أولاده وأقاربه، ويخصصها أخيرا عند انقراضهم إلى جهة بر لا تنقطع، وأوقاف خيرية، كالوقف على المساجد، والفقراء والمساكين والأسبلة، وهي كثيرة في مصر كما ذكرنا، ولولا أن الملوك الظلمة كانوا يلجأون إلى الأوقاف السابقة ويحلونها، لكانت مصر كلها تقريبا وقفا على مرور الزمان.
ويلاحظ أن الأوقاف عادة تهمل ولا يعتنى بها اعتناء الملاك لأملاكهم، فإذا مررت بالشوارع ورأيت بيوتا مهملة، وأرضا خربة، فاعلم أن ذلك وقف؛ ولذلك كان حافظ إبراهيم يقول: «مثل الأوقاف والمباني المملوكة للأفراد كالجدري في وجه المدينة.»، حتى الأوقاف التي تديرها وزارة الأوقاف كانت تستغل استغلالا سيئا، وكثيرا ما يصرف ريعها على موظفي الوزارة، فلا يبقى للمستحقين إلا القليل، أو لا يبقى شيء، وكثيرا ما كانت الأوقاف نهبا للملوك والأمراء، وكبار المزارعين، ومطمعا لذوي الجاه والسلطان، يستولون عليها، أو يستأجرونها بأرخص الإيجار، وأعرف أن دار الكتب مثلا وقف عليها نحو ألف ومائتي فدان، لا تغل إلا القليل، كما أن هذه الأوقاف من ناحية أخرى سببت العطل لمن وقفت عليهم اعتمادا عليها فأسرفوا في شهواتهم، وعاشوا عيشة عاطلة من غير عمل وكانت الأوقاف ضررا عليهم وعلى الأمة، ولو تركوا وشأنهم لاعتمدوا على أنفسهم، وبحثوا لهم عن عمل يرتزقون منه، وكثير من المستحقين يلجأون إلى اليهود، يستدينون منهم على أوقافهم، بأرباح فاحشة، فلما رأت الحكومة التركية مثل هذه الأضرار، ألغتها على يد مصطفى كمال، وتبعه المصريون في إلغاء الأوقاف الأهلية ففعلوا بذلك فعلا مجيدا.
الأولة آه والتانية آه:
قولة مشهورة في الأغاني، يقولون فيها: الأولة آه والتانية آه والتالتة آه، ثم يعودون إلى الأولة آه، ويزيدون عليها كلمة، وهكذا إلى الثالثة، ثم يعودون إلى الأولة، ويزيدون على الكلمة الثانية كلمة ثالثة، وهكذا إلى الثالثة، وهي طريقة مشهورة عند المصريين.
أول ما نبدي نصلي ع النبي:
تعبير يقوله القاصون في أول قصصهم.
أونطة:
كلمة يونانية بمعنى (حيلة) «أفنتا»، يقولون: (دا شغل أونطة) و(بلاش أونطة) و(سينما أونطة هاتوا فلوسنا) و(فلان أونطجي)؛ أي صاحب حيل وخدع.
إيده خفيفة:
تعبير يقال للص الماهر.
إيه بس ذنبي:
تعبير يقوله الرجل أو المرأة عند وقوع عقوبة عليه بذنب لا يعلمه.
إيه ياخد الريح من البلاط:
تعبير يعني إذا حدثت كارثة لشخص فقير، فماذا تأخذ الكارثة منه.
أيوه:
هي كلمة كثيرة على لسان المصريين، بمعنى نعم، وتسأل أحدهم: هل فعلت كذا، أو هل ستفعل كذا، فيقول أيوه؛ أي نعم، ولعلها اختصار من: أي والله، بدليل أن بعضهم ينطق بها كاملة، فيقول: أي والله.
حرف الباء
يزاد حرف الباء في بعض الكلمات دلالة على الشروع في الفعل في الحال، فيقال: أنا باكتب، وأنا بروح ... أي أكتب في الحال.
الباب اللي ييجي منه الريح، سده واستريح:
تعبير يعني الناحية التي يأتي منها الشر، سدها واسترح.
الباذنجان:
هو نوعان: أبيض وأسود، وعند العامة المصريين أنه من مواد المشاهرات، ومعنى ذلك أن النفساء إذا دخل عليها أحد بالباذنجان، ينقطع لبنها، فتسمى مشاهرة، وبذلك تحتاط النساء بأن تضع منه بجوارها، أو تعلق منه بمخدعها حتى يمنع المشاهرة.
وفي اعتقادهم أن ذلك يمنعها، وإذا أحضر لها تخرج من مخدعها إلى ناحية بعيدة، ويضعونه على الأرض ثم تدخل هي وتخطيه سبع مرات، ويكون دائما بجوارها، وكذلك الشأن في مريض العينين.
واشتهرت عند المصريين قصة عن الباذنجان، وقد نظمها شوقي بك في جملة قصصه، وخلاصتها أن سيدا سأل طباخه، ماذا سيطبخ اليوم؟ فقال الطباخ: ما يعجبك، فقال له السيد: ما رأيك في الباذنجان؟ فقال الطباخ: طعام لذيذ: ومن صفاته كذا وكذا، وأخذ يمدحه؛ قال له السيد: ولكنه ثقيل الهضم؛ فأخذ الطباخ يذمه؛ فقال السيد: ولكن كنت تمدحه قبل الآن، قال له الطباخ: هل أنا عبدك أو عبد الباذنجان؟ إذا كرهته كرهته، وإذا مدحته مدحته، يروونها للدلالة على عدم الاستقرار على رأي واحد.
باشا:
هو لقب من الألقاب، التي كان يمنحها الملك أو الخديوي أو السلطان، تبعا لوظيفة أو تبعا لتبرع كبير لعمل خيري، أو اعتباطا أو نحو ذلك، ولها أثر كبير خصوصا في بلاد الأرياف فمن كان باشا كان عظيم الجاه، مسموع الكلمة ولذلك يتنازلون عن كثير من أموالهم في سبيل رتبة.
أعرف رجلا فلاحا ورث بعض فدادين عن أبيه، ثم اقتصد وجد حتى اشترى غيرها، فادعى أنه من الذوات، ثم باع بعض أطيانه واشترى بها لقب «بيك» وصار يتكلم مقلدا «الترك» فيبدأ حديثه بقوله: آه، آه، آه مفخمة، إنت عاوزه إيه يا راجل! أنا موش يعرف، متظاهرا بأنه تركي وليس فلاحا.
ثم باع كثيرا من أملاكه، وحصل على لقب باشا، فزادت وجاهته واستطاع بها أن يظلم من حوله من الفلاحين، وأن يسترد منهم ما دفع في الرتبة وكان في الأزمنة الماضية لقب أفندي أكبر من بيك وباشا، ثم نزلت رتبته اليوم، وصار كل ذي طربوش أفنديا، وكانت هذه الرتب مكملة لسلطة الملوك يستذلون بها الشعب، ويجعلون الناس تشرئب إليهم، وهو نظام يتمشى مع نظام الطبقات، فنظام الرتب والألقاب، والفروق الكبيرة بين الأغنياء والفقراء، وهكذا. ولذلك لما جاء عهد الإصلاح سنة 1952 كان من أول أعماله إلغاء نظام الطبقات بإبطال الرتب والألقاب، وتحديد الملكية الزراعية.
باطه والنجم:
تعبير يعني لا يملك شيئا.
الباع:
هو مقياس من طرف أصابع اليد إلى طرف أصابع الأخرى بفرد اليدين، وهو قياس طبيعي بدائي، استعمل قبل استعمال المقاييس الجديدة، وتقول العامة في أمثالها: «فلان باعه طويل» كناية عن الكرم وباعه طويل في الحكومة، يعني أن له جاها، وفلان باعه قصير؛ أي لا يستطيع أن ينهي الأعمال وليس له كلمة مسموعة ويقولون: أخذ الشيء بالباع والذراع؛ أي بقوة سلطته.
باين مش ناوي يجيبها البر:
تعبير يعني لا يريد أن يسكت.
بجملة دول:
وأحيانا بناقص دول تعبير يعني أن هؤلاء لا يؤبه بهم ولا يلتفت إليهم.
بختك يا أبو بخيت:
تعبير يعني سيعمل هذا العمل لك، وأنت وبختك، فإن كانت النتيجة حسنة فهي لك وإن كانت سيئة فهي عليك.
بخته نادي:
تعبير يعني طيب.
البخور:
طريقته أن توقد المباخر أو الدفايات وتوضع فيها مادة أو مواد ذات رائحة عطرية إذا احترقت من غير لهب، وأحيانا يكتفى بذلك.
ويستعمل البخور في البيوت والمساجد، وكثيرا ما نرى في الشوارع حملة المباخر يطوفون بها على الأسواق ويأخذون من كيس معلق في أكتافهم بعض البخور، ويضعونه في النار، فتهب منها رائحة عطرية تبقي زمنا طويلا، ولهم على بعض الدكاكين راتب شهري أو أسبوعي نظير تبخيرهم الدكان، وأحيانا يوقدون المباخر أمام الجنائز، وأحيانا يتلون مع البخور بعض العزائم التي يزعمون أنها تقي العين، وقد يضيفون إلى البخور بعض الشب وبعض حبات حمر يسمونها عين عفريت، ومن عادة الشب أنها إذا احترقت تكيفت بشكل خاص، ويدعون أنها تتكيف بشكل الحاسد، ويدعون أنها تشبه فلانا أو فلانة ممن كان قد حسد، فيفقئون عينها، ويزعمون أن في ذلك فقئا لعين الحاسد.
وفي الحق أن البخور مهدئ للأعصاب، يشعر من بخر أنه قد هدأت أعصابه، وإذا اجتمع البخور وترتيل القرآن في المسجد أو البخور والدعوات في الكنيسة تسبب عنهما تهدئة للأعصاب، ولذلك يكثر استعمال البخور أيضا في الزار مع الطبل والغناء على نغمات خاصة، فيعمل البخور إذ ذاك عمل السحر.
وهم يكثرون عادة من استعمال البخور في الأيام العشرة الأولى من المحرم.
ويدور بعض الناس في الشوارع والحارات بأنواع من البخور مختلفة قد وضعت على أوراق ملونة بألوان مختلفة وينادون به، ولهم عند البخور عزيمة يتلونها ستأتي في موضعها.
واشتهرت في مصر سيدات يقصد إليهن النساء وبعض الرجال للتبخير، وإذا كانت أمراضهن كثيرا ما تكون أمراضا وهمية أو عصبية كان البخور نافعا لهن، ويظهر أن عادة التبخير موروثة من عهد قدماء المصريين، فقد عثر في المقابر القديمة على بعض المباخر.
البدو:
على حدود البلاد المصرية والقرى يسكن البدو، وهم كما قال ابن خلدون: إذا سكنوا بلدة أسرع إليها الخراب، فهم من حين لآخر يغيرون على القرى والمدن فيسلبون وينهبون، وقد امتازوا حتى في الجسم بأن وجوههم ورءوسهم أقرب إلى الاستطالة منها إلى الاستدارة كما هي الحال في الفلاحين، وهم نحاف الأجسام لنوع أكلهم وكثرة حركتهم، وينظرون إلى الفلاحين أيضا كالأتراك نظر احتقار، ولذلك يظلمونهم كثيرا، ويأنفون من تزويج بناتهم لأهل الريف ويقصرون زواجهم على أنفسهم. (انظر الأعراب).
بدوح:
كلمة تكتب على الخطابات لتصل على المكتوب إليه سليمة، وغلا بعضهم فكان يكتبها على السلع التجارية، وعلى فص خاتمه، وأصل هذه الكلمة أن كثيرا من المسلمين يعتقدون في الخواتم والطوالع.
من ذلك خاتم يسمى خاتم أبي سعيد، كان يكتب على رق غزال أو ورق ويعلق تميمة وشكله هكذا:
4
9
2
3
5
7
8
1
6
وبعضهم يكتبه حرفيا هكذا:
ب
ر
و
أ
ه
ط
د
ج
ح
وميزة هذا الخاتم أنك لو جمعت كل سطر طولا أو عرضا وجدت المجموع خمسة عشر، ويجعلون لهذا الخاتم سرا عظيما في بلوغ المأرب وجلب الخير، ودفع الشر، وأنت إذا قرأت الأركان الأربعة، كانت ب د وح، ويعتقدون أن من حملها إذا كان مسافرا لم يجد في سفره تعبا، وإذا كتبت على رسالة وصلت سالمة، وتكتب أيضا للمحبة وتبخر وتتلى عليها هذه العزيمة: «يا بدوح يا بدوح يا بدوح، ألف بين الروح والروح وبحق القلم واللوح، وآدم وحواء ونوح»، ثم تعلق على العنق، أو تحمل على الرأس.
كان في عهدنا كثيرا ما تكتب على الخطابات بدوح بدوح.
البرابرة:
هم جيل منتشر على ضفاف النيل من جزيرة أنس الوجود إلى الشلال الثاني للنيل على مسافة تبلغ مائتي فرسخ تقريبا، ويمتازون بالسمرة الشديدة التي تشبه خشب الجوز، وهم أفتح من السودانيين، وقد امتازوا بالخدمة في المقاهي والفنادق والبيوت وعرفوا بالإخلاص والأمانة والنظافة، كما اشتهروا بسرعة الغضب وقلة الفهم، حتى لو أتى أحد منهم من المصريين بما يدل على غباوته قالوا: «برابرة يا رسول الله»، وإذا اغتنوا قليلا من عملهم في الفنادق والمقاهي رجعوا إلى أوطانهم من حين لآخر، فأمدوا أهلهم بالأموال، كما يفعل المهاجرون إلى أمريكا من اللبنانيين، مع الفرق الواسع في الغنى والثروة، ومن أشهر أعمالهم الخدمة في البيوت سفرجية أو طباخين أو فراشين أو بوابين، والخدمة في القهاوي والفنادق، ويغلب أن يكون عليهم رئيس رومي، فهم يحضرون القهوة أو القازوزة، والرومي هو الذي يأخذ الثمن والبقشيش، وقد اصطنعوا الآن حرفة جديدة، وهي أن يقفوا أمام الفنادق أو البنوك أو المحلات أو البيوت إذا كان فيها ولائم ويحفظون السيارات من أن تسرق أو يسرق منها، ويهدون سائق السيارة كيف يخرج من وسط الزحام نظير قرش يدفع لهم من كل صاحب عربة، ومنهم من احترفوا حرفة سائقي السيارات، وقبل إلغاء الرقيق كانت البيوت مملوءة بالجواري السود من البرابرة أو من السودانيات، وكن يختلطن بالعائلة كأنهن أحد أفرادها.
وتجد في القاهرة اليوم طوائف من البربريات زوجات البرابرة يسرن جماعة ويتكلمن لغة بربرية.
البرابي:
هي آثار قدماء المصريين ومومياؤهم وهم يتبركون بها، وهي منتشرة في القطر المصري خصوصا الصعيد، وقد كانت الكتابة الهيروغليفية التي عليها مجهولة إلى عهد شامبليون حين اكتشف حجر رشيد، ومع ذلك قبل أن يكتشف هذا الخط كانوا يدعون أن بعضهم قد ترجم ما عليها فيزعمون أن ذا النون المصري الصوفي المشهور كان يحسن قراءتها وترجم ما عليها ، وكذلك نجد في كتب التاريخ القديمة بعض أنماط من ترجمتها، وإنما هي نصائح تخيلوها ومواعظ أحكموها، دلت القراءة الحديثة على عدم صحتها.
البراغيث:
كانت البراغيث آفة من الآفات المصرية، ومن أكبر المصائب في زمن الشتاء، وخصوصا في بلاد الريف حيث تكثر الوسائخ، وقد قلت بالنظافة واستعمال الأدوية المطهرة القاتلة للحشرات، ومن الأمثال المنتشرة «زي براغيت القنطرة، قلة وزنظرة»؛ أي إن البراغيت قليلة الجسم، ولكنها تنط، ومن أقوال الشدياق:
يا ليلة ما أسفرت عن صبح
من البراغيث السراع الكفاح
بت بها أغزى وأغزو وما
لدي إلا حد ظفري سلاح
من كل ذي ناب يكاد إذا
جن الدجى ينشبه في السفاح
ما إن يرى بدا عن الفتك بي
ولو ملأت الفراش لحما وراح
وهناك نوع من الحلوى صغير أقل من الحمصة ملون ألوانا مختلفة يسمى «براغيت الست»؛ لأنه في حجم صغير جدا يشبه البرغوث، وقد قل هذه الأيام.
برج:
هي في لسان الفلكيين أمكنة في السماء تنتقل فيها الشمس، وكل برج من الأبراج يدل على معان، وعندهم أن لكل كوكب أبراجه وطبيعته، ولكل يوم من أيام الأسبوع سلطنة كوكب، فيوم الأحد كوكبه الشمس، طبعه حار يابس، معدنه الذهب، ملكه العلوي رفاييل، والسفلي «ميمون»، ويوم الإثنين كوكبه القمر طبعه بارد رطب، معدنه الفضة، ملكه العلوي جبريل، يوم الثلاثاء كوكبه المريخ، طبعه حار يابس، معدنه النحاس، ملكه العلوي ميخائيل، يوم الأربعاء كوكبه عطارد، طبعه ممتزج، معدنه الزئبق، ملكه العلوي ميكائيل، يوم الخميس كوكبه المشتري، طبعه حار رطب معدنه القصدير، ملكه العلوي إسرافيل، والسفلي شمهورش، يوم الجمعة كوكبه الزهرة، طبعه بارد يابس، معدنه الحديد، ملكه العلوي عينائيل، والسفلي زوبعة، ويوم السبت كوكبه زحل، طبعه بارد رطب، معدنه الرصاص، ملكه العلوي كسفيائيل، ولهم حسابات طويلة في البروج وطالع الإنسان، فمثلا يوم السبت الساعة الأولى لزحل، الأحد الساعة الأولى لعطارد، الإثنين الساعة الأولى للمشتري، الثلاثاء الساعة الأولى للزهرة، وهكذا، ولكل برج طبع وطالع، فإذا أردت معرفة الطالع فاحسب اسم المطلوب وأمه بحساب الجمل الكبير وأسقط من المجموع 12-12، فالباقي برجه وطالعه وطبعه.
ولهم في ذلك قصائد كثيرة، وإذا عرف الطالع يمكن أن يكتب الحجاب على مقتضاه، ولهم في ذلك كلام طويل وحساب أطول.
ويطلق البرج على برج الحمام، وسيأتي الكلام عليه في الحمام، وللأبنية الكبيرة كالقلاع وسراي السلاطين أبراج يقف فيها الحراس اتقاء للشمس والبرد. (انظر كلمة الطالع).
برد العجوز:
هو اسم لثمانية أيام، وهي الثمانية الأولى من شهر أمشير القبطي، ويظن أن العجائز أكثر بها تأثرا، وتلك التسمية قديمة، فإن العرب كانت تسمي الأيام السبعة بين آخر شباط وأول أزار «أيام برد العجوز»، وأهل الشام يسمون هذه الأيام «عدو العجائز».
برطمة:
يقولون: فلان يبرطم زي الترك وغرضهم أنه يتكلم كلاما غير مفهوم، ولا يسمع منه إلا حروف غامضة خشنة غليظة ثقيلة، وما كان أكثر ما يبرطم التركي، ويشتم المصري ويحتقره، وكقولهم: «وكور عرب» بمعنى فلاح أعمى؛ لأن العمى في مصر أكثر منه في بلاد الترك، وقبطي عرب؛ أي عرب قبطي، وبس عرب؛ أي عربي قذر، عرب عقلي؛ أي عقل عربي، يعني سخيف، عرب طبيعتي؛ أي طبيعته طبيعة العرب دنيئة، وإذا أراد أن يؤكد شيئا، قال: إن فعلت هذا أكون من العرب، وإذا سئل كم كان عددكم في هذه المجلس؟ قال: ثلاثة ومصري، أو أربعة ومصري؛ لأن المصري غير محسوب.
البرقع:
البرقع غطاء يغطي وجه المرأة وكان يلبسه بنات البلد، ويكون من الكريشة أو الحرير الأسود المكرش، وكان يصنع بالمحلة الكبرى ضمن ما يصنع، ويعلقن فيه قصبة، وهي تختلف باختلاف الغنى والفقر فقد تكون القصبة من الذهب أو من الفضة المطلية بالذهب، أو من النحاس كذلك، ومنه نوع يسمى المشخلع، هو برقع مخرق خروقا واسعة وضيقة، مرتبة على أشكال هندسية من مثلث أو مربع أو مخمس، وغير ذلك.
ونساء الشرقية تضع على البرقع قطعا من الذهب تسمى غازي أو بندقي، والفتيات منهن يرتبن تلك القطع صفوفا من أول البرقع إلى آخره، ويضعن تحت القصبة مرجانا، وتلبسه الفتاة في الشرقية مثلا بعد العاشرة.
وأما نساء البحيرة فلا يضعن قطع الذهب على البرقع وبعض النساء لا يضع قصبة، وبعضهن يلبسه من النوع الأبيض، وبعض الفقيرات يتبرقعن بقطعة قماش من النسيج السخيف من القطن أو الكتان ويعلقن بدل القصبة عقلة غاب.
وكان البرقع في أول أمره أبيض أو أسود من النوع السميك، وكان عريضا حتى يداري صدغي المرأة إلى أذنيها، وقصبته قطعة قماش منه، وكان البرقع يثير في نفوس الرجال حب الاستطلاع ويثير الخيالات فهو يستر وجه المرأة إلا العينين.
ومن أمثلة العامة في ذلك «ياما تحت البراقع سم ناقع»، ومن الأمثلة أيضا التي تتعلق بهذا «لبس البوصة تبقى عروسة» وأصله أن عروسة البرقع عبارة عن قطعة من القصب أو الغابة لبست بقطعة من الذهب أو الفضة أو النحاس، فإذا ركبت على الغاب، سميت عروسة ولم تكن قبل ذلك إلا غابة، وكنوا بهذا عن أن الفتاة أو المرأة إذا حليت بالثياب كانت عروسة جميلة.
وقد أخذ البرقع في الزوال شيئا فشيئا بناء على الدعوة إلى السفور ومصيره على ما يظهر دار الآثار، وليس للبرقع علاقة بالعهر، فقد تفجر المحجبة وتعف السافرة.
البركة:
هي سر الله والأنبياء والأولياء في الأشياء، فمتى حلت البركة في شيء كفى الحاجة وربا ونما؛ فمثلا إذا كانت البركة في المال سد مطالب كثيرة، ولذلك قالوا عند ذلك «حصلت البركة»، وإذا لم يكن فيه بركة تشتت من غير أن يقضي الحاجات، وقالوا فيه: قلت بركته، وكذلك في الأعمار فهم يقولون: إن العمر إذا كان مباركا أنفق على كثير من وجوه الخير، وإذا قلت بركته أنفق في غير طائل، وكذلك في الأشخاص، فالرجل المبارك هو الذي يكون مصدر سعادة لمن حوله، وغير المبارك من لم تكن منه هذه السعادة، وهكذا في كثير من الأشياء.
وسموا نوعا من البذور حبة البركة تيمنا بها، فهي في اعتقادهم تشفي كثيرا من الأمراض، وزيتها كذلك ينفع خصوصا في أمراض الصدر، وسموا بركة ومبروك وبركات؛ وقالوا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والتحيات المباركات، وبارك الله فيك ... إلخ، ويقولون عند الزواج والتهنئة بالشيء «مبروك»، ومن دعائهم «بارك الله فيه»، ويستعملون الكلمة في الفرحة بالاستغناء عن شيء فيقولون: «والله بركة» في شيء يستغنى عنه في سرور، وإذا وجدوا المسجد مغلقا قالوا: «بركة يا جامع اللي جات منك وما جتش منا.»
بركة اللي جات منك ولا جاتش منا:
تعبير يعني أحمد الله على أن هذا الأمر الذي أريده قد أتى منك ولم يأت مني.
برمكي وبرامكة:
في لسان المصريين تطلق كلمة «برمكي وبرامكة» على الذين فقدوا الغيرة وأتوا بأعمال جنسية مشينة، مع أن البرامكة في عهد الرشيد كانوا من خيار الناس وكانوا أبعد عن هذا المعنى، ولكن يظهر أن الرشيد لما نكل بهم كان أتباعهم يختفون ويتبرءون منهم، وما زالوا كذلك يتناسلون حتى سقطوا في الرذائل، وسبب آخر، وهو أن البرامكة كان لهم مغنون ومغنيات أيام عزهم، فلما نكبوا تسكع رجالهم ونساؤهم على البيوت للإيجار فسقطوا من أعين الناس ورموا بهذه الشنائع، وفي التاريخ بعض الأمثلة على هذا فمن القبائل التي نزلت الفسطاط في عهد الفتح قبيلة تسمى «بالعتقاء» ولكن يظهر أن القبيلة سقطت بعد ذلك في البؤس والفقر، فأطلق على مصلح النعال القديمة «عتقي»، وكذلك «حرام» كانت قبيلة مشهورة بالشدة والبأس، تنازعها الشدة قبيلة أخرى مثلها تسمى «سعد»، فما زالت «حرام» تنحط حتى قيل لكل لص حرامي.
بريه منك بريه:
تعبير يقال للتأفف من شخص، وربما كانت للاستغاثة، وكثيرا ما تصحب بمسك الملابس، كأنه يريد أن يمزقها.
بس:
يقولون بس بمعنى فقط، وبالكسر زجر للقط، ومن هذه المادة بسبسة وهي كلمة تستعملها العامة للكلام الخفي غير المفهوم يقولون لمن فعل ذلك: بلاش بسبسة، أو ما تبسبسش وفي اللغة بثبث، يقال: فلان يبثبث المتاع؛ أي يقلبه ويحركه، ومن الغريب أن بس لزجر القط، وبسبس لمؤانسته، ويستعملون بس استعمالا غريبا يصعب ترجمته مثل قولهم في إحدى الأغنيات:
يا عطارين دلوني
عالصبر فين أراضيه
ولو طلبتوا عيوني
خدوها بس ألاقيه
بشرقة:
يقولون: «إن صح العيش، يبقى الباقي بشرقة»؛ أي يكون ترفا، ويقول الطفل هات قرش أتبشرق به؛ أي أتنزه ، ويسمون اللب الذي يقزقزونه للتسلية أو الفستق أو ما ماثل ذلك بشرقة.
بصاص:
يقال للجاسوس «بصاص من بص» بمعنى نظر.
البصبصة:
لنا في تخريجها رأيان: الأول أنها مأخوذة من بص بمعنى نظر، تكررت فصارت بصبص، ورأي آخر وهو أن أصلها وصوص، الوصوصة نوع من النظر بالعين يقال: وصوص الكلب إذا نظر، وللمصريين خصوصا في العهد الماضي شهرة في البصبصة هذه قد اعتادوها في النساء واعتادها النساء من الرجال، ولذلك تتزين المرأة وتتجمل كأقصى ما يكون، وتتخلع في المشي خصوصا أمام الرجال، وتمعن النظر في المرآة حتى تتأكد من أن زينتها وهيأتها على ما ترغب، ثم تمشي في الشارع، أو قل تتعمد المشي في الشوارع المملوءة بالحوانيت والمقاهي، فيتعرض لها السوقة بألفاظ تدل على الاستجمال والاستحسان والاستلطاف، فيقول الرجل مثلا: الله الله، يا عيني يا عيني؛ يا حافظ يا أمين، إيه دا الجمال ده، والله ما فيش كدا أبدا، والله ما فيش غيرك، قتلتنا والنبي ترحمي، آدي الغزال، آدي الجمال، هز يا وز، ما شاء الله، يا ست، يا باشا، يا روحي يا قلبي، يا بخت اللي قاني ... وإذا كانت سمينة قالوا لها: يا تخت، يا جمل، يا مربوب؛ فتزيد هي في خلاعتها، وإذا لم تسمع مثل هذه الكلمات رجعت إلى بيتها حزينة ونظرت في المرآة لترى ما جعل الرجال يعرضون عنها، وكل هذا دليل على غلبة الشهوة على هؤلاء وهؤلاء، ومن النساء من تبصبص للنساء، فإذا رأت المرأة امرأة جميلة غازلتها أيضا ولافت عليها وقد تحتك بها، ويعجبني قول بعضهم في النساء المصريات بعد أن ذكر غيرهم من الأجناس، فقال: إن المصريات ألطف كلاما وأرق طبعا، وأحسن وجوها، وأعذب منطقا ومحادثة، وأكثر شبقا من جميع النساء، والبدويات أكثر متعة للرجال ... إلخ مما لا يصح أن نذكره.
ولهذه الشهوات كثر العشق والغرام والتغني بهما، فلا تكاد ترى أغنية لم يصف فيها العاشق رغبته في الوصال، وألمه للهجران، ولذلك ألف السيوطي وهو عنوان المصريين كتبا كثيرة في هذا الباب أستحي من ذكر أسمائها، وهو معذور في ذلك؛ لأنه كان في وسط مملوء بهذه الشهوات وربما اكتسحت المدنية كثيرا من هذه العادات، واخترعت أساليب أخرى كصور النساء العاريات، وحسن الحديث الخاص، والتلميح البعيد في التغني بجمال المرأة ورشاقتها وحسن حديثها إلى غير ذلك.
بصل:
إنما أذكره لأذكر شيئا من عادات المصريين في البصل، إن الجن إذا صحبت إنسانا وأرادت أن تهدي إليه شيئا أهدت إليه قشر بصل، فإذا طلعت الشمس انقلب ذهبا، ومن فوائده عندهم أنهم يعصرون البصل وينقطون نقطا منه في العين إذا كانت مقرحة، فتشفى بإذن الله، وأحيانا يضعون من قطرة البصل هذه في عين الأرمد بعد أن يضاف إليها قليل من الشيح، ويداوون من هذه القطرة المغمى عليه بوضع شيء في أنفه، وفي زمن الأوبئة يكثرون من أكل البصل وشمه، ويعتقدون أن الإنسان إذا دخل بلدا جديدا كان أول ما يأكله البصل، ومن أمثلتهم في ذلك قولهم: «بصلة المحب خروف.»
ومن الأمثال أيضا «بصل بخمسة وبخمسة بصل»، تقول إذا ذكرت كلاما لمعنى خاص وذكر من تكلمه كلاما طويلا لا يخرج عن هذا المعنى، أي إن معنى هذا الكلام هو معنى ذلك، ويقول أهل الجزائر: «الحاج موسى، موسى الحاج» ويقول الأتراك: «يا علي يا ولي يا ولي يا علي»، ويستعمل البصل كثيرا في ليلة شم النسيم ويعلق على أبواب البيوت وعلى السرير وعلى الغرفة اعتقادا بأن الأرواح الشريرة إذا حضرت وشمت البصل ذهبت ولم تعد ...
بصلة المحب خروف:
تعبير يعني القليل من المحب كالكثير من غيره.
بص له عاوز يفصل منه بدلة:
تعبير يعني نظر إليه نظرا دقيقا، حتى لكأنه يريد أن يفصل منه بدلة، كالخياط.
بضلة:
يطلقونها على الرجل البليد الجامد المغفل، وهي تركية الأصل، أصلها بود لا.
بط:
البط معروف، فيقولون: بط الفطير أو بطبطه أو بططه، إذا قطعه وخبطه بيده ليساويه قطعا قطعا قبل خبزه، ويسمون المرأة القصيرة الممتلئة «بطة» وربما كانت محرفة عن بضة، والبط طائر معروف بمصر يستخدم في الأكل كثيرا، ولهم في طهيه تفنينات كثيرة وخصوصا أهل دمياط، ويصفون الأسود منه للمرض بالشلل وخصوصا أكل كبده.
البطاطة:
هي أشبه ما تكون بالبطاطس إلا أنها أطول منه وأحلى، والمصريون يكثرون من أكلها من غير خبز، مشوية، ومسلوقة، وهي طعام كثير من الفقراء، يأكلونها فيستغنون بها عن الخبز. وكثيرا ما ترى في شوارع القاهرة عربات محملة بالبطاطة ينادون عليها، وقد يصنع بعض الباعة على عرباتهم فرنا صغيرا فيبيعونها ساخنة؛ لأنها خير ما تؤكل ساخنة.
وقد اشتهرت بطاطة سيدي جابر؛ لأنها على ما يظهر تجود في الأراضي التي حوله في الإسكندرية، وقد اشتهر جابر بشيئين: (1) هذه البطاطة. (2) ولحم الرأس، إلا أنهم في المناداة على لحم الرأس يقولون:
يا جابر فقط من غير سيدي، أما البطاطة فينسبونها إلى سيدي جابر.
وكثيرا ما تنسب المأكولات إلى المشايخ كنسبة الترمس إلى سيدي الإمبابي، البطاطة إلى سيدي جابر، والخص إلى المليجي والحلاوة للسيد، وهكذا.
بطلوا ده واسمعوا ده:
تعبير يقال عند التعجب.
بطن:
يقولون في شتائمهم: جاه البطن؛ أي الإسهال، وفلان مريض بالبطن؛ أي الدسنتاريا؛ أي الإسهال المزمن، ويقولون هذا الشيء بالبطن إذا كان رديئا، ويقولون للنبات إذا قطع ونبت من جديد: إن هذه هي البطن الثانية أو ثاني بطن، ويقولون: خلاها بطن حمار. إذا أفسدها بسوء تدبيره، ويقولون لمن لم يغضب: إن عنده بطنا كبطن السيد، كأن بطن السيد في زعمهم واسعة واسعة، ويروون أنه فتح فمه لأحد الذين اعترضوا عليه وأمره أن ينظر إلى حلقه فوجد في بطن السيد دنيا أخرى، فيها المدن والقرى والمزارع والأنهر والبحار والجزائر والأسماك والطيور والوحوش والملوك والأمراء، ويقولون على الطبقة الأولى من الموقوف عليهم البطن الأولى، وعلى من بعدهم البطن الثانية، ويقولون في وقفيتهم بطنا من بطن؛ أي جيلا بعد جيل.
وقبل أن يتثقف الشعب كان لا يخصص المريض عضوا من الأعضاء، فيقول الرجل بطني توجعني، سواء أكان الذي يوجعه معدته أو مصارينه أو كبده أو كلاه، فلما تقدم الناس في الثقافة الصحية اختفت هذه الكلمة فصار الرجل يقول: معدته تؤلمه، أو كبده، أو نحو ذلك.
ويقولون: بطن الوادي لما ليس بعلاء.
بطيخ:
البطيخ معروف وأجود ما يكون من يافا، ولذلك يقولون بطيخ يافاوي، ثم استجلبوا اللب من شلي وزرعوه وسموه شلين، فكان خيرا من اليافاوي، ويزرع من غير سقي ويسمى ما يزرع كذلك بعليا، وهو أجود مما يسقى بالماء، وإذا كانت البطيخة طرية قالوا لها: بطيخة ماوي، يشربونها كما يشرب الماء، ويعتقد النساء أن البطيخة المشقوقة إذا شمها ثعبان بخ فيها سما، فيكون فيها دود صغير؛ ولكن إذا وضع في قلب البطيخة سكين لا يقربها الثعبان، وخير من ذلك اليوم وضعه في الفريجدير أو الثلاجة فيكون مثلجا لطيفا، وإنما وجد الدود من الذباب يعف عليها لا من الثعبان، وإذا قشر البطيخ وجفف في الشمس كان منه دقيق يضعونه للدجاج أو الوز، ولب البطيخ يجمعونه ويحمسونه في الفرن أو على وابور الجاز، ويضيفون إليه ملحا ويقزقزونه للتسلية، وهي عادة مشهورة، واللب أنواع: لب البطيخ هذا ويسمونه لب أسمر، ولب القرع الإسطمبولي ويسمونه لب أبيض، وقد يعملون من اللب الأبيض هذا مربى، ويضعونه لمن ازداد عنده الضغط الدموي وهم يستعملونه كثيرا عند السمر في الليل، أو الجلوس على القهاوي.
وفي مصر دكاكين كثيرة خصصت لبيع اللب الأسمر والأبيض والحمص والذرة المحمصة، وتسمى «فيشار»، ومن أقوالهم: «حط في بطنه بطيخة صيفي»، بمعنى أنه لم يكترث ولم يهتم.
البطيخة قرعة:
تعبير يقال للبطيخة التي باطنها أبيض للدلالة على ردائتها.
بعبع:
البعبع في لسان المصريين مخلوق غريب مخيف، يخوف به الأطفال، وزعموا أن هذا الاسم من اللغة المصرية القديمة، وأنه عندهم اسم لعفريت مصري قديم، وهو من الأشياء التي تخلع قلوب الأطفال من الصغر، وتنشئهم جبناء، ومن أجل ذلك وأمثاله اشتهر المصريون بالجبن، فكلما بكى الطفل خوف بالبعبع أو أبو رجل مسلوخة «والمزيرة»، ونحمد الله أن زالت هذه الخرافات، واختفى البعبع فكان النسل الجديد أشجع.
البغددة:
هي صفة من صفات الرقة واللطف والظرف، فيقال للمرأة تبغددت إذا رقت، وظرفت في معاملاتها، وكان عندنا خادمة سوداء تسمى مبغددة.
بغلة :
يقال للمرأة إذا عقمت «بغلت»؛ لأن البغلة عقيم، ويقولون للرجل الغبي «بغل»، ومما كان يدور على ألسنة العامة كثيرا حكاية «بغلة العشر» وهي بغلة كانت تظهر - فيما يقولون - في العشر الأولى من المحرم، وبعضهم يطلقها على العشر الأخيرة من رمضان، وتدور في شوارع القاهرة بعد منتصف الليل، وعليها خرج مملوء ذهبا، وفوق الخرج رأس قتيل، فمن كان جيد الحظ عثر عليها، يأخذ ما في الخرج ويملؤه قشر بصل أحمر، وإذا أسعده الحظ وأدخلها إلى بيته، ربما اعتادت ذلك كل سنة، وقد تذهب البغلة على باب المحظوظ من نفسها وتدقه برأسها، فيفتحون لها فتدخل وتلقي ما عليها، وادعى قوم أنهم رأوها، ولذلك كثير ممن كانوا فقراء اغتنوا بلقياههم «بغلة العشر»، ويحكون أن فلانا كان فقيرا، واستيقظ وظل إلى قرب الفجر، فخرج يريد المسجد فوجد الشارع كله مملوءا سلعا، وتقدم أحد الجن فقال له: لا تخف، وملأ له حجره قشر بصل وقشر ثوم، فلما وصل إلى بيته رمى هذا القشر، فلما طلعت الشمس وجده ذهبا وفضة.
وحدث شيخ هرم قال: كنت جالسا مع ثلاثة من زملائي في دار صديق لنا على قارعة الطريق، في الليلة التي تظهر فيها بغلة العشر، وقد عزمنا على تمضية الليل كله سهرا وفي الثلث الأخير من الليل سمعنا وقع حوافر، فقلنا لعلها بغلة العشر! وما خاب ظننا، فقد وجدنا بلغة سوداء تحمل زكيبة، فأدخلناها الدار وأمرنا بإحضار شيء كبير من القمح للبغلة، ووجدنا الزكيبة محشوة ذهبا، ثم طلع علينا عبد أسود، وسألنا: ألم تروا بغلة ضلت عن الطريق فقلنا: لا ... فذهب بعد أن ملأنا الخوف.
ومن الاعتقادات الشائعة أن البغلة إذا حملت وولدت فهذا دليل على انتهاء عمر الدنيا.
وكان العلماء المطمطمون يفضلون ركوب البغلة على الحمار والفرس لسهولة سيرها، وكانت في ذلك تقوم مقام السيارة اليوم، وكان العلماء والعظماء يختصون لذلك بركوب البغال، ومن الأمثال المشهورة «أقول له بغلة، يقول لي حمار»، يقال لمن لا يفهم، ومن الأمثال للفرس: من أبوك قالت البغل خالي.
ووصف ظريف بغلة بطيئة السير فقال فيها:
لك يا صديقي بغلة
ليست تساوي خردلة
تهتز وهي مقيمة
فكأنما هي زلزلة
البق:
البق حشرة صغيرة حمراء اللون، مفرطحة، تقرص، وخصوصا «النائم»، فلا يستطيع معها نوما، وهي أخبث من الناموس ومن البرغوث، وتنتشر في الحجرة القذرة خصوصا إذا كانت فيها أخشاب، فإنها تلبد في ألواح الخشب، وقد قل البق باستعمال المطهرات والتزام النظافة، وهو كثير الولادة، ويقول العامة في أمثالهم: «زي البقة تولد مية وتقول يا قلة الذرية.»
ويعتقدون أنه يمكن التغلب عليه بالتعويذة الآتية: تكتب أربع ورقات وتلصق على أركان الغرفة «يس والقرآن - لو أنزلنا هذا القرآن على جبل - لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم» اذهب أيها البق والبرغوث والنمل بإذن الملك الحق وبألف لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ويبخر الورق بعد كتابته بحصا ولبان ذكر.
بقه بينقط شهد:
بقه بمعنى فمه، تعبير يعني أن فمه يخرج منه كلام لطيف، أشبه بالشهد.
بقر من غير قرون:
يقولون لمن كان جهولا شديد الغباوة، كأنه لا فرق بينه وبين البقر في عقله إلا القرون، فإن البقر بقرون وهو بغيرها.
بقشيش:
هو بمعنى منحة صغيرة تمنح لمن خدمك خدمة صغيرة كأن يقدم لك قهوة أو يدلك على طريق أو يحضر لك عربة أو نحو ذلك، وأحيانا يسمون البقشيش حق الدخان، اعتاد الإنجليز عادة حسنة بأن يضعوا البقشيش في طبق أو نحوه، ويغطوه بورقة ونحو ذلك حتى لا يجرح إحساس آخذه، وقد غالى فيه المصريون فكثر عندهم من يتطلب البقشيش، فإذا زرت أحدا وخرجت إلى الشارع لتركب سيارتك وجدت من ينتظر البقشيش، وهكذا في كل خطوة، وقد وضع أحمد فارس الشدياق في كتابه «الساق على الساق» مقامة لطيفة في البقشيش فإن زوجته في أول يوم طلبت منه بقشيشا؛ لأن جارا له تزوج، فلما كان اليوم الثاني ولد لبعض جيرانه ولد فطلبت البقشيش، ولما كان الثالث قالت: إن أحد جيراننا ختن ابنه وطلبت البقشيش، ولما كان اليوم الرابع قالت: إن بعض جيراننا ولد له ولد، فلما كان اليوم الخامس قالت: إن أحد أولاد الجيران قد ختم القرآن، فلا بد من البقشيش، ولما كان اليوم السادس قالت: إن أخاه قد أحرز في المكتب درجة ولا بد من البقشيش، ولما كان اليوم السابع قالت: إن جارتنا فلانة ذهبت إلى الحمام بعد نفاس ولا بد من بقشيش، ولما كان اليوم الثامن قالت: إن إحدى جاراتنا ليلة الحناء لها ولا بد من البقشيش، ولما كان اليوم التاسع قالت: إن أحد جيراننا قد قدم من الحج ولا بد من البقشيش، ولما كان اليوم العاشر قالت: إن أحد جيراننا قدم من سفر ولا بد من البقشيش، فلما ضاقت به الحال قال: أيتها المرأة ارشدي وأنصفي واقصدي إما أن تكفي عن هذا الإنفاق وعن تكليفي ما لا يطاق، وإلا فالفراق والطلاق. والبقشيش إحدى المصائب الثلاثة المصرية وهي البقشيش ومعلهش وأنا مالي.
بكرة:
تستعمل في لسانهم بمعنى غدا، والذي يريد أن يعد ولا يفي يقول بكرة، ومن أمثالهم: بكرة نقتل الغراب، تقال مثلا لمن يقول ولا يفي، وأصل المثل أن الضفادع تجتمع في الماء ليلا وتنق ويزعمون أنها في نقيقها تقول: بكرة نقتل الغراب، وقد استوحوا هذه الجملة من صوت نقيق الضفادع؛ لأن الغراب إذا رأى ضفدعة اختطفها، ويزعمون أن الضفادع تختفي بالنهار خوفا منه ولا تعمل شيئا، فيطلقون المثل على من يقول شيئا ولا يفعله، ويسمون هذا أيضا «جخ» ومن أمثالهم أيضا: «بكره نسمع وبعده نشوف» وهو أشبه بالمثل العربي القديم «عش رجبا تر عجبا»، «ومن أمثالهم أيضا: بكره نعد على الفرش وننفش»، يضربونه في موضع أنهم سوف يتلاقون غدا، ويظهر فيه كذب المدعي.
ومن أمثالهم أيضا: «بكره يفتح السوق ويبان العطار من البيطار» يعنون بذلك «ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا»، ومن أمثالهم أيضا بكره العيرة ترجع لأصحابها «يعنون بذلك أن العارية لا ثبات لها وهي كقول ابن الوردي:
والروح فيك وديعة أودعتها
ستردها بالرغم عنك وتسلب
البلا:
يطلق عادة على مرض الزهري، وكان اعتمادهم في مداواته على شرب الزيت الحار النقي، وقد يعالجونه بأن يوضع شيء من الملح الجريش في خرقة، ويغلى الزيت الحار في إناء ويغطس فيه الملح، ثم يخرج وهو ساخن حار وتكوى به القرحة، وأحيانا يملأون مجمرة من الفحم حتى يحترق، ويصير نارا، فيدخلونها إلى قاعة سدت كل نوافذها، ويأتون بنرجيلة (أي شيشة) ويدخنون التمباك بالزرنيخ، ويأمرون المريض أن يدخنها حتى تنتهي، فيشعر بارتخاء في المفاصل.
بلاش:
أصلها بلا شيء، ولكنهم جعلوها كلمة واحدة، مثل قولهم: «البلاش كتر منه»، ويستعملونها كثيرا في معنى النهي، فيقولون «بلاش هيصة»؛ أي لا تهيص، وبلاش خبص، وبلاش جرسة، وبلاش فضيحة، وبلاش دوشة، وبلاش شيطنة، وبلاش لؤم، وبلاش بهدلة، وبلاش بهللة، إلخ ...
بلاش أفش:
ويقولون أفشله؛ أي نقد وأخذ عليه مآخذ. (انظر القفش).
البلاش كثر منه:
تعبير يعني الشيء الذي لا تدفع فيه ثمنا أكثر منه.
بلاش هتك:
مثله هتايك، ومثله بلا جرسة وهتيكة، تعبير يعني لا تعمل ما يسبب الفضيحة.
البلاص:
والأصح البلاصي؛ لأنه نسبة إلى بلد في الصعيد، يقال لها: البلاص، وهو يلعب دورا كبيرا في الأرياف، خصوصا لأنهم يملأون به الماء من الترع والأنهار كل يوم، وللفلاحة مهارة كبيرة في كيفية وضع البلاليص على الرءوس، وكثيرا ما تغزل الفلاحون في النساء يحملن البلاليص، ويعدن إلى بيوتهن تغنين.
بلانة:
البلانة امرأة تغشى البيوت، ويكون عملها مساعدة ربة البيت أو بناتها فيما يلزمها في الحمام، من نزع الشعر من على الوجه والعانة بحلاوة السكر المعقود أو نحوها، وهي التي تتولى شئون الفتاة عند زواجها، فهي التي تدخل مع العروس في الحمام، وتهيئها وتنظفها، وهي التي تحني الفتاة في ليلة الحناء، وتجعلها في ليلة الزفاف.
وقد تكون واسطة إذا كانت هناك علاقة حب وغرام، وهي لا تكون عادة إلا في بيوت الأغنياء، والطبقة الوسطى الشبيهة بها.
البلح:
هو في مصر أنواع كثيرة: من أشهرها البلح الأمهات، والبلح الحياني، والبلح الزغلول، والبلح السماني، وبلح ابن عيشة، ولأن البلح الحياني كبير غليظ قالوا أحيانا في المرأة: «إنها صوتت صوتا حياني»، وأحيانا يستخرجون منه الخمر، ويأكله كثير من المصريين ، وهو غذاء طيب لطبقة كبيرة من الفقراء بأنواعه المختلفة وقد ذهبت مرة إلى الواحات الخارجة، فوجدت أكثر طعامهم البلح والأرز، ومن أشهر أنواع البلح ذلك الذي يأتي من الحجاز، فأكثر الحجاج تكون هديته عبارة عن كمية من البلح الحجازي الناشف، وكمية من ماء زمزم معبأة في أوان من الصفيح، وكثيرا ما يضعون البلح في فتلة ويعلقونها في رقبة الطفل طلبا للبركة.
البلغة:
البلغة حذاء من جلد أصفر واسع يلبسه بعض الرجال خصوصا معلمي الصنايع، كالبناء الكبير والمبيض الكبير وخصوصا المغاربة أيضا، ويظهر أن أصله من فاس في المغرب؛ لأنهم ينادون عليها «البلغة الفاسي»، وكثيرا ما كنا نرى في الشوارع وعلى القهوات منادين ينادون عليها، ويعلنون عن جودتها، بخبط أحد النعلين على الآخر.
والأحذية أيضا فوضى كسائر أنواع الملابس، فمنهم من يلبس البلغة هذه، ومنهم من يلبس المركوب الأحمر المحني مقدمه شبه المركب، ومنهم من يلبس المركوب المستقيم، والمحدثون يلبسون الجزمة، وعلى كل حال تعددت نعال الرجال بحسب أذواق لابسيها وحكم صناعتهم.
وفي القاهرة مكان يسمى التربيعة تباع فيه البضاعات المغربية من بلغ وبطاطين، وحرامات ونحو ذلك.
ومن غريب الأمر أنه كان في هذه التربيعة تاجر يبيع البلغ والبطاطين المغربية، فعثر على نسخة مخطوطة من كتاب أمالي القالي، طبعها لأول مرة في مطبعة دار الكتب.
بلطجة:
يطلقونها على عدم الاكتراث وأكل حقوق الناس بالباطل، يقال فلان يبلطج إذا كان مثلا عليه دين فلم يؤده، وبلطجي للشخص القوي الذي يأكل مال الناس ويستهتر ويعيش عيشة بوهيمية غير مكترث بأحد، وهذا الاسم مستعمل في القاهرة، وفي هذا المعنى يستعمل الإسكندرانيون كلمة «أبو أحمد» وهي نظير الكلمة القديمة التي كانت تستعمل في هذا المعنى هي «الفتوة».
بلكي:
يستعملونها بمعنى ربما أو لعل، فيقولون بلكي كذا، وهي فارسية الأصل للدلالة على الشك.
بلها واشرب ميتها:
يقولونها في الورقة أو الوثيقة لا يريد الرجل أن يتقيد بها.
بليلة:
هي قمح أو ذرة، تغلى حتى تنضج، والمترفون يضيفون إليها لبنا حليبا وسكرا، وقد يضيفون إليها أيضا زبدة .
وهناك بليلة شركسية، وهي أن تسلق الذرة بكيسانها قبل أن تجف، فتكون لذيذة الطعم، وكنت في صباي أمر في الشوارع فأجد بائع البليلة جالسا على كرسي وأمامه النار وعليها طشت كبير فيه بليلة ساخنة، إما من القمح، وإما من الذرة، وبجانبه مقطف فيه سكر، فأشتري منه بمليمين، وهذا يكفيني، أما إذا كنت غنيا فإني أعاف البليلة وأفطر فطيرة بسمن بقرش، وقد اندثرت هذه العادة إلا في القليل النادر.
بنات الهوى:
هو اسم يطلقه المصريون على العاهرات، وهو إطلاق لطيف، لأنهن أصبحن أسيرات الهوى والضلال، والمراد بالهوى هنا العشق والغرام وما يلزمها وقد اطلعت على رسالة لمؤلف يهودي مصري سماها: «باريس وملاهيها، وبنات الهوى فيها» يقصد منها تعريف المصريين عن كيفية العشق والغرام، في أزهى مدينة أوروبية، ويحثهم على عدم إهمال الحظوظ في الحياة والمبادرة إلى الانغماس في المدنية الأوروبية، ويصف محلات أولئك النساء وطريقة مخادنتهن.
بندر:
تطلق على المدينة فيها أسواق تجارية وموظفو حكومة، وهي على ما يظهر كلمة فارسية، بمعنى مركز تجاري، ولذلك يسمون رئيس التجار «شاه بندر»، ويقولون: شاه بندر التجار؛ أي رئيسهم، فكأن كلمة بندر رئيس القرى.
بندقي:
هو نوع من النقود يظهر أنه كان يضرب في البندقية؛ فالعامة تسميه بندقي، ولا أدري لماذا اعتقد فيه العوام أنه من أسباب المشاهرات، فإذا دخل أحد ومعه بندقي أصيبت المرأة بالمشاهرة، أعني بالعقم.
ولهذا تعتاد الوالدة أن يكون معها (بندقي)، حتى إذا دخل أحد ومعه بندقي لم يضرها، وكذلك كان يعلقه في رقبته من به مرض بعينه استشفاء به، وكذلك المرأة عند طهرها من الحيض تضع البندقي في وعاء وتصب عليه الماء سبع مرات لئلا تعاق عن الحمل.
ويزعم بعض الناس أن من فوائده أنه تحلب عليه النجوم، وذلك أن بعض من يدعون السحر يضعون بنادقة في الماء ويجلسون فوق السطوح ليلا ومعهم الإناء الذي فيه البندق والماء، وعند طلوع نجم مخصوص يزعمونه يتلون العزائم ويشيرون إلى ذلك النجم، فيدعون أنه ينزل ماء في ذلك الإناء فيحافظون عليه جدا ، ويدعون بأنه دواء لكل الأمراض الجلدية، تشفي منه دهنة واحدة من هذا الماء، من جرب وزهري وخراجات ونحو ذلك. (انظر حلب النجوم).
بنديرة:
قطعة من الرق تشد على وعاء من النحاس، سعة آنية الطعام، المسماة «سلطانية» يضربون عليها بقطع من الجلد في الأذكار ضربات متنوعة.
بني آدم طير، ما هو طير:
تعبير يقال للرجل يتنقل في أماكن مختلفة بسرعة، فكأنه طائر يطير، وما هو طير، أصله: يا له من طير.
بني:
نوع من السمك يقال له: سمك بني، ذنبه أحمر، وشوكه الذي بجانبه أحمر، وقد وضعت عليه العامة أغنيات من أشهرها:
بني يا سمك بني
متنقرش ومتحني
طول الليل وأنا داير
وسمكي معي باير
طول الليل وأنا بموت
حاطط راسي على الزعبوط
مستني الحليوة تفوت
يزول الوجع مني
بني يا سمك بني
البهاء زهير:
إنما أوردناه مع إقلالنا من الأعلام؛ لأنه كان شاعرا مصريا تغلب فيه الروح المصرية والعبارة المصرية في أشعاره، ولذلك لا ينتظر القارئ منا تاريخا لحياته، وإنما توضيحا لرقته ورقة أسلوبه كقوله:
أرحني منك حتى
لا أرى منظرك الوعرا
فقد صرت أري بع
دك عني الراحة الكبرى
فما تنفع في الدن
يا ولا تنفع في الأخرى
لقد خاب الذي كن
ت له في شدة ذخرا
فكلمة منظرك الوعر، وفلان لا ينفع في الدنيا ولا في الأخرى، وبعدك راحة، كلها تعبيرات مصرية ظريفة، وقوله:
أوحشتني والله يا مالكي
قطعت يومي كله لم أراك
هذا جفاء منك ما اعتدته
وليتني أعرف ما غيرك
فكلمة أوحشتني، أعرف ما غيرك، تعبيرات مصرية ظريفة.
وقوله:
إن شكا القلب هجركم
مهد الحب عندكم
لو علمتم محلكم
بفؤادي لسركم
قصروا عمر ذا الجفا
طول الله عمركم
شرفوني بزورة
شرف الله قدركم
كنت أرجو بأنكم
شهركم لي ودهركم
فنسيتم وإنما
أنا لم أنس ذكركم
وصبرتم فليتني
كنت أعطيت صبركم
ورأيتم تجلدي
في هواكم فغركم
لو وصلتم محبكم
ما الذي كان ضركم
مات في الحب صبوة
عظم الله أجركم
فكلمة طول الله عمركم، وشرف الله قدركم ، وعظم الله أجركم، كلها تعبيرات مصرية صميمة، وقوله:
لعن الله حاجة
ألجأتني إليكم
وزمانا أحالني
في أموري عليكم
فعسى الله أن
يخلصني من يديكم
فجملة: لعن الله حاجة ألجأتني إليكم، وربنا يخلصنا منكم، كذلك تعبيرات مصرية.
وقوله:
أنا أدري بأنني
قل قسمي لديكم
فإلى كم تطلعي
والتفاتي إليكم
من رآني يرق لي
ضائعا في يديكم
كان ما كان بيننا
وسلام عليكم
فكلمة ضائعا في يديكم، وكان ما كان، تعبيرات أيضا مصرية وقوله:
أصبح عندي سمكة
وكسرة مدرمكة
أردت أن أحضرها
على سبيل البركة
فكلمة على سبيل البركة تعبير مصري، وقوله:
يا حسن بعض الناس مهلا
صيرت كل الناس قتلى
أسرت جنونك بالهوى
من كان يعرفه ومن لا
يا هاجري لا عن قلى
هجر ابنة المهري طفلا
لم تلق غير حشاشة
من مهجتي وأخاف أن لا
ورسوم جسم لم يدع
منه الهوى إلا الأفلا
وبمهجتي من لا أسمي
ه وأكتمه لئلا
عاقت منه الغصن في
حركاته قدا وشكلا
وكشفت فضل قناعة
بيدي عن قمر تجلى
فلثمته في خده
تسعين أو تسعين إلا
واها لها من ساعة
ما كان أطيبها وأحلى
فكلمة: أخاف ألا، ولئلا، من الاكتفاء في التعبير شائع عند المصريين، وكذلك قوله: تسعين إلا فكلها تعبيرات مصرية، وقوله:
ويحك يا قلب أما قلت لك
إياك أن تهلك فيمن هلك
حركت من نار الهوى ساكنا
ما كان أغناك وما أشغلك
ولي حبيب لم يدع مسلكا
يشمت بي العذال إلا سلك
ملكته روحي ويا ليته
رق أو أحسن لما ملك
بالله أحمر خديه من
عضك أو أدماك أو أخجلك
وأنت يا نرجس عينيه كم
تشرب من قلبي وما أنبلك
وما مهز الغصن من عطفه
تبارك الله الذي عدلك
مولاي حاشاك ترى غادرا
ما أقبح الغدر وما أجملك
ما لك في فعلك من مشبه
ما تم للعالم ما تم لك
فكلمة أما قلت لك وملكته روحي، وتشرب من قلبي، وتبارك الله الذي عدلك كلها تعبيرات مصرية، وقوله :
حبيبي عينه قالوا تشكت
وذلك لو دروا عين المحال
أتشكو عينه ألما وفيها
يقال أصح من عين الغزال
ولكن أشبهت لون الحميا
كما قد أشبهتها في الفعال
فكلمة عينه قالوا تشكت، وتقديم عينه كما يقولون مثلا: الراجل قال راح، والبيت قال باعوه، تعبيرات مصرية.
قوله:
وخلائق كالروض رق نسيمها
فسرى وذيل قميصه مبلول
فالجملة الأخيرة مصرية، وقوله:
وردوا نسيما جاء منكم يزورني
فإني عليل والنسيم عليل
وقوله:
رقت شمائله فقلت شمول
وحوى الجمال فقلت ثم جميل
وقسا، فما للين منه مطمع
ونهى، فما للقرب منه سبيل
أهواه: أما خصره فمخفف
طاو وأما ردفه فثقيل
ريان من ماء الجمال مهفف
أرأيت غصن البان كيف يميل
حلو التثني والثنايا لم يزل
لي منهما العسال والمعسول
أحبابنا إن الوشاة كثيرة
فيكم، وإن تصبري لقليل
أيخاف قلب غدركم مع أنه
جار أقام لديكم ونزيل
سأصد حتى لا يقال متيم
وأزور حتى لا يقال ملول
وقوله:
بالله قل لي يا رسول
ما ذلك العتب الطويل
بالله قل لي ثانيا
فلقد طربت لما تقول
كرر لسمعي ذكرها
ودع الحديث بها يطول
بالله لما جئتها
هل كان رد أم قبول
إن عاد لي ذلك الرضا
فلك البشارة يا رسول
لك مهجتي إن صح ذا
ك وإنها عندي قليل
وقوله:
أنت الحبيب الأول
ولك الهوى المستقبل
عندي لك الود الذي
هو ما عهدت وأكمل
القلب منك مقيد
والدمع فيك مسلسل
يا من يهدد بالسجو
ن نعم تقول وتفعل
قد صح عذرك في الهوى
لكنني أتعلل
نفذت معاذيري التي
ألقى بها من يسأل
حتام أكذب للورى
وإلى متى أتجمل
قل للعذول لقد أطل
ت لمن تطول وتعذل
أعتبت من لا يرعوي
وعذلت من لا يقبل
غضب العذول أخف من
غضب الحبيب وأسهل
وقوله:
وقد طاب لنا الوقت
صفا من غير تكدير
فقم يا ألف مولاي
أدرها غير مأمور
وخذها كالدنانير
على رغم الدنانير
أدرها من سنا الصبح
تزد نورا على نور
عقارا أصبحت مثل
هباء غير منثور
بدت أحسن من نار
رأتها عين مقرور
فسابقنا إلى اللهو
ووافينا بتبكير
وفينا رب محراب
وفينا رب ماخور
ومن قوم مساكير
ومن قوم مساخير
ومن جد ومن هزل
ومن حق ومن زور
ورهبان كما تدري
من القبط النحارير
وجوه كالتصاوير
تصلي للتصاوير
ومن تحت الزنانير
خصور كالزنانير
أتيناهم فما أبقوا
ولا ضنوا بمذخور
لقد مر لنا يوم
من الغر المشاهير
فقل ما شئت من قول
وقدر كل تقدير (انظر ابن دانيال والبوصيري).
بهدلة:
معناها عدم اكتراث الإنسان بالملابس التي يلبسها، حتى يظهر منظره غير منسجم.
ويقال: بهدله، يعني أنبه وقرعه، ويقولون: هدومه مبهدلة، وفلان بهدلني، ويقولون: الفقر حشمة، والعز بهدلة، يعنون أن الفقير تكون ثيابه ملمومة عليه ومنظمة، أما الغني فلغناه يوسع ثيابه ويطيلها، فتسمى بهدلة.
وتقول المرأة لزوجها إذا شنع عليها وذكرها بما يشينها: بلاش بهدلة «أي فضيحة»، وشاع في الأيام الأخيرة قولهم: «الحب بهدلة»؛ أي إن الحب يجعل المحب غير مكترث بنفسه ولا بملابسه؛ إذ كل تفكيره فيمن يهواه، فهو مبهدل الثياب.
بهرجة:
بهرجة الثياب حسنها ولمعانها، ويقال للمرأة التي تغالي في الزينة متبهرجة، وتستعمل أيضا في الكلام المزوق، وخصوصا المكذوب، وهو أقرب إلى المعنى الأصلي للكلمة فالدرهم المبهرج: المزيف.
بهلوان:
البهلوانية طائفة معروفة يمشون على حبال تشد على عمد أو نحوها، مرتفعة على الأرض بنحو خمسة أمتار، ويمسكون في يدهم عصا من الذهب تكون عادة ثقيلة، لضبط موازنتهم، وقد بلغ بعضهم في ذلك حدا بعيدا من الإتقان، فهم يأتون بحركات غريبة على الحبال؛ بل قد يذبحون الخروف والشاه وهم واقفون عليها، وعادة تستدعى هذه الطبقة في الأفراح الكبيرة كفرح أنجال إسماعيل باشا.
بوز:
يطلقونها على فم بعض الحيوانات فيقولون بوز الكلب، وبوز القرد، وأحيانا يطلقونها على فم الإنسان لتحقيره، ومن عاداتهم إذا غضب أحدهم أن يمد فمه، فيقال: بوز، ويقولون: «ما لك مبوز.»
البوصيري:
هو صاحب البردة المشهورة والهمزية المشهورة أيضا وكان كبير الكتاب ببعض المحاكم الشرعية، وقد وصف وصفا بديعيا الكتاب والقضاة في زمنه، وأخذهم الرشوة فيقول:
نقدت طوائف المستخدمينا
فلم أر فيهم رجلا أمينا
فقد عاشرتهم ولبثت فيهم
مع التجريب من عمري سنينا
فكم سرقوا الغلال وما عرفنا
بهم، فكأنهم سرقوا العيونا
ولولا ذلك ما لبسوا حريرا
ولا شربوا خمور الأندرينا
وقد طلعت لبعضهم ذقون
ولكن بعدما حلقوا ذقونا
تنسك معشر منهم وعدوا
من الزهاد والمتورعينا
وقيل لهم دعاء مستجاب
وقد ملأوا من السحت البطونا
تفقهت القضاة فخان كل
أمانته وسموه الأمينا
وما أخشى على أموال مصر
سوى من معشر يتأولونا
يقولون المسلمون لنا حقوق
بها، ولنحن أولى الآخذينا
وقال القبط نحن ملوك مصر
وإن سواهم هم غاصبونا
وهي طويلة في غاية الحسن، وكان له أخت زوجة متزوجة تاجرا في بحبوحة من العيش، فكانت تعير أختها بزوجها الموظف في قضيدة لطيفة، وهو لذلك يطلب من الرؤساء منح الموظفين علاوة.
وعلى كل حال، فقد وصف موظفي زمانه وصفا دقيقا يدل على أن الناس هم الناس وأكثرهم أنجاس.
بوظة:
هي خمر الشعير في الغالب، فينقع الشعير في الماء مدة، ثم يخرج يجفف في الظل، ثم يجفف في الشمس، فإذا جف يدق، ويضاف إليه الماء، ويترك في المواجير حتى يختمر، وهو مسكر ثقيل، ويشربونه غالبا في الأواني الفخار، وتسمى كل آنية قرعة، ويتخذ الشاربون لها مزة من اللحم المسلوق مع بعض الفلفل والملح، وأهالي السودان يأكلون معها الكرشة والفشة والقلب؛ تستخرج من الذبيحة عند ذبحها، وتنظف، وتدعك دعكا جيدا بالملح والشطة، ويأكلونها نيئة مع البوظة، والعامة تسمي موضع البوظة بوظة أيضا، وهو مكان وخم، وجلاسه وخمون، يجلس أصحابه على حصر، مع جيوش الذباب، مما يعف على مواجير البوظة، ويتردد إليها بعض النساء الساقطات فيثرن الشهوات، وينطق الرجال إذ ذاك بألفاظ الفحش البذيئة وتكاد تكون البيرة ضربا خفيفا منها استعمله الممدنون، والسوريون يسمون الداندرمة بوظة، وكثيرا ما حصلت من جراء ذلك مضحكات منشؤها جهل المصريين باستعمال السوريين، فهم لا يعرفون البوظة إلا هذا المشهور الذي وصفنا.
بولوتيكا:
كلمة فرنسية، بمعنى (مصانعة، مداراة، سياسة) فيقولون: «أخذوا في بولوتيكا» وعمل عليه «بولوتيكا».
بياكل سفلقة:
تعبير يعني من غير أن يدفع ما يقابل أكله.
بيت يوسف بك:
هو أمير كبير من أمراء محمد بك أبو الذهب بنى بيتا كبيرا على بركة الفيل، وصرف عليه أموالا عظيمة، وكان يبني الجهة الكبيرة حتى يكملها بعد أن يبلطها ويرخمها بالرخام المزوق، ويسقفها بالأخشاب الجميلة، ثم يوسوس له شيطانه فيهدمها؛ لأنها لم تعجبه.
وهكذا كان يعمل، وكان غنيا، فكانت تأتيه من بلاده بالوجه القبلي ثمانون ألف إردب من القمح يوزعها على أرباب المصانع في بيته وكان لا يستقر في مجلسه، بل يقوم ويقعد ويصرخ، وأحيانا يهدأ.
وصادف مرة أن وجد بعض التعاويذ مكتوبا على عضو خفي من أعضاء زوجته، فسألها عنها، فقالت: إن عجوزا دلتني على شيخ يسمى الشيخ صادومة قد كتب التعاويذ ليحببني إليك، فنزل في الحال، وقبض على صادومة وقتله، وصار يشهر بالفقهاء والعلماء والأولياء.
وهجم على بيت الشيخ صادومة، وصادر ما فيه، فوجد فيه أشياء شنيعة وكان ذلك سنة 911ه، وكان يصادق الشيخ صادومة هذا الشيخ حسن الكفراوي العالم المشهور، وكان الشيخ الكفراوي داعية له فشهر به أيضا من أجل هذه المصادقة.
بيتكلم باللاوندي:
تعبير يعني يتكلم بكلام لا يفهم.
البيت ما فيهش ديار، ولا نافخ نار:
تعبير يعني ليس به أحد.
بيحسن لله في لله:
تعبير يعني لوجه الله، من غير رجاء في شيء دنيوي.
بيرق:
هو العلم، والبيرقدار، حامل البيرق، وكان العامة يعتقدون أن عند السلطان العثماني بيرقا في الآستانة إذا نشره وجب على كل مسلم الجهاد، وبيع الأرواح بيع السماح، فإذا تم ذلك كان النصر للمسلمين، ولعل هذه الفكرة كانت من تقاليع السلطان عبد الحميد، ويسمونه «بيرق السلطان» وكان في القلعة في مصر بيرق من هذا القبيل، يستخرج من القلعة عند الأزمات، ويحيط الناس به، وفي الثورة الفرنسية كان يخرج به المصريون، يتزعمهم السيد عمر مكرم.
بير يوسف:
هو البئر المعروفة في القلعة، وتزعم العامة بأنه البئر الذي سجن فيه يوسف عليه السلام، ويكثرون زيارته للتبرك، والنساء يكثرن من النزول فيه للحبل ، ويغلب على ظني أنه منسوب إلى يوسف صلاح الدين الأيوبي، لا يوسف النبي؛ لأن صلاح الدين هو الذي بنى قلعة الجبل؛ وربما كان مطمورا من عهد قدماء المصريين، ثم أزال عنها الرمال صلاح الدين.
البير:
كان بيوت المتوسطين والأغنياء في كل منها بير، وعليها بكرة ودلو، يستعمل ماؤها للحموم ولغسل الأواني ونحو ذلك، وقلما يستعمل للشرب، وإذا كان البيت يحتوي أيضا على مجرور تخزن فيه القاذورات ومواد البراز، والبول، وكان القاعان عميقين، كان يرشح أحدهما على الآخر، فيتلوث ماء البئر من هذا المجرور، فيصاب أهل البيت بضرر كبير أو صغير، وقد استغني عن كل ذلك بالحنفيات والمجاري.
بيسارة: (انظر فول).
بيسوق الدلال:
تعبير يعني يتدلل، ومثله: بيتقل عليه.
بيشكوا في حاله:
تعبير يعني أنه يحتضر.
بيضة ثورة عرابي:
في أثناء الحروب بين عرابي والإنجليز شاعت شائعة ملأت مصر بأجمعها؛ وهي أن دجاجة وضعت بيضة مكتوب عليها «نصر من الله وفتح قريب»، واعتقد فيها المصريون، وقريب من ذلك أن جماعة أهدوا لعرابي أثناء حربه ثلاثة مدافع: مدفعا سموه مدفع السيد البدوي، ومدفعا سموه مدفع سيدي إبراهيم الدسوقي، ومدفعا سموه مدفع السيد عبد العال.
ولكن لم تنفع البيضة ولا المدفع؛ فمحال أن تصد المدافع القوية الأوهام الخفية.
بيض شم النسيم:
في يوم السبت الذي قبل يوم شم النسيم ويسمى سبت النور، اعتاد المصريون أن يأكلوا البيض مصبوغا صبغا أحمر أو أصفر أو أزرق وهكذا ... ويلعب بعض العامة مع بعضهم بخبط البيض بعضه مع بعض فمن كسرت بيضته يأخذها صاحب التي لم تكسر، وبعضهم يتخذ بيضة من الحجر مخروطة كخرط البيض، ويصبغها صباغا مثلها، ومن ذلك قولهم: فلان يلعب بالبيضة والحجر، كناية عن الغشاش القادر على إخفاء غشه بحيلة، فهو يلعب بالحجر مكان البيضة يوهم أنه بيضة؛ وربما أخذ عادة الاحتفال بالبيض وصبغه من الأقباط.
بيضحك ع الفاضي:
تعبير يعني يضحك على ما لا يضحك منه.
بيضوها:
الضمير يرجع على سراية المجاذيب، وأحيانا يقولون: روح على السراي الصفرة، وكلاهما معناها الطعن في عقليته وأنه يستحق سراي المجاذيب.
بيقول من الهوى دبنا:
تعبير يعني أنه يكاد يتلف.
بيلم سبارس:
أي أعقاب السجاير.
بينا مش ها نخلص:
تعبير يعني يظهر أننا سنستمر.
بيني وبينه ما بين القط والفار:
تعبير يعني أن بيني وبينه عداء شديد.
بيني وبينه ما صنع الحداد:
تعبير يعني أن بينهما عداء يبلغ حد السيف؛ لأن الذي يصنعه الحداد هو السيف.
البيوت:
كان للمصريين قبل أن يتفرنجوا نظام خاص في بيوتهم، يلائم معيشتهم الاجتماعية ويلائم جوهم الحار، فكان عادة منزل فسيح للأغنياء يبنى أساسه بالحجر والجير من الجبال المجاورة ثم من الآجر المطبوخ بالنار، وكانت هذه المنازل لا تتعدى الدور الأول إلا بالدور الثاني؛ ولم تكن هناك ناطحات السحاب التي نشاهدها الآن تقليدا لأمريكا، ولأن البيت كان لا يسكنه إلا أسرة واحدة تقريبا، قد يكون منها الابن وزوجته والبنت وزوجها، وكان البيت أعز شيء عند الناس، يقضون فيه أسعد أوقاتهم، لا يعرفون القهاوي ولا الخمارات، فكانوا يتفننون في تزيين البيوت لأذواقهم الخاصة، وفي زخرفتها زخرفة توفر الهناء، وأكثر البيوت داخله خير من خارجه، وربما كان ذلك من أثر الاستبداد، فيتظاهرون أن البيت حقير، ولبسهم حقير؛ لأن الغنى مظنة جشع الولاة، وضرب الضرائب وعلى البيت باب يفتح غالبا إلى الداخل، وأحيانا إذا كان الباب كبيرا عمل في وسطه باب صغير للدخول والخروج العاديين، ولا يفتح الباب الكبير إلا عند الضرورة.
وعادة كانوا يبنون جدارا أمام الباب حتى إذا فتح الباب لم ير المار ما في داخل البيت، وكان الباب فيه ضبة ومفتاح، على عادة القرون الوسطى، لا قفل ومفتاح كما هو الشأن اليوم.
والضبة فيها مسامير تسقط، لا تفتح إلا إذا رفعت بمفاتيح فيها مسامير تقابل الأولى وترفعها وتفتحها.
ووجهة المنزل عليها شبابيك ركبت فيها قضب حديدية خوفا من اللصوص، وهذه القضب متشابكة ضيقة المنافذ لا تمنع الضوء والهواء من الدخول، وتمنع الجار من رؤية ما يجري في البيت.
إذا أنشئ دور ثان فوق الطبقة الأولى، أخرجت منه خارجة حملت على كتل خشبية عمل حسابها في السقف، قد تكون مترا وقد تكون مترا ونصفا.
في العادة يجعل فيها مشربية، ويظهر أنها سميت بذلك؛ لأن بروزها كان يكثر هواءها فتوضع فيها قلل للشرب، وهم يصنعون المشربيات من خرط دقيق من الخشب، وربما صنعوها صنعا فنيا رائعا، وسطوح المنازل مسطحة، ولذلك سميت بالسطوح، وليست جمالونية كسطوح الفرنجة، لقلة الأمطار في مصر وتتخذ مناشر للغسيل، وتسور عادة بسور نحو القامة، وقد يستخدم لجلوس الرجل وزوجته وأولاده في الليل صيفا.
وفي داخل الدار صحن يمد البيت بالضوء والهواء وحوله غرف يتخذ بعضها للخدم وبعضها للحيوانات كالدجاج والحمير ومنظرة للرجال، ولكن الدور العلوي للنساء خاصة، ويسمى الحريم، فزوار الرجال في المنظرة من تحت، وزوار النساء في بهو كبير من فوق، وإذا كانت الهيئات الاجتماعية تفضل الرجال عن النساء كان نظام البيت مبنيا على تحقيق هذا الغرض، وقد تختلف الدور ولكن لا تخرج عن هذا الوصف الأساسي.
وهندسة هذه البيوت توافق الذوق العربي، ويحس الناظر إليها بانسجامها مع شكل المساجد والأسبلة ونحو ذلك، وفي الدور الأعلى عادة تفتح فتحة في السقف تصنع من زجاج وتفتح لتمرير الهواء، وهناك أغنياء بالغوا في تجميل منازلهم وأنفقوا عليها الألوف، كبيت السحيمي. ثم دخل عليها تطور كبير في الأيام الحديثة تقليدا للأوروبيين.
هذه بيوت المدن، أما بيوت الأرياف فتبنى عادة من طين نيئ، وهي في الغالب عبارة عن قاعة ومكان للبهائم وفناء صغير، وقل أن يكون فيها شبابيك، وإذا كان فلا تفتح وفي بعضها أبراج للحمام، وهناك شوارع كثيرة في المدن مملوءة بالحوانيت، وهي عبارة عما يشبه الحجرة في البيت لها باب يغلق عليها، وهناك قهاوي أخذت على نمط القهاوي الفرنسية، وقد يكون في الشارع سوق أو أكثر، وكان في القديم عبارة عن حوانيت سقفت، وهناك وخصوصا في القاهرة والإسكندرية وكالات، وهي بنايات كبيرة للتجارة حول فناء مربع، وفي وسطه حوض ماء، وفوقها غرف كان ينزل فيها بالليل الغرباء من التجار.
وكانت البيوت مظهرا للسلطة الأبوية ففي البيت رجل كبير هو صاحب السلطة على زوجته، وأولاده يأتمرون بأمره، وينتهون بنهيه ، ويرجعون إليه في مشاكلهم، وهو الذي بيده الإذن في الدخول والخروج، وبيده ميزانية البيت، وله الخيار فيما يأتي به وما لا يأتي؛ وعلى الجملة كان ملكا مستبدا، والأولاد تقبل يده، وزوجته لا تجرؤ أن تأكل معه، ولا يسمح لولد أن يدخن أمامه، ويجب أن يجلس الولد أمامه في أدب واحترام وهو الذي يزوجه إن شاء، ويتركه إن لم يشأ وهكذا كان البيت مملكة صغيرة ملكها الأب، ثم زال كل ذلك وانهار، وحلت سلطة الأمومة، محل سلطة الأبوة، وهي أيضا لها مزاياها وعيوبها.
حرف التاء
التار:
التار بمعنى أخذ الثأر، وهو أمر شائع في قرى الأرياف وخصوصا الصعيد، وهم يتربصون بمن عاداهم حتى ينتظروا الفرص ويقتلوه، ويقولون لمن تقاعس عن ثأره: «الأحسن تلبس برقع» ويقولون: «من لم يأخذ تاره، النار أولى به»، ويقولون لمن تجاوز عن التار: «التار ولا العار.»
التأكيد:
للعوام أنواع من التأكيد منها إشارات ومنها ألفاظ، فمن الإشارات أن يحرك رأسه إلى الأمام مع تلفظ بمعنى التأكيد، ومن الألفاظ التكرار للتأكيد، فإذا سألت فلانا هل سافر فلان؟ يقول: نعم سافر وسافر، ويقولون للشيء: هو حلو حلو أو حامض حامض، أو حلو قوي، وأنا أحبك كثير كثير، وذكر العدد فيقولون اللهم صل على محمد ألف مرة، ومائة ألف مرة، ويستعملون في التأكيد أيضا الضغط على بعض الألفاظ عند النطق، أو بعض حروف اللفظ، ومن أنواع التأكيد أيضا الحلف الكثير بالله والمشايخ، وعندهم أنهم إذا قالوا: والله (بكسر الهاء) كان أشد، ولذلك يقولون: والله بعقد الهاء، وقد يؤكدون المعنى أيضا بالحلف بالطلاق مرة أو ثلاثا، فما تشعر المرأة في بيتها إلا وقد طلقت بسبب خارج عنها، وكذلك يقولون في التأكيد: إن عملت هذا أحلق شنبي، أو أكون خارجا عن ملة الإسلام، أو يحصل لي كذا أو نحو ذلك.
التبني:
التبني اتخاذ المرأة أو الرجل غير ولده ولدا، ولذلك طرق كثيرة: منها أن القابلة قد تمكر مكرا غريبا فتأخذ معها امرأة أخرى وتكون هذه المرأة حاملة سقطا جديدا ملفوفا في ثوب ، فإذا ولدت المرأة، وخصوصا إذا كانت فقيرة، أخذت القابلة الولد وكتمت نفسه حتى لا يبكي، وأعطته في سرعة للمرأة التي معها وأخذت السقط ووضعته بدل الولد، وادعت أنها ولدت سقطا، وباعت الولد الجديد لأسرة بثمن كبير، وهذه الأسرة تسميه باسمها وتربيه كابنها.
وثمة عادة أخرى وهي تبني أولاد اللقطاء، يأخذونهم من ملجأ اللقطاء صغارا ويربونهم ويسمونهم بأسمائهم، ويلقبوهم بألقابهم، فينشأون في البيت وهم لا يعلمون، وقد لا يعلم هذا السر أحد إلا الرجل وزوجته، وهم يخصونه بقسم كبير من ثروتهم.
التثاؤب والعطاس:
يعتقدون أن التثاؤب من أعمال الشيطان، فإذا تثاءب أحد قال أستغفر الله، كأنه ارتكب جريمة، وإذا عطس قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وقال له من بجانبه يرحمك الله، فيرد العاطس: «غفر الله لي ولك» أو غفر الله ذنبك، وهم يتفاءلون بالعطاس، ويتشاءمون من التثاؤب، وبعضهم يستعمل حركة العطاس في النطق بالشهادة فيقول: أشهد.
التجارة:
أكثر التجارة في مصر، خصوصا في الأزمنة القديمة، كانت التجارة الداخلية، أما الخارجية ففي يد الأجانب وأحيانا يشتغل المصريون في الأعمال الصغيرة للتجارة كبيع الأدوات الصغيرة، ويسمونها الخردوات، وأحيانا كانوا يتاجرون في البقايا الصغيرة بعد أن يشتغل الأروام بالأعمال الكبيرة، فمثلا يدور بحماره وعليه كيس ليشتري بقايا القطن، بعد أن يكون قد باع الفلاح المحصول للتجار الأجانب، وبعض المصريين كانوا يشاركون الأجانب في شراء المحاصيل الكبيرة ولهم أجرة القبانية والمخزنجية، وهم في الغالب مغبونون يضحك عليهم الأروام والأرمن لجهلهم بالعادات التجارية، ولجهلهم أيضا بالحساب، خصوصا إذا كان البائع فلاحا جاهلا، فإنهم يفرحون بالثمن العاجل ولو قليلا، فكانت نتيجة هذا غنى الأروام وفقر الفلاحين.
هذا إلى التلاعب في الأوزان، والغش بالقبان، فلهم أساليب كثيرة متنوعة في غش تلك الآلة، ومن أجل هذا عينت الحكومة قبانيين رسميين رحمة بالفلاحين، وكانوا أيضا مصيبة على الفلاح في الغش والخداع، وأحيانا يتفق هؤلاء القبانيون الرسميون مع التجار الأروام، ويغشون في حاصل جمع الأقطان الواردة كأنهم أخطأوا سهوا.
وكذلك في استخراج صافي القطن فهم في عمليات الطرح يتعمدون الخطأ، وكذلك تجارة الحبوب، فبعض التجار المصريين يشترونها ويخزنونها ويحافظون عليها حتى تتحسن سوقها.
وكان أهم ساحل ترسو عليه السفن الآتية بالمحاصيل هو ساحل بولاق الذي حل محله فيما بعد روض الفرج.
ومن التجارة المنتشرة القماش، من بفتة، وشيت وقد كانت غالبا في يد الأرمن أو الأروام، وكذلك تجارة الدخان والصابون ويأتي الصابون في الغالب من يافا، وطرابلس، ونابلس، وأغلب وسطائه من السوريين.
وأما البقالة فأغلبها في يد الأروام إلا ما كان منها وضيعا هزيلا، وقل أن ينجح فيها وطني؛ لأن مصادرها في الغالب من اليونان أو إيطاليا، ويحسنها أيضا بعض السوريين، ويبيعون منها ما يتصل ببلادهم، أما بعض أنواع البقالة فقد كان للمصريين نصيب كبير فيه، كالتجارة في السمن والزيت والجبنة البلدية، وهم يتاجرون أيضا في الأسماك والخزف والحلي والوراقة والخردوات والأحذية والأخشاب، والفحم والجزارة، والكتب العربية ونحو ذلك.
وقد كان سمعة المصريين رديئة في التجارة من ناحيتين: الأولى المساومة في الأثمان، فقد يكون ثمن الشيء خمسة فيقول التاجر عشرين أو خمسين، والثانية سوء المعاملة خصوصا مع الأجانب، فقد يستوردون سلعا ويماطلون في دفع ثمنها، حتى كف بعض التجار الكبار عن معاملتهم، وقد تحسنت الحال في هذه الأيام بعض الشيء لمخالطتهم الأجانب وشربهم من مشربهم.
تحطه على الجرح يبرد:
تعبير يستعمل في الرجل حسن الخلق، حسن المعاملة، لطيف الحديث، فيقولون دا فلان زي المرهم، تحطه على الجرح يبرد.
تحفجي:
كلمة يطلقها العامة على بائع المعاجين والمنازيل، وهي مواد يدخل فيها الحشيش والأفيون، ويحمل على تعاطيها تخدير الأعصاب عند الاتصال بالنساء وكثيرا ما تكون هذه الأشياء سببا في فساد كثير من الرجال.
التحيات:
في الحديث: «إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، فإذا قال له: يرحمك الله، فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم»، والمصريون يقولون لمن عطس: يرحمك الله، فيقول العاطس: غفر الله لنا ولكم، ويقولون لمن سار في جنازة: «شكر الله سعيكم» فيرد: «عظم الله أجركم» ويقولون لمن يتوضأ: «من بير زمزم» فيقول: «جمعا »، ويقولون لمن حلق ذقنه عند الحلاق: «نعيما» فيرد عليه: «أنعم الله عليك»، ويقولون لمن عولج: «بالشفا»، فيرد: «شفاكم الله وعفاكم»، ويقولون للمريض: «أجر وعافية»، فيقول: «عافاكم الله»، ويقولون للحاج: «بعودة» فيقول: «أعادها الله عليكم بخير»، يقولون في العيد: «كل عام وأنتم بخير» فيرد عليه بمثل ذلك، ويقولون لصاحب الجنازة: «عظم الله أجركم؛ فيقول: غفر الله ذنبكم إلخ» ...
تختروان:
هو عبارة عن نوع من الأعمدة الخشبية مغطى بالقماش، يحمله بعيران، وهو عادة تركبه العروس يوم زفافها، للانتقال من بيتها إلى بيت عريسها، ويركب مع العروس في التختروان بعض صواحبها، وكان يستعمل قبلا في السفر إلى الحج، وليس المحمل إلا صورة مصغرة منه.
التراجمة:
واحدها ترجمان، وهم قوم أغلب ما يكونون من سكان الهرم، يصحبون السائحين ليروهم الآثار المصرية، ويحكوا عنها بعض تاريخها، ومنهم من يتكلم الإنجليزية، ومنهم من يتكلم الفرنسية، ومنهم من يتكلم الألمانية، وهكذا ...
وثقافتهم محدودة، فهم وإن كان لسانهم طلقا، يتصفون بسرعة الكلام، وإن كان في كثير من الأحيان غير جار على قواعد اللغة، وكثيرا ما نراهم على باب الفنادق التي يكثر بها السياح، وفي الأقصر وأسوان، وقد يتصلون بالسائحات اتصالا غير شريف ومنهم من يتزوج منهن.
وفي بعض القرى بجوار الأهرام تجد وجه أطفال يخرجون لأمهاتهم الأوروبيات فيكونون بيض البشرة، صفر الشعر، زرق العيون من جراء ذلك، ولما شعرت الحكومة بجهل هؤلاء التراجمة أنشأت مدرسة تثقف طلبتها بالتاريخ المصري القديم وما يلزمه من لغة هيروغليفية وغير ذلك.
تربية الأطفال:
يتربى الأطفال في البيوت، ومن العادة الطبيعية أن يربي الطفل أول أمره أمه، وأبواه يفرحان به ويعتنيان به، ومن أجل ذلك نظر إلى المرأة العقيم نظرة سيئة، واعتقد أن الله غضب عليها.
وإذا تزوج الرجل امرأتين، كانت الولود أحب إليه من العقيم غالبا، وقد يكون من أسباب تعدد الزوجات عقم المرأة الأولى، وتربية الأم أبناءها ليست مبنية على أسس التربية، وإنما هي تربية حيثما اتفق، إن مرض عالجته بطب الركة وإن أراد الأكل أكلته وإن لم يكن وقته، والعادة أن تبالغ في تدليله، وأن تطيل رضاعته، ثم يعينها الأب حتى يذهب الطفل إلى المدرسة، فيقل عبؤهما؛ وتحمل المدرسة أكثر عبئه، وقد يبالغ بعض الناس في تدليل أولادهم، من ذلك أني شاهدت طفلا وعمره خمس سنوات وبنتا ترقص رقصا غريبا وعمرها تسع سنوات.
وبعض الرجال من الطبقة الوضيعة يعلمون أبناءهم السب والقذف، ويسمحون لهم أن يضربوهم أو يشدوا ذقنهم أو يشتموهم، فيخرج الولد عديم التربية قليل الأدب.
وفي الأسرات الكبيرة تحضر مربيات أجنبيات لتربية الولد، ويعلم الطفل آداب الاجتماع والمعاشرة.
وفي البيوت المتدينة يعلم الأطفال الصلاة والصوم حتى ينشئوا على الدين.
وفي الطبقات الوضيعة يعلمون الأولاد الحرفة والكسب قبل الأوان، فترى طفلا في السادسة يبيع الصحف في الشوارع أو ينوب عن أبيه في التجارة في الدكان أو نحو ذلك.
وكلما زاد العلم حسنت التربية.
التربيعة:
وهي أيضا تمثل الحياة القاهرية في قرونها الوسطى، فيباع فيها العنبر المحلول وعطر الورد، وعطر الزهر، وأمثال ذلك، والبائعون أيضا يمثلون البائعين في القرون الوسطى، فقفطان من الشاهي من غير جبة، ومركوب وحزام في الوسط، وتجد على وجهة دكاكينهم زجاجات مختلفة الأشكال والألوان مما أعدوه للبيع، وطريقة بيعهم أيضا بالممارسة كأهل القرون الوسطى.
وربما كان هذا الحي من مبدأ المغربلين إلى سيدنا الحسين، مطبوعا بالطابع الشرقي البحت، فمن أراد معرفة الناس قديما فليبحث عنهم في هذا الحي، فطائفة في الكحكيين والفحامين تبيع البلغ، وطائفة تبيع العقاقير المختلفة الواردة من الهند وغيره وطائفة تبيع الغوايش والحلقان ... إلخ.
ترترة:
قطعة صغيرة من المعدن مخروقة من الوسط خرقا صغيرا، يستعمل لتزيين ثياب المرأة إذ تضوي بالليل وتلمع، ويضرب مثلا في ضيق العين، فيقال: عينه زي الترترة، ويوضع أيضا على مناديل الرأس، ويكثر النساء من استعماله في زينة العروس، ومما قيل من الفوازير فيه «قد النص وعينه بتبص.»
ترمس:
هو من النباتات التي تنبت في الأراضي الرملية، وهو قديم العهد في مصر، وينقع في الماء حتى يطرا، وتزول مرارته، وأكثر ما يستعملونه للتسلية بعد العصر، كلب البطيخ واللب الأبيض ، ويستعمل أيضا لغسل اليد كالصابون، ويدق ويدعك به الجسم مداواة للبثور التي تظهر في زمن فيضان النيل، وتسمى حمو النيل، ومن أمثال العامة:
الندل ميت وهو حي
ما حد حاسب حسابه
هو كالترمس الني
حضوره يشبه غيابه
وقد يسمى ابن البحر؛ لأنه ينقع فيه.
واشتهرت إمبابة بالترمس، فكثيرا ما يقولون: الترمس الإمبابي، وينسبونه إلى سيدي الإمبابي، فيقولون في المناداة عليه: يا إمبابي مدد!
التسالي:
اعتاد المصريون أن يتسلوا بأشياء صغيرة بين الأكلات، مثل قزقزة لب البطيخ، واللب الأبيض، وهو لب القرع الأسطمبولي، والفشار، وهو حبوب الذرة المشوية، والترمس، والفول المفيلي، والفستق، وأنواع النقل، وخصوصا في ليالي رمضان كالجوز واللوز والبندق، ويسمونه فطرة، وكذلك يتسلون بكيزان الذرة، فتجد كثيرا من الباعة، وأمامهم النار يشوون عليها كيزان الذرة ويبيعونها، وفي الأيام الأخيرة أصبح من التسالي أيضا أبو فروة، يشوونه كما يشوون الذرة، ويشوونه في الأسواق كما يشوونه في البيوت، ومن التسالي أيضا البطاطة، ومص قصب السكر.
تسخير الجان:
للمصريين اعتقاد كبير في العفاريت والجن وقدرة بعض الناس على تسخيرهم لمصلحة من أراد، سواء في ذلك خواصها وعوامها، وأغنياؤها وفقراؤها، ومسلموها وأقباطها، ويرتزق كثير من الطوائف بهذه الدعوى، ويستغرب الزائر لدار الكتب من كثرة الكتب التي تحتويها في هذا الموضوع وكثرة استعارة هذا النوع للمطالعة، ومن غريب الأمر أنهم يعتقدون في الكتاب المخطوط أكثر مما يعتقدون في الكتاب المطبوع، والمكتوب حديثا أقل بركة وفائدة من المكتوب قديما، ومن أشهر ما ألف في قواعد هذا الفن القصيدة المشهورة المعروفة بالجلجلوتية، ومنها:
بدأت باسم الله روحي به اهتدت
إلى كشف أسرار بباطنه انطوت
وصليت في الثاني على خير خلقه
محمد من أزاح الضلالة والغلت
سألتك بالاسم المعظم قدره
بآج أهوج جلجلوت هلهلت
بصمام طمطام والنور والضيا
بمهراش مهراش به النار أخمدت
وصب على قلبي شآبيب رحمة
بحكمة مولانا العظيم فانطفت
فسبحانك اللهم يا خير بارئ
ويا خير خلاق ويا خير من بعت
ألا واحجبني من عدو وحاسد
بحق شماخ أشمخ سلمة سمت
ألا واحرسني يا ذا الجلال بكاف كن
بنص حكيم قاطع السر أسبلت ... إلخ.
وهم يعتقدون في أن للحروف أسرارا ويكتبونها صورا مخالفة للحروف المألوفة ويسمونها حروفا روحانية أو علوية نظير هذه العلوم التي في العالم السفلي، ويزعمون أن لكل حرف خداما يحافظون عليه، ويزعمون أن لكل يوم من أيام الأسبوع جنا تغلب عليه ويعرفها من هو أهل لها، ففي كل ساعة من ساعات الأيام برج مخصوص له السلطان ولكل برج مواليد تتأثر به سعادة أو شقاء، وهم يعملون الأحجبة على حساب هذه الطوالع، وهذه صورة حجاب من الأحجبة: «بسم الله الرحمن الرحيم»، شهد الله أنه لا إله إلا هو الآية، له معقبات من بين يديه ومن خلفه الآية، الله لا إله إلا هو الحي القيوم الآية، اللهم قنا سيئاتنا وسيئات أعمالنا وسيئات ما يمكرون، إنا نحن نزلنا الذكر وإنه له لحافظون 11511 عوج وأعوج ياعوج ماعوج. وهكذا كثير من أنواع الأحجبة لقضاء المصالح المختلفة، وعندهم لوح يسمى لوح الحياة ولوح يسمى لوح الممات على هذه الصورة.
لوح الحياة:
1
2
3
7
8
9
13
14
15
19
20
21
25
26
27
لوح الممات:
4
5
6
10
11
12
16
17
18
22
23
24
28
29
30
ولحساب المريض أو الغائب أو الحاجة تقضى أولا:
يحسب اسم الطالب واسم أمه بالجمل والحاجة ومن هي عندهم، ويزاد على الحاصل اسم اليوم المسئول فيه، ويضاف إلى المجموع ما مضى من الشهر العربي، ويسقط من المجموع 30-30 وما بقي ينظر فيه: هل هو من لوح الموت أو من لوح الحياة، فإن كان في لوح الحياة فهو خير، وإن كان في لوح الممات فهو شر، ولهم في ذلك حساب طويل.
ومن أراد أن تخدمه الجن فإنه يصوم أربعين يوما في خلوة لا يأكل إلا خبز الشعير والزبيب الأسود، ولا يأكل إلا كل أربع وعشرين ساعة، ثم يتلو العزائم ويستحضر بها الخدام، والخادم الأول عبد أسود في يده حجر أحمر، وعزيمته يا بنوح دردموخ أجيبوا بحق سمعاط شموع برهوت برهين أسحيم. تقرأ ألف مرة وكذلك بقية الخدام الأربعين، ومنهم من له قدرة على إخراج الصوت من بطنه يزعم أن ذلك من عمل الجان، ولهم في ذلك كتب مطبوعة في الصلوات والدعوات، واشتهرت بذلك المغاربة على الخصوص.
وهم يعتقدون في خاتم سليمان وهو على هذا الشكل:
وبواسطته تستخدم الجان، وهو الذي بواسطته استخدم سليمان الجن فحملت له البساط، وبنت له البلاد، وقطعت له الأحجار وفجرت له الأنهار والآبار، ومن الكتب المشهورة في هذا «السر الرباني في العلم الروحاني»، «شموس الأنوار وكنوز الأسفار»، «البهجة اللماعة في تسخير ملوك الجن في الوقت والساعة»، «والفتح الرحماني في العلم الروحاني» وهكذا.
وكلما أوغل الناس في قراءة الكتب التي من هذا القبيل وسماع أحاديث العفاريت قلت عقولهم وزادت خيالاتهم وأوهامهم.
روى لي بعض من أعرفه أن أباه كان لا يؤمن بالزار ولا رؤية الجن ولا شيء من ذلك، ولكنه جلس ليلة وانقسم الحاضرون إلى فريقين فريق يؤيد رؤية الجن وفريق ينكره ومنهم أبي، واشتد الجدل إلى الساعة الواحدة بعد نصف الليل، قال: «فلما قام أبي لينام صحا في الساعة الرابعة فوجد كأن أحدا ينبهه فانتبه فرأى عفاريت كثيرة في أجسام صغيرة، ورأى من يكلمه ويحادثه فقام مذعورا ونبه أهل بيته ليحيطوا به خوفا مما رأى في النوم، وهذا من غير شك نتيجة لما كان من أحاديث قبل النوم، وهذا يدل على أن المخ إذا شغل بهذه الأشياء تراءت له وانعكست له صورة الأحاديث في نفسه.
قال: «ولذلك عزم أبي على ألا تذكر سيرة العفاريت أمامه وخصوصا قبل نومه حتى لا يشغل ذهنه بها.»
التسليم:
إذا قابل مسلم مسلما فالتحية بينهما أن يبدأ أحدهما: السلام عليكم، ويرد الآخر: عليكم السلام، إما برفع اليد إلى الرأس أو بدونها، والعادة أن يبدأ في التسليم الراكب على الماشي والقائم على القاعد.
وإذا كانا قبطيين أو أحدهما قبطيا فالتحية أن يقول أولهما: نهارك سعيد، أو ليلتك سعيدة في المساء، ويقول الآخر: نهارك سعيد مبارك، أو ليلتك سعيدة، وبين النساء عادة تقول إحداهما: صباح الخير، وتكون الإجابة: يسعد صباحك، وفي المساء مساء الخير، وتكون الإجابة مساء الخير عليك، أو يسعد مساك.
التسميم والتحريق:
اعتاد الفلاحون إذا عادى بعضهم بعضا أن يسمموا بهائم بعضهم بالزرنيخ، أو يحرقون محصوله بإشعال النار فيه، فيقابله الآخر بمثله أو يزيد، فيسمم أيضا بهائمه أو يحرق زرعه، ويفضل أن يفعل ذلك على شكواه عند العمدة أو عند أحد كبير أو عند الحاكم، ولذلك لا يخلو يوم من أخبار في الجرائد عن تسميم أو تحريق أو تقليع.
وفي السنة الماضية كان لي صديق ذو مقام كبير موظف في الحكومة وظيفة كبيرة أبى أن يؤجر للفلاحين أطيانه المزروعة موزا، فجاءه الخبر في الصباح أنهم وجدوا زراعته مقلوعة، حتى الفسائل الصغيرة، فخسر بذلك آلاف الجنيهات.
تشارك بدوي، مين يحاسب لك، تشارك جندي، مين يرطن لك:
وهو مثل لطيف يستدل منه على ما كان عند البدو من سوء فهم، ومن قلة معرفة، فإذا عاملته لم تقدر على محاسبته لغباءته، كما أن التركي لا يعرف العربية، فإذا عاملته تعبت في إفهامه، واحتجت إلى ترجمان يرطن بينك وبينه، وهو يدل على اعتزاز الأتراك بلغتهم وترفعهم عن تعلم اللغة العربية أو كما يقولون اللغة المصرية؛ لأنهم ينظرون إلى المصريين نظر احتقار.
حكى لي صاحب تركي قال: تزوج شاب تركي من فتاة مصرية سنة 1910 أو 1911، ودخل عليها في بيت أبيها المصري، ثم أخبر أهله ورجاهم في الانتقال هو وزوجته إليهم فرفضوا بعد مدة طويلة، وأخيرا أفردت له أمه جناحا من البيت فأخذ زوجته وأمها وأختها إلى بيته «مع الجهاز» قالت الأم: وفرشنا فرشنا، وبعد مدة طويلة جاءتنا امرأة شركسية عجوزة، ونظرت إلى العروس وأختها وإلي نظر استغراب كأنها لم تر طول حياتها مثل هذا المنظر، ثم تركتنا وخرجت ثم عادت هذه العجوز ومعها ابنتها، ووقفتا بلا سلام ولا تحية، ودعت العجوز ابنتها إلى أن تنظر إلى الزوجة وأقاربها كأنهن شيء عجيب ثم خرجتا، وعند الظهر جاءتنا جارية سوداء وفي يدها صينية وعليها طعام وخبز فوضعتها على المائدة وانصرفت، وكذلك فعلت وقت العشاء، وظل هذا الحال طويلا، فلم تطق الزوجة ولا أمها هذه المعيشة، وخرجتا وعرفتا من الزوج أن ليس أحد في البيت يتكلم العربية.
التشبيهات:
يستعمل المصريون كثيرا التشبيهات، وأداة التشبيه عندهم كلمة «زي» فيقولون مثلا أحمر زي البلح، أزرق زي النيلة، أبيض زي اللبن، أخضر زي البرسيم، أصفر زي الكركم، ويقولون في وصف الرجل: طويل زي المارد، طويل زي المادنة؛ قصير زي العقلة، رفيع زي السنارة، تخين زي البرميل، ثقيل زي الدستور، وهو حجر معروف؛ خفيف زي ريش النعام، حلو زي الشهد، مر زي العلقم، حادق زي المش، حراق زي الفلفل، شديد زي الحصان، حلو زي المملوك، حمول زي الجمل، يستحي زي البكر، تلم زي المزين، أحبه زي عيني، أكرهه زي الموت، زي اللي أنا اجوزت أمه، وشه زي القمر، وشه زي ليالي آخر الشهر.
وقد يحذفون زي «كما يفعل العرف في الاستعارة، فيقولون: نهاره لبن، نهاره قشطة.»
التصغير:
للعامة طريقة في التصغير والتلميح لا تعرفها العرب، فيقولون في نفيسه نفوسة، وفي زينب زنوبة، وفي خديجة خدوجة؛ وأحيانا يقولون حبوب للحبيب، وشطورة؛ أي شاطرة، وأحيانا يستعملون صيغة المؤنث للمذكر فيقولون: حوشة في حوش؛ أي حوش صغير، كباية في كوب، وأحيانا يضيفون كلمة حتة فيقولون: حتة عيل؛ أي عيل صغير، وحتة قماش؛ أي قطعة صغيرة، وحتة أرض؛ أي أرض صغيرة.
التصوف:
التصوف كان في الأصل معناه لبس الصوف زهادة في الدنيا، ثم صار في أغلب الأحيان، إلا في القليل النادر، صناعة لكسب العيش.
وتتطلب هذه الصناعة عمامة خضراء وسبحة طويلة غليظة، والتظاهر بذكر الله، ودعوى مخاطبة الأولياء والاتصال بهم عن طريق الروح، وقد ذمهم كثير من الناس ومن الشعراء.
وقد انتقد الجبرتي أعمالهم، وكلما جاءت مناسبة شنع عليهم، فيقول مثلا: «في سنة 1250 في عمارة مسجد زين العابدين، على يد عثمان أغا قال: فعمره وزخرفه، ونادى على أهل الطرق الشيطانية المعروفين بأرباب المشايخ، وهم ينسبون أنفسهم للأحمدية والرفاعية والقادرية فاجتمعوا بأنواع الطبول والمزامر والبيارق والخرق الملونة، حتى ملأوا الأسواق، وساروا، ولهم صياح ونباح، وجلبة وصراخ، وهم يتجاوبون بالصلوات، والآيات يحرفونها، ونداء أشياخهم بأسمائهم كقولهم: يا هو يا هو، يا بدوي، يا دسوقي، يا بيومي ، والأغا راكب معهم، والفقهاء المعممون؛ والطبول تضرب، والستر المصبوغ مركب على أعواد من الخشب وحوله الرجال والنساء والصبيان يتمسحون ويتبركون، ويرمون عليه الخرق والطرح لتحصيل البركة، ولم يزالوا سائرين على هذا النمط والخلائق يزدادون حتى وصلوا إلى ذلك المشهد.»
وسمعت في زمننا أن شيخا كبيرا من مشايخ طرق الرفاعي أعطته وزارة الأوقاف أربعمائة جنيه ليصرفها على الاحتفال بمولد النبي
صلى الله عليه وسلم ، فحجز عليه؛ لأن تاجرا مشهورا حجز عليه بدين له ثمن صناديق مشروبات روحية.
هذه طائفة كبيرة من المتصوفين، ولسنا ننكر أن هناك طائفة قليلة صدقت نيتها، وزهدت في الدنيا، ولكنها لا تحب أن تعرف ولا تعلن عن نفسها بشيء من هذه الألاعيب، إنما قصروا علاقتهم على ربهم وأخلصوا له، وباشروا أمور الدنيا كما يباشرها رجال الدنيا، وقصروا تصوفهم على قلوبهم وقليل هم.
التعذيب:
نذكر هنا أنواع التعذيب التي كان يستعملها الأتراك في عهد ولايتهم، فمنها الخازوق ولم أره، والشنق والضرب بالسيف، والصلب، والخنق، والضرب بالكرباج على الرجلين والظهر، وكان بعضهم يأمر بإذابة الملح ووضعه على مكان الضرب نكاية للمضروب.
ومما يروى أن تركيا اتهم أمة له فأنكرت، فأمر بوضع الجمر على كفيها وعمل القهوة على الجمر حتى تعترف.
وأحيانا يضعون يد المتهم في الفلقة ويأمرون بضربها بالكرابيج، وأحيانا يستمرون في ذلك حتى تقع أصابعه وكفوفه من الضرب، ومنهم من يضع بوقا في فم المتهم ثم يأمر بسقاء ذي قربة فلا يزال يصب في البوق حتى تمتلئ بطنه ويقع، وبعضهم يغلي الماء ويصبه على المتهم، ومنهم من يقطع أذن المتهم أو أنفه أو يقلع عينه، ومنهم من يغلي «الزفت» ويصبه على رأس المتهم، ومنهم من يعري المتهم ويربطه بجذع شجرة طول ليلة شاتية، وبعضهم يستعمل التخشيب، وهي قطع ضخمة من الخشب يفصل بينهما، ويوضع المتهم بينهما ثم يطبقون القطعتين ويسمرونهما، وأكثرها تعذيبا الضرب بالكرابيج كما يأمر الحاكم التركي، من خمسمائة زوج أو الألف، أو ألف وخمسمائة، اشتهرت في ذلك الكرابيج الزعر ، وهي القصيرة المقطوعة الطرف، ويصفون الرجل بأن كرابيجه زعر.
ومن ذلك الزخم الجلد، ومن المصريين من كانوا يقلدون الأتراك في هذه الأعمال ثم قضي عليهم، ومن التعذيب إركاب المتهم على حمار بالمقلوب؛ أي وجهه إلى وراء الحمار، وأمامه الطبل والمزمار، والأطفال تصفق وراه، ويوكل به من يلطشه، وهذا ما يسمونه «بالتجريس»، ومن ذلك ربطه بالحبال وجره إلى مخزن القاذورات بالمساجد، ونتف الذقن شعرة شعرة، والتعريض للشمس طول النهار في أيام الصيف.
التعصب:
في بعض المصريين نوع من التعصب شديد، كالتعصب لقومه أو لبلده أو دينه، ومن عهد قريب كانت كل قرية تنقسم إلى حزبين: سعد وحرام، وبينهما حروب ومشاجرات، حتى كان الفريق لا يستطيع أن يسكن بجوار الفريق الآخر، فأحيانا يفصل الحاكم بينهما بشارع، وأحيانا ببلدة قد صارت خرابا من كثرة القتال.
وقد تبرأ قسم حرام من هذه التسمية؛ لأنه لما سقطت دولتهم سمي كل لص حراميا، فكانوا يسمون في الشرقية النعامنة، ويحكى أن امرأة من النعامنة هؤلاء ذهبت إلى ساقية لتملأ جرتها، فأراد أحد السعديين أن يعتدي عليها فصرخت، فجاء النعامنة وتجمهروا على الرجل حتى قتلوه، وقام السعديون لأخذ الثأر وهكذا، وكان هناك تعصب آخر يشبه هذا، وهو التعصب لأبي زيد الهلالي وزغبة، وكان هناك محدثون يطوفون بالبلاد، منهم من يحفظ سيرة أبي زيد، ومنهم من يحفظ سيرة زغبة، وتنصب للمحدث نصبة وتتلى فيها الأشعار، فإذا انتصر أبو زيد في حروبه جمعت النقطة له ممن يتعصبون لأبي زيد، وأحيانا يقع الفريقان في قتال من أجل تعصب كل فريق لصاحبه.
ولما جاءت المدنية الحديثة تعصب كل فريق لحزبه مع العداء الشديد بين سعدي ووفدي وحر دستوري، من غير عداء بين المبادئ، وإنما هو تعصب بين الأشخاص من غير مهادنة ولا مسالمة ...
ولما جاءت الحرب الأولى وحارب الإنكليز والفرنسيون والأمريكيون من ناحية، والألمان والإيطاليون من ناحية أخرى، تعصب أكثر المصريين للألمان، وذلك لأن الأتراك المسلمين كانوا بجانب الألمان.
والتاريخ من عهد هيرودوت إلى الكندي إلى الجبرتي يصف مصر بأنها بلد العجائب والغرائب.
التعميرة:
التعميرة في لسان العامية عبارة عن غابتين ركبتا على جوزة من جوز الهند أو شبيهها، ثم يوضع على إحدى الغابتين قطعة من الفخار أو نحوه ملئت جمرا ووضع على الجمر (تمباك) أو حشيش أو حسن كيف (انظر حسن كيف) فيأخذها الشارب ويتنفسها حتى تحترق المادة المذكورة في الجمر، وفي العادة خصوصا في الحشيش يتبادل الحريفون الجوزة حتى تنتهي.
وفي أمثالهم المشهورة «الكيف مناقلة»، ثم للحشيش على الخصوص محلات خاصة يسمى كل منها «غرزة» يكون فيها الحشيش والجوزات والنار وكل ما يتصل بها، وأكثرها للعامة وأشباهها، وهناك غرز أرستقراطية خاصة فرشت أحسن فرش، وهيئت أحسن تهيئة، يغشاها علية القوم الكييفون، وقد استترت عن الأعين بستار كثيف حتى لا يراها البوليس.
ومما يلاحظ دائما أن هذه الجوزات تصحبها النكت البارعة والنوادر اللطيفة، لما اشتهر عن الحشيش من تجليته للذهن وتظريفه للحديث.
التغييرة:
اصطلح أهل الأزهر على تسمية الملازم التي يستعيرونها من كتاب المطالعة ثم ردها «تغييرة» وأولاد البلد يسمون البلغة المستعملة أو المركوب المستعمل «تغييرة»، وبعض أولاد البلد اعتاد ألا يلبس إلا البلغة الجديدة فإذا مضت عليها أيام غيرها ببلغة أخرى جديدة.
وهناك على العكس من ذلك من لا يلبس إلا «التغييرة»، وقد يدفع في ثمنها أكثر من الجديدة؛ لأنها وقد قدمت وعاشت دلت بذلك على متانتها وجودتها.
التفاؤل والتشاؤم:
يكثر المصريون من التفاؤل والتشاؤم، فيتفاءلون مثلا بالأسماء كسعد وبخيت، ويتفاءلون باللون الأخضر، ويقولون في دعائهم لمن سكن بيتا جديدا جعله الله عليك سلقا أخضر، ويجتهدون في أن يدخلوا أول ما يدخلون بشيء أخضر، ويتشاءمون من الأسماء القبيحة مثل: «صعب»، ويتشاءمون من الإناء الفارغ ويطلقون عليه «ملآن» ويتشاءمون أيضا من الكنس بعد الغروب ومن بيع الإبرة بعد العصر، ومن الأعور إذا اصطبح به، وهكذا ... ويعتقدون أن التشاؤم في ثلاثة وإن لم يقتصروا عليها وهي مشهورة، كقولهم: أعتاب وأقدام ونواص، كما ذكرنا، ويقصدون بالأعتاب الدور، وبالأقدام الماشية، فحمار سعيد يجلب السعادة، وحمار شقي يجلب الشقاء، وكذلك الغنم، ويقصدون بالنواصي الخيل، وليس الأمر متعلقا بالجمال والقبح، فقد يكون الشيء جميلا وبخته سيئ، وقد يكون قبيحا وبخته حسن، ويتفاءلون ويتشاءمون خصوصا إذا رأوا القمر على وجه إنسان سعيد تفاءلوا أثناء الشهر، أما إن رأوه على وجه إنسان شقي شقوا به طول الشهر كذلك.
والناس عندهم قسمان: وجوه سعيدة، ووجوه شقية؛ والأمثلة على ذلك كثيرة، يتشاءمون أيضا من صوت البوم بعكس صوت الحمام أو اليمام، فالبوم إذا تغنى فذلك نذير الخراب، ويكرهون أيضا صوت الطاووس، ولا نطيل في ذلك، فلهم في التفاؤل والتشاؤم أمور كثيرة.
تفضل الحاجة تقول نيني نيني لما ييجي الخايب يشتريني:
تعبير يقال عن الشيء السيئ يبقى لا يباع، حتى يأتي خائب فيشتريه ...
تفضفض بما في ضميره:
ومثله فضفض، تعبير يقال إنه عبر عما في ضميره.
التقريفة:
يصاب الإنسان أحيانا بميعان النفس، وميلها إلى القيء، وذلك قد يكون لتحرك العفونة أو من النظر إلى شيء مستقبح، فهم يعالجون ذلك بالليمون الحامض أو يعلقون شيئا أصفر على رأسه يتدلى أمام عينيه، ونحو ذلك.
تلاوة القرآن:
اشتهر أبناء مصر بحفظ القرآن، فيبدأ فقهاء الكتاتيب بعد تعليم القراءة والكتابة أن يحفظوا القرآن، في اللوح، فيحفظ الطفل ما في استطاعته طوال الأسبوع، ثم لسيدنا يوم يسمع فيه للطفل الماضي، ولا يزال كذلك حتى يتمه.
وبعض الناس يتخذ تلاوة القرآن حرفة؛ فيقرأ في البيوت كل يوم جزءا، ويقرأ على المقابر أيام الأعياد ويقرأ في المآتم، وبعضهم إذا ساءت حاله يقرأ في الشوارع، وخصوصا العميان منهم، وكثيرا ما ترى في الشوارع بعض الفتيات الكفيفات يقرأن القرآن.
ويعتقد المصريون أن قراءة القرآن، من الفقهاء في البيوت أو في الدكاكين يجلب إليها البركة ويبعد الشياطين، والعلماء يلجأون إلى قراءة القرآن عند الحرب أو عند نزول كارثة بالبلد.
وتجد في بعض المساجد والأضرحة طاولة عليها مصاحف القرآن، قد وقفت على من يريد أن يقرأ منها.
ولما انتشر الراديو وكان من نظامه قراءة فقيه فيه في الصباح قلت عادة إحضار الفقهاء للقراءة في البيوت.
وقد اعتاد الأغنياء والمتوسطون أن يحضروا في رمضان فقهاء يقرءون القرآن إلى السحور كل ليلة.
وإذا مات ميت أحضر بعض النساء لقراءة القرآن على النساء صباحا، وأحضر الفقهاء من الرجال لقراءته على الرجال عصرا وبعد العشاء مدة ثلاث ليال، كما أن الميت قبل أن يدفن يستحضر بجانبه فقيه يقرأ عنده القرآن إلى أن يدفن.
ومن أسباب حضور الفقيه أن النساء يمتنعن عن الولولة والعويل متى قرئ القرآن، ولذلك يستعان على صدهن عن الولولة والصراخ بإحضار الفقيه، والفقيه أيضا يقرأ في المسجد كل يوم جمعة قبل صلاتها سورة الكهف، وفي الحفلات الكبيرة كثيرا ما يدعى فقيه يقرأ قبل الخطبة عشرا من القرآن، كما يقرأ في آخر الحفل، سواء كانت الحفلات حفلات فرح، أو تأبين، أو حفلات سياسية، وكان العميان يكاد يتحدد موقفهم ومستقبلهم بحفظ القرآن، وقراءته، وإذا منح القارئ صوتا جميلا كان ذلك باب رزق له كبيرا، وقد اشتهر بعض الفقهاء بحسن الصوت فاستدعوا للمآتم والأفراح والقراءة في الراديو، فدر عليهم ذلك مالا وفيرا، وهم يستدعون أيضا للقراءة في الأرياف للمناسبات.
وقد اعتاد الفقهاء في المآتم والأفراح أن يقرءوا جزءا من سورة البقرة عصرا، وأن يقرءوا سورة يونس وهود ويوسف والرعد والحجر والنحل والإسراء بعد العشاء ويختموا بالسور القصار.
التمثيل:
جاءت من الشام إلى الإسكندرية فرقة تمثيل عربية برياسة الشيخ خليل القباني، ومثلت بعض تمثليات منها رواية «نكران الجميل» و«هارون الرشيد»، وكان هذا التمثيل بدائيا، فلم يسمح بظهور النساء على المسرح، فكان إذا اضطر الممثل لتمثيل امرأة اختار شابا من الشبان ليمثل المرأة.
وقد مثلت كذلك روايات كان قد عربها المرحوم محمد عثمان بك جلال من فولتير وغيره؛ وارتقى التمثيل ببناء الخديو إسماعيل الأوبرا، ودعوة فرقة إيطالية لتمثيل رواية وضعت لهذا الغرض، وهي التي تسمى «عايدة»، كما ارتقى فيما بعد على يد فرقة قومية، ومن التمثيليات ما اشتهر من تمثيليات ابن دانيال الموصلي قديما.
فقد امتاز ابن دانيال بفن طريف وهو التمثيليات المسرحية، ومما يؤسف له أن مؤرخي الأدب العربي لم يعنوا بتأريخ هذا الفن مع أنه أصل من أصول الأدب، وكانت تمثيليات ابن دانيال تمثل على خيال الظل، وكانت تسلية للطبقات السفلى، ولكن لم يمنع هذا من عرضها على الكبراء، تنتقل إليهم ولا ينتقلون إليها فحكوا أن صلاح الدين كان يرى هذه التمثيليات ومعه وزيره القاضي الفاضل، وأن السلطان سليمان الأول كانت تمثل أمامه تمثيليات في خيال الظل، وكذلك الخديو توفيق.
وشاع أن خيال الظل كان سائدا منتشرا في أيام المماليك، وروى الشيء الكثير عنه ابن إياس، وقد أخذ السلطان سليم أحد الممثلين لتمتيع ابنه به وهو الذي صار بعد ذلك سلطانا وهو السلطان سليمان.
وقد وجد الباحثون بعض هذه التمثليات في بعض قرى النيل الصغيرة.
وكان ابن دانيال يؤلف تمثيلياته باللغة الفصيحة، ويميل إلى السجع، على نمط مقامات الحريري وهي مملوءة أيضا بالأشعار والزجل.
وقد أمضى بعض المستشرقين الألمان كالأستاذ جاكوب سنين طويلة في دراسة تمثيليات ابن دانيال، وقد عثر له على تمثيليات ثلاث: الأولى اسمها «طيف الخيال» وهي تصور الحالة السياسية والثقافية بمصر على عهد السلطان بيبرس، والثانية رواية «عجيب وغريب» وهي غير المعروفة بهذا الاسم في السوق، وهي تمثل سوقا كبيرة يدخل الممثلون فيها واحدا بعد واحد، يعرضون فيها بضائعهم، والثالثة اسمها «المتيم» وهي تصور عشق المتيم هذا لليتيم، وفيها تحريش الديوك بعضها على بعض للقتال، ونطاح الكباش والثيران، وعلى كل حال تشهد لابن دانيال بالفضل وسعة الخيال، والقدرة على الفكاهة.
وفي التمثيلية الأولى يعرض المؤلف لعصره وما فيه من المفاسد، وأمر السلطان بإزالة الفساد، فصور ذلك ابن دانيال بقتل الشيطان، وفي هذه التمثيلية أيضا إشارة إلى ما حدث في مصر من وصول الخليفة العباسي من بغداد وتنصيبه خليفة في مصر؛ إلى آخر ما هنالك من إشارات إلى حوادث حصلت في أيام الظاهر بيبرس، فابن دانيال يصور تصويرا دقيقا الحياة المصرية الشعبية في ذلك العصر، وهي ناحية أغفلها المؤرخون، وهو كما قلنا يعنى بالجمع، فيقول مثلا: «إن الغريب مرحوم، والمرء يسعى والرزق مقسوم، والمفلس يجمع الدنانير، والصدقة بالحبة هينة على ذوي الأقدار فاركبوا غوارب الإلحاح، (يخاطب الشحاذين) والبسوا دروع الوجه الوقاح، وتعاموا مبصرين، وتطارشوا سامعين، واركبوا على جلودكم الجلود المسلوخة؛ واشربوا نقيع التين، لتصبح وجوهكم مصفرة، وبطونكم منفوخة ... إلخ.»
ولكن مع استعماله للغة الفصيحة لا يتحرج أحيانا من ذكر كلمات شعبية، أما المتيم ففيها وصف للحب، وحيل المحبين، فيمثل شخصا هيجه الغرام، بكى في انتخاب، ويقول:
أهل الغرام تجمعوا
وتوسلوا وتضرعوا
موتوا تعيشوا في الهوى
وتمزقوا وتقطعوا
وخذوا حديث متيم
عمن سواه أو دعوا
صب سماء دموعه
من صبها لا تقلع
لم يبق إلا أضلع
من سقمه تتقعقع
وادي العقيق بجفنه
والدمع منه ينبع
ثم يقول: «أواه، أواه ... وا حباه ... وا قلبها ...! المتيم مسكين ... جرح من غير سكين ...
من أرسل ناظره ... أتعب خاطره ... والعاشق كل شيء يذكره ... لمعان البرق يؤرقه ... وإذا دنا الليل منه ... يهرب النوم عنه ... إلخ.» •••
وعلى كل حال وجد واضعون للروايات قبل ابن دانيال وبعده، وما أحقها بالتاريخ، فإنها تضيف بابا لطيفا إلى أبواب الأدب المعروفة (انظر ابن دانيال).
تملا بنوره:
تعبير يعني تمتع به وبمنظره.
تنبل:
يطلقونه على البليد الكسلان، والكلمة فارسية، وقالوا: تنبل، واشتقوا منها فعلا، فقالوا: تنبل الرجل؛ أي تبلد.
تنميل الرجل ورمش العين، وأكلان الكف:
هي حوادث طبيعية، ولكن العقل الخرافي يجعلها علامة لأشياء، فإذا رمشت العين اليمني دل ذلك على خير يحدث، وإذا رمشت العين اليسري، دلت على الشر، وإذا أحس الإنسان بأكلان في كفه اليمنى زعم أنه سيسلم على أحد، وإذا أكلته يده اليسرى، دل على أنه سيقبض فلوسا من أحد، وهكذا.
توريني حتاويك:
ومثله توريني وحايدك، تعبير يعني الألاعيب التي تأتي بها تضحك بها على الناس.
حرف الثاء
اعتاد المصريون أن ينطقوا الثاء تاء وأحيانا سينا، فيقولون تقيل في ثقيل، والتار في الثأر، وكقولهم في ثواب، وهكذا.
ثوب مكشكش:
تعبير يعني ثوب ثنيت بعض أجزائه على بعض.
حرف الجيم
جابر:
ينادي المصريون على لحم الرأس بيا جابر، وهم يحملون طبلية فيها لحم الرأس وخبز وطرشي، وكل من سمع يا جابر، فهم أنهم يبيعون لحم الرأس، ولا أدري سبب هذه التسمية ، إلا أني رأيت في نوادي أبي زيد أن الخبز اسمه جابر، وأنهم ينادون عليه يا جابر، فهل هذا هو السبب؟ أو هو نداء باسم الصحابي المعروف؟ ولماذا؟ لا أدري ... وأما البطاطة فينادى عليها بسيدي جابر؛ لأنها تجود في الأرض التي حوله.
جات على البهلي:
تعبير يعني سافرة متزينة.
جات على الطبطاب:
تعبير يعني جاء الشيء حسب المأمول.
جا على ملا وشه:
تعبير يعني بسرعة.
جاه الحزين يفرح، ما لقاش في القلب مطرح:
تعبير يعني من كتب عليه الحزن والشقاء، لا يستطيع أن يفرح فإذا جاء الفرح إلى قلبه، لم يجد مكانا.
جاه يكحلها عماها:
تعبير يقال لمن يريد أن يصلح شيئا فأفسده.
الجبا:
يستعملها العامة بمعنى هدية، فإذا دخل القهوة رجل وكان فيها من يعرفه فإن ذلك الصاحب ينادي صاحب القهوة ويأمره بأن يعطي الداخل القهوة على حسابه، فيقدمها صاحب القهوة ويضعها أمامه ويقول له بصوت مسموع: جبا من فلان! فيقول هذا في الحال: عاش الجبا وصاحبه.
ويقولون: «أنا بأطلب منك حقي، مش بأطلب منك جبا»، ويقول الرجل لآخر: إنت جبيت علي إمته؟ ما لكش جبا علي ... إلخ.
جبتك يا عبد المعين تعني لقيتك يا عبد المعين تنعان:
تعبير يقال لمن أتى ليستعان به فظهر أنه ليس أهلا للاستعانة به، بل هو جدير بأن يعان، وتسميته هنا بعبد المعين تسمية لطيفة؛ لأنه أتى به ليعين، فخير اسم له هو عبد المعين، كتسميتهم حسنا عند نداء الجميل.
جحا:
ليس يهمنا إن كان جحا شخصا تاريخيا أو خرافيا، تركيا أو مصريا، فهو على كل حال شخصية في أذهان المصريين، من أهم عناصرها أنها مضحكة حكيمة، ومن عهد قديم نسبوا إليها كل ما يصدر عن المصريين الفكهين المجربين من حكايات ونوادر، وكم ملأ جحا المجالس والمسامرات بحكاياته الرائعة ونكته اللاذعة، فإذا صادف أحدهم أن حكى حكاية من حكاياته أتبعه الآخر بحكاية أقدح منها وهكذا، وكل من جرب تجربة في الحياة واستطاع أن يصوغها في قالب فكاهي وضعها وحكاها، ونسبها الناس إلى جحا وتناقلوها عنه فيما بعد.
ومن اللطيف أن حكاياته تؤثر في أعمال الناس، كما كان الشعر يؤثر في الحياة العربية، فمن تردد في أمر أيعمله أم لا يعمله ذكر حكاية من حكايات جحا فحمسته أو أقعدته، ولجحا كتاب منسوب إليه مملوء بالحكايات عنه، وقد طبع مرارا.
جحا أولى بلحم توره:
تعبير يعني أنه أولى باستغلال ماله من غيره، ولو كانوا أولاده أو أقاربه.
جدع:
يقولون للشاب إذا كان ماهرا ذا مروءة: «جدع وأصله: جذع»، وهو من النوق ... ويجمعونه على جدعان.
وفي القاهرة طائفة ممن اشتهروا بالمهارة في الضرب وانقطعوا لحماية من استجار بهم يسمون «جدعان» مثل «الصعاليك» عند العرب، ويخشاهم البوليس وقد يغض النظر عنهم، ومنهم من يفتح قهاوي للحشيش، وفي الغالب يكونون أهل مروءة، قد تحتمي بهم المومسات والحشاشون والإفرنج من أصحاب القهوات ونحو ذلك.
ويظهر أنهم كانوا طائفة كبيرة ذكرهم الجبرتي كثيرا في تاريخه، وذكرهم على الخصوص عند ذكره «كفر الطماعين» و«كفر الزغاري» وقال: إن سكانهما يميلون إلى التعصب والتخريب ويسمون «فتوات»، ويتحالفون على المغالبة والمضاربة بالعصي، وكل طائفة منهم لها كبير يدعونه العم، ويناديه كل منهم «يا عمي» وهو يدعوهم بالمشاديد، يتبعونه إذا نازل خصومه، وعندهم أن السجن شرف ومروءة يتفاخرون به، وقد يوعز الجدع منهم إلى صديق له أن يفعل فعلة يسجن عليها ليستأنس به في السجن، ويتحاشون أن يغازلوا فتاة إذا عرفوا أنها صديقة أحدهم. حكم على واحد منهم بالسجن شهرين، فلما دخل السجن ورأى ما فيه من الراحة والنظام، ورأى كثيرا من أصحابه، تشاجر مع أحد السجانين رغبة في طول المدة، وقد قيل لرجل منهم وهو ذاهب إلى السجن: كيف فعلت هذا مع أنك غني تستطيع الإنفاق على نفسك في بحبوحة؟ فنظر إليه نظرة ازدراء وقال: إن الله أمدني بالصحة والقوة، فكيف لا أستعمل مواهبي فيما خلقت له وهي الضرب والعبث؟
جدوار:
نبت يأتي من الهند، ويذكر كثيرا في كتب الطب كتذكرة داود وابن البيطار، وهو مخدر كالحشيش ، ويستعمل بدله إذا غاب، ولكنه أشد منه ، فيصاب متعاطيه بالذهول والغيبوبة.
الجديد:
لعبة يلعبها الأطفال خصوصا، وهي أن يوضع شيء في إحدى اليدين بطريقة إخفاء، ثم يسأل عنها اللاعب الآخر، فإن عرفها أخذها ولعب بها، وإلا كان للاعب الحق في أن يضربه، ويطلق على نوع صغير من العملة المصرية فيقال: ليس معه ولا جديد، ويظهر أن هذا الاسم أطلق عليه في أول العهد بضربه، ثم بقي استعماله حتى بعد أن قدم.
الجراية:
هي خبز من القمح كان يوزع على مجاوري الأزهر وعلمائه، فبعض المجاورين والعلماء لهم مقدار معين من الخبز كل يوم، من ثلاثة إلى أكثر، يذهب كل يوم، ويتسلمها، وبعضهم بعد استلامها يقف على بعض أبواب الأزهر ليأتدم بثمنه أو يدخره.
وقد بطل هذا اليوم، وحل محله قليل من المال يعطى بدلها، وقد استعار بعض الناس هذه الكلمة فأطلقوها على كل مرتب معين، كالخباز يحضر راتب الخبز، والجزار يحضر راتب اللحم، وهكذا.
الجرب:
مرض معلوم يداويه المصريون بالكبريت المسمى بكبريت العمود، يدقونه أحيانا ويضيفون عليه السكر ويتعاطونه، وبعضهم يجعل من مسحوقه مرهما، ويصيب الجمال أيضا ويسمونه «حك» وقد كان هذا المرض منتشرا في القاهرة بسبب القذارة، وعدم الاحتياط في الاختلاط، وكان شائعا عندهم أن منشأ هذا المرض الجامع الأزهر لكثرة ما فيه من الأتربة والقمل والبق.
وفي سنة 1293 انتشر هذا المرض في القاهرة بشكل وباء، ونسبوه أيضا إلى الأزهر، وكان يعم كل من في البيت أحيانا، وكان السودانيون إذا أصيبوا به، وظهرت قروح على أيديهم يأتون بشقفة فخار ويحكون جلدهم بقوة، حتى يسيل الدماء ويسلخ الجلد، ويأتون بملح ناعم ويذرونه عليه، ويربطونه بشاش، وبعد أيام يجف الملح، وتجف القروح ... وهو علاج فظيع.
الجرة:
اعتاد المصريون أن يكسروا جرة أو قلة وراء الخارج من البيت أو المسافر إذا كان مكروها، ويقولون: «كسروا وراه قلة» ويعتقدون أنهم إذا فعلوا ذلك فلن يعود، واعتاد بائعو الترمس والفول «المقيلي» أن يصففوا على عربتهم قللا صغيرة لمن يريد أن يشرب كأنها سبيل لله، كما اعتاد بائعو حب العزيز أن يبيعوه بزفة ، وقد كان من عادة بعض الناس أن يصففوا أمام بيوتهم قللا نظيفة ملأى في رمضان ليشرب منها المارون وقت الإفطار، وشبهوا الكمثرى بقلل الشربات، فقالوا: «زي قلل الشربات يا كمثرى» كما شبهوا التين الشوكي بكيزان العسل، وجنبة البلح ببير العسل، واشتهرت قنا بالقلل إذا حرقت تكون ذات مسام واسعة، تساعد على تبريد الماء، وكان بعض الناس يبيع قلل سمنود على أنها القلل القناوي، إذا ضبط ذلك المحتسب أوقع العقوبة على البائع.
ويحكون أن أحد الأتراك وهم من طبعهم حب السلطة، أحيل إلى المعاش، فأتى ببعض القلل يسقي به الناس إحسانا، فإذا أراد رجل أن يشرب من قلة زجره وأمره أن يشرب من الأخرى، إظهارا لسلطته ليس إلا، وأهل الشام يقولون: «زي قلل مصر لا جسم ولا خصر»، وكان للمصريين عناية بالقلل تدعك كل يوم بالرمل، وتنظف وتوضع في صينية الماء وتوضع الصينية في المشربيات لتبرد.
وكثيرا ما كانت تملأ من الأزيار لتزيد برودتها.
جرى العب:
تعبير يعني أنه لا يستحق أن يهتم به.
جرى لعقلك إيه:
تعبير يعني ماذا أصابك؟
الجرسة:
تستعمل في اللغة العامية بمعنى الفضيحة يقولون: «دي تبقى جرسة وهتيكة»، وقد كانت في الزمن الماضي إحدى العقوبات؛ فكان الحكام الأتراك إذا أرادوا التشهير بمذنب أركبوه ووجهه إلى ذيل الحمار، ويصيح الأطفال صيحات مناسبة، فإن كان لصا جعلوه يمسك الحلي أو النقود التي سرقها ويقولون: الحرامي أهوه ... ونحو ذلك، وإذا كانت الجريمة زنا، شهروه بكلمات تدل على عمله.
ويظهر أن الكلمة مأخوذة من الجرس، وهو الصوت.
وقد انصرفت الكلمة في هذه الأيام إلى التشهير بالمجرمين في الجرائد الهزلية بذكر أسمائهم وأفعالهم.
الجزار:
في ليلة العيد الكبير، وفي صبحه بعد صلاة العيد تسمع منادين: جزار، جزار؛ ينادون الناس ليذبحوا ضحية العيد، وبعد ذلك بقليل تسمع منادين آخرين ينادون: فروة للبيع، جلد للبيع، فيشترون جلد الخروف المسلوخ وفروته بثمن بخس.
وقد جرت عادة لطيفة، وهي أن يتبرع المضحون بها لجمعية الإسعاف، وهم يبيعونها بأثمان معتدلة تضم إلى مالية الجمعية، وهذه الفراوي والجلود تدبغ في المدابغ العامة، فتستعمل الفراوي في البيوت للجلوس عليها شتاء، أو تحت أرجل المترفين في السيارات، أما الجلود فتدبغ لاستعمالها في النعال.
جزاك يا قلب تستاهل كلام الناس وتعذيبك تظن الحب بالساهل وتمشي لي على كيفك:
في هذا جملة تعبيرات شعبية، فأولها جزاك؛ أي كما تقول جزاء وفاقا، وتستاهل؛ أي تستحق، وهي عربية الأصل وكانت بالهمزة وسهلت وتظن الشيء بالساهل، وتمشي على كيفك؛ أي تبعا لهواك.
الجزع:
يستعملونها أحيانا بالمعنى اللغوي وهو شدة الحزن، وأحيانا يستعملونها استعمالا آخر فيقولون: جزعت نفسي؛ أي جاشت، وهم يداوون هذا الجزع بليمونه، قد يضيفون قليلا من الملح أو من غير الملح بها، ويداوونه أحيانا دواء خرافيا، وذلك أن يضعوا قشة في لباس رأس كعمامة أو طربوش أو طاقية ويأمرون صاحبه بتحديد النظر إليه، يقصدون بذلك أن يحصر نفسه في النظر إليها من غير أن يفكر في هذا الجشيان.
وأما الجزع بالمعنى الأول فهو ظاهرة من ظواهر المصريين نتيجة للغلو في العاطفة، سواء في السرور أو الحزن، فإذا فرحوا (هيصوا) وأنفقوا كل ما لديهم، وقد يستدينون لإظهار فرحهم ... وإذا حزنوا أفرطوا في حزنهم حتى بلغوا حد الجزع، وأقاموا المأتم وبالغوا في النواح، ولذلك قال بعضهم: «ثلاثة تشقى بها الدار: العرس، والمأتم، والزار.»
جسمه معفرت:
تعبير يعني عليه عفريت.
الجعان يحلم أنه في سوق العيش:
أي إن أحلام الرجل أو المرأة صورة لحال المرء في اليقظة.
جعيدي:
الجعيدية، طائفة تطلق عليهم هذه الكلمة، ولا أدري من أين جاءت، وهي طائفة سافلة حقيرة من الناس، صناعتهم غالبا الشحاتة، يسير اثنان مع بعضهما في الغالب، أحدهما يحمل دربكة صغيرة، والآخر يحمل صاجات، يلبسان ثوبا قصيرا لا يتجاوز الركب، حفاة بلا سراويل، وعلى الرأس إما طربوش قديم أو عمامة قديمة أو طاقية قديمة، ويغشيان المحلات، أحدهما يطبل على الدربكة، والآخر على الصاجات، ويغنيان أغنيات خاصة أكثرها بذيء ...
ومن هؤلاء طائفة تسمى الأدباتية، وهم يقولون زجلا لطيفا بعضه محفوظ وبعضه منشأ إنشاء يناسب المقام، وقد ينشئون زجلا في موضوع خاص فيجيدون فيه.
وقد يلبسون طربوشا ويحركون زره حركة دائرية ليثيروا الضحك، ومن أقوالهم المشهورة:
أنا الأديب الأدباتي
أحب العيش تحت بطاطي
وقد حدثت حادثة كبيرة مع السيد عبد الله نديم رواها في مجلته «الأستاذ» وقال: إنه نازلهم وتصدى لرؤسائهم وتحداهم، وقد كان جالسا في المولد الأحمدي، فجاء بعض هؤلاء الأدباتية، فقال لهم النديم صارفا لهم:
أقل لك امش ما تمشيش
يطلع علي حشيشي
وما زال بهم حتى صرفهم، وبلغت القصة مدير الغربية فجمعهم في حفل كبير وساجل بينهم، فغلبهم النديم حسبما روي، وأحيانا يستغفلون الناظر إليهم بألعابهم فيسرقون ما معه قال لي صديق: إن شابا يعرفه كان جالسا على القهوة فجاء بعض هؤلاء الأدباتية فلعبوا أمامه ألاعيبهم ثم استغفلوه وسرقوا كيس نقوده وفيه مائتا جنيه، فسقط الشاب مغشيا عليه، فرآه رجل فسأله عن قصته فحكاها له، فطمأنه.
وكان الرجل صديقا لشيخ الأدباتية فأخذ الشاب وذهب به إلى حي السيدة زينب وقصد معه إلى شيخ الأدباتية فوجداه في منزل ضخم، ودعاهما إلى الغذاء، وغداهما أصنافا مختلفة من الطعام، حتى إذا جاء المغرب حضر أدباتية البلد فاستوضحهم وسألهم عن الكيس فأحضروه له، فسلمه لصاحبه وأراد المسروق منه أن يعطي شيئا للرئيس فمنعه صاحبه، وأفهمه أنه فعل ذلك مروءة على حسب عادته.
جلاب اليسير:
لقب للسيد البدوي، يزعمون أن من خصائصه أنه يذهب إلى بلاد الكفار حيا وبعد وفاته ويجيء بمن عندهم من أسرى المسلمين، ويصعد خدمته إلى مئذنته صباحا فيجدون هؤلاء الأسرى فوقها، وفي أيديهم وأرجلهم سلاسل الحديد، ولتأكيد ذلك يكون في مولد السيد عشرة أو أكثر لابسون البياض وفي أيديهم أو أرجلهم الأغلال، يدعون أنهم أسرى السيد، وإذا استغاث أحد بالسيد قال: يا باب النبي يا سيد يا جلاب اليسير يا سيد!
الجلبية الزرقاء:
كثر لبس العامة الجلاليب الزرقاء، وهي عبارة عن بفتة مصبوغة بالنيلة فتكون زرقاء، حتى يطلقها بعض الإفرنج على أهل الجلاليب الزرقاء، وأكثر من يلبسها الفلاحون الذين يعملون في الغيطان.
الجلة:
كانت الجلة ولا زالت هي وقود الفلاحين يطبخون عليها وعلى عيدان الذرة ويحمون بها الأفران، وهي عبارة عن روث البهائم مخلوط بالتبن.
ومن غريب الأمر أنهم كانوا يبيعونها في القاهرة، يضعونها في جنبتين على الحمار وينادون عليها بالجلة الصيفي، أيام كان الناس يعجنون بأنفسهم ويخبزون في أفرانهم الخاصة، قبل أن يطاف بالخبز على البيوت.
الجلجلوتية:
هي قصيدة من العزائم السحرية، يعتقدون أن من قرأها قضيت حاجته. (انظر تسخير الجان).
الجمل والغزالة:
قصة مشهورة منظومة شائعة بين العامة في ذكر معجزة من معجزات الرسول
صلى الله عليه وسلم ، أولها:
في أول القول مدحك يا نبي استفتاح
يا من تسلم عليك الشمس كل صباح
نطق الجمل والغزالة وأسلم أبو مسعود
على يد ابن رامة صفوة المعبود
كان النبي والصحابة جالسين صفين
مجتمعين بابن رامة سيد الكونين
إلا أتاهم جمل يبكي بدمع العين
نطق وقال السلام مني عليك يا زين
قال له عليك السلام يا جمل مالك
لا بد ما جيت تشكي من عيا حالك ... إلخ القصة.
جميلكم على راسي:
الجميل الصنيع وعلى راسي بمعنى أنه تلقي بترحيب، ويستعملون أيضا على راسي عندما يطلب من أحد شيء فيرحب ويعد به، فيقول على راسي حاضر.
الجنازة:
أحيانا تطلق هذه الكلمة على جمع من النساء يجتمعون في بيت الميت للبكاء والعويل والولولة والصياح واللطم وخمش الوجوه، ويسمى المأتم، وأحيانا تطلق الكلمة على مجموع السائرين بالنعش في الطريق، فقهاء ومعزين، ومن عادة المصريين وخصوصا المصريات الغلو في عواطف الفرح والحزن، فكان إذا مات رجل عظيم فكل نساء بيته يغطين رءوسهن بالأسود وأوجههن بالوحل أو بالنيلة، وهي عادة قديمة ذكرها هيرودوت عن المصريين القدماء في تاريخه.
فهن يكثرن من الدفوف والدق عليها بنغمات خاصة، والقرع على الصدور بالأيدي، وقد يضربن صدورهن بالأحجار، ولا يلبسن الملابس إلا إذا كانت سوداء.
وإذا كان الميت عزيزا صبغن كل غطاءات الفرش والوسائد بالسواد، وقلبت البسط والسجاجيد، ووضعت ووجهها على الأرض، والنجف والشمعدانات تلف بقماش أسود، وتستدعى طائفة من النساء تسمين المعددات وتغنين أغاني مخصوصة بنغمات حزينة ، وتمتنع الزوجة إذا مات زوجها عن الحموم.
وإذا كان للميت فرس كان يركبها يقص ذنبها ويوضع الشعر على السرج، وتقاد أمام النعش.
ومن اعتقادهم أن روح الميت تبقى بجوار الجثة وهي في البيت قبل الدفن لا تفارقها، ولا يصح إدخال السمك ولا الفاكهة في بيت الحزن إلا بعد الأربعين، ولا يصح أن يوضع السكر على القهوة أيام المأتم، ولا بد من إضاءة السراج مدة ثلاثة أيام في الحجرة التي مات فيها، ولا بد أن يفرش النعش تحت الميت بشيء كلحاف ونحوه، وإذا كان الميت من الأغنياء لف النعش بشال من الكشمير، ولا بد أن يكون ماء الغسل والصابونة والليفة التي يغسل بها الميت من خارج البيت، ويفرش في المقبرة حيث يوضع الميت حناء، إذا كان الميت عزيزا أو غنيا.
وإذا قورن ما نسمعه من ضبط بعض الإفرنج عواطفهم الحزينة أخذنا العجب! فقد حكي لي أن أستاذا ألمانيا كبيرا كان يدرس في مصر ثم ذهب إلى إجازة، وأراد مرة أن يتسلق جبلا مع أحد تلاميذه فزلفت رجله ومات، فلما أخبرت زوجته وكان عزيزا عليها وصادف أن أباها زارها من الريف ليقضي عندها ليلة، صبرت وكتمت عنه الخبر لئلا ينزعج، وكانت تدخل الحجرة وتغلقها على نفسها وتبكي، فإذا خرجت إليه لم يشعر منها بشيء غير عادي حتى أتى الصباح فأخبرته، وخرجت إلى المستشفي وتسلمت زوجها لتدفنه.
وأخبرت أن عميد جامعة أمريكية في بيروت قتل ابنه الوحيد في الحرب العالمية الثانية، فلما ذهب بعض الأصدقاء ليعزوه هو وزوجته لم يلاحظوا عليهما أي شيء غير عادي، فظنوا أن الاسم مغلوط، وأبوا أن يعزوهما، حتى لا يقعا في خطأ، ثم تأكدوا من أن الخبر صحيح وأنهما هما المنكوبان، فعجبوا من ضبط عواطفهم.
وكان لنا جارية ومات أحد أقاربنا وكان عزيزا علينا فحلقت شعرها وظلت أربعين يوما لا تأكل إلا الزيتون الأسود، ولا تنام إلا على حجر، ولا تشرب القهوة إلا سادة، وتدعي أن في ذلك وفاء للميت، وقد زال كثير من تلك العوائد اليوم.
الجناس اللفظي:
يولع المصريون في كلامهم بالجناس اللفظي يستعملونه في نكتهم وفي أغانيهم كثيرا مثل قولهم في الأغاني:
محبكم داب وأنتم لم دريتو به
والنار بترعي فؤاده وأنتم لم دريتو به
وهي متجانسة اللفظ، ومعنى الشطر الأول أن المحب ذاب من حبه، وأنتم لم تدروا به، ومعنى الشطر الثاني أن النار ترعى فؤاده، وثوبه لم يدر بالنار ... وأعرف صديقا كان يسير في الشارع فقابله رجل يعرفه فسأله: ماذا فعل فلان في الامتحان؟ قال له: ما نجحش، فقال: ما أنا عارف، ولكن هو عمل إيه؟ فكانت نكتة؛ لأن كلمة ما نجحش، فسرها بمعنى أنا جحش.
جن: «جن» يقال: فلان جن، وجماعة جن، للفرد والجماعة بمعنى أنه أو أنهم أشرار، ومثله لفظ عفريت، وعفاريت.
وقد أخذه المصريون من صورة الجن في القرآن، واعتقاد العرب فيهم، وقول كل شاعر إن له شيطانا.
يقول أبو النجم العجلي:
إني وكل شاعر من البشر
شيطانه أنثى وشيطاني ذكر
ويزعم الفرزدق أن له شيطانا اسمه «عمرو»، ويزعم أعشى ميمون أن شيطانه اسمه «مسحل» وهو يقول في قصيدته:
دعوت خليلي مسحلا ودعوا له إلخ ...
ويروى لحسان بن ثابت:
ولي صاحب من بني الشيطان
فحينا أقول وحينا هوه
وأغلب المصريين وخصوصا الأطفال والنساء يزعمون أن الجن تظهر بالليل في صورة كلب أو قط، والأغلب في صورة قط أسود، ولذلك يتحاشون ضرب القطط والكلاب بالليل، وإذا صادف وجود قط غريب بالليل في بيت من البيوت، لم يشكوا في أنه جن، وراقبوا حركاته وسكناته، وفسروا كل حركة بتفسير، وإذا تقدم القط إلى الأكل من أحد الأطباق فلا يطرد وإن خطف اللحم؛ ويعتقدون أنه إذا ضربوه أذاهم.
وهم يزعمون أن الجن تفعل كثيرا مما يفعله الناس، فمثلا نسبوا إليها أنها بنت «تدمر» ويزعم القطامي أنها تغني.
ويزعمون أيضا أن للجن علاقة بالإنس، فقد يعشق الجني امرأة، وقد تعشق المرأة رجلا، والفقهاء في بعض كتبهم فرضوا صحة ذلك، وكنت أعرف رجلا شركسيا كثير الصمت، قليل الكلام، تبدو عليه كثرة التفكير، فكان يزعم أن جنية تعشقه، وأنها لذلك منعته من التزوج، وأنه يختلي بها كل ليلة، وقد قضى حتفه، رحمه الله، ساكنا متبتلا معتزلا الناس.
وذهبت العرب إلى أن الجن لا تأكل، ولكن المصريين يزعمون أنهم يأكلون ويشربون، ولذلك اعتاد بعضهم إذا توهم أن مرضه جاء من غضب الجن عليه، أن يذيب في الماء نوعا من السكر الأحمر، في إناء بعد صلاة العشاء ليلة الجمعة، ويأخذ المريض ذلك الإناء أو ينيب عنه من يصعد به إلى سطح البيت وهو ساكت لا يتكلم، ولا يلتفت وراءه وهو صاعد، ويقلب الإناء بما فيه على الأرض، ولا يذكر اسم الله وهو يريقه، ثم يترك الإناء وهو في مكانه، وينزل كما صعد ... يزعمون بذلك أن الجن تشربه، ويكررون هذا الأمر ثلاثة أسابيع على الأقل، فقد يرضى عنه الجن فيشفى.
ويزعم المصريون أن الجن قد تتعرض للإنسان إذا سار وحده بالليل، وقد يتشكل الجني بشكل حذاء قديم بال؛ وأن الإنسان إذا لقي الجني وضربه بالسلاح أو رماه برصاصة فأصابته، يصير نعلا قديما ولذلك يكثر استعمال النعال القديمة تعويذة أو حجابا يعلقونها على رأس الخيل أو الحمير أو الجمال؛ وكثيرا ما يعلقون حذاء قديما في رقبة الأطفال يزعمون أنه يمنع تأثير العين، ولا يصلح هذا النعل القديم لذلك إلا إذا وجد ملقى في الطريق ولا يعرف له صاحب، وأن يوجد أحد النعلين فقط.
وقد يعتقدون أن سبب المرض جنية سوداء لبست الرجل أو المرأة، فلا ترضى عمن لبسته إلا بالزار، وفي الزار هذا تدق للجني الأسود دقات على نغمات خاصة، يفقر من أجلها من لبسته الجنية، فيأتي بحركات بهلوانية. •••
وعقب تولي محمد علي مصر عرف كثير من الأتراك اعتقاد المصريين في الجن، فكانوا يلبسون بالليل ثيابا سوداء أو بيضاء ثم يخرجون، زاعمين أنهم جن، فيخاف المصريون ويهربون، فيغتنم الأتراك هذه المسألة ويفعلون ما يريدونه.
وأعرف سيدة مقعدة تعتقد أنه لبسها الجن بسبب أن أحد خدمها ضرب قطا أسود بالليل، فعاد القط شديد الصياح، ثم اختفى فخافت من أن يكون جنيا يؤذيها ، وكذلك كان.
وبعض المصريين والمصريات يزعمون في بعض البيوت أنها مسكونة، ومعنى أنها مسكونة أن الجن سكنوها، وخصوصا إذا حدثت في البيت حادثة قتل، فهم أحيانا يسمعون أنينا، وأحيانا يضرب البيت بالحجارة، ونحو ذلك، وأعرف صاحبا لي اشترى بيتا رخيصا في المعادي؛ لأنه قتل فيه صاحبه، فسكنته العفاريت، فبيع بنصف ثمنه أو أقل.
ويتصل بذلك اعتقاد الناس وخصوصا النساء بأن العفاريت تتقمص الرجال والنساء، فإذا تقمصتهم نطق الجن على ألسنتهم بأصوات غريبة، ثم أخبروا على ألسنتهم بأخبار غريبة، وتنبأوا بتنبؤات مستقبلة.
وكان في زمننا يكاد يكون في كل حارة أو جملة حارات شيخ أو امرأة من هذا القبيل، وحدث هذا للشيخ يوسف صاحب المقام المشهور، فقد تنبأ مرات بأحد المغيبات أمام الوالي، وصدق في تنبئه، فادعيت له الولاية وبني له مسجد كبير في شارع القصر العيني، ودفن فيه، واعتقد فيه.
وحدث مرة أن ادعت المرأة أن الجن تقمصوها، وذلك في عهد محمد علي باشا، ففتنت الجنود، وكثر اعتقادهم فيها، حتى استفحل أمرها، فخاف محمد علي من ذلك فاستدعاها إلى قصره، وكان الوقت ليلا، فأمرت بإطفاء الأنوار وادعت أنها تحضر الجني، فحضر، وتكلمت بكلام رجل كأنه الصوت يخرج من بطنها فأطراها محمد علي على فعلها وأمرها أن تقرب منه حتى يقبل يدها، فلما مدت يدها قبض عليها وأمر بإضاءة الشموع، فرأى أنها هي المرأة ولا جني ولا غيره، ثم أمر بإلقائها في النيل، فجزع الجند الحاضرون، وظنوا أنها ولية وأن هذا الأمر خارج عن الدين فقال لهم محمد علي: لا تجزعوا، لو كان الجن معها لأخرجوها من النيل، ولو كانت مدعية ادعاء باطلا فقد استرحنا منها، فلما ألقيت غرقت واستراح الناس منها.
وكان في حارتنا رجل يسمى الشيخ الصبان كان يبيع الفحم على باب الحارة ثم عمي وافتقر، وسكن في غرفة ضيقة فما لبثنا أن سمعنا أن جنا تقمصته، وأنه يبين المخبآت، ويتكلم بصوت غير صوته الطبيعي فقصده الناس من كل فج، وصلح حاله .
جنينة الأزبكية:
هي حديقة في حي الأزبكية ، تبلغ نحو اثني عشر فدانا، وهي الآن متنزه ينتزه فيه الناس خصوصا بعد العصر وتصدح فيه الموسيقي العسكرية يومين في الأسبوع هما يوم الأحد والجمعة، ولكن لها تاريخ طويل، لا يهمنا منه إلا ما كان قبل عصرنا بقليل، فقد عاصرت الاحتلال الإنجليزي وتعود الناس الحرية، وصارت كلمة الحرية تجري على كل لسان، فكانت جنينة الأزبكية مظهرا لتلك الحرية التي فهم الناس منها الفجور والخمور والحشيش والقمار.
وكانت جنينة الأزبكية مراد أصحاب الشهوات فامتلأت بحانات الخمور والمراقص والمغنين والمغنيات، وأماكن الحشيش والقمار والفساد، وأمها الناس من كل حدب، حتى كان اسم الأزبكية دالا على الفسق والفجور بأنواعهما، فما تبلغ الساعة الرابعة بعد الظهر، حتى يتزاحم الناس على الأبواب للدخول شيبا وشبانا، ورجالا ونساء يبغون الحظ والانشراح، وتنتشر في طرقاتها العاهرات، وبعد غروب الشمس يأخذ الأروام في ترتيب حاناتهم، وترى أمام الحانات من يحمل زجاجات الخمر وجوقات المغنين والمغنيات ترد تباعا؛ فإذا أظلمت الدنيا أضيئت الثريات والفوانيس، وتأخذ كل جوقة مكانها، وترص الكراسي رصا، ويملأ بعض صفوفها النساء العاهرات، أمام كل واحد مائدة، عليها ثياب خفيفة رقيقة ينطقن بألفاظ الفحش، ويتثنين تثنيا ملهبا للشهوات، ويملن ذات اليمين وذات اليسار، ولكل تخت فيه جمع من الآلاتية تتوسطه امرأة تسمى عالمة، تظهر دلالاها وفجورها، كل بحسب طريقته، ويقصدها كل ليلة الوارثون، وتنظر إليهم العاهرة نظرة فيها تنهد ليعرف أنه المراد، فيقع الواحد منهم في شركها، وأصحاب تلك القهوات غالبا من الأروام، فيحضر ويكثر من نعوت الباكويات والباشوية وسعادتك، فيقول بلهجة الآمر: «شوف الست» تشرب إيه؟ فتطلب الشمبانيا من الصنف الغالي الذي كان في وقتها يساوي عشرين فرنكا؛ أي ثمانين قرشا، وتشرب منها كأسا ثم تتركها وتطلب غيرها، باتفاق مع الرومي، وتصف الزجاجات التي طلبت على المائدة؛ فإذا امتلأت وضعت الزجاجات تحتها، وكلما برعت المرأة كثرت الزجاجات التي تفتح لها؛ وإذا عجزت المائدة عن الزجاجات من فوق ومن تحت صفت مائدة أخرى، وهكذا، حتى ليبلغ عدد الزجاجات أحيانا مائة زجاجة أو مائتين، فإذا فعل الرجل ذلك أشارت إليه المرأة إشارة شكر، ولا يزال كذلك حتى يفرغ جيبه، وهناك موائد القمار لا ترى فيها كاسبا إلا الرومي صاحب الحان، وكان في الجنينة جبلاية وبركة، وفوق الجبلاية قهوة ملئت بالنساء العاهرات جلسن بجانبهن الشبان.
وفي مكان آخر جوقة من الموسيقى، وأما البركة فكان فيها قوارب تحمل الرجل وخدنه، والرجل وغلامه، وهنا وهناك تخت آلاتية يجلس فيه المغني على شلتة مربعة يتمايل يمينا وشمالا، واشتهر من هذه التخوت تخت شاب يهودي يسمى داود اليهودي، لا يتجاوز العشرين إلا قليلا، جميل الوجه، بدين الجسم، وحوله جوقته، ويغشى هذه الجنينة بعض الأتراك والألبان بغوغائهم وصلفهم، ويكثر بين العشاق وعشيقاتهن الرسل يحملون الأخبار، ثم أزيلت هذه المساخر بعد أن تدفق فيها ملايين من الجنيهات، وفسد منها كثير من الشبان والشابات، وهدمت البركة، وتفرق حول الجنينة الرواد، وبذلك لعبت جنينة الأزبكية دورا هاما.
ومن ذكرياتها أن عبده الحمولي المغني المشهور، كان في نشأته خريج إحدى تلك التخشيبات.
والله مغير الأحوال ... فقد مضى عليها زمن كانت مقابر، وأحيانا كانت مساخر، وأحيانا كان مسرحا للغيد والغلمان، ومعرضا للغناء، ثم زالت كل تلك الأحوال.
جهاز العروس:
اعتاد المصريون أن يغالوا في جهاز العروس، وأن يضعوه على عربات مكشوفا، وكلما كانت العربات أكثر كان الزهو بالجهاز أكبر، ولذلك يضعون على العربة مرتبة ولحافا فقط، أو بضع مخدات فقط، حبا في التظاهر بالكثرة، وفي أفراح الأنجال؛ أي إنجال إسماعيل، كان جهاز كل من عروس البرنس حسين وحسن منسقا في ثلاث غرف فسيحة بالقصر العالي للعرض على الأنظار، من حلي مرصعة بالجواهر والألماس، وقد عرض جهاز العرائس الأربع محملا على عربات تحت حراسة جند، تتقدمها فرقة موسيقية لإرسالها إلى بيوت العرسان.
جوزوا مشكاح لريمة قال، ما على الاثنين قيمة:
جوزوا؛ أي زوجوا، تعبير يقال لموافقة الشيء للشيء من غير أن يكون لهما قيمة تذكر.
الجوقة:
يطلقونها على جماعة من الناس، وعلى الأخص الجماعة يكونون مع المغني.
جيبه نضيف زي الكف:
تعبير يعني أنه ليس فيه شيء.
حرف الحاء
الحاء:
يقولونها مقصورة لزجر الحمير، والحث على السير، ويستعملونها أيضا في اللغة العامية مقصورة أو من غير ألف للدلالة على الفعل يحصل في المستقبل القريب.
فيقولون: حاقرأ، وحاكتب، وحامشي؛ أي سأفعل ذلك سريعا، وربما كان اختصارا من كلمة حالا؛ أي حالا أكتب، وحالا أقرأ، وحالا أمشي.
الحاتي:
أصلهم عائلة مصرية، والحاتي لقب لهم، وقد اشتهر من بعض هذه الأسرة جماعة عرفوا بصناعة اللحم المشوي، يسمى الكباب، يصنعونه فورا عند الطلب، وينضجونه بسرعة، ومن عوامل نضجه بسرعة أنهم يضيفون عليه بعض المواد كملح النطرون، ومن غلبة هذه الصنعة عليهم أن صاروا يسمون كل من يصنع الكباب: «حاتي» حتى اشتقوا أيضا من الكلمة أفعالا، فقالوا: «حتاه»، و«يحتيه»، بمعنى أكل مخه، وضحك على عقله، وهذه إحدى الكلمات التي شاهدنا تطورها في حياتنا، فانتقلت من اسم أسرة إلى اسم صناعة إلى الدلالة المعنوية.
ومن لذة الكباب، أن شبهوا الطعمية به إذا كانت لذيذة فقالوا: طعمية كباب، وكنت أعرف بائعا للطعمية لا يرضى أن يقال: هات طعمية، بل لا بد أن يقال له: هات كباب، اعتزازا بطعميته.
ومن مشهيات أكل الكباب إتقان أنواع السلطات، فسلطة طحينة، وسلطة لبن وسلطة قوطة إلخ ...
وقد صار طعام الحاتي هذا مشهورا عند المصريين، كالفول المدمس والطعمية، والبسارة، وإذا أتى أجنبي وأراد أن يعرف الأطعمة المصرية، كان في مقدمتها الكباب الذي يصنعه الحاتي، والفول المدمس، والطعمية، والكنافة.
ومما يتظرف به بعض المصريين أن يجعلوا مائدتهم كلها من هذه الأطباق المصرية البحتة.
حادثتان:
خصصتهما بالذكر؛ لأنهما كانتا مؤثرتين في نفسي وفي نفس معاصري وفي الرأي العام، وتدلان على مقدار حساسية الرأي العام في بعض النواحي دون بعض، الأولى حادثة زواج الشيخ علي يوسف، وهي حادثة لو وقعت في البلاد الأوروبية ما اهتمت بها، ولا التفت إليها الرأي العام أي التفات ... ولكنها كانت في مصر كبيرة الشأن جدا، حتى إن الرأي العام اهتم بها أكثر مما اهتم بمصائب الاحتلال الإنجليزي، بل ربما كان الاحتلال قد وسعها ليلهينا بها عن أعماله فينا ، وخلاصتها أن الشيخ صاحب جريدة «المؤيد» تزوج بالسيدة صفية بنت الشيخ السادات، وهي حادثة تحدث كل يوم ولا تحرك ساكنا، ولا تلفت ناظرا، ولكن هذه الحادثة أقامت مصر وأقعدتها، وملأت الصحف والمجلات، وحركت مشاعر الشعراء فشعروا فيها، والمتندرين فتنادروا عليها، حتى سموا عامها عام الكفء، كما سموا عاما قبلها عام الكف، وشغل بها الناس من الخديو إلى البائع الجوال، ذلك أن الشيخ علي يوسف، وهو رجل كهل، تزوج بنتا بلغت سن الرشد، برضاها دون رضا أبيها، واعترض أبوها على هذا الزواج، فما أهمية هذا الحادث؟ ولكن لعبت الخصومات السياسية، فقد كان للشيخ علي يوسف صاحب جريدة «المؤيد» أعداء كأصحاب «المقطم» وجريدة «اللواء» للحزب الوطني، ومحافظة المصريين على حرمة الزواج وعدم التعدي على تقاليده المتبعة، وفراغ عقول الناس جعل هذه المسألة مسألة الرأي العام.
وقد رفعت قضية الشيخ السادات لطلب فسخ عقد الزواج لعدم تساوي الزوجين في الكفاءة؛ إذ هي شريفة من نسل النبي، وهو ليس شريفا.
واشترك في هذه المعمعة القضاء والسياسة والأدب والأخلاق، فجلسات المحاكم وما دار فيها من مرافعات تطلع على الناس في الجرائد، والشعراء يضعون المقطوعات الظريفة، والجرائد الهزلية تنشر النكت اللاذعة، والباحثون يبحثون في سلسلة نسب الشيخ يوسف، هل هو من الأشراف أو لا، والشيخ على يوسف يدعي الشرف، ويستخرج من نقابة الأشراف سلسلة نسبه، فإذا أحد أجداده يلقب بالخواجه فلان، فيبحث: هل الخواجة لا تطلق إلا على النصراني أو لا؟ وهكذا من سخافات.
وقد كانت هذه الحادثة سببا في انتشار الجرائد بين الناس ليروا فيها كل يوم طريفة، وكان ذلك أيضا سبب اتصالي بالجرائد بعد أن كنت لا أقرؤها.
والحادثة الثانية حادثة دنشواي، ودنشواي بلدة في المنوفية، وكان قد خرجت فرقة من جنود الإنجليز مع ضباطها من القاهرة إلى الإسكندرية، فلما وصلت إلى منوف انحرفت في سيرها، وقصد خمسة ضباط منهم بلدة دنشواي، لعلمهم أن فيها حماما يصاد، فبينما هم يصيدون، خرجت من يد أحدهم رصاصة أصابت امرأة في الجرن، وأشعلت فيه النار، فهاج زوجها ولم يرد أكثر من أن يساق الجندي إلى المركز، فاجتمع حول الضابط زملاؤه وجاء الرجال من أهل البلدة لإنجاد صاحبهم، فأطلق الضباط الإنجليز النار على الأهالي، فأصيب بعضهم، فهجم الأهالي على الضباط وجردوهم من سلاحهم، وضربوهم بالعصي الغليظة، فأصيب ضابطان، وجرى ثالث وهو جريح وعدا مسافة طويلة، ثم سقط على الأرض ميتا، فلما علم الجنود الإنجليز بذلك حضروا وقبضوا على من حول القتيل من الأهالي وفر أحدهم فأطلق الإنجليز عليه الرصاص وقتلوه، ومثلوا بجثته، وقامت الدنيا لهذه الحادثة وقعدت، وتوعد الإنجليز أهل دنشواي بأشد العقاب وفعلا أقيمت المشانق في دنشواي، وقتل بعض الفلاحين وجلد البعض، ونستخلص من الحادثة الأولى: (1)
أن الرأي العام المصري في ذلك الوقت كان يتحرك للتوافه من الأمور، وبغض النظر عن عظائمها، كالاحتلال الإنجليزي، والظلم الذي يقع على رأس الرعية من حين إلى حين. (2)
أن مسألة الزواج عندهم مقدسة وخاضعة للتقاليد القديمة. (3)
تدخل السياسة في الأشياء حتى البعيد عنها فتفسدها. (4)
غلبة المسائل الشخصية على المسائل العامة.
ونستطيع أن نستخلص من الحادثة الثانية: (1)
محافظة الفلاح محافظة تامة على حرمة الزواج، وحرمة ملكيته الخاصة لا العامة، فلو ضاعت البلد بأكملها ما أهمته، ولكن لو حرق جرنه الخاص لسفك فيه الدماء. (2)
نجدة الفلاحين بعضهم لبعض عند نزول الكارثة بأحدهم. (3)
عسف الإنجليز وظلمهم. (4)
أن هذه الحادثة تغلغلت في أعماق نفوس المصريين حتى لم يزلها شيء، وكانت سببا في التفات بعض الناس إلى الوطنية، وملء قلوبهم نارا لم يطفئها شيء إلى اليوم، ومنهم كاتب هذه السطور وكثير من المصريين، وقد أطاحت هذه الحادثة باللورد كرومر عميد الإنجليز في مصر وبغيره من المصريين والإنجليز.
ولكن كل ذلك لم يخفف من لوعتها، ومن أجل هذه النتائج ذكرنا الحادثتين.
وأذكر أني قرأت الجرائد يوم محاكمة بعض أهالي دنشواي، وكنت معزوما في الإسكندرية على العشاء، فبكى الحاضرون جميعا وتركوا مكانهم من غير عشاء.
حادي بادي:
هي غنوة مصرية يتغنون بها ...
يقولون: حادي بادي، سيد محمد البغدادي، شاله وحطه، كله على دي ...
وهم يقولونها عندما يلعب الولد مع الآخر أو مع البنت، ويكون اللاعب قد مد يديه مفرودتين على الأرض، فتقال كلمة من هذه الغنوة على يد، والكلمة الأخرى على اليد الأخرى، حتى إذا وقعت القرعة وهي آخر كلمة على إحدى اليدين ضربت.
ونظير ذلك غنوة تقال في أصابع اليد، فيقال على كل إصبع جملة من هذه: آدي البيضة ... وادي اللي قشرها ... وادي اللي أكلها ... وادي اللي قال ... هات حته حتيته ... أحسن أقول لأم ستيته.
الحارة:
هي بقعة على يمين الشارع أو شماله، يسكنها قوم بينهم روابط، والشارع يشمل حارات أو دروبا، والحارة تشتمل على عطفات، وهي تكون الوحدة الاجتماعية بعد الأسرة، فالأسرة في البيت والحارة تنتظم مجموعة من البيوت أو الأسر، والشارع يمد الحارة بالوسائل التجارية، والمسجد والمستوقد والسوق.
وبين سكان البيوت في الحارة الواحدة روابط متينة، فيشتركون في المآتم والأفراح، ويتسامرون في المنادر وكل رجل في الحارة يعرف بقية الرجال، وكان في القديم على كل حارة بوابة كبيرة وعليها بواب، وفي وسط الباب الكبير باب صغير يفتح إذا جاء رجل واحد بالليل فيكون فتح الباب الصغير اقتصاديا، وكان الداعي إلى هذا عدم انتظام الأمن والهجوم بالليل فلزيادة الأمن يغلق باب الحارة حتى لا يمكن اللصوص الدخول، وبها يعتز أبناؤها وإليها ينتسبون، فيقولون نحن أولاد الحارة الفلانية، كالعادة القديمة في الافتخار بالقبيلة.
وعلى كل جملة حارات شيخ يسمى شيخ الحارة يزعمون أنه يعرف أهل الحارات التي في اختصاصه، فيشهد لهم إذا اتهموا بتهمة في نظير عشرة قروش أو نحو ذلك وعليه التنبيه على من بلغ سن القرعة وضمان المشتبهين ونحو ذلك، وهو ليس له مرتب حكومي، ولكنه يعيش على ما ينفحه به بعض أهل هذه الحارات عند اللزوم كالمأذون ليس له ماهية، ولكن ما يتقاضاه من المتزوجين والمطلقين.
حانوت:
كلمة تقال على معنيين: على كل دكان، وأحيانا تطلق على دكان محضر الميت، فهو الذي يغسله ويكفنه، يحضر من الدكان الخشبة، ويحضر من يمشي أمام الميت وهكذا ... ويسمى الرجل (حانوتي )، ولعلها محرفة عن «حنوط» والرجل «حنوطي»، والناس يتشاءمون من هذا الدكان إذا مروا عليه، كما يتشاءمون من ذكر الموت.
الحب:
الحب والغزل شائعان بين المصريين، وهما كثيران في زجلهم وشعرهم، وللعامة منهم اعتقادات، ووصفات وأحجبة، يزعمون أنها تحبب الأزواج في الزوجات، والزوجات في الأزواج، وللنساء على الخصوص أحراز وحجب ووصفات كثيرة؛ منها أن تأخذ المرأة قليلا من شعر رأسها وتمزجها بقطعة من العجين تخبزها فطيرا، أو تعملها رغيفا، ليأكل زوجها شعرها، ومنها أن تأخذ من دم حيضها شيئا قليلا تضيفه على الماء الذي يشربه زوجها؛،ومن الأحجبة أن يأخذن كاغدا أحمر، ويكتبن فيه يا ودود يا ودود، يا عطوف يا رءوف، سبعين مرة ثم يكتب الخاتم الآتي:
و
د
و
4
6
4
6
د
د
و
د
6
4
6
4
و
و
د
و
د
6
6
6
6
د
و
د
و
4
6
4
6
ويجعل فيه تراب يؤخذ من تحت أقدام الزوج وكان مشهورا في هذا الباب الشبشبة (وستأتي في الشين)، ومن ولع المصريين بالحب أكثروا من ذكره وذكر الوصال والهجر في أغانيهم وأمثالهم.
حبرة:
ثوب أسود كانت تأتزر به المرأة، وكان منه مشجر ومقلم، وسادة ومخرق، وهو يختلف في التفصيل، فمنه ضيق الوسط، واسع الذيل، ومنه تفصيل فاضح: يظهر جسم المرأة، وقد يخيط بعضهن على الحبرة شرائط حرير سوداء يسمونها «خروقا»، ويتخذها النساء الداعرات وسيلة لاجتذاب الرجال لحسن تفصيلها والتخلع فيها، وقد ذهب التمدن الحديث بهذه الحبرات وأشكالها وخلاعتها؛ فقد أصبحت المرأة سافرة تخرج بالفساتين العادية، وذهب جمال الحبرة وخلاعتها وفنها وصنعها.
حبلة وشايلة ولد:
تعبير يعني أنها مصابة بكثرة الأولاد، وتقال مجازا في كثرة المصائب.
حبه غطى على الكل:
تعبير يعني أن حبه فاق كل حب ومن أغانيهم: حبك يا سيدي غطى على الكل ارحم فؤادي كان ذل والنبي ترحم.
حبيبي خفة مقطقط:
خفة؛ أي خفيف الروح، ومقطقط، صغير الأعضاء جميلها، ومن هذا القبيل يقولون: «البيت ده محندق»؛ أي صغير على قدر الحاجة، وعكسه مبهوق؛ أي كبير بلا معنى.
حبيتك خالص:
تستعمل خالص بمعنى كثير، فأحببته خالص، وكرهته خالص ، ومش بيشوف خالص؛ أي أبدا، وتعبت خالص ؛ أي كثير.
حتة:
تستعمل في معنين متناقضين اعتمادا في التفرقة بينهما على النغمة والقرائن: فيستعملونها في معنى الشيء الصغير، فيقولون: ما عندوش إلا حتة ولد أو حتة بنت، أو حتة عزبة كحيانة، ويقولون في ضدها دي حتة ولد عليه الكلام، وعنده حتى عزبة ما فيش كدة ...
الحج:
فريضة من فرائض الدين الإسلامي، ويحتفل به المصريون أكثر من غيرهم، فلهم المحمل الذي لا يساويه محمل آخر، وهم الذين يعدون كسوة الكعبة كل عام، وكثير من الناس لا يحجون إلا ليلقبوا بالحاج فلان أو الحاجة فلانة، وإذا عاد الحجاج عادوا بهدايا وخصوصا ماء زمزم والبلح على شكل سبح، والعنبر والدبل والخواتم الفضة والسبح، وبعض العامة قبل حضور الحاج يبيضون بيوتهم من الخارج ويرسمون عليها رسما بدائيا شكل رجل راكب جملا أو نحو ذلك، ثم يستقبلون الحاج بالزفة، ويقيمون الولائم، وينصبون نصبة كنصبة الأفراح، وكثيرا ما يؤثر الحج في الحاج أثرا حسنا، فيقلع عما كان يرتكبه من الجرائم، ويعود صالحا لاعتقاده أن الله يغفر الذنوب جميعا بحجه، ووقفته على عرفات، وكثير من الناس يحرص على أن يلقب بالحاج دائما، فيقال: الحاج محمد، والحاج علي.
وبعض الناس يبالغ في الحج فيحج سبع مرات أو أكثر، وبعضهم يبالغ أيضا فيحج على رجليه ماشيا، وبعض المسلمين يحج عنه عددا على قدر ماليته، ورأيت بعضهم يقف وقفا على عشرة يحجون عنه كل عام، والحج يعلي عادة صاحبه بين أصحابه ومعارفه أكثر من الصلاة والصوم والزكاة.
وبعض الفقراء يقتصد من القوت الضروري له ولأولاده ليتمكن من الحج، وكان الحج دائما على جمال، ثم أصبح يحج الناس في السيارات، وبعضهم يحج بواسطة الطائرات.
حجاج الخضري:
كان من طائفة الفتوات، طويل القامة، مهيبا، عظيم الهمة، وكان شيخا لطائفة الخضرية، وله عليهم الصولة، مسموع الكلمة، وقد بنى البوابة المعروفة بالرملة «المنشية» وسميت بوابة حجاج؛ وقد زالت الآن، وقد شنقه الوالي مظلوما ... قالوا إنه فعل به ذلك زجرا لغيره.
وشاهدت ابنته تسكن في حارتنا تسمى حجاجة، وكانت نحيفة القوام ولكنها غجرية، ذات لسان طويل، يخاف منها أهل الحارة.
حجر الكباس:
هو من أحجار المشاهرة، يحكونه للوالدة في ماء يدهون به جسمها، وخصوصا صدرها وثدييها، منعا للكبسة، وسيأتي تعريفها، وتوجد أنواع كثيرة من الأحجار للاستشفاء بها، منها حجر العقرب، وقد مر الكلام عليه في اصطبل عنتر، ومنها حجر الدم، وهو نوع من العقيق الأخضر فيه عروق حمراء، يحملونه لمنع نزيف الدم ومنها حجر الحب، وتحمله النساء وخاصة السودانيات، وهو من نوع الزلط، إلا أنه خفيف هش، لونه أحمر قاتم، إذا حك في ماء تتحلل منه مادة بيضاء، وهن يزعمن أنه إذا أراد إنسان أن يحبب فيه آخر، يتحايل حتى يرش عليه ماء من الماء الذي حك فيه ذلك الحجر، وأن يتدهن هو أيضا به.
وقد قرأت قصة بهذه المناسبة أن امرأة فرنسية كان زوجها يضربها كثيرا بعد أن يشرب كثيرا من الخمر حتى يسكر، فذهبت إلى عجوز وشكت إليها زوجها وطلبت منها أن تعمل لها شيئا من السحر عساه أن يكف عن ضربها، فوعدتها العجوز أن تعزم لها عزيمة حين تأتيها في الغد، فلما جاءت أعطتها زجاجة ماء، وأمرتها إذا جاء زوجها أن تملأ فمها من الماء وتعمل ما يأمرها به الزوج ولا تتكلم، وبعد أسبوع قابلتها وسألتها عن الحال فقالت: إن سحرك نفع، فلم يعد يضربني، ثم تبين أن المرأة كانت ثرثارة كثيرة الكلام، وكان زوجها يضربها لثرثرتها، فلما أمرتها العجوز بإطاعة زوجها، وملء فمها بالماء، لم يعد هناك ما يدعو إلى الضرب.
حد يبقى في إيده القلم ويكتب نفسه شقي:
تعبير يعني أن من قدر على نفع نفسه فلينفعها.
الحدق يفهم:
الحدق، معناها الحاذق.
حدوتة:
هي تحريف لكلمة أحدوثة في اللغة الفصحى، ولا تطلق إلا على القصة باللغة العامية، وهم عادة يفرشون لها فرشا صيغته: كان ياما كان يا سعد يا إكرام، ولا يطيب الحديث إلا بذكر النبي
صلى الله عليه وسلم ، ونسرد هنا بعض الحواديت على نمطهم: (1)
كان فيه سلطان ولا سلطان إلا الله، ولا نبي بعد رسول الله، وكان للسلطان ثلاثة أولاد: الشاطر حسن، والشاطر محمد، والشاطر علي؛ وكانوا فرسان شطار، ومتعلمين كل حاجة، ونافعين أبوهم ومريحينه، ومنظمين أمور المملكة.
وبعدين أمهم ماتت، والسلطان تزوج بنت الوزير، وكان الوزير يكره أولاد السلطان؛ لأنهم مضيقين عليه، ومش مخليين له كلام، فسلط بنته، وقال لها: لازم تعملي حيلة تخلي السلطان يكره أولاده.
قامت البنت احتارت تعمل إيه، إلا ودخلت عليها مربيتها، وكانت عجوز نحس وإبليس يتعلم منها المكر، فقالت لها: مالك زعلانة محتارة، فقالت لها: يا أمي العجوز، الأمر فيه وفيه، وأنا مش عارفه أعمل إزاي؛ قالت لها: بس كده! دا شيء بسيط، وبكره الصبح ما تقوميش، ولما يسألك السلطان قولي له بس عيانه شويه، وبعدين يحلها ربنا، نهايته ولا أطولش عليكم في الصبحية قعدت تنازع، قال لها السلطان: مالك، قالت له بس عيانه شويه النهارده، فاتها وطلع لشغله جاتها العجوزة، ومعها رقاق ناشف، حطته تحت فرشها، وصارت كل ما تتقلب يطقطق الرقاق، وتقول هي: دي عظامي بتطقطق، وتنازع وتصرخ، استعجب السلطان وجاب لها الحكماء وهم ما يعرفولهاش دوا.
شويه وفات واحد من تحت الشباك وكان دا ابن العجوزة ومعلماه، وهو ينادي ويقول: عيان نداوي، مريض نداوي قالت امرأة السلطان له: نادي الحكيم ده يمكن يعرف مرضي، دخل عليها وبص كده وكده وفتح الكتاب، وبعدين قال: يا ملك الزمان ووحيد العصر والأوان، دا مرض الملكة مش من الأرض، دا مرضها من الجان؛ قال له السلطان: إذا كنت عرفت مرضها اعرف لنا دواها.
قام فتح الكتاب وقال: دواها ميجيش إلا على بلبل الصباح، قال السلطان: وفين بلبل الصباح؟ فقال له: في البستان المسحور، ورا السبع بحور، ولا يجبوش إلا أولاد الملوك، قال السلطان: دا أمر سهل، وأنا عندي أولادي ما شاء الله ما فيش أشجع من كده، وطلع حكى لهم على ما قاله الطبيب قالوا له: يا أبونا إحنا في خدمتك، ومطرح ما تأمرنا إحنا ما نتأخرش، أخذوا الزاد، وركبوا خيولهم، واعتمدوا على خالقهم، وساروا على بركة الله، وصلوا على زين الملاح ، ومشوا التلاتة، بلد تشيلهم وبلد تحطهم، لما دخلوا في وسط الجبال، انتهى بهم المسير إلى آخر الطريق، ثم وجدوه ينقسم إلى ثلاثة شعب مكتوب على واحدة منهم دي سكة السلامة، وعلى التانية دي سكة الندامة، وعلى التالتة دي سكة اللي يروح ما يرجعش، وأخيرا انتظروا على أنهم يعملوا قرعة، وكل واحد يمشي في سكة، فأما الشاطر حسن فمشي مشي وبعدين رجع لبلده، وحكى لأبوه على ما كان؛ وأما الشاطر محمد فتاه في الطريق ومشي مشي مالاقاش حاجة ورجع لبلده، وأما الشاطر علي ففضل ماشي طول النهار، أخيرا لقى جنينة لا ليها أول يعرف ولا آخر يوصف، وفيها كل أصناف الزهور والفواكه، وفي وسطها قصر عظيم، دخل جميع قاعات القصر ما عرفش حد، فاستعجب، وفي أوضة من الأرض لقى سفرة تامة من جميع الأصناف، والكراسي مرصوصة حوالين السفرة، وقعد يستنى يستنى ماحدش جه.
فقال له عقله: قوم اتعشه، فأكل لما شبع، وراح غسل إيديه وقعد جنب الشباك يشم الهوا، بص على باب الجنينة لقى غول داخل، فخاف وارتعش، قام جري يدور على مطرح يستخبى فيه، واحتار ورجع تاني دخل الأوضة اللي كان فيها، واستخبى ورا الباب، فالغول ضرب الحيطة وخبط بإيده عليها، انفتح فيها باب مسحور، وجلس على السرير وقال: اطلعوا، طلعت عشر بنات زي النجف، وقعد الجميع على السفرة، وقعدوا يأكلوا، ثم قال الغول: مين اللي رايحة تكون عورستي الليلة؟ ما حدش رد، قام وسحبهم من شعورهم، ودخلهم أوضة وقفل الباب، قام الشاطر علي وخرج في الجنينة لقى العشر بنات مساكين، وقالوا له: إنت إنس ولا جن؟ قال لهم: إنس، قالوا له: إيش جابك هنا؟ فحكى لهم على اللي حصل، فخرجوا يلفوا في القصر، وبعدين لقوا دولاب فتحوه، لقوا سلم فضلوا نزلين أربعين سلمة، فضلوا ماشيين لقوا بحر مالح، وقعدوا على البحر يستنوا مراكبي، ولما فات مراكبي شاوروا له بمناديلهم قالوا له: إحنا فين؟ قال لهم: أنتوا جايين منين؟ وعزم المراكبي علشان يأتي بالغول، ومسك سيف، ولما دخل الغول، قال : باسم الله يا عزم أبوي وجدي، وخبطه قسمه نصفين، وبصوا لقوا دمه لهاليب نار، ويسأل الساحر الشاطر علي، فحكى له حكاية بلبل الصباح، وأخيرا وبعد عذاب طويل رجع الشاطر لأبوه وحكى له الحكاية فلما سمع الملك هذه الحكاية شال الملكة من على السرير، وفتش تحتها فلقى رقاق، فسحب عليها السيف وقال لها: وحياة راس أبوية إن ما قلتليش على الحكاية اقطع راسك، فحكت له الحكاية فقال لها: سامحتك، وخرج على الديوان وقطع رأس الوزير وجهز موكب عظيم وركب الشاطر علي وقعد هو وأبوه متهني لآخر عمره، وتوتة توتة فرغت الحدوتة، حلوة ولا ملتوتة، وإن كانت حلوة، عليك غنوة، وإن كانت ملتوتة، احكي لنا حدوتة. (2)
أحدتك حدوتة، بالزيت ملتوتة، حلفت ماكلها، حتى ييجي تاجرها، تاجرها فوق السطوح، والسطوح من غير سلم، والسلم عند النجار، النجار عاوز مسمار، والمسمار عند الحداد، والحداد عاوز بيضة والبيضة في بطن الفرخة، والفرخة عاوزة قمحة، والقمحة عند التاجر، والتاجر عايز فلوس، والفلوس عند الصريف، والصريف عاوز حنة، والحنة في إيديهم، ضربة تكور عينيهم، وهي حدوتة لطيفة تدل على مبلغ اتصال الأعمال بعضها ببعض، وهي في معنى قول المتنبي:
الناس للناس من بدو وحاضرة
بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم •••
وقد سمعها رجل صوفي فشرحها شرحا صوفيا قال: أحدتك حدوتة، بالزيت ملتوتة، يعني السر الإلهي، حلفت ماكلها؛ أي أتناولها؛ فإن القصد لا يتم إلا بالوسيلة، حتى ييجي تاجرها المراد به المرشد الكامل، والمربي الواصل، والتاجر فوق السطوح، لا يذهب ولا يروح، بل إليه يراح، وبه تنتعش الأرواح، والسطوح عاوزة سلم، يتوصل به إليها، حيث إن المدار عليه والسلم عند النجار، وهو الأستاذ الكامل، والمسلك الواصل، والنجار عاوز مسمار، يثبت به سلم القرب والوصول، والمسمار عند الحداد، صانعه المخصوص به، والحداد عاوز بيضة؛ إذ لا يكون شيء بلا شيء ... إلخ. (3)
دخلت من عاطفة لعاطفة، لقيت مغني بزفة، لقيت حبيبي متكي، على مخدة فستقي، قال لي خدي المفاتيح واسبقي، أخذت المفاتيح وسبقت ، لقيت صبية لبية، زي الشمس المضية، متكية على مخدة حرير طرية، لو كان بيتنا قريب، كنت جبتلكو صحن زبيب؛ تأكلوا لما تصلوا على الحبيب فيجيب السامعون: «ألف صلاة عليه.» وهذا فرش الحدوتة، ثم تبتدي فيها فتقول: كان يا ماكان يا سعد يا إكرام، ما يطيب الحديث إلا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام فيجيب السامعون عليه الصلاة والسلام، ثم يقول: كمان صلوا على النبي، ثم يقول: كمان وحدوا الله، وكله تشويق للسامعين لكي تزيد فيهم رغبة السماع. (4)
كان فيه واحدة جميلة فايتة في السوق لقيت شاب جميل جالس وعلى دكانه يافطة مكتوب فيها: كيد الرجال غلب كيد النساء، فاغتاظت من ذلك، وذهبت إلى الدكان وأخذت تغازل الشاطر حسن صاحب الدكان وأخيرا قال لها: أريد أن أخطبك من أبيك فمن أبوك؟ قالت له: قاضي البلد! ولكن أبي لا يريد أن يزوجني، ولذلك يقول لمن جاء إليه يخطبني: إن بنتي هتمة بأتب، فقل له قابل، ولا أريد إلا شرف النسب؛ فأخذ كام تاجر وياه العصر، وذهبوا إلى القاضي وقالوا له: نريد أن نتشرف بالنسب إليك، فقال لهم: إن بنتي كذا وكذا كما ذكرت الفتاة، فقال الشاطر حسن: قد قبلت؛ لأني أريد شرف النسب ولا أريد الجمال، وأخيرا عقد العقد ودخل الشاطر حسن على زوجته، فلم يجد الفتاة التي رآها وإنما وجد فتاة شوهاء كما ذكرت، فغطى وجهها وخرج، وفي ثاني يوم جاءت الفتاة وضحكت، فقال لها: ما المخرج؟ فقالت: لا، حتى تغير اليافطة وتكتب: كيد النساء غلب كيد الرجال، وأخبرته بأبيها الصحيح وقالت له: أحضر طائفة القرداتية والغوازي والخولات واذهب بهم إلى القاضي، وقل له: هؤلاء أقاربي، فتضايق القاضي، فقال له الشاطر حسن: وأنت شفت إيه، دول لسة جايين طوايف طوايف من قرايبي، فقال للشاطر حسن: اعمل معروف خد فلوسك وطلقها، فأخذ فلوسه وطلقها، وذهب إلى أبي الفتاة الحقيقي وتزوجها، وعاشا في التبات والنبات، وخلفوا أولاد وبنات، وتوتة توتة فرغت الحدوتة. (5)
وحدث في عهد محمد علي باشا أن كان رجل نخاس، وكانت تجارة الرقيق منتشرة، متزوجا بامرأة غنية بعض الغنى ؛ ثم أهملها، فغضبت منه وعملت على الطلاق منه، فعشقت رجلا فقيرا؛ وفتحت له دكانا بجوار البيت، وكانت في البيت نخلة تتصل بمشربية، يقفز إليها عشيقها كلما أراد؛ فقفز إليها مرة، وإذا بصاحب البيت يحضر، فأمرت خداميها بأن رجلا عندها، فأخبروه فدق الباب طويلا، وصرخ: عشيق، عشيق.
فحضر الجيران، وكسروا الباب، ودخلوا فلم يجدوا أحدا، وكان العشيق قد قفز إلى النخلة ونزل عليها إلى الأرض، فتنمرت المرأة وقالت: هو يتهمني في عرضي كذبا، وذهبت ثاني يوم على القاضي وحكت له، وطلبت الطلاق، واستشهدت بالشهود، فرفض القاضي أن يطلقها، وفي مرة أخرى حضر العشيق كعادته وحضر صاحب المنزل، فوجد عشيقها معها، فأمسكته مع عشيقها وكتفته ووضعت منديل في فمه، وسكينا بجانبه، وهددته إن صاح أن تقتله ونامت مع عشيقها أمامه، حتى إذا انتهيا حلته، وشالت السكين وأخرجت المنديل من فمه، وصرخ الرجل: حرامي حرامي! فجاء الجيران فلم يجدوا أحدا، فظنوا أنه مجنون فسألوه، فقال لهم: حرامي! فقالوا: مسكين! شفاك الله، وذهبت ثاني يوم إلى القاضي تطلب الطلاق، فحكم بإرساله إلى مستشفى المجاذيب، وأخيرا ظل سبعة أشهر وكلما زاره أحد حكى له حكاية اللص فيقول: لا زال مجنونا، شفاه الله وأخيرا وبعد تعب، رضي أن يطلقها، فأحضرته إلى البيت، وأحضرت المأذون وطلقها. (6)
كان فيه شابة جميلة متزوجة تاجر، فأراد التاجر أن يسافر، فخاف عليها أن تخونه، فأوصى بقالا يفتح دكانا تحتها أن يراقبها ويحافظ عليها؛ وأمرها أن تدلي حبلا فيه مقطف كل يوم، وأوصى البقال أن يضع لها اللحم والخضر في المقطف كل يوم وهي تشده.
وفي مرة من المرات نظر إلى فوق فرأى المرأة فأعجبته، فعشقها وكتب لها ورقة مع اللحم والخضار يخبرها بذلك فرفضت؛ فمرض الرجل وجاءت إليه امرأة عجوز فحكى لها الحكاية، فوعدته أن تسهل له الأمور؛ فذهبت العجوز إليها وادعت أنها خالتها، وقبلتها كثيرا، وزعمت أنها مشتاقة إليها، وكان معها كلبة تطعمها من حين لآخر وتعطف عليها، فسألتها المرأة من هذه الكلبة فقالت لها: إنها كانت شابة جميلة وغضب عليها عاشقها فسحرها كلبة، فقالت: يا أمي إني أخاف من البقال الذي تحتي أن يسحرني، فقالت لها العجوز: وماذا تعطيني إن رجوته ألا يسحرك بشرط أن تنيليه ما طلب؟ فرضيت ووعدتها أن تمنحها زوجا من الأساور، وعينت لها موعدا تستقبل فيه البقال، فلما جاء الموعد تزينت وتجملت الفتاة وانتظرت العجوز البقال فلم يحضر، وخافت أن تضيع عليها الأساور، فترقبت أن يمر عليها أي رجل مناسب، وصادف أن مر التاجر زوج الفتاة، وكان عائدا من سفره، فاستوقفته وقالت له: ما رأيك في فتاة جميلة تستقبلك؟ فقال: لا بأس، ولك الحلاوة، وقادته إلى بيت الفتاة؛ فما كان من الفتاة إلا أن لطشته على وجهه، وقالت له: أهكذا تفعل أيها الرجل الخبيث؟ فأخذ يعتذر لها ويسترضيها ... توتة توتة، فرغت الحدوتة. (7)
ومن حكاياتهم الدالة على إيمانهم البالغ بالحظ، وأن الطمع لا يفيد، أن رجلا فقيرا كان طيبا وكان عطوفا على زوجته وأولاده، وطلبت إليه زوجته مرة أن يأخذ سلطانية ويحضر لها سمنا لتصنع به كنافة، فلما ضاقت الأمور على الرجل ترك دكانه وهام على وجهه حتى بلغ شاطئ البحر، وركب سفينة أوصلته إلى جزيرة غنية انقطع أهلها عن العالم، وقبض عليه وأرسل إلى الملك، فسأله الملك: أصديق أنت أم عدو؟ فقال الفقير: صديق فقال الملك: ما دليل صداقتك؛ فقال: الدليل أني أهديك هذه وكانت سلطانية فظن الملك أنها تاج عظيم ووضعها تاجا على رأسه، وأعطاه في مقابل هديته ذهبا كثيرا، وجواهر كثيرة؛ وعاد الرجل إلى أهله وأوسع معيشتهم ومعيشته فلما رآه بعض الطامعين الأشرار على هذه الحال غار منه واستفسره، وذهب إلى هذه الجزيرة يحمل معه هدايا فخمة من ثياب مزركشة وعقود ... إلخ، فلما أهداها للملك فرح بها وأراد أن يهديه أعظم هدية في نظره فأهداه السلطانية، وكان نصيبه خيبة الأمل.
هذه نماذك من الحواديت التي تحكيها العجائز وخاصة بالليل حيث يجتمع الأطفال والنساء، ولا تزال تحكي حتى يجيء موعد النوم.
وهي باب كبير من أبواب تربية الأطفال، بالحدوتة الطيبة التي تدل على شجاعة أو صدق أو بطولة، تنتج نتاجا طيبا، والعكس.
والحدوتة نمرة (2) مثلا تدل على معنى طيب في التعاون، ولكن مما يؤسف له أن أكثر حواديتنا في الجن ومكر النساء ولعب القدر كما رأينا، وحبذا لو جمعت الحواديت الشعبية وقيدت ثم درست ثم تبين أثرها.
حديله علقة سخنه:
أي شديدة ومن هذا القبيل: دول يستاهلوا النار؛ أي العذاب الشديد.
حرام تنسوني بالمرة:
استعمال مصري، تعبيرها العربي يحرم عليكم أن تنسوني دائما.
حرامي:
كان في كل بلدة تقريبا في المدن أو القرى طائفتان: طائفة تنتسب إلى سعد، وطائفة تنتسب إلى حرام؛ فهذا سعدي؛ أي منتسب إلى سعد، وهذا حرامي؛ أي ينتسب إلى حرام، ويظهر أن سعدا انتصرت على حرام، فتدلى حرام حتى كان من نسبه لصوص؛ وسمي اللص حراميا.
الحرب:
للمصريين في حال الحرب أحوال نفسية وأخلاق اجتماعية، لعل خير ما يمثلها ما حكاه الجبرتي في موقفهم عند الحالات الخصوصية.
فإنه في يوم من الأيام حضر إلى ثغر الإسكندرية عشرة مراكب إنجليزية، ووقفت على البعد بحيث يراها أهل الثغر، وبعد قليل حضرت خمسة عشر مركبا، وحضر عدد صغير مكون من عشرة، وطلعوا إلى البر واجتمعوا بكبار البلد، والرئيس إذ ذاك السيد محمد كريم؛ فاستخبرهم المصريون عن غرضهم، فقالوا: إنهم إنجليز حضروا للتفتيش على الفرنسيس؛ لأنهم خرجوا بعمارة عظيمة يريدون جهة من الجهات، وربما كان مقصدهم مصر، وربما دهموكم فلا تقدرون على دفعهم فلم يقبل السيد محمد كريم، وظن أنها مكيدة، وجابههم بكلام خشن، فقال رسل الإنجليز: إننا سنقف بعيدا، ولا نحتاج منكم إلا الإمداد بالماء والزاد بالثمن فلم يجيبوهم لذلك، وقالوا: هذه بلاد السلطان، وليس للفرنسيس ولا غيرهم عليها سبيل، فاذهبوا عنا، فعادت رسل الإنجليز وأقلعوا من الإسكندرية ليمتاروا من غيرهم، فلما عرفت هذه الأخبار بمصر حصل بها لغط كثير، وتحدثوا كذلك فيما بينهم، وكثرت المقالات والأراجيف.
وأما الأمراء فلم يهتموا بشيء من ذلك لم يكترثوا به، اعتمادا على قوتهم، وزعمهم أنه إذا جاءت الفرنج لا يقفون في مقابلتهم، وأنهم يدوسونهم بخيولهم، ثم وردت مراكب الفرنسيس وعمارتهم الكثيرة، فأرسوا في البحر، وأرسلوا جماعة يطلبون بعض أهل البلد، فلما نزلوا إليهم، عرفوهم مقصدهم، ولما دخل الليل تحولت مراكبهم إلى جهة العجمي، وطلعوا إلى البر ومعهم آلات الحرب والعساكر، فلم يشعر أهل الإسكندرية إلا وهم كالجراد المنتشر حول البلدة؛ فاجتمع الكشاف والعربان، فلم يستطيعوا مقاومتهم، واضطر أهل الإسكندرية إلى التترس في البيوت والحيطان، ودخل الفرنسيس البلد، وأهله يدافعون عن أنفسهم ويقاتلون، فلما أعياهم الأمر، وعلموا أنهم مأكولون بكل حال، وليس عندهم استعداد للقتال لخلو الأبراج من آلات الحرب والبارود، وكثرة العدو وغلبته، طلب أهل الثغر الأمان فأمنوهم. •••
وعول أكثرهم على الفراق، فلما علم بذلك الأمراء بمصر، اجتمعوا والعلماء وقرروا أن يرسلوا مكاتبة إلى استانبول، وجهز مراد بك العساكر وخرج لملاقاتهم وحربهم، وصاروا يصادرون الناس، ويأخذون ما يحتاجون إليه من غير ثمن، وأمروا بعمل سلسلة تخينة جدا طولها مائة ذراع وثلاثون لتمنع العبور من بحر النيل، فلما خرج مراد بك بدت الوحشة في الأسواق وكثر الهرج بين الناس والإرجاف، وانقطعت الطرق، وأخذت الحرامية في كل بلدة تطرق أطراف البلد، وانقطع مشي الناس من المغرب، ونادى الأغا والوالي بتفتيش الأسواق والقهاوي ليلا، وتعليق القناديل على البيوت والدكاكين لإذهاب الوحشة.
ووردت الأخبار بورود الفرنسيس إلى دمنهور ورشيد، وازداد الرعب، وكانت العلماء عند توغل الفرنسيس يجتمعون كل يوم بالأزهر ويقرءون البخاري وغيره من الدعوات، وكذلك مشايخ الطرق الأحمدية والرفاعية والبرهامية والقادرية والسعدية، وغيرهم من الطوائف، وأرباب الأشاير، ويعملون لهم مجالس بالأزهر، وكذلك أطفال المكاتب، ويذكرون اسم اللطيف وغيره من الأسماء، ولما وصل الخبر إلى الأمراء شرعوا في نقل أمتعتهم من البيوت الكبار المشهورة إلى البيوت الصغار التي لا يعرفها أحد.
واستمروا طول الليل ينقلون الأمتعة ويوزعونها على معارفهم وثقافتهم، وأرسلوا البعض منها إلى بلاد الأرياف، واستحضروا دواب للشيل وأدوات الارتحال، ولما رأى أهل البلد ذلك تخوفوا وخرج الجميع لبر بولاق، وكانت كل طائفة من طوائف الصناع يجمعون الدراهم من بعضهم وينصبون لهم خيامة، أو يجلسون في مكان خرب، أو مسجد، ويرتبون لهم ما يصرف عليهم وما يحتاجون إليه من الدراهم التي جمعوها.
وبعض الناس يتطوع بالإنفاق على البعض الآخر، ومنهم من يجهز جماعة من المغاربة أو الشوام بالسلاح، والأكل وغير ذلك بحيث إن جميع الناس بذلوا وسعهم وفعلوا ما في قوتهم، وخرجت الفقهاء وأرباب الأشاير بالطبول والزمور والأعلام والكلبات، وهم يدقون ويصيحون، ويذكرون أذكارا مختلفة، وصعد السيد عمر نقيب الأشراف إلى القلعة فأنزل منها بيرقا كبيرا سمته العامة «البيرق النبوي»، فنشره بين يديه من القلعة إلى بولاق، وأمامه وحوله ألوف من العامة بالنبابيت والعصي يهللون ويكبرون ويكثرون من الصياح، ولم يبق في القاهرة إلا النساء والصغار وضعفاء الرجال، والطرق معفرة من عدم الكنس والرش.
وأما بلاد الأرياف فإنها قامت على قدم وساق يقتل بعضهم بعضا، وينهب بعضهم بعضا وغارت العرب على الأطراف والنواحي وصار قطر مصر من أوله لآخره في قتل ونهب وإغارة على الأموال، وإفساد المزارع، وغير ذلك من أنواع الفساد.
وكان الرجال متنافرة قلوبهم، منحلة عزائمهم، مختلفة أمراؤهم، حريصين على حياتهم وتنعمهم ورفاهيتهم، مغترين بجمعهم، محتقرين شأن عدوهم، مرتبكين في رويتهم مغمورين في غفلتهم؛ وهذا كله من أسباب ما وقع من خذلانهم وهزيمتهم ... إلخ. •••
ويدل على أخلاقهم أيضا في الحرب ما ذكره محمد «باشا» شفيق في الثورة العرابية؛ إذ قال: شعر «عرابي» باشا ورفاقه بالحيف الواقع عليهم وعلى أمثالهم من جراء التمييز بين المصريين والشراكسة والأتراك، فألفوا مظاهرة، فازدادت قوتهم، واختلف النظار بين معاملته هو وإخوانه بالشدة، أو معاملتهم باللين والحسنى، واغتر عرابي بما كان يسمعه من رعاية الخليفة له وعنايته به، واجتماع الناس حوله، فاعتقد أنه زعيم مصر الأكبر، وخيل إليه أنه صار صاحب الكلمة النافذة، وأنه إليه يرجع الأمر كله دون الخديو وحكومته؛ وطاف في البلاد يستميل الأهالي ويتألفهم ويبث فيهم دعوته.
ولم يقف غرور عرابي عند حد حكومته، بل رسخ في ذهنه أنه لا خوف عليه من وقوف فرنسا وإنجلترا في سبيله، لما بينهما من منافسة في السياسة المصرية، مع أن الدولتين كانتا على وفاق فيما يتعلق بمصر.
وبناء على ذلك أرسلوا لجناب الخديو خطاب مؤداه: أنهما يكفلان استمرار السلم والسكون في البلاد المصرية، وأنهما متفقان على الاشتراك في السعي من دفع كل ما من شأنه أن يحدث في مصر ارتباكا، فأثارت هذه المذكرة غضب العرابيين، وسخط الباب العالي، وفهم عرابي من ذلك أن الخديو توفيق قد انضم إلى الدولتين، ثم قامت الثورة، فتدخل الإنجليز حربيا بدعوى إقرار السلام والمحافظة على سلامة الخديو، وخشي العلماء وبطريرك الأقباط والأعيان والتجار استمرار الإضرابات، فأرادوا التوفيق بين الخديو وعرابي فلم يمكن وأخيرا صار عرابي باشا الحاكم بأمره، وقامت الثورة الفكرية، وحدثت المذابح في الإسكندرية، واشتبك عرابي مع الإنجليز، وانهزم العرابيون بعد قليل، وقد ذكرنا من قبل ما أشيع في أيام الثورة عن البيضة التي باضتها الدجاجة ومكتوب عليها ما يستفاد منه النصر، والأعلام المنسوبة على السيد البدوي وإبراهيم الدسوقي وسيدي عبد العال.
ولم يقف جيش عرابي في التل الكبير طويلا، فقد انهزم جيشه سريعا، ووجد الإنجليز أن العرابيين أهملوا الطريق بين الصالحية والتل الكبير، وتركوه خاليا من نقط الدفاع؛ ولم يطل القتال أكثر من عشرين دقيقة، وأسفر عن انهزام العرابيين شر هزيمة، بعد أن قتل منهم نحو ألفين، وأسر نحو ذلك.
وما برح الإنجليز يتقدمون، والعرابيون مستغرقون في نومهم، فحاول عرابي أن يستوقف الفارين، ويستفزهم إلى القتال والدفاع فلم يمكنه ذلك؛ لأن الذعر كان قد دب في قلوبهم، ففر عرابي لينجو بنفسه وكان الإنجليز كلما تركوا نقطة أقاموا فيها دورية للمحافظة عليها ثم كان من أمر الثورة وفشلها ما كان.
ويمكننا أن نستنتج من تلك العناصر، مما ذكره الجبرتي وشفيق «باشا» النتائج الآتية: (1)
غرور المقاتلين المصريين، واستهتارهم بعدوهم من غير دراستهم لحالهم. (2)
عدم الاستعداد الكافي للحرب. (3)
الهرجلة وعدم النظام. (4)
الاعتماد على الأدعية والبخاري والأذكار مما ليس وسيلة حربية. (5)
قلة الثبات أمام العدو. (6)
عدم العلم بالأفانين العسكرية الحديثة، والاعتماد على الأساليب القديمة في الحرب، وعدم معرفة شئون الدنيا، والجهل بالسياسة الخارجية وشئونها. (7)
فوضى الناس غير المحاربين وتعطيلهم لحركات الجيوش. (8)
مساعدة بعض الناس الخيرين بكل ما يملكون من مال وقوة، ولكن ذلك لم يكن منظما ولا خاضعا للعقل. (9)
عجرفة الرؤساء وشموخهم بأنوفهم من غير كفاية. •••
كل هذا سبب في الحربين الهزيمة السريعة مع الأسف الشديد.
ولكن والحق يقال، إن المصريين حديثا تعلموا من هذه التجارب، فظهرت في الحرب العالمية الأولى والثانية، وفي حرب القنال، مظاهر رائعة تخالف التي مضت، فكان من الشبان - وخصوصا الإخوان المسلمين - مواقف عجيبة تستدعي الإعجاب، من بيع الأرواح، بيع السماح، وبالأمس سمعنا أن شابا غنيا يملك نحو الأربعمائة فدان تقدم للقتال وراح ضحيته، فما لبث أخوه الشاب أن حل محله في الصف ... إلى كثير من هذه الحوادث التي تدل على التصميم والتضحية، وهما العنصران اللذان لم يكونا من قبل، هذا إلى القدرة على اكتشاف المؤامرات والدسائس التي كانت تجوز على المصريين فيما مضى، والقضاء عليها في حينها.
فإذا أضفنا إلى ذلك امتناع أكثر العمال المصريين عن معاونة الأعداء دل ذلك كله على تغير الحال في السبعين سنة الأخيرة، وأن فيهم من يصح أن يكون مثالا للجهاد والبطولة مما لا يقل عما يصدر من الأمم الحية الأخرى.
حرز:
كلمة تطلق على الأحجبة وغيرها، للاحتراز من الجن والحسد (انظر أحجبة).
الحروف:
يزعمون أن لكل حرف من حروف الهجاء سرا، وأن أسرار القرآن، كلها وضعت في سورة الفاتحة، وأن الفاتحة وضعت في البسلمة، وأن أسرار البسملة وضعت في حرف الباء، وهكذا.
وكل حرف له خواص، وله أعداد، ومن ذلك حروف الجمل وتقابل أبجد هوز ... إلخ، فالألف بواحد والباء باثنين ... إلخ، وترابي، وهوائي، ومائي، ويقولون: إن بعض هذه الحروف ناري، والأعداد للحروف كالأجساد للإنسان، وللحروف قوة في باطن العلويات، ولها قوة في باطن السفليات، وبعضهم يجعل للحروف طبائع، فبعض الحروف حار، وهي أ و ي ل م ع، وبعض الحروف يابسة، وهي س ق ب ج، وبعضها رطبة، وهي ه ر ش ص ط والباردة هي ب ه د ظ ص ض .
ثم إذا كان الحرف منصوبا فحار، أو مرفوعا فيابس، أو مجرورا فرطب، أو مجزوما فبارد.
وللحروف أيضا اتصالات بالبروج معقدة مما إذا وفقت على طريقتهم تسبب عنها العداوة والبغضاء، والسعادة أو الشقاء، ولهم في ذلك حساب طويل، وكتب خاصة.
الحسد:
يعتقد المصريون كثيرا في الحسد، وخلاصة هذه العقيدة أن بعض الناس عنده خاصية في عينه، إذا نظر إلى شيء أماته أو أتلفه، ومن غريب الأمر أن رجلا عظيما كابن خلدون يحكي مثل هذا ويقول إنه شاهد بعض الناس إذا نظر إلى خروف أو نعجة نظرة خاصة أماتها، ثم إذا شرحت وجد قلبها قد تحتت وقال: إنه رأي في بلاد المغرب جماعة من هذا القبيل يسمون «البعاجين».
ويعتقد المصريون أن الحسد يكون على أتمه إذا نظر الحاسد وشفع نظرته بالشهيق، وكان من الشائع عند النساء أنه إذا نظر رجل تلك النظرة أسرعت المرأة وقالت له: «وراك تعبان أو عقربة أو نار» فيلتفت وراءه لينظر إليه، وبذلك يذهب سحر عينه.
ويداوون ذلك بأن يأخذوا قطعة من طرف ثوب الحاسد ويبخروا بها المحسود، سواء كان إنسانا أو حيوانا أو أي شيء آخر.
ويزيد الاعتقاد في الحسد إذا اشتهي ما عند المحسود، كأن كان الحاسد فقيرا والمحسود غنيا، أو عند المحسود مواش أو أموال يشتهيها الحاسد، وكما إذا كان الحاسد ليس له ولد والمحسود كثير الولد، ويزعمون أن الحجاب يمنع العين، ولهم في ذلك طرق منها وضع قليل من الملح الجريش في كيس يعلق في عنق الأطفال، وكذلك ناب الذئب أو ناب الضبع، أو رأس هدهد عليه ريش، توضع في قطعة من السختيان الأحمر ويخاط، وأحيانا يداوون الحسد بالرقى من ذلك رقية مشهورة وهي:
بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن كل عين حاسد، بسم الله أرقيك، والله يشفيك، من كل نفس أو عين.
ومن هذه الطرق أن يوضع قليل من الملح فوق جمر من النار، ويقف المحسود، ويجعل الجمر بين رجليه، وتتلى الرقية المذكورة، ثم تجعل الراقية وجهها في وجه الذي ترقيه ، وتتثاءب بشدة حتى يتثاءب المحسود، ويحكون أن رجلا اشتهر بالحسد، فكان يجتمع إليه أصحابه، فإذا مر جمل اشتهوه طلبوا إلى الحاسد أن يحسده، فيقع على شفا الموت، فيذبح ويؤكل.
ومن الرقى:
بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله عظيم الشأن شديد البرهان، ما شاء كان، حبس حابس من حجر يابس وشهاب قابس اللهم إني رددت عين العائن عليه، وعلى أحب الناس إليه، وفي كبده، وكليتيه، ولحمه ودمه فارجع البصر، هل ترى من فطور، ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير.
وأحيانا تأتي بعض العجائز فتوقد نارا، وترمي فيها شيئا من «الشب» وتذكر أسماء الذين يظن أنهم الحسدة، وتأخذ دبوسا أو إبرة فتضعه في عين الصورة التي تحول إليها الشب، وتقول: فقأ الله عينها.
وقد تأخذ قطعة من الورق وتشك فيها الدبوس مرات متعددة في كل مرة تقول: من عين فلانة، ومن عين فلانة، ثم يبخر المحسود بهذه الورقة مع الملح.
والاعتقاد في هذا الحسد شائع كثير، ومن الأقوال المشهورة: «عين الحسود، فيها عود» (انظر قر).
حسن كيف:
هو اسم غريب يطلقونه على نوع من السجاير وضعت فيه قطعة من الحشيش، وأحيانا يطلق على التبغ الذي يوضع في حجر الجوزة ويوضع فوقه الحشيش ثم يدخن، وكيفية استعماله أنهم يقطعون التبغ قطعا صغيرة، ثم يأخذون قليلا من عسل القصب في الكف، ويفركون التبغ فيه حتى يلين ويمتزج بالعسل، ويضعونها في حق من الصفيح، فإذا أرادوا تدخينها أضافوا عليها قطعة من الحشيش، ثم يضعونها جميعا في حجر الجوزة.
حسنة وأنا سيدك:
حسنة؛ أي صدقة، يقولونها للرجل إذا استجدى شيئا وتكبر في استجدائه، مع أن موقف الاستجداء موقف الذل.
الحسن خي الحسين:
معنى خي أخو يقال للشخصين يتشابهان.
الحسوم:
ويسمونها أيضا الحسومات، أو أيام الحسوم، وهي السبعة الأيام أول برمهات من الشهور القبطية، ويمتنع فيها الفلاحون من بذر الأرض، يزعمون أن ما يزرع في هذه الأيام يخرج عليلا ضعيفا لا يأتي بمحصول، ويزعمون أيضا أن ريحا سامة خفيفة تهب في تلك الأيام .
وفي القرآن:
سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما .
حش:
حش البرسيم إذا قطعه من الغيط، وحش القمح أو القطن إذا قطعه وهو صغير، وعلى سبيل المجاز يقولون: «حش وسطه بالنبوت»، كأنه ضربه فقسم وسطه إلى قسمين كما يفعل بالحشيش.
حشكلة:
يقول الرجل لرجل آخر «بلاش حشكلة»، ويعنون بها التملق، وربما كان أصله فارسيا، ففيها الحشكل: الرديء، والحشكل: ما تطاير من الحديد.
الحشيش:
الحشيش كيف قديم، وربما نافس الخمر؛ ويسمونه في كتب الطب القديمة (القنب)، يقول بعضهم: إن أول من استعمله الشيخ حيدر في سنة 658.
ذلك أن الشيخ حيدر خرج يوما وقد اشتد الحر وقت القائلة منفردا بنفسه إلى الصحراء، ثم عاد وقد علا وجهه النشاط والسرور بخلاف ما كان يعهد من حاله، فإنه أخذ يحادث أصحابه ويؤانسهم، فسألوه عن السبب، فقال: خرجت إلى الصحراء وحدي، فوجدت كل شيء من النبات لا يتحرك إلا نباتا له ورق فجعلت أقطف منه وآكل، فحصل عندي من الارتياح ما شاهدتموه.
وكان هو القنب، وقد نصح أصحابه باستعماله، فاستعملوه، فاشتهر بالعراق ووصل إلى الشام ثم إلى مصر، وفي ذلك يقول بعضهم:
دع الخمر واشرب من مدامة حيدر
معنبرة خضراء مثل الزبرجد
يعاطيكها ظبي من الترك أغيد
يميس على غصن من البان أملد
فتحسبها في كفه إذا يديرها
وقيم عذار فوق خد مورد
وأحيانا ينسبونها إلى أهالي الهند ويقولون: إنهم أول من استعملوها، قال الشاعر:
فقم فانف جيش الهم واكفف يد العنا
بهندية أمضى من البيض والسمر
وقال فيها آخر:
وخضراء كافورية بات فعلها
بألبابنا فعل الرحيق المعتق
إذا نفحتنا من شذاها بنفحة
تدب لنا في كل عضو ومنطق
غنيت بها عن شرب خمر معتق
وبالدلق عن لبس الحرير المزوق
وقوله: «كافورية» ليس المراد نسبتها إلى كافور المشهور، وإنما نسبتها إلى بستان في القاهرة يقال له: بستان كافور، وكان يسمى البستان الكافوري، نسبة إلى كافور الإخشيدي، وكان يزرع فيه الحشيش بكثرة ويستجاد، كالذي قال:
رب ليل قطعته ونديمي
شاهدي وهو مسمعي وسميري
مجلسي مسجد وشربي من خض
راء تزهو بحسن لون نضير
قال لي صاحبي وقد فاح منها
نشرها مزريا بنشر العبير
أمن المسك؟ قلت ليست من المس
ك ولكنها من الكافور
وقال آخر:
قم عاطني خضراء كافورية
قامت مقام مدامة صهباء
يغدو الفقير إذا تناول درهما
منه له تيه على الأمراء
وقال بعضهم: «شر سكر سكر الحشيش.»
وقال المقريري: «ما بلي الناس بأفسد من هذه الشجرة لأخلاقهم.»
وقال بعضهم: إذا اعتدتها وجدتها تورث السفالة والرذيلة.
والفقراء يستعملونه على طرق شتى: فمنهم من يطبخ الورق طبخا بليغا، ويدعكه دعكا جيدا باليد، حتى يتعجن، ويعمل منه أقراصا، ومنه من يجففه قليلا، ثم يحمصه ويفركه باليد، ويخلط به قليلا من السمسم المقشور والسكر، ثم يسفه ويطيل مضغه، ومنهم - وهم الأكثر - من يدخنونه في الجوزة أو في السجاير باسم حسن كيف.
وبعض الأمراء كان يعاقب عليه بقلع الأضراس، وكان يزرع في القاهرة في أرض الطبالة، وباب اللوق، وحكر بولاق ثم منعت الحكومة زرعه في مصر، فكان يزرع في سفوح الجبال، وهو الآن أكثر ما يجلب من لبنان وما حولها.
وقد انتشر هذا الكيف فوقع فيه بعض الأغنياء وبعض الفقراء وبعض الموظفين، ولما اعتاده بعض الأغنياء أقاموا له صالونات فخمة وانتشر في مصر انتشارا كبيرا، وتحايلوا على تهريبه، واشتهر متعاطوه بالنكتة والخيال البارع، ونسبت إليهم كثير من القصص اللطيفة، وحل المشاكل العويصة، وقال من يتعاطها ويتعاطى الخمر معا: «إن الحشيش يجبن والخمر تشجع.» وهذا طبيعي؛ لأن الحشيش يخدر الأعصاب ويضعفها، والخمر تنشط الدورة الدموية وتهيجها، وقال واحد من هؤلاء: إنه إذا أراد مقابلة الحكام شرب الخمر؛ لأنها تدفع عنه الخوف، وإذا أراد الاتصال الجنسي استعمل الحشيش؛ لأنه ألذ.
وللحشيش استعمالات أخرى كالمعجون والمنزول، المادة الأساسية في كل ذلك هو الحشيش.
وقال مجرب للحشيش: «شعرت كأن جدران الكون انبسطت حولي، وصدرت منه أصوات مطربة، أزالت ما في نفسي من هم وخوف، وفتح أمامي فردوس النعيم، وخضت في بحر من البهجة والسرور، وطفح الحب على نفسي، وبعد ساعات قليلة أخذت هذه المناظر تقل، وشعرت بجوع شديد، فدخلت مطعما أكلت فيه كل ما قدم لي من الطعام، وأحسبه ألذ ما ذقته، ثم عدت إلى مخدعي ونمت نوما عميقا، ولم يبق من تأثير الحشيش سوى اصفرار وجهي وتعب جسمي.»
وقيل في الحشيش موال هو:
بلعت يوم بندقة في لونها خضرة
رأيت بياض عيني صار عليه حمرة
وصرت عابر وخارج بيتا ما أدره
وأنا ما باشوفش جوه ولا بره
حط:
بمعنى وضع، يقولون: حط رجله على السلم؛ أي وضعها، وحط في عينه قطرة؛ أي وضع، ولذلك يسمون القطرة والششم «حطوطا» ويقولون: حط السعر؛ أي نزل، وفي اصطلاح بعض التجار: الحطيطة، وهي القدر الذي يتجاوز عنه التاجر لعميله مما اتفق عليه.
ومن الأمثال في هذه الكلمة «حط ديله في أسنانه» إذا أسرع، «ويحط على الغلبان لما يستعجب القوي» والضمير في يحط يرجع إلى القدر، ويقولون: «حط فلوسك في كمك، تشتري أبوك وأمك»، و«حط إيديك على عينك، زي ما توجعك توجع غيرك»، وهي كقولهم: عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، «وحط الفاس في الرأس»، بمعنى أنه وضع الشيء في مكانه ويقولون: «حط في الخرج» عند الاستهانة بالشيء، «وحط ركك على عافيتك، وقول يا عيني يا حيلي»، يقال لوجوب الاعتماد على النفس، ويقولون: «شال الحمام، حط الحمام»، إذا أدرك الإنسان خيرا ثم ذهب عنه سريعا، ويقولون: «حط في بطنك بطيخة صيفي»؛ أي لا تسأل ولا تهتم.
حطة يا بطة:
تعبير يقوله الأطفال في بعض ألعابهم.
الحظ:
يؤمن المصريون كثيرا بالحظ، ويسمونه الحظ أو البخت، وأنه خير من الكفاية؛ ومن أمثالهم المشهورة: «قيراط حظ ولا فدان شطارة»، ويقولون: «إن الحظ قد يسوق الأرزاق لمن لا يدرك الخط في الأوراق ويحرم صاحب البلاغة ولا يجد من القوت بلاغة»، ويقول الشاعر:
رزق التيوس يجيئها بسهولة
وذوو الفصاحة رزقهم مسجون
فإن كان حرماني لأجل فصاحتي
أمن علي من التيوس أكون
ويقول البوصيري صاحب البردة موالا:
رب الفصاحة عديم الذوق يقف أبلم
والأبلم التيس مصدر ومتعظم
يا رب إن كان حرماني كما تعلم
أمن علي أكون تيس بن تيس أبلم
وقال الزاجل:
يا ابن آدم قل طمعك
دي السعادة وعد سيدك
لا تقل دا بالشطارة
أو تحصلها بإيدك
إن رزقك مثل ظلك
إن مشيت مشى قبالك
من له في الغيب شيء
لا يموت حتى يناله
حظر فظر حقولك إيه:
تعبير يعني احدس على ماذا أريد أن أقول.
الحفا:
عدم لبس شيء في الرجل، والمصريون ربما كانوا أكثر الأمم حفاء، وخصوصا الفلاحين نساء ورجالا، وهم من حفاهم قد يبس جلدهم، لتعوض الطبيعة عن النعل، ومن قريب تأسست في القاهرة لجنة لمنع الحفاء؛ لأنها وجدته سبة، وتبرع ناس كثيرون بمبالغ طائلة لمنع الحفاء، ولكنه لم يدرس دراسة صالحة، فلم ينجح نجاجا تاما وربما أمكن استعماله في المدن والقاهرة والإسكندرية، أما في الفلاحين حيث يعمل الرجال طول النهار في الغيط المسقي ماء وفي الزرع فلا بد من تفكير طويل لمكافحة هذا الحفاء.
حفلة التكنية:
كانت تقام في بيت شيخ السادات حفلة تسمى حفلة التكنية، في ليلة 27 رمضان، وهي ليلة القدر المعروفة، يجتمع فيها كثير من الناس، ويجلس فيها سيد السادات على منصة عالية وسط هذا الجمع، وبالقرب منه كاتب أمامه سجل، فإذا أراد أحد الحاضرين أن يكنى من شيخ السادات تقدم ومعه نقيبان من النقباء، وتقرأ الفاتحة، وتمر برهة في سكون وصمت يتوهم فيها أن شيخ السادات يستلهم السماء، ثم يلقبه بأبي الأنوار أو أبي الوفاء أو نحو ذلك، والمسجل يسجل اسم الشخص وكنيته وتاريخه، ومن المشاع أن من تكنى كنية لا تعطى الكنية لغيره، ثم بطلت هذه العادة.
الحفوف:
اسم لعملية إزالة الشعر النابت على الوجه ونحوه، بواسطة نوع من اللبان الأسود، يسيحونه على النار ويأخذونه ساخنا، تضعه المرأة على وجهها ثم تشده بقوة، فيخرج معه الشعر من جذوره، يفعلن ذلك في وجوههن وأعناقهن، وبعضهن يزججن بواسطته حواجبهن، وهناك طريقة أخرى، وهي أن يأخذن الرماد الحار يدعكن به الوجه دعكا شديدا، فيكون له مثل هذا التأثير، وقد يعقدن العسل الأسود أو السكر على النار، وبعد أن يعقد قليلا يستعملنه استعمال اللبان، وهو نوع من التجمل اعتدنه بين حين وآخر، فإن المرأة لا تستلطف إذا ظهر في وجهها أو عنقها أو نحو ذلك شعر غزير.
الحق له ناس بالعنية:
تعبير يعني أن للحق أناسا مخصوصين يعملون على وفقه ويدافعون عنه.
حكم قراقوش:
يضربه العامة مثلا للحكم الظالم، ولهم في ذلك حكايات كثيرة عن قراقوش هذا، وللسيوطي «الفاشوش في حكم قراقوش» قال فيه: إنه سئل عنه سنة 899 وهو يدرس بجامع ابن طولون فألف فيه كتابا يحتوي على عشرين ورقة.
وكان قراقوش هذا وزيرا للسلطان صلاح الدين، والمعروف عنه أنه كان عادلا، ولكنه شديد في العدل؛ يخضع للعقل لا العاطفة، ويظهر من سيرته أن اتهامه بالظلم ظلم، وأنه كان مصلحا عادلا معمرا، ولكن الناس ظلموه، فنسبوا إليه كل حكم ظالم مستبد، ومن عادات السيوطي أن يفتخر بالسرعة لا بالتدقيق.
الحكومة المصرية:
كانت مصر ولاية عثمانية وكانت تحكم بباشوات من قبل السلطان، وأحسن باشا في نظرهم هو من ورد لخزينة الدولة أموالا كثيرة فكان يجور على الأهالي لتحسين سمعته عند السلطان.
وكان يعين إلى فترة قصيرة ثم ينقل، فكان ينتهز فرصة وجوده ليغتني، وليحسن سمعته ويصلح حال نفسه، ولذلك كان يبهظ المحكومين بالضرائب والجبايات، إلى أن خرجت مصر من الحكم العثماني وأصبح ارتباطها بها ضعيفا، وألفت للإدارة فروع مختلفة للبحرية والزراعة والتعليم وغير ذلك، وأنشئ مجلس عام يشمل كل المجالس الخصوصية يسمى مجلس الحكومة، ومن اختصاصه النظر في جميع الأقسام، فكان إذا عرض عليه أمر هام تدعى إليه جميع الحكام.
وقد قسم محمد علي باشا مصر إلى سبع ولايات، جعل على كل ولاية منها مديرا، اثنتان في الوجه البحري، وأربع في الوجه القبلي، وواحدة للقاهرة، وكل مديرية تنقسم إلى مراكز، كل مركز عليه مأمور، وفيه من يمثل الحكومة في الزراعة، وآخر للتعليم، وثالث للصحة، وهكذا، وكل مركز ينقسم إلى قرى، وكل قرية عليها عمدة، والعمدة تحت رياسته مشايخ بلد، وشيخ البلد هو الرئيس المباشر للفلاحين، وكان على كل مأمور ومدير أن يبعثا بتقرير أسبوعي للداخلية يبينان فيه أعمالهما اليومية.
ومما جد على مصر في عهد محمد علي اختيار كثير من المديرين والمأمورين من المصريين، ومن الأقباط أيضا بعد أن كانوا لا يعينون إلا من الأتراك، وجعل لكل منهم إشارات خاصة لتميز كل واحد عن الآخر في عمله ووظيفته.
وكان قبل عهد محمد علي أكثر الأراضي ملكا للمماليك والحكومة، والباقي للملتزمين والبعض موقوف على المساجد والجهات الخيرية، ويعرف بالرزقة.
وفي عهد محمد علي غير هذا النظام وجعلت الأراضي كلها ملكا له إلا القليل المركون، وقد أبطل ملكية الملتزمين وعوضهم عنها بريع يدفع لهم كل سنة، وبذلك زادت أمواله.
وكان هناك ضرائب على الأطيان وضرائب شخصية على الرءوس، وكانت تجبى هذه الضرائب على العموم بشدة وبظلم، ومن أجل ذلك ورثنا نظر الأهالي إلى الحكومة نظر المصيد للصائد، وورثنا أيضا اعتقاد أن ما يمكن الاستيلاء عليه من مال الحكومة لا حرج فيه؛ لأن الحكومة قد استولت عليه ظلما، فمن استطاع أن يفر من الضرائب، أو يأخذ قطعة أرض من أموال الحكومة فليفعل، وهكذا، كما ورثنا أشياء أخرى كثيرة من هذا القبيل.
وكان من أهم أعمال الحكومة القضاء أو المحاكم، وكان في القطر المصري عدة محاكم بدائية، بعضها للزواج والطلاق، وبعضها للجرائم كالقتل والضرب والجرح وبعضها للعقوبات، وتعتبر سلطة المحكمة مستمدة من سلطة الوالي، فهو الذي يختار كبار القضاة ويعينهم، وهؤلاء يباشرون تعيين من دونهم، وكان السلطان يرسل قاضيا كل سنة على مصر، وهو رئيس السلطة القضائية على اختلاف أنواعها، ولم يكن للعدالة وزن كبير فقد عرف عند المصريين عن القضاة أنهم يقبلون الرشوة ويحكمون بغير العدل، وحدثت جملة حوادث تدل على هذا، منها أن رجلا غنيا ترك بنتا واحدة وترك لها نحو ستة آلاف جنيه، فأراد أحد التجار أن يشاركها في الإرث، فأوعز لأحد البوابين أن يدعي أنه عاصب لها ويرث معها الميراث الشرعي، واتصل بالقضاة ورشاهم فحكموا بذلك، وكان الشيخ المهدي متغيبا عن المجلس، فلما حضر شكت إليه الوارثة، فقال لها: لا يمكنني نقض الحكم إلا إذا وجدت فيه منفذا، ثم اطلع على القضية فوجد المنفذ وألغى الحكم، وقضى لها بالميراث كله بحضرة الوالي، وتذمر العلماء وكبير التجار. وهكذا كان من بين المرتشين من يسمع لضميره ويحقق العدالة ... ومن الرشوة أن يكون أحد الخصمين وجيها والآخر غير وجيه، فيقضي للوجيه لوجاهته لا لحقه، ومن المصائب أيضا كانت شهادة الزور، وتوسط النساء في الأحكام، وانتشار الرجاء، وغير ذلك.
ولم تكن الأمور منظمة ومرتبة ومحددة الاختصاص كما هي اليوم، إنما كان نظاما بدائيا وأحكاما بدائية.
حلب النجوم:
عزيمة يزعمون أنها تحبب الرجل في زوجته كالشبشبة، ومن الغريب أن هذا الاصطلاح - وهو حلب النجوم - اصطلاح قديم، استعمله أبو العلاء المعري في لزومياته.
حلق بلا أودان:
إذا رأوا شيئا وليس له ما يرتكز عليه قالوا حلق بلا أودان، وذلك مثل كتاب في يد أمي، أو أولاد ولا مال لتربيتهم، ومثل ذلك كثير، ويقولون في عكسه: أودان بلا حلقان، وذلك إذا كانت هناك وسائل وليس هناك الغاية: كمال بلا صحة، وامرأة جميلة بلا أولاد، ونحو ذلك.
ويتحسر بعض الناس فيقولون: لما كانت أودان لم يكن لنا حلقان، فلما وجدت الحلقان لم يكن لنا أودان، كالرجل لما كان صحيحا كان فقيرا، فلما اغتنى جاء الغنى بعد أن فقد الصحة.
الحلم:
يعتقد المصريون كثيرا في صحة الأحلام، وهناك بعض الفقهاء والعلماء قد شهروا بتفسير الأحلام من عهد ابن سيرين، ولا يزال كتابه في تفسير الأحلام مصدرا لهؤلاء العلماء والفقهاء، وبعض الأحلام مجرد هلوسة لا قيمة لها، وبعضها يصدق، وفي ذلك يقول الشاعر:
وغزالة وعدت تزور محبها
في النوم كي تشفى بها الأسقام
فأجابها مستبشرا بوصالها
يا حبذا لو صحت الأحلام
والعامة يعتقدون بأن النائم تطير روحه في النوم وهي في لون أخضر، فترى حوادث كثيرة، فإذا رجعت على البدن تذكرت ما رأته، وكثيرا ما يفسرون الشيء على نقيضه، فإذا رأى النائم نفسه في ضيق دل ذلك على السعة، وإذا رأى سعة فهو ضيق وشقاء، ويعتقدون في ركوب الحمار فرجا، وفي ركوب الفرس عزا؛ وإذا أخذ شيئا من ميت دل ذلك على طول العمر، والزواج موت، ولبس الأبيض فرح، والأسود حزن.
ويزعم بعض الناس أن أحلامهم لا تكذب، وأعرف تاجرا كبيرا خاصمه دائنوه ورفعوا عليه دعوى بالإفلاس، فذهب إلى فقيه وقرأ له سورة، فحلم أنه سيحكم للتاجر بالبراءة وقد كان ذلك، وحكمت المحكمة برفض دعوة الإفلاس.
ولي بنت تقيم في لندن، وهي شغوفة جدا بكسب الرهان، فحلمت يوما بأن الذي سيكسب فرس فرنسي اسمه كذا، ولم تعلم من قبل ولا ورد ذلك الاسم على سمعها، اشتهر عند الناس أن هذا الفرس لا يقدر على النجاح؛ إذ هو فرس مغمور، ومن العجيب أنها وضعت بعض المال على هذا الفرس بعد التحذير، ثم أعلنت النتيجة في الراديو في المساء فإذا هي الفرس الرابحة، وكثير من هذا يرويه كل إنسان في تجاربه الشخصية وبعض الأوروبيين يفسره باشتغال العقل الباطن فيما يعرض للإنسان في الحياة، فيجد في المنام رموزا تدل على هذه الأحداث، إن بعض الأحلام لا تصح ولا يذكرها الحالم، وبعضها يتحقق، وهو الذي يذكره.
الحماة:
أم الزوج، وشهرتها في عدائها لزوجة ابنها مشهورة في الشرق والغرب، ومن الأمثلة المشهورة «الحمة حمى»، ويقصون عليها الأقاصيص الكثيرة، وقد قال بعض العوام فيها بعض الأزجال، من ذلك قول بعضهم:
إن كنت داير وابن غرام
قف واستمع واملا الأفهام
قصة ظريفة بالأحكام
اصح تكون عينك غفلانه
قلتها في غيرة الحموات
لما رئيت منهم نكبات ...
لما تشوف ابنها نشوان
يقوم يعمل حالته زعلان
تقول له أمه زعلان على إيه
إن كان جواز قل لي عليه
وأنا أخطب لك بنت البيه
ست جميلة وأهل أمان
من لطشتها تقوم وتطبل
وتجمع العيلة وتهلل
يدخل جوزها يقف يتأمل
يلقى الدار بالفرح ملآنه
يقول لها جوزها جرى إيه
هو جنون جالك واللا إيه
الجرسة دي أمال على إيه
دي فضيحتنا بقت رنانه
وبعدها ينصبوا الأفراح
ثلاثين ليلة طوال ملاح
والهم عنهم راح وانزاح
وأم العريس تجري فرحانه ... إلخ وقد اتخذت الحماة موضوعا للتنكيت على الألسنة.
الحمار:
الحمار من أحسن وسائل النقل قبل اختراع الأتومبيلات، وكان يركبه الناس كثيرا في التنقلات، وخصوصا النساء، فكان يصنع لهن بردعة خاصة مريحة ويستحضر لهن كراسي للصعود منها على الحمار، وكان في القاهرة لوحات زرقاء في أنحاء مختلفة كتب على كل واحدة منها (موقف ستة حمير)، واشتهر الحمارون بالنكت والظرف لاستعمالهم الحشيش، كما يستعمل الحمار عادة في حمل السماد في الغيط ونقل المحصول، وقل من لم يكن عنده حمار أو حمير.
ويستعمل الحمار المصريون في السب والشتائم دليلا على البلادة، وهو سب للحمار ظالم؛ لأنه صبور على الشدائد، وفي هذا المعنى الجيد لقب آخر خلفاء بني أمية بمروان الحمار؛ لأنه كان جلدا صبورا على احتمال الشدائد.
حمارتك العرجة تغنيك عن سؤال اللئيم.
حمام:
الحمام طائر معروف، وقد كان كثيرا في الديار المصرية ولكنه قل اليوم، فقد كان أغلب القرى لا تخلو من أبراج تصنع مخصوصا للحمام، فكنت ترى في القرية عشرين برجا أو ثلاثين، وتكون الأبراج مرتفعة من سبعة أمتار إلى عشرة، تبنى أولا مربعة بالطوب الأحمر، كل ضلع منها نحو أربعة أمتار، فإذا علوا قليلا أبدلوا الطوب بقواديس الساقية، ويجعلونها من الفخار صفوفا صفوفا، ويجعلون فمها من الداخل، ويصنعون حول الصفوف من الخارج عيونا بارزة، لكي يقف عليها الحمام، ويضعون أيضا ألواحا من الخشب عريضة يستريح عليها، ويأتي الحمام من البرية ويقف على تلك الأبراج أو العيدان، والقواديس تصلح لتعشيشه، فيتخذ له منها عشا ليبيض فيه، ومتى اعتادها لا يفارقها، ولا تمضي أشهر إلا وقد كثر في البرج البيض، ومن عادة الحمام أن يبيض ويفرخ ويكون صالحا للذبح في شهر تقريبا.
وقد يكون في البرج نحو ألف زوج، وربما ولد هذا العدد خمسمائة بيضة؛ فيكون مصدر ربح كبير للتجارة فيه، وبعضهم يعتقد أن الجان تسكن بيوت الحمام.
وهم يصفونه للضعاف الناقهين من المرض، وفي الإنجيل: «كونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام»، والحمام معروف بالحب والغزل، فإذا غاب أحد الرفيقين عن الآخر حزن عليه حزنا شديدا، وقد قالت العرب والمصريون في ذلك أشعارا كثيرا وزجلا كثيرا، وفي التاريخ كان لنوع من الحمام شأن كبير، وهو حمام الزاجل، لإرسال المراسلات، قبل الوابورات والطائرات، وحمامة نوح التي أرسلها لتستكشف الأرض مشهورة معروفة، فقد أرسل الغراب أولا فلم يرجع، فعرف أنه لا يصلح لهذا الغرض، فأرسل الحمام فرجعت وفي فمها ورقة زيتون.
وقد أخبر بعض الناس أنهم راقبوا الحمام فوجدوا أن الزوجين لا يخون أحدهما الآخر إلا نادرا، وحكى بعضهم أنه رأى أنثى حمامة خانت زوجها، فرآها الزوج بغتة فما زال ينقرهما حتى أماتهما، ثم خرج هائما وغاب يومين ورجع بأنثى جديدة.
ومن أمثال العامة «فلان زي الحمام، يغوي كل يوم برج»، ويضربونه للرجل المتقلب، فإن الحمام قد يكون في برج، ثم يألف برجا آخر فيطير إليه، وعدو الحمام الثعبان، وهذا هو الذي دعا المصريين إلى وضع القواديس ونحوهما، وقد تألف الثعابين برجا من الأبراج، فيهرب الحمام حتى لا يعود في البرج شيء، والثعبان يألف أبراج الحمام، فيشرب بيضها، ويقتل أفراخها، ومن أجل ذلك يتعهد أصحاب الأبراج البرج بالنظافة، وكلما كبرت الأفراخ زادوا في نظافته وبخروه بفاسوخ، لاعتقادهم أن رائحته تبعد الثعابين.
الحمام:
قال أبو العلاء المعري:
يعيب أناس أن قوما تجردوا
لحمامهم نصب العيون الشواذر
لقد سعدوا إن كان لم يجر عندهم
من الوزر إلا تركهم للمآزر ...
وقال:
أعوذ بالله من ورهاء قائلة
للزوج، إني إلى الحمام أحتاج
وهما في أمور لو يتابعها
كسرى عليها يشين الملك والتاج
وهو يدل على أنه كان يرتكب في الحمامات في زمانه بعض الجرائم من نوع خاص، ويكاد يكون في كل حي مصري حمام أو حمامات، وخصوا له بعض أيام للرجال وبعض أيام للنساء، وكثيرا ما يذهب الرجال إلى الحمام صباح الجمعة بعد الجنابة للاغتسال، واعتاد الرجال أن يناموا بعد الحمام في ردهته قبل أن يلبسوا ملابسهم ويخرجوا.
وفي الحمام عادة رجل عريان مؤتزر إزارا يسمى «المكيس»؛ لأن بيده كيسا من الجلد لا يزال يحكه على جسم المستحم، فتتكون معه إفرازات يطردها، وذلك قبل أن ينزل المستحم في المغطس، واعتادت الآنسات قبل الزواج أن تذهبن إلى الحمامات مع من تسمى «البلانة» فتحميهن بعناية خاصة، وذلك قبل الليلة التي تسمى ليلة الدخلة، وفي الحمام أحجار خفيفة هنا وهناك يحك بها المستحم رجليه للتنظيف، وكذلك هناك قوم وظيفتهم نتف الإبط والشعر، ومن الأمثلة الدائرة على لسان المصريين «حمام بلا مية» يشبهون به الجماعة من الناس يتصايحون على غرض لم يتحقق وهم يعتادون أن يقول بعضهم لبعض «حمام العافية» يريدون أنهم يسألون الله أن يجعله حماما يذهب بالمرض ويسبل الصحة.
وقد غزت فيما غزت المدنية الحديثة الحمام، فصنع كل في بيته حماما له ولعائلته، واكتفوا بالبانيو عن مغطس السوق، وصار لكل أسرة حمامها الخاص.
وكم كنت أذهب مع أبي في حمام حينا، وكان حماما كبيرا، بجانبه مكان يسمى المستوقد، من وظيفته أن يسخن ماء الحمام، ومن وظيفته أيضا أنه يدمس قدور الفول المدمس للحي كله، ثم يخلط الحريق ببعض التراب، وتسمى المادة بعد ذلك «القصرمل»، ولا أدري من أين أتت هذه الكلمة، ويستعمل في البناء مخلوطا مع الجير والرمل، ولا أدري لماذا كنت أكره الذهاب مع أبي إلى الحمام.
على كل حال كان الحمام مرفقا كبيرا من مرافق الحي، يتقابل فيه الناس، ويتحدث فيه الصحاب، وأحيانا يقضون فيه بعض معاملاتهم، وكان لكل حي حمام، ومسجد أو أكثر، وسوق وكتاب ... فسبحان مغير الأحوال.
حمامة بيضة بفرد جناح:
بفرد جناح واحد؛ أي بجناح، ويقولون للأعور بفردة كريمة.
حمرق:
تعبير يعني أنه غالط وهي بمعنى (زوزغ).
الحمصة والكي بالنار:
شاهدت في زماننا الحمصة والكي بالنار لبعض الأمراض، فالحمصة كانت عبارة عن أن المزين يفتح فتحة في الذراع بمقدار ما يضع الحمصة، ثم يضع الحمصة ويضع عليها ورقة من الورق المقوى، ويربطها بمنديل أو شاش، ويتركها هكذا، وهي تمتص من الجسم بعض الفضلات، وكلما عطبت الحمصة غيرها بغيرها وهكذا، ويعتقدون أنها تشفي من الصداع ومن أمراض كثيرة، وقد رأيت أبي يستعملها في بعض الأحايين.
وأما الكي بالنار فيمهر فيه بعض الناس، وخصوصا بعض البدو، ويستعملونه في بعض الأمراض كعرق النساء والروماتزم، وهو علاج صعب استغني عنه ببعض الأدوية الحديثة، ولصعوبته قال العرب: «آخر الدواء الكي» ولا يلجأ إليه اليوم إلا عند قليل من المعتقدين فيه، وبلغني عن بعضهم أن الكي نفع العلاج به في أمراض لم ينجح فيها الطب الحديث.
حمل الأثقال:
اشتهر المصريون بحمل الأثقال على ظهورهم وعلى أكتافهم، سواء كانت أثقالا مادية أو معنوية، فقد يحملون فوق وزنهم، وترى مثال ذلك إذا وقفت في محطة السكة الحديد في القاهرة والإسكندرية، ورأيت مقدار ما يحملون، كما يدلك على ذلك أيضا ما إذا وقفت على عمارة كبيرة تبنى ورأيتهم وخاصة الصعايدة منهم يحملون على أكتافهم الحجارة الثقيلة ومواد البناء، بل منهم من اشتهر بأنه يستطيع أن ينقل خزانة حديدية ثقيلة على ظهره، وتدرك مقدار تحمل المصريين الأثقال إذا رأيت بلاد الإنجليز مثلا، فقد رأيتهم يستخدمون غالبا العربات الصغيرة في نقل العفش والأمتعة، كما يستخدمون الآلات المتنوعة في البناء ونقل الأحجار والمؤن، وممن اشتهر بهذا أيضا العربجية عند نقل عفش البيوت من بيت إلى مكان آخر، فلهم قدرة عجيبة على حمل الأثقال.
الحملي:
لقب يطلقونه على رجل يحمل على ظهره إبريقا كبيرا من الفخار له بزبوز، يسقي به من شاء، وقد يمر إلى الدكاكين فيملأ لهم قللهم وقد دعا ذلك قديما صعوبة الحصول على ماء الشرب في الطريق مع حرارة الجو.
ومن هذا القبيل ما كنت ترى في كثير من الشوارع رجلا يحمل قربة لها بزبوز ويزعم معه الناس أن هذه القربة حلت فيها البركة فهي لا ينتهي ماؤها، فكلما فرغت امتلأت، وهو يلقي ماء حوله من القربة ليوهم الناس أن ما أفرغ منها كثير، ويزعمون أنه يسقي الناس من الصباح إلى المساء وهي لا تنتهي.
الحمى:
الحمى معروفة وهي أنواع وقد دلت تجارب العلماء على أنها ميكروبات مختلفة، لكل نوع من الحمى نوع منها يمكن الاستدلال عليه بالفحص، بعضها شديد وبعضها خفيف، وبعضها مميت، وبعضها لا يميت، ولكن العامة يعتقدون أنها نوع من الجن تلبس الإنسان فيمرض بها، وقد وصف المتنبي حمى الملاريا وصفا دقيقا لطيفا، وقد مرضت مرة بالحمى فمنعوا عني كل أنواع اللحم حتى مرقته، وغيروا كل أنواع الطبيخ حتى لا تصلني رائحته، حتى ضعفت وتعبت جدا، وفي اليوم الرابع والخمسين صممت على الأكل، فقدموا لي فرختين سمينتين وطبخوا لي ملوخية وتخوفوا من أكلي، ولكن من الغريب أني شفيت بعد هذه الأكلة تماما، ويداوي العامة الحمى أحيانا بذبابة من ذباب الخيل، وأحيانا يلصقونها بقطعة عجين ويلزمون المريض بأن يبلعها، وأحيانا يستعملون الخل مع النشا دهانا، وأحيانا يلجأون إلى الأحجبة ويكتبون ورقة فيها لا إله إلا الله، نارت واستنارت، لا إله إلا الله حول الوسن دارت، لا إله إلا الله وفي علم الله سارت، لا إله إلا الله أذنت الحمى وغارت ... وغارت ... وغارت، وأحيانا يعلقون عظمة ميت كافر في رقبة المريض، وأحيانا يكتبون حجابا فيه (ا ح أ ك ك ح ع ح م م خ)؛ لأن هذا يميت العفريت فتذهب الحمى، وكم لهم في ذلك ضحايا.
ومن أمثلة العرب المشهورة «الحمى أضرعتني إليك»، يعنون بذلك أن الذلة التي يسببها مرض الحمى جعلتني أتضرع إليك وأتذلل.
حنبلي:
يقال للرجل المتشدد المتزمت: «حنبلي»، نسبة إلى أحمد بن حنبل، وهي نسبة خطأ؛ لأنهم كانوا يعتقدون فيه أنه متشدد عن غيره من الأئمة، كما يطلقونها على الموسوس في الوضوء والصلاة ونحو ذلك، كالرجل الذي يقول عند الدخول في الصلاة نا نا نا نا، نويو نويه، نويت الصلاة نويت الصلاة، وهكذا، ويتوضأ ثم يتوضأ ثم يتوضأ.
كالذي يقول الشاعر:
وموسوس عند الطهارة لم يزل
أبدا على الماء الكثير مواظبا
يستصغر النهر الكبير لذقنه
ويظن دجلة ليس تكفي شاربا
حنا:
لها شأن كبير عند العرب قبل الزفاف، وفي ذلك ليلة تسمى الحنا سنذكرها فيما يأتي، وبعض النساء يضعن عليها مواد تجعلها خضراء أو سوداء، ثم ينقشن بها نقوشا مختلفة، وأحيانا قليلة يستعملها الرجال، وبعض الرجال يخضبون بها لحاهم إذا شاب الشعر، ويمزجونها بالخل لتثبت، ويضعونها على رأس المحموم لتخفف حرارته، وخضاب الحنا منتشر في الشرق من قديم، وفي ذلك يقول الشاعر:
خود كأن بنانها
في خضرة النقش المزرد
سمك من البلور في شب
ك تكون من زبرجد
وروى لي بعض تلاميذ المرحوم الشيخ حسين المرصفي الأستاذ في دار العلوم أنه كان واسع الاطلاع، دخل مرة في أول السنة فصلا، فسأل الطالب الذي أمامه عن اسمه، فقال له: الحناوي، فابتدأ الكلام في الحنا وما ورد فيها، واستعمالها، حتى انتهت الحصة، ثم سكت وقال: ذكروني في الحصة الآتية، وما زال في الحنا أسبوعا كاملا؛ مما يدل على سعة الاطلاع وكثرة الاستطراد في الأدب العربي.
ومن الأغاني المشهورة عند المصريين:
الحنا يا الحنا يا قطر الندى ...
وربما كانت الأغنية قديمة ترجع إلى قطر الندى بنت خمارويه بن أحمد بن طولون لما زفت إلى الخليفة في بغداد، وقد كانت الأغنية موجودة حتما في عهد محمد علي، إذ سجل بعض المستشرقين نوتة لغنائها.
وزهر الحنا لطيف الرائحة يباع في الأسواق وشجرتها تزرع في البساتين، ويعتقد النساء أنه إذا أخذت جماجمها، وهي الرءوس التي لم تفتح، وغليت في الماء ثم شربت أسقطت الحمل، والله أعلم.
الحواشين:
هي في لسان العامة من الأولياء يحوشون البلاوي عن الناس؛ أي يمنعونها، يدل على ذلك القصة التي أرويها، وهي أن رجلا من العراق جاء إلى مصر، وكان من الأولياء، وقابل وليا من الأولياء، وسأله عن القطب المتولي خفارة مصر، فدله على جزار، فذهب إليه وطلب منه رطل لحم فأعطاه فقال: هذا لا يعجبني، فقطع له الجزار رطلا آخر، فقال مثل الأول، وما زال كذلك حتى قطع له الخروف كله، وذلك لأنه علم أن اللحم ضار، فكان هذا الولي من الحواشين، ويقولون في بعض استغاثتهم: «حوشوا يا حواشين.»
حواليه كلام كتير:
تعبير يعني كثر حوله الكلام السيئ.
حوش:
هي كلمة تطلق على وسط الدار، وتطلق أيضا على بناء يبنى حول المقابر، وتبنى فيه غرف ولوازمها حتى تمكن الإقامة فيها في المواسم والأعياد، ويطلق ثالثا على البيت الكبير يشتمل على مساكن أرضية كثيرة يسكنها الفقراء وأخلاطهم، ولذلك يقولون عن أدنياء الناس «حوشي» أو «حوشية»، واشتهر من هذه الأحواش حوش «بردق» في المنشية؛ لأن سكانه كثيرو النزاع وكثيرو الخصام، لا تمر عليه إلا وتسمع غوغاء، ولذلك إذا رأى الناس زيطة قالوا: «زي حوش بردق» ويقولون: حاش بمعنى «منع» فحاشه من الضرب «أي منعه، وحوش» بمعنى جمع. (انظر الحواشين).
حوشوا الهوى عن فؤادي لا الهوى يجرح:
هو تعبير عامي مشهور، وأحيانا يستعملون في مواضعها كلمة لاحسن فيقولون: حوش الهوى لاحسن الهوى يجرح. ومثله قولهم في أغنية:
يا عمي يابو الحسن
حوش الحسن عنا
لاحسن جمال الحسن
قرب يجننا
حيلة أمه:
أي واحد أمه، ولذلك تكون كثيرة الحنان عليه.
حرف الخاء
الخاطبة:
هي امرأة اعتادت أن تدخل البيوت بصفة بلانة أو دلالة، فتتعرف إلى نساء البيت وفتياته؛ وهي توصى عادة بالبحث عن زوج للفتاة أو زوجة للفتى، فتكون صلة التعارف بينهما، وكثيرا ما تبالغ في جمال البنت وغناها، أو تبالغ في جمال الشاب وغناه؛ وذلك نظير جعل تتقاضاه منهما بعد أن يتم الزواج، ولما تقدمت المدنية شاهدت هذا العام في إحدى قهاوي رمل الإسكندرية امرأة قيل لي: إنها خاطبة، يوسطها من شاء من الشبان والشابات فتجمع بينهما، لنظر بعضهما إلى بعض، فإذا أعجب كل الآخر تم الزواج وإلا لا.
وإذا كان السفور معتادا أمكن نظر كل منهما إلى الآخر وتقابلهما مرارا حتى يتم الزواج أو يتم الانفصال.
وكان ينشأ في العهد القديم من الخاطبة متاعب كثيرة، فقد يتبين أن الزوجة ليست كما وصفتها الخاطبة من جمال أو غنى، أو أن الفتى ليس كما وصفته من استقامة أو غنى، ولكن يكون ذلك بعد انتهاء العقد وتمام الروابط؛ وكان هذا في أيام الحجاب أشد وأعنف.
الخالق الناطق هو:
تعبير يعني يشبهه تاما.
خان الخليلي:
إنما ذكرناه دون غيره من أحياء القاهرة؛ لأنه محتفظ بصفته الشرقية، فهو حتى في شكل بنائه من عقود ووكالات على الجانبين تحتها دكاكين على الصفين، يمثل حالة التجارة في الشرق في العصور الوسطى؛ وتباع فيه السجاجيد العجمية والسبح الكهرمان، والصواني النحاسية المنقوشة، أو المكتوب عليها آيات قرآنية ونحو ذلك.
ولذلك إذا جاء السائحون في القاهرة كان من أهم برامجهم زيارة خان الخليلي، فيشترون منه بعض السلع الشرقية تذكارا لهذه الزيارة، ويشاهدون فيه نوع التجارة في القرون الوسطى؛ وبائعوه أجناس: منهم الأتراك والشوام والعجم وغيرهم.
خايب ونايب:
الظاهر أن نايب إتباع لخايب لا للدلالة على شيء جديد، بل هو لتأكيد الخيابة.
خبطتين في الرأس توجع:
تعبير يعني قد يتحمل الرأس خبطة، أما خبطتان فلا.
الختان:
يولي المصريون الختان أهمية كبرى حتى لقد بلغني أن قبيلة سودانية أرادت الدخول في الإسلام فكتب رئيسها إلى بعض علماء الأزهر يستوضحه الإسلام وما يفعله أفراد قبيلته لدخولهم في الإسلام، فكتب إليه العالم الأزهري قائمة بما يجب أن يعملوه؛ فكان أولها الختان، فرفضت القبيلة أن تسلم؛ وقد كانت هذه المسألة قلة ذوق.
والختان عادة تشمل الذكور، والإناث جميعا، فللأطفال حلاقون يتولون ذلك، وللبنات دايات يقمن بهذه العملية، وقد يتولى الأطباء هذه العملية في بيوت الأغنياء، وقد جرت عادة الأطباء أن يختنوا أولاد الأغنياء.
وربما كان المصريون أحرص الناس على الختان، وقد ثبت أن قدماء المصريين كانوا يختتنون، وربما كان هذا هو السبب في حرص المحدثين منهم على ذلك، وقد زعموا أنه ينجي الأطفال إذا ما كبروا من الأمراض.
وقد جرت العادة أن يكون الختان في نحو السابعة من العمر، وهم يحتفلون به ويؤلفون لهذا الغرض موكبا يجتمع فيه الأصدقاء والمحبون، ويركبون الغلام جوادا أو عربة بعد أن يلبسوه لباسا فخما وأمامه الموسيقى أو الطبل والمزمار؛ وقد يزينون الولد بزي الفتاة الصغيرة، ويطوفون به في الشوارع القريبة من بيتهم على هذه الحال، وتقام مأدبة كبيرة؛ والعادة أن يختن الطفل عقب هذه الحفلة.
والختان يفصل بين حياة الطفولة وحياة المراهقة، وفي هذه الأيام من حياتي، أعني سنة 1950 وما بعدها، نادى بعض الناس بقصر الختان على الذكور دون الإناث، وحجتهم في ذلك أن ختان البنات قد سبب انتشار عادة تعاطي الحشيش والمنزول والأفيون ونحو ذلك، وذلك بسبب أن البنت إذا اختتنت ثم كبرت فختانها يقلل من لذتها الجنسية، فيضطر الرجل إلى استعمال المخدرات التي ذكرناها لغيابه عند مضاجعتها، فنادوا بعدم ختانها حتى لا يضطر الرجل إلى مثل هذه المخدرات، ولم تلق هذه الدعوة في أول أمرها كثيرا من الاهتمام.
والمصريون يسمون الختان طهارة كأن الفتى والفتاة يتطهران بهذا العمل.
وكثير من الناس ينتهزون فرصة زواج بنت أو شاب في البيت فيختن أولاده اختصارا لكثرة الحفلات، فيكون الموكب مكونا عادة من عربة للعروس وعربة للطفل المراد ختانه، وبعضهم قبل الختان يزور المختتن شيخا من الأولياء كالإمام الشافعي، وعادة تجري حفلة كبيرة في ساحة الإمام للختان العام الذي يشترك فيه عدد كبير، خصوصا من أولاد الفقراء، وتكون هذه الحفلة العامة عادة عند فتح الخليج في النصف الثاني من أغسطس أو الأول من سبتمبر، ويعتقدون أن هذا الوقت من أنسب الأوقات، فقد خف الحر ولم يهجم الشتاء، وامتلأ الجو بالرطوبة مما يساعد على التئام الجرح، وقد جرت الطبقة الكبيرة والوسطى على أن تلف القطعة التي فصلت من الولد في منديل ويوضع عليها ملح حتى لا تتعفن ويربط المنديل في عنق الولد على شكل عقد حتى إذا شفي من هذه العملية رماها في النيل أو في الخليج.
الخدم:
كان الخدم في الأزمنة القديمة يملأون البيوت من رجال ونساء حتى قد يفوق عددهم عدد أهل البيت، وكانت توزع أعمال البيت عليهم، فلكل خادم اختصاصه، هذا يعمل القهوة وهذا يحضر الأكل، وهكذا ... وكان قبل دخول أنابيب الماء في البيوت يحضر الماء السقاء، ويسمى سقا الحريم، وكانت أجورهم رخيصة، وكثيرا ما وقعت من بعضهم أحداث شائنة، وكانوا كثيرا ما يتطلعون إلى البقشيش من كل من دخل البيت من الغرباء.
فما زالت أجورهم تعلو وعددهم ينقص، حتى صعب الحصول عليهم، وهم اليوم كالكبريت الأحمر، وقد هجر كثير البيوت الواسعة للشقق الضيقة لقلتهم، فقد أفسدهم كثيرا استخدام الأجانب لهم؛ لأنهم يعطونهم الأجرة الكثيرة، وخصوصا في أيام الحروب، ويعاملونهم معاملة الإنسان الحر، ولذلك كانوا يفضلون الخدمة عندهم على الخدمة في بيوت المصريين، وكل من كان من بلد أحضر خادمه أو خادمته من بلده، ومن لم يكن من بلد، أحضرهم له طائفة تفتح دكاكين في مصر، يسمون المخدمين، وبعضهم يعمل أيضا عمل ما ذكرنا في الياسرجي. (انظر الرقيق).
خدني في دوكة:
تعبير يعني قابله بهلولة.
خده على هواه:
تعبير يعني سايسه، ومثله خده على قد عقله.
الخرافات والأوهام:
الحق أن المصريين يفوقون غيرهم في الخرافات والأوهام، الاعتقاد فيها عادة يلازم الجاهل سواء كان متدينا أو غير متدين، فإذا زال الجهل زالت، فإن كان غير متدين اعتنقها، وإن كان متدينا حول العقائد إلى خرافات، فكم لهم من عقائد في رؤية الجن مبثوثة في ثنايا هذا الكتاب، فهم يظهرون أحيانا في صورة قطط أو كلاب ويحدفون الطوب من البيوت الخربة، حتى ليكاد كل شر في الدنيا منهم؛ وحتى كأن كل شيء فيه جني أو جنية، وهم يسكنون الشوارع، وخصوصا في الظلام، والمقابر والآثار القديمة، وهم يحبسون في رمضان ويطلقون فيما عداه، وإلى جانب الجن الأولياء، وكل شاذ ناقص الخلقة ولي من أولياء الله، تستجاب دعوته وتلتمس منه البركة، وكل ميت منهم له سر باتع.
وقد يكون بعض هؤلاء مجانين أو مجاذيب، فهم يعللون جنونهم أو انجذابهم أو إتيانهم الأعمال الشاذة باتصالهم بالله وملائكته.
والقاهرة مملوءة بالمشايخ: كالمتولي في باب زويلة، وسيدنا الحسين بجانب الأزهر، والسيد البدوي في طنطا، والدسوقي في دسوق، وتقام الموالد لهؤلاء الأولياء يأتون فيها بالعجائب.
ويعتقدون في العين وأثرها، فهم يخشون منها في كل شيء، فإذا أعجبوا بشيء قالوا ما شاء الله! اللهم صل على سيدنا محمد.
ويعتقدون في البخت والقدر، وينسبون كل أفعال الخير والشر إليهما، والأحجبة وأهميتها وأشكالها وألوانها، وتبركهم بحدوة الحصان، والكتابة على الدكاكين بأنها في حماية الله، ويعتقدون أشكالا وألوانا في الأحلام، وفي أيام السعد وأيام النحس، ويعتقدون في النحس في يوم السبت، والخير في يوم الجمعة، فيقولون : يوم الجمعة يوم الفضيلة، ويتشاءمون من ساعة فيه ويقولون: إنها ساعة نحس ويذهبون إلى العرافين ليخبروهم بالماضي، ويتنبئون بالمستقبل، من ودع، وقراءة كف، واعتماد على الزايرجا، واعتماد على الحروف وجملها، والاستخارة وأشكالها.
ومن قديم من عهد الفراعنة أتقنوا فن السحر، يستحضرون الأرواح ويستخدمون الأطفال في المندل ويعتقدون في التنجيم، وأن السعادة والشقاء مرتبطان بالنجوم، وتفتح الجرائد إلى اليوم فترى خصائص من ولد في أكتوبر وفي كل شهر وفي كل أسبوع من الشهر، ويعتقدون في الكيمياء والقدرة على قلب المعادن إلى ذهب، والخرافات حول ذلك، ودوران الغجر على البيوت ينادون: نبين زين! والذين يستحضرون الثعابين من البيوت، والمناداة على الرقى في أيام عاشوراء، والذين يحاربون بالبخاري إلخ ... حتى ليكاد الإنسان يرى في كل خطوة خرافة، وهذه كلها تزول تدريجا مع العلم.
وبعبارة أخرى تزول مع زوال الجهل، ولذلك ترى أنه كلما أغرقت قرية من القرى في الجهل كثرت فيها الخرافات.
الخرج:
الخرج وعاء من صوف أو قطن ذو جنبتين، يوضع على الحمار أو الحصان أو الجمل أو الكتف، ويأخذه معه من أراد سفرا أو خروجا إلى مكان بعيد، فيملؤه من الأشياء التي يريد إهداءها لبيته: ككيزان ذرة أو شمام أو بطيخ أو نحو ذلك.
وقد اعتاد المصريون أن يغيظوا التجار الشوام الذين يحملون على أكتافهم الصابون ينادون عليه فيقولون «محمود في الخرج» فيغتاظ البائعون من ذلك، ولا أدري ما سبب هذه الكلمة.
وقد يبالغ الأغنياء في الخرج فيطرزونه بالذهب أو الفضة، ويتخذون منه آلة للزينة والزهو، وكثيرا ما يتخذ الخرج أداة من أدوات الحاج عند سفره إلى الحج، ليعود وخرجه مملوء بالهدايا، كماء زمزم وبعض التمر الجاف وبعض الهدايا الفضية، كالدبل والخواتم والسبح.
خرزة البقرة:
يزعم النساء أنه توجد في عنق بعض الأبقار أو بطونها قطعة شحم لها وصفة عجيبة وهي تسمين الهزيلات، ولذلك يرجو بعض النساء الجزارين في البحث عنها، وهي شهيرة عندهن.
وربما كانت أسهل هضما من المفتقة، وقد يصنع بعضهم الحلبة مطبوخة بالعسل بدل خرزة البقرة والمفتقة، ويضيفون عليها أيضا البندق المقشور والسمسم، وهي أخف منها وأصح لقلة لخبطة الأصناف.
وطريقة أكل هذه الأشياء في الغالب أن يؤخذ نصف الرغيف أو ربعه ويحمر، ثم توضع ملعقة أو ملعقتان من المفتقة أو خرزة البقرة أو الحلبة على ظهر الخبز، أو في داخله، ثم يؤكلان معا قطعة فقطعة.
الخزام:
حلقة كان يضعها نساء بعض الطبقة الدنيا وبعض الفلاحات، خصوصا مديرية الشرقية، في الأنف، وقد ورد الخزام في غناء بعضهم، وهو زينة ليست بالجميلة، وعند الأغنياء يكون هذا الخزام من الذهب.
الخس:
اعتاد المصريون أن يأكلوا بين الأكلات أشياء خفيفة يسمونها (شبرقة)، كاللب والحمص، ومن ذلك الخس والملانة وهي الحمص الأخضر، وقد اعتادوا أن يأكلوهما في ليلة شم النسيم، فيحرصون على أكل البيض الملون يوم السبت الذي قبل شم النسيم، ثم الملانة والخس ليلة شم النسيم، وفيها يشمون البصل الأخضر ويعلقونه على رءوسهم إلى الصباح، ثم يأكلون الفسيخ ظهرا، ويشترك في ذلك المسلمون والنصارى جميعا فهو يوم شعبي.
وقد ترى الناس يأكلون الخس وهم يمشون في الشوارع، أو يقزقزون الملانة أو اللب، أو يمصون القصب ويرمون قشره مما يقذر الشارع كثيرا، وإذا نظرت إلى كناسة الشارع يوم شم النسيم رأيت عجبا من بقايا هذه الأشياء، ومما تصنعه الطبقة الوضيعة يوم شم النسيم غير أكل الخس والملانة شرب الخمور، وهم بعد شرابها يتصايحون في الشوارع، ولذلك يمتنع خيار الناس عن الخروج في ذلك اليوم اتقاء للأضرار.
وكثيرا ما يستعملون الخس في السلطة مع بعض البقول، وقد اشتهر بالخس سيدي المليجي في مليج، ولذلك ينادون عليه «خس يا مليجي» كأنه من اختصاصه، كاختصاص الإمبابي بالترمس.
خش لي قافية:
تعبير يعني سابقني في أن أقول شيئا وترد علي بما يناسبه.
الخشبة التي تطير:
يعتقدون أن الولي إذا مات، ووضع في خشبة الميت، وأريد أن يدفن في مقبرة لا يرضاها، ثقل جدا على الحاملين له حتى لا يستطيعوا السير به، وكثيرا ما شوهد ذلك في القاهرة والأرياف، وقد شاهدت مرة ميتا فعل به ذلك، وكلما مشى به حاملوه توقفوا، فإذا غيروا وقف الجدد أيضا، ثم أراد الحاملون أن يضللوا الشيخ، فلفوا بالخشبة جملة لفات حتى لا يعرف الشيخ أين يتجهون، ثم ساروا بالخشبة فسارت بهم.
وهناك منظر آخر نشاهده في هذا الباب وهو أن يدعوا أن الشيخ يريد أن يسرعوا به إلى الدفن فيجروا بالخشبة، ويزعموا أن الشيخ يطير.
وقد نشر في الجرائد منذ أيام عن تنازع بلدين على الشيخ في أيهما يدفن، وقد فصل بينهما الشيخ الميت باتجاهه إلى مقابر أحد البلدين، وبذلك حسم النزاع.
الخصاء:
هو عملية جب المذاكير، والذي كبر منهم يستخدم في البيوت لحفظ الحريم ومراقبتهن ولا يطلع عليهن من الرجال غيرهم، وهي عادة قديمة تكلم عنها الجاحظ في كتاب «الحيوان»، ويقوم بهذه العملية في مصر في الأغلب مدينتا أسيوط وجرجا، يقوم بها جماعة من الأقباط، وعاصمة هذه العملية قرية قرب أسيوط تسمى زاوية الدير، ويموت من هذه العملية نحو 25٪ من أثرها، ومن الخصيان من بلغ مبلغا عظيما كخليل أغا، وهو أغا والدة الخديو إسماعيل.
فقد كان يترأس في الحفلات حتى على الوزراء، وقد أشرف على بناء مسجد الرفاعي، وبنى له مدرسة هي التي تسمى إلى الآن مدرسة خليل أغا، وقد رفع السلطان محمود أحد أغواته إلى رتبة باشا، والخصاء هذا يميز صاحبه، فترى جسمه مترهلا وصوته رقيقا وعينه ذابلة، وكأنه يريد أن ينتقم مما فعل به فيكون في العادة جبارا، ومنهم من لم يمنعه جبه عن فجوره وفساده، فيكونون أحيانا وسطاء بين سيداتهم وأحبائهن، بل أحيانا يتصلون بالنساء، ومنهم من يتزوجون على هذا الوجه، وفي التاريخ أعمال كثيرة لهؤلاء الأغوات بعضها عظيم وبعضها فظيع.
الخضاب:
اعتاد بعض المصريين من رجال ونساء أن يخضبوا، وقد كان الخضاب أولا بالحناء، ثم صار يخضبون باللون الأسود بمستحضرات من الأجزخانات، يسترون به الشيب ليدلوا على صغر سنهم أو سنهن، ومنهم من يجيد الصبغ حتى يرى أن المصبوغ طبيعي.
الخضر:
يعتقد بعض الأولياء أنهم رأوا الخضر في يقظتهم، وخاطبوه وخاطبهم، وهو عبد صالح كان مع موسى، ويزعمون أنه شرب من عين الحياة فلم يمت من عهد موسى إلى اليوم، وأن الأولياء الصالحين يرونه جهارا ويخبرهم بالمغيبات، وإذا ذكروه قالوا: عليكم السلام! إيهاما بأنه مر عليهم وسلم عليهم.
خطفت رجلي وجبت الشيء الفلاني:
تعبير يعني أسرعت وأتيت به.
الخطوة:
يقولون خطوة عزيزة، إذا غاب الزائر - الذي يدعي أنه عزيز - مدة ثم حضر، وتستعمل الخطوة بمعنى آخر: فيقال أهل الخطوة، وهم قوم يزعمون أنهم قادرون على قطع المسافة في خطوة، فيكونون مثلا في لحظة في مصر، وفي اللحظة الأخرى في الحجاز، ولا يعوقهم بحر ولا جبل، ولهم في ذلك حكايات غريبة، كحكايتهم عن قوم يقيمون في بلد، ثم هم يصلون كل صلاة في وقتها في الحرم المكي والمدني.
ولذلك إذا كان رجل بعيدا وحضر فجأة قيل له: هل أنت أهل الخطوة؟
وتستعمل بمعنى المسافة القريبة، فيقال بينك وبين المكان الفلاني خطوة؛ أي مسافة قليلة، ومثلها في هذا الاستعمال «فركة كعب»، ويستعملونها في الدلالة على اعتقادهم في القضاء والقدر: فيقولون بين الخطوة والخطوة يفعل الله ما يشاء، ولا تمشيش خطوة على خطوة إلا بإذن الله.
وسموا بعض الناس أبا خطوة، ويعتقد النساء أن المرأة إذا كانت عقيما وتخطت قتيلا زال عقمها.
خفف له السرع شوية:
السرع؛ أي اللجام، تعبير يعني طول بالك عليه.
خلاها خل:
وخلاها مسخة وهي كذلك بمعنى تصرف فيها تصرفا سيئا.
خلاها رطريت:
ومثلها خلالها سداح مداح، ومثلهما خلاها بطن حمار؛ أي تصرف فيها تصرفا سيئا حتى ملأها فسادا.
خلخال:
حلية تلبسها المرأة في الرجل، وقد يكون من ذهب، وقد يكون من فضة، وقد يكون من نحاس مطلي بالذهب.
والمرأة المستهترة تلبس الخلخالين في رجل واحدة، فإذا مشت كان للخلخال صوت يلفت إليها الأنظار ... وقد بطل استعماله في المدنية الحديثة.
الخلوة:
كان في بعض المساجد حجرة منعزلة يأوي إليها بعض الناس للخلوة أياما معدودة يكثر فيها من التأمل والذكر.
وقد اعتاد بعض الصوفية أن يخصصوا أياما للاعتكاف فيها وقضائها في العبادة.
وقد سمي بعض الصوفية لذلك ب «الخلوتي»، وهناك طريقة صوفية تسمى الخلوتية.
الخليج:
كان يشق القاهرة في العهد القريب خليج، يفتح له ماء النيل عند فيضانه، ويسمى ذلك فم الخليج، وكان طويلا تبنى على ضفتيه بيوت الأغنياء للاستمتاع بمنظره ورطوبة الجو، وقد تمد منه أنابيب لهذه البيوت لتستقي منه.
وكان كثير الأضرار؛ إذ لم يتعفف بعض الناس من أن يصب فيه القاذروات أو يرمي فيه الحيوانات الميتة المتعفنة، أو ترمي فيه لحمة الختان، ولعذوبة الماء كان يسرع إليه الفساد فإذا شرب وملئت منه القلل مرض شاربه، كما أنه في أيام الفيضان كان يحمل الطمي الضار بالشرب.
ولذلك صنعت الحكومة خيرا بردمه، خصوصا وأنه كان أيضا عرضة لتوليد الناموس والحشرات إذا أخذ النيل في الانحسار، وإلى الآن في القاهرة شارعا يسمى شارع الخليج، يجري فيه الترام بعد أن كان يجري فيه الماء.
خليك في بر خليص:
كلمة يستعملونها إذا نصحوا أحدا بعدم المغامرة، بالتزام بر السلامة.
خليك في حالك:
هي كلمة يستعملونها للأمر بالالتفات إلى نفسك، وعدم التدخل في أمور الغير، وهو مبدأ رديء في غاية الخطورة؛ لأن معناها عدم الاهتمام بالمجتمع، صلح أم فسد، وهذا ضد الوطنية.
خليك مع الله:
يقال للرجل يطلب منه أن يلجأ إلى الله عند الشدائد، ومثله خليك على الله؛ أي اتكل عليه في أمورك.
الخماسين:
أيام خمسون بعد شم النسيم تهب فيها رياح شديدة من الجنوب، وتكون سموما حارة، فإذا هبت الرياح اصطبغت السماء بالحمرة قليلا، أو كثيرا، وقد تمتد حتى يتعذر التنفس على الإنسان، ويشيع المصريون أنها أبادت قوافل برمتها في الصحراء، وقبل هبوب الخماسين يخرج المصريون إلى المزارع لشم النسيم، وهم يعتقدون أنهم إذا شموا النسيم في ذلك اليوم وهو اليوم المعروف بشم النسيم، اتقوا شرور الرياح الخماسينية.
خمسة وخميسة:
هي عبارة عن كف فيها خمسة أصابع، وتصنع عادة من عاج أو من فضة أو من نحاس مطلي، ويزعمون أنها تستلفت النظر فتقع عين الحسود عليها، فلا يؤذي الشيء الذي وضعت عليه؛ لأن عين الحسود لم تقع على الشيء إلا بعد أن تقع على الخمسة والخميسة، ويعلقونها على كل من يخشون حسده، خصوصا إذا كان جديدا، كسيارة جديدة أو فرش جديد.
الخواجة:
الخواجة في لسان المصريين هو أوروبي يلبس بدلة وبرنيطة، سواء كان روميا أو إيطاليا أو إنجليزيا أو غير ذلك.
وهو يحترم في مصر، ويخاف منه ويعتقد فيه العلم والأمانة أكثر من المواطنين، وخصوصا في الزمن الماضي، فإذا قدم طبيب وكان خواجة اعتقد أنه طبيب أمهر من الأطباء المصريين مهما كانت شهادته وضيعة، وإذا كان تاجر يوناني ببرنيطة استطاع أن يشتري من الفلاحين قطنهم أكثر مما يستطيع التاجر المصري مهما غشهم وخدعهم، وإذا وعد الخواجة المصري اعتقد أنه يفي بوعده أكثر مما يفي المصري، وكم ضحك الأوروبي على ذقن المصري، لا لشيء إلا لأنه خواجة، وسبب هذا أن الخواجات الأوروبيين هم الذين غزوهم وفتحوهم، فأجلوهم جميعا، وخافوا منهم من غير تفرقة بين إنجليزي وغيره.
ومن أسباب ذلك أيضا المحاكم المختلطة وما كانت ترهب به المصريين؛ ولهذا كان كثير من العقلاء يتوقى الدخول في هذه المحاكم.
وقد أوجدت هذه الحالة مركب النقص في المصريين، فاحترموهم واعتقدوا فيهم الكمال في كل شيء، مهما كان الخواجة ساقطا، ولما كثر غش بعضهم وأدركوا ألاعيبهم ورأوا أنهم ناس كسائر الناس يخدعون ويكذبون قل احترامهم لهم، ولم تعد لهم المنزلة الأولى التي كانت لهم، ونشاهد أن منزلتهم في الإسكندرية أقل من منزلتهم في القاهرة لكثرة اختلاطهم بهم ومعرفتهم إياهم.
ولا يطلقون الخواجة إلا على من كان نصرانيا، ولكن الأتراك قد يطلقونه على بعض المسلمين أيضا، ولما ثارت مسألة زواج الشيخ علي يوسف وطعن في كفاءته لبنت السادات أحضر نسبه ليدفع به عن نفسه، فكان من ضمن أجداده من سمي الخواجة فلان، فطعن في نصرانية أجداده.
خيال:
يستعملونها بمعنى كفء، ويقولون: أنا خيالها؛ أي كفء لها، وتقول النساء عن التي يتأخر زواجها: «خليها لما يجي خيالها»،
خيال الظل: (انظر قراقوز).
حرف الدال
دا بكاش:
تعبير يعني نصاب.
دا بيلعب بالبيضة والحجر:
تعبير يعني أنه ماهر، حتى إنه ليمكنه اللعب بالبيضة والحجر من غير أن تكسر البيضة.
دا جاب السبع من ديله:
تعبير يعني ظل يحتال على الرجل القوي حتى طواه.
دا حباله طويلة:
أي إنه لا يسرع في عمله، ومثله: ما يسيحش دم.
دا خيبة تئيلة:
تعبير يعني نكبة كبيرة.
دا خم نوم:
تعبير يعني ينام كثيرا.
دا راسه مصفحة:
تعبير يعني قليل النوم.
دا راجل هفية:
تعبير يعني خفيف الوزن لا يؤبه له.
دا زي القرف:
تعبير يعني يقرف النفس، ويحركها للقيء.
دا سعر داير:
تعبير يعني أنه منتشر يكاد يكون وباء.
دا شارب ومونن:
تعبير يعني أنه متكيف من شربه.
دا شغل بكش:
تعبير يعني شغل نصب، واشتقوا منه فعلا، فقالوا بكش عليه، وقالوا منه فعلا، فقالوا تصلق في الشغل.
دا شمعة منورة:
تعبير يعني أنه عميم الخير، وكأنه شمعة مضيئة.
دا شيء بارد:
تعبير يعني ثقيل سمج.
دا شيء كان على الكيف:
تعبير يعني يوافق المزاج.
دا طول الليل يلالي:
تعبير يعني طول الليل يتضور من الألم.
دا عز الحبايب:
ومثله دا صديق الروح بالروح.
دا كان زمان:
تعبير يعني هذا أمر كان في القديم، وقد تغيرت الحال.
دا كان لي فين وأنا فين:
تعبير يعني ما هذا الشيء الذي أتى ولم يكن منظورا، ومثله ما كانش ع البال.
دا كله كوم ودا كوم:
تعبير يعني هذا الشيء يساوي هذا الكوم القليل.
دا لسانه ما يدخلش في حنكه:
تعبير يعني كثير الثرثرة، ومثله دا لسانه طويل.
دا مات وشبع موت:
تعبير يعني مات من زمن طويل.
دا مخستك شوية:
تعبير يعني مريض قليلا، وأكثر ما يكون ذلك في من اعتراه برد أو زكام.
دا مش علي:
تعبير يعني أنه لا يجوز علي هذا اللعب.
دا مش مسعرني:
تعبير يعني لا يقومني تقويما حسنا.
دا مش وش كدة:
تعبير يعني لا يظن به هذا الشيء.
دا معجباني:
تعبير يعني تياه معجب بنفسه.
دا من عشمي:
يقولها الرجل إذا تصرف تصرفا غير مذوق.
داميه من تحت تبن:
تعبير يعني أنه خداع، كأنه ماء وضع عليه تبن فيظن أنه يبس.
دا ياكل زي الغول وينام زي القتيل:
والمعنى واضح.
دخيلك النبي:
تعبير يعني حلفتك بالنبي، وأحيانا يقولون: دخيلك إن لم تعمل كذا؛ أي أستحلفك أن تعمله.
الدراويش:
يطلق هذا الاسم على الصوفية، وهم كثيرون في مصر، ويحترمون كثيرا، وأكثرهم احتراما من كان من الأشراف أو بيت أبي بكر، ويلقب بالبكري؛ وعمر، يلقب بالعمري، ويلقب رئيس الطائفة بشيخ السجادة؛ وتعبير السجادة العرش الروحي، وفي مصر أربع سجاجيد كبيرة، وأشهر طوائف الدراويش هي الرفاعية نسبة للسيد أحمد الرفاعي، وعمامتهم سوداء، أو من الصوف الحالك الأزرق.
واشتهروا بالإتيان بالأعمال العجيبة: كغرز المسامير الحديدية في أعينهم من غير أن يقاسوا ألما، وابتلاع الجمر والزجاج، وخرق أجسامهم بالسيوف، وخدهم بالمسلات.
وأحيانا يحرقون قطعة من جذع النخل ويحشونها بخرق غمست في الزيت والقطران، وإشعالها، ثم وضعها مشتعلة تحت الإبط.
ومن الدراويش فرقة السعدية وأعلامها، وعمائمها خضراء، واشتهروا بإمساك الثعابين السامة والعقارب بلا خوف، ويركب شيخ السعدية في المولد النبوي والموالد الشهيرة حصانا ويسير به على بعض أجساد أتباعه، ويسمى هذا الموكب بالدوسة، ومن الطوائف طائفة القادرية نسبة إلى عبد القادر الجيلاني، والأحمدية نسبة إلى السيد أحمد البدوي، والشعراوية، نسبة إلى مؤسسها الشيخ الشعراوي، والبيومية، نسبة إلى السيد علي البيومي، والبراهمة أو البرهامية، نسبة إلى سيدي إبراهيم الدسوقي، وأعلامهم خضراء، إلخ.
وهم كثيرون، وقد نشروا في البلاد الخرافات والأوهام، وكلما كان الرجل مجنونا أو قليل العقل اعتقدت فيه الولاية.
الدربكة:
هي نوع من الطبل يوقع عليه المغنيات نغمات خاصة بدائية، ويمتاز بذلك السودانيات، وربما أخذ من نغماتها «الجزبند» الحديث، فهو يشبه هذه النغمات السودانية.
دستور:
يطلقون الدستور على الحجر المنحوت تبنى به البيوت، ويقال: بنى بيته بالدستور، ويطلقونه أيضا على القانون الأساسي لنظام الحكم، ويقال: هذا موافق للدستور، وهذا مخالف له، ويستعملونه ثالثا إذا مر رجل على امرأة ليعلنها بالتحجب، فالرجل إذا طلع السلم على الحريم قال: دستور أو يا ساتر، فتسمع المرأة ذلك فتحتجب، ويستعمل أيضا عند زيارة الأضرحة والمشايخ، فيقول الرجل أو المرأة: دستور يا سادة، كأنه يستأذن في الزيارة، وكذلك إذا أرادت سيدة أن تكب ماء قذرا فتقول: دستور! تحذير للمارة، وكذلك احتراسا من أن الشيء يصب على الجن فيتأذون ويضرون الفاعل، فهذه الكلمة تمنع منه.
دغري:
يقولون: امش دغري، بمعنى امش مستقيما؛ وهي تركية أصلها طغري.
الدلالة:
امرأة تشتري البضائع المختلفة الخاصة بالنساء، كالمناديل وقمصان النوم والزيت والصابون والروائح العطرية ونحو ذلك، ثم تدخل بيوتا خاصة اعتادتها، وتبيع هذه السلع بأثمان أكثر مما اشترت، وهي عادة تنقل أخبار البيوت وسرائرها باتصالها بالخدم ومعرفة أسرار البيوت منهم.
دلوقت عرف أن الله حق:
تعبير يعني اعترف بما لم يعترف به.
دماغه مش منظوم:
تقال في وصف رجل مختل العقل.
دماغه ورمت:
تعبير يعني أنه من ألم الكلام له دارت دماغه حتى كأنها وارمة.
دمه شربات:
يصفون الدم أوصافا كثيرة، فيقولون: دمه خفيف، ودمه ثقيل، ودمه شربات؛ أي لطيف، دمه زي السم، ودمه يا باي؛ أي ثقيل، ويقولون أيضا في هذا: ما ينبلعش من الزور، كناية عن الثقيل، ودمه يطرش، وفي المدح: دمه زي ريش النعام.
الدنيا بخير:
تعبير يقال عند لمعان خير في وسط شر كبير.
الدنيا زهزهت له:
أي زهت له وضحكت.
الدنيا ماشية بالمندار:
تعبير يعني حالها مشقلب.
الدنيا مش سايعاه:
تعبير يقال للرجل يتباهى ويفتخر ويتعاظم.
دود المش منه فيه:
كانوا يعتقدون أن دودة المش تتكون منه، وتكون فيه، ثم ثبت العلم أن الدودة لا تتكون من المش، ولكن تتكون من ذباب أو نحوه، ثم تتكاثر، وهم يقولون ذلك للشيء يكون شره منه، كأن يكون فساد العائلة من أحد أفرادها.
دودة الأنف:
يزعم العوام أن في الأنف دودة صغيرة، وأن بعض الناس عندهم عزائم إذا تلوها وحكوا الأنف نزل الدود منها، وشاهدت ذلك بنفسي وجرب بالفعل معي، والغالب أن هذا الرجل دجال، وأنه يستحضر في كمه بعض هذا الدود، ثم بحركة خفية ينزل هذا الدود من كمه على أنف الطفل، فيظن أنها نازلة من الأنف مباشرة، والله أعلم.
دورت عليه في سلقط في ملقط ما لقيتوش:
تعبير يعني بحث عنه في كل مكان، فلم يجده.
دور عليه من تحت الأرض:
تعبير يعني ابحث عنه في كل مكان حتى تحضره.
دي حاجة جنان:
تعبير يعني جميلة جدا، لدرجة أن من رآها يكاد يجن.
دي مرأة ممحونة:
تعبير يعني أنها متهتكة خليعة.
دي نغنغة:
تعبير يعني شيء كثير.
الدين:
إنما نتكلم عليه؛ لأن له أثرا كبيرا عميقا وظاهرا في الحياة الاجتماعية المصرية، والحق يقال إن المصريين معرفون من قدم بالتدين حتى من لم يتدين منهم يتحمس للدين إذا مس ولو مسا خفيفا، وأكثر المصريين مسلمون، ولكن أكثرهم يعتنق الإسلام بعد أن امتلأ بأوهام من الديانات الأخرى، وبعد أن تسربت إليه عادات وتقاليد ليست منه في الأصل، وترى الدين الإسلامي في شتى المظاهر: فأنت إذا فتحت الراديو سمعت تلاوة القرآن والأحاديث الدينية، وإذا مررت في الشوارع رأيت المساجد ومآذنها العالية، وإذا عشت رمضان في مصر، رأيت الحياة البيتية تتأقلم برمضان، فاحتفال بالإفطار وإحسان إلى الفقراء، وسهر للسحور والمسحراتية، ومدافع الإفطار والسحور، والإمساك، وكثرة الابتهالات، وإخراج زكاة الفطر قرب العيد، وإذا حضرت موسم الحج رأيت الرغبة فيه والاحتفال به والدعوة إليه، إلى كثير من أمثال ذلك.
وإذا نظرت إلى بيوت المصريين القدماء رأيت الحريم منفصلا عن مواضع الرجال، لما يعتقدونه في الإسلام من الحجاب، ورأيت الناس يعملون رغبة في الجنة وخوفا من النار، ومن ناحية أخرى ترى الاعتقاد في الجن وتأثيرهم، وفي الذكر وفي الأولياء، ولا يعملون عملا إلا إذا قالوا إن شاء الله، ولا يخرجون من عمل حسن إلا إذا قالوا الحمد لله، ثم هم يعتقدون كثيرا في القضاء والقدر، ويؤثر ذلك في عدم التطلع لما هو آت وعدم الحزن على ما فات.
ويعتقدون في البعث ويوم الحساب، وكثيرا ممن يأتون بالفضائل كالصدق والصبر والكرم والشجاعة يعتمدون فيها على الدين، ومنهم من تدين حتى ترى الدين في كل حركاته، وحتى من تربوا في المدارس الأجنبية دعاهم اختلاطهم بالنصارى إلى التمسك بالدين، فالإسلام يتغلغل في أعماق نفسه ولو لم يؤد شعائره ظاهرا، وقد ظن بعض الآخذين بالظواهر من الأجانب تنصير من تفرنج من المسلمين ثم خاب فألهم، ثم هم كانوا يعاملون الأرقاء معاملة حسنة امتثالا للدين، ويعاملون الحيوانات معاملة حسنة امتثالا للدين، وليس الإسلام دين تبشير، ومع ذلك يدخل فيه الوثنيون أفواجا لبساطته واعتماده على كلمتين: «لا إله إلا الله، محمد رسول الله» ولكن لمخالطة المسلمين لأمم أخرى كالأقباط واليهود أخذوا عنهم بعض التقاليد وأعطوهم البعض الآخر، وعلى العموم يكاد الإسلام يتغلغل في الحياة المصرية إلى حد كبير.
وقل أن ترى من بعضهم عملا إلا والإسلام عنده باعثه والمطالب به، وكذلك إذا تجنبوا عملا فالإسلام هو الباعث على تجنبه والكف عنه.
الديون عليه اتلتلت:
أي تكاثرت.
حرف الذال
الذقن:
تنتج بعض أشجار اللبخ شيئا أصفر أشبه بالقطن المندوف، له رائحة خفيفة طيبة، ومن ظرف المصريين أنهم يسمونه ذقن الباشا، كأن منظره يذكرهم بالباشا العظيم الترف إذا كان له ذقن بيضاء.
وقد يتجمع الأطفال حولها للهو واللعب، ومن الأمثال المشهورة في الذقن «واحد شايل دقنه والتاني تعبان ليه» يضربونه مثلا لمن يحمل هما لآخر وليس له شأن فيه، ومن أمثالهم أيضا «إردب ما هو لك ما تحضر كيله، تتغير دقنك ولا ينوبك إلا شيله»، وكلا المثلين يحرض على اهتمام المرء بنفسه دون تدخل في شئون غيره، جريا على القاعدة السخيفة التي تبنى عليها معاملتهم، ويفسرها قولهم دائما في كل شيء: وأنا مالي.
ذمة:
يسمي المسلمون النصارى واليهود الذين يدفعون الجزية أهل ذمة؛ أي هم في ذمة المسلمين، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، ويقولون للرجل الفاسد: خرب الذمة، وذمته واسعة.
وأنشأ بعضهم مجلة فكاهية وسماها كلمة مشهورة وهي «السبعة وذمتها» ولا أدري أصلها.
وكذلك يقال للرجل الفاسد: ما عندوش ذمة، وللرجل الراحل إلى الدار الآخرة: في ذمة الله، وإذا أراد رجل أن يستحلف آخر يقول له: أذممك هل حصل كذا .
الذوات:
كلمة تطلق على الطبقة الغنية، أصلها ذوات الحيثية، ثم اكتفي بالقسم الأول، والحيثية نسبة إلى حيث؛ أي حيث يكون لهم شأن، وأولادهم أولاد الذوات.
وهي كلمة تدل على إباحية واستهتار وإفراط في الخمر والنساء، وما إلى ذلك.
والحق أنه في مصر تتميز الطبقات تميزا كبيرا، فمنهم من يملك عشرين ألف فدان أو أكثر، ومنهم من لا يملك شيئا، حتى جاء قانون الملكية، فحصرها في مائتين، والناس يقدرون بعضهم بمقدار ملكيتهم، ولذلك كثيرا ما يسألون عن الرجل فيقولون عنده كام فدان، وعليه كام طين، وكانت هذه الطبقة ذات شأن كبير في مصر، حتى كأنها فوق القانون.
فهي التي تنشئ العادات والتقاليد، وهي التي تتحكم في الأسعار، ومن العجيب أن نسبة ذريتها تكاد تكون نسبة عكسية مع أطيانها وعقاراتها.
فالأغنياء قليلو الذرية غالبا بعكس الفقراء، كأن الترف يقل نسله، وهم في حياتهم الاجتماعية متميزون، يغالون في المهر وفي النفقة، وفي العادة لا يعرفون كيف يحسنون تربية أولادهم، فالاعتماد في التربية على أبناء الفقراء وأبناء الطبقة الوسطي.
وأعرف صديقا لي كان ابنه وابن حاجبه في كلية الحقوق، فكان ابنه يرسب في الامتحان وابن حاجبه يكون الأول عليه، والطبقة الوسطى عادة تقلدهم، وتشرئب إليهم، وتتشبه بهم، ولذلك تتكون العادات من أعلى إلى أسفل، وقد شهروا بالفخفخة وحب السيطرة، وكانوا أشبه بأصحاب الإقطاعيات، والفلاحون عندهم كأنهم عبيد مملوكون كالأرض.
وقد ساعد على ذلك ما كان في مصر من قلة الضرائب، فكان أكثر المحصول يذهب إليهم أو إلى جيوبهم، وأقله يذهب إلى الفلاحين، ولذلك يقولون لمن تكبر وتجبر «عامل ابن ذوات»، وهناك شوارع في القاهرة كأنها وقف عليهم لا يستطيع سكناها غيرهم، ومصلحة التنظيم تعاملهم أيضا في الكنس والرش والنور معاملة ممتازة.
وهم عادة مع غناهم يشترون السلعة بأقل مما يشتريها الفقير؛ لأنهم يشترون كل شيء في إبانه، ويختزنونه على مدى السنة، من سمن وبصل وغير ذلك.
وهم لم يحسوا أثناء الحرب بالحرب، فرزقهم واسع وهم فوق التموين وقوانينه، وقد زال كل ذلك في العهد الجديد.
ومنهم تنبع الأمثال الدالة على احتقار المال؛ لأنهم لا يتعبون في تحصيله، ومن غناهم وفقر غيرهم تكونت الاشتراكية؛ إذ رأى الاشتراكيون أن الحالة في الأمة لا تجري على عدل، فالأغنياء في ذروة لا يتميزون بذكاء ولا حسن تجارة ولا عمل، وإنما أغلب غناهم نشأ من إرث، أو من مساعدة المقادير، ولذلك بدأت تخف الفوارق شيئا فشيئا بين الأغنياء الفقراء، والناس سائرون في كل العالم إلى ذلك.
الذوق:
اشتهر القاهريون بالذوق، يظهر ذلك في نكتهم، وأناقة ملبسهم، وطرق حديثهم، (انظر ابن ذوق).
حرف الراء
الراجل زي الحمامة، إذا ريشت طارت:
تعبير تقوله المرأة للمرأة تحثها على تفقير زوجها، وتحميله المسئوليات الكثيرة، وتخليفه الأولاد الكثيرة، خوفا من أن الزوج يستريح ويغتني، فيتزوج غيرها.
راح سبعة اسباتي:
تعبير يعني ذهب هباء.
راحت السكرة وجات الفكرة:
تعبير يقولونه إذا ذهب وقت اللهو، وجاء وقت الحساب.
راح في شربة مية:
تعبير يعني ذهب بأتفه الأسباب، ومثله قولهم: غرق في شبر مية.
راح له لون وجاله لون ثاني:
تعبير يعني كلمته كلاما شديدا فاحمر وجهه، فذهب لونه الطبيعي، وجاءت حمرة الخجل.
راح يجيب عاليه واطيه:
تعبير يعني سيجعله رأسا على عقب.
راسه راس منسر:
المنسر جماعة اللصوص، وهم دائما متيقظون شديدو المراقبة لما يجري حولهم، تقال للشخص إذا كان متيقظا سريع الانتباه قليل النوم.
الراية:
يكثرون من استعمال الرايات الحمراء والخضراء للدلالة على الفرح، تمييزا له عن الميتم، وإذا لم يقيموا صوانا علقوا رايتين كبيرتين على باب البيت للدلالة عليه، ويستعملونها أيضا في الموالد، وإذا كانت عصاها كبيرة سميت بيرقا.
وعندهم عقيدة أن هناك بيرقا يسمى بيرق النبي، يستخرجونه إذا جد الجد، وحزب الأمر، وفي هذه الحالة يحمله عظيم وينشره، فيلتف حوله الناس، كما فعل السيد عمر مكرم في حرب المصريين مع الفرنسيين، وكانوا يعتقدون أن عند السلطان عبد الحميد بيرقا نبويا إذا نشره وجب على كل مسلم الخروج للجهاد.
الربط:
الربط عمل سحري يعمله الشيخ ويتلو عليه عزائم، يزعم الناس أنه يعوق الرجل عن الإتيان بالأعمال الجنسية، ولذلك يلجأ المربوط إلى هذا الشيخ أو شيخ آخر، يحل هذا الربط، فإذا حل الربط عاد الرجل إلى طبيعته الأولى.
ويكثر ذلك في القرى، ويسمي المصريون الحكام القابضين على زمام الأمور: أهل الربط والحل، وأحيانا أهل الحل والعقد، ويسمون الأولياء الذين يتولون حكم الأقاليم في زعمهم أهل الحل والربط أيضا.
ربنا ياخده:
تعبير يعني يميته، ومن الحكايات المشهورة أن أميرا طلب من وزيره أن يحضر له قريبا لله؛ أي من أقربائه، فلم يستطع الوزير، وذهب إلى قهوة الحشاشين، وهو منكود حزين، فسأله أحدهم: لماذا أنت حزين، قال: إن الملك طلب مني أن أحضر له قريبا لله، فلم أستطع، فقال الحشاش: خذني إليه، قال الوزير: أتعرف العاقبة؟ قال نعم، بس خدني إليه، فذهب به إلى الملك، فقال له: أتعرف قريبا لله؟ فقال: أنا، قال: كيف ذلك؟ قال: كان فيه راجل له بنتين، ربنا خد واحدة، وأنا اتجوزت الثانية، كأنه بذلك صار عديلا لله، وهكذا تروى عن الحشاشين مثل هذه الحكايات في حل المشاكل العويصة.
ربنا يقصر ليلته بالعافية:
تعبير يعني من العادة أن المرض يطيل الليل، فالدعاء بقصر الليل، معناه العافية.
الرتب:
هي الألقاب التي يعطيها الخديو أو نحوه لمن أراد أن ينعم عليه، من بيك درجة ثانية وبيك درجة أولى، وباشا ومثل الرتب العسكرية كالصاغ واللواء والفريق ونحو ذلك، وقد كانت هذه الرتب مستعملة في عهد إسماعيل وتوفيق، ولكن رتبة «الأفندي» كانت أعظم مما هي اليوم.
ولذلك كان النساء إذا عظمن سيدة قلن إنها الست أم الأفندي، لا يقلن أم البيه ولا الباشا.
وفي عهد الخديو عباس أصبحت الرتب فوضى، ولها سماسرة يقبضون شيئا لأنفسهم وشيئا لغيرهم، وحدد تقريبا سعر لكل رتبة يدفعه الطالب، فلرتبة بيك من الدرجة الثالثة 250 جنيها، والثانية مع لقب بيك 300 جنيه مصرية، وذلك أيام كان الجنيه جنيها، حتى ضج الناس من ذلك.
وألغتها أمريكا، ولم يبق لها شأن إلا في مصر وشرق الأردن، وخاصم الإنجليز الخديو في شأنها، خصوصا بعد أن أراد الخديو الإنعام برتبة على موظف في ديوان الأشغال كان قد رفت للاختلاس، وتدخل اللورد كرومر في الأمر، وكلف بطرس باشا غالي إلغاء الرتبة، فألغيت بعد أن نشرت في الوقائع المصرية، بدعوى أنه حدث خطأ في الاسم، وهكذا من الفضائح، وقد ألغت العراق والشام هذه الألقاب، بعد أن ألغاها الغرب وألغتها أمريكا، واليوم نحمد الله على إلغائها فقد كانت سببا من أسباب الفساد وتمييز الطبقات.
وللصوفية رتب تشبه رتبة المدنية، فالمريد والشيخ والمتولي والقطب والغوث إلخ ... ولكل اختصاصه.
رجع قفاه يقمر عيش:
تعبير يعني رجع خجولا لم ينجح في مهمته.
رجله اتلوحت:
تعبير يعني أنها التوت.
رحنا وجينا بالسلامة:
يغني بها السيدات كثيرا.
رد البدع:
تعبير يعني أنه مصدر لأشياء كثيرة عجيبة، ومثله قولهم بخ حشيش، يقولونها للولد أو البنت إذا كانت من نسل حشاشين، يعمل عملهم.
رضا الوالدين:
يعتقد المصريون اعتقادا جازما أن من أهم أسباب سعادة الإنسان موت والديه وهما راضيان عنه، فإذا لم يرضيا أو رضي أحدهما ولم يرض الآخر، كان ذلك سببا للشقاء، ولذلك إذا رأوا رجلا موفقا في الحياة ناجحا قالوا: «يستاهل أبوه وأمه داعيين له»، وإذا رأوا فاشلا في الحياة شقيا قالوا: «أبو وأمه غضبانين عليه»، ولهم في ذلك أمثلة كثيرة.
وقريب من هذا ما يعتقدون أن ما تفعله المرأة مع حماتها تفعله زوجة ابنها معها شبرا بشبر، وذراعا بذراع، ويحكون أيضا على ذلك القصص الكثيرة التي لقيت فيها الحماة الجديدة ما فعلته مع حماتها.
وقريب من هذا أيضا ما يعتقدون من أن الرجل أو المرأة إذا ارتكبت جريمة ارتكب معه مثلها، ومن ذلك قولهم: «القاتل يقتل ولو بعد حين» واعتقادهم أن من زنا بامرأة زني بامرأته، ومن غازل امرأة غوزل بامرأته، وهكذا ... وهو اعتقاد قديم كالقصة التي روتها ألف ليلة وليلة: «دقة بدقة، ولو زدنا لزاد السقة.»
الرقص:
للمصريين نوع من الرقص يخالف الإفرنجي، والرقص المصري أكثر تحريكا للشهوة، ربما شابهه بعض الشيء الرقص الإسباني؛ لأنه ربما أخذوه عن العرب، ويسمونه أيضا الرقص البلدي، وقد أخذ المصريون نوعا من الرقص الإفرنجي وأحلوه في مدارس البنات وسموه التوقيعي، ويتميز الرقص الإفرنجي أيضا بأنه رقص نساء مع رجال، أما الرقص البلدي فهو رقص نساء وحدهن، أو رجال وحدهم.
واشتهر بين المصريين رقص العوالم، ورقص الغوازي، ورقص المحترفات، وهو على العموم رقص فظيع لما تثيره حركات المرأة من الشهوة، والمصريون إذا نظروا إلى هذا الرقص لا يخجلون منه ولا يستحيون ويعدونه من وسائل الفرح والابتهاج، وهو منتشر في البيوت، فيتعلم بعض الفتيات من النساء الرقص، ثم يرقصن وحدهن مع صواحبهن من غير أن يكون معهن زوج أو أب أو أخ، ثم هؤلاء العوالم أو الغوازي لا يجدن الرقص إلا مع توقيع موسيقي؛ لأنه يضبط حركتهن؛ فالعوالم وأمثالهن يرقصن، والرجال أو النساء خلفهن أو جانبهن يوقعون على الآلات الموسيقية لهن، فإذا كانت الحفلة حفلة نساء فقط، وقع بعض النساء على طبلة أو دربكة أو نحو ذلك، ومن حين لآخر توزع على العوالم والموسيقيين أقداح الخمر وكثير منهن يسرفن في الشراب فيقعن مغمى عليهن، وكثير منهن فتيات جميلات، يستهوين النظر خصوصا برقصهن، وفي المحلات العامة بعد أن يرقصن يجلسن مع الرجال، أو على حجورهم ويناغشنهم، ويبلغ بعضهن بالرقص إلى أنواع الفجور، وهن يلبسن ألبسة خاصة، كثيرا ما تحلى بالترتر ليلمع في ضوء الليل، وتتميز ملابسهن بأنها تظهر جسم المرأة على حقيقته، وهن في العادة يحتفظن بثبات السيقان، وتحريك الوسط أو الأرداف، وأحيانا يحركن أذرعتهن على شكل دائرة، وهناك نوع من الرقص يسمى «رقصة النحلة» فتزعم الراقصة أن هناك نحلة حلت في ملابسها، وتتحرك حركات كأنها باحثة عن النحلة، وهي ليست إلا في مخيلتها، فإذا لم تجدها خلعت ملابسها شيئا فشيئا بدعوى أنها تبحث عن النحلة، حتى تتعرى تماما ولا يسترها إلا ستار بسيط، والنساء حولها يصفقن ويقلن: النحل يا هو ... ومن الرقص رقصة تسمى رقصة الصلاة، فتبدأ كبيرة الراقصات بأن تقول الصلوات وتزعم الراقصة أنها تصلي، وتتشبه بالمصلين والمصليات، وهي إذ ترقص تقول: بصلي بصلي، صبح بصلي، ظهر بصلي، عصر بصلي، والنبي بصلي، يا خويه بصلي ... إلى أن تنتهي الرقصة.
ومن المناظر الشائعة التي يحرص بعض الأجانب السائحين على رؤيتها منظر هذا الرقص البلدي، حتى أحيانا تجد الراقصة المشهورة ربحها الكثير في أن تسافر إلى أوروبا وأمريكا لعرض مناظر الرقص البلدي.
والمحترفات من العوالم والغوازي يجلبن في العادة ثروات كبيرة من النقوط ومن الأجور، وفي عهد محمد علي كانت الغوازي يرقصن في الشوارع فيثرن شهوات المارة، فصدر أمر بمنعهن من الرقص في الشوارع فحبا في الرقص كان يرقص بدلهن الخولات، وهم طائفة من الرجال فقدوا رجولتهم وتأنثوا في كلامهم وحركاتهم، فكانت البلوى أفظع، والمنظر أسمج.
وبتغير الزمان نظر إلى الراقصات نظرة لا بأس بها، على أن رقصهن فن جميل، وأخذ الرقص البلدي ينكمش شيئا فشيئا ليحل محله الرقص الإفرنجي على الجازبند.
رقية:
الرقية تعويذة يستعاذ بها من الشر وقد تكون الرقية من عين حاسدة، ولهم في ذلك طرق كثيرة؛ من ذلك أن تؤخذ قطعة من طرف ثوب صاحب العين وتحرق في النار، وتتلى عليها التعويذة.
ومن الرقى المستعملة كلمات تقال بعد وضع قليل من الملح في كيس صغير ويعلق في رقبة الأطفال، وهناك رقية خاصة تقال في أيام عاشوراء، وهي في العشرة الأولى من المحرم، فتعدد الأشياء التي في البيت، وتضاف إليها التعويذة، حتى لا تحسد وهناك رقيات كثيرة لا داعي للإطالة بذكرها، ومن ذلك تسميتهم «رقية»، وهي تصغير رقية.
الرقيق:
كان الرقيق منتشرا في مصر، وكان أنواعا، منه ما هو أسود وهو أقل قيمة، ومنه ما هو أبيض، وكان يستعمل في الطبقات الراقية، وأذكر أن والدي كان قد اشترى جارية سوداء ب «خمسة ونتو» ولكن لم تطق والدتي بقاءها لغيرتها، فاضطر والدي أن يبيعها.
وكان قصر عابدين في عهد الخديو إسماعيل مملوءا بالجواري البيض، لكل زوجة من زوجاته عدد كبير من هؤلاء الجواري، ولهن ألقاب وأعمال، فطائفة منهن كانت تسمى القلفاوات، ومنهن من وظيفتهن تنظيف البيت أو تدبيره، أو تقديم القهوة عند غياب الخصيان ونحو ذلك، وكانت السراي ترسل إلى إستامبول من يختار هذه الجواري.
وفي آخر عهد إسماعيل وزعت الجواري التي في السراي على كبار الموظفين والأغنياء، وكان الخديو يمنح كل جارية تتزوج مقدارا من المال تتجهز به في حدود خمسمائة جنيه ذهبا، وبعض النسل من البيوتات الكبيرة اليوم من هؤلاء الجواري، وفيهن في الغالب العنجهية التركية والأرستقراطية التي عهدناها.
وكانت هذه الجواري الشركسيات مستبدات بأزواجهن، لا يرضين حتى يخضعنهم لأوامرهن، وقد حدثت حوادث طلاق من هذا القبيل بسبب استبدادهن، وكل أزواجهن يلاقون عذابا شديدا بسبب طلاقهن، وأعرف حادثة غريبة في هذا الباب، وهي أن شابا جميلا منح مرأة شركسية من هذا القبيل، وكان يحضرها في العادة إلى بيت الزوج مال من أغوات السراي، فلما كشف عن وجهها وجدها عجوزا شمطاء شوهاء مسلولة، فخطر له في الحال خاطر غريب، وقبل يدها بدل أن يقبلها، وجلس أمامها باحترام، فاندهشت وسألته عن السبب، فقال: إن أبي كان تركيا، وقد وصف لي عمة تركية وصفا دقيقا ينطبق عليك، ولذلك أحترمك كعمتي، فقالت: إنه ليس لها أخ، ولكنه أصر، وما زالت تكذب هذا الخبر وهو يصر حتى يئست منه ودعت الأغا فأخذها وذهب بها إلى السراي، فغضب الخديو واستدعاه وما زال يلح عليه في قوله الحقيقة حتى قالها، فضحك الخديو وأعجب بذكائه، واختار له جارية أخرى شابة من شباب القصر جميلة.
وكان في القاهرة أسواق كثيرة لبيع الرقيق بنوعيه، من أشهرها دار قريبة من باب الخلق يشرف على كل بيت منها نخاس وله مساعدون؛ والمشتري للجارية له الحق في تقليبها كما يشاء، حتى في كشف عورة الأنثى، وبعضهم كانوا يضعون الجارية في طشت مملوء ماء ليعلموا إن كان جسمها يمتص الماء أم لا، ولكن والحق يقال كانت معاملة الملاك للرقيق معاملة حسنة، فكانوا يعتبرون كأحد أفراد البيت، وهن من جانبهن كن يخلصن لأسيادهن، ولكن لا ننسى أنهن كن أحيانا سببا لشقاء البيت، فقد كان مباحا للرجل طبقا للشريعة الإسلامية أن يتصل بجاريته، وكان هذا مثارا للزوجة الحرة، وكثيرا ما ينسل من الحرة ومن الجواري فيكون العداء بين الأولاد، وبذلك يكون البيت شعلة من نار.
وأخيرا أبطل الإنجليز عادة الاسترقاق وحرروا العبيد، والإماء وقاوموا الرق بعنف، حتى إنهم انتقموا من شريف باشا انتقاما شديدا، وقادوه إلى المحاكمة بسبب شرائه لبعض الجواري بعد صدور القانون بإلغاء الرقيق، وأهانوه إهانات كبيرة ظاهرها أنهم يحافظون على الحرية، وباطنها أنهم يشفون غليلهم من موقفه السياسي الذي كان يناهض به سياسة رياض باشا، فقد كان رياض باشا يتهم بممالأة الإنجليز، أما شريف باشا فكان لا يمالئهم ويطالب بالدستور ونحو ذلك.
فكانت هذه الحادثة فرصة للانتقام منه ... ومع هذا فقد خوفت كبار المصريين ومتوسطيهم من امتلاك الرقيق.
ويسمي المصريون تجار البيض «الياسرجي» وتجار السود «الجلابين»؛ وفي بعض الأحيان كان الياسرجي هذا يعمل عمل القوادين، فيختار أجمل الفتيات لفاسدي الأخلاق من الأغنياء، ويرسلهن إليهم بدعوى أنهم يرونهن ليشتروهن، وبعد أيام يردونهن بدعوى أنهن لم يعجبن، ويقوم بهذا العمل في العصور الحديثة بعض المخدمين.
الرك:
يقولون في كلامهم «الرك على الدواق»؛ أي إن ما أنادي عليه حلو، فإذا شككت في حلاوته كان الحكم بيننا الذوق، وأكثر ما يستعمل في النداء على الجميز، ويقولون: «الرك في هذه المسألة على فلان»؛ أي إن فلانا فيها ذو أهمية كبرى فهو الذي يستطيع أن ينجحها أو يفشلها ... ولا نعرف أصلها اللغوي، ويقولون: «حطيت ركي عليه»؛ أي وضعت كل أمنيتي فيه، و«فلان عليه الرك»؛ أي واقعة عليه المسئولية!!
ركبها ميت عفريت:
تعبير يعني أنها غضبى.
الركة:
يزعم بعضهم أن الركة في لسان العجائز قطعة من الخشب ينفض عليها الكتان، وكان يعهد بها إلى النساء، فكن يجتمعن حول الركة هذه للقيام بما فرضه عليهن أزواجهن أو أسيادهن، وكل امرأة تصف وصفة نجحت في الشفاء.
ومن ثم سمي الطب المستند على وصفات العجائز «طب الركة» وقد ألف فيه بعض الكتب.
رمضان عشرات عشرات:
عشرة مرق، وعشرة حلق، وعشرة خلق؛ أي إنهم يعتنون في العشرة الأولى بالأكل، وفي العشرة الثانية بعمل الكحك، وفي العشرة الثالثة بتحضير ثياب العيد .
الرهن:
ينتشر بين الفلاحين الرهن، وقد اعتادوا أن يرهنوا أرضهم، فيضع المرتهن يده على الأرض ويستغلها، ومنه النوع الذي يسمى بيع الوفاء، فإذا مضت المدة المعينة ولم يدفع الراهن ما عليه ملكه المرتهن، وقد يكون الرهن على نصف الثمن أو أقل من ذلك، فتضيع الأرض على صاحبها.
وكان في القاهرة دكاكين كثيرة أكثرها للأرمن مملوءة بنحاس مرهون أو صيغة، أو نحو ذلك.
روح بأه لحالك:
تعبير يعني أي شيء لك عندي.
روضة المدارس:
ربما كانت روضة المدارس أولى المجلات الرسمية.
فقد أنشأتها وزارة المعارف، واستكتبت فيها كثيرا من الكتاب، وكانت عنايتها كبيرة ببابين سمجا اليوم، وهما الألغاز، والتواريخ في آخر شطر من القصائد، ومن أحسن ما فيها أنه كانت تقال في إحدى القاعات بعض محاضرات قيمة في شتى العلوم، ثم تنشر هذه المحاضرات في المجلة، وكانت تختار في كل حين وآخر كتابا حديثا تنشر منه ملزمة كل أسبوع لتجمع هذه الملازم فيما بعد في كتاب مستقل، وكان يرأس تحريرها في بعض أوقاتها علي فهمي رفاعة، وقد خدمت مجلة روضة المدارس العلوم والفنون عهدا طويلا، قبل أن تعرف مصر المجلات الحديثة، وهي تدل على الحركة العلمية والأدبية في ذلك العصر.
ريقه نشف:
تعبير يعني أنه ألح في الطلب ولم ينجح.
حرف الزاي
زاد به الحد:
تعبير يعني طغى عليه الأمر.
الزار:
تسمى شيخة الزار الكدية؛ فتقوم الكدية وتضع كرسيا في وسط المجلس وتجلس عليه صاحبة المنزل الذي أقيم لها الزار، وتحضر فرختين وديكا، وتربط أرجلها، ثم تضع الديك على رأسها والفرختين على أكتافها، ثم تتلو قراءات معهودة، وتنشد أناشيد والفراخ تقابل نشيدهن بالزعيق، وجميع الحاضرون يقلن: «دستور يا أسيادي مدد يا أهل الله يا أسيادي»، والكدية وأعوانها يضربن بالدف وينشدن الأناشيد على نغمات مختلفة، ثم يقربن من صاحبة المنزل ويسرعن في الدق وصاحبة المنزل هذه تركع أمام الضاربات، ثم تجيء إحداهن معها ملابس الأسياد، وهي عباءة مزركشة بالقصب وطربوش مكلل باللؤلؤ، وسيف وخنجر ملبسان بالفضة، فتتقلد السيف وتمسك الخنجر بيدها، وتقف متمايلة أمام ذلك الجمع، والآلات تضرب، والأناشيد تنشد؛ ثم تقف صاحبة المنزل وتقول: السلام عليكم، فيقال لها: أهلا وسهلا، من أنت؟ تقول هي: أنا الشيخ عبد السلام، مثلا، فتضرب حين ذلك على الدف نغمات تسمى الشيخ عبد السلام، فترقص صاحبة المنزل رقصا عجيبا يناسب الشيخ عبد السلام؛ حتى إذا فرغ الدور قامت الكدية، وكبست صاحبة المنزل، فينصرف الشيخ عبد السلام إلى حاله، ثم تدعي صاحبة المنزل أنه قد لبستها زوجة الشيخ عبد السلام، فتقول بصوت رفيع: السلام عليكم يا ستات! فيحضرون لها ملابس نسائية تناسب زوجة الشيخ عبد السلام، كل بدلة من الحرير، ولها لون خاص، وخواتم وخلاخيل وأساور، ثم يضربن لها الضربات التي تناسب الشيخ عبد السلام؛ وكل ذلك وهم في وهم.
ولنذكر الآن بعض الأناشيد المستعملة في الزار: (1)
فاتحة الحفلة والصلاة عليه، صلوا عليه، النبي العربي، صلوا عليه ... ماما الهدى، آه يا ماما، بدر التمام يا محمد، نصبوا الكراسي لماما، بر السماح لماما، بر الهدى يا ماما، صاحب العوايد ماما، صاحب الدبايح ماما، نصبوا الميدان يا ماما، آه يا زهر الورد يا ماما ... إلخ. (2)
سلام على أم غلام، يا مرحبة يا أم غلام، سلام على أم غلام، يا مرحبة بأم غلام، ردوا السلام على أم غلام، يا بنت ماما يا أم غلام؛ يا أم الغلام والعفو منك، يا أم الغلام بيني برهانك، يا أم الغلام واشفي عيانك، يا أم الغلام والطبل طبلك، يا أم الغلام والليلة ليلتك.
الزايرجة:
يستعينون بها على عمل التنجيم، وهي جدول ينسب إلى إدريس، ويقسم الجدول إلى مائة خانة صغيرة في كل منها حرف، ويتلو من يستشير الجدول الفاتحة وآية: وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلخ ... ويضع بعد أن يغمض عينيه إصبعه على الجدول فيقع على حرف، فيقيده ويدون الحرف الخامس بعده، والحرف السادس بعد الحرف الثاني له؛ وهكذا حتى يكون جملة يقرؤها لتبين الطالع ... ولهم فيها تعاليم كثيرة لا حاجة لذكرها.
الزبرجد:
الزبرجد حجر من الأحجار الكريمة أحمر، أكثر ما يستخرج من جزيرة بالبحر الأحمر تسمى جزيرة الزبرجد، وقد كان الزبرجد يسرق من الجبل، حتى تعاقد جماعة في سنة 905 من بينهم عبد الرحمن بك كامي من أعيان السويس، ومسيو مكسيوس، على أن يستخرج الطرف الأول الزبرجد ويرسله للأخير لبيعه في جنيف، على أن يأخذ ثلاثين في المائة من الأرباح الصافية، وعلى أن يتعهد الطرف الثاني بأن يفحص المناجم، ويتصرف فيها بما يراه ملائما، ويتولى بنفسه طلب امتياز استخراج هذا المعدن والبحث عنه.
وقد كان المصريون يستعملون الزبرجد في حليهم كثيرا، ولذلك كانت تجارته تجارة رابحة.
الزجل:
نظم من الشعر العامي على أوزان خاصة، وقد أثر عند المصريين الزجل وتنوعت أشكاله، وللمصريين أزجال ظريفة، خفيفة الروح خفيفة الوزن، واشتهر منهم في الأيام الأخيرة الشيخ النجار، والشيخ القوصي، وعبد الله نديم، وحسن الآلاتي، وإمام العبد، وغيرهم، ولطائفة من العوام وهم المسمون «بالأدباتية» أزجال لطيفة يسألون بها الناس؛ ويقولون بعضها ارتجالا، ولعبد الله نديم قصة مشهورة في مولد السيد أحمد البدوي، إذ جاءه بعض الأدباتية هؤلاء، فنازلهم بالزجل حتى غلبهم كما تقدم، ولا نطيل في ذكر أمثلة منها، فله كتب معروفة.
الزراعة:
الزراعة هي الحرفة الأولى للمصريين من قديم الزمان، وأما ما عدا ذلك من تجارة وصناعة فثانوية بالنسبة لهم، وإذا كان القيام بالزراعة قديما أتقنها الفلاحون على مر الأيام، فهم يتقنون الزراعة ولوازمها، ويساعدهم في ذلك جودة الأرض وسهولة زرعها، ولكنهم مع الأسف يلتزمون الزراعة على الأنماط القديمة، من غير أن يدخل العلم الحديث تحسينا كبيرا، فالآلات الزراعية لا تزال هي الساقية والشادوف، ولا يزال في ريهم وحرثهم ودرسهم وبذرهم يسيرون على النمط القديم.
ولم تدخل الآلات الزراعية الحديثة إلا في أطيان الأمراء والأغنياء، والمنتظر أن تعم هذه الآلات.
والفقراء عادة يعتمدون على النيل في الري، ولكن هذا لا يكفي إلا الزراعة النيلية، فاتجهوا أخيرا إلى الآبار الارتوازية، ولا لزوم لوصف الزراعة وآلاتها، فهي معروفة عند الكافة، والزراعة عادة تنقسم إلى قسمين: يسمون أحدهما زراعة شتوية، كالقمح والشعير والفول والعدس والترمس والحلبة، وزراعة صيفية، كالقطن والذرة والأرز والكتان، وأهم ما يزرع الآن القطن؛ وقد أدخله محمد علي باشا على زراعة مصر فأتت الأرض بخير أنواعه، ولا يزال يعد المحصول الأول، والقمح هو المحصول الثاني.
وإذا كان الفلاح شقيا تتوالى عليه المظالم من كثير من العمد وشيوخ البلد والملتزمين والصرافين والكشافين، والوجبات والمال ونحو ذلك من قديم الزمان، ورث أهل مصر الذل لأن أكثر البلاد حتى المتعلمين أبناء فلاحين، فللفلاحة أخلاق خاصة استلزمها نوع المعيشة.
وفي الأيام الأخيرة زاحمت الصناعة الزراعة فتغير تبعا لذلك خلق الأهالي (انظر فلاح وكشاف وملتزم ووجبة)، وكثيرا ما تصاب الزراعة وخصوصا القطن بدودة صغيرة تتلف محصولة قليلا أو كثيرا، وتأمر الحكومة الأهالي بتنقيتها قبل استفحالها؛ لأنه على محصول القطن تتوقف ثروة البلاد، ولم يعن من عهد محمد علي إلى الآن بدراسة هذه الدودة علميا وكيف يقضى عليها، والفلاحون لا يزالون يعتقدون أن الزراعة إذا نجت من الدودة فمن الله، وإذا ساءت فمن الله؛ ويسمون ذلك ندوة، وهم معذورون في ذلك بعض العذر؛ لأنهم يشاهدون أنه قد يكون هناك قطعتان متجاورتان من الأرض تنجح إحداهما وتسوء الأخرى، ولكن الحكومة تعتقد أن من نجحت منهما فلسبب علمي، ومن لم تنجح فلسبب آخر علمي، ومع ذلك فلم تعتمد الحكومة على أخصائيين يعرفون أسباب الدودة وعلاجها.
زغر له:
بمعنى حدق فيه.
الزغرودة:
اعتاد النساء في مصر أن يزغردن عند المناسبات السارة كوجودهن في الفرح، أو عند سماعهن خبرا سارا، أو لرؤيتهن المحمل على جمل، وإذا حضر حاج من الحجاز أو نحو ذلك.
ولهم في الزغرودة طريقة يلعب فيها اللسان، فيفهم من يسمعها أن هناك شيئا سارا حدث.
وهن يسمين النغمة الأخرى الحزينة «صواتا» وربما كانت الكلمة تحريفا عن الأصوات؛ وهي نغمة أخرى يعلم من سمعها أن هناك حادثة وفاة أو خبرا محزنا، والأذن المصرية يمكنها أن تفرق بين الصوتين بسهولة، فتعلم أن هذا دليل على فرح أو حزن، وعلى كل فالصوت سواء كان صوت زغرودة أو صوت صوات يحمل الناس المتجاورين من رجال ونساء على تجمعهم لاكتشاف سر الخبر.
زقزقت عصافير بطنه :
تعبير يعني جاع.
زكي عن جمالك:
تعبير لطيف، يقال للسيدة أو الآنسة إذا كان عندها جمال فيجب أن تزكي عنه بالوصال كما يزكى عن كل مال.
الزلزال:
يعتقد بعض العوام أن الدنيا طبقات ترابية على طبقة مائية، وأن هذه الطبقة المائية على طبقة صخرية، والطبقة الصخرية محمولة على ثور ذي قرنين، يحمل هذه الطبقات على قرن واحد، فإن تعب من حملها نقلها إلى القرن الثاني، وهذا الانتقال يسبب الزلزال، وهنا ينتقل الذهن إلى الثور الذي يحمله يقولون إنه محمول على القدرة.
ومن لطيف ما في الأمر أن صديقا كان له صديق ذو بغلة، وكانت البغلة رديئة فقال له:
لك يا صديقي بغلة
ليست تساوي خردلة
تهتز وهي مقيمة
فكأنما هي زلزلة
الزمان معاندني:
تعبير يعني أن الحوادث تجري على غير ما يأمل.
الزمن معاكس:
تعبير يعني أن الزمن لا يساعده على إتيان عمله، بل يعاكسه حتى لا يعمله.
الزنا:
يقولون فلانا ابن زنا؛ أي إنه خبيث شرير، والعامة تعتقد أن ابن الزنا يأتي شريرا خبيثا، وهم يقولون أيضا: «ابن الزنا إما قواس أو مكاس»، وهما وظيفتان دنيئتان.
فالقواس هو السايس الذي يجري أمام فرس سيده ويصيح لإفساح الشارع له، وأحيانا يكون السائس من أبناء العرب والسيد تركيا، فيصيح السائس بكلمات في سب سيده، فقد بلغني مثلا أن السائس الذي كان يجري أمام قاسم باشا ناظر الحربية كان يقول بأعلى صوته «أوعى يا واد التور السناري جاي»، ويوجد إلى الآن من يطلقون عليه اسم قواسين يجلسون مع الحجاب ويلبسون ثوبا من البفتة مصبوغا بلون أزرق، وتقتصر وظيفتهم على قضاء مصالح وقتية داخل ديوان المديرية أو ديوان المركز
وهذه الوظيفة آخذة في التلاشي، خصوصا وقد كرهها الأوروبيون وعدوها عادة همجية وحشية، وهذا المثل وضع أيام سلطة هاتين الوظيفتين، فكان القواس يلازم باب الرئيس من أكبر مصلحة إلى أصغرها، وكان يطلع على أسرار الرئيس كما يطلع السكرتير الخصوصي، وكثيرا ما يكون الواسطة بين الناس وبين الرئيس في أخذ الرشوة، وإنهاء العمل مع الحاكم ، وكان في القرى يشمخ بأنفه، ويتعجرف في كلامه، ويتجبر ويسب اعتمادا على سلطة سيده، وإذا كان الحاكم في القديم حاكما مطلق السلطة فقد كان قواسه صورة مصغرة من سيده.
وأما المكاس فهو مأخوذ من المكس، وهي دراهم كانت تؤخذ من بائع السلع في الأسواق، ويطلق اسم المكاس في الوقت الحاضر على أولئك الإخوان الذين يقفون عند مدخل المدن لجباية الضريبة المفروضة على ما يدخلها من حاجيات الغذاء؛ وكان اسمها الرسمي الدخولية، وكان فيها كثير من الظلم والجور والعسف والغش.
وقد أدركتها في آخر أيامها، وكان أبي رحمه الله يشتري من الإمام الشافعي الفراخ، ويشتري البيض أربع عشرة بقرش صاغ، وكان عند الإمام مكاس يلبس بدلة زرقاء، وكان يعتقد في أبي الصلاح، فإذا وصلنا إليه سمح لنا بالدخول من غير ضريبة، وهذه كانت مكسبنا، ثم أبطلت تلك العادة وقد كان منهم سفلة يعرون النساء بدعوى أنهم يفتشون لعل في لباسهن شيئا مهربا، ويحسسون على بطن الحبلى ليتحققوا إن كان في بطنهن جنين أو شيء مما تؤخذ عليه الضريبة، ولهذا اعتبرهم اليهود أمام دولتهم أنجاسا، وسموهم العشارين، ولم يسمحوا للمكاس أن يدخل الهيكل، أو أن يشهد المجالس؛ ولهذا قالوا في المثل: إن ابن الزنا إما قواس أو مكاس، وأراحنا الله من القواسين والمكاسين، وللزنا أساليب مختلفة، وللنساء فيه حيل غريبة، وقصص عجيبة، وقد كثر في مصر لحرارة الجو وقوة الشهوة البهيمية، ولم يمنع منه حجاب أو سفور، وقد كان هناك في المدن بعض أحياء للعاهرات تعطيهن الحكومة ترخيصات، وأخيرا ألغتها وحرمتها بعد أن أعدت العدة لتسريحهن.
الزواج والطلاق:
الزواج عادة شائعة في جميع الأمم، وقد اشتهر عن المسلمين تعدد الزوجات؛ ولكن والحق يقال: إن تعدد الزوجات بين الطبقة الراقية والوسطى قليل في مصر، ولا يفشو إلا في الطبقة الدنيا، وكان لا يصح في عرف المصريين أن يرى الزوج زوجته قبل زواجها، ولكنهم يرسلون الخاطبة، وقد يرسلون أمهاتهم أو أخواتهم لرؤيتها، حتى إذا ارتضينها يرسل الزوج الشبكة، وهي هدية قبل العقد، ثم يعقد العقد، وحينئذ يحل له أن يراها.
وجرت عادات قبل الزواج في إقامة العرس، منها ليلة الحنا وليلة الدخلة، وسنذكرهما في محلهما.
والزواج يختلف اختلافا كبيرا بين الطبقة الغنية والطبقة الفقيرة، فإذا كانت الطبقة غنية بالغ أصحابها في نفقات الأفراح وبذل الأموال من غير حساب، سواء في المآدب أو معالم الأفراح، ولا يكتفون بليلة الدخلة بل يقيمون ثلاث ليال قبلها، وكان العريس يجمع في منزله قبل يوم الزفاف أصدقاءه الأخصاء ممن يجيدون الغناء والعزف على الآلات الموسيقية، ويسمون هذه الليالي ليالي الضممة، وفي ليلة الزفاف يرسل العريس العربات الفخمة مع والدته لأخذ العروس من بيت أهلها، وتكون العربة المخصصة لها، مزينة بالشيلان الكشميري والورود والأزهار، يجرها اثنان أو أربعة من جياد الخيل، ويخفرها اثنان من الفتوات، وأحيانا من رجال مخصصين لذلك يسمون الضوية، وهما يرتديان شيلانا من الكشمير ثم تتقدم والدة العريس على العروس لتقودها إلى المنزل، ثم تتلوها والدة العروس؛ ويسير هذا الموكب خلف الموسيقى في بعض الشوارع الهامة، ثم يعرج على منزل العريس، فيتقدم العريس لاستقبال عروسه فتتأبى وتمتنع؛ ولا تنزل إلا بعد إلحاح، ثم تنحر الذبائح على عتبة الباب، ويسير العريس مع عروسه إلى داخل البيت محجوزين بالشيلان الكشميرية حتى لا يراهما الناس، ثم يستقبلهما العوالم ويسرن أمامهما إلى الكوشة، وهي عرض مزخرف أعد خصيصى للعروسين، وفي أثناء ذلك تبدر البدر، وهي عبارة عن نقود ذهبية صغيرة من ذات الخمسة قروش، أو فضية من ذات القرش الواحد، يبدرها العريس أو أقارب الزوجين؛ والغرض من ذلك صرف الحاضرات عن النظر للعريسين منعا للعين، ويخرج العريس بعد تناول العشاء يحوطه جماعة من أصدقائه يحملون باقتين من الورد، ويتقدمه بعض الأصحاب يحملون الفنايير، ويؤلفون موكبا يسمى زفة؛ وتسمى الزفة زفة العريس تسير أمامهم الموسيقى، ويسيرون جميعا إلى المسجد حيث يصلي العريس ركعتين، ثم يعود بموكبه إلى المنزل، ويدخل على العروس فيرفع ما على وجهها من نقاب، ويراها لأول مرة، ويجلس بجانبها، وعند ذلك يقدم لهما الشربات ثم يختفيان عن العيون.
أما الزواج في الطبقة الفقيرة فكان وضيعا؛ فتحمل المشاعل بدل الفنايير والطبل البلدي بدل الموسيقى، والبوظة بدل الشربات والخمر، ويرقص الناس رقصا بلديا أمام المزمار، ويتزاحم الفتوات على الرقص أمام المزمار، وتمشي العروس في ناموسية بدل الشيلان الكشمير، وتركب التختروان إلى منزل العريس، وربما كان أفخم زواج وأفراح أفراح الأنجال، والمراد بالأنجال أنجال الخديو إسماعيل، وقد كان في عهد أبيهم إسماعيل، وإلى الآن يسمى شارع المنيرة بشارع أفراح الأنجال، وقد زوج إسماعيل أولاده توفيق وحسين وحسن، وقد ابتدأت هذه الحفلات بعقد العقد، حضره الوزراء والعلماء وكبار الأعيان في سلاملك القصر العالي، وكان يرأسهم خليل أغا، وهو أغا والد إسماعيل، وهذا ما يدعو إلى العجب؛ إذ كيف يترأس هذا الأغا على هؤلاء كلهم، ولكن كانت سلطته عظيمة، وهو الذي أشرف على بناء مسجد الرفاعي، وإنشاء المدرسة المعروفة باسمه «مدرسة خليل أغا»، وقد ابتدئت الحفلة بالقرآن الكريم، ودخل الشهود على باب العروس المسدول عليه الستار وسألوها: هل تقبلين أن يكون فلان زوجك؟ ولا يزالون يكررون هذا حتى قبلت، ودامت الحفلات أربعين يوما كاملة، يأكل الحاضرون ويشربون ويهرج الطلبة فيها كما يشاءون، وتنوعت فيها موسيقى الغناء، وغنى فيها عبده الحمولي وألمظ وغيرهما، وأقيمت فيها الملاعب البهلوانية وعرض جهاز كل عروس على المتفرجين، من حلي مرصعة بالألماظ، ومفروشات ثمينة وغير ذلك.
والأغوات يستقبلون المدعوات الحريم وتضرب لهن الموسيقى، وكان من المدعوات بعض الإفرنجيات، وكان يستقبلهن بعض من يعرف لغاتهن، وهكذا ... وبطلت تلك العادة كلها حتى أصبح العريس يقود عروسه بعد الحفلة البسيطة، فيذهب بها حيث شاء من غير زفة ولا غيرها.
وكلنا نعرف أن الشريعة الإسلامية تجيز تعدد الزوجات في حدود، والعادة أن يمهر الزوج الزوجة، وفي الطبقة العالية قد يبلغ المهر ألف جنيه، وفي الطبقة الفقيرة يمهرها نحو خمسة جنيهات، والذي يدعو إلى اقتصار أغلبية المصريين على زوجة واحدة هو تساوي عدد الرجال بالنساء تقريبا.
والطلاق هو حل عقد الزواج، وهو جائز في نظر المسلمين؛ ومن أسباب الطلاق أنه قديما كان الأب بصفته وليا يزوج ابنه أو بنته في الصغر، فإذا كبر لم يوافق الزوج هذا الزواج، فأدى ذلك إلى الطلاق، وقل ذلك الآن، ومن الأسباب أيضا أن تكون المرأة مصابة بعقم أو بمرض شديد، أو أن تخلف بنات فقط، فيستحل الزوج لنفسه أن يتزوج غيرها.
وقد تعاون تعدد الزوجات وملك اليمين على فساد الأسرة، والعداوة بين الأولاد من أمهات مختلفة، والرجل الشرقي في العادة حاكم مستبد في بيته، والنظر إلى المرأة كان نظرا وضيعا، وكانت تعتبر أحط منزلة من الرجل إلا في القليل النادر، وهذا أفسد نفس الأبناء، لأنهم لا يجدون جو محبة يسود البيت.
وتعدد الزوجات آخذ في القلة لانتشار العلم، وكثرة الطلاق كذلك آخذة في القلة أيضا لرؤية الزوجة قبل الزواج، ونفوذ الرجل آخذ في القلة بسبب تعلم المرأة.
زي التعبان يقرص ويلبد:
معنى يلبد يختفي.
زي أم العروسة فاضية ومشغولة:
تعبير يقال للرجل يشتغل بأتفه الأشياء، وقريب منه قولهم: زي اللي رقصت على السلم، لا شافوها أهل تحت، ولا أهل فوق.
زي البدر ليلة 14 شعبان:
يعتقدون أن أحسن الأقمار قمر شعبان في ليلة أربعة عشر.
زي تنابلة السلطان:
التنابلة جمع تنبل، وهو الكسلان المفرط في الكسل، وتنابلة السلطان كسلاء ليس لهم من عمل إلا الأكل والنوم من غير عمل، ويحكون أن السلطان غضب على قوم منهم فأمر برميهم في البحر، فركبهم عربة إلى البحر، فأشفق عليهم رجل وقدم لهم أكلا يحتاج إلى تقشير وغسل، فقالوا حنغسل ونقشر، ودي ع البحر.
زي الجوار، كل يوم عند ياسرجي:
الجوار؛ أي الإماء، والياسرجي، تاجر الرقيق، تعبير يقال للمرأة الحرة تتزوج ثم تطلق، فهي كالجارية تنتقل في أيدي بائعي الأرقاء.
زي خلع الضرس:
تعبير يعني أنه صعب كما يخلع الضرس.
زي سبع البرومبة:
وأحيانا يقولون، سبع البرومبة، الذي نايم على جنبه، ولا يقولون الذي إلا في هذا الموضع، وما عداه يقولون اللي؛ أي إنه نافش منتفخ.
زي المسطول:
تعبير يعني متعاطي المنزول.
زي مضغ الزلط:
تعبير يعني أنه صعب ثقيل كمضغ الزلط.
حرف السين
السائس:
هو رجل يلبس صديريا وسروالا ويتحزم على السروال، ويمسك بيده عصا طويلة، وكان يتقدم عربات الأغنياء ويقول: وسع وسع؛ يحمي الراكب من الزحام، ويسهل له عقبات الطريق.
وقد بطل ذلك في الغالب بسبب السيارات، ومن أعماله أيضا أن يغسل العربة وينظفها، وقد يعهد إليه أيضا أن يتعهد الخيول التي تسير بهم، وهم في الغالب يحسنون العدو، وقد تستخدمهم السيدات في الذهاب بهن إلى بيوت لا يحببن أن تعرف، فيتخذن منهم أمناء على الأسرار.
ساعة لقلبك، وساعة لربك:
تعبير يقال للحث على تخصيص وقت للهو، ووقت للجد.
الساهي ياما تحته دواهي:
تعبير يعني أن الساكن الرزين، قد يخفي سكونه شرا كثيرا.
السباب:
معجم المصريين في السباب معجم واف، ذو ألفاظ متعددة، وكلما مضى زمن زيدت هذه الألفاظ.
وكثيرا ما يستعملون في السباب أسماء الحيوانات كالخنزير والكلب والحمار، وربما كان من أشنع السباب عندهم السباب بالدين، كابن النصراني وابن اليهودي، ويا كافر، وبعض أنواع السباب فاحشة يخجل منها المثقف، وأشد من ذلك كله التظاهر بالبصق على المسبوب.
سبارس:
ترى كثيرا من الأطفال ذكورا وإناثا يمشون في الشوارع وبيدهم كوز صغير يلمون فيه أعقاب السجاير، ويسمون «أولاد سبارس» ثم يفركون هذه الأعقاب ويبيعونها لمن يصنع من دخانها سجاير جديدة؛ وهي ضارة جدا؛ لأنها فضلا عن ضرر الدخان قد تكون محملة بالميكروبات التي سارت إليها من شرب المريض أو من الأرض.
وأيضا فهم يقولون: إن الأعقاب تتجمع فيها أكثر مضار الدخان، ولهؤلاء الأطفال تقاليد متعارفة بينهم في الاختصاص بالشوارع وفي ترابطهم، وكثيرا ما يكون لهم كبير يرجعون إليه في منازعاتهم.
ومنهم من يجمع إلى هذه الحرفة النشل، وهم يتحينون الفرص في أماكن التدخين كالقهاوي ونحوها، وفي مركبات الترام.
السبحة:
عقد يكون عادة من تسع وتسعين حبة، أو ثلاث وثلاثين، وقسمت هذا التقسيم ليقال عليها إحدى عشرة مرة، أو ثلاثا وثلاثين: سبحان الله، وفي القسم الثاني: الحمد لله، والثالث: الله أكبر، ويختمونها بلا إله إلا الله.
وتستعمل أيضا في الاستخارة، فيأخذها الآخذ حيثما اتفق ؛ فإذا انتهت بما يدل على العمل كان معناها العمل، وإذا انتهت حباتها بما يدل على النهي كان معناها عدم العمل، وتستعمل أحيانا لمجرد الذكر، وهي تكون عادة من أحجار وأخشاب مختلفة؛ فالفقراء يستعملونها من طين ملون بالأسود، والمتوسطون من حب أسود يسمى يسرا، يعتقدون أنه ييسر الأمور، أو من خشب العرعر، والأغنياء يستعملونها من الكهرمان أو من نوع يسمى «البنزاهير» وهو حجر يجلب من بعض جبال الأفغان.
وتستعمل كلمة السبحة أيضا في جماعة من الفقهاء، وخصوصا كفيفي البصر، يجتمعون ويقرءون السبحة؛ وهي سبحان الله، ويقولونها مئات المرات، ويختمونها بأسماء الله الحسنى وبعض الأدعية؛ وهي في العادة تقال لميت مات وتوهب لروحه، وجرت عادة المصريين أن يعملوا يومها «لقمة القاضي» وهي نوع من العجين يقطع قطعا ويقلى في الزيت، ويأكل منها قارئو السبحة، ويوزع منها على الأقارب والجيران.
سبعة:
يقدس المصريون عدد سبعة؛ لأن الله خلق الدنيا في ستة أيام واستراح في اليوم السابع كما يقولون؛ والسموات سبع، والأرضون سبع، وأيام الأسبوع سبع، ولذلك يجري هذا العدد على ألسنتهم كثيرا فيقولون: «السبعة وذمتها»، و«الديب فات فات، وذيلة سبع لفات»، «وسبع صنع في إيديه، والهم حاطط عليه»، ويتكلم بالسبع تلسن، ويغنون: «سبع سواقي بتنعي لم طفولي نار»، وهكذا.
وكثير من الأدعية تطلب من صاحبها أن يكررها سبع مرات، وقد نال بعض هذه المزية عدد السبعين فيقولون: ستين سنة، وسبعين يوم، وفي القرآن الكريم:
إن تستغفر لهم سبعين مرة ... إلخ.
السبوع:
هو اليوم السابع من ولادة الطفل، فالطبقة الوسطى والعليا يعتنون بذلك اليوم فيطبخون فيه كشكا بفراخ، ومن أمثالهم: هو فرخة بكشك؛ أي إنه عزيز كالمولود؛ لأن الكشك بالفراخ يذكر بذلك المولود، ثم يدقون ملحا في هاون، ليعتاد الطفل سماع الصوت القوي، ويرشون في ذلك اليوم ملحا في البيت حفظا له من العين، ويغنون: برجالاتك، برجالاتك، برجالاتك، حلقة ذهب في اوداناتك، والرجالات جمع رجل، ويظهر أن الأغنية مأخوذة من أغاني البدو، كما تدل عليه صيغة الغناء؛ أي برجالك برجالك، تلبس الذهب، والبدو يجمعون الرجال على رجالات، والودن على الودانات.
وفي يوم السبوع وقبله وبعده يشرب المغات، وهو نبات هندي أميل إلى الصفرة، ويزرع الآن في مصر أيضا، يدق وتوضع عليه بعض عقاقير يعرفها العطارون حتى يصير ناعما، فإذا أريد عمله حمر في السمن، ثم أضيف عليه الماء حتى يغلي، ثم يضاف عليه بعض اللوز المقشر المكسر والسكر، ثم يعبأ في فناجين ويشرب، ويعتقدون أنه نافع للوالدة؛ لأنه يشد أعصابها التي أنهكتها الولادة.
وعلى العموم فاليوم السابع في كثير من الحالات له تقديس خاص كسبوع الزواج وسبوع الميت، إنما لم يشتهر كسبوع الطفل عند الولادة.
السبيل:
اعتاد الناس أن يتقربوا إلى الله ببناء سبيل لشرب الماء؛ لأنه كان عزيزا، وكانوا يخزنون الماء في الصهاريج، ثم يرفعونه لشرب الناس، وأحيانا يتفننون في عمارته تفننا جميلا، ويبنونه على شكل ضخم جميل «سبيل أم عباس»، ويكتبون عليه بالذهب، ويجعلونه دورين، وأحيانا ثلاثة، ويكون هذا السبيل ملجأ للعطشى.
وقد يبنون بجانبه كتابا، وأحيانا يبنون هذا السبيل لشرب الحيوانات كالأحصنة والأفراس والحمير والبغال، مما يدل على الرأفة بالحيوان، والتقرب إلى الله بأكله وشربه.
وفي القاهرة أسبلة كثيرة من هذا القبيل، وهذه حسنة من حسنات المصريين.
ستعنت عيله بصباغ اللمون:
أي بالله.
ستنه لحد ما ييجي الترياق من العراق:
تعبير يعني انتظر طويلا.
السجاد العجمي:
أولع بعض المصريين بالسجاد العجمي، يفرشونه في الحجر، ويعلقون القطع الصغيرة منه على الحوائط، ويفرشون منه قطعا صغيرة للصلاة عليها، وبالغ بعضهم فاقتنى مجموعة منها وصرف فيها أمواله مع كثرتها، وكلما كانت السجادة أقدم عهدا بالغ في ثمنها التجار ولو كانت مهلهلة، وقد مات الدكتور علي باشا إبراهيم رحمه الله قريبا، وكان كل ماليته سجادا.
وهم يفضلونه على السجاد المصري والسجاد الإفرنجي؛ لأنه أمتن وأجود، وقد اتجه قوم حديثا إلى السجاد المصري لما أحسن وأتقن، واستغنوا به عن السجاد العجمي.
سحب عليه لسانه:
تعبير يعني وجه إليه سبه وهجاءه، ويقولون: إنه تعبير مصري قديم.
السح النح:
يقولها الأطفال في اللعب بقرون الخروف، وخصوصا في خروف العيد الكبير، يقولون: السح النح، يا خروف نطح، وربما لاحظوا الكلمات التي تنتهي بحروف الحاء لاستثارة الخروف للنطح.
السحلب:
من مشروباتهم في الشتاء السحلب، وهو نبات يأتي من الهند، يدقونه حتى يكون ناعما، ثم يضيفونه على الماء والسكر فيربو ويسبب الدفء.
وقد يضيفون عليه القرفة المدقوقة على وجهه، وقد يستعملون اللبن بدل الماء، وهو كثير الاستعمال عندهم في الشتاء.
السخرة:
السخرة كانت تطلق على نوعين: تسخير الأهالي من غير أجر في المصالح العامة كحفر الترع وحراسة الجسور، خصوصا أيام الفيضان، من طغيان ماء النيل، وإما تسخير الأهالي في أطيانهم، كأن يؤخذ الفلاح ومحراثه ومواشيه لحرث أرض الغني بلا مقابل؛ كما تؤخذ امرأته لتساعد، وتؤخذ حمارته ليحمل عليها التبن والعليق لمواشي الغني، ويؤخذ ابنه ليقف على المحراث، حتى إذا رأى كومة من الحشيش اقتلعها، وتؤخذ بنته لتساعد أمها في تجهيز الطعام لوالدها ...
ولهذا كان يهرب الفلاحون من أجل هذه السخرة، وسموا سنة من السنين كثر فيها هذا الظلم في التسخير بسنة «الطفشة»؛ فكانوا يؤرخون بها، ولا تسمع واحدا يذكرها إلا وهو يتحسر أو يبكي، وكان من أنواع السخرة والمظالم «الملح» فقد كانت الحكومة تحتكره وتفرضه على القرى، وكل قرية عليها مقدار من الملح محدد تحضره إلى العمدة، وكنت ترى أسرابا من الفلاحين يسيرون في الطرقات نحو المركز حاملين الأكياس والمقاطف، أو آخذين نصيبهم من الملح المخصص لهم، وإذا لم يأخذ رجل ملحه اتهم بأنه يستعمل الملح الخارج عن احتكار الحكومة، وهي تهمة فظيعة، وقد أبطل رياض باشا أيام كان رئيسا للوزارة في عهد توفيق باشا السخرة بأنواعها، وعاقب من سخر الناس في مزارعه، ولو في مزرعة الخديو، ولذلك كرهه الأغنياء ونقموا عليه، واتهموه بأنه خسر الفلاحين عليهم؛ كما يتهم اليوم من يريد تعليم الشعب، وفر كثير من بلادهم وتركوا أوطانهم هربا من الضرائب المتوالية، رسمية كانت أو غير رسمية؛ أو هربا من السخرة، وكان من نتائج هذا أن تظاهر الناس بالفقر، فيرتدون الثياب القديمة ويسيرون على أقدامهم بدل الركوب خوفا من أن تلمح الحكومة فيهم الغنى فتثقل عليهم الضرائب.
السرطان:
يطلقونه أحيانا على حيوان رديء يكون في البرك، يدخل في بطونهم مع الماء فيكبر فيها، ومن أجل ذلك لا يشبع صاحبه مهما أكل.
وهو ما كانت تسميه العرب قديما «الصفر»، وفي الحديث «لا عدوى، ولا هامة، ولا صفر»، وربما أطلقوه على ما يسمى هذه الأيام بالدودة الوحيدة، ثم أطلق هذه الأيام على نوع من الورم الخبيث لا يزال ينمو حتى يموت صاحبه، ولم يوقف للآن على دواء له.
السرية:
السرية، والجمع سرايا، هي الجارية التي يملكها الإنسان، ويحل له أن يتصل بها، وقد تنسل منه أولادا فتسمى إذ ذاك أم ولد، وكثيرا ما تعتق الأم عندما يفطم الولد إرضاء لها، وبعض الزوجات تمنع أم الولد من الدخول في البيت بعد ذلك غيرة منها، ولكي ينساها الولد ولا يتعلق بها. (انظر جارية ورقيق).
سعة الرزق:
من أراد أن يوسع عليه في زرقه ويقبل عند الخلق، فليدع هذا الدعاء عقب كل صلاة، خصوصا بعد صلاة الجمعة:
بسم الله الرحمن الرحيم ... يا الله، يا واحد، يا موجود، يا جواد، يا صمد، يا باسط يا كريم يا وهاب، يا ذا الطول والإحسان يا حنان، يا منان، انفحني منك بنفحة خير، تغنيني بها عمن سواك إنك على كل شيء قدير، إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح، إنا فتحنا لك فتحا مبينا ... ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق، إن ينصركم الله فلا غالب لكم، نصر من الله وفتح قريب ... اللهم يا غني اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك واحفظني بما حفظت به الروح في الجسد، وانصرني بما نصرت به الرسل، ولا تشمت بي أحدا إنك على كل شيء قدير.
ولهم حكايات شعبية كثيرة تدل على أن الاعتماد على الله والطلب منه خير من الطلب من الأغنياء، كما أن لهم حكايات تدل على الاشمئزاز من سعة الرزق، كالذي سمعته أمس من أن امرأة رجل غني عاتبته في أنه يشتغل طول يومه في الأعمال ولا يسعد أهله في الجلوس واللعب معهم، وأرته رجلا فقيرا وزوجته يسكنان في كوخ أمام القصر، كان يصنع المزامير من الغاب ويعطيها لامرأته تبيعها، وبعد أن تبيعها تحضر له خبزا وفجلا فيأكلان ثم يغنيان ويرقصان، فناداه الغني وعاتبه على أنه لا يزوره، فقال له: نحن قوم فقراء، وإذا طلبنا شيئا فمن الله ولا حاجة لنا إلى مخلوق، والعيشة معدن ولله الحمد، فنفحه الغني بثلاث ورقات بثلاثمائة جنيه، وقال له: حسن بها حالك، فذهب إلى زوجته يقلبان النظر فيما يتاجران فيه: إن تاجرا في البيض قد يمشش، وإن تاجرا في الغنم أو البقر فقد تموت، وهكذا ظلا يقلبان النظر فيما يعملان، وعلاهما الهم وتركا المزمار والرقص. وأخيرا ذهب الفقير إلى الغني ورد له الثلاثمائة جنيه؛ وعاد يزمر ويرقص!
السفر:
السفر قطعة من العذاب، وهم يكرهونه ويكرهون الرحلة من بلدهم إلى بلد آخر ولو في قطرهم، فلا يرضون أن يرحلوا ولو ضاقت بهم المعيشة؛ ولذلك قل أن تجد مغامرا يذهب من جهة إلى جهة أخرى، وقد كان اللورد كتشنر يريد أن يعمر جزءا من أراضي البحيرة فحبب الفلاحين الانتقال إليها، ورغب كل أسرة بملك خمسة أفدنة، وتسهيل الزراعة عليهم، فلم يفلح مشروعه لالتصاق الفلاحين بالطين، وكل يوم نسمع بكاء وشكوى من موظف انتقل من القاهرة إلى بلدة قريبة أو بعيدة، ومصالح الحكومة كانت مملوءة بالرجاءات من هذا القبيل، وكثير من أوقات الوزارة وكبار الموظفين كانت ضائعة في هذه الرجاوات، بل قد كنت يوما منتدبا في وظيفة بوزارة المعارف فكنت أرجى كثيرا في نقل موظف من شبرا إلى السيدة زينب، ومن العباسية إلى شبرا، ليكون الموظف بجوار بيته؛ وكنت أغتاظ من ذلك غيظا شديدا، وحدثت أن هذه العادة موروثة عن قدماء المصريين، فقد كانت هذه أخلاقهم، وصادف أن لي ابنا أرسل في بعثة إلى إنجلترا فكانت أمه تطيل البكاء عليه ولو كان في هذا مصلحته، وتود لو استطاعت أن يوظف بجانبها.
وتسمع الغرائب في مغامرات الأوروبيين وحبهم للارتحال، وربما كان من أسباب ذلك أيضا أننا أمة لم تتعود الحروب والأسفار والهجرات التي تتطلبها، وربما كان أيضا من الأسباب أن أكثر المصريين فلاحون زراعيون، والزراعة تتطلب القرار، والالتصاق بالأرض، ويكثر في أغانيهم الرغبة في الرجوع إلى الوطن والشكوى من الغربة، ويكثر المصريون أيضا من شكوى فراق المحبين في شعرهم وزجلهم مثل أغنية «يا وابور قوللي رايح على فين» ونحو ذلك، وربما كانت هذه عادة المحبين دائما قديما وحديثا.
السفرجية:
السفرجي هو الذي ينظم المائدة عند تحضير الأكل، ويقدم أطباق الطعام؛ وهو منسوب إلى سفرة، نسبة تركية؛ والسفرة عند الأتراك المائدة.
والغالب أن يكون أكثر السفرجية من النوبيين لإتقانهم هذا الباب.
السقا:
كان يحترف توزيع الماء على البيوت قبل دخول الحنفيات فيها، والسقاءون يحملون القرب على ظهورهم من الجلد مملوءة بالماء الحلو أو المالح، وقد يحملونها فارغة ومعهم برميل كبير مملوء بالماء ركبت فيه حنفيات من الخلف، يجره حصان أو حمار، فإذا ناداهم أحد فتحوا الحنفية وملئوا القربة، والسقا ينادي «سقا عوض» ولا أدري معناها، وهو يعامل أصحاب البيت بإحدى طريقتين: إما بشرطة على الباب كلما أتى بقربة خط خطا، وهذه عرضه للمسح؛ وإما بخرزات زرقاء يعطيها لصاحب البيت، كلما أتى بقربة أخذ خرزة، فإذا انتهى الخرز علم أنها بلغت عشرين قربة مثلا، وقد كان سقا الحريم هو رئيس الخدم، وقد زالت هذه الحرفة بانتشار الحنفيات في البيوت وإنشاء حنفيات عمومية، ومن عادة المصريين إذا رأوا ببغاء أن يقولوا له: «أبوك السقا مات»، ومن أمثالهم أيضا: «جوزها سقا وتبات عطشانة»؛ وأحيانا يحمل السقا قربته على حمار، أو قربتين وأكثر على عربة صغيرة.
سكتناله دخل بحماره:
تعبير يعني سكتنا عن شره، فتوغل في شره.
سكتربرة:
تعبير يعني اخرج برة.
سكران طينة:
يقولون للمفرط في السكر: سكران طينة ولعلهم يريدون أنه سكر وأفرط في السكر إلى أن صار فاقد الشعور كالطينة، أو يريدون أنه لفرطه في السكر قد صار فاقد الشعور فيقع في الطين، وقد ورد هذا الاستعمال في بعض الشعر المتقدم.
سكران سكرة يني:
ومثله دا سكر طينة؛ أي غارق في السكر.
السلطان سليم:
هو السلطان سليم العثماني، وإنما عنينا بترجمته؛ لأن ما نال مصر على يده ويد خلفائه أثر فيهم تأثيرا كبيرا، حتى إن كثيرا مما نراه في أخلاق الشعب المصري إنما هو أثر من آثارهم، وقد أتى بعد المماليك الشراكسة (انظر شركسي).
وقد دخل القاهرة في جنود كثيرة وموكب عظيم، وقد جمع الأمراء الباقين على الحياة وأمنهم على حياتهم بعد أن وبخهم على مقاومتهم، وبصق في وجوههم، وأمر بحبسهم في القلعة، ثم أمر بضرب أعناقهم، وفي يوم آخر قتل أربعة وخمسين أميرا، وصارت أجسامهم مرمية على الأرض تنهشها الكلاب والذئاب وتفسد الجو، حتى صار النساء يعطين المشاعلية (حمالي المشاعل) أموالا كثيرة لدفن أزواجهن، وفي تلك الأيام زاد الطين بلة هجوم البدو من العرب للسلب والنهب والقتل في البلاد، وأغاروا على عدة بلاد من بلاد الشرقية، ونهبوا ما فيها من مواش وأدوات، وسبوا النساء والصبيان وباعوهم بأبخس الأثمان، حتى قال شاعرهم:
يا دهر بع رتب المعالي مسرعا
بيع الهوان ربحت أم لم تربح
قدم وأخر من أردت من الهوى
مات الذي قد كنت منه تستحي
وشنق بعض الأمراء، وكانوا محبوبين فكثر عليهم الحزن والأسف، وقد خلت البلاد للسلطان سليم وتمكنت الدولة العثمانية من الديار المصرية فصارت مصر ولاية بعد أن كان سلطانهم أعظم السلاطين، وذلك أن السلطان سليم أناب عنه (خير بك)، وترك بمصر خمسة آلاف فارس وخمسمائة من رماة البنادق والرصاص، ولما خرج خرج معه ألف جمل محملة من الذهب والفضة، غير التحف والنحاس والصيني والخيول والبغال والإبل، وقد سلبت رجاله ووزراؤه من مصر وبلادهم ما لا يدخل تحت حصر.
ولحق مصر من الضرر الشامل مدة إقامة عساكره بها ما لا يوصف، وعمت البلية، وبطل منها خمسين صنعة، ولم يجلس في القلعة، ولا أنصف مظلوما من ظالم، بل كان مستغرقا في لذته وسكره مقيما في المقياس بين الصبيان المرد، وترك الحكم لوزرائه، ولم يكن يظهر إلا وقت سفك الدماء، وعساكره دنيئون قذرون يأكلون في الأسواق على ظهور الخيل، يتجاهرون بقلة الدين وشرب الخمر، وغالبهم لا يصلي ولا يصوم، وليس لهم أدب ولا ذمة، ومع ذلك فقد أسعده الحظ، واتسعت مملكته من الفرات إلى مصر، وأخذ معه ابن السلطان الغوري، وقد أرسل إلى القسطنطينية قبل خروجه كثيرا من علماء مصر وأشرافها وتجارها، وعددا من أهل كل حرفة، فتعطل بمصر كثير من المصالح، ومن خوف الناس من جنوده كان الأعيان يستأجرون بعض العثمانيين ليحفظوا بهم بيوتهم، وصار هؤلاء الجند العثمانيون إذا رأوا رجلا ماشيا في الطريق قالوا: إنه شركسي يريدون الفتك به، فيستشهد بالناس أنه ليس شركسيا، وإنما هو مصري، فيقولون له: اشتر نفسك من القتل بدفع شيء من المال، فيفعل ذلك؛ وصار كل من عادى عدوا من المصريين دس إليه عند العثمانيين، ونهبوا القماش والسلاح والخيل والبغال والجواري والعبيد من كل شيء جليل، ونهبوا الذهب والسروج الذهبية والبلور والعقيق والخلع المطرزة بالذهب، ثم تغالوا حتى أخذوا أموال الأوقاف، ولم يردعهم أحد؛ فغالوا في الضرائب، وأخروا صرف ماهيات الشراكسة نحو ثمانية أشهر ثم دفعوا لهم منها شهرين؛ وقتلوا الكلاب الكثيرة حتى قال قائلهم:
تأملوا ما جرى بمصر
من حادث عم بالعذاب
فما رعى الترك في دماء
فكيف يرعوا دم الكلاب
وقد نظم ابن إياس في ذلك قوله:
نوحوا على مصر لأمر قد جرى
من حادث عمت مصيبته الورى
زالت عساكرها من الأتراك في
غمض العيون كأنها سنة الكرى (يريد بالأتراك الشراكسة الذين أزال ملكهم العثمانيون).
وأتى إلينا عسكر سيماهم
حلق الذقون ولبس طرطوريرى
لا يعرف الأستاذ من غلمانه
وأميرهم بين الأنام تحقرا
جل الإله مصدقا عما حكى
في سورة الروم العظيمة أخبرا
ولاه رب العرش سلطانا على
مصر وهذا الأمر كان مقدرا
لهفي على الأبواب كيف تكسرت
وخلت أماكنها وصاحبها سرى
لهفي على نهب القماش وبيعه
وبأبخس الأثمان صارت تشترى
لهفي على فك الرخام ونقله
من كل بيت كان يبدو مزهرا
زالت محاسن مصر من أشياء قد
كانت بها تزهو على كل القرى
لهفي على الفرسان كيف تقطعت
أعناقها بيد العدو إذ افترى
صارت على الطرقات من أجسادهم
رمما حكت عيد الضحى الأكبرا
لهفي على ذاك الحريم وهتكه
من بعد صون في الحريم مخدرا
لهفي على عيش بمصر وقد خلت
أيامه كالحلم ولى مدبرا
يا رب إنا بالنبي المصطفى
والأنبياء وكل سادات الورى
نسألك كشفا للكروب بسرعة
واعف عن الإجرام عفوا واغفرا
قد جاء لابن إياس شعر قاله
لكن منه النظم يحكي جوهرا ... إلخ.
وقد توالى على مصر ولاة طغاة يعينون من قبل السلاطين العثمانيين، ونقرأ تاريخهم وأحداثهم في مصر فنرى مع الأسف سلسلة من المساوئ، وتقرأ تاريخ ابن إياس فيفزعنا ما يقول، وقد كان إسلام أكثرهم إسلاما ظاهريا، فالإسلام عندهم جلوس في أدب عند سماع القرآن، ووضع مصحف صغير في علبة ذهبية أو فضية من غير مراعاة لعدل ولا صرف، وأكثر ما ترى في تاريخهم سفك الدماء، وإسراف في المال والشهوات، وكثرة المصادرات، ويعتقدون أنهم يستطيعون أن يكفروا عن كل هذه السيئات ببناء مسجد أو سبيل، كالذي حكي أن أحدهم عمر مسجدا اغتصب أكثر مواده من حجارة ورخام وأخشاب من مساجد وبيوت أخرى، حتى أطلق عليه المصريون الفكهون «المسجد الحرام».
فقال ابن إياس: «إن المصريين طويلو الألسنة؛ نعم إنهم طويلو الألسنة كثيرو التندر قصيرو الفعال.»، وقال مرة أخرى لرجل منهم إنه ظلم ظلما كثيرا ثم حج، معتقدا أنه كفر بذلك عن سيئاته، فقال قائل:
حججت البيت ليتك لا تحج
فظلمك قد فشا في الناس ضجوا
حججت وكان خلفك حمل ذنب
رجعت وفوق ذلك الحمل خرج (انظر بدائع الزهور لابن إياس).
ثم كان الولاة الذين تولوا بعده ظلمة قساة جبارين نهابين مرتشين مما أذل المصريين، وحقر نفوسهم، ولا تسأل عما كان يفعله الكشاف والملتزمون وغيرهم من الأتراك العثمانيين، حتى إن العوام أكثروا من الأمثلة وتناقلوا الحكايات التي تدل على ظلمهم وغبائهم ورشوتهم وتدينهم دينا ظاهريا ونحو ذلك.
نعم إنهم امتازوا عن المصريين بالنظافة والجمال والأناقة في المعيشة، ولكن هذا لا يقاس بجانب جبروتهم وسوء سلطانهم، فربما كان تأثيرهم السيئ في المصريين أكبر أثرا.
وقد حكموا قرونا طويلة قابلها المصريون بصبر عجيب، حملهم عليه في الغالب طبيعتهم واتحادهم في الإسلام، ولذلك لم يتحملوا جزءا منه من الفرنسيين لمخالفتهم للمصريين في الدين؛ فظلت كل يوم ثورات تقض مضاجعهم حتى خرجوا، وكذلك الأمر مع الإنجليز.
لقد لقي المصريون كثيرا من العذاب والذل في العصور المختلفة، من فراعنة، ويونان، ورومان، ومن ابن طولون في عسفه وفخفخته، ومن الإخشيديين في ذلتهم وضعتهم، والفاطميين في تخريفهم وكثرة سفكهم للدماء، والأيوبيين في الخلافات الشديدة بينهم وزجهم المصريين معهم، والمماليك في طيشهم وغرورهم، ولكن هذا كله لا يساوي ما لقي الشعب المصري من العثمانيين، فقد حط عليهم من الهم والغم والذل، والنفخة الكذابة، والخنوع للألقاب والرتب، وتقويم الناس بحسب أطيانهم لا بحسب ملكاتهم، ما لم يكن له نظير وما بقي في أثره إلى اليوم.
ولذلك كان انفجارهم في العهد الحاضر انفجارا عظيما، يدل على تحملهم الكثير.
سلم عليه سلام الماوردي على بياع الفسيخ:
تعبير يقال للأرستقراطي النظيف يسلم على السوقي القذر، فهو يسلم عليه بأطراف أصابعه أو من تحت أطراف لسانه.
سمن على العسل:
تعبير يقال للشخصين يمتزجان امتزاجا تاما.
السن:
كان المصريون قبل هذه الأيام يحترمون السن احتراما كبيرا، فالصغير يحترم الكبير والأولاد يحترمون آباءهم، فلا يدخنون أمامهم، ولا يرفعون صوتا عليهم؛ وأكبر الإخوة عادة يقوم مقام الأب، وإذا دخل كبير الأسرة عليهم وكانوا يدخنون أخفوا السجاير، وكانوا في القديم إذا مر مسن محترم على رجل وهو يدخن شبكا وضعه بجانبه لإخفائه، ومن هذا القبيل احترم الرؤساء، فمن لم تكن له رتبة احترم ذوي الرتبة، والفلاح يحترم العمدة أو شيخ البلد، وإذا مر فوجد العمدة نائما على الباب لم يستطع أن يمر عليه، وإذا كان راكبا نزل عن ركوبته، وعلى العموم يحترم من هو أقل سنا من هو أكبر سنا، ومن كان من طبقة، الطبقة التي هي أعلى منه، وهكذا ... ويظهر أيضا هذا الاحترام في المخاطبات، فمن كتب لمن هو أكبر سنا أو جاها افتتح خطابه بقوله أبي أو سيدي أو والدي، وإن كان نظيره قال له أخي.
ومن هذا القبيل تعاظم الجنس؛ فقد كان الإنجليز في السودان يحرمون على أهل البلد أن يسيروا أمامهم وهم ركوب، بل لا بد أن ينزلوا عن ركوبتهم احتراما لهم.
وبعض الأوروبيين عادة يأنفون من ركوب بعض «الملونين» معهم في السفينة أو في القطار أو في مطعم.
وهذه العادات كلها سائرة إلى الفناء، ومن هذا القبيل ما كانت عليه المرأة من المبالغة في احترام زوجها، وقد كانت منذ سنين تقف أمامه لتتلقى أوامره وتدعوه يا سيدي، ولا تستطيع أن تأكل معه، وقد تقف أمامه عند الأكل بالكباية فيها الماء وتخضع له أكثر من خضوع الخادمة له، وتتخذ كل الوسائل لنيل رضاه وتوفير أسباب السعادة له، ثم تغير الحال فبدأت بالمساواة ثم بخضوع الرجل للمرأة.
والله بالمستقبل عليم.
السهرات:
كان في الزمان الماضي تقام سهرات خاصة في بيوت خاصة، يدعى إليها نخبة من الفتيان والفتيات، يقضون لياليهم في البيوت في أنس، وسمر، وترف؛ وقد يقودون بعض أصحابهم معهم.
ولكي يحتفظوا بسرية هذا كانوا يعصبون أعينهم ويركبونهم عربات إلى البيت المقصود، فإذا وصلوا فكت العصبة، وبعد الانتهاء يعودون كما جاءوا لئلا يعرفوا في أي مكان كانوا ... وكانت تذاع أخبار غريبة عن رجال من الجيش يدعون إلى بيت كبير، يتوصل إليه بسرداب ثم لا يظهر لهم أثر بعد، وقد أخافت هذه الشائعات أناسا كثيرين من إجابة الدعوات إلى هذه السهرات السرية.
سوارس:
كان في القاهرة عربات كبيرة مسقوفة تحمل الركاب من شارع إلى شارع، يجرها جياد، وربما سميت سوارس باسم منشئها، كميدان سوارس الذي سمي باسمه؛ وكثيرا ما يكون الركاب على الجانبين، وفي الوسط توضع الزكائب والأخراج والقفف فيصعب على المار أن يتخطاها، وكثيرا ما تحدث منازعات بسبب ذلك، وقد حدثت لي شخصيا حادثة من هذا القبيل، إذ كنت أحمل بيدي كتابا من أربعة أجزاء وأردت أن أخطو القفف فلمست رجلي امرأة فسبت، فلما زجرتها صوتت ، وكان ما كان مما لست أنساه، وقد جرت الحادثة إلى المحاكم.
سور القرآن:
يعتقدون أن سور القرآن وآياته ليست للدعوة الإسلامية، ولكن لكل سورة خواص، كالشفاء من الأمراض، والسعادة، ومواجهة الحكام، فيقولون مثلا: إن من أراد أن يصلح بين زوجين أو أخوين متخاصمين، فليكتب في قرطاس بماء ورد وزعفران وشيء من مسك: بسم الله الرحمن الرحيم، يحمد فلان بن فلانة لفلان بن فلانة، أو فلانة بنت فلانة طاعة الله ولفاتحة الكتاب، مالك يوم الدين ... إلخ.»
وهكذا، ويكون في حالة الكتابة بخور عود ولبان ذكر، ويقولون في آية الكرسي مثلا: من قرأ آية الكرسي عقب كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت، ومن قرأها عند النوم لم يقربه شيطان تلك الليلة، ويقولون إنك إذا أردت هلاك عدو أو خراب داره فاقرأها عدد حروفها، وقل بعد ذلك، يا قاهر يا ذا البطش الشديد.
ويقولون في الوقاية من العين (يكتب ويحمل بعد البسملة): «خرجت عين الحسود من أحداق بيض وسود،
قل أعوذ برب الفلق
إلخ ...»
ومما يكتب للعين والنظرة ويعلق على الرأس هذه السور الثلاث التي ليس فيها كاف سورة العصر، ولإيلاف قريش، وقل أعوذ برب الفلق، وهكذا لكل سورة وآية فوائد، ومن ذلك أيضا إذا أريد حبس المطر في أوقات الضرورة فليقل: إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا، يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي، وغيض الماء. اسكن أيها الغيث كما سكن عرش الرحمن ... وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم، وقد ألف فيه كتب كثيرة، وفي تفسير الزمخشري في آخر كل سورة بيان لفوائدها.
وقد اشتهرت على الخصوص سورة يس والواقعة وتبارك وقل هو الله أحد لقضاء أغراض شتى.
سورق:
فلان سورق، أغمي عليه.
السوق:
يكاد يكون لكل حي سوق، يكون فيه البقال والجزار والخضري والفكهاني وبائع السجاير ونحو ذلك.
وهناك أسواق عامة كبيرة للأحياء كلها، وربما كان السوق لشيء خاص دون غيره، الصاغة لبائعي الحلي، والتربيعة لبائعي الدهانات والعطور، والكعكيين لبائعي البلغ، والغورية لبائعي العقاقير ، الموسكي لبائعي الأقمشة، وهكذا ... فمن أراد شيئا قصد سوقه واشتراه.
والبيع والشراء تغلب عليه المماكسة، فالشيء إذا كان بخمسة قروش قال البائع: إنه بثلاثين، فيقول المشتري: إنه بخمسة، فلا يرضى البائع ولا يزال المشتري يزيد قرشا فقرشا حتى يكتفي، وذلك كمماكسة الإنجليز عند المعاهدات؛ ولا أدري أخذوها منا أم أخذناها عنهم.
ويلحق بذلك الباعة المتجولون وهم يبيعون أكثر الأشياء، فمنهم من يبيع المأكولات، ومنهم من يبيع المشروبات، ومنهم من يبيع الملبوسات، ومنهم من يبيع الخردوات، وهم أكثر من أصحاب الدكاكين مماكسة، وهم عادة يبيعون الأشياء أرخص؛ لأنه ليس عليهم إيجار دكان، ولا إيقاد أنوار ولا أجرة عمال، ولا دفع ضرائب، وكل ذلك موفور عليه، وبعضهم ماهر في المماكسة والخداع، وأكثرهم من الصعايدة.
سوق العصر:
كان في جوار بيتنا بالمنشية سوق يعقد بعد عصر كل يوم، ومن أجل ذلك سمي سوق العصر؛ وهو خلف السلطان حسن، وكنت ترى فيه أنوعا مختلفة من السلع، فهذا يفرش فرشة عليها مطاوي ومقصات وفتاحة علب وسكاكين وقطع من الحديد المختلفة، وهكذا، وهذا يبيع مأكولات كالكرشة والسقط، وهذا يبيع البيض والسميط، وآخر يبيع النحاس، وحاو يجمع الناس عليه، وآخر يبيع المراتب والألحفة والأسرة، وآخر يسن السكاكين والمقصات، وهذا يلعب الكتشينة لعبة ماهرة، حتى قل أن يصيب اللاعب في لعبة، وهكذا كان السوق معرضا صغيرا للأدوات والمأكولات والمفروشات المنزلية وينعقد إلى المغرب كل يوم.
وكان لي في المرور على البائعين تسلية كبيرة وإن لم أشتر شيئا خصوصا في عصر رمضان.
السيد أحمد الكنفاني:
كان رجلا بدينا يبيع الكنافة عند المتولي، يلبس قفطانا وعمة من غير جبة، واشتهرت كنافته بالجودة، واشتهر أيضا بأنه عنده دواء يشفي الإجزيما والقوبة، وحدث أحد الأطباء الكبار أن خادما له أصيب بالإجزيما واشتد عليه المرض فوصف له العلاج فلم ينجح، ولكن عجوزا ذهبت إلى هذا الرجل، ومن الغريب أنه شفي تماما، وربما كان علاجه نوعا من الأدهان تنفع في هذا المرض، ولكن الغريب أن الذي يقوم بهذا العلاج هو «كنفاني».
سيدي الأربعين:
عند القاهريين شيخ مشهور، يسمى سيدي الأربعين، يدعون أن له أربعين مقبرة، والأربعون كناية عن الكثرة، وليس المراد بها العدد المخصوص، والسبب في كثرتها أن صاحب البيت إذا وجد الناس يبولون في ركن من أركان بيته أو حارته فمنعهم فلم يقبلوا احتال بين ليلة وضحاها فادعى أن في هذا المكان سيدي الأربعين، وبنى ضريحا صغيرا، وادعى أن فيه شيخا، فامتنع الناس عن البول في هذا المكان، ولذلك تراه كثيرا في أركان القاهرة.
حرف الشين
شال:
هو أنواع كثيرة: منها الشال الكشميري نسبة إلى كشمير، ويستعمل الشال الكشميري في مناسبات كثيرة، كلف خشبة الميت، وتغطية العروس عند دخولها إلى بيت زوجها، ويلبسه بعض العلماء للتدفئة في الشتاء، ويهدى للمأذون إذا عقد عقدا لقوم أغنياء، والأمراء والأغنياء يحتفظون بصندوق مملوء بهذه الشيلان للإهداء منها في المناسبات.
وهناك شيلان أخرى غير كشميرية، فشال من نسج رفيع يتعمم به، وشال من قطن أو صوف تلفه المرأة على رأسها أو تضعه على كتفها في الشتاء، وقد يلبسه الرجال في الأرياف.
ويتغزل الصعايدة في المرأة تلبس الشال، ومن أغنياتهم المشهورة هذه الأيام، «يا أم شال أحمر قطيفة يا أم شال»، ويسمون بعض الشيلان الشال الغاباني، وأصله ياباني، وهو مشجر كالشال الكشمير، ولكنه أرخص منه.
شالوه شيلة بيلة:
تعبير يعني شالوه تماما من يده ومن رجليه.
شبشب: (انظر حب).
الشبك:
عود خشب طويل، ركب في آخره قطعة من الخشب القوي مجوفة كالبلوط ونحوه يوضع فيها الدخان، وقد كان منتشرا في مصر، وكثيرا ما كنا نرى الأغنياء يخرجون ووراءهم الخادم يحمل الشبك ليستعمله سيده إذا جلس في الدكان أو في البيت، ويبلغ طول الشبك نحو متر، ويتفنن فيه أصحابه، فقد يغطى بالحرير الذي تحليه سلوك ذهبية.
ويكون فمه عادة عند الأغنياء من الكهرمان وقد يرصع بالأحجار الكريمة، وكان يحترف كثير من الفقراء حرفة تسليك الشبك، فيسمى محترفو هذه الحرفة «المسلكاتية» فكنت تراهم في الطريق يحملون مقطفا أو وعاء فيه سلوك ممتدة، ومن هذا القبيل الشيشة أو النرجيلة، وكان يقضي المصريون في شربه أوقاتا طويلة.
وقد أطلق على مصلح الشبك للأغنياء الشبكشي، وهي نسبة تركية، ولا يزال إلى اليوم عائلات كثيرة تسمي بالشبكشية.
شجرة العذراء:
هي شجرة عتيقة في جهة المطرية، يحج إليها المسلمون والنصارى على السواء، ويتبركون بها ويدعون الدعوات لاعتقادهم في استجابتها عندها.
الشحاذون:
ينتشر الشحاذون في مصر انتشارا كبيرا على أشكال وأنواع، فمنهم من يتجول في الشوارع والحارات، ومنهم من يقف على أبواب الأولياء والمساجد، ومنهم من يترقب غفلة الناس فيأخذ النذور وليس عملهم إلا نوعا من الشحاذة، فيدعون دعوات دينية تدعو إلى الكرم والإحسان، وقد يستخدمون وسائل موسيقية كالضرب بالدف، والتغني بمدح النبي
صلى الله عليه وسلم ، ومنهم في العصر الحديث من يتخذ حرفا شكلية لا قيمة لها كالوقوف أمام السيارات، وعند الخروج من الملاهي ونحو ذلك، وكان مقتضى جو مصر وإمكان الاكتفاء بقليل من المأكولات ومقتضى ثروة البلاد أن يكون الشحاذون أقل من هذا، ولكن كثيرا منهم اتخذها حرفة، وهم يكثرون عادة عندما يستطيعون أن يستفزوا عواطف المسلمين للإحسان كأوقات زكاة الفطر ورمضان والعيد الكبير وغير ذلك، ومنهم من يدخل المساكن ويستجدي، ويتصنع الفقر والبؤس إما بالعرج أو بالعمى أو بآفة نزلت به كالجرب والبرص أو بحادث نزل به كقطع يده ورجله ونحو ذلك.
وكلما جهدت الحكومة أن تمنعهم بالتقنين بمنع الشحاذة وجمعهم في الملاجئ ذهبت أعمالها في هذا السبيل أدراج الرياح وعاد الشحاذون كما كانوا.
وهناك شحاذة أخرى أرقى من هذه وهي الرجاوات لتعيين نسيب أو قريب في الحكومة أو نقله من مكان بعيد إلى القاهرة.
وهناك أنواع أخرى كالذين ينتظرون ترقية شخص فيكتبون له القصائد في التهنئة أو المديح، ومن ينتظرون مؤلفا يخرج كتابا فيرجون في إهدائه لهم، ومرة طلب إلي أحدهم أن أهديه كتابي فجر الإسلام وادعى أن حراميا سطا عليه وأرسل إلي زجلا يقول فيه:
طبق في البيت ولا خلى
طبق في البيت ولا حلى
ويعتذر بذلك عن عدم قدرته على شراء الكتاب، ومثل ذلك الموظفون في المكتبات العامة، فلا يسمعون بمؤلف إلا ويطلبون منه إهداء كتبه كأن المؤلف ألفها للإهداء ... إلى غير ذلك.
واشتهر شحاذو السيدة زينب والسيد البدوي بالإلحاح في الطلب، فيقولون إذا رأوا ملحا «زي شحاتين السيدة، أو شحاتين السيد»، وبعض الشحاذين يظهرون الفقر ويلبسون الأخلاق البالية مع أنهم قد يكونون جمعوا من شحاذتهم أموالا طائلة، ثم هم لا يكفون عنها كأنها حرفة شريفة، والعادة أن يسأل السائل بألفاظ كثيرة مثل أعطني حسنة لله، فيجيب الآخر بالعطاء أو يقول له: الله يحنن عليك. وعلى الله. إذا أراد أن يصرفه، ومما يجري من حكايات الشحاذين أن أحدهم يقول: إنها حرفة مربحة، فهو يستطيع أن يسأل ألفي شخص فهب أن ألفا وستمائة قال: على الله، فيبقى أربعمائة يعطيه كل رجل قرش تعريفة، فتصير مائتي قرش.
وقد جرت العادة أن بعض المحسنين يحسن بالطعام واللباس خصوصا في رمضان، وبعضهم كان يحسن بالمليم، فلما فقد المليم قيمته صار أقل ما يحسن به القرش، وأصبح الشحاذ يأنف أن يأخذ مليما أو مليمين، وينسبون إلى الأتراك أنهم قد يقعون في الفقر ويسألون في عظمة وغطرسة، ومن الأمثال الشائعة أنهم يقولون: حسنة وأنا سيدك.
ويحكون أن تركيا افتقر فأتى بإبريقين ليشرب منهما المارة ويعطونه إحسانا، فكان كلما تقدم أحد من إناء ليشرب منه زجره وأمره بالشرب من الآخر، إظهارا لعظمته وسيطرته.
ومن هذا الباب الشحاذة بالقرآن أو القصائد النبوية، فكثيرا ما تجد في الشوارع رجالا وفتيات يقرءون القرآن للشحاذة، وكثيرا ما تجد في الحارات رجالا ينشدون القصائد النبوية ومعهم الدف يضربون عليه للسؤال.
شد دي جريت دي:
يقولها الحاوي في لعبة معروفة، يشد بها الخيط من ناحية فتذهب من الناحية الأخرى، ويستعملونها كذلك كناية عن أن شيئا حصل، فذهب غيره.
شرا العبد ولا تربيته:
كانت تقال أيام كان الرقيق منتشرا؛ أي شراءه كبيرا خير من تربيته وهو صغير إلى أن يكبر، وهكذا تقال على سبيل المجاز في أشياء أخرى، يقولها مثلا الرجل يشتري عمارة بدل أن يبنيها لما فيها من التعب وهكذا.
الشربات:
من المعتاد أن يقدم «الشربات» في المناسبات المفرحة وهم يصنعونه من أشياء كثيرة من الماء مذابا فيه السكر مع ماء الورد أو ماء زهر البرتقال أو عصير البرتقال أو الليمون ... إلخ، ويستعمل المصريون خصوصا بعد الأكل (الخشاف) وهو ماء محلى بالسكر وضع عليه الزبيب والصنوبر والتين والبلح والعنب.
وقد يباع هذا الشربات في الطرقات كما يباع أيضا الخروب والعرقسوس وهم عادة يقدمونه في الأفراح ككتب الكتاب ويسمون بائعه الشربتلي، وفي المدن دكاكين كثيرة يباع فيها الشربات، وأحيانا يسقونه وفاء لنذر كمريض نذر أهله إن شفي أن يسقوا الشربات، وقد غزته أخيرا الكولا والببسي كولا، ويقولون: دمه شربات أو كلامه شربات إذا كان خفيف الروح.
شربت المر:
تعبير يعني لقيت العذاب، ومن أغنياتهم أنا شربت المر، وأحيانا يقولون: أنا أسقيه المر من كيعانه.
الشركة في البهائم:
اعتاد الفلاحون أن يشتركوا على الجاموس والبقر والعجول، وقد يشاركهم الحضريون في ذلك، فإذا فعلوا فقد اعتادوا أن يكون للفلاح الذي يطعم البهيمة لبنها وعملها في نظير إطعامه لها، فإذا ولدت مولودا فهذا المولود مناصفة بينهما، وكثيرا ما يحدث النزاع بسبب هذه المشاركة خصوصا إذا مات البهيم.
الشركس:
نوع من الترك وقد حكموا مصر مدة 139 سنة، وأولهم برقوق ويليه فرج وربما نسبت إليه الفرجية، وقد عرفوا بالجمال والقوة وقد أورثوا أخلاقهم لبعض المصريين، وكثير من العلائلات الشركسية كانت تسكن مصر، وبقي الحكم في أيديهم إلى أن أخذه منهم السلطان سليم العثماني، وكان يجلب إلى مصر كثير من الشركسيات الجميلات، يسترققن ويبعن في الأسواق للأمراء والأغنياء.
وفي الحكم العثماني كان منهم جنود كثيرون يسمون الشراكسة، ومن غريب أمر هؤلاء الجنود أنهم انقسموا قسمين: قسم يقال له: الفقارية، وقسم يقال له: القاسمية وبينهما عداء، كما انقسم الفلاحون والعربان إلى سعدية وحرامية.
وقد كانت الفقارية مشهورة بالغنى والكرم، والقاسمية بالغنى والبخل، واختص الفقارية باللون الأبيض، فمراكبهم وأوانيهم وكل شيء يستعملونه أبيض بعكس القاسمية فقد تميزوا باللون الأحمر فبيرقهم أحمر وأوانيهم ومفروشاتهم حمراء، واشتد النزاع بين السعدية والحرامية، وكثر الخراب بسببهم ، وهكذا انحلت الأمة المصرية من قديم.
وقد ورثنا عنهم إلى الآن نوعا من الإدام يسمى الشركسية، وهو طعام عماده الرز والفراخ، ولا يزال إلى اليوم عائلات كثيرة في مصر من أصل شركسي، يتميزون ببياض الوجه وحمرته وطابع خاص بهم، ونظافة في بيوتهم وغير ذلك.
شرم برم حالي غلبان:
كثيرا ما يقولها الأدباتية، وربما كانت حالي غلبان تفسيرا لشرم برم.
الشعر:
الشعر معروف، ولكنهم يعتقدون أن كل جزء من الإنسان كقص الشعر والأظافر والختان يجب أن يحفظ وإلا كان عرضه لأن تأخذه امرأة فتعطيه لرجل يسحره؛ لأن من يريد أن يسحر غيره كان من خير وسائله أن يحضر له خصلة من الشعر أو الأظافر.
الشعر:
للشعر المصري طبيعة خاصة تشيع في الرجز وفي الأغاني، وفي النكت، وهذه الخصائص هي: (1)
خفة الروح وحسن الذوق. (2)
العناية غالبا بالجناس اللفظي. (3)
استعمال التعبيرات المصرية، مثل للحيطان آذان ونحو ذلك. (4)
الذوبان في الحب من بكاء على القطيعة، وغزل في العيون والقدود وبكاء على أيام الوصال، وحزن على المشيب ونحو ذلك. (5)
تسلط النغمة الحزينة على النغمة المفرحة.
وهذه الخصائص الخمس تجدها في الشعر كما تجدها في الزجل وكما تجدها في الأغاني، ويظهر أن توالي الظلم عليهم وانغماسهم في التهتك واللذائذ ورقة ذوقهم طبعتهم بهذا الطابع الذي لا نظير له، ومن الأدلة على ذلك أن قرأت مرة قصيدة لطيفة، فأعجبت بها ورأيت فيها الطابع المصري فقلت: لا بد أن تكون هذه مصرية حقا، ونسوق الآن بعض هذا الشعر المصري للدلالة على ما نقول:
أصبحت أفقر من يروح ويغتدي
ما في يدي من فاقة إلا يدي
في منزل لم يحو غيري قاعدا
فإذا رقدت رقدت غير ممدد
لم يبق فيه سوى رسوم حصيرة
ومخدة كانت لأم المهتدي
ملقى على طراحة في حشوها
قمل كمثل السمسم المتبدد
والفار يركض كالخيول تسابقت
من كل جرداء الأديم وأجرد
هذا ولي ثوب تراه مرقعا
من كل لون مثل ريش الهدهد
ومثل:
دعوتني للعرس يا سيدي
فكدت أن أحضر من أمسي
وها أنا الليلة في داركم
فالكلب ما يهرب من عرس
ومثل قول الآخر:
جمعك ابن الكثيب والغصن
فرق بين الجفون والوسن
يا فتنة ما وقيت صرعتها
مع حذري دائما من الفتن
باللفظ واللحظ كما ترى أبدا
تسخر بي دائما لتسخرني
ومثل:
أرى شعرة بيضاء في الخد نابته
لها لوعة في صفحة الصدر ثابتة
ومن شؤمها أني إذا رمت نتفها
نتفت سواها وهي تضحك شامتة (انظر البهاء زهير وابن دانيال).
الشعور الوطني:
نذكره لأنه ظاهرة من ظواهر الأمة الاجتماعية وأصبح عاملا مؤثرا في حياتها، ولم يكن موجودا إلا في الأيام الأخيرة بعد الاحتكاك بالأجنبي وتقليده، فلما هاجم الفرنسيون مصر لم يكن الشعور الوطني ظاهرا وإنما كان الموجود الشعور الديني، فلذلك أراد الفرنسيون أن يضحكوا على عقول المصريين، بدعوى دخول بعضهم في الإسلام كعبد الله منو، وربما ادعى نابليون نفسه ذلك.
ولكن لم تجز الحيلة على المصريين، فظلوا في عدائهم للفرنسيين بحكم مخالفتهم لهم في الدين.
وهذا هو الذي يفسر طاعتهم للترك وسكوتهم عن مظالمهم لاتفاقهم مع الأتراك في الدين.
ويظهر أيضا الشعور في كل حركاتهم، وسكناتهم، وحتى عرابي «باشا» نفسه استغل هذا الشعور الديني في ثورته، فكان يستعين على نجاحها بحمل العلماء على قراءة البخاري، وحمل الدراويش على إقامة الأذكار، واستغل الشعب بيضة ولدتها فرخة في طنطا زعموا أنها مكتوب عليها: (نصر من الله وفتح قريب)، وبالمدافع الخشبية الثلاثة، وهي مدفع السيد البدوي، ومدفع سيدي عبد العال، ومدفع سيدي إبراهيم الدسوقي، ولكن يظهر أن الشعور القومي ظهر إذ ذاك، فحركة عرابي نفسه في بدئها كانت مطالبة بمساواة الضباط والجنود المصريين بأمثالهم من الشراكسة، وهذه نزعة مصرية لا إسلامية، ولكن يؤخذ على الثورة أنها كانت مصحوبة بغرور الزعماء، بل إن هذا الشعور كان من قبل ذلك، فيؤثر عن مراد بك عند مهاجمة الفرنسيين أنه قال: «إنهم إذا جاءوا مزقت شملهم.»، وكذلك كان عرابي يستخف بالإنجليز، ولذلك لم يحصن البلاد التحصين الكافي.
وشيء آخر وهو عدم فهم المصريين للألاعيب السياسية، والدسائس الخفية، مثل إرشاء بعض المصريين بالأموال للتفريق بينهم ونحو ذلك.
وعلى العموم ، فقد كان الذين يساعدون عرابي وطنية يحصرون على الأصابع، ولما كسروا واحتل البلاد الإنجليز، ظهر المقت والغضب، ولكن كان يلطفهما الإيمان بالقضاء والقدر، وأن الله سلط الإنجليز علينا لظلمنا وعصياننا، ولما جاء مصطفى كامل كان من مزيته تقطير الشعور الوطني إلى الشعب بعد أن كانت نزعة الوطنية أرستقراطية، وذلك بجريدته وخطبه، فاشتد إقبال الناس عليهما وتأثرهم بهما.
وكثر أيضا اتصال الشبان بالأوروبيين عن طريق البعثات وقراءتهم الكتب الأجنبية في الوطنية، ورؤيتهم مشاعرهم وأعمالهم، ولذلك لما مات مصطفى كامل نبض له قلب مصر لأول مرة، كما قال قاسم بك أمين.
ومع ذلك ظل الشعور الديني يغلب الشعور الوطني بدليل أنه لما نادى أحمد لطفي السيد في الجريدة بالدعوة إلى المصرية لا العثمانية ولا غيرها، كره الناس قوله وشنعوا عليه، ثم لما جاء سعد «باشا» زغلول كان من أثره إيصال الشعور إلى الفلاحين إذ كان نابعا من أنفسهم، وكان خطيبا مفوها، وطالب بتوقيع توكيل من الفلاحين أيضا فاجتمعت البلاد كلها حوله.
وشيء آخر ينسب إليه، وهو فهمه وتفهيمه ألاعيب سياسة الاستعمار وسد الباب في وجهها، فإذا أرادوا أن يفرقوا بين مسلم وقبط جعل في الوفد أقباطا يوقعون معه عرائضه، ودعا إلى تعانق المسلم والقبطي.
وإذا أرادوا الإغراء بالمال والسلطة أبى عليهم ذلك.
وشيء ثالث كان له الفضل فيه وهو عدم الخوف من التهديد، فقد كان المصريون قبله يخافون أشد الخوف، وكان إرسال إنجلترا مركبا حربيا واحدا كافيا في حل كل إشكال، فهدد هو بالنفي إلى سيشل، فقبل عن رضا واطمئنان، وأصبح الأسطول لا يكفي في الإقناع.
وتسرب الشعور الوطني بفضله وفضل السيدة زوجته إلى النساء، كما حدث في مظاهرة السيدات، وأخيرا زاد الشعور القومي من كثرة المظالم، فقد فشت الرشوة والنهب والسلب، والفساد من كل نوع، فلما قام الجيش بتغيير هذا النظام انضم الشعب إليهم وأيدهم، ولو لم يكن الشعور القومي قويا ما نجحوا.
وقد كان لي صديق كلما شكوت له كثرة الفساد، قال: دعه ، فإن شعور المصريين لا يظهر إلا بكثرة الفساد.
ومن الغريب أن الشعور يتنبه لأشياء دون أخرى، فالفلاح مثلا يتنبه وعيه إذا اعتدي عليه في ماله وحريته، والناس يتنبهون لاغتصاب مالهم، ولا يتنبه شعورهم كثيرا ضد الرشوة.
وينقصه عدم الغرور أيضا وحاجته إلى الوعي الزائد، وتقدير الشخص بعمله لا بحزبه، والإكثار من العمل لا القول، وغير ذلك، والزمان كفيل بهذا كله إن شاء الله.
وفي حرب القنال الأخيرة مثل رائعة على ما نقول، أكثر الله من أمثالها.
شغله يجنن:
تعبير يعني أن عمله فاق الحد إلى درجة أنه يكاد يجن من رآه أو سمعه، فمثلا يقولون دا ضربه على البيانو يجنن.
شفاعة لله، كرامة لله:
تعبير يقال عند الاستعانة برجل والاستشفاع به.
شكه مقلب:
أي أوقعه، والمقلب ما يقلب الشخص على وجهه أو على ظهره، وهو أيضا المكيدة التي تكاد للشخص، ولو معنويا، واشتهر في مصر بعض الرجال بتدبير المكايد.
شقانق ومقانق:
ينطقونها بالهمزة، يقول الرجل لآخر، أو المرأة لأخرى: إذا ورتني وريتك شقانق ومقانق؛ أي أشياء طريفة.
شمت الناس في:
تعبير يعني جعلهم يفرحون في.
الشمس:
هي من المعبودات القديمة، وكانوا يقيمون لها شعائر العبادة ويسمونها (رع) وقد بقيت بقايا من عبادها، من أغاني الفلاحين ويطلقون على الشمس فيها (البهية) ولا يزال عندنا من بقايا هذا أن الطفل أو الطفلة إذا خلعت سنا من أسنانه أو أسنانها قذف بها في الشمس وقال: «يا شمس يا شموسه، خدي سن الحمار وهاتي سن العروسة»، وفي بعض أغاني الصباح تمجيد الشمس مثل: «الشمس طلعت، نامت وصحيت» إلخ ...
الشمع:
يستعملونه للإضاءة، وإذا أرادوا كثرة الإضاءة أكثروا من الشمع، وأحيانا يصنع شمع كبير يغيب زمنا طويلا، ويستعملونه أيضا في فوانيس رمضان، ويعلقون شمعة على رأس الطفل المولود حديثا، ويحتفلون عادة في عيد الميلاد فيستحضرون شمعا بعدد سني المحتفل به وهي عادة إفرنجية، وتضاء به مقامات المشايخ وتضاء به المصابيح في زفة العريس.
شمع الفتلة:
تعبير يعني ذهب بحيلة، يروون أن ملكا أخبر عن نصاب فناداه وقال له: انصب علي فقال له: أعطني عشرين قرشا لأشتري عدة النصب فأعطاها له، فحضر ومعه فتلة طويلة وقال للملك: أمسك بهذا الطرف، حتى أشمع الفتلة، فأمسك الملك فتلة، وصار النصاب يشمع الفتلة حتى غاب، فقالوا في الشخص الذي يغيب بحيلة: شمع الفتلة.
الشهور القبطية:
كثيرا ما يستعمل الناس وخصوصا الفلاحين الشهور القبطية بدل الشهور العربية والإفرنجية؛ لأنها ثابتة تتبع الشمس، فيمكن أن يرتبوا عليها مزارعهم ومحاصيلهم وصيفهم وشتاءهم، وقد اعتادوا أن يضعوا لكل شهر خاصة تخصه، ويتذاكرونها بمناسبة، فيقولون (توت) الكتكوت يأكل ويموت، دليل على أنه في هذا الشهر تصاب فيه الكتاكيت بالأمراض وهو يساوي أكتوبر، (بابه) ادخل واقفل البوابة؛ لأن الحب خزن في البيت فيخشى عليه من اللصوص، وهو يساوي نوفمبر، (هاتور) أبو الذهب المنثور، ويعنون بالذهب حبوب الذرة التي نضجت، وهو يساوي ديسمبر (كياك) صباحك مساك، تقوم من فرشك تحضر عشاك، دليل على أن فيه يكون النهار أقصر ما يكون وهو يساوي يناير، (طوبة) تصير الصبية كركوبة، كركوبة؛ أي عجوزة، دليل على شدة البرد، حتى إن الصبية القوية تكون بردانة كسلانة كأنها امرأة عجوز: وهو يساوي فبراير. (أمشير) يقول للزرع سير سير؛ لأن في أمشير يسخن بطن الأرض ويبتدئ الزرع في النمو، وهو يساوي مارس. (برمهات) روح الغيط وهات، دليل على أن الزرع يكون نضج، والمحصول استوفى، وهو يساوي أبريل. (برمودة) دقوا الشعير بالعمودة، ولا يبقى في الغيط ولا عودة؛ لأن المحصول انتهى وطاب واستحق أن يدق، وهو يساوي مايو. (بشنس) إكنس البيت كنس، لنفاد المحصول المخزون، واستقبال المحصول الجديد، وهو يساوي يونيو. (بئونة) يسمون بئونة بئونة الحجر؛ أي إنها من شدة حرها تؤثر في الحجر، وهو يساوي يوليو. (أبيب) يقولون أحيانا من يأكل الملوخية في أبيب يجيب لبطنه طبيب؛ لأن عودها يكون صغيرا، وقد يختلط بعيدان أخرى ضارة، وأحيانا يقولون أبيب، طباخ العنب والتين؛ إذ يظهران أول ما يظهران فيه، وهو يساوي أغسطس. (مسرى) في مسرى تجري كل ترعة عسرة، من كثرة الفيضان وهو يساوي سبتمبر ، ويسمون ليلة 11 طوبة ليلة الغطاس وهم يتوقعون فيها مطرا ولو خفيفا، فإذا لم تمطر السماء غضبوا، ويقولون: غطست يا نصراني صيفت يا مسلم بعد أربعين، ويسمون الرياح الشديدة التي تكون في أواخر طوبة زفة أمشير.
الشيء دا بريمو:
تعبير يعني من أحسن صنف، فيقولون طباخ بريمو، وسواق بريمو، وأكلة بريمو.
الشيء دا طلع شيطاني:
أي من غير وسائل.
الشيب والشباب:
يبكي الشعراء كثيرا شبابهم؛ لأن النساء لا يقبلنهم بشيبهم، وملئ الغزل المصري بهذا مما يدل على حياة الغزل عند المصريين وكره النساء للمشيب، ولذلك أبكى الشيب شبابهم؛ لأنه هو الذي كان يرضي النساء.
ومن الحوادث الكثيرة في مصر أن يتزوج الشيخ في سن الستين أو السبعين زوجة شابة، وكثيرا ما يكون هذا سببا في خروج المرأة واستغفالها الرجل مع الإكثار من صبه للمال بين يديها، ولكن كيف يغني المال عن قوة الشباب.
ومن الأغنيات المشهورة:
تجوزوني للشايب ليه
هو أنا وحشة والا إيه
ومن الأمثال المشهورة «أبرد من الشايب عند الصبايا» و«أبرد من الشيب إلى الغواني»، ويقولون للشيخ إذا تصابي وزل: «شايب وعايب»، ومن الأغاني:
عمي يا شايب ما بحبكش
دقنك البيضة شكشكت وشي
ويقولون عن الشايب: «رجله والقبر» ويقولون لمن أسن كثيرا «طلعتله الأسنان الخضر»، ويظهر أنه إذا كبر جدا وسقطت أسنانه أكل على لثته فتجمدت فظنوها أسنانا وقالوا: إنها خضر، بمعنى اللينة؛ لأن كل لين يقولون عنه أخضر، فالثوب إذا لم يتم جفافه قيل له: أخضر، ويقولون في الأرض إذا رشت ولم تجف: إنها خضراء، وهكذا ... وربما حدث في التاريخ شواذ من رجال أسنوا فنبتت لهم أسنان جديدة تشبه أسنان الطفل.
ويقول أبو العلاء المعري:
إذا ما أسن الشيخ أقصاه آله
وجار عليه النجل والعبد والعرس
وأكثر قولا ولا صواب لمثله
على فضله أن لا يحس له جرس
يسبح كيما يغفر الله ذنبه
رويدك في عهد الصبا ملئ الطرس
فأصبح عن الغانيات مبغضا
كأن خزه خزي وعنبره كرس
الشيشة:
كانوا يستعملونها كثيرا هي والشبك حتى قد يخصصون لها بعض الخدم، فيضعون الماء في إناء زجاجي أو بلوري، ثم يركبون فيه أنبوبة طويلة لينة، ويضعون حجرا من الفخار يملئونه فحما وعليه نوع من الدخان يقال له: (التمباك)، والرجال البلديون يستعملون (الجوزة) بدل الشيشة، وهي عبارة عن غابتين بينهما جوزة أو ما يشابهها مملوءة ماء.
ومن التمباك نوعان مشهوران: تمباك يسمونه حمي، نسبة إلى حماة، وهو محرف عن حموي، وتمباك عجمي.
شيك:
تعبير يعني لبس ثيابا أنيقة.
حرف الصاد
الصالونات:
كان في مصر صالونات كثيرة يتحدث فيها في السياسة والأدب والاجتماع ونحوها.
وهذه الصالونات بعضها كان صالونات أرستقراطية كالصالون الذي كانت تقيمه نازلي هانم فاضل وكان يحضره مثلا الشيخ محمد عبده وسعد باشا زغلول، وإبراهيم بك الهلباوي، وكان في عابدين أمام باب باريس، وكانت موضوعاته الجدل في أدق المسائل السياسية والاجتماعية، وكان وسيلة للفت أنظار بعض الحاضرين واستفادتهم، وكصالون الآنسة مي وكان يحضره كثير من الأدباء، وأكثر حديثهم في الأدب وما إليه.
وهناك صالونات ديمقراطية كاجتماع بعض العلماء والأدباء في صالون حلاق أو في دكان سجاير، أو في دكان شربتلي فيتذاكرون الأدب ويتناشدون الأشعار، وقد يعرضون لأحاديث في النقد الأدبي، كذلك كان هناك صالونات هي عبارة عن المنادر، يجتمع فيها بعض أهل الحي ويتسامرون في الأدب وأحوال البلاد وشئونها، ومنها صالون لجنة التأليف والترجمة والنشر، ويقام مساء كل خمسين من كل أسبوع ويتباحث فيه في السياسة والأدب والاجتماع ويغشاه كثير من مثقفي القوم، مصريين وغير مصريين، وكان يقام في مركز اللجنة في عابدين، ثم انتقل إلى مركز اللجنة في شارع سعد زغلول، ومثله صالون الأستاذ كامل كيلاني، وهناك منتديات سياسية أخرى.
وقد تخرج من هذه الصالونات بقسميها عدد كبير من البارزين في السياسة والأدب ولو دونت محادثاتها لكانت سجلا عظيما يصور الآراء الشائعة في زمانها، ويبين كيف تعرض الآراء المختلفة.
ولأصور للقارئ صورة من صالون ديموقراطي كان يعقد كل ليلة في مندرة بيت بجوارنا: كان يجتمع فيه أصدقاء صاحب البيت، فأحيانا بعد العشاء يتسامرون، وأحيانا يأتون بفقيه ذي صوت حسن يقرأ لهم القرآن الكريم، وأحيانا يتحفهم ساكن البيت بجوقته؛ إذ كان هو نفسه يضرب على الدف، وأحيانا تقص القصص اللطيفة، وتسمع بعدها ضحكات من مكان بعيد.
وهكذا كان في كل حارة مندرة كهذه أو أكثر، ثم غزت هذه الصالونات القهاوي المختلفة، وحل اللعب بالنرد والشطرنج محل هذه المسامرات، ويروي لنا التاريخ الحديث أن كثيرا من الأدباء كعبد الله نديم وحافظ إبراهيم كانوا من خريجي هذه الصالونات، سواء في شعرهم أو ثقافتهم؛ وقد قلت عادة هذه الزيارات وإنشاء المنادر بسكن الشقق في العمارات حيث لا تتسع لمثل ذلك.
ومن خير الصالونات التي شاهدتها صالون المرحوم الشيخ مصطفى عبد الرازق بعابدين بجانب سراي نازلي هانم، فكان هذا الصالون مثالا للبيوت القديمة؛ فكان يجتمع معه المرحوم حسن باشا عبد الرازق الكبير والشيخ محمد عبده، وحسن باشا عاصم وغيرهم، وكان يجتمع مع ابنيه المرحومين حسن باشا عبد الرازق ومحمود باشا عبد الرازق رجال السياسة يتناقشون في المسائل السياسية، وكان يجتمع مع المرحوم الشيخ مصطفى عبد الرازق وعلي باشا عبد الرازق رجال العلم؛ إذ كانا عالمين من الأزهر، فكان يغشى مجلسهما رجال العلم في الأزهر، والمثقفون العصريون وبعض السيدات الإفرنجيات، فيتكلمون في العلم وفي الاجتماع، وأحيانا قليلة في السياسة، فكان مجلسا ظريفا، وقد اعتاد هذا البيت أن تقام فيه موائد عامة للغداء والعشاء يدعى إليها من حضر، ثم تنصب حلقات الحديث والمناقشة وقد تستمر إلى ما بعد منتصف الليل، ويستمع فيها أعتق الآراء وأحدثها، فكانت بذلك مثار جدال شديد ثم مبعث تقريب بين هذه الآراء.
وتكاد كل صحيفة كبيرة اليوم وكل هيئة يكون لها ناد ينصب من حين لآخر، فيجتمع فيه خيار المثقفين ويتبادلون الآراء وقد تلقى إذ ذاك بعض المحاضرات.
صباحك فل:
يهتم المصريون كثيرا بمن يرونه في الصباح.
صباعه مدوحس:
تعبير يعني ضرب فيه (المدة).
صبح جلدة على عضمة:
تعبير يعني صار نحيفا جدا.
صبح منيل:
تعبير يعني غير منشرح النفس، ومثله صبح مدخن.
صبح ندامة:
تعبير يعني ساء حاله، مثله صبح عدم.
الصداع:
داء معروف، وإنما سقناه هنا ؛ لأن كثيرا من الدجالين يعالجونه بعلاجات خرافية؛ من ذلك قطع الشريان الصدغي الفكي، ويسمونه ضرب العرق، فإذا نزل الدم زعموا أنه يزيل الصداع، وقد يعالجونه بخرافة أخرى، وهي رسم صليب بالريق على صدغ المصدوع، ومن طرق العلاج أيضا عزيمة يتلوها المعزم فيكون فيها الشفاء حسب زعمهم.
صح تعمل العمل ده:
تعبير يعني لا تعمله وليكن عقلك صاحيا فلا تأت به.
صحن كنافة وجنبه آفة:
يقولونها للشيء الجميل بجانبه شيء رديء كشجرة الورد فيها الشوك، والبنت الجميلة تكون فقيرة.
الصعايدة:
هم سكان الوجه القبلي، وقد عرفوا بالصبر على العمل واحتمال شدائده؛ وهم كثيرو الرحلة إلى المدن كالقاهرة والإسكندرية، ولشدة أعمال البناء بنيت البيوت والعمارات الكبيرة على أكتافهم، وأكثر الباعة المتجولين منهم كتجار الفاكهة وغيرهم، وهم شديدو الغيرة على نسائهم، وكثيرو التعصب على غيرهم, ويظهر ذلك أشد الظهور في مجاوري الأزهر، فإذا تعدى بحراوي على صعيدي تعصب هؤلاء لصاحبهم، وهؤلاء لصاحبهم.
وشهروا كذلك بالكرم أكثر من البحاروة، فإذا نزل عندهم ضيف أكرموه غاية الإكرام، كما شهروا بالشدة في المعاملة، ولذلك يخافهم الناس، وقد يثور بعض الصعايدة على بعض، وقد تحدث من مضارباتهم ومؤامراتهم بعض المجازر، وربما كان عدد الأقباط فيهم أكبر نسبة مما هو عند البحاروة، وربما كان الدم المصري فيهم أوضح منه في البحارة، وذلك لقلة اختلاطهم بغيرهم، واشتهر منهم علماء وسياسيون كثيرون كان لهم يد في الحركات السياسية والاجتماعية، كرفاعة رافع الطهطاوي، ومحمد باشا محمود، وحسن باشا عاصم، والدكتور علي باشا إبراهيم وغيرهم، وهم كثيرا ما ينزحون من بلادهم يبيعون الفاكهة أو الأشياء الصغيرة كأمواس الحلاقة، ثم يعودون إلى بلادهم في مواسم الزراعة، وقد يتزوجون وينسلون ويتركون زوجاتهم وأولادهم في بلادهم، ثم يبيعون ما يبيعونه في المدن الكبيرة، ويعيشون وحدهم من غير عائلاتهم.
وقد اشتهروا بأغان خاصة بهم كالواوات، واشتهر من زجاليهم الشيخ عبد الله لهلوبة، والشيخ القوصي، وكانت لهما أزجال ظريفة، كما اشتهر من شعرائهم في العصر الحديث الشيخ محمد عبد المطلب ، ولهم أغان يستظرفها القاهريون ويغنونها مثل: يا أم شال أحمر قطيفة، يام شال.
سلم علي ... ومثل: يا وابور يا مقبل على الصعيد ... إلخ.
ويكثر في أغانيهم كلمة (يا بوي)، وهم يفضلون الأخذ بالثأر بيدهم على الشكوى إلى الحكومة، وقد تمر سنون طويلة وهم يكمنون في أنفسهم المطالبة بالثأر حتى يتمكنوا، وتجري في ذلك حوادث فظيعة في منتهى الوحشية، وأكثر أسبابها الغيرة على النساء والتعدي على الزرع والحيوان، وتعد أسيوط عاصمة الصعيد، ولذلك عقدوا فيها المؤتمر القبطي، ولهم لهجة خاصة بهم يستعملون فيها الجيم المصرية بدل القاف، مثل: جال في (قال)، وجلنا في (قلنا)، كما أن لهم كلمات خاصة بهم واستعمالات وأساليب لا يشاركهم فيها غيرهم، وقد تغمض لغتهم وخصوصا فيما هو أعلى من أسيوط حتى ليصعب على القاهريين فهمها.
كما أن لعامتهم ملابس خاصة، فإذا رأيت من يلبس جلبابا أسود ويتحزم عليه ويتلفع بشال على رأسه استدللت من ذلك على أنه صعيدي صميم، ويسكن على أطراف بلادهم كثير من البدو وقد تخلقوا بأخلاق الصعايدة، وتخلق الصعايدة ببعض أخلاقهم، وكثيرا ما أتعب هؤلاء البدو سكان الحضر بسلبهم وغزوهم ونهبهم.
وهم مشهورون بنوع من السمك يخللونه ويملحونه (ويسمى الملوحة) كما أنهم مشهورون بنوع من الخبز من العيش الشمسسي والبتاو المرحرح.
الصفا:
كان شعر النساء قبل الموضة الجديدة لا يقص، ولكن يجدل ضفائر.
وقد اعتدن أن يضفرن شعرهن ضفائر بعدد فردي: إحدى عشرة ضفيرة أو ثلاثة عشرة، وكل ضفيرة تربط بثلاثة خيوط من الحرير الأسود، تعلق بها قطعة ذهبية أو شيء يشبه الذهب رقيق كالورق يسمى الصفا، ويقص الشعر فوق الجبهة، فتتدلي منه خصلتان على الصدغين.
وكنت ترى في سوق المغربلين صفا يتلاعب بها الهواء يباع للنساء من أجل هذا، ويكثر استعماله في أيام الأفراح.
الصناعة المصرية:
في مصر صناعة وصناعون، ولكن صناعتهم كانت بدائية، وقطعت في الأيام الأخيرة خطوات واسعة، فالسائحون في عهد محمد علي كانوا يقولون إنه إذا خربت ساعتهم لم يجدوا من يصلحها لهم إلا إذا كان أجنبيا، واشتهر الأطباء الأجانب وزاحموا الأطباء الوطنيين، وكان الكبراء إذا أرادوا صناعة شيء استجلبوه من الخارج، وكانت الصناعات المصرية حقيرة، تشتغل في المهن الغذائية كعجن الدقيق وخبزه، وذبح البهائم وجزارتها، ومعامل الدجاج وتربية البيض، وتحضير الفول المدمس، والفطاطرية، وكانوا أيضا يحضرون الملابس تحضيرا بدائيا فيغزلون باليد القطن والحرير ويصبغون الملابس ويفصلونها ويخيطونها ونحو ذلك.
وشهر في القاهرة سوق تسمى سوق العقادين، كانت تباع فيها شلات الخيط والزراير ونحوها، وكذلك يعملون في تشييد المساكن من بناء ونجارة وتبليط ونحو ذلك.
ولما جاءت الحرب الكبرى الأولى وامتنع ورود البضائع من الخارج اتجه بعض الناس إلى ترقية الصناعة الداخلية فربحوا كثيرا، وكان من نتائج ربحهم تشجيع همة بعضهم للرقي بالصناعة، فأصبحت تجد من الصناعة المصرية موبليات فاخرة وجلودا عظيمة، لا يفرق بينها وبين الصناعة الأجنبية إلا حسن الصقل.
وقد اشتهرت بلاد مصرية بصناعات مختلفة كالغزل في المحلة، والقلل القناوي في قنا، والقدور الإسكندرانية؛ ودمياط بالجلد والموبليات؛ وأسيوط بالكراسي، ونحو ذلك.
ولا يزال المدى فسيحا في الصناعات المصرية حتى توازن الصناعة الأجنبية، وقد حارب الإنجليزي الصناعة المصرية كثيرا، وفرض اللورد كرومر على المنتجات المصرية ضرائب كثيرة شلت حركتها، وأوهموا المصريين أنهم أهل زراعة لا صناعة، ثم أثبتت الأيام فيما بعد أنهم صالحون للصناعة أيضا.
ولكن مع الأسف شأنهم شأن غيرهم من العلماء، صناعتهم صناعة تقليد لا ابتكار، وهو مرض عام شامل فإذا ابتكر هؤلاء ابتكر هؤلاء، فهم إذا رأوا عربة سكة حديد، استطاعوا أن يقلدوها ولكن لم يستطيعوا أن ينشئوها على نمط جديد.
صهين عليه:
تعبير يعني اسكت عنه.
الصوان:
في الغالب إذا أقيم مأتم لميت أو كان هناك استعداد لجنازة أو فرح كبير أقيم صوان على قدر صاحبه في الكبر والصغر، فنصبت الخيام الملونة بالأبيض والأحمر من الداخل، وسقفت بخيام أيضا إذا كان الوقت شتاء، ويقام على عروق من الخشب الطويلة، وأضيء بالكلبات أو الأنوار الكهربائية الحديثة، وفرش بالسجاجيد، وصفت الكراسي على الجوانب، وإذا كان فرحا أقيمت الرايات، وزيد في الكلبات أو الأنوار الكهربائية، والذي ألجأ إلى ذلك عدم اتساع البيوت العصرية وعدم احتمالها لهؤلاء المشيعين أو المعزين أو المهنئين، وربما كانت الأسرة فقيرة لا تحتمل نفقات هذا الصوان، ولكنهم يرونه ضروريا على كل حال، وقد كانت العادة أن يستمر هذا الصوان ثلاثة أيام أو أكثر مما يضلع أهله، ولكن الأغلب اليوم في عصرنا الاكتفاء بليلة واحدة، ويكثر عمل الصواوين في الموالد، مثل مولد النبي، وكان في عهدنا تقام صواوين صغيرة متنقلة للقراجوز والرقص، ثم زالت هذه بدور السينما ودور المسرح المشيدة، وتنشأ في بعض المديريات صوانات عامة للمناسبات، كقراءة القرآن في رمضان، وإذا مات ميت في مكان بعيد نصب له أهله صوانا في وسط البلد شفقة على المشيعين.
حرف الضاد
ضارب الدنيا طبنجة:
تعبير يعني غير مكترث بشيء، إلا شهواته، ومن أغاني سيد درويش:
ع النسوان يا سلام سلم
ما فيش كده أبدا بهجة
إحنا الوارثين يا أفندم
ضاربين الدنيا طبنجة
وهي أبيات مملوءة بالاصطلاحات، فالشطر الأول تعبير معناه: إذا قلنا في النسوان فما أعجبهن وأعظمهن، وقوله: ما فيش كده أبدا بهجة، تعبير يستعمل بمعنى، وليس مثلهن شيء في البهجة، وقوله: إحنا الوارثين يا أفندم، دلالة على استهتار الوارثين؛ لأنهم حصلوا على المال من غير تعب، فهم يسرفون في صرفه من غير حرص، وفهم هذا المعنى أكثر الحكومات فضربوا ضرائب الأيلولة؛ لأنها تحدث قبل أن يمتلك، والطبنجة في الشطر الأخير شيء يشبه المسدس، وهو تعبير لطيف في الاستهتار، كأن المستهتر بأعماله قد صوب إلى الدنيا طلقة نارية.
الضبة:
كانت العادة قديما أن يغلق الباب بالضبة، وهي خشبتان على شكل صليب تقريبا وهي مخروقة خروقا أربعة أو أكثر، إذا أغلقت نزل فيها أربعة مسامير مقطوعة الرأس فلا يمكن فتحها إلا بمفتاح فيه مسامير كذلك، ترفع المسامير التي سقطت في الخروق فتفتح.
واشتهر من ذلك ضبة باب أولاد عنان، وهو مسجد شهير قرب محطة السكة الحديد، فيذهبون إليه خصوصا يوم الجمعة عند الأذان ويتمسحون بهذه الضبة، ويدعون دعوات لشفاء الطفل، ويفتحون الضبة ويعلقونها على رأس الطفل ويقولون : يا ضبة ضبيبه، يا تعيشيه يا تموتيه ! ويعتقدون أن الجن قد تبدل الأطفال فتأخذ الصحيح وتبدل به السقيم، وأن الضبة كفيلة بإرجاع الطفل الصحيح؛ ولذلك يقولون العبارة السابقة، ويكررون ذلك ثلاثة أسابيع.
ولما تجدد المسجد والنظام الجديد في البناء والنجارة ليس فيه ضبة وإنما فيه قفل ومفتاح أعاد خدمة المسجد تركيب الضبة لاستفادتهم منها، وتضليل العامة بها، وهناك من يكتب الأحجبة تبركا بأولاد عنان، ويكون عادة مكونا من: (1)
بلحة صغيرة يسمونها بلحة الغيرة. (2)
قطعة كبريت عمود. (3)
قطعة من عود الصليب.
وتجلد بجلد أحمر ويعلق حجابا للطفل، فهذا يجعل الجن يغيرون أبناءهم، ومن أمثالهم «الخير يبان على الضبة» دلالة على أن البيت إذا كان سعيدا ظهر ذلك في كل شيء حتى في الضبة، وإذا تمزق الثوب طولا وعرضا قالوا: «تمزق ضبة ومفتاح»؛ أي تمزيقا يشبههما، وإذا شج أحدهم رأس الآخر طولا وعرضا قالوا: «شجه ضبة ومفتاح.»
ضحك في سرك:
تعبير يعني أن هذا العمل، يستوجب الضحك منك والسرور.
الضرائب:
ألف المصريون من قديم حكاية الضرائب، ويسمون الضرائب على الوارد من الخارج جمركا، وعلى الضريبة الداخلية مكسا، وكان في زمننا موظفون يقفون عند مدخل القاهرة في جملة نواحيها، فإذا جاء أحد يحمل سلعة قدروا عليها ضريبة، وكانت هناك ضرائب مختلفة على الرءوس وعلى السلع ويظلم فيها بعض الناس كثيرا، ويحابى بعض الناس كثيرا، والعامة تسمي بعض الضرائب وخصوصا على الرءوس «فردة» ولا أدري من أين أتت، ولما احتل الإنجليز مصر أرادوها بلدا زراعيا لا صناعيا، ولذلك لما أنشئ مصنع مصري لعمل البفتة فرضوا عليها ضرائب كثيرة حتى تكون أغلى من البفتة التي تأتي من الخارج فبارت، ومع هذا كانت الضرائب في مصر أقل منها في الخارج، ولذلك كان كثير من الإفرنج الذين عاشوا في مصر كتجار أجانب ومستشارين أجانب يفضلون أن تكون أموالهم في مصر ليهربوا من ضرائب بلادهم.
وفي العهد الأخير كثرت الضرائب بأشكال مختلفة حتى كأن كل شيء عليه ضريبة، ويدعي بعض الماليين أن الضرائب في مصر أصبحت أكثر منها في إنجلترا، والذي دعا لفرض الضرائب رؤيتهم أن المصريين منهم أغنياء جدا، ومنهم فقراء جدا، فلا بد أن يؤخذ من الغني لإصلاح حال الفقير، ورفع مستوى عيشته.
والضرائب بهذا المعنى تتقبل في سهولة وعن رضا لو كانت تصرف حقا في مصلحة الفقير؛ لأن الفقير كالفلاح سيئ الحال جدا، لا يسكن مسكنا نظيفا، ولا يشرب ماء نظيفا، ولا يأكل أكلا مغذيا، فمن المصلحة أن يقابل ترف المترفين بتحسين حالة الفقراء المدقعين، ومع أن الضرائب كثيرة في مصر فهي لا تأتي بمحصول يناسب كثرتها؛ لأن المصريين يعتقدون من عهود الظلم أن الهرب من الضريبة لا بأس به، وكلما استطاع الإنسان أن يهرب فليهرب، ولذلك تقدر الضريبة بمبلغ من المال ثم تصل بالفعل، وفي النهاية إلى نصفها أو ربعها، ويحملهم على الهرب ما يرون من أنها كثيرا ما تصرف في غير محلها.
وسمعت أن مصريا كبيرا كان غنيا وأراد أن يشتري بيتا من إنجليزي، فقال له: بم تبيعه؟ قال الإنجليزي: بألف جنيه، وكان ثمنا معقولا، فقال له ذلك الكبير المصري: أنا أقبل شراءه بالألف، ولكن لي عندك رجاء واحد: هو أن يكتب في العقد صوريا أنك بعتنيه بستمائة جنيه، قال الإنجليزي: ولماذا؟ قال: لأفر من بعض الضريبة، قال الإنجليزي: مع الأسف لست أبيعه لك ولا بألفين؛ لأن من أراد أن يسرق حكومته لا يستحق أن يعامل.
ضرب:
الضرب معروف، ومن قديم استعمل الضرب في صياغة الدراهم والدنانير، فيقولون: ضرب الدراهم وضرب الدنانير، ولكن من الاستعمالات المصرية، ضرب الطوب؛ أي صنعه «وضرب محدت»؛ أي تكلم كثيرا، وضربله تلغراف أو شدله تلغراف؛ أي أرسل إليه، وضرب على البيانو أو الكمنجا أو العود بمعنى أنه حرك أوتارها، ومن الاستعمالات المألوفة «ضرب الدنيا طبنجة»؛ أي إنه لم يكترث بشيء، ومن استعمالاتها قولهم: «يضرب الودع أو الرمل»، وقولهم: «يضرب في المليان» بمعنى أنه يطلق أعيرة نارية بحق، وقولهم: «يضرب في جتة ميتة» وهكذا كقول العرب: «يضرب في حديد بارد.»
ضرب الرمل:
يشتغل به في الغالب بعض المغاربة والسودانيين ، فكثيرا ما تراهم بجانب الشارع وأمامهم منديل فيه بعض رمل أصفر، ويزعمون أنهم ينبئون بالمستقبل، فيرسمون على الرمل خطوطا بأصابعهم بعد أن يرمي الطالب شيئا من النقود يسمونه «بياضا» ويعبرون عن ذلك بقولهم: «ارمي بياضك»، ثم يزعمون له أشياء يقولونها له، إما عن طريق التنويم المغناطيسي أو عن طريق الفراسة، وقليلا ما تصح، وكثيرا ما تكذب.
ضرب كف على كف:
إذا تعجب من شيء؛ لأن العادة جرت على أنه عند شدة التعجب يضرب كفا على كف.
ضرب الودع:
أكثر ما يحترف هذه الحرفة الإماء السود، تجلس الأمة على قارعة الطريق وأمامها جملة من الودع، وهي بيوت حيوانات بحرية حلزونية، وقطع من القروش وقطع من المعادن حمراء وخضراء وسوداء، فمن حضر عندها شكا لها، إما من جفاء زوجها أو زوجته، أو من عدم الحمل؛ فتقول لها العجوز السوداء: إن الودع يقول كذا أو كذا، وأحيانا يكون ضرب الودع هذا سببا من أسباب الشقاء بما تخبره هذه كأن تقول لها: إن زوجك يحب غيرك، أو إنك تحتاجين إلى أعمال كثيرة لتحبلي، أو نحو ذلك.
ضربني وبكى، وسبقني واشتكى:
تعبير يعني اعتدى علي وادعى أنه معتدى عليه.
الضرة:
اعتاد بعض المصريين، وإن كانوا قلائل، أن يتزوجوا أكثر من واحدة، وقد يجمعون بينهما أو بينهن في بيت واحد.
وقد اشتهرت الضرة بمعاكسة ضرتها وعداوتها.
وبذلك يصبح البيت في الأعم الأغلب عبارة عن جحيم، فلا يزال الرجل يسمع شكوى من هذه وشكوى من تلك، واتهاما لهذه واتهاما لتلك، ولذلك لا يقر للبيت قرار، وفي الغالب تتلاشى اللذات التي تحدث في أول أيام الزواج، ويحل محلها الشقاء، ويزداد الأمر سوءا إذا خلف منهما فإن الأولاد أيضا يتعادون ويرضعون مع لبنهم هذه العداوة، وفي الغالب يفضل الأب إحدى الضرتين فيفضل أولادها، فيؤجج نار العداوة في الآخرين.
الضريح:
هو عبارة عن تركيبة مربعة أو مستطيلة من الخشب أو النحاس، توضع على قبور الأولياء الصالحين، ومن الأسف أن ليس كل من وضع عليه ضريح يكون وليا صالحا، فقد يكون وليا صالحا كما يقولون، وقد يكون غير ذلك.
ومن هؤلاء الصلحاء من ثبت تاريخيا علمهم وصلاحهم ودفنهم في هذه البقاع كالإمام الشافعي، ومنهم من رئي في المنام موضعه ولم يثبت دفنه في هذا المكان، كضريح السيدة زينب؛ فقد كان معروفا أن موضعه كان قناطر للماء، ولذلك يسمونه مشهد السيدة زينب، وبعضهم لا يستحق الولاية، ولا عرف بالإصلاح، كالذي حكاه علي باشا مبارك عن الشيخ صالح أبي حديد فقد قال: «إن الشيخ صالحا كان في مبدأ أمره قاطع طريق، وكان له صاحبان ملازمان له، أحدهما الشيخ يوسف المدفون في شارع قصر العيني، والثاني لم أقف على اسمه، وإنما كان يجلس بحارة درب سعادة على مكسلة بيت متخرب هناك ويتزيا بزي الدراويش وللناس فيه اعتقاد كبير، ويزعمون أنه من الأولياء فيتبركون به ويقبلون يده، وكان يستمر جالسا إلى الليل، وكلما مر عليه رجل بمفرده يقول يا واحد، فيخرج في الحال من البيت جملة رجال يحتاطون به ويدخلونه البيت قهرا عنه فيقتلونه ويسلبون ما معه، واستمروا على ذلك الفعل القبيح زمنا طويلا إلى أن شعر الضابط المراقب بذلك، فأكمن كمينا وحرض رجلا على المرور ليلا من هناك، فلما مر الرجل نادى الشيخ كعادته، فخرجت الرجال واحتاطت به، وإذا بالكمين قد خرج عليهم وضبطهم، ووضع يده على الشيخ ومن كان معه بالبيت، وعاقبوهم عقابا شديدا، فأقر الشيخ على صاحبيه الشيخ يوسف والشيخ صالح هذا، وكان الشيخ يوسف يلوذ بلاظ أوغلي فعفي عنه، وأما الشيخ صاحب المكسلة فقتل بعد تعذيبه، وأما الشيخ صالح هذا، فاحتمى بامرأة مغنية مشهورة، فادعت أنه مجنون ووضعت في رجليه قيدا من حديد فأخذوه فوجدوه كما قالت.
واعتقل لسانه من الكلام لشدة خوفه وبقي على ذلك مدة، ثم شاع بين الناس أن له كرامات وإخبارا بالمغيبات، فقصده كثير من الناس، أمراء وغير أمراء، واعتقدوا فيه خصوصا النساء، وازدحم بيته بالزوار، وهجمت عليه النذور والهدايا، كل ذلك وهو لا يتكلم، بل ملقى على الفراش، وعليه حرام من صوف أبيض، وفي رجليه قيود الحديد، وحوله الخدم، وعند رأسه امرأة تروح عليه، وهو يحرك رأسه، ويلعب بشفتيه، فيسمع له صوت ساذج خفي جدا، يشبه صوت الأخرس، وليس له مفهوم، فعند ذلك تقول المرأة للحاضرين: فلانة ستتزوج، وفلانة ستصطلح مع زوجها، وفلانة ستحبل، وفلان الغائب سيحضر، وزيد سيترقى، وبكر سينعزل، إلى غير ذلك من الخرافات، وكل من كان حاضرا يفهم لكلامه معنى خاصا به من هذه الألفاظ.
وبسبب ذلك صارت لخدمته ثروة كبيرة، وفوائد كثيرة، واستمرت حالته هكذا إلى أن مات، فبنى له الخديو إسماعيل هذا الجامع، ودفن به، وهو جامع عظيم لم يبن لغيره من الأفاضل ذوي المعارف والعلوم، الذين انتفع الكثير بعلومهم ومعارفهم، ولكن هذه عادة قديمة ألفها المصريون من قديم الزمان، وطالما نبه عليها كثير من المؤلفين في كتبهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وكثير من الأضرحة من هذا القبيل، وربما كان صاحبه حاكما ظالما كجامع ألماظ، ظن أنه يكفر عنه بناؤه لجامعه، ويكاد يكون في كل قرية من قرى الريف أو مدينة من المدن شيخ أو أكثر من هؤلاء الشيوخ، يحلفون به ويتبركون به ويقدمون النذور له، وأعرف قرية من القرى فيها شيخ اسمه الشيخ يوسف، تكون المرأة فقيرة فتنذر له عشرين بيضة أو وزة أو فرخة أو ديكا، وقد تكون هي وأولادها في أشد الحاجة إلى ذلك، وتقدمه للمتولية على الشيخ، وقد ماتت قريبا وتركت خمسة أفدنة من الأطيان الجيدة، ومالا كثيرا، وكان ابنها قد مات قبلها فورثها أخوها، وربما أخذت هذه العادة من قدماء المصريين، فقد روي عنهم شيء من هذا القبيل ثم اصطبغ بعد بالحياة الإسلامية.
حرف الطاء
طاب واستوى:
تعبير يعني نضج.
طاسة الخضة:
يزعمون أن الإنسان إذا خض فربما كان من نتائج تلك الخضة مرضه بأمراض عصبية خطيرة، وبالزهري مع أنه ثابت طبيا أن مرض الزهري لا يأتي إلا من الاتصال الجنسي بمريض من هذا القبيل، ويعتقدون أن طاسة الخضة تزيل كل هذه الأمراض، وهي طاسة من نحاس مرسوم عليها صور طيور، أو مكتوب عليها كتابات غير واضحة، يوضع فيها ماء ثم تعرض في الليل للندى، ثم يشربه المريض، ويوجد حول الطاسة نحو أربعين قطعة معدنية رقيقة كالصفيح كذلك، فإذا فقدت واحدة منها زال مفعولها.
الطالع:
يعتقد عامة المصريين في تأثير النجوم في الأرض، من سعادة وشقاء، وغنى وفقر، ويقسمون السماء اثني عشر قسما، لكل قسم برج، وأسماء الاثني عشر برجا هي: الدلو وعلاقته بشهر يناير، والحوت بفبراير، والحمل بمارس، والثور بأبريل، والجوزاء بمايو، والسرطان بيونيو، والأسد بيوليو، والسنبلة بأغسطس، والميزان بسبتمبر، والعقرب بأكتوبر، والقوس بنوفمبر، والجدي بديسمبر.
وطريقة الاستخدام أن يغمض الطالب عينيه ويضع إصبعه على إحدى خانات منطقة البروج، وهي صورة مصورة مقسمة إلى خانات، ثم يفتح عينيه ويتبع الخط الذي فيه النمرة المذكورة، متجها من اليمين إلى اليسار، حتى يصل إلى العمود الذي فيه البرج الذي وضع يده عليه، فيجد عددا يدل على الصفحة الموجود فيها جواب السؤال المطلوب.
ويعتقدون أن العالم المادي لا توجد فيه الأشياء على طريق المصادقة، بل بتأثير النجوم، فلا يقابل قاهري إسكندرانيا، أو رجل لرجل بطريق المصادفة، ولكن ذلك بتأثير الطوالع وتحقيقا لغاية خصصتها يد الطبيعة، وكذلك جميع الحوادث؛ فالنجوم وسائر السيارات تؤثر في أحداث الأرض.
فمثلا الشمس مصدر الحرارة والحياة تهيمن على العواطف النبيلة والمشاعر العالية والوجدانات الحية ... وللقمر تأثير عظيم على الأرض وعلى ساكنيها، ومفعوله ظاهر في المد والجزر، فمتى كان القمر هو الكوكب الرئيسي في الطالع أثر في الإنسان وخاصة في مجموعه العصبي وقوة تخيله، فيجعل من بعض الناس أديبا أو فنانا، وأحيانا يجعل منه مجنونا، وإذا كان هو المهيمن على زلازل الأرض والعواصف والبراكين كان أيضا ذا اتصال بالحروب الأهلية والأجنبية والنوازل الطبيعية والمصائب الاجتماعية، وهكذا كل نجم من النجوم، وبعبارة أخرى كل برج من الأبراج.
وقد ألفت الكتب الكثيرة في هذا الموضوع من عربية وعجمية، بعضها فيه تخريف كثير، وبعضها معتدل.
وهم يعتقدون أيضا أن كل من ولد في برج أو بعبارة أخرى في شهر خاص يقابل في حياته حوادث خاصة، لا كالذي ولد في برج آخر أو شهر آخر.
وكثيرا ما تستهوى النساء بمثل ذلك، فنجد في بعض الجرائد والمجلات أن المولود في أسبوع كذا من شهر كذا يدل طالعه على كذا، ويهتم العوام بذلك كثيرا.
ومن الأغاني الشعبية «حسبت نجمك لقيت لك وفق وياي»، فإن من حساب الطالع أن بعض البروج تناسب بعضا، وبعضها لا يناسب بعضا، فإذا كان الرجل والمرأة مولودين في برج واحد أو في برجين منسجمين دل ذلك على الوفق وإلا فلا.
ويقولون فلان طالعه سعيد، وفلان طالعه غير سعيد، ومن تعبيراتهم أيضا: «فلان نجمه عالي أو صاعد»، علامة على النجاح، وفلان طالعه سافل علامة في الفشل، ويقولون فلان طالعه طالع السعد؛ أي إنه مبخت، وفلان كانت وقعته زحل؛ أي شقي؛ لأن زحل من النجوم المشئومة.
ومن ذلك ما فعل الشيخ عبد الهادي نجا الإبياري، فقد ألف كتابا في اسم إسماعيل باشا سماه «الطالع السعيد» ذكر فيه أنواع علوم مختلفة، اشتقاقا من اسم إسماعيل.
ويكثر في مصر استشارة أهل الخبرة، وخصوصا عند نية الزواج، زواج رجل بامرأة أو امرأة برجل، أو الإقدام على عمل من هذا القبيل، وأظن أنه لو استحصي جميع من ولدوا في يوم واحد، أو ساعة واحدة، لوجد بعضهم شقيا وبعضهم سعيدا، ولكن العقيدة لا يغلبها غالب.
طبق في زوره:
تعبير يعني أمسك به إمساكا شديدا.
الطرحة:
نوع من الشاش مصبوغ بالصبغ الأسود وقد يكون من الحرير، يلبسها بعض الممدنات خصوصا في الأحزان، وأكثر ما يلبسها الفلاحات، وتستخدمها الفلاحة كغطاء للرأس، وفي تغطية وجهها عمن لا تحب أن تراه، وفي كلامهم القسم بتلبيسه الطرحة؛ أي بالغلبة عليه حتى يكون أشبه بالمرأة.
الطعام:
للطعام في عرف المصريين نظام قد يخالف الأمم الأخرى، وللأغنياء طريقة وللفقراء طريقة أخرى، فمثلا والدة إسماعيل كانت تجلس في حجرة الأكل في السراي مع من يوجد من البرنسيسات على شلت مغطاة بقماش مزركشة بالقصب، وتوضع أمامهن صينية من الفضة وأدواتها، إلا في الدعوات الخاصة فتكون من ذهب، وقد توضع الصينية فوق كرسي عال بعض الشيء، ويقوم بالخدمة جوار يرتدين اللباس الفاتح، وفي أيدي بعضهن منشات ينش بها على الأكل، وفي الطبقة الوسطى كذلك بشكل أرق حالا.
وقائمة الأكل عادة شربة، ثم نوع من اللحم، ونوع أو أكثر من الخضراوات، ثم الأرز، ثم الحلوى، ثم تقدم فناجين القهوة.
أما الطبقة الفقيرة فتكتفي بما حضر من غير احتفال، مش أو بيسارة، أو عدس أو فول نابت، أو نحو ذلك، والفلاحة عادة تذهب إلى زوجها في الغيط، وتحضر له شيئا من هذا فيأكله مع الفجل أو البصل أو نحو ذلك.
الطقطوقة:
هي أغنية خفيفة تسود عليها الشخلعة في الغناء، مثل: «جمالك ربنا يزيده» و«شوي شوي»، وهي عكس الأدوار المتزنة الرزينة غالبا، وفي العادة في ليلة الفرح تغني بعض الأدوار، ثم تغني بعض الطقاطيق.
ويطلقونها مجازا أحيانا على الفتاة الصغيرة الدلوعة، أو الحديث الخفيف غير المقيد بقواعد، وأحيانا تطلق أيضا على الوعاء الصغير الذي تنفض فيه السجاير.
الطلسم:
يعتقدون أنه إذا تليت عزائم سحرية خاصة على المادة المصنوعة المعدة لذلك، سببت المراد منها، كالطلسم الموجود في الأزهر؛ يقولون: إنه يمنع العصافير من الدخول في المسجد، مع أنه مكان مناسب لذلك، ويزعمون أن بالإسكندرية طلسما لمنع الحدأة، ولذلك لا توجد في جو الإسكندرية.
ويزعمون أنه يمكن عمل الطلسم لحراسة الدار والمال بصنع صنم من حجر الكدان كامل الخلقة وبيده سيف ويتعمد عمله عند سلطة المريخ في الساعة الأولى أو الثامنة من يوم الثلاثاء، ويذبح عند ذلك دجاجة سوداء ليس فيها إشارة، ويطلى بالدم جميع الصنم، إلخ ... الخ ...
ويظهر أن قدماء المصريين كانوا أيضا يصنعون هذه الطلاسم ويعتقدون فيها لشهرتهم في الأعمال السحرية، ولهذا كانت معجزة موسى عليه السلام إبطال سحر السحرة المصريين، وقد روى الجاحظ في كتابه الحيوان أنه لما زار حمص لم يجد فيها عقارب، فسأل عن ذلك فقالوا له: إن بها طلسما يمنعها من البقاء فيها، فلم يرض عن ذلك، وعلله بأنه ربما كان جو حمص لا يناسب العقارب، أو أن فيها بعض الحيوانات التي تهاجمها، فهربت منها .
طلع:
لهم في هذه الكلمات استعمالات كثيرة، فيقولون، طلع من باب الجمال؛ أي خرج سالما وطلع فيها بمعنى اغتر بنفسه وتجبر، وطلع نقبه على فاشوش؛ أي إنه بعدما اجتهد وتعب لم ينل شيئا، وطلعت عليه الجنونة، وأحيانا يقولون طلعت عليه الغزالة، بمعنى أنه أصابته لوثة من الخبل، وطلع يجري؛ أي أخذ يجري، وكذلك «طلع راجل»؛ أي اتضح أنه رجل، و«البيض طلع كتاكيت» و«الكلمة دي لا طلعت ولا نزلت»؛ أي لم تزد شيئا ولم تنقص شيئا فليس لها قيمة، وكذلك «طلع بوش»، و«طلع من المولد بلا حمص»؛ أي لم يسفر عمله عن نتيجة، وكذلك «طلع القرافة»؛ أي زارها.
طلعت أشم الهوا:
تعبير يعني أتنزه.
طلعت المسألة فيسكو:
تعبير يعني لا قيمة لها.
طهقت وبقيت روحي في مناخيري:
تعبير يعني تململت.
طول عمرك يا ردا وأنت كدا:
أصل الردا الرداء، وهو الثوب يقال للشيء يصدر عنه ما اعتيد منه.
الطيب:
يحب المصريون الطيب رجالا ونساء، فيتطيبون بدهن الورد وبالعنبر وبالمسك وبالعطر، وقد يبالغ بعض النساء فيه.
وكان لا يتحرج الرجل من التطيب، وقد يضع شيئا منه في منديله فتفوح رائحته إذا أخرجه، وقد يقدم الطيب للضيوف كالقهوة.
وفي كثير من البيوت مبخرة ليتبخر الضيوف منها، وقمقم لرش ماء الورد والعطر ونحو ذلك.
وهم يحبون أيضا الأزهار العطرية، ويفضلونها على غيرها، كالورد والفل والياسمين، وتمر الحنا، وهم إذا شموا رائحة طيبة قالوا: اللهم صلى على النبي، وكثيرا ما تدخل المسجد فتشم منها الروائح العطرية؛ لأنهم أمدوا المسجد بها أو أطلقوا فيه البخور.
وتجدهم أيضا يرسلون أمام الميت في جنازته طائفة يحملون المباخر، وقد يحمل بعض هؤلاء قماقم ماء الورد والعطر، يرشون بها على الواقفين في جانبي الطريق.
حرف الظاء
حرف الظاء معدوم في اللغة العامية، وكثيرا ما يقلبونه ضادا مثل ضهر، أو زايا تخينة مثل زابط، وهو حرف صعب الإخراج من اللسان.
ولذلك لم نجد كلمة عامية يصح إثباتها من غير أن تكون قد تقدمت في حرف الضاد أو الزاي التخينة.
حرف العين
عاوج الطربوش:
عوج الطربوش، كناية عن التكبر والدلال، ومثله تبختر في المشي.
عاوز للجمل ناقة:
يحكون أن مديرا في ناحية كان له جمل، فكان يذهب الجمل إلى الغيطان يأكل منها ما شاء، حتى تضرر الناس، فاجتمعوا ليذهبوا إلى المدير يشكونه جمله، فذهب عشرون رجلا، وكلما خطوا خطوة نقص رجل، حتى إذا وصلوا إلى باب المدير التفت رجل فلم يجد معه أحدا، فشخط فيه المدير، ماذا تريد، فقال: عاوز للجمل ناقة: أي إنه لما وجد الناس انفضوا من حوله لم يستطع أن يشكو الجمل، فانقلب منافقا، فبدل أن يشكو الجمل طلب له ناقة.
عايش كمالة عدد:
تعبير يعني لا فائدة كثيرة منه، كل ما فيه أنه يعد بواحد.
عبده وألمظ:
شخصيتان كبيرتان ملأتا مصر بهجة وسرورا، يدعيان عادة في أيام الأفراح، مثل زواج وختان وشفاء من مرض ونحو ذلك، ويدعى عبده للرجال وألمظ للنساء، وكثير من الفنانين يولع بهما فينتقلون من أقصى القاهرة إلى أقصاها؛ من المنشية إلى العباسية، ومن السيدة زينب إلى الجمالية.
وقد شاهدت حفلة من حفلات عبده بمناسبة زواج أسرة متوسطة، وتفصيل ما شاهدت أنه نصب صوان وأتي بكراسي كثيرة صففت فيه، وأحضرت دكتان عاليتان متقابلتان للآلاتية جلس عليهما عبده وصحبه، هذا بالقانون، وهذا بالعود، وهذا بالدف، وهذا بالناي إلخ، ثم بدءوا في الغناء حوالي الساعة العاشرة مساء بعد أن أكلوا كثيرا وشربوا الخمر كثيرا، وبدأ بتقسيمات قانون وعود إلخ، ثم بدأ عبده الحامولي يغني «يا ليل» بطبقات مختلفة، ثم بعد أن يغنيها يوقع القانونجي على القانون بالنغمة التي قال بها يا ليل، ثم يبدأ في غناء الأدوار مثل دور «الله يصون دولة حسنك على الدوام»، وإذا انتهى الدور جلس للاستراحة فتبودلت النكات.
وقد يستمرون كذلك إلى الفجر أو إلى طلوع الشمس، وهناك بائعو لب يسمون المطيباتية، وظيفتهم أن يقولوا لعبده «الله يا سيدي» ونحو ذلك، وربما كانت لهم وظيفة أخرى، وهي أن يكونوا رسلا بين الآلاتية والسامعات في طلب أدوار خاصة أو رسالات الغرام .
والناس عند كل نغمة يصرخون بقولهم آه، والله، أو يدعون بالبقاء وعدم الحرمان منهم.
أما ألمظ فتغني بدورها للحريم، وقد تزوجت أخيرا بعبده؛ فمغن مشهور تزوج بمغنية مشهورة، وكانت جميلة بعض الشيء، وتكاد حواجبها تكون مقرونة، وهي تغني أغاني نسائية مثل: «أشكي لمين غيرك حبك، أنا العليل وأنت الطبيب، اسمح وداويني بقربك، واصنع جميل إياك أطيب» ومثل: «حبيبي هجرني، شوفوه، لي يا ناس، أترجاك تعمل معروف، غرامك علمني النوح، يا حبيب القلب شوف، مع طيفك أرسلت الروح، أترجاك تعمل معروف.»
ويحكى أن اللورد كرومر لما ترجم له حبيبي هجرني شوفوه لي يا ناس، قال: «حتى الحبيب يترجى الناس بأنهم يشوفوه له، ولا يتحركش هو هكذا المصري.»
وأحيانا تغني ألمظ بعض الطقاطيق مثل لازم أهشه، دا العصفور، تنكش لي عشه، دا العصفور، دا ابن الأكابر ... دا العصفور، ع العشق صابر ... دا العصفور، طار وعلى، وعلى وطار، نزل على بيت العطار، وكبش ملبس وداني، ولوز مقشر وعطاني، لازم أهشه ... دا العصفور.
وإذا كان يعمل كل هذا فلم هشه؟ وفي أثناء غنائها يكون حولها أيضا موسيقى من طبل وغيره، وأمامها رقص ونحوه؛ وفي الحق أنهما ملآ القاهرة بهجة وسرورا، وكانا ذوي مروءة، فكثيرا ما حكي عنهما أنهما تبرعا بحفلات مجانية للفقراء، وقد ماتت ألمظ قبله فبكاها كثيرا، ثم مات بعدها فبكاهما الناس.
العجائز:
اشتهرت العجائز في مصر بأنهن أهل دهاء وتجارب؛ فمن دهاء بعضهن ما يصلن به بين الرجل والمرأة، واختراع الحيل المناسبة؛ وهن مشهورات أيضا بالوصفات البلدية أخذنها عن التجارب وعمن قبلهن.
والمصريون يقولون في أمثالهم: «زي عجائز الفرح، أكل ونقورة»، والنقورة: الانتقاد؛ أي إنهن يأكلن وينتقدن، ولا أدري من العجوز الذي سمي الحي باسمها، فقالوا: حي العجوزة، ومن باب الغريب أنها محظوظة، فغلب اسمها على كل من بالحي من الأعيان والوجهاء، حتى المسجد الذي به سمي مسجد العجوزة، وكثيرا ما يكون للعجائز شر كثير، وهن يدخلن البيوت ويؤثرن بحيلهن على الزوجات ليغضبن على أزواجهن ، وخصوصا إذا كانت العجائز حموات.
عدية ياسين :
من المعروف أن يس سورة في القرآن، فالناس يعتقدون فيها أنها إذا قرئت مرارا استوجبت الرحمة للميت، وأزالت الغم عن الحي، ويسمون قراءتها مرارا؛ أي نحو مائة مرة، بالعدية، فيجمعون الفقهاء في مكان في البيت أو في سيدنا الحسين أو السيدة زينب ويكلفونهم بقراءة سورة يس عدة مرات، يسمونها العدية، ويطلبون منهم أن يهبوها لمن شاءوا من حي أو ميت، وقد تستخدم أيضا في الشر، فيقول بعضهم لبعض إذا ظلمه: سأقر عليك عدية يس، ويزعمون أنها مجربة في الخير والشر، ولما مرضت بعيني ذهب صديق لي إلى سيدنا الحسين وطلب من بعض الفقهاء أن يقرءوا لي عدية يس على ذمة شفاء العين.
العزاء:
للمصريين عادات كثيرة في العزاء؛ من ذلك أن النساء إذا وصلن إلى بيت الميت صحن كثيرا ولطمن كثيرا وخبطن بالكفوف وقرعن الصدور؛ وذلك ليظهرن لأهل الميت شدة حزنهن. ومنهن من تلطم وجهها بشدة، حتى يجري الدم من خدودها.
وقد جرت العادة إذا مات أحد من مشاهير العلم أن يؤذن على المآذن في غير أوقات الآذان، فيعلم المصريون بموت عظيم من العظماء، فيتساءلون عنه ويهرعون إلى حضور جنازته.
ويوضع الميت في خشبة ويسير المشيعون وراءه لدفنه حتى يوارى في قبره، ويقيم أهل الميت صوانا كبيرا للرجال يتلى فيه القرآن، من العصر إلى ما بعد العشاء، وتجتمع النساء في بيت الميت؛ وإذا كان الميت عزيزا أحضر أهل الميت الندابات داهنات وجوهن بالنيلة، وفي كل يوم جمعة يذهب أهل الميت إلى مقبرته ومعهم الخوص والفاكهة والفطير أو «الشريك» وهكذا إلى يوم الأربعين.
وقد شاهدت فيما مضى شيئا قد بطل الآن، وهو أن يسير أمام الميت جمل أو أكثر يحمل على جانبه صناديق مملوءة بالفطير والشريك يسمونها «كفارة» يوزع راكب الجمل ما فيها على طول الطريق، ثم تسير طائفة من العساكر، ثم أرباب الطرق المختلفة، ثم غلمان الكتاتيب، وقد بطلت أكثر هذه العادات. وعند ختام الفقيه كل سورة يخرج بعض المشيعين، وإذ ذاك يقف أقارب الميت يتلقون بأيديهم العزاء من المعزين ، وهم يقولون: عظم الله أجركم فيردون عليهم: غفر الله ذنبكم.
العشبة:
اعتاد بعض المصريين، وخصوصا النساء، أن يستعملوا العشبة دوريا كل عام، وهي نبات يغلى بالماء يزعمون أنه يقوي الجسم، وإذا استعملته المرأة امتنعت عن أنواع من الطعام لا تتفق معها وأكلت ما يناسبها.
وإذا استعملت العشبة في أيامها عبرت عن هذا بأنها دخلت في العشبة.
عشنا وشفنا:
تعبير يعني طال عمرنا حتى رأينا العجب.
عضمة خشنة:
يسمون الرجل الذي لا يمكن اللعب عليه ولا أخذ شيء منه عضمة خشنة، كقول العرب القدماء: «إن لحمه مر.»
عفريت الليل:
هو لقب يطلق على واحد من جماعة النوبيين عهد إليهم بإضاءة الشوارع بعد المغرب، وهم يلبسون لباسا خاصا أشبه بلبس السواس، وفي يدهم عصا طويلة ركبت عليها حديدة، فيفتحون بها فانوس النور أو يطفئونه، فإذا فتحوه أشعلوه، وإذا أطفئوه انطفأ، ومن عادتهم أن يجروا سريعا في الشوارع ليؤدوا عملهم في سرعة، ولذلك قالوا: «عفريت الليل بسبع رجلين.»
عقبال أمالته:
يقولونها عندما يرون رجلا أو امرأة في سعادة ما، ويسمون السعادة أملا، وعقبال أصلها العاقبة لي.
عقله منويشي:
أي مختل، وقريب منها قولهم، عقله ترللي.
العقم:
العقم داء يهتم المصريون كثيرا بأمره؛ والمرأة العقيم لا تحب من زوجها، ولا ينظر إليها نظرة الولود، ولذلك يشغل العقم بال الرجال والنساء على السواء، وتداويه بعض العجائز بأدوية مختلفة، وقد يضطر بعض النساء إلى الذهاب إلى أماكن مختلفة كالمغاوري في القاهرة، أو إلى بعض المقابر المهجورة، وقد تلد المرأة بسبب ذلك، ولكن مع الأسف لتساهلها في عرضها مع من لا خلاق لهم لا من سر المكان، وإنما من سر السكان، وهناك بعض النساء تتداوين بالأحجبة أو البخور من أجل هذا العقم، ويداوين العقم أحيانا بالمرور على القتيل، ولذلك ترى كثيرا من النساء العقيمات يذهبن إلى المستشفيات إذا علمن وجود قتيل بها لتخطيته.
العقيق:
حجر أحمر داكن يختمون به، ويعتقدون أنه يجلب الخير والسعادة ويبعد الشقاء، وكانوا من قبل يتختمون به للظرافة ولحمرته شبهوا به العين المريضة إذا احمر بياضها احمرارا كثيرا فيقولون: صارت عينه زي العقيق.
العلاقة بين المسلمين والأقباط:
ظلت العلاقة بين المسلمين والأقباط حسنة في الجملة، إلا في فترات ساءت فيها العلاقات لأسباب عرضية، نكل فيها المسلمون بالأقباط أو الأقباط بالمسلمين، وذلك كما فعل بعض الولاة المسلمين في التنكيل بالقبط عصبية منهم، أو كما فعل بعض الصرافين الأقباط بالفلاحين المسلمين، ولكنها على العموم كانت هفوات قليلة، ثم تعود الأمور إلى مجراها؛ إلى أن جاء عهد الاحتلال الإنجليزي فجروا في مصر وفي الهند وغيرهما على سياسة «فرق تسد» فحاولوا إيجاد ثغرة بين المسلمين والأقباط وخصوصا في عهد السير غورست، فوجد متعصبون من هؤلاء ومتعصبون من هؤلاء، وكان من نتائج هذا وذاك أن عقد الأقباط مؤتمرا لهم في أسيوط نددوا فيه بالمسلمين، وشادوا بذكر القبط ومحاسنهم وكفايتهم، وأجابهم المسلمون بعقد مؤتمر آخر في مصر الجديدة، برياسة رجل مصر الكبير مصطفى باشا رياض؛ وكان انعقاد هذا المؤتمر في غرة مايو سنة 1911، وسموه المؤتمر المصري، وخطب فيه وجهاء المسلمين، كالشيخ علي يوسف وكان موضوع خطبته «التعليم في مصر وحظ المسلمين والأقباط منه»، والشيخ عبد العزيز جاويش في: «الربا في الإسلام»، وطلعت حرب قد خطب خطبة دعا فيها إلى إنشاء بنك مصر، وكذلك فعلوا على العموم في الإشادة بالمسلمين وتفضيلهم على الأقباط في العلم والذكاء الكفاية.
ولما ثارت الحرب العالمية أراد بعضهم أن يثير الفتنة بين المسلمين والأقباط من جديد فحاول الإنجليز أن يثيروا الأقلية على الأكثرية، فكان الرد عليهم تعانق الصليب والهلال رمزا لاتحاد المسلمين والأقباط، وفعلوا في تحقيق ذلك أفعالا كثيرة، سدوا بها هذه الفجوة.
ولما تألف الوفد المصري، للمطالبة بالاستقلال، كان من أعضائه مسلمون وأقباط؛ وارتفع صوت العقلاء يقضون على نزعة التعصب هذه، ويدعون إلى الألفة والاتحاد منعا لدخول المحتلين من منفذ ولو ضيق، ليوسعوا شقة الخلاف، ومع هذا لم يزل الخلاف تماما، بل لا يزال هناك متعصبون من هؤلاء وهؤلاء، حتى ليكاد بعض المصالح يكون وقفا على طائفة دون أخرى، كالأقباط في السكك الحديدية والمسلمين في قلم قضايا الحكومة ونحو ذلك، ونرجو أن يرتقي الرأي العام على مر الزمن فيزول هذا التعصب، ويكون الدين لله، وإذا كان الأمل أن تسود الإنسانية على القومية، فأولى أن تسود القومية على العنصرية.
علشان:
يستعملونها كثيرا لمعنى لأن، ومن أغانيهم علشان بحبك تدلع.
علمناه الشحاتة سبقنا ع الأبواب:
تقال لمن علم الإنسان شيئا، فسبق معلمه كمن تعلم من إنسان علما، وتصدر فيه حتى علم المعلم.
على السكين:
تقال في بيع البطيخ والشمام؛ أي إن البائع ضامن لحمار البطيخ وحلاوة الشمام، وهو نداء غريب كان يجب أن نخلص منه من زمن بعيد، وذلك بإعدام السيئ وإبقاء الصالح كما فعلت الأمم الأخرى، فليس عندهم هذا النداء.
على سنجة عشرة:
تستعمل في من يتزين أو تزينت على آخر طرز، فيقولون جاءت على سنجة عشرة، ولا أدري أصل معناها.
على عينك يا تاجر:
تعبير يقال للشيء يعطى جهارا من غير دس ولا تخبئة، فهو يعطيه الشيء على عينه؛ أي جهرة.
علي كاكا:
هو شخصية غريبة تدل على ولوع المصريين بعلاقاتهم الجنسية، فهي شخصية رجل يلبس الحذاء ويلبس في وسطه حزاما يتدلى منه قطعة على شكل الآلة الجنسية في أضخم أنواعها، وكان هذا المنظر يثير ضحك النساء والرجال على العموم ضحكا بالغا، وكانوا يصنعون منه نماذج من الحلوى في الموالد، وكان هناك نوع من الحلوى عبارة عن سكر مجفف فيه شربات، ويسمونه أيضا شربات، ويدور البائع في الشوارع والحارات ويقول: «العروسة من الشربات، والعريس من الشربات، الحمة من الشربات، علي كاكا من الشربات.»
علي لوز:
كان الأطفال في العيد يعقدون السكر ويصبونه في صوان صغيرة ويضعون عليه اللوز المقشر وينادون عليه «علي لوز» ولا أدري لم سموه علي، إلا أن يكون أثرا من آثار التشيع، أيام كان التشيع منتشرا في العهد الفاطمي؛ ولذلك كثيرا ما تنسب الأشياء لعلي، كعلي لوز، وعند المطر يقولون: يا فرج علي، وعامل أبو علي، وأم علي، وعلي عليوه، وعلي يا علي يا بتاع الزيت، إلى غير ذلك مما لم يحضرني الآن، وقد يستعمله الأطفال جلبا للعيدية فأقارب الطفل يأخذون من حلاوته هذه قطعة صغيرة تسمى «الملوق» ويدفعون له عيديته.
وكان هناك من يتاجر بها في الأعياد فيصنع صواني كبيرة مملوءة بعلي لوز. «الشيخ» علي يوسف:
هو صاحب جريدة المؤيد، وكانت الجريدة إسلامية واسعة الانتشار والنفوذ، وكان الشيخ علي يوسف رجلا ماكرا ماهرا بليغا مقربا من الخديو عباس. (انظر حادثتان).
عليه العوض ومنه العوض:
تعبير يقال عند ضياع شيء، فهو يطلب العوض من الله، وأحيانا تقال في شيء جيد يباع؛ أي إن ثمنه لا يفي به، كالذي ينادي على خيار طيب، فيقول: العوض على الله.
العمامة:
العمامة في مصر شال خفيف يلف على الطربوش بعد تكويره، وهي أنواع: منها البيضاء، والسوداء، والخضراء، والحمراء؛ فالبيضاء هي اللبس العادي للمصريين والخضراء للأشراف من نسل علي، والسوداء لباس الأقباط والصوفية السعديين، والحمراء لباس بعض الصوفية من الطريقة البيومية؛ وكانت العمامة لباس أكثر المصريين، والمسلمين، فألغاها مصطفى كمال إلا على رجال الدين، وألزمهم بلبس القبعة.
والمصريون باختيارهم غير أن كثيرا منهم يلبس البدلة والطربوش بدل الجبة والقفطان، حتى طلبة الأزهر ودار العلوم.
والسبب في ذلك أن العمامة غير محترمة في القاهرة الاحترام الكافي، وقد قلت مرة إن صاحب الطربوش موضع ثقة إلى أن يأتي بعمل يفقدها، أما صاحب العمامة فلا يوثق به إلا أن يأتي بعمل يمنحه الثقة.
وقد كنت فيما مضى ألبس العمامة، فلقيت من لبسها أذى كثيرا، مثل أني أردت أن أدخل مع صديق لي مطربش لوكاندة سميراميس، فمنعت منها لعمتي، وأجيز المطربش، ولما رأى ذلك امتنع أيضا من الدخول، ومنها أني أردت أن أنزل لوكاندة في الإسكندرية للمبيت، فقيل لي: إنها كلها مشغولة، فلما جاء بعدي مطربش وجدت الغرفة، وإذا أردت الركوب في الترام في الدرجة الأولى قيل لي: إنها الدرجة الأولى، كأن المعمم محرم عليه أن يركبها، وهكذا من المصاعب، حتى اضطررت إلى تغيير لبسي.
ومن أقوال الخليعات: «إوعي العمة توقف حالك»، ومن العمائم نوع ملفوف لفا محكما كعمائم الأقباط ويسمونها مقلة.
العمدة:
هو رئيس البلدة أو القرية، وهو معزز في قومه، وإن كان ذليلا أمام المعاون والمأمور، وبعض العمد يظلم الأهالي كثيرا بفرض ضرائب مالية عليهم، وشراء المواد الغذائية كالبط والأوز بأرخص الأثمان، وأخذهم النساء بالقوة خادمات في بيوتهم، واستخدام الفلاحين وحيواناتهم في زراعتهم وغير ذلك.
والفلاح يرعب إذا ناداه، ويحتكم إليه إذا تعدى عليه أحد، فهو في المسائل الجزئية يقوم مقام القاضي، ويجري مجراه على صورة أصغر شيخ البلد، وأبناء العمد والمشايخ يعتزون كثيرا بآبائهم، فمن لم يحترمهم احتراما زائدا ضربوه وأهانوه.
ويعفى أولاد العمد من القرعة، والناس يسمون كل من كان وجيها في لبسه ظاهرا عليه الفلاحة عمدة، فيقولون: أوعى يا عمدة، واتفضل يا عمدة!
عمر الشقي بقي:
يزعمون أن الموت يسرع للأخيار، أما الأشقياء فعمرهم طويل، ربما كان السبب أن الرجل المسن الحسن الأخلاق الطيب يكاد لا يشعر به الناس لحياته الهادئة، أما الشقي فكل ساعة يشعرك بوجوده بما ينغص عليك، فعمره ولو قصر مملوء بالأحداث فيكون طويلا.
العمل داه جليطة:
تعبير يعني أن مقرف وفي غير محله.
عمل على عندي:
تعبير يعني أتى بأمور ضدي، يعاندني فيها، ويستخدمونها كثيرا في الجناس، فيقولون، تعال عندي، ولا تعملش على عندي، والأولى بمعنى معي، والثانية ضدي.
عمل معاه شغل البليباه:
تعبير يعني مكر عليه، وضحك على ذقنه.
عملها زعلة:
أي تصنع الغضب.
عمودا جامع عمرو:
هما عمودان في مسجد عمرو بمصر القديمة، أو بعبارة أخرى الفسطاط، يعتقد العامة أن من كان صالحا استطاع أن يمر بينهما ولو سمينا، ومن كان فاسقا لم يستطع ذلك ولو كان نحيفا.
وقد حدثت منهما مضار بسببهما اضطرت الحكومة إلى تسويرهما.
العمى يا بدر:
تعبير يقال لمن يعثر مثلا في شيء ظاهر.
عنده عكوسات:
تعبير يعني عليه جن بتعاكسه.
عنزة السيدة نفيسة:
حدث سنة 1173ه أن خدمة السيدة نفيسة أظهروا عنزا، وكبيرهم إذ ذاك الشيخ عبد اللطيف، وزعموا أن هذه العنز خلصت بعض الأسارى المسلمين من الأسر، وزعم الناس أن السيدة نفيسة أوصت عليها الشيخ عبد اللطيف من القبر، وأنها تارة تكون فوق المنبر، وتارة أخرى بالضريح ... إلخ، وتسامع الناس بذلك وأقبلوا من كل فج عليها رجالا ونساء، وقدموا إليها النذور والهدايا، وزعم الشيخ أنها لا تأكل إلا قلب اللوز والفستق، ولا تشرب إلا ماء الورد والسكر المكرر، فانهالت عليه هذه الأشياء، وعمل الناس لها كثيرا من قلائد الذهب وأطواق الذهب، وصار الأمراء والأعيان يرسلون الشيء الكثير من ذلك، وفتن الناس بها، وأرسل الأمير عبد الله كتخده للشيخ يلتمس منه حضوره بالعنز ليتبرك بها هو وحريمه، فركب الشيخ بغلته والعنز في حجره وأمامه الطبول والبيارق وجموع الناس، فلما وصل إلى البيت دخل بها على الأمير في مجلسه، ومعه كثير من الأمراء فتبرك بها وأرسلها إلى الحريم، وكان قد أمرهم بذبحها وطهيها، فأعدت مع الأكل، وجلسوا يأكون والأمير يسأل الشيخ عن طعم لحمها فيقول لذيذ، والأمراء يتغامزون ويتضاحكون، فلما أكلوا وشربوا القهوة طلب الشيخ العنز فأخبر بذبحها فأسقط في يده وبهت، ووبخه الأمير وبكته وأمر أن يعمم الشيخ بجلدها، وأن يذهب به كما جاء بالطبول والزمور، وفي ذلك قال الشاعر:
ومن أعجب الأشياء تيس أراد أن
يضل الورى في حبها منه بالعنز
فعاجلها من نور الله قلبه
بذبح وأضحى الشيخ من أجلها مخزي
العواطف:
يتميز المصريون بحدة عواطفهم في مآتمهم وأفراحهم، وأنهم تتحكم فيهم عواطفهم أكثر مما يحكمهم عقلهم، ففي المآتم يهيجون حزنا، وقد يلطمون، وقد يصبغون وجوههم وأيديهم بالنيلة، ويأتون بالمعددة تهيجهم، ثم الخروج إلى القرافة والاحتفال الشديد بها، والمظاهر المتعددة فيها، ثم نصب الخمسان في أيام الخميس، وفي الأربعين، وفي كل موسم وعيد، مما لا ينتهي، على حين أنك ترى الأوروبي فلا تشعر أنه قد مات له ميت.
وفي الأفراح تقام الولائم يستدعى تخت المغنين، والمغنيات، وتمد الموائد إلى زفة العروس، وحفلة السبوع والصباحية إلى غير ذلك.
وقد يسبب هذا التغالي في المآتم والأفراح الفقر والبؤس، ويتحملونها في صبر.
ومن مظاهر شدة العواطف الاسترسال في الضحك، والاسترسال في البكاء، والتأوه بصوت عال عند سماع مغن أو مغنية، والصوات والزغاريد، حتى لتظهر هذه الحدة في استعمال الشطة في المأكولات، وفي الإعجاب بالممثلين والممثلات، وفي التخريب في المظاهرات، وفي الميل إلى الألوان الصارخة في الملبوسات وغير ذلك.
وأكثر ما يكون ذلك في النساء، فهن يقدرن كلام الناس فيهن أكثر مما يقدرن الحجة المنطقية ويتأثرن بالخبر السار أو المحزن أكثر مما يتأثر الرجال، وتظهر حدة عواطفهم في الأغاني والأشعار، فهي مملوءة حزنا وضنى على الهجران، ومرحا وسرورا للوصال، وربما كان هياج العواطف أكبر سبب للتخريف، فالعواطف إذا هاجت التمست كل سبيل للوصول إلى الغرض.
عوج بن عنق:
اسم مشهور دائر على ألسنة العوام، يقولون في وصف من كان طويلا: «أطول من عوج بن عنق»، ولهم في وصفه خرافات غريبة، منها أنه كان يمد يده إلى قاع البحر المالح فيأخذ منه السمك الكبير، ثم يمد يده إلى الشمس فتنضج السمكة من حرارة الشمس.
وقالوا: إنه كان في زمن الطوفان، فكان يمشي في الماء بجانب سفينة نوح، وقالوا: إنه مرض ذات مرة ونام، فكانت القوافل تمر عليه فيقول لها: إن بلغتم رجلي فانظروا ما الذي يخربشني فيها، وقالوا: إنه كان في زمن موسى فأراد موسى أن يضربه، فاضطر إلى أن يرتفع عن الأرض أربعين ذراعا، وله عصا طولها أربعون ذراعا أيضا، وغير ذلك من الأساطير.
وكلمة عوج عبرانية، معناها طويل العنق، وقالوا: إنه اسم لملك كان جبارا، أطول من المعتاد، وقد انهزم في موقعة دموية، واقتسم بنو إسرائيل ملكه.
وقال الشاعر:
ليس حبيب قده دونه السمر الرقاق
أعور الدجال يمشي خلف عوج بن عناق
وقد اضطر الشعر إلى أن يحور عنق إلى عناق، وقد كانت أخبار هذا الرجل من الإسرائيليات التي دخلت في تفسير القرآن.
العونة:
العونة السخرة، كأنهم يتعاونون في عمل الشيء، كالعونة في المحافظة على الجسور وتطهير الترع، وكانت هي الأخرى سببا في ظلم الفلاحين من العمد ومشايخ البلاد، والفلاح يعمل في هذه العونة أو السخرة من غير أجر، وأحيانا تكون العونة لمصلحة عامة، ولكن في مزرعة غني أو كبير، فمن عليه العونة يخرج في الصباح ومعه أيضا أكله وبهائمه للعمل فيما كلف به، وطريقتها أن ينادي الخفير في الصباح: «العونة يا فلاحين، العونة يا بطالين ...» فيخرجون ويوجههم الخفير إلى حيث يعملون، وفي بعض البلاد تفرض العونة على البيوت، ويقال على البيت الفلاني رجل، وعلى البيت الفلاني رجلان، والأسرة التي في البيت حرة في اختيار من يشتغل، وأحيانا يستخفي من عليه العونة، ويخرج من البلد أحيانا في زي امرأة أو يختفي في الفرن ... وأكثر ما تكون العونة في بلاد الوسية؛ أي البلاد التي فيها أراضي الملاك الكبار من تفاتيش وعزب وغيرها، والعونة كانت من أكبر مصائب الفلاحين، وتتهددهم دائما بالظلم والقسوة، وكلما كان الفلاح عديم الملك أو قليل الزرع كان أكثر عرضة للعونة، وهو دائما خائف مرتعب أحيانا من حضور ميعاد المال ومن الكاشف ومن الصراف وغير ذلك، ولذلك قال بعضهم:
هم الفلاحة حيرني
كل ساعة في نقصان
ما أنفك من هم الوجبة
لما ييجي مال السلطان (انظر سخرة، وانظر أيضا وجبة).
عهد:
العهد في اصطلاح الصوفية الميثاق الذي يأخذه الشيخ على المريد؛ فيقول للمريد إنه أخذ العهد، وللشيخ إنه أعطى العهد للمريد، وهو علامة على الدخول في طريقة من الطرق الصوفية كالبيومية، والسعدية، وبعد العهد يترقى المريد إلى مرتبات مختلفة حتى يصير قطبا.
وبعد أخذ العهد يأخذ عن الشيخ الأوراد، ويسير في الحياة وفقا لما يأمره به الشيخ، وإذا أخذ عهدا على طريقة عد من العيب أن يأخذ عهدا على طريقة أخرى؛ كمن كان شافعيا لا يصلح له أن ينتقل إلى الحنفية وهكذا.
وقد أخذت هذه الطريقة الأحزاب السياسية فمن انتسب إلى حزب لا يصح أن ينتسب إلى حزب آخر معه.
العيش:
اسم يطلقونه على الخبز وهم يجلونه كثيرا، فإذا رأى أحدهم قطعة من الخبز نحاها بجانب الحائط، وربما قبلها قبل ذلك؛ ولا يستحلون أن يدوسوا عليه، ويكنون بالعيش والملح عن شدة الروابط، فيقولون أكلت معه عيش وملح، وإذا لم تنفع الصداقة قالوا: «يخونه العيش والملح.»
عيشني النهارده وموتني بكره:
تعبير يعني أنقذني اليوم وليكن غدا ما يكون.
عيطت من كل عين حفان:
تعبير يعني بكت بكاء كثيرا، حتى إن دموعها تملأ حفنة اليد.
العين:
العين إذا رفت فإنهم يتشاءمون بهذا إذا حصلت من إحدى العينين، ويتفاءلون إذا حصلت من الأخرى؛ ومن ذلك الأغنية المشهورة اليوم: «عيني بترف يا حبة عيني»، ويقولون إذا رفت عينه: اللهم اجعله خيرا، ومن ذلك أيضا خدر الرجل، فهم يزعمون أن الرجل إذا نملت، دل ذلك على أن صاحبها سيسير سيرا طويلا.
وتطلق العين أولا على الحسد، فيقولون للمحسود: «أصابته عين»، ويعتقدون أن بعض الناس في عينه قدرة على الحسد تؤذي من أصابته، ويداوون ذلك بالتعاويذ والبخور والأحجبة، ويقولون في أمثالهم: عين الحسود فيها عود، وكلمة العين تستعمل في الغناء كثيرا، فيقولون: يا ليل يا عين، وينوعون نغمتها أنواعا كثيرة. (انظر حسد وأحجبة وبخور).
عين الصيرة:
هي عين مالحة مرة بالقرب من الإمام الشافعي، يعتقد المصريون أن من اغتسل فيها شفي من الأمراض، ببركة الإمام.
والحقيقة أن العين ذابت فيها بعض مواد كيميائية، من المواد التي مرت عليها فجعلتها صالحة لشفاء بعض الأمراض، وخصوصا الجلدية، وخصوصا أيضا طينتها التي تركزت فيها هذه المواد، فإنهم عادة يأخذون هذه الطينة ويضعونها على العضو الذي أصيب بالآفة فيمتص كثيرا من السوائل الضارة فيبرأ المريض.
عينك ما شافت إلا النور:
دعاء لمن يخاطب، بأن عينه لا تقع إلا على ما يسرها.
العين ما تعلاش على الحاجب:
تقال في الرجل يتواضع ويتكلم بكلام يدل على أنه أصغر ممن أمامه وأحقر، فيقول له: العين ما تعلاش على الحاجب؛ أي إن الذي يكلمه حاجب، وهو عين، فهو أرفع.
العينة بينة:
تعبير يعني نموذج الشيء يدل على ما تحته.
عينه شيش بيش:
تعبير يعني أنه لا يرى إلا قليلا.
عينه مبظظة:
تعبير يعني جاحظة.
حرف الغين
غاب القط العب يا فار:
تعبير يقولونه عند غياب من يخاف منه، ثم استهتار من يشرف عليه الذي غاب.
الغابة:
تصدق على الجوزة التي يشرب فيها التمباك أو الحشيش، ومن الأغاني جوزة من الهند ومركب عليها غاب، وإذا دخلت قهوة بلدية وجدت جوزات صغيرة وكبيرة بغابها معلقة في صدر القهوة.
ومن الغاب نوع يسمى الغاب الإفرنجي، متين يستعمل لوضع جنب الفاكهة والخضراوات عليها.
وقد يسقف الفلاحون بيوتهم بالغاب بدلا من عروق الخشب لفقرهم.
ومنها ما يستعمل في اصطياد السمك إذا كانت طويلة، فيركب عليها سنارة ويصطاد بها (انظر جوزة وتعميرة).
غاباني:
يقولون شال غاباني، وأصله ياباني؛ لأن أهل مكة يسمون يابان غابان.
الغراب:
طائر أسود يتشاءمون منه ومن صوته ومن أمثالهم «إيش جاب الغراب لأمه»؛ أي إنه لم يأت لأمه إلا بالشر، وربما كان موروثا عندهم من العرب؛ إذ كانوا يتشاءمون منه، ويقولون: أشأم من غراب، ويسمونه غراب البين بدعوى أنه يفرق بين المحبين، وقد قال الشاعر العاقل:
ما فرق الأحباب بعد الله إلا الإبل
وما غراب البين إلا ناقة أو جمل
ولو كان الشاعر عاش في زمننا لعد من مفرقات الأحباب السفينة والوابور والطيارة.
الغربال والمنخل:
كان الغربال والمنخل منتشرين أيام كانوا يخبزون في بيوتهم، كان أهل كل بيت غني ومتوسط يخزنون القمح، وكلما احتاجوا غربلوا وطحنوا ونخلوا، وهكذا، يأتون بالقمح فينقونه من الطين والزوان، ثم يغربلونه ليخرج منه ما ليس بصالح، ثم يرشون عليه قليلا من الماء، ويرسلونه إلى وابور الطحين ليطحن، ووابور الطحين شيء جديد في مصر، فقد كانوا قبل ذلك يستخدمون طواحين البيت أو طواحين الهواء، تجدها منتشرة في كل مكان، فإذا أفرز الدقيق الناعم من دقيق السن من النخالة بواسطة المنخل، ويأتون بالدقيق الناعم فينخلونه مبالغة في جودته.
والمنخل عادة أدق مسام من الغربال، والغربال لتنقية القمح، أما المنخل فلتنقية الدقيق، والمنخل طارة يركب عليها إما سلك فيسمى منخل سلك، أو شاشة رقيقة دقيقة فيسمى منخل حرير، ويسمر السلك أو الشاشة بمسامير دقيقة.
أما الغربال فيعمل من طارة أكبر ويركب عليه خيوط تعمل من الغراء في الأغلب، وإذا ارتخى الغربال من الرطوبة أو نحوها مرر على نار هادئة أو شمس حامية فيشتد ومن كثرة استعمالها كان هناك حي يسمى المغربلين، وحي آخر يسمى المناخلية.
وكثيرا ما يدور البائعون في الحارات ينادون على الغربال بقولهم: «يا طالبة الغربال يا عاوزة الغربال» وعلى المنخل بقولهم: «المنخل الحرير العمولة»، ومعنى العمولة أنه مصنوع صنعا جميلا، ويشبهون الرجل الذي لا يحفظ السر أو المرأة كذلك بالغربال فيقولون: زي الغربال، ما يحفظش سر.
وهو مثل عربي قديم، قال الحطيئة:
أغربال إذا استودعت سرا
وكانونا على المتحدثينا
ومعنى الكانون هذا الذي نطبخ عليه، فقد وصفها بأنها إذا تحدثت كانت ثقيلة على المتحدثين؛ لأن الكانون عندهم كان عبارة عن حجرين، والحجر الثالث هو الجبل، ولذلك سموه ثالثة الأثافي، فالكانون بذلك الوضع أثقل من الجبل، أما الكانون في عصرنا فكان إطارا من حديد، له قاعدة يوضع فيها الخشب أو الفحم ثم يشعل الخشب أو الفحم بواسطة بعض الورق أو بواسطة قطع صغيرة من خشب سريع الالتهاب يسمى الإشراء، وكان يدار به أيضا على البيوت، وبعد ذلك عمل كانون من نوع آخر، وهو عبارة عن إطار من حديد وضع حول الإطار طين محروق أدخل في النار حتى احترق، فكان بذلك قابلا لأن يوضع فيه ما يحترق، وقد استعمل هذا الكانون عندما استخدم للطبخ ونحوه بقايا الفحم الحجري المسمى «بفحم الكوك»، وكان العجائز لا يحببن الطبخ عليه؛ لأنه يسرع في نضج الطعام، وعندهن أن الطعام إذا طبخ على نار هادئة أو في الفرن كان ألذ، ثم استغني عن كل ذلك بوابورات الجاز.
ومن الأمثال الشائعة: «يا مأمنة للرجال يا مأمنة للمية في الغربال»، يضربونه للدلالة على عدم الثقة في الرجال، فقد يمكث الرجل مع زوجته ما شاء أن يمكث، ثم يلوف بغيرها على حد تعبيرهم، وكذلك أيضا: «الغربال الجديد له شدة»، يعنون لذة الأشياء الجديدة (كالجزمة والبدلة).
غرض الأهتم:
تعبير يعني أنها تناسب من لم يكن له أسنان يقولونها للتحبيب في الذرة والدلالة على أنها لينة وكذلك في أمثالها ، ومثلها غرض العجايز.
الغريبة:
هي نوع من الكعك يصنع من دقيق وسمن وسكر، ويكثر فيه السمن، ويقدم عادة في المواسم والأعياد، وتتفنن الطبقة العليا فيها فتضع في وسطها لوزة مقشورة، وللشيخ حمزة فتح الله حكاية مع الغريبة عندما أخذها معه في السفر إلى مؤتمر المستشرقين، فقد وضع عليها جمرك كبير؛ لأن الأوروبيين لا يعرفونها، تفتت من كثرة النقل والحركة، فأتلفت ما في صندوقه من جبب وقفاطين؛ وأخيرا اضطر إلى أن يشحنها إلى مصر مرة أخرى بواسطة شركة كوك.
وقد حكى قصته عبد الله باشا فكري في رسالته في المؤتمر.
الغزال:
يكثر هذا النوع من الحيوان على حدود الصحراء المصرية، وقديما تغزل فيه العرب، وخصوصا في عينه ورشاقته، وأكثروا من القول في شعرهم في هذا، وهو يتغذى بالأعشاب الصغيرة التي تنبت في الصحراء؛ وقد برع العرب البدو في مطاردته واصطياده بالبندقية أو بالصقر أو الكلب، وبعض الأغنياء يتخذون صغار الغزلان الوحشية في بيوتهم للتجميل فلا تلبس أن تستأنس، وأعرف صديقا لي كان عنده غزالة كانت تأنس به، ومن غريب الأمر أنها كانت تألف الدخان، فإذا أشعل أحد سيجارة جاءت بجانبه تشم رائحته، وأحيانا يطعمها بعض السجائر فتأكله في لهفة.
ومن أمثالهم «القرد في عين أمه غزال» ويقصدون أن شكل القرد القبيح جميل في عين أمه؛ أي إن الأم ترى ابنها جميلا مهما قبح، ومن غريب الأمر أنهم يسمون الجن والجنون غزالة، فيقولون: «طلعت عليه الغزالة»؛ أي جن، وفلان عليه غزالة؛ أي يعتريه أحيانا جنون.
غصبا عني:
تعبير يعني بالإكراه.
غنى على خراب عشه:
تعبير يعني أنه ما زال يغني، حتى خرب عشه، تقال للرجل صاحب الحظ، ظل يغني حتى خرب بيته.
الغول:
حيوان خيالي، وإذا كان مع الإنسان سلاح وضربه به، فإنه يقتله، فإذا ضربه ثانية يحيا؛ ولذلك إذا كان الضارب عارفا لا يثني الضرب.
وعيون الغول مشقوقة بالطول، إذا حدقت في إنسان خرج منها الشرر، وهو ميراث من القدماء؛ يقول الشاعر:
والغول بين يدي يخفي تارة
ويعود يظهر مثل ضوء المشعل
بنواظر زرق ووجه أسود
وأظافر يشبهن حد المنجل
ويسمي العامة أنثى الغول (سلعوة)، والعامة في كلامهم يشبهون من يأكل كثيرا بالغول، فيقولون - إنه - يأكل زي الغول.
الغيرة:
الغيرة عند المصريين قوية، وخصوصا في الصعايدة، فهم يتململون إذا سمعوا أن امرأتهم أو أختهم أو بنتهم تتهتك أو يغازلها أحد، ويجن الصعيدي إذا سمع مثل ذلك، وكثيرا ما يئول الأمر إلى قتل من اتهمت بذلك، وقد قلت كثيرا مع المدنية.
وفي الصحف كل يوم أخبار عن القتل بسبب الغيرة، وهم يعتقدون أن المرأة أو الفتاة إذا قشرت بصلا فدمعت عيناها دل ذلك على شدة غيرتها، وليست الغيرة مقصورة على المرأة، بل قد يغار الرجل من زميله إذا اشترك معه في عمله.
فالصائغ يغار من الصائغ، والحداد من الحداد، والكاتب من الكاتب، والعالم من العالم، وهكذا، بل قد تغار المرأة من أختها، خصوصا إذا سعدت أخت وشقيت الأخرى، فإن الغيرة تستولي على الشقية؛ بل إن أكبر سبب في غضب الحماة على زوجة ابنها الغيرة؛ لأنها تغار على ابنها يستولي عليه قلب غير قلبها.
حرف الفاء
الفار:
مقام في شارع درب الحصر لولي اسمه سيدي إبراهيم الفار، وكان له مولد من جنس خاص، ذلك أن العامة تزعم أن من رزق ولدا وأراد أن يعيش يحضر به في مولد الشيخ الفار، ويركبه مع الخليفة «شيخ المقام»، ويجعل ركوبه عادة مستمرة كل سنة لأجل أن يعيش الولد، ولذلك يبعث كثيرا من الناس أولادهم إلى هناك، فيركب الخليفة وحوله كثير من الأولاد وعلى أبدانهم الثياب الملونة، ويلبسون طراطير من الورق بعضها أصفر، وبعضها الآخر أحمر، وبعضها أزرق وتزدحم الطرق، ويسير مع الخليفة أرباب الأشاير والطبول والزمور، وبعض الأطفال يركب حمارا، وبعضهم حصانا، وبعضهم يمشي على قدميه، وتسير أيضا معه أرباب الصنايع من حدادين ونجارين، إلخ كل يركب عربة تمثل عليها أنواع الصناعات، وقد شهدت هذا المنظر في صغري، فكان منظرا عجيبا، ويكثر الناس للتفرج على ذلك سيما النساء، ويكون اليوم يوما مشهودا.
والفار هو الحيوان المعروف ؛ ومنه فار البيت، وفار الغيط، ويحكون قصصا للحوار بين فار البيت وفار الغيط، مغزاها أن الحرية مع الفقر خير من عدمها مع الغنى، وفار الغيط أبيض سمين، حتى إن بعض الفلاحين يأكله، ويعتقدون أن البيت إذا كان فيه فيران كان فيه البركة، ودلت الفيران على كثرة الخير، وهذا طبيعي؛ لأن الفار لا يألف البيت إلا إذا كانت فيه الخيرات، ويحضر في الذهن كثيرا القط مع الفار، ويقولون: «القط والفار»، ولهم في ذلك قصة مطبوعة، ويحكون قصة تدل على أن ما بالطبع لا يتخلف «اللي فيهش ما يخلهش»، مؤداها أن رجلا علم قططه إمساك الشمع بين يديه حينما يأكل، فلما ظهر فار رمت القطط الشموع وجرت وراء الفار، ويحكون أيضا أن رجلا دعا الله أن يقلب قطته جارية حسناء، فاستجاب الله دعاءه، وكانت تجلس بجانبه تأكل أفخر الأكل فلما رأت فأرا تركت أكلها وجرت وراءه، فقال الرجل: «اللي فيهش ما يخلهش»، ودعا الله أن يعيدها قطة فكانت كما كانت، ومن أمثالهم: «غاب القط، العب يا فار»، يقولونه في الناس غاب من يخوفهم فجروا على هواهم.
فال الله ولا فالك:
تعبير يعني ما عند الله خير.
فتح الكتاب:
يقوم بهذه الحرفة في الغالب المغاربة والسودانيون، فيضعون كتابا تحت إبطهم ويمرون في الشوارع والحارات ينادون «نفتح الكتاب» فإذا جاء إليهم أحد نادوه ففتح الكتاب حيثما اتفق، وقرأ منه ما يدل على تنبؤ بالمستقبل بناء على ترسمه في وجهه، كأن يقول له: «يظهر عليك أنك زعلان من قلة الدراهم وعدم الشغل، لكن الكتاب يقول: إن الضيق سينفرج والغمة ستزول، وإنه سيأتيك مال كثير» ونحو ذلك، وكلما كان الكتاب مخطوطا وقديما كان الناس فيه أكثر اعتقادا، وهو من قبيل الاستخارة وضرب الودع وضرب الرمل. (انظر هذه المواد).
فتح كده في عنيه:
أي إن الغالب على من أتى عملا إجراميا أن يخجل إذا نظر الإنسان في عينه، فيقول له فتح في عيني، ليعرف إن كان أتى بهذه الجريمة أو لا.
فتكرنا القط، جا ينط.
الفتوة:
الفتوة لعبت دورا هاما في حياة الجاهليين والمسلمين؛ وأجمل ما فيها المعنى الإنساني الذي نلمحه.
ولقد نمت الفتوة في ظل الإسلام، وكان منها الكرم والنجدة والضيافة، وجاء الصوفية فاستحسنوا ما فيها من إيثار فزادوا فيه حتى العطف على الحيوان، ففلسفوا الفتوة وتعمقوا في تطبيقها، وأخذ مؤرخو التصوف يزيدون في كتبهم فصلا عن الفتوة، ثم انتقلت الفتوة بالحروب الصليبية إلى نوعين: نوع من الفروسية بديع يظهرون فيه الاحترام للمرأة، وربما نظروا إلى جمالها على أنه تقديس لها وإعزاز لشأنها؛ ونوع ثان عماده الكرم من إيواء الضيوف وبناء مستشفيات وإنشاء الزوايا والوقف على الفقراء والمساكين إلى غير ذلك.
وعلى الجملة فقد كان في الفتوة معنى إنساني جميل، ولكن مع الأسف طغت المدنية الحديثة التي لا تعرف كرما ولا سماحة وقضت على عوامل الكرم والسماحة إلا في القليل النادر، والفتوة في عصرنا انتقلت من اسم معنى إلى اسم ذات، فالفتوة شاب يلبس جلبابا ويتعمم بلاسة.
وقد يرأس شبان حيه في محاربة الحي الآخر، فيتواعد الطائفتان على الخروج إلى جبل الجيوشي مثلا ويتحاربون بالحجارة والعصا طويلا؛ ومن غلب منهم توعد بالغلبة في يوم آخر، ولا تخرج الزفة من حي إلا إذا حماها فتوة الحي خوفا من تعدي فتوات حي آخر عليها، والفتوة عادة تكون له امرأة عشيقة يحميها، فلا يجسر أحد أن يتعرض لها، ولهم لغة خاصة مثل التلاموذ، والجبا، ونحو ذلك، وقد رأينا أن الشيخ حسن الكفراوي لما اضطهد بعد قتل صديقه الشيخ صامودا لجأ إلى فتوة الحسينية وتزوج ببنته ليحتمي به فحماه.
الفراسة:
يعتمد المصريون كثيرا في أعمالهم على الفراسة، فهم ينظرون إلى بعض الوجوه، فيقولون هذا الوجه سمح يستبشرون به، وهذا الوجه عبوس يتشاءمون منه.
ولهم في ذلك ملكة عجيبة، فمثلا يستدلون من الخجل وتورد الخدود على أن صاحبه لطيف الخلق، لطيف الشعور، وبروز الوجنة، وهو ما يسمونه كرسي الخد، يستدلون منه على شدة الطبع والدفاع عن النفس والأهل، والأنف الأشم دليل العظمة وعلو الهمة والإقدام؛ وهذا بعكس الأنف الأفطس، والشفة الغليظة البارزة الحمراء، دليل السخاء وكبر النفس، وأحيانا تكون دليلا على حدة الشهوة الجنسية والشفة الرقيقة دليل على الاستعداد للحب الشديد والذوبان فيه.
وقد كان لي كتبي جاء إليه رجل يطلب كتابا فقال له: ليس عندي، ولمحت الكتاب أمامه على مكتبه، فقلت له: كيف تقول ذلك؟ فقال: إني أعرفه من فراستي فيه، فاستنكرت ذلك عليه، وقام يجري ونادى الرجل وما زال يساومه، وأخيرا مضى ولم يشتر، فالتفت إلي، وقال: هل صدقت؟
ولبعض الناس مقدرة عجيبة على صدق الفراسة، فيتفرس في رجل أنه كريم أو بخيل، شجاع أو جبان، وربما كان تنبؤ كثير من العرافين مبنيا على صدق الفراسة.
فرجية:
هي جبة واسعة طويلة الأكمام، وهذه الأكمام غير مشقوقة، وهي عادة لباس رجال الدين، وربما نسبت إلى السلطان فرج أحد سلاطين المماليك.
يلبسها العلماء عادة في الحفلات الرسمية كالمحمل، وقد تحلى بسلوك من الذهب تركب على يديها وظهرها، ويشترك أيضا رجال الدين الأقباط في لبسها سوداء هي والعمامة.
الفرح:
الفرح يطلق على معنين: فرح بمعنى السرور، وهو يؤثر في الشخص أثرا كبيرا حتى قد ينقلب إلى بكاء؛ وفي ذلك المعنى تقول الشاعرة:
غلب السرور علي حتى إنه
من فرط ما قد سرني أبكاني
وقد يبلغ فيه حد التأثر لدرجة الإغماء، حكى لي شيخ أن رجلا صحب أوروبيا جاء إلى مصر، ورغب الأوروبي في تعلم العربية فعلمه، وتلازما مدة طويلة ثم سافر الأوروبي إلى بلاده، وفي ذات يوم بعد عشرين سنة جاء رجل من بنك الكريدية ليونيه يسأل عن الشيخ
1
فدلوه عليه، فأحضره هذا السائل إلى البنك، وأدخله على المدير وسأله اسمه وصنعته فأخبره، فقال له المدير: «أتعرف فلانا؟» فقال: «نعم، إنه كان صاحبا لي منذ عشرين سنة»، قال المدير: إنه قد أوصى لك بألف جنيه، فدهش الشيخ وامتلأ سرورا وفرحا، فلما عد له المدير مائة جنيه قال له الشيخ: دعها إلى الغد، ثم حضر تاني يوم فلما عد المدير خمسمائة قال له الشيخ: دعها إلى الغد؛ فلما حضر في الغد واستلمها وأراد أن يخرج قال له المدير: فسر لي هذه الحركات، قال له: إني عشت طول عمري لم أقبض أكثر من خمسة جنيهات، فلما عددت لي في أول مرة مائة، كاد يغمي علي، فاستمهلتك، وهكذا.
وقال لي صديق آخر إنا كنا نعرف رجلا فقيرا يعيش من كسب امرأته، وهي تشتغل غسالة في البيوت، وقد مات قريب له وورث نحو الستمائة جنيه، ففصل عشر بدل له والبدلة عبارة عن جبة وقفطان، ولباس وصديري وقميص، ورمى ثوبه المهلهل وأخذ يدعو أصحابه ويقيمون الأفراح في غناء وخمر وحشيش، ثم دعا أصحابه وذهب إلى المحطة يزعم أنه سيحج، وليس الوقت وقت حج، وبعد غياب شهر أرسل إليهم تلغرافا بأنه حج وعاد فاستقبلوه على المحطة بالزفة وأقاموا الأفراح والليالي الملاح، حتى نفدت نقوده، وتخلى عنه أصحابه، وعاد إلى ثيابه المهلهلة، وهذا من تأثير الفرح.
وتطلق بالمعنى الثاني على النصبة التي تنصب لإقامة الزواج ونحوها، فتدوم أكثر من ليلة، بعضها للمغنين وبعضها للتمثيل، إلخ ... ويسمون ليلة الزفاف الليلة الكبيرة، ومن أقوالهم: جت الحزينة تفرح ملقيتش في القلب مطرح، وقولهم: فرحة ما تمت، تقال للخير لم يستكمل، كقول الشاعر:
ما أقبح الخير تؤتاه فتحرمه
قد كنت أحسب أني قد ملأت يدي
وقولهم كل نومه وتمطيطه، أحسن من فرح طيطه تقال عندما يراد الانصراف عن الشيء والالتذاذ بالكسل.
الفرح باين على عينه:
تعبير يعني أن عينه تلمع لمعة الفرح.
فرشت الملاية:
تعبير يقال للمرأة الغجرية إذا ردحت، وقد يقال للناس المهزئين إذا ردح بعضهم لبعض.
فرغ الهذار ما بقي إلا الجد:
تعبير يعني ذهب وقت الهزل ولم يبق إلا الجد.
الفرقة كانت على عينه:
يقولون الشيء دا حصل، وكان على عيني؛ أي تألمت له وكان غصبا عني.
الفروة:
إذا كان الخروف طويل الشعر اعتنوا به عند ذبحه، فسلخوه ودبغوا جلده المسلوخ، واستخرجوا من ذلك فروا يطول شعرها أو يقصر حيثما اتفق، فإذا دبغت اتخذوها فراشا يجلس عليه المترفون، وكان الأغنياء من المجاورين يجلسون عليها بدل الحصير.
والآن يتخذها بعض الأغنياء تحت أرجلهم في السيارات وكنا ونحن في الكتاب نسمع فيها لغة رمزية، فيقول الأب لسيدنا: إذا عمل الولد عملا لا يرضي أباه: نفض له الفروة؛ أي اضربه علقة.
ويسمي العامة الثمر المعروف، ب «بلوط شاه» أبا فروة.
فزورة:
هي بمعنى اللغز، وهي باب ظريف من أبواب السمر كالحواديت، فعندما يسمرون يتبادلون هذه الفوازير، وذلك مثل فزورة الكتابة: «قد السمسمة وتجيب الخيل ملجمة»، وألغازهم في البيضة بقولهم: طبق رخام عليه زغفران حلف ما يتاكل إلا بالكلام، وهو رمز لبياض البيضة وصفارها، وأنها لا تؤكل إلا بالملح، وعلى هذا القياس.
الفستان ده شفتشي:
تعبير يعني أنه رقيق يكاد يبين ما تحته.
فسقية:
حوض ينشأ في الحديقة، أو في الميادين العامة، أو في ساحة الدار، وربما كانوا ينشئونها في الأصل على شكل فستقة، ويسمونها الفستقية، فحرفها العامة إلى فسقية وإن كانت فيما بعد قد تكون مدورة.
الفسيخ:
هو سمك يؤخذ ويصف راقات بعضه على بعضه، ويوضع على كل صف مقدار كبير من الملح، وخيره ما كان من نوع سمك البوري، ثم يضعون من فوقه حجرا فينزل منه ماؤه، ثم يضمر ويصلحه الملح، ونوع آخر يسمونه الطوبار، وهو مشهور جدا عند أهل الأرياف؛ وكثيرا ما تجد الفلاح وهو ماش في الطريق بيده اليسرى فسيخة، وبيده اليمنى رغيف، يقطم من هذا قطعة ومن ذلك قطعة، وتحبه النساء كثيرا، ونساء المدن يصلحنه بوضع زيت وخل، أو زيت وليمون عليه، وهو يشحن إلى القاهرة في المراكب، واشتهر في القاهرة الفسيخ النبراوي، نسبة إلى نبروه قرب شربين، ومن أمثالهم إذا رأوا رجلا يسلم على آخر فسلم عليه في ازدراء واحتقار «سلم عليه كسلام الماوردي على بياع الفسيخ»، وهو يؤكل كثيرا في يوم شم النسيم، وقد اعتاد المصريون أكله في ذلك اليوم، ولذلك يستعد بائعو الفسيخ لهذا اليوم استعدادا كبيرا، وخير ما يؤكل أن يؤكل معه البصل الأخضر، وكما يؤكل الفسيخ في شم النسيم يؤكل السمك البكلاه في العيد الصغير، والسمك البكلاه هذا عبارة عن نوع من السمك الكبير شرح وجفف.
ومن الفسيخ نوع يوضع في مش ويخزن في بلاص مدة طويلة، وقد اشتهرت به أسيوط وما حولها، ولكن يسمونه (الملوحة) لا (الفسيخ)، وهو مؤذ في الصيف على الخصوص؛ لأنه يحوج أكله إلى شرب الماء الكثير، ولذلك كان في الشتاء أسهل منه في الصيف، ومن أمثالهم أيضا «يعمل من الفسيخ شربات» يقال للماهر يستخرج الشيء من ضده، وقد يهدد أحدهم آخر بقوله: «أفسخك».
فش غليله:
محرفة عن شفى غليله.
فص لمونة:
يسمون كل جزء من الليمونة أو من البرتقالة فص لمونة أو فص برتقال.
فص ملح وداب:
يستعملونها في الدلالة على أنه اختفى كما يختفي فص ملح يذوب؛ أي اختفى فجأة!
فضلت أهري وانكت لما جه:
تعبير يعني بقيت في حالة قلق إلى أن جاء.
فضل يبستفه لما قال بس:
تعبير يعني أفرط في تقريعه.
فضل يحتيه لما كل مخه:
يحتيه: أي يدحلب عليه، ويحتيه من الحاتي، وأصل الحاتي عائلة مصرية اشتهرت بصنع الكباب والكفتة، فسموا كل صانع لهذا الصنف بالحاتي ثم اشتقوا منه حتى ويحتي.
فضل يزغر وينفخ:
تعبير يعني نظر إليه شذرا، ونفخ نفخ الغضب.
فضل يصفح ويصلح:
أصلها من استعمال المراكبية، والصفح والتصليح مجاراة الريح في سير المراكب، فلا يسير مستقيما إذ يعاكسه الريح فيميل بالمركب ميلة تبع الهواء، ثم يميل بها مرة أخرى ليستطيع السير، ثم استعملت في الأمر المعقد يحاور فيه ويداور حتى يحل.
فضها سيرة:
تعبير يعني لا تذكر هذا الشيء، ولا تستمر في الحكاية عنه.
الفقر حشمة والعز بهدلة:
تعبير يعني أن الفقر يحشم صاحبه، فلا يجعله يختال أو يتبهرج، أما العز أو الغنى فيجعل صاحبه يغالي في بهرجته وزينته.
فقعت بالصوت:
تعبير يعني صوتت.
الفقي:
ينطونها بالهمزة وكسر الفاء، وقد كان الفقي في عهدنا يقوم بأعمال كثيرة؛ فهو يقرأ كل يوم صباحا جزءا من القرآن، في البيوت، ثم قام بدورهم هذا «الراديو»، وهم يدعون أيضا لقراءة جزء من القرآن، على القبور، وهم يعلمون أيضا الأطفال القراءة والكتابة في الكتاتيب، وهم لا يحسنون شيئا إلا حفظ القرآن، وكثيرا ما يكونون من العميان، وهم يدعون للقراءة عادة بالليل على الميت حتى يدفن، وإلى قراءة عدية يس والختمة ونحو ذلك من الشئون الدينية ومنهم من يحترف أيضا كتابة الأحجبة والتعاويذ السحرية، ومنهم من شدا شيئا من الفقه فيكون (مأذونا) يعقد عقد الزواج ويحرر ورقة الطلاق، ويقولون لمن تزمت وتشدد وكان ثقيل الروح: «فقي» و«بلاش فقهنة.»
الفكاهة:
اشتهر المصريون بالفكاهة الحلوة والنوادر المضحكة، وخصوصا أهل القاهرة وأهل رشيد، ولهم طابع خاص في نكتهم، وهذا الطابع يعتمد على الألفاظ واللعب بها والتورية أكثر من الذكاء.
مثال ذلك أن الشيخ علي الليثي كان إمام الخديو، وكان شاعره ومضحكه، وكانت له حجرة في القصر خاصة به، فداعبه رجل يسمى أحمد خيري باشا مهردار؛ أي حامل الخاتم لإسماعيل باشا، بأن كتب على باب حجرة الشيخ علي الليثي: «إنما نطعمكم لوجه الله»، فأدرك مغزاها الشيخ علي الليثي فقال فيه هذا الزجل:
كان لي طاحونة جو الدار
تدور وتطحن ليل نهار
دورت فيها التور عصي
علقت فيها المهردار
وقد كان محمد بك عثمان جلال زجالا كبيرا ملأ الناس بالفكاهات اللطيفة في عصره، مثل قوله لرياض باشا:
الخير عم الناس وفاض
ما حد إلا واستكفى
إلا أنا يا سيدي رياض
وقعت من قعر القفة
وكقول بعض الظرفاء:
كل شيء في مصر يوجد
إلا قهوة سي خليل
الكيوف فيها نضيفة
والحشيش مالهوش مثيل
وكانت قهوة خليل بشبرا يقصدها ذوو الكيوف ومنهم بعض الذوات.
وقد اشتهر جماعة من القاهريين بالنكت حتى لقد هممت أن أضع فيهم كتابا مسلسلا لهم، ذاكرا لهم أشهر نكتهم، من أولهم ابن دانيال وهو صاحب كتاب «خيال الظل» وقد ترجمنا له، ويليه ابن سودون، وله كتاب مطبوع على الحجر مملوء بالنكت اللطيفة، اسمه «نزهة النفوس ومضحك العبوس»، ثم الشيخ الشربيني مؤلف كتاب «هز القحوف، في شرح قصيدة أبي شادوف»، ثم الشيخ حسن الآلاتي مؤلف كتاب مضحك العبوس، وقد أخذ الاسم من ابن سودون.
وقد كانت له قهوة في حي السيدة سكينة سماها (المضحكخانة) يقصدها الناس من كل فج، ثم توفيق صاحب «حمارة منيتي»، ثم أحمد فؤاد صاحب الصاعقة، ثم المحدثون المعاصرون فما أجدرهم بالتاريخ.
وفكاهات المصريين أنواع، منها التندر على الفلاحين، والسخرة بالنحو، وقد اشتهر بها الشيخ الشربيني، ومنها المفارقات وقد اشتهر بها الشيخ حسن الآلاتي، وهكذا ... وقد كان في القاهرة شابان أرادا أن يتضاحكا على أدباء عصرهما بتلقيب كل منهم لقبا مضحكا، فسميا الساعاتي الأديب «ديك الجن»؛ لأنه كان دقيق الرقبة، ولقبا أديبا ذا لحية مدبة بابن مكانس، مع أن الأصل ضم الميم، وسميا الشيخ إبراهيم الدسوقي وكان ضخما عالي الصوت في الضحك «مهيار الديملي»، ولقبا أديبا كان ينطق بالصاد نطقا عجيبا فيه صفير، فقالا: إنه خير من نطق بالصاد، وأخيرا سمى أحدهما الآخر «الشاب الظريف». (انظر ذوق).
الفلاح:
هو ذلك الرجل من أهل الريف، يفلح الأرض ويزرعها، ويقول صاحب «هز القحوف»، في شرح قصيدة أبي شادوف: «إن أهل الريف طبعهم كثيف، وأخلاقهم رذيلة، وذواتهم هبيلة، ونساؤهم مزعجات، وذلك من كثرة معاشرتهم للبهائم، وملازمتهم لشيل الطين، وعدم اختلاطهم بأهل اللطافة، وامتزاجم بأهل الكثافة، كأنهم خلقوا من طينة البهائم كما قال الشاعر:
لا تصحب الفلاح لو أنه
نافجة أرباحها صاعدة
ثيرانهم قد أخبرت عنهم
بأنهم من طينة واحدة
فهم ملازمون للمحراث، دائرون حول الزرع، غاطسون في الجلة والطين، غير مكترثين بالصلاة والدين، لا يعرف الواحد منهم غير الساقية والفارقلة، وشيل الطين والجلة، والعياط والغارة، والطبلة والزمارة إذا أقاموا أفراحا، لا تكون إلا بالعياط والصياح، وشاهدنا كثيرا من أفراحهم، وما يقع فيها من عدم نجاحهم:
إن حصل منهم الكرم بالاضطرار
يكون العدس والبيسار
ووردهم عند الأسحار
التفكر في الغنم والأبقار
وتسبيحهم في الظلام
هات النبوت والخزام
وحط العلف
هات الكلف
قال الشاعر:
أهل الفلاحة لا تكرمهم أبدا
فإن إكرامهم في عقبه ندم
يبدوا الصياح بلا ضرب ولا ألم
سود الوجوه إذا لم يظلموا ظلموا
لهم أسماء كأسماء العفاريت: كبرغوث، وزعيط، ومعيط والعفش، ومن عادتهم أن يسموا بالاسم الذي ينطق عند ولادة الولد فإذا سمعوا أعمش سموه عموش، وإذا سمعوا هات الزبل سموه زبيلة، وسموا أيضا أبو ريالة وأبو زعيزع وأبو قدح وأبو حشيشة وأبو كنون، وسموا بربور.
ومن أسماء نسائهم: (زعرة) و(بعرة) و(بروة)، ويكنون بأم جعيص، وأم دواهي، وأم بعيص، وترى أولادهم غارقين في الجلة، ينامون في المدود، ويشربون من المترد، عمره في دناسة، وأمه في نجاسه، وإذا درج في الحارة لا يعرف غير الطبلة والزمارة، لعبه حول العجلة، وأكله بجوار الجلة. إلى آخر ما قال. وقد تغير كل ذلك الحال.
وربما يكون متحاملا عليهم؛ لأن كتابه كله من هذا القبيل، وقد يكون غرضه نبيل بأن أراد أن يصف بؤس الفلاح «وفقره» والظلم الواقع عليه في أسلوب فكه، كمن يتحامل عليه، ولم يكن في زمنه من يصف سوء معاملتهم في صراحة؛ والحق أن عيشتهم بائسة، ولم يستطيعوا أن يعيشوا ما يعيشون إلا لأنهم ألفوا هذه العيشة واعتادوها من صغرهم، ولو اعتادوا أول الأمر عيشة فيها شيء من السعادة لما استطاعوا أن يحيوا هذه الحياة.
فنار:
منار فيه مصباح لهداية المراكب عند دخولها الميناء، وربما أخذوها عن الإيطالية؛ لأنها عندهم فانور.
الفل:
زهر أبيض طيب الرائحة، يحبه المصريون كثيرا، ويشبهون به المرأة البيضاء فيقولون: بيضاء وزي الفل، والرجل العامي يغازل المرأة بقوله: «يا فل يا فل»، ومن أقوالهم المشهورة: يا فل يا فل يا غايظ الكل، ومن أغانيهم الحديثة «آدي الورد وآدي الفل»، ويتخذ منه دهن عطري، وأحيانا يتجملون به فيصنعه البائعون على شكل عقد تتجمل به المرأة ويزاحمه في ذلك الياسمين، وإذا كان الخبز «أبيض نادوا عليه بأنه أبيض زي الفل» ويرمزون به للصفاء في الحب.
فنجان القهوة:
يدعون أن ما بقي من القهوة في الفنجان بعد شرب ما فيه يدل على المستقبل، فتمعن من تقرأ الفنجان في الفنجان، ثم تخبر الطالب بأشياء في المستقبل، كأن تقول إنك ستسافر وستنال خيرا في سفرك، وهكذا.
الفول:
من أكثر الأطعمة المصرية، وهو يقوم عند الفقراء مقام اللحم، ومع ذلك يشارك فيه الأغنياء الفقراء، وهم يتفنون فيه وفي صنعه تفننا كبيرا على أشكال مختلفة: أشهرها الفول المدمس، وطريقة صنعه: أن يوضع الفول الناشف في «قدرة» ويوضع معه الماء بمقدار مناسب، وذلك بعد أن ينقى من الحصا، ويترك على نار هادئة طول الليل تقريبا، ثم يأخذه البقالون ليبيعوا منه بقرش أو نصف قرش، ومن يشتريه يضع عليه الزيت والليمون أو المسلي أو الزبدة، وأحيانا توضع عليه القشطة والمترفون يقشرونه قبل أن يأكلوه، وهو الفطور المعتاد لأهل مصر تقريبا مع اللبن، والإقبال عليه في الشتاء وفي رمضان أكثر.
ومن أمثالهم: «هو كالفول البارد البائت من غير ملح ولا سمن» وقد قالوا فيه مواويل ظريفة منها:
قالوا تحب المدمس
قلت بالزيت حار
والعيش لابيض تحبه
قلت والكشكار
قالوا تحب المطبق
قلت بالقنطار
قالوا اش تقول في الخضاري
قلت عقلي طار
فرد عليه الآخر يقول:
قالوا تحب المدمس
قلت بالمسلي
والبيض مشوي تحبه
قلت والمقلي
وقد شرحها بعض القوم شرحا صوفيا ولا داعي للإطالة.
ويستعملون من الفول الطعمية وطريقة صنعها أن يبل الفول طول الليل ثم يدق في مدق معروف، ثم تضاف عليه التحابيش، وهي عادة بقدونس ونعناع ناشف وبصل وثوم، وقد يضيفون الكرات أيضا بعد خرطه، ويعجنون ذلك كله عجنا جيدا ويدقونه، ثم يقطعونه قطعا ويقلونه في الزيت، والأغنياء منهم يحشونها لحما مفروما، ويقلونها في السمن.
ومن الفول أيضا تصنع البصارة، وطريقة صنعها نقع الفول كما في الطعمية، ثم وضعه على النار في قليل من الماء، بعد إضافة ملوخية ناشفة وقليل من النعناع والثوم، فإذا نضجت غرفت في أطباق ثم قلي البصل مخرط في السمن حتى يجف، ثم يوضع قليل من هذا البصل على وجه طبق البصارة والشبان المصريون المترفون لا يعرفونها، وقد رأى بعض أولادي طبقا منها فسألتهم عنها فقالوا: «كشك أخضر.»
ومن أنواع الفول: الفول النابت وطريقة صنعه أن ينقع الفول حتى ينبت، ثم يؤخذ ويسلق، ثم يوضع على مرقته قليل من الملح، وبعضهم يقشره ويطبخه في القوطة ويسمونه فولية، وبعضهم يضع عليه السلق بعد أن يحمر في السمن يجفف ويدهك!
فترى من هذا كثرة استعمال المصريين للفول ... ومن أمثالهم: «كل فولة مسوسة لها كيال أعور» دلالة على أن الشيء وإن قبح له من يطلبه، وإذا أرادوا أن يعبروا عن حيلة انكشفت قال الواحد منهم: فهمت الفولة
ويقولون: «لا تفول عليه»؛ أي لا تكن نذير سوء، ومن أنواعه الفول المقيلي يباع مع الترمس، والفول الحراتي وهو فول أخضر.
في المشمش:
كلمة يستعملونها في الشيء لا يتوقع حصوله، فإذا قال رجل سأفعل كذا، قال له الآخر إذا اعتقد أنه لا يمكنه ذلك: «في المشمش»، أو الكلام ده في المشمش، وأصلها على ما يقال أن جحا كان يأكل عنبا، وكان يأكل كل أربع حبات في مرة واحدة، فقيل له كل واحدة واحدة، فقال الكلام ده في المشمش؛ أي إن حبة المشمش كبيرة يمكن أكل واحدة واحدة، أما العنب فصغير، لا يمكن أكل واحدة وحدها؛ فصارت مثلا.
في الوش مراية، وفي القفا سلاية:
تعبير يعني أنه يتظاهر لك بالحب والموافقة، ويتكلم في غيابك بما تكرهه، والسلاية هي الإبرة الكبيرة.
حرف القاف
القادر عايب:
تعبير يعني أن من لوازم القدرة الطغيان، فمتى أحسن القادر بقدرته طغى:
إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى .
قاعدة للساقطة واللاقطة:
تعبير يعني أنه مترقب ترقبا دقيقا، لا يفوته شيء في الملاحظة.
قاعد مطرشق:
ومثله قاعد مبوز؛ أي زعلان.
قاعد يبيع ويقيس:
تعبير يعني يتصرف في دكانه كما يشاء.
قاعد يمخخ:
تقال لمن يتأمل ويتفكر ويتخيل، ويستعملون المخ للدلالة على العقل، فيقولون مخه فاضي؛ أي أبله، ومخه مليان؛ أي عقله كبير، وما فيهش مخ؛ أي مجنون، وأحيانا يقولون مخ فقط بمعنى أنه فهمه بطيء، ودا شيء يطير المخ؛ أي العقل؛ أي يجن.
قافية:
القافية على لسان عوام المصريين نوع من المزاح، يقول أحدهم كلمة فيرد عليه الآخر بكلمة تثير الضحك، ولكل حرفة من الحرف قافية؛ فقافية للمزينين، وللجزارين، ولكل شيء ولذلك يحترسون عند الكلام الجد فيقولون بلا قافية، يريد أنه لا يمزح بل يجد، فمثلا يقولون: رحت له وجدته واقف بلا قافية، وأعد بلا قافية، ونام بلا قافية ومن أمثلة قول أحدهم في «قافية النحو»: كيسك! فيقول الآخر مثلا: اشمعنى فيقول الأول: ممنوع من الصرف، والقمل في رأسك! اشمعنى! ساكن، راسك! اشمعنى! مبنية على الكسر، اللي على رأسك! اشمعنى! جزمة، شنبك مضاف! اشمعنى! وشنب التيس مضاف إليه، المرض عليك! اشمعنى! ظاهر، أنت في الجهل! اشمعنى! مركب ...
ومن أمثلة قافية الحلاق: أنت في النصب! اشمعنى! أوسطى! شربك في المش! على القائم، أنت بين أصحابك! إيدك خفيفة، تقول للبيطار صلح لي ... يفلوك بملقاط، عيشتك ... على الناشف ... في عينك ... دودة، الأكلانة في ودنك ... لازقة.
ومن القافية في لعب الضمنة: أحط اصباعي في عينك ... تقول بوظ زر طربوشك ... دوبارة ... أصلك ... دبش عيونك ... شيش بيش.
ومن قافية البلاد: لما يصحوك من النوم يقولوا لك: أبو طور أبو طور، إيدك في الخطف ... منصورة، الحكيم يطلع من بطنك ... زقازيق، بيتكم ... كفر كلاب، المزيرة تبقى لك ... جدة، أحب أضربك بالمداس ... نوبة، قسمتك كل يوم والثاني ... في طرة ... أصلكم ... حرامية ... بالمنشار في رقبتك ... نشرت.
ومن قافية الساعة: الخيرات عن بيتكم ... ممسوحة، اللي في جسمك ... أفرنجي ... ساكن في ذقنك ... جوز عقارب، عيشتك ... ما فيهاش تقديم، صنعتك مع الغجر ... رقاص، يرسلوك إلى طرة ... في ظرف ساعة، العفريت يشوفك يقول ... ياي.
ومن قافية الكتاكيت: الفشر عندك ... كتر كتر، أنت في وسط الناس ... بتلقط، هدومك ... خطفتها العرسة، الجزم اللي على راسك ... عتاقي.
ومن قافية الهندسة: خاطرك دائما ... منكسر، الهم على راسك ... محيط، أكثر نومك ... في الزاوية، أنت والحمار ... متساويان.
ومن قافية الجنينة: أصل ... طرح، أنت في الوساخة ... مرعرع.
وهكذا في كل باب من أبواب الحياة، ومن أنواع القافية قافية تدور حول كلمة الأبعد، ومن أمثلة ذلك:
عمر الأبعد ... فص ملح وداب، الأبعد بين الناس ... كمالة عدد، يجوع الابن يقولوا له ... موت يا حمار عقبال ما يجيلك العليق، وبين السؤال والجواب يقول المسئول اشمعنى، عمر الأبعد ... شام الحمام حط الحمام، الأبعد في النعش ... الجنازة حارة والميت كلب، الأبعد ... يجيب بلوته لحد بيته، الحرامي في بيت الأبعد ... جا نقبه على شونة، الأبعد يصبحوه أولاده ويقولوا له صباح القرود، الأبعد وكلاب الحارة ... شحات يكره شحات، عمر الأبعد ... هف طلع النهار، وش الأبعد والسوق ... في كساد ... وهكذا ... ويراد بالأبعد المخاطب نفسه.
قالت يا ما الحلاوة حلوة، قالوا دقتيها؟ قالت بنت عمي شافت اللي داقتها:
تعبير يقال لمن يتكلم عن شيء على السماع من بعيد.
قال يا داخل بين البصلة وقشرتها، قال ما ينوبك إلا ريحتها.
قال يا ما الجمل كسر بطيخ، قال يا ما البطيخ كسر جمال:
تعبير يقال عندما ينزل الشر بأحد، وهو ينزل الشر به، فكلاهما يعذر الآخر.
قالوا للراجل يا حرامي، شرشر منجله:
تعبير يعني اتهموا الرجل بالسرقة، وشوهوا سمعته، فأصبح من أجل ذلك لصا جريئا، يسرق علانية، فهو قد شرشر منجله علانية ليسرق به.
قال لي وقلت له:
تستعمل في كلام المصريين كأنها حكاية صغيرة كقولهم: قال لي نام علشان أذبحك، قلت له: دا شيء يطير النوم، وقال للجارية: اطبخي، قالت له: يا سيدي كلف؛ وهكذا.
قاموس الحب:
أكثر المصريين في الحب، وللحب قاموس تكثر فيه كلمات معينة، وهو الحب، الهجر، والوصال، الضنا، القلب، العذول، طول الليل، طيف الخيال، اللقاء ... إلخ.
قبارصة:
يطلق المصريون هذه الكلمة على النقد المصنوع من النحاس، وأصل كلمة قبرص في اليونانية النحاس، وسميت به جزيرة قبرص؛ لأن النحاس يوجد بها بكثرة.
قبة بلا شيخ:
أحيانا توجد قباب تبنى للفن، وقد جرت العادة أن تبنى القبة إيذانا بأن تحتها ضريحا، فإذا بنيت القبة وليس تحتها ضريح قالوا: قبة بلا شيخ، وتضرب للشيء له مظهر وليس له مخبر.
القبلة:
ويسمونها «البوسة» وهي على أشكال قبلة الرجل لزوجته، أو الرجل لحبيبته؛ وقبلة عطف كقبلة الرجل لابنه أو بنته، وقبلة احترام كقبلة الرجل ليد أبيه وأمه، أو الأخ الصغير للأخ الكبير، أو الشاب لرجل مسن، وقبلة الرجل الذليل يقبل الرجل العظيم، وقبلة الذيل ويسمونه «الأتك»، ويفعلها الرجل الوضيع أو المرأة الوضيعة لتقبيل أتك العظيم أو العظيمة، قبلة مع تذلل، يقولون: باس الرجل وتقدم، وباس الرجل وتأخر، وقبلة ليد الإنسان ظاهرا وباطنا، يفعلها الرجل أو المرأة إذا نالته نعمة كبيرة غير منتظرة على يديه، وقبلة شفوية يرسلها الرجل لحبيبته عن بعد كأنها رسالة، واعتاد النساء أكثر من الرجال تقبيل بعضهن بعضا عند المقابلة، قبلة في الخد الأيمن وقبلة في الخد الأيسر.
وأكثر من القبلة الأخذ بالحضن، فيحضن الرجل الآخر إذا قدم من سفر أو غاب عنه مدة طويلة، ثم يثني بالقبلة، وقد منعت هذه العادة أيام الكوليرا خوفا من العدوى.
واعتاد الناس في الأرياف أن يقبلوا بالطقطقة، أما في القاهرة فيقبلون بالشفتين، وضد القبلة البصق، فيتظاهر الرجل بالبصق، لارتكاب الآخر عملا دنيئا يستأهل عليه الاحتقار، ويفعله الرجلان إذا تسابا، وقد لا يبصق أحدهما على الآخر ولكن يبصق في الأرض، وفي العادة يكون البصق مجرد نفثة برذاذ خفيف من الفم، وقد يستغني عنه بلفظ يدل على البصق «تفو» من غير بصق عند أهل إسكندرية، على الخصوص، بعض الأحياء الوطنية في القاهرة يستعملون التشخير دلالة على الاستهزاء إذا أتى الآخر بعمل غريب؛ وأكثر من يفعل ذلك النساء عند السباب، وقد حاربت المدنية التقبيل في أوقات الوباء؛ لأنه مجلبة للعدوى ومنعت تقبيل الصغير ليد الكبير للاحترام وجعلته مقصورا على قبلة الغرام، فليس صغير السن اليوم يقبل يد الكبير، ولا الابن الأب، ونعمة من الله إذا احترم الولد أباه من غير تقبيل اليد.
القر:
ينطقه العامة بالهمزة، ويعنون به الحسد بالكلام، فإذا مرض المريض وكان في نعمة من ناحية ما، قالوا: قر عليك الناس، يعنون أن الناس حسدوه بكلامهم، فقالوا: «ما شاء الله عليهم دول في نعمة»، ومثل ذلك، وعلاجه عندهم البخور.
قراءة المولد:
هناك قصص كثيرة وأشعار كثيرة، وضعت في مولد النبي
صلى الله عليه وسلم ، فيتغنى بها الفقهاء في الأفراح وفي مولد النبي وفي بعض المناسبات، ويقولون في الإعلان: إنهم سيقرءون قصة المولد النبوي.
إذا رزق بعض الفقهاء بصوت حسن تغنى بها هو وجماعته، فالرئيس يقرأ المولد ومن حين لآخر تنتهي السيرة، وبعض هذه السير ألف لأجل ذلك على أساليب فنية تناسب الغناء والصوت الجميل من التزام للسجع أو المحسنات البديعية، واشتهر بعض الفقهاء بذلك، كما اشتهر أيضا من هذه السيرة النبوية سيرة ألفها البرزنجي يقرؤها الموالدية غالبا، وقد التزم فيها الياء والهاء في الفقرة الأولى، كالبهية والعلية والألف والهاء في الفقرة الثانية كسناه وعلاه.
قراجوز:
هي لعبة كانت منتشرة في مصر قبل انتشار السينما، وهي عبارة عن شاشة كشاشة السينما، وراءها لمبة تشعل بالجاز «الكيروسين» لتضيء الشاشة إضاءة معتدلة ثم من وراء الشاشة أيضا أشخاص على هيئة رجال أو نساء أو أطفال مصنوعة من الجلد أو من الورق المقوى، يتحكم فيها بواسطة الحبال التي تشد هذه التصاوير المدككة في قطعة من القماش رجل خلف الستار، وتكون في فمه زمارة ينطق بها أو يغني بها ويتلاعب بصوتها، فأحيانا يظهر في صوت امرأة وأحيانا في صوت رجل، وأحيانا في صوت طفل، وكلما أراد إظهار صورة شدها لتظهر أمام الجمهور، والقراجوز عادة يمثل قصة إما من الحياة الواقعية كقصة غرام أو رمزا لحادثة وقعت واشتغل بها الرأي العام أو نحو ذلك، وهي عادة تكون مصحوبة بضرب من الموسيقى البلدية البدائية.
وشخصية القراجوز محبوبة جدا عند المصريين وخصوصا الأطفال فهي أشبه ما تكون (بميكي ماوس)، وقد كانت لعبة القراجوز معروفة عند الأتراك من الفرس أو الصين عند طريق المغول، وتشبه قصصها قصص المحدثين، وأكثر ما تقام في ليالي رمضان وفي الأعياد، ويسمى قراجوز أحيانا وهو علم تركي بخيال الظل، وقد استغل الصوفية هذه اللعبة في تصويرهم للحياة الدنيا فيقول أحدهم: «إنها خيال كخيال الظل» ظل زائل، وإن الناس في الدنيا كاللاعبين وراء الستار، والوجود الحقيقي لله وحده، كما استغلوا أيضا لهذه التشبيهات دودة القز «لا تزال تنسج على نفسها حتى تموت.»
وقد قلت هذه اللعبة بغزو السينما والتمثيل لها وأصبحت في عداد التاريخ، والناس يضربونها مثلا لمن يتحرك حركات كثيرة بهلوانية من غير فائدة، فيقولون: «هو كالقراجوز» وكثيرا ما يمثل في الرواية رجل وامرأة، أو رجلان يدور بينهما الحوار على أشكال متنوعة، أغلب ما تكون أن تؤلف من شخصيتين أحدهما تمثل الرجل المثقف الأرستقراطي والثانية تمثل الجاهل الشعبي، والأخير هو الذي يجتذب قلوب النظارة في الغالب وتكون هي شخصية قراجوز، ولما انتقلت اللعبة من الترك إلى مصر تأثرت بالبيئة المصرية فكانت ترمز إلى أحداث مصرية هي من نسج الخيال المصري المنتزع من البيئة.
القرداتي:
تشاهد في شوارع القاهرة وحاراتها كثيرا من القرود مربوط بسلسلة في يد رجل يسمى القرداتي وبيده عصا، وهو يلاعب القرود ألعابا علمها لها، وهي تحسن ذلك فتلعب اللعبة التي يريدها مستنتجة ذلك من حركات الرجل وكلامه، فيقول لها مثلا قلدي العجوز إذا عجنت أو السكران إذا تمايل، وقد يكون مع القرد حمار صغير يشاركه اللعب فأحيانا ينط عليه في حركات بهلوانية، وأحيانا يلعبان معا ألعابا محفوظة، وقد يكون مع القرداتي في الغالب دف يطبل به ليجمع عليه الناس ويعين على ألعاب القردة والحمير، وكثيرا ما تجدهم في المتنزهات والأماكن العامة.
ومن كلماتهم المشهورة (إحنا حنقرد؟!) تقال ردا على من يهزل في كلامه فيطلب منه الجد، أو عندما يكلف الرجل أو المرأة بعمل سخيف.
القراع:
ميكروب يصيب الشعر فينحله ويصير الجلد أبيض من غير شعر، وهو ميكروب يعدي، وقد يصيب جزءا من الرأس، وقد يصيب الرأس كله، ولم يكن لنا داع لذكره كسائر الأمراض، غير أنه يداوونه أحيانا بأدوية قاسية، فقد يلطخون الرأس الأقرع بالزفت مضافا عليه بعض الأدوية، ويغطون ذلك بطاقية، ويربطونها، ثم يتركون الزفت أسبوعا، ثم يخلعون الطاقية بزفتها يشدونها شدا، فيجد الأقرع من ذلك ألما شديدا، ويكررون هذه العملية مرارا وقد تنجح أو لا تنجح.
وهم لا يستبشرون بالأقرع إذا اصطبحوا به ويلقبونه ب «أبو زنة» فيقولون «يا أقرع يا بوزنة» وإذا لم يستحسنوا نكتة قالوا «قرعة» ومن أمثالهم: «قرعا وتتباهى بشعر بنت أختها» يضربونها لمن يتباهى بما ليس له، ومن أمثالهم أيضا «يعاود الأقرع يفوت على بياع الطواقي» يقوله الرجل لا يحتاج إليه في وقت فينذر بأنه سيحتاج إليه في وقت ما.
ويقسمون الأصوات إلى قسمين: صوت حنين، وصوت لا حنية فيه ويقولون: إنه أقرع، ومن أغنياتهم «بنت أختي قرعا خدها الديب وطلع يرعى.»
والآن وقد تقدم الطب يمكن الاستشفاء منه بمرهم البنسلين أو السلفانا مما يخفف على الأقرع عذابه.
القرافة:
هي مدافن الموتى وتعمر عادة في مواسم خاصة كالخميس الأول من رجب وأيام الأعياد، وفي العادة تعمر أيضا صباح يوم الجمعة فيستدعى الفقهاء للقراءة، ويفرق الفطير والشريك والفاكهة على روح الفقيد، وكان الناس عادة يبيتون فيها، وكانت تحدث فظائع من هذا المبيت، ولذلك منعته الحكومة المصرية، والعادة أن تكون بعيدة عن البيوت، ومما ينسب إليها من كبار فقهاء الشافعية المصريين «الشيخ القرافي» صاحب كتاب «المفارقات» في الفقه، واشتهرت في القاهرة جملة قرافات منها قرافة «المجاورين» و«العفيفي» وقرافة «الإمام الشافعي» وقرافة «السيدة نفيسة» وترى فيها مشاهد القبور لطبقات الشعب أرستقراطية وديموقراطية، وحيشانا فخمة وحيشانا متوسطة.
القرعة أو التجنيد أو الجهادية:
يخاف المصريون كثيرا من الجندية، ولذلك لا يتأخر عن دفع البدل كل من قدر عليه، وقد يشوه بعضهم نفسه بقطع إصبعه أو نحو ذلك للهرب من الجندية، والسبب في ذلك في الأغلب سوء معاملة المجندين وكتم حريتهم، وأخذهم بالنظام الشديد الذي لم يتعودوه، وكان قديما كلما طلب مجندون من القرية يعمد شيخ البلد أن يفك أولادهم بأجر ويقيد بدلا منهم أولاد الفقراء، وللخوف من الجندية كنت قلما ترى شابا صحيح الجسم، بل ترى أكثرهم أسنانه مهشمة، أو أصابعه مقطوعة، بعينيه إصابة أو عمى، حتى لا يجند، هذا مع أن المصريين قد توالدوا إما من عرب فاتحين أو من أقباط أسلموا أو وافدين، والإسلام نفسه يحث على الجهاد ويحبب إليه، وقد اعتادوا أن يعفوا من القرعة من يحفظ القرآن، وأن يعفوا عرب البادية، وربما كان من أسباب الرغبة في الأزهر الإعفاء من القرعة؛ لأنه يحفظ القرآن، ويسمى المال الذي يعطى للإعفاء من القرعة «البدلية»، ولانتشار مرض البلهارسيا والإنكلستوما بين الفلاحين، قل الصالحون من الشبان المصريين للجندية بالنسبة لغيرهم من الأوروبيين.
وللمصريين أغان مؤثرة، إما من الشبان في البكاء على زوجاتهم، أو من الشابات للبكاء على أزواجهن، ويوم يقبل الشاب في الجندية يكثر الصريخ من أهله كأنه مات.
وتستعمل كلمة «القرعة» بمعنى آخر، وهي أنهم إذا احتار الرجل أو المرأة في عمل يعمله أو لا يعمله، كان مما يحل الأزمة «القرعة» بواسطة ورقتين يكتب في إحداهما «نعم» وفي الأخرى «لا» ثم يطبقهما ويأخذ إحداهما؛ أو يفتح مصحفا حيثما اتفق، وتقرأ الآية التي يقع عليها النظر، ثم يستنتج منها الرضا عن العمل أو عدمه، أو بحبات السبحة، فحبة نعم وحبة لا، ويقولون لمن اختير للعمل: وقعت عليه القرعة.
القرعة تتباهى بشعر بنت أختها:
تعبير يقال للتي تفخر بما ليس لها.
القرفة:
يقولون للعمل إذا سار سيرا حسنا سهلا «إن قرفته خفيفة»، وإذا سار سيرا ثقيلا عسيرا إن قرفته ثقيلة، وهو تعبير غريب لا أدري سببه.
ولعلهم كانوا في حفلات الذكر يوزعون القرفة على الذاكرين، فقد يجدونها خفيفة وقد يجدونها ثقيلة، فيقولون: إن القرفة ثقيلة أو خفيفة، وهو تعبير مشهور، كما يقال «إن الشاي خفيف أو ثقيل»، ولما كانت القرفة بطبعها لاذعة كانت القرفة الخفيفة خيرا من الثقيلة، ثم نقلوا التعبير إلى المجاز، فقالوا للشيء اللطيف الخفيف الروح قرفته خفيفة، وللشيء الثقيل الروح قرفته ثقيلة؛ والله أعلم، ويكثر المصريون من شرب القرفة بدل الشاي وشبيه بها «الدارسيني».
القرينة:
يعتقد عوام الشعب أن كل إنسان يولد له قرينة، إما ذكر أو أنثى، لذلك يقولون لمن تزحلق على الأرض «اسم الله عليك وعلى أختك»، وكذلك «وقعت على أحسن منك»، وكثير من النساء يعتقدن أن أولادهن أحيانا يبدلن بولد آخر من أولاد الجن، وقد يكون نتيجة ذلك نفورهن من أولادهن، وأحيانا يزداد نفورهن إلى حد الفرار، وأحيانا يشتد نفورهن فيذهبن بالولد إلى مقبرة من المقابر فيضعنه فيها وهو حي ثم يذهبن في الصباح للكشف عليه، وقد يجدنه أكله الذئب أو نحوه فيعتقدن أن الجن اختطفته، واستولى هذا الوهم مرة على بعض الرجال، فكان يعتقد أن الجن تريد أن تخطفه، فينتقل من بيت إلى بيت، ومن حجرة إلى حجرة، حتى لا يعرفوا مكانه ويضع على فراشه لحافا على شكل رجل نائم زاعما أنه يخدع الجن.
القسم:
يسمون الحلف قسما، ومعظم الأقسام عند المصريين القسم بالله وأحيانا يقولون: «والله» بعقد الهاء؛ أي دون خطفها، ويحلفون بالمشايخ، وحياة السيدة زينب، وحياة السيد البدوي، وحياة الشيخ في نومته، ويحلفون بالآباء: وحياة أبوي، وبالشرف فيقولون: وحياة شرفك؛ ويحلفون بالميت العزيز أو الابن العزيز الغالي، ويجري على ألسنة الساقطين الإكثار من الحلف بالطلاق فيقولون: علي «الطلاق ما فعلت كذا»، وبعضهم يقول: علي الحلال، والآخر: علي الحرام، ويقال أيضا: «وأيمان المسلمين مجمع الطلاق العتاق»، ويحلفون بالنبي فيقولون: وحياة النبي، وأحيانا يشددون في ذلك فيقولون: «وحياة النبي اللي وضعت إيدي على شباكه»، ومع ذلك التأكيد بالقسم فقد يكذبون، كالذي يقول الشاعر:
وأكذب ما يكون أبو المثنى
إذا آلى يمينا بالطلاق
وكان لي صديق رحمه الله اعتاد الحلف كثيرا، فكان يقول: «والله العظيم ثلاثا»، ثم يسكت قليلا ليتذكر ما يريد أن يحلف عليه، ومن أمثالهم: «قالوا للحرامي احلف قال جالك الفرج»؛ أي إن الحلف أمر سهل لا يكلفه شيئا، وإذا أكدوا على أحد قالوا: «حلفتك تروح» إلى آخره، ومن غريب استعمالاتهم للقسم خصوصا في الحب قولهم: «أمانة تعمل كذا»؛ أي والله، و«أمانة يا ليل» «أمانة يا رايح يمه، تبوس لي الحب من فمه.»
القسمة:
القسمة في كلامهم بمعنى القدر، فإذا أصيب أحد في مال أو ولد أو زرع أو تجارة قالوا: قسمة، وإذا رزق أحد بنات فقط أو بنين فقط أو بنين وبنات قالوا: قسمة، وشاعت هذه الكلمة حتى نقلت إلى اللغات الأجنبية، فاتخذوها فرقا بين الشرق والغرب، فالشرقي يبني حياته على القسمة، والغربي يبني حياته على العلم والعمل، ويقولون: قسمته طيبة، وقسمته وحشة، وجاء في أغانيهم «ليه قسمتي كده وياك» وفي الغالب تلازمها كلمة أخرى فيقولون «قسمة ونصيب»، وكثيرا ما تكون موضوع الاعتذار فيقولون: أهي دي القسمة، ومالكش فيها ... إلخ.
قصب:
يطلقونه على عيدان قصب السكر يستخرجون منه العسل الأسود، يأكلونه بالخبز ويضعونه على الطحينة، فيتكون منه عسل وطحينة، ويأكلونه أيضا بالخبز، وبوضعه على الطحينة وتقليبهما على النار يكون منهما ما يسمى الحلاوة الطحينية، وهي كثيرة الاستعمال إداما كالجبن.
والشيء الواضح عند المصريين في قصب السكر مصه بعد تقشيره، فكثيرا ما يمصونه وهم سائرون في الشوارع، أو جالسون على نهر أو ترعة، ويستعملون مصاصة القصب والعسل الأسود في عمل السبيرتو، ومصاصة القصب من أسباب قذارة الشوارع بعد تنظيفها، ولكن من منافعها تجلية الأسنان وتقوية اللثة، ومن القصب استخدمت مصانع كثيرة في مصر لصنع السكر بعد تنقية القصب، ومن أجل ذلك اشتهرت مصر بالسكر، وقد يتخذون عصير القصب مشروبا لذيذا، ويصفونه لتقوية الجسم كعصير العنب، والجزء الأعلى من عود القصب يسمى زعزوعة، وقد تسب به المرأة؛ لأنها نحيفة؛ لأن المثل الأعلى عندهم أن تكون سمينة.
وتستعمل كلمة «القصب» أيضا في الأسلاك الذهبية أو المطلية بالذهب، وتكسى بها البدل أو الفرجيات، فكان لحافظ إبراهيم رحمه الله نكتة: وهي أن بدلته لم تحل بالقصب ولكن بالزعازيع، وتستعمل كلمة «قصبة» في السب، وخصوصا عند النساء، يقلن «جاتك قصبة» ويقولون كذلك: «قصبة الرجل»، دلالة على الجزء الأسفل من الساق، ويستعملون تعبير «مص القصب» كناية عن المصمصة لحزن، فيقولون: «قعدوا يمصوا قصب.»
القصص:
هي خير تسلية للمصريين، ومن القصاصين نوع يغشى القهاوي ويجلس على المقاعد العالية، ويحيط به السامعون، بينما يدخنون الشبك أو الجوزة وهم يبتهجون به ويفرحون بقصصه. وصاحب القهوة يمنح القصاصين قليلا من المال، ولكن ما يأخذه من السامعين أكثر، وهؤلاء القصاص يسمون الشعراء وبعضهم يتلو قصة أبي زيد الهلالي - وقد يسمون أبو زيدية - وهي عشرة أجزاء أو أكثر من الحجم المعتدل، وتشتمل على نثر وشعر. وبعض الشعر فيها قد نسخ فلم يصبح موزونا، والشاعر قد يقرأ مما يحفظه أو في كتاب، وقد كان في حارتنا شاعر يدعى الشيخ أحمد يأتي ومعه كتاب ملفوف فيقرأ فيه، وأحيانا يقرأ بعضهم قصصا أخرى كقصة سيف بن ذي يزن، والدلهمة، وفي البيوت يقرءون ألف ليلة وليلة ... وهكذا.
والفرق بينها وبين الحواديت أن الحواديت قصص شعبية، والقصص قصص كلاسيكية، ويقولون: «قص عليه القصة من طقطق لسلام عليكم»؛ أي من أولها إلى آخرها، وطقطق حكاية دق الباب عند الدخول، وسلام عليكم كناية عن التحية عند الانصراف (انظر حواديت وشاعر).
قضا أخف من قضا:
تعبير يعني أن ما أصابني اليوم وقضي به علي أخف من قضاء أشد منه كان يحتمل أن يجري، ومسألة القضاء داخلة في حسابهم كثيرا، ومن هذا الباب «مين عارف كان راح يجرى إيه؟»؛ أي لعله كان سيجري شيء أكبر من ذلك، فلطف بذلك. ومن هذا الباب أيضا: «قدر ولطف.»
القضاء والقدر:
يغالي المصريون في الاعتقاد بالقضاء والقدر، بل قد يهملون العمل اعتمادا على القدر، بل قد يتركون الدودة في زرع القطن والحشرات تأكل الزرع؛ لأن ما قدره الله يكون، ولهم حكايات كثيرة في القدر. وهو ركن كبير من أركان كتاب ألف ليلة وليلة. ومن أقوالهم المشهورة: «ما قدر يكون، ووقت القدر يعمى البصر»؛ فهم أقرب إلى الجبرية، ومن ذلك انتشر بينهم الكسل. ونسب المستشرقون إلى هذه العقيدة خمول الشرقيين؛ لأنها تحملهم على الاتكال والرضا بما يأتي به الدهر. ومن الغريب أن هذه العقيدة لا تمنعهم من العمل إذا جد الجد، كأن شبت نار في البيت أو هدم بيت على أصحابه أو سال ماء الفيضان؛ لأنه إذ ذاك تتجلى فيهم غريزة حب الذات وحب النوع.
القط ما يحبش إلا خناقة:
تعبير يقال للرجل أو المرأة يحب من يؤذيه.
قعد يحقن في نفسه:
تعبير يعني يحركها بما يثير الغضب والحزن.
قعد يرطن وقعد يبرجم:
تعبير يعني يتكلم في غمغمة مع غضب.
قعد يشخط وينتر:
تعبير يعني استمر يشتم ويحرك يده للتهديد.
قعد يودي ويجيب:
تعبير يعني كما تقول العرب يضرب أخماسا في أسداس.
القفش:
في الأصل استعملت في المادة، فقالوا: قفشه، بمعنى أمسكه بعد صعوبة، ثم استعمل في المعنى بمعنى عثر منه على خطأ منطقي، أو غلطة في كلامه أو نحو ذلك ، وسموا الواحدة قفشة، وقالوا: قفش له جامد؛ أي قفشة قوية.
قله في وشه ولا تغشه:
تعبير يعني صارحه، ولا تخدعه.
قلبي على ولدي انفطر، وقلب ابني علي حجر:
تعبير يقال عندما يبدو عطف من الوالدين وعقوق من الولد.
قمر الدين:
هو عبارة عن المشمش يجفف ويكبس ويعمل لفافات لفافات، وهذا ينقع ويشرب أو ينقع ويطبخ، وهو كثير الاستعمال في رمضان، وخصوصا إذا جاء رمضان في الصيف، وبعد نقعه أو طبخه يضاف إليه العسل الأسود أو السكر، وهو من لوازم رمضان كالكنافة. وكثير من الناس يفطرون عليه في رمضان، ولعل تسميته بقمر الدين جاءت من أنه يهل على الناس في رمضان وهو شهر الدين. وتعجبني نكتة ظريفة من الشيخ طاهر الجزايرلي أنه رأى فتاة جميلة تجلس تحت شجرة فقال لها: هل تأكلين قمر الدين يا قمر الدنيا.
قمقم سليمان:
يزعمون أن سليمان عليه السلام لما كان يستخدم الجن كان بعضهم يعصيه فيسجنه في قمقم نحاس، ويلحمه بالنحاس المذاب، ويدفنه في باطن الأرض، فإذا فتحه أحد خرج منه الجني نامي الجسم، أو خرج على شكل دخان يرتفع، وقد يؤذي فاتح القمقم وقد لا يؤذيه؛ ولذلك إذا عثر بعضهم على مثل هذا القمقم لم يقرب منه. ومثل ذلك خاتم سليمان وهو عبارة عن مثلثين أحدهما مقلوب على هذا الشكل.
ويستعمل لقضاء الحوائج.
القمل والبرغوث والبعوض والبق:
هي من الحشرات الدنيئة، وهي كثيرة في الفلاحين، وقلت في المدن، والفلاحون يعتقدون أن القمل يتولد من عرق الجسم، وكثيرا ما يرى الناظر القمل يسبح على ثياب الفلاح، وهم يشبهونه أحيانا إذا كثر على ثوب «بالنخالة المبذورة»، ولا يكون كذلك إلا بعد أن ينتشر على الجسم ويمتص الدم، يقول الشاعر:
بعوض وبرغوث وبق لزمنني
حسبن دمي خمرا فطاب لها الخمر
فيرقص برغوث لزمر بعوضة
وبقهم يصغي ليسمعه الزمر
ويسمون بذور القمل «الصيبان»، والبق أكثر في المدن منه في الريف لكثرة أخشابها، وطليها بالجص ونحوه. أما في الريف فتطلى بالطين الني والجلة، وهما لا يألفهما البق. واشتهرت البقة بكثرة الولادة فيقولون في المرأة الولود: «زي البقة تولد مية، وتقول يا قلة الذرية»، وقد صنعوا أحجبة لمنع البق من سكنى البيوت.
قنديل:
كان الناس يستعملون للإنارة بالليل القناديل من الزجاج، يملأونها ماء وعلى الماء قيراط أو قيراطان من الزيت، ثم يضعون فتيلا يشعلونه فيمتص الزيت، وإذا أريد زيادة الإضاءة أشعلوا أكثر من قنديل. وهناك أدوات منزلية أو مسجدية يوضع فيها قناديل كثيرة، توجد نماذج منها في دار الآثار العربية. وسموا من ذلك قنديل، ومحمد قنديل، وعلي قنديل. وقد قلت هذه القناديل الآن للإضاءة بالكهرباء أو الكلبات.
ويشبهون به الرجل الوضيء، فيقولون: فلان قنديل الحتة، ولكن يستعملون القندلة بمعنى سيئ، فيقولون بختة مقندل، وسأقندلها عليك؛ أي سأثيرها عليك حربا شعواء، وعيشته مقندلة؛ أي بائسة. وكان الظن أن يكون غير ذلك.
قياس الأثر:
يقوم بهذا العمل في الغالب بعض الفقهاء في الأرياف، فإذا مرض واحد منهم أرسل للفقيه أثره ملفوفا فيه شيء من النقود، فحينما يصل إليه يعزم واضعا «الأثر» قريبا من فمه، ويتمتم ثم يقبض على الأثر بيديه تاركا بينهما مسافة ثم يقيسها بإصبعه ثم يعيد هذه المسافة، فإذا وجد أن المسافة أقل دل على قرب الشفاء، وإذا وجد أن المسافة أبعد قال: إنه يلزمه كتابة حجاب.
حرف الكاف
الكارو:
عربة يجرها حمار أو حصان، وهي عبارة عن ألواح من الخشب سمرت ووضع لها عجلتان أو أربع، وأكثر ما يركبها النساء في المآتم والأفراح، وكثيرا ما يغنين عليها ويرقصن. وقد تستعمل في نقل العفش، فتوضع على العربة عارضة خشبية تتحمل كثيرا منه، وقد اشتهر أصحابه بكثرة المماكسة وعدم الرضا بأي أجرة، كما اشتهروا بالقدرة على حمل الأثقال على أكتافهم.
الكاشف:
الكاشف حاكم الإقليم، والجمع كشاف، وهو كالمدير في عصرنا، ومن ذلك لقب بعض العائلات بالكاشف، وأغلب ما يكون من الأتراك في الزمان الماضي. وأحيانا يتحرك من بلد إلى بلد، ومن قرية إلى قرية. وعادة إذا نزل تقدمت الطبول لإعلان الناس بحضوره، فإذا حضر انزعج الفلاحون؛ لأنه يستدعي مشايخ البلد ويسألهم عن حال أهلها، وهل فيهم متمرد أو لص، فينزل بهم العقوبة، ويحضر الصراف ويسأله عن تحصيل الإيجار، فمن لم يدفع أحضره أمامه وهدده بالدفع أو الضرب أو القتل؛ ولذلك يكون دخوله للبلد نذيرا بالشر، فمن الفلاحين والفلاحات من يقترض بالربا أو يبيع الحلي أو بقرته أو جاموسته لتسديد ما عليه، فإذا لم يستطع ذلك هرب من البلد وترك أطيانه وأقاربه. ومن ناحية أخرى كان عليه أن يشارك في تجهيز الطعام للكاشف وحاشيته، فهذا عليه خروف، وهذا عليه وزة، وهذا عليه أن يقدم الفطير للكاشف، ونحو ذلك، وتسمى هذه بالوجبة. وكان هذا الكاشف في العادة جبارا قاسيا لا تأخذه رحمة ولا شفقة، ينهب هو وجنوده، وطالما قاسى الفلاحون من ظلمه، وتعوذوا بالأحجبة لمنع عدوانه، ولا يقر قلبهم إلا إذا رحل من بلدهم. وكان عليهم وجبات كثيرة: وجبة للكاشف، ووجبة للملتزم، ووجبة للصراف ... إلخ. (انظر كلمة وجبة).
كاني ماني:
أحيانا يستعملونها كناية عن الكلام وهما كلمتان قبطيتان، فكاني السمن، والثانية العسل؛ فهي في الأصل خلط من السمن بالعسل، ثم استعمل في خلط صحيح الكلام بفاسده، ثم استعمل كناية عن الكلام مطلقا، أو كناية عما لا يعرف من الكلام فيقولون: قال كاني ماني؛ أي كلاما لا نعرفه.
كأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا:
تعبير يعني كأننا لم نعمل شيئا؛ لأن عملنا ضاع.
كانت وقعته زحل:
تعبير يدل على أنهم يتشاءمون من زحل، فيعبرون عن ذلك بسوء الواقعة.
كان في حال، صبح في حال:
تعبير أكثر ما يقال في الصيرورة إلى الشر، كغني أصبح فقيرا، أو صحيح أصبح مريضا.
كبة:
هي دمل كبير مستدير يطلع في الجسم فيسمونه طلوعا أو خراجا أو دملا كبيرا. واعتادوا أن يشتموا بها فيقولون: جاءته كبة، أو جاءتها كبة، وأحيانا لا يلفظون بهذا، وإنما يشيرون في وجه من يسبونه بأصابع الكف مكورة.
الكبة:
لعبة كان يلعبها الأطفال وخصوصا البنات، فيأتون بخمس حجرات مستديرة، يضعون أربعة منها على شكل مربع، ويقذف الحجر الخامس إلى أعلى. يجتهد قبل نزوله أن يجمع الحجرات الأربعة المربعة ما أمكنه. فإذا لم يمكنه فثلاثة أحجار أو اثنان.
كبر الجرن ولا شماتة الأعداء:
تعبير يعني أن كبر الجرن الدال على كثرة المحصول، إذا لم يغن في كثرة المحصول، منع من شماتة الأعداء.
الكتاب:
الكتاب هو أول معهد لتعليم الأطفال، وكان في كل حي أو أكثر، وهي عبارة عن غرفة فسيحة بعض الشيء فرشت بالحصير، وكثيرا ما يكون الحصير باليا، يجتمع فيها الأطفال، والحجرة مكونة من هذا الحصير، ومن صندوق توضع فيه الألواح، ومن زير مغطى بخشب، علق بكوز مربوط بحبل؛ فمن أراد أن يشرب أخذ الكوز وغمسه في الماء. ومكون أيضا من معلم يسمى «فقي» تحريفا لكلمة «فقيه»، ومن مساعد له يسمى «العريف»، والفقي عادة لا يعرف شيئا إلا حفظ القرآن الكريم، ويكتب كتابة عاجزة، وكثيرا ما يكون أعمى ويسمى «سيدنا»، وبيده عصا طويلة من جريد النخل يستطيع أن يصيب بها أبعد ولد عنه، فإذا وجد طفلا لا يتحرك ضربه بالعصا وقال له: اهتز. ومن أساس الكتاب «الفلقة» وهي عصا غليظة مصمتة في الغالب قد خرقت خرقين، ركب فيهما سير من الجلد، فإذا أراد «الفقي» ضرب ولد استعان بالعريف على إدخال رجله في الفلقة، ثم لواها على رجليه، ثم أمسك بعصا يضرب بها الرجلين المشدوتين، وقد تشق رجل الطفل ويسيل منها الدم، وكان في العادة يأخذ الفقي من كل طفل قرشا ويحضر الطفل من بيته رغيفا. والفقي يجمع هذه القروش ويشتري بها عند الظهر «فول نابت» أو «مخلل» بمرقته في ماجورين، ويلتف الأطفال حولهما ويتغذون، وهم يلغوصون بأيديهم فيهما. وكثيرا ما قد يكون أحدهم مريضا فيعدي الأصحاء، وكثيرا ما كانت هذه الكتاتيب في أمكنة غير صحية، كألا يكون فيها نور كاف أو شمس كافية أو تكون بجانب مراحيض المسجد. وكانت هذه الكتاتيب هي المدرسة الأولى لكل أطفال الشعب غنيهم وفقيرهم، وذلك قبل أن تنشأ رياض الأطفال. والفقي عادة يسمع للأولاد «الماضي» وأغلب ما يكون ذلك في يوم الخميس، وأحيانا يقرئهم شيئا جديدا. وبعض الأغنياء يستغنون عن الكتاتيب بمدرس خصوصي يأتي للأطفال في بيوتهم، أما البنات فقلما يتعلمن القراءة والكتابة في الكتاب، وقد كان فاشيا أن تعليم البنات من المصيبات، ولذلك كان يقوم مقام الكتاب المعلمات، والمعلمة هي آنسة أو سيدة تقبل في بيتها تلميذات تعلمهن الخياطة من أولها إلى آخرها، فتبدأ بالأشياء السهلة إلى الأشياء المركبة. وقل من البنات من كن يتعلمن القراءة والكتابة. ومن أمثالهم المشهورة «لما شاب ودوه الكتاب»؛ أي إنهم تركوا تعليمه حين الطفولة حيث يلزم أن يذهب إلى الكتاب، ثم بدءوا يعلمونه عندما شاب؛ أي بعد فوات الأوان.
كتب الكتاب:
تعبير بمعنى عقد العقد. وفتح الكتاب: بمعنى رأى البخت.
الكتاكيت:
في أوائل الصيف وأوائل الشتاء كثيرا ما نرى في القاهرة منادين وعلى رأسهم أقفاص ملأى بالكتاكيت ينادون (يا ملاح الملاح). ويظهر أن الكتكوت كلمة مصرية قديمة؛ ولذلك لا يسمى في الشام مثلا كتكوتة، وإنما «وصواص» أخذا من صوته. والطبقة المتوسطة والفقيرة تشتري الكتاكيت وتربيها في المنازل وتصبر عليها إلى أن يؤذن الديك، ويصير الكتكوت فرخة، فحينئذ يذبحونها ويسمونها «برابر»، والفلاحون يربونها للبيع في الأسواق. «وفي أمثالهم: الكتكوت الفصيح من البيضة يصيح»، وتنتشر في مصر عملية التفريخ لإخراج الكتاكيت من البيض ثم بيعها حسب ما ذكرنا، وقد يكنون عن الطفل الصغير بالكتكوت.
كترت لهاليبه:
تعبير يعني أن قلبه اشتعل نارا.
كتر خير الأرض اللي شيلاه:
تعبير يقال للثقيل.
الكحل:
هو هباب اللبان العطري المحروق، ويصنع أيضا من هباب قشر اللوز. ويستعمل الكحل لعلاج العين، وأكثر من ذلك للزينة. أما للعلاج فقط فيستعمل مسحوق الرصاص المضاف إليه المنزوت وعرق الذهب وسكر النبات ومسحوق الذهب البندقي. وتكحل العين بمرود صغير من الخشب أو العاج أو الفضة أو الزجاج، دقيق الطرف كليل الحد يبل أولا بماء الورد، ثم يغمس في المسحوق ويمرر بين الجفنين، والوعاء الزجاجي أو البللوري الذي يوضع فيه الكحل يسمى المكحلة، وهي من بقايا قدماء المصريين، وقد عثر في المقابر القديمة على المكاحل ومراودها ، وهو إذا أضيف إلى جمال العيون المصرية زادها جمالا، ومن أمثالهم: «جبال الكحل تفنيها المراود»؛ أي الشيء الكثير لا بد أن يفنى مع استمرار الأخذ منه ولو قليلا.
الكرسي:
هو ذلك الأداة الخشبية المعروفة، وهو أشكال وألوان، فالكرسي العادي الذي يجلس عليه الناس وهو معروف عند الأمم المختلفة. ولكن الذي يهمنا هنا ما كان للمصريين عادة، مثل كرسي الوالدة، وهو كرسي يحضر لبيت الوالدة قبيل وضعها تحضره لها الداية، وهي امرأة من أعمالها التوليد، كما أن من أعمالها أيضا ختان البنات. وهو كرسي مخروق من الوسط تجلس عليه المرأة عند الولادة، لتتلقى منه الداية الطفل عند نزوله، وتستعين المرأة به عند الطلق فتمسكه من جناحيه.
ومن مثل هذه الكراسي أيضا كرسي العروس، وهو كرسي كان يحضر من الجهاز، ويوضع بجانب السرير، وهو ذو سلالم يطلع عليه العريس ليصل إلى السرير، كأنه بلغ من الكسل أنه لا يستطيع الصعود على السرير من غير معونة.
وكذلك كرسي المطبخ وهو كرسي صغير ليس عاليا تجلس عليه المرأة عند طبخها، وليس له سنادة يستند عليها إنما هو مجرد مقعد. وكان في القديم كرسي يسمى كرسي العشا، وهو مرتفع نحو نصف متر، توضع عليه الصينية وقت الأكل، والآكلون يلتفون حوله، إما على حصير أو بساط أو شلت وبعض الناس يعتنون به فيطعمونه بالصدف. وأخيرا يسمون عظمة الوجه البارزة كرسي الخد.
الكشك:
الكشك طعام يصنع من البر واللبن، وهو أصناف، بعضهم يأخذ القمح ويغسله غسلا جيدا ثم ينقعه في الماء، ثم يوضع على النار حتى يلين ويغلظ الحب، ثم يجفف في الشمس، ثم يدش ويوضع في إناء ويصب عليه اللبن ومش الحصير، ويحرك ثم يترك أياما، ثم يحرك ويوضع عليه اللبن مرة أخرى، وهكذا حتى يتخمر وتفوح له رائحة الحموضة، ويكون له طعم لذيذ، ثم يزاد اللبن لتخفيف حموضته، ثم يقرص أقراصا صغيرة ويوضع في الشمس إلى أن يجف، فيؤخذ ويخزن لوقت الطبخ. وهذا خير أنواع الكشك، وإذا أرادوا أن يطبخوه وضعوا عليه سمنا وعملوه على اللحم الضاني السمين، أو على الفراخ، أو على الطيور، ونحو ذلك. ومنه أنواع أخرى كأن يتساهلوا في غسله وتصفيته ولا يتحروا مش الحصير، بل مشا وضيعا يسمونه مش قريش ... إلخ. ويقال للرجل العزيز عند أهله هو عندهم «فرخة بكشك»؛ لأن الفرخة إذا طبخ عليها كشك من الصنف الجيد كانت لذيذة. وقد اعتاد المصريون أن يطبخوا الكشك بالفراخ في يوم أسبوع الطفل، ثم يوزعوه أطباقا أطباقا على الأعزة وأهل الحارة، ولا يفعلوا ذلك في غير الكشك. ومن أصناف الحلوى نوع يقال له: كشك الفقراء، وهو نوع حلوى لذيذ يشبه طعمه المهلبية، ويظهر أنه محرف عن كشكول الفقراء، والكشكول هو الوعاء الذي يجمع فيه الفقراء أصناف الطعام المختلفة؛ لأن هذا النوع يصنع من أنواع مختلفة.
كعبلني الحب:
تعبير يعني جعلني أتعثر في السير.
الكعك دا دايب:
تعبير يقال للفطير والكعك وأمثالهما، بمعنى أنها ناعمة هشة كثيرة السمن.
الكفار:
يسمى عند المصريين من اعتنق دينا غير الإسلام كافرا، والجمع كفار، سواء كانوا نصارى أو يهودا أو وثنيين. وإذا مات الكافر قالوا عنه: «هلك»، وإذا رأوا جنازته لا يترحمون عليه، وإذا ذكر اسمه كذلك. وإذا كتبوا عنه لا يقولون: غفر الله له، ولا اللهم ارحمه. وإذا مرت عليهم جنازة مسلم وقفوا وقالوا: لا إله إلا الله، إنا لله وإنا إليه راجعون. وإذا مرت عليهم جنازة كافر لم يقفوا ولم يترحموا. ولا يسمح لنصراني أو يهودي أن يدخل المسجد، ولا أن يحمل المصحف، ولا أن يدخل مكة أو المدينة؛ ولذلك كان من أراد منهم أن يفعل ذلك ادعى الإسلام وتزيا بزي المسلمين، والآن يسمحون للسائح النصراني أن يدخل المساجد الأثرية ليتفرج عليها بتصريح من وزارة الأوقاف.
ويسمون بقعة في القاهرة بقنطرة الذي كفر، وأصلها رجل كبير من رجال الحملة الفرنسية كان اسمه «كفر للي» فحرفوه إلى اللي كفر، وكان يسكن قرب قنطرة هناك، فبدلا من أن يسموها قنطرة كفر للي قالوا: «قنطرة اللي كفر.»
كل إنسان أولى بحقه:
تعبير يعني أن كل إنسان أولى بماله ، ولو غاب عنه.
كلام في العضم:
وأحيانا يقولون دا كلام في المليان: وهو تعبير يعني أنه كلام حازم، متجه إلى الغرض.
كل بعقله حلاوة:
تعبير يعني أنه أنفق عقله فيما لا يفيد.
الكلمات الدخيلة:
توالت على الأمم المصرية حكومات مختلفة من أمم مختلفة، وقد هضمت مصر بعض عاداتها وتقاليدها، كما هضمت بعض كلماتها فاستخدمتها في لغتها؛ ولذلك كان للكلمات تاريخ طويل كتاريخ الأمم. فمن بقايا قدماء المصريين «حلوم» للجبنة، وبتاو لنوع من الخبز، وكتكوت وبلح أمهات وكثير من أسماء البلاد. ومن بقايا الحكم اليوناني «فانوس»؛ فإن معناها في اليونانية «المصباح الكبير»، وكلمة «إبليز» للطين الشديد اللزوجة. و«أرغول»، وأخذوا من الفارسية كلمات كثيرة مثل: «روشن» تطلق على فتحة السقف، وهي في الفارسية بمعنى ضياء أو لمعان، ومثل: «جوخ» فإنها تعني كساء من الصوف، ومثل: «برشت» يقال: بيض برشت؛ أي ناضج نصف نضج، أصلها ميم برشت؛ أي مسلي مسلوق، فاقتصروا على النصف الثاني من الكلمة. ومثل «برشام» وهي بمعنى ملء الفم ... إلخ، و«بنزاهير» وأصلها «بادزهير»، وباد بمعنى مهلك، وزهير بمعنى سم؛ أي قاطع السم، ومثل: «بهريز» يقال: شربة بهريز، وهي بمعنى حمية، ومثل: «إشكر خبر» وأصله «أشكار» بمعنى واضح أو ظاهر، فهو بمعنى خبر واضح. ومن بقايا الحكم العربي كلمات كثيرة يطول ذكرها.
ومن بقايا الحكم التركي والشركسي كلمات كثيرة مثل: «بوريك» فإنها تركية بمعنى فطير، ومثل: «برضة» فإنها كلمة تركية بمعنى هو كذا، وأصلها برضل، ومثل: «برش» كلمة تركية بمعنى الحصير. ومثل: «بنش» العباءة التي يتحلى بها العلماء، فإنها تركية بمعنى معطف أو عباءة. ومثل «ترللي» يقولون: عقله «ترللي»؛ أي مزعزع، من ترل التركي بمعنى تزعزع. ومثل: «جزمة» فإنها التركية بكسر الجيم. ومثل: «جوقة» بمعنى أغلبية أو كثرة «وأبعادية» بمعنى محل أو مزرعة.
هذا إلى ألفاظ كثيرة من أصل إيطالي أو فرنسي أو إنجليزي؛ فاللغة العامية خليط من كل ذلك. وكان للمصريين ذوق في اختيار ما يناسبهم من الكلمات وإدخالها في لغاتهم، ثم هضمها كما هضموا الفاتحين.
كلمات متقابلة :
كويس وحش.
حلو زي الشهد، مر زي العلقم .
طري، ناشف.
ملموم، ومفروط.
فارغ، ومليان.
نهاره أبيض وأسود.
طازة وبايت.
صحيح ومكسر.
عين سليمة وعمية ومدغششة.
عالي وواطي.
دغري وعور.
الأرض ناشفة ومزلقة.
مفرفش ومدخمس.
عريض وكنز.
تخين وارفيع.
مرتاح وتعبان.
مكسي وعريان.
كلمة ورد غطاها:
تعبير تعني كلمة قصيرة.
كله عند العرب صابون:
تعبير يعني أنهم يستخدمون كل ما يقوم مقام الصابون ولا يفرقون. يقال لمن لا يفرق بين الأشياء المتقاربة.
كنافة:
نوع من الحلوى اشتهرت به مصر والشام، فكان من طعامهما الخاص كالفول المدمس، وطريقة صنعها أن يذاب الدقيق في الماء حتى يكون للسائل قوام، ثم توضع الصينية الكبيرة على النار، وبوضع هذا السائل في كوز مخرق، ويمسك الكوز من رقبته ليسيل هذا السائل من الخروق على الصينية المحاماة، ويترك بعض الوقت حتى يجف بعض الجفاف، ثم يلم ويباع في الشوارع أو في الأسواق باسم الكنافة. وإذا أريد تحميرها وضع قليل من السمن في صينية محماة حتى يسيح، ثم توضع عليها الكنافة.
وإذا أريد التأنق فيها وضع في وسط راقات الكنافة بعض البندق المدقوق، واللوز المدقوق، والسكر المدقوق، ثم وضعت الراقات الأخرى، إلى أن تمتلئ الصينية، ويوضع من فوق قليل من السمن على وجهها وتترك على نار هادئة حتى تنضج، فإذا لم تكن أدخلت في الفرن قلبت على الوجه الآخر حتى يحمر أيضا، ويكون بجانب ذلك سكر معقود قد أعد وترك حتى يبرد ثم يوضع السكر عليها. وإذا أريد إتقانها أيضا وضع عليها ماء ورد، وتتشرب الكنافة كل ذلك وتكون حلوة لذيذة، وهي والفول المدمس من لوازم رمضان والعزائم. وأكثر الأدباء المصريون من ذكرها والتغني بلذاتها، فقال قائلهم: إليك اشتياقي يا كنافة زائد ... إلخ. واشتهر في مصر بعض المحال بإتقان صنع الكنافة من الدقيق النقي، ومن هؤلاء السيد علي الكنافاني بجوار بوابة المتولي.
الكنايات:
لهم كنايات لطيفة في أسماء بعض الأشياء؛ فمثلا يسمون نوعا من حبوب الحلوى الصغيرة «براغيث الست»، ونوعا من الحلوى المنفوشة «غزل البنات»، ونوعا من الحلوى المصنوعة من الدقيق بالسمن والسكر على شكل خاص «سد الحنك»، ونوعا من الفطير الصغير الذي يشبه المنينو الصغير «كعب الغزال»، كما يسمون بعض أنواع العجين المقلي في الزيت «لقمة القاضي» وأصله لقمة قادن؛ أي لقمة العجوز، ويسمون الذي يضيء الفوانيس بالليل «عفريت الليل»، ونوعا من النمل الكبير الفارسي «حرامي الحلة» ونوعا من ثمر اللبخ «دقن الباشا»، ونوعا من المشمش المفرود «قمر الدين»، ونوعا من حيوانات البحر «السيد قشطة»، ونوعا من الطيور يشبه منقاره المركوب «أبو مركوب»، كما لهم تعبيرات خاصة مثل: «وشه يقطع الخميرة من البيت» ومثل: «ليمونة في بلد قرفانة»، وقولهم في الذرة اللينة: «غرض الأهتم»، ويقولون مثلا: «سلم عليه سلام الماوردي على بياع الفسيخ»، و«الحيطان لها ودان»، يكنون عن الفنجان الفاضي بالملآن، كأنهم كرهوا تسميته بالفاضي وينادون الأسود بيا بيض، ويقولون: «نادى عليه بالصوت الحياني» وماشية تتعوج كأنها علامة الاستفهام، وأمثال ذلك كثيرة وردت في ثنايا التعابير.
كنت افتكر إنك وفي، أتاريك تكايدني وتختفي:
هو تعبير عامي مشهور، بمعنى كنت أظنك كذا فلقيتك كذا، فيقولون مثلا: كنت أظنك ملك، أتاريك شيطان.
كوز:
الكوز هو الإناء المعروف، ويستخدم كثيرا في ملئه بالماء والسوائل، وكثيرا ما تكون له يد يمسك منها، ولكنه يستعمل أيضا للتعبير عن ثمرة عود الذرة، ويكاد يكون استعمالا مصريا بحتا فيقولون: كوز ذرة. وهم يتركون هذه الكيزان حتى تجف، ثم يقشرونها، ويفرطون الذرة منها، ثم يخزنونها، ويأخذون منها شيئا فشيئا لطحنها عند الأكل. ونظير ذلك أيضا ما يقولون: «كوز الحلبة» يطلقونه على الحلبة إذا وضعت في كوز أو نحوه وبللت بالماء، حتى نبتت، ويسمون التين الشوكي بكيزان العسل؛ تشبيها له بكوز ملئ بالعسل، للدلالة على حلاوته.
الكوليرا:
أصيبت مصر مع الأسف بوباء الكوليرا مرارا، وقد حدثت مرة سنة 1883، ظهرت أولا في دمياط وانتشرت منها في سائر القطر. وقد ظهر أنها وافدة من الهند عن طريق أحد قوادي السفن التي وصلت بور سعيد من الهند. وذهب فيما بعد إلى دمياط وهو يحمل جراثيم المرض، وبذلت الحكومة مجهودا كبيرا في مقاومته والوقاية منه. وجاءت بعثات كبيرة صحية من أوروبا للمساعدة. وكان أكثر الأحياء ضررا منها حي الخليفة وبولاق؛ فقد ذهبت الأرواح منهما بالألوف لازدحامهما وقذارتهما، وكان بعض المصريين يعالجون الكوليرا بأشياء خرافية إلى أن انتهت، وشاهدت مرة من يطلع على سلم مزدوج في الشارع ومعه مقص يقص به الهواء، يزعم أنه يقص الميكروبات.
الكيمياء:
يقصدون بها تحويل المعادن إلى ذهب، ومن قديم والناس مولعون بها، ويفقدون كثيرا من أموالهم فيها، والحق يقال إن ذلك كان سببا في التعرف على مواد كيماوية صحيحة، وقد اتخذت وسيلة للتكسب بها، وكان ابن مسكويه مولعا بها. وقد ألفت كتب كثيرة فيها غموض ورموز وأشياء صعبة الفهم. وكم غش الدجالون الأثرياء حتى أضاعوا نقودهم فيها ثم افتقروا! يدخلون في أذهان الأغنياء أنهم يستطيعون بالعزائم السحر والمواد الكيمياوية أن يحولوا النحاس إلى ذهب، فيجمعوا نحاسهم ونحاس جيرانهم ويستدرجهم المعزمون في الصرف عليها، فينفقون الأموال الطائلة، ويجتهدون أن يكون هذا العمل فوق السطوح أو في غرفة خاصة، ثم يصبحون فلا يجدونهم؛ لأنهم يفرون قبل أن يفتضح أمرهم. وكان لرجل أعرفه بواب يظهر على ملامحه أنه من بيت عظيم، فاستفسرت عن ذلك، فعملت أنه كان غنيا وذهب ماله في هذا الباب، حتى اضطر أن يكون بوابا، وأوهم سيده أنه توصل إلى قلب النحاس ذهبا إلا خطوة صغيرة يحتاج فيها إلى نحو عشرة جنيهات فأعطاها له، رغم تنبيهي عليه بعدم الدفع وما زال يدفع ويدفع حتى افتقر هو أيضا، وهكذا من أنواع الحوادث.
ومن الغريب أن هذا الوضع مقلوب؛ ذلك أنهم يرغبون في شيء عسير كتحويل النحاس إلى ذهب، وهذا هو نهاية الكيمياء لا بدؤها؛ فكان يجب أن يتبحروا أولا في علم الكيمياء ثم تكون هذه غايتهم، وكالتنجيم فقد كان يجب أن يتبحروا في علم النجوم، ثم تكون غايتهم بحث أثر النجوم في العالم الأرضي. ومن أمثالهم: «الشحاتة كيميا»؛ أي إن الشحاتة قد تدر على صاحبها الذهب كالكيمياء.
حرف اللام
لا تعايرني ولا عايرك الهم طايلني وطايلك:
تعبير يقال للاثنين اشتركا في المأساة.
لا تكثر لهمك ما قدر يكون:
أصلها من قصيدة للشيخ علي الليثي وفيها:
الله المدبر والعالم شئون
لا تكثر لهمك ما قدر يكون
يشحذ بها الشحاذون في الشوارع.
لا راح الزمان عليه ولا جه:
تعبير يقال لمن بقي على شكله بعد مضي السنين، لم يؤثر فيه الزمان.
لا شافع ولا نافع:
ومثله لا يشفع ولا ينفع؛ أي لا خير فيه.
لاقيني ولا تغديني:
تعبير يعني أن تحسن لقائي خير من أن تحسن غدائي.
لا كده نافع ولا كده نافع:
تعبير يعني اتبعت معه كل السبل فلم تنجح.
لا له في التور ولا في الطحين:
تعبير يعني أن ليس له من الأمر شيء.
لا لهم مال ولا يحزنون:
أصلها الآية القرآنية
لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، ثم صاروا يستعملونها في النفي فيقولون: لا عنده مال ولا يحزنون؛ أي ولا أي شيء آخر، ومثله: لا عندهم فرح ولا يحزنون ... إلخ.
لا وراه ولا قدامه:
تعبير يعني ليس له شيء.
لاوي بوزه:
تعبير يعني غضبان.
لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب:
تعبير يعني ليس يعجبه شيء، حتى العجب نفسه لا يعجبه، ولا الصيام في رجب مع أنه محبوب.
لا ينفع طبلة ولا طار:
تعبير يعني لا ينفع في شيء، ولا يفيد في أمر من أمور الحياة.
اللاسة:
لفافة من حرير يلفها الفتوات من أبناء البلد على الطاقية كالعمامة؛ فتكون علامة على الفتوة والشطارة، ولكن لا يلبسونها في العادة على جلابية زرقاء، بل على جلابية بيضاء أو جلابية من التيل، أو غزلية.
اللبان الذكر:
هو لبان معروف يميزونه عن اللبان فقط، وهو المسمى باللادن، واللبان الذكر إذا أحرق انبعثت منه رائحة طيبة، وهم عادة يعتنون بإحراقه عند كتابة الأحجبة وعند بعض الدعوات. ويعتقدون أنه يساعد الأحجبة على تحقيق المطالب؛ ولذلك يوصي به المشايخ دائما هو والمستكى، والمستكى أيضا ذات رائحة طيبة، وهم عادة يمضغون اللبان أو اللادن مضغا طويلا، ولبعض النساء دلع في المضغ حتى تسمع من مضغها طقطقة. ويستعملون اللبان أيضا منقوعا في الماء طول الليل لقطع البلغم ومداواة الكحة، ويقول العامة للمرأة لا تكتم سرا: إنها بلبانة. وكثيرا ما ترى نساء في الشارع وأمامهن صينية أو طبق كبير من الخوص، مملوء باللادن.
اللبس دا خايل عليه:
تعبير يعني أنه ملائم له، ومناسب لشكله.
اللحمة منهية:
تعبير يعني ناضجة جدا، فإذا لم تكن ناضجة نضجا تاما قالوا نص نص.
لسانه يسبح، وقلبه يدبح:
تعبير يعني أن لسانه حلو، وقلبه مر.
لسه فيه الرمق:
تعبير يعني أنه لا يزال فيه بعض الحياة.
اللعب بالأسماء:
يقولون لنفيسة نفوسة، ولزينب زنوبة، ولعيشة عيوشة، ولعزيزة زيزة، ولمحمد حمادة، ولعبد الفتاح توحة، ولمصطفى مصمص، ولخديجة خدوجة، ولهانم هنومة، ولستيتة ستوتة وهكذا.
لعبت عليه نفسه:
تعبير يقولونه في الدعاء على الشخص، ومعناها تحركت عليه نفسه للقيء، ومثله غمت عليه نفسه.
الله عليه:
تعبير يقال عند استحسان شيء.
الله يلطف به:
تعبير يقال لمن مرض، وخصوصا مرضا عقليا.
اللهجة العامية:
للمصريين لهجة عامية خاصة، ولهجة القاهريين تخالف لهجة الصعايدة، وهما يخالفان لهجة الشراقوة، والبحاروة ... وعلى العموم ربما كانت لغة القاهريين أوضح وأرق من لغة البلاد الأخرى كالشام والعراق.
وبعض البلاد المصرية ينطق القاف جيما، والقاهريون ينطقونها همزة، ولكل بلد اصطلاحات خاصة في بعض الاستعمالات، ولنسق مثلا للغة العامية أخذا من مجلة الأستاذ لعبد الله نديم، فقد كان يكتب أحيانا باللغة الفصحى، وأحيانا باللغة العامية، وهذا حوار بين ألف وباء:
أ :
أنت بس رايح مصر جاي من مصر! ما سمعتش لنا شيء على اللي زي حلاتنا.
ب :
اللي زي حلاتك رايح اسمع عليه إيه؟ إنت راجل فلاح في غيطك، وتقضي عمرك وانت سارح في الغيط رايح البيت، جي من البيت زي حصان الطاحون يقضي عمره ما بين الدورة ودار الدواب.
أ :
هو أنا ناكر أني فلاح! ما أنا فلاح ابن فلاح، يعني أنت اللي ابن جندي ما انت فلاح زيي.
ب :
أنا مش مقصودي أعايرك، دنا فلاح ابن فلاح، ولكن باقلك انت راجل فلاح يعني ما حدش عارفك يحكي في حقك حاجة في مصر.
أ :
باسألك عن كده قصدي أقول إذا كان واحد زيي في مصر له حكاية يعرف يخلصها.
ب :
إن كنت رايح مصر علشان تعطر لبنتك ولا تفصل لابنك اللي رايح تطاهره، كل شيء تلاقيه هناك. وإن كنت رايح تقضي حاجة للغيط زي ساقية ولا محراث ولا قصبية برضة تلاقي، بس ركك على الفلوس.
أ :
دنا ما بديش كده، قصدي إذا كان واحد زي حلاتي له فدانين طين، وبقالهم سنين وأيام، ومعاه بيهم حجة ولا بتقسيط ميري وبيدفع مالهم، وجاه واحد كبير شوية، يعني عضمة خشنة وقالله الفدانين دول بتوعي وبده ياخدهم غصب، اكمنه كبير المقام. يعني إذا رفعت عليه قضية أكسبها.
ب :
يا مغفل، الناس دلوقت مش زي زمان، دلوقت فيه مجالس وقوانين وقضاة وحكمهم زي بعضه في الكبير والصغير والضعيف والقوي. تلاقي الحمار من دول إذا كان له قضية حتى عند واحد باشا تجيبه المحكمة قدامها من غير ما يعصى ولا يخالف، وأنت بتقول إنه الأرض أرضك ومعاك بيها حجة، دي كلها أمور تثبت لك الدنيا مش بس الفدانين. انت تروح ترفع قضية في المحكمة ولا تسأل إن كان عضمة خشنة واللا ناعمة، والمحكمة تحكم لك غصب عن عنيه، أنت توكل واحد أبكاتو وتوكل على الله.
أ :
بس خايف يروح يترجى القضاة الذوات ويعملوا خاطر لبعض تقوم تروح علي المصاريف.
ب :
أوعى تصدق! دلوقت جنس تاني. والقضاة بياخدوا ماهيات كفاية وما تسيبش الحق.
أ :
بأه ما خدش كام نص، أبرطل بيهم القضاة علشان يخلصوا لي دعوتي.
ب :
إوعى تعملها يا مشئوم لاحسن تروح في شربة مية، هو يقدر واحد دلوقت يبرطل قاضي. الدنيا دلوقت ماشية على سنجة عشرة، أوعى حد يضحك عليك وياخد فلوسك، ويقول لك أنا قلت للقاضي، أنا عملت، أنا سويت، ما فيش كلام زي ده دلوقت، روح اعمل عليه قضية ولا تبالي، وربنا ياخد بيدك ويقضي حاجتك.
ولهذه اللغة العامية بلاغة كاللغة الفصحى، ولهم فيها تعبيرات ساحرة ولهم الشعر الجميل، مثل:
تزوجت البطالة بالتواني
فأولدها غلاما وغلامه
فأما الإبن لقبه بفقر
وأما البنت سماها ندامه
كما أن لهم الأزجال اللطيفة والمواويل الرشيقة. وميزاتها أنها تحيا كل يوم في البيت والشارع، والروايات التمثيلية، ويكسبها ذلك حيوية ومرونة أكثر من اللغة الفصحى، والمتتبع لكلام العوام يرى فيه التشبيهات الجميلة والعبارات القوية مثل: الله يجازي أوامك، ما فعل يا بعيد. ومثل: يا عطارين دلوني الصبر فين أراضيه، ولو طلبتوا عيوني خدوها بس ألاقيه. ومثل قولهم في السباب: «يا عملة جديدة»، ومثل قولهم في الغناء: «البحر بيضحك لي وأنا نازلة أدلع أملا القلل»، ولو عددنا ذلك لطال بنا القول فلنكتف بهذا القدر.
وقد ترقت اللغة العامية في الأزمنة الأخيرة وأخذت كثيرا من اللغة الفصحى، فتسمع العامي مثلا يقول: «فهمت دا بالقريحة»، والفضل في ذلك للمجلات والإذاعات التي لا تتزمت باستعمال اللغة الفصحى. وبقدر ما ارتقت اللغة العامية نزلت اللغة الفصحى لتقابلها في منتصف الطريق. وكان من أسباب ضعف التعليم وعدم انتشار الثقافة أن للمصريين لغتين متميزتين: الفصحى والعامية، وبينهما خلاف كثير، ولو كان لهم لغة واحدة أو لغتان متقاربتان لقلل ذلك من العوائق أو أزالها.
ومما يؤسف له أن أدباءنا لا ينتجون إلا باللغة الفصحى، أما العوام فليس لهم أديب ولا يجدون ما يتغذون به إلا شيئا قليلا تافها؛ فقل أن يحدثهم أحد في الراديو بلغتهم، وقل أن يكتب لهم كتاب بلغتهم، وفي ذلك خسارة كبرى، وقد اقترحت من أجل ذلك أن يكون للأدباء في بعض الأحيان لغة شعبية ساكنة أواخر الكلمات، متحررة من الإعراب الذي هو أكبر عقبة للعوام. ولكن اللغة قلما تصنع، والزمن كفيل بحل هذه المشكلات.
اللوازم:
من لوازم المصريين التي تلفت النظر كلمة معلهش! يقولونها في مواضع لطيفة، كقولهم إذا أصيبوا بالمصيبة: معلهش! استسلاما للقدر واستحثاثا على الصبر. وكذلك يقولونها إذا أصيبوا بكارثة مالية لعدم الحزن على ما فات والأمل فيما هو آت، ونحو ذلك. ثم يقولونها في مواضع سخيفة إذا ظلمهم ظالم من الحكام ، فبدلا من أن يطالبوا بتحقيق العدل قالوا: معلهش . ويقولونها أيضا يتعللون بها عن الكسل وعدم السعي على الرزق، فإذا جاءت دودة القطن وأتلفته قالوا: معلهش! بدل السعي في تنقيته من الدود ... وهكذا.
ومن لوازمهم البقشيش، فكل شيء ولو كان تافها صغيرا يطلبون عليه بقشيشا، فإذا لم يقولوه بألسنتهم قالوا بنظراتهم وإشاراتهم، وربما لا تكون هناك كلمات ولا نظرات، ولكن العرف يدل عليه، وهناك طبقة أرستقراطية لا تعف عن البقشيش، ولكن بشكل طريف، وذلك بتبادل المصالح، فتقضي لصاحبك مصلحة ليقضي لك مصلحة نظيرها.
وقد يجرؤ على القول فيقول: سأعمل لك هذا العمل على شرط أن تعمل لي ذلك العمل.
وفي الأوساط المتعلمة خصوصا بين الشبان المتعلمين يستعملون كلمة «صهين»، وهي تساوي كلمة معلهش في استعمالها ومواضعها.
ومن لوازمهم أيضا «وأنا مالي» يقولونها للتخلص من مسئولية العمل، ولو قدر لمصر زعيم نجح في إبطالهم هذه الأمور الثلاثة: البقشيش، ومعلهش، وأنا مالي، لم يكن إصلاحه بالقليل.
اللوع:
كلمة تستعمل في اللسان الشعبي كثيرا، وتستعمل في معان مختلفة: أحيانا بمعنى كثرة المران والتجربة، وتحنيك الزمان، فيقال: لوعه الزمان؛ أي حنكه، وضغط عليه، حتى كثرت تجاربه وأصبح يفهم الأمور فهما دقيقا، وأحيانا بمعنى الرجل الذي لا يسير سيرا على خط مستقيم، ولكنه ينحرف في سيره، فيقولون: فلان ملوع، ولا تتلوعش علي، بمعنى لا تسر معي سيرا معوجا، وقد تستعمل بمعنى الإيلام، والإيقاع في الحزن والغناء، ومن ذلك قولهم: الحب لوعني؛ أي أضناني، وكثر استعمالها بهذا المعنى في الأغاني الغزلية.
اللي اختشوا ماتوا:
اختشى بمعنى استحيا، ولذلك يقال للرجل إذا أتى بفعل منكر اختشى، ومعنى الجملة أن الناس الذين كانوا يستحيون ذهبوا ولم يبق إلا من لم يستح، ومن هذا القبيل اختشي على عرضك.
اللي تجمعه النملة في سنة يخده الجمل في خفه: (تعبير).
اللي جاب لك يخليلك:
تعبير يعني أن الله أعطاك يبقي نعمته عليك.
اللي حبك يا هناه:
تعبير يعني ما أهنأ من يحبك.
اللي يزمر ما يغطيش دقنه:
تعبير يعني أن الذي يأتي بالعمل لا يصح أن يستتر منه إذا صمم عليه.
اللي ما يرضى بالخوخ يرضى بشرابه:
تعبير يقولونه في معنى: من لم يرض بالكثير اضطر إلى أن يرضى بالقليل.
اللي يبات فيه يصبح فيه:
تعبير يعني أنه مستمر على حالة واحدة.
اللي يعد وياه ما يشيلش هم:
تعبير يعني أنه فرح مرح، يفرح من جالسه.
الليالي المشهورة:
من عادة المصريين الاحتفاء ببعض الليالي، كليلة القدر وهي ليلة السابع والعشرين من رمضان فيحتفلون بها، ويعتقدون أنه في هذه الليلة تظهر للمسعدين طاقة من نور في السماء، وحينئذ يجب أن يسرعوا في الدعوة، مع أنه قد يكون هذا النور ناشئا من تماس أسلاك كهربائية أو نحو ذلك فيظنون أنه نور ليلة القدر.
ومن الليالي المشهورة أيضا ليلة نصف شعبان، فيجتمعون في صلاة المغرب في المساجد أو في البيوت فيقرءون الدعاء، وهو: اللهم يا ذا المن ولا يمن عليه إلخ ... ثم يدعون بما يشتهون، ومنهم من يعتقد أنه إذا قرأ الدعاء أمن من الموت في عامه وأمن من الشقاء، ومن الليالي المشهورة ليلة السابع والعشرين من رجب، وهي ليلة الإسراء والمعراج؛ وليلة الثاني عشر من ربيع الأول، وهي ليلة المولد النبوي؛ وليلة أول السنة الهجرة إلى غير ذلك، وفي ليلة المولد هذه تقام حفلات الذكر في ساحة من ساحات البلد، وتصنع الحلوى من السكر على شكل عروس أو جمل أو حصان، وألعاب مختلفة تناسب الأطفال من ذكور وإناث، ومن الليالي المشهورة أيضا ليلة الحنة وليلة الدخلة إلخ ...
لمونة في بلد قرفانة:
تعبير يعني أنه حاو لصفات الطلب عليها كثير.
لونه توت عنخ آمون:
استعمال ظهر على أثر ظهور ذخائر توت غنخ آمون وما فيها من ألوان كثيرة زاهية، وأصباغ متعددة.
ليالي زي قرون الخروب:
تعبير يعني ليالي سوداء، تقول المرأة أو الرجل مرت علي ليال زي قرون الخروب؛ أي سوداء حزينة.
ليك ألف عوزة وادخرتك ليوم عوزة: (تعبير)، العوزة: الحاجة إليه.
ليلته مش فايتة:
تعبير يعني لا تنقضي بسلام، بل يحدث فيها من الشر ما يطيلها؛ لأن العادة جرت بقصر الوقت السعيد كليل الوصال، وطول الوقت الشقي كليل الهجران.
ليلة الحنة:
هي الليلة التي تسبق عادة الزواج، فبعد الحمام تكون الحناء، وللحمام والحناء أهمية كبرى، وخصوصا عند الفلاحات؛ لأن الفلاحات يحرمن على الفتاة منذ بلوغها العاشرة تقريبا أن تستحم أو تتزين؛ لأن هذا يعد في نظرهم عهرا، ولذلك لا يأتي ميعاد الحمام والحناء إلا وقد تراكمت عليها الأوساخ، ولذلك ينظفها في الحمام بحجر الخفاف أو الشقافة، ويستعن على ذلك بالماء الساخن، والمكث فيه مدة طويلة.
أما في الحضر فالحناء أقل أهمية لنظافتهن، وعدم تقيدهم بقيود الفلاحات، وهن يتحنين مع صواحبهن بالحناء، فيحلين أيديهن وأرجلهن بالحناء المدقوقة المعجونة ويربطنها إلى الصباح، فتكون حمراء، وقد يتشخلعن فيها ويضعن فتلا في الأيدي حتى تظهر كأنها منقوشة.
ليلة الدخلة:
هي الليلة التي يبني فيها العريس بالعروس، وقد سبق شرحها عند الكلام على الزواج فارجع إليه، ونزيد هنا أنه كان شائعا عند الفلاحين أن يتصل الرجل بزوجته في ليلة الدخلة، لاطمئنان أهلها على سلوكها، ودليل ذلك أنهم يعلنون عن سبق طهارتها ببقاء بكارتها إلى اليوم، فيخرج أبوها بشاشاة ملوثة، ويصيح هو وأهلها: «بيضت الشاشة يا عروسة»، ويغني النساء أيضا:
شرفت أهلك يا عروسة
عليت راس أبوك يا عروسة
حلق في ودانك يا عروسة
أي أنها تستحق ذلك، وفي الأوساط الوسطى والغنية تلعب البلانة دورا هاما في تحميمها، وبعد الحمام في تزيينها ثم ما يتصل بذلك، وقد تكون البلانة لعروسين أو ثلاث، وقد تقتصر على بنت واحدة إذا كانت من الأغنياء.
وجرت عادة في قرى الأرياف أن يجتمع النساء على الباب ساعة التقاء الرجل بالمرأة، يصفقن ويغنين ويهللن، حتى ينتهي الأمر، فإذا تأخر عنهن الخبر غنين: «مرسالك غاب يا وردة» فإذا علمن انتهاء الموقف زغردن، ويكون معهن رجل ببندقيته فيطلقها في الفضاء إيذانا بالانتهاء.
الليمون الصغير:
يسمى بنزاهير، وهي كلمة فارسية أصلها بادزهير، ومعناها ضد السم، وهو ثمرة مفيدة غنية بفيتامينات حرف «س» كما دل عليها التحليل الحديث، وهم يتخذونه على أشكال فيعصرونه أحيانا على ماء مذاب فيه السكر فيكون مشروبا لذيذا، ثم هم يعصرونه على كثير من المأكولات كالبامية والفاصوليا والباذنجان والفول المدمس بالزيت.
وأحيانا يخللونه للأكل منه لقصد فتح الشهية، وكثير من الفلاحين يأكلونه مع الخبز إداما كالمش.
ومن أمثالهم: «ليمونة في بلد قرفانة» وذلك لأن الليمون موصوف لدفع القرف، فإذا كانت البلد كلها قرفانة كان الناس يتسابقون على الليمون، وأحيانا يستعملونها لتشبيه الوجه الأصفر فيقولون: وجهه أصفر كالليمونة، وكذلك إذا رأوا ثيابا صفراء أو شيئا أصفر قالوا: إنه أصفر كالليمونة.
حرف الميم
مابه الموت ومابه زانقة القبر:
هو تعبير غريب، يقولونه للدلالة على الرجل وقع في مصيبة فما لبث أن وقع في مصيبة أخرى، كقولهم: «تكسرت النصال على النصال»، واللفظ نفسه لا يدل على هذا المعنى، ولكن يدل عليه الاستعمال. وهو استعمال شائع في لسانهم، فيقولون: ما به كذا وما به كذا؛ للدلالة على أنه كانت تكفيه المصيبة الأولى، فجاءته المصيبة الثانية زيادة عليه.
مات فطيس:
تعبير يعني مات بسبب لا يدعو إلى الموت.
مات في جلده:
تعبير يعني خاف.
المارد:
هو شر أنواع العفاريت، ويعتقدون أنه يستطيع أن يطول إلى ما لا نهاية، ويقصر إلى ما لا نهاية، وأحيانا يتمدد في الطريق بالليل، فإذا قرأ أحد عليه شيئا من القرآن الكريم قتله. وعند مجيء الأرناءوط في مصر في عهد محمد علي باشا عرفوا خوف المصريين، فكانوا يلبسون الثياب البيض، ويلفون عصيهم بشاش أبيض، ويظهرون بالليل، ويدخلون الحواري بحجة أنهم مردة، وقد يرفعون عصيهم فيظن أنهم طوال، وهم بذلك يخيفون أهل الحارة ويقضون منهم أوطارهم. وما أكثر ما يخيف المصريين، من المارد هذا، والمزيرة، وهي عفريتة تظهر على شكل امرأة تلبس لباسا أبيض، وأبو رجل مسلخوة، وأم الشعور، والأسياد، والقرينة ... إلخ، ومن شدة خوفهم تعلقوا بالجن وطلبوا منهم المعونة.
ماشي بالدراع:
تعبير يعني يسير أمره بالقوة.
ما شاء الله:
كلمة يستعملها المصريون ثلاثة استعمالات: يستعملونها مرة للاستعظام، فإذا رأوا شيئا حسنا، قالوا: ما شاء الله. ومرة للاستهجان ، فإذا رأوا أمرا قبيحا لم يكن ينتظر قالوا : ما شاء الله. ويقولونها أيضا للمدح والتشجيع، فإذا روي لهم مثلا عن رجل يحفظ آلافا من الشعر، قالوا: ما شاء الله. ومثلها في ذلك: يا سلام. والفارق بين الاستعمالات النغم موضع القول.
مافيش بيني وبينه عمار:
تعبير يعني ليس بينهما ألفة.
مافيش في وشه دم:
تعبير يعني لا حياء عنده.
مافيش لزوم:
تعبير يعني لا داعي لهذا.
ما كنش عشمي:
تعبير يعني خاب أملي.
المأكولات الخاصة:
اعتاد المصريون أن يأكلوا في العيد الصغير السمك المجفف، ويسمى بالبكلاه، بتفخيم اللام، والكعك المنثور عليه السكر، والغريبة. وفي العيد الكبير ذبح الضحية والأكل من بعضها، والتصدق ببعضها. وفي شم النسيم الفسيخ والبصل الأخضر. وفي رمضان يروج الإفطار على الفول المدمس، وتكون الحلوى كنافة وقطايف وقمر الدين مطبوخا أو منقوعا، واعتادوا في العيد الصغير والكبير تقديم الشيكولاتة والملبس للضيوف، وأكل الرقاق في الصينية باللحم المفروم ومرق الضحية. وعند دعوة الفقهاء لقراءة ختمة أو عدية يس أو نحو ذلك تؤكل الفتة من خبز عليه المرقة، ثم طبق من أرز، ثم اللحم المسلوق.
ثم اعتادوا أخيرا لغلبة المدنية الحديثة أن المار إذا احتاج إلى أكل يمر على دكان أعد لذلك يأكل منه السندويتشات بالجبن والزبد تارة، وأخرى بالكبد، وثالثة باللحم... إلخ، وقد يمرون على دكاكين خاصة بالحلوى والفطائر، وما يسمى بالبسطة. وفي الصيف يكثرون من أكل المثلجات كالدندرمة والجرانيتا.
وفي الشتاء يشربون القرفة أو الكاكاو أو السحلب، وغير ذلك من الأشياء المدفئة. وفي الطريق ترى كثيرا من المأكولات الخفيفة، كالبليلة في الصباح، والترمس واللب في المساء. وقد ترى الطبقة الفقيرة تمص قصب السكر، وترمي القشر في الشوارع، أو البرتقال كذلك، وتجدهم على القهاوي يأكلون السميط والبيض، أو السميط بالملح، أو الطعمية تستحضر من دكاكين جانبية. والفلاحون يعتنون بكيزان الذرة وأكلها مشوية، ومن حين لآخر يذهب بعض المصريين إلى محلات خاصة لأكل النيفة أو الكباب.
المال الحرام:
يعتقدون أن المال الحرام - وهو ما اكتسب من باب حرام، كالسرقة والارتشاء والقيادة ونحو ذلك - ليس فيه بركة، وأنه عرضة للزوال السريع. وأن المال الحلال وهو ما اكتسب من باب حلال تحل فيه البركة، فينعم به صاحبه، وخصوصا ما اكتسبه الرجل من عرق جبينه. وربما كانت العلة العلمية لذلك أن المال إذا كسبه الرجل بجده واجتهاده حرص عليه وذكر ما لقيه من التعب في اكتسابه وصرفه بحساب. وعلى العكس من ذلك المال الحرام؛ إذ يأتي من غير تعب، فيسهل على الرجل أن يصرفه حيثما اتفق؛ ولذلك إذا رأوا مالا مبددا قالوا: لا غرابة! فإن أصله حرام.
ويعتقدون أن المال الحرام قد لا يضر صاحبه في المال فقط، بل قد يضر صاحبه ومن اتصل به في النفس أيضا فقد يموت في حادثة شنيعة، أو يمرض مرضا كبيرا، أو يصاب بعاهة أو نحو ذلك، وأعرف رجلا كان موظفا كبيرا في الحكومة، وكان مرتشيا، وحصل له من ذلك مال كثير، فمات هو بالحمى، وداست أحد أبنائه سيارة، ومات آخر بمرض، وخرب البيت من أجل ذلك؛ فقال الناس: إن سبب ذلك كله المال الحرام.
وإذا فقد مال رجل ثم وجده، قالوا: مال حلال؛ لأنهم يعتقدون أن المال الحرام لا يوجد ثانيا. والمتشددون في السلوك يحرصون أشد الحرص على أن لا يكسبوا قرشا حراما، ولا يدخل في جيبهم قرش حرام؛ لأنهم يعتقدون أنهم إذا كسبوا قرشا حراما وقرشا حلالا ذهب الحرام بالحلال.
ما هي دي عوايدك:
تعبير يعني من معتاداتك، وليس غريبا. وقريب منها قولهم من وحايدك؛ أي إحدى العجائب التي تأتي بها.
ما يردح لسالم إلا مطاوع:
يظهر أنهما كانا لسنين تهاجيا، وأنهما كانا ندين في التهاجي، تعبير يقال لاثنين لا يقدر على أحدهما في الشر إلا الآخر.
ما يستاهلش ملء ودنه نخالة:
تعبير يعني أنه رجل تافه لا يساوي شيئا.
ما يقع إلا الشاطر:
تعبير يقال عندما يزل الماهر.
المبخراتي:
كثيرا ما ترى في شوارع القاهرة رجلا يحمل مبخرة فيها نار متقدة، وبجانبه كيس معلق في كتفه، فيه بخور ذو رائحة عطرية، فيأخذ منه ويضع في المبخرة، ويمر على الدكاكين يبخرها، فيمنحونه بعض المال، أو بعبارة أخرى: ما فيه القسمة.
ومنهم من يجعل لهم راتبا شهريا صغيرا، وعند التبخير يكثر من الدعوات والصلاة على النبي. وكثيرا ما يلبس المبخراتية عمامة حمراء. (انظر بخور).
المترد:
هو إناء من فخار أحمر وأصفر، وهو أشهر أواني الفلاحين، يحملون فيه اللبن ويضعون فيه الطبيخ ويساويه في الشهرة (الطاجن)، فهم يضعونه في الفرن ينضجون فيه اللحم أو السمك أو الطير أو الأرز أو نحو ذلك بوضعه في الفرن. وإذا امتلأ المترد قالوا: إنه (مترد مطنبر)، خصوصا بعد أن ينضج ما فيه وينتفخ، وهو يختلف عن الطاجن بضيق رقبته.
المتعوقة:
هي المرأة التي تلد ويموت أطفالها، ويعالجونها بأن تحضر العجوز الزوج وزوجته وتوقف أحدهما أمام الآخر، ثم تحضر دجاجة سوداء ليس بها أي إشارة، وتذبحها وتخرج أحشاءها وتنتف ريشها، وتوصل خيطا بين إبهامي الزوج والزوجة، وتضم كل هذه الأشياء على خلاص المرأة، وتدفن الجميع في عتبة القاعة. وقد شاهدت وأنا صغير امرأة تزعم أنها تجعل المتعوقة تلد. فطلبت طشتا كبيرا نظيفا ووضعت فيه ماء، ثم وضعت فيه بعض الحلي، ثم قرأت تعزيمات مختلفة، وأخيرا أخرجت من جيبها أداة في حجم الجرس الصغير ووضعتها وطلبت من المتعوقة ريالا ووضعته على هذه الأداة، وبعد قليل طار الريال إلى السقف، وتضاحك الحاضرون والحاضرات واختفى الريال. وقد فهمت الآن أن هذه الأداة كان مركبا فيها زمبلك مضغوط لحم بشيء يذوب في الماء بعد مدة، فلما ذاب انفك الزمبلك فطار الريال، والمهم في المسألة أن المتعوقة لم تحمل، والريال قد ضاع.
المجاملة:
هم يجاملون كثيرا فيظهرون من الصداقة والإجلال ما قد يضمرون مع الكره والاحتقار، وقد يقابلون أعداءهم بالحضن والتقبيل مما لا يكون إلا بين الأصدقاء، بينما هم يضمرون البغض والازدراء، وحدثني أحدهم قال: حضر رجل ديني معمم كان مكروها لموقف معين له في السياسة المصرية ومجاهرته بذلك، قال وكنت في مأتم مزدحم بالناس، فما أهل هذا الرجل الكبير حتى وقف الناس كلهم على الجانبين إجلالا له، ومنهم من انحنى على يده فقبلها، وقد كانوا يلعنونه منذ عهد قريب.
وعلى العموم فهم تنقصهم الصراحة، وأشعارهم في المجاملة والمداراة كثيرة. ومن مجاملاتهم الكثيرة الإلحاح على الضيف والإكثار من الأصناف، وكثرة ألفاظ الترحيب، وكثرة الألقاب في الخطابات، والمقابلة بالحضن والقبل، وكثرة الهدايا في الأفراح ... إلخ.
المجنون ما يعجبوش إلا عقله، ولو جبت له ألف عقل على عقله:
تعبير يعني أن المجنون متمسك برأيه، وهم يعتقدون أن المجنون إنما يعرف كيفية معاملته مجنون مثله. ويحكون في ذلك أن مجنونا أخذ طفلا وطلع به مئذنة، وأراد أن يحدف الطفل من المئذنة، فخاف أهله، فنادوا بمجنون مثله، فقال له: إن لم تنزل نشرت المئذنة، فوقعت بالطفل، فخاف ونزل، ونجا الطفل.
المحتسب:
وظيفة المحتسب كانت وظيفة كبرى في الدولة إلى عهد قريب، كان يختار صاحبها ممن جمع بين العلم والوجاهة. ووظيفته مراقبة الأسواق، ومراعاة الأسعار والمصالح العامة. فمن طفف في الكيل والميزان عاقبه، ومن رفع السعر عاقبه، وربما كان هذا المحتسب شديدا فيعاقب أشد عقوبة، فمثلا كان بعضهم إذا ضبط بائع كنافة يبيع بثمن أغلى مما حدد له، وضعه على الصينية حتى يحترق، ومن باع قمحا أو ذرة بأكثر من ثمنها عوقب عقوبة شديدة. وله الحق في أن يمنع طبيبا لا يحسن العلاج، أو محترفا لا يتقن حرفته، أو قاضيا ليس أهلا. وهو يجوس خلال الأسواق يتقدمه عامل يحمل ميزانا ويتبعه الجلادون والخدم، وكثيرا ما يستوقف خادما ما حاملا مأكولات فيسأله عن ثمنها ووزنها، فإذا تبين له أن البائع استعمل موازين أو مكاييل مغشوشة، أو طفف الكيل والميزان، أو زاد على سعر السوق، أنزل بالبائع العقوبة في الحال، وهي الضرب أو الجلد، أو بما شاء المحتسب من العقوبات، كخرمه أنف الغشاش، وتعليقه في أنفه كعكة بطول الشبر وعرض الإصبع، وأحيانا يجرس في الأسواق مع العقوبة، وقد قابل محتسب مرة بائع بطيخ على جمل فسأله: بكم البطيخة؟ وكان معروفا عنه أنه يكثر قطع الآذان، فقال له المسئول: هذه أذني فاقطعها. قال له: أأنت مجنون أو لم تسمع؟ قال: بل سمعت، ولكن إذا قلت بعشرة قطعت أذني، وإذا قلت بخمسة قطعت أذني، فاقطعها بالاختصار. ومرة قابل المحتسب رجلا يبيع قللا من سمنود مدعيا أنها من قنا، فأمر بكسرها، وكان الذي جربت منه هذه الأحداث في عهد محمد علي كرديا يسمى مصطفى كاشف، وقد أمر مرة أن يحمى حصانه في الحمام، فاستغرب صاحبه من هذا الأمر، واعتذر بأن أرض الحمام ناعمة فربما زلقت رجل الحصان، فأمر أن يطرحوه على الأرض ويضربوه حتى يأمرهم بالكف عنه، فلم يأمرهم حتى مات. وقد ألغيت هذه الوظيفة من قريب، ولكنها ربت في قلوب المصريين الرعب.
المحسنات اللفظية:
يعتمد المصريون كثيرا على المحسنات اللفظية من جناس وسجع وكناية ونحو ذلك؛ حتى ليغيرون الكلمات أحيانا التماسا للسجع أو الجناس. فمثلا يقولون: سيدي بندق ما صدق. وبندق لا معنى لها، إلا أنها فرش للسجع، ومن مثل إمعانهم في الجناس قوله:
محبكم داب وأنتم لم دريتوبه
والنار بترعى فؤاده وأنتم لم دريتوبه
فاللفظتان واحدة، والمعنى في اللفظة الأولى ما دريتم به، وفي الثاني ما درى ثوبه.
محسوبية:
هي نسبة تركية الى محسوب؛ أخذا من قوله: «محسوب عليه»، وجعل المصدر للدلالة على إنهاء الشيء من رجل لرجل محسوب عليه. وهذه المحسوبية إما للرشوة، وإما لانتساب الرجل إلى الآخر بسبب ما، كالتذلل له أو قضاء مصلحة له، أو طمع عامل في الخدمة في أن يقضي له خدمة أخرى، أو لقرابة أو نسب وهكذا.
وكل أمة فيها محسوبية لدرجة ما، ولكن ليست محسوبية سافرة كأن يخطى الأول من الامتحان مثلا لأخذ من ترتيبه الخمسون، أو تفضيل غير الكفء على الكفء. واتصف المصريون بكثرة هذه المحسوبية حتى اعتقد الناس أنه ليس يعمل عمل إلا بها؛ فالورق يبقى عند الموظف نائما تتراكم عليه الأتربة أو منسيا في درج الموظف إلى أن تأتي محسوبية فيمر مر «البرق»؛ ولذا شاع بين المصريين: إذ أردت أن تقضي عملك فابحث عن كبير يرجو لك. وسبب ذلك أن الموظف المصري غالبا كان لا يتحرك لعمل إلا أن يكون له غرض شخصي من ورائه، ومن الرجاء فيه، أو بعبارة أخرى من لا محسوبية له أهمل شأنه سنين.
ويحتاج الأمر تعويدا قويا على أن المحسوبية لا فائدة منها، وأن العدل يجري مجراه، وسواء كان لصاحبه محسوبية أو ليس له. والاعتياد على هذا المنظر يقطع الرجاء، بدليل أن الناس لما ألفوا أن الامتحان في الابتدائية والبكالوريا لا رجاء فيه، فقد يرسب ابن الوزير عدلا، وينجح ابن الحاجب عدلا؛ امتنع رجاؤهم في هذا الباب. فمن لنا في أن تكون كل المصالح شأن الامتحان! ومن الغريب أن عدم المحسوبية بقدر ما يبطئ العمل أشهرا وسنين تعطيه المحسوبية سرعة البرق فيمر في لحظة.
أعرف مرة أن طلبت لي ترقية إلى الدرجة الثالثة فلم أوص أحدا، ثم مكثت ستة أشهر دون أن أسأل عليها، فلما قلقت وسألت عن الأوراق قيل لي: إن الدوسيه فقد، فحكيت الحكاية لكبير فأمر بإعداد دوسيه جديد، وفي ربع ساعة كان قد مر على الموظفين المختصين؛ لأن فلانا أمر، وفي ربع ساعة أخرى صدق عليه، ومن غريب الأمر في هذا الحادث أن كان لي صديق رقي معي في قرار واحد، وكانت ترقيته استثنائية، وترقيتي قانونية، فأما هو فكان محسوبا لوزير كبير بيده سلطة، فما تم القرار حتى أرسل إلى المالية فورا وصدق عليه في الحال، وخرج القرار فإذا مجلس الوزراء يوافق عليه في ساعة. وأما أنا الذي مطلبه قانوني فكانت قصته ما ذكرت.
وألعن ما في الأمر اعتياد الناس هذا واعتيادهم أن أمرا لا يتم إلا بالرجاء؛ ولذلك تجد حجرة الموظف الكبير تمتلئ كل يوم وتفرغ، ثم تمتلئ وتفرغ، حتى يعوقه ذلك عن عمله. ومن أسوأ ما في ذلك أن من يقبل الرجاء ويعين على الظلم، أحب إلى الناس ممن لا يقبله، بل إن أحب الناس إلى الناس هو رجل يركب سيارته صباحا فيمر على المصالح المختلفة لقضاء الحاجات المختلفة، وكلما نجح في ذلك كان أقرب إلى قلوب الناس، مع أن نجاحه قد يكون ظلما، وقد يكون على حساب آخرين مظلومين ليس لهم رجاء ... وهكذا. وكان لي صديق - رحمه الله - رئيس مصلحة كتب على بابها: «لا محسوبية ولا رجاء!» مع ذلك لم تنفع شيئا، فقد بقيت المحسوبية وبقي الرجاء، كما أن اللافتة المكتوب عليها «ممنوع البصق» لا تمنع البصق.
ولكثرة فشو هذه العادة في مصر قالوا: «يا بخت من كان النقيب خاله»، وقالوا: «ابن الوز عوام»، وقالوا: «اللي له ضهر ما ينضربش على بطنه» وهكذا من كثير من الأمثال التي تدل على تغلغل هذه العادة في نفوسهم، وحتى سرت هذه العادة إلى الأولياء وأصحاب الأضرحة الأموات، فقالوا: «المحسوب منسوب ولو كان معيوب»، تملقا للمشايخ كأنهم أحياء يرزقون. وتقول لرجل: إني قدمت طلبا في وظيفة كذا، فيقال لك: ألك واسطة كبيرة؟ فإن قلت: لا، قال: لا! وبلغ من الجرأة أن تلصق على الطلب بطاقة من أوصى عليه أو انتسب إليه للنظر في ترجيح من أوصي عليه عند البت في الأمر. وكان من مساوئ نظام الحكم عندنا أن كل وزارة تأتي يكون لها لون من المحسوبين عليها، وفي نظير ذلك يكون لها خصوم، فإذا زالت وزارة اختفى المحسوبون عليها وظهر المحسوبون على الوزارة الجديدة، وهكذا دواليك. وفي كل هذا خسارة على الأمة، هذا عدا أن أناسا قويت عندهم حاسة الشم، فإذا أدركوا أن وزارة ذات لون خاص ستأتي أسرعوا فانتسبوا إليها وتظاهروا أنهم من رجالها. وقد كان هذا من مضار انقسام الأمة إلى أحزاب؛ فالحزبية لا تنجح مع شعب كهذا. وكثيرا ما نسمع في الأمم الأخرى عن استقالة وزير أو رئيس مصلحة؛ لأنه طلب منه أن يفعل شيئا لا يتفق مع العدالة، ولا يصلح هذه الحال إلا توالي وزارات مختلفة تلتزم العدل، وتفهم الناس أن المحسوبية لا تقدم ولا تؤخر، وتبرهن لهم على عدلها؛ لأن العدل وحده هو الحكم فيمن يصلح ومن لا يصلح، وتقيم البراهين على ذلك من نفسها بتنوير الناس أن رجلا خير من رجل لكفاية لا لواسطة، وأنه يتحرى المصلحة العامة لا الخاصة.
محمد علي باشا:
نذكره أيضا؛ لأنه بدء مرحلة في تاريخ مصر؛ فقد غير النظم التي كانت تأسست في العهد العثماني وغير نظامها وحكومتها، فغير تقسيمات القطر المصري وبدل بها تقسيمات إدارية أخرى، تكفل للسلطة حصر الموارد، وقسمها إلى سبع مديريات، كل مديرية عليها مدير؛ اثنتان في الوجه البحري، وواحدة في القاهرة، وأربع في الصعيد، وقسم كل مديرية إلى مراكز، وكل مركز يرأسه مأمور، والمركز يشمل جملة قرى، وكل قرية يرأسها العمدة وشيخ البلد، وشيخ البلد هو المكلف بتحصيل الضرائب وأموال الجباية.
ونظم البوليس والشرطة، واهتم كثيرا بالجيش وتقويته؛ وعلى أساس هذا الجيش أسست المدارس وأوفدت البعثات وعلمت الحرف المختلفة ثم غير النظام المالي للبلد، فكانت أكثر الأطيان في ملكه، وكلف الملتزمين أن يثبتوا ملكيتهم، فلما لم يفعلوا جردهم عنها ووضع لهم مقدارا من المال محددا يتقاضونه كل سنة، أو كل شهر، واستعان بالمصريين في أعماله، بعد أن كان لا يتولاها إلا الأتراك. وهذه الطريقة في الملكية لقيت تحبيذا وانتقادا، وأكثر التحبيذ كان من جانب الفرنسيين؛ لأنهم كانوا أنصاره، وأظهر النقاد كانوا من الإنجليز؛ لأنهم كانوا يكرهون تقرب الفرنسيين وحظوتهم؛ يمثل ذلك ما كتبه كلوت بك الطبيب الفرنسي عن محمد علي، فكل كتابه مديح، و«لين» الإنجليزي، فكتابته مسممة بالنقد، فقد قال: إن كثيرا من أعماله قابلة للنقد.
وأيا ما كان فلا يختلف اثنان في أنه أخرج مصر من الحكم العثماني وجعلها مستقلة بذاتها، وهذا الاستقلال ألزمها الاعتماد على نفسها في المصانع والجيش والإدارة، ثم نقلها نقلة جديدة لما جره هذا النظام من تغيير في العادات المصرية والتقاليد، ثم أفادها باعتزازه بالنفس لما كسرت الجيش العثماني.
وقد أخذ عليه الشيخ محمد عبده في مقال له أنه أفقد المصريين شجاعتهم. ولا يزال تقديره التام وتقدير أعماله في ذمة التاريخ، كالعين إذا قربت من المبنى الضخم لم تستطع تقويمه. وقد كان الجبرتي المؤرخ رحمه الله جريئا إذ نقده في كتابه في بعض تصرفاته. ولكن والحق يقال إن نظرات الجبرتي كانت جزئية، ولم يستطع النظرة الكلية والتقدير الشامل. وعلى كل حال فقد كان صفحة جديدة في تاريخ مصر، فيها الحسن وفيها الرديء.
المحمل:
إطار مربع من الخشب، هرمي القمة، له ستر من الديباج الأحمر، وعليه زخارف وكتابة مطرزة تطريزا فاخرا بالذهب على أرضية من الحرير الأخضر أو الأحمر، وله قماقم أربعة من الفضة المطلية بالذهب، وينتهي هذا الكساء بشراريب تعلوها كرات فضية يتفرع منها سلوك دقيقة. وللمحمل مصلحة حكومية لإعداد كل هذه المواد الخام وصنعها بالقاهرة يشرف عليها موظف كبير، والناس يتبركون عادة بالمحمل ويتمسحون بالكسوة، ويقبلون شراريبها، ومن استطاع ذلك كان له الفخر حتى: كأنه قبل يد النبي
صلى الله عليه وسلم ، والمحمل لا يحوي شيئا إلا مصحفين صغيرين داخل صندوقين من الفضة المذهبة معلقين في القمة، ويحمل المحمل على جمل ضخم، يتمتع أيضا بما يتمتع المحمل من تبرك له، وإعفائه من العمل بقية السنة ويسمى جمل المحامل، وقد قامت ضجة حول المحمل بسبب أن المملكة العربية السعودية وهابية، وهي لا تؤمن بالمحمل ولا بالأضرحة والقباب، وقامت أزمة شديدة من أجل ذلك بين السعوديين ومصر، وحل الأمر أخيرا بأن يحتفظ بشكل سفره، ولكن لا يدخل الحجاز على ما أظن.
وهو قديم في القاهرة من عهد شجرة الدر، ويحتفل به في بعض شوارع القاهرة، ثم يحتفل به في ميدان القلعة، ويحضر هذا الاحتفال من ينوب عن الملك والحكومة وأمير الحج وبعثته وبعض العلماء والكبراء، وقد اعتادوا في هذا الاحتفال أن يقبل الأمير مقود الجمل، ويحتفل به مرتين في العام: مرة عند طلوع الناس إلى الحج، ومرة عند عودتهم منه، وهو يثير في الجماهير عواطف قوية شديدة نحو الحج، وفي الاحتفال تضرب المدافع، وتغني أغاني الحجاج ... إلخ.
مخ الحمار:
يصفونه دواء لبعض الأمراض الروماتزمية ويتعب المريض في إحضاره، ويزعمون أنه يشفى من المرض بسببه.
المخللاتي:
المخللاتي من يصنع المخلل، ويسمونه أيضا الطرشجي. ويكاد يكون في كل حي من أحياء القاهرة دكان أو معمل للطرشي هذا، مما لم أر له مثيلا في البلاد الأخرى. وهم يخللون فيه اللفت والخيار والجزر والبصل، وهو أكثرها لأنه أرخصها.
والناس يذهبون بسلاطينهم أو مواجيرهم الصغيرة ليشتروا منه بقرش أو بنصف قرش، فيضع في القاع اللفت؛ لأنه أكثر، ثم قليلا من الأصناف الأخرى، ثم يضع عليه مرقا مخللا لون بلون أحمر يسمى الدقة.
والفقراء يعيشون كثيرا على الأكل منه، وكان في مدتنا في الكتاب يأخذ سيدنا من كل ولد نصف قرش، وفي الظهر يرسل ماجورين صغيرين، يملأ أحدهما طرشيا بمرقة، ويملأ الآخر فولا نابتا بمرقة أيضا، ويلتف الأولاد حولهما فيأكلون من خبزهم ويلغوصون في المواجير، وقد يكون أحدهم مريضا فيعدي الآخرين.
وللمرحوم محمد (بك) جلال قصة أولها كان فيه واحد بياع طرشي. يختمها بقوله: «الليفهش ما يخلهش.»
المداراة:
والمصريون يتقنونها ولهم في ذلك الحكاية المشهورة: «أنا خادم الباذنجان ولا خدام عندك» فيروون أن سيدا سأل طاهيه: ماذا تطبخ لنا اليوم؟ قال له: أمرك! قال له: ماذا تقول في الباذنجان؟ قال له: ما شاء الله! حلو لذيذ الطعم. وظل يمدح فيه زمنا طويلا، ثم قال له سيده: لكنه حار يعطش. فأخذ الطاهي يذمه أيضا، قال له السيد: إنك كنت تمدحه، فقال الطاهي: أنا خادم للباذنجان أم لك؟ وقد نظمها شوفي بك في شعره، ومن أمثالهم المشهورة: «إن دخلت بلد أهله يعبدون العجل حش واديله» وقالوا أيضا: «ارقص للقرد في دولته.»
وقال شاعرهم:
ودارهم ما دمت في دارهم
وحيهم ما دمت في حيهم
وأحسن العشرة مع بعضهم
يعينك البعض على كلهم
ولهم حكايات كثيرة على أن من لم يجار الناس حاق به الهلاك، فيقولون مثلا: إن سلطانا وقع اختياره على رجل فقير، فلما استوزر أغلظ للناس ونسي فقره، فاغتاظ زملاؤه، فلما ذهب لصلاة الجمعة مع السلطان وضعوا تحت سجادته صليبا ثم أعلنوا أمره فقتل. وهكذا، وربما كان من أسباب كثرة ما يقع عليهم من ظلم الحكام والعسف بهم وكذبهم كثرة مداراتهم، وقلة صراحتهم، وعدم تململهم. وقد رأى الجاحظ حمارا يحمل عليه حمل ثقيل فقال: «لو هملج هذا ما حمل عليه» (انظر مجاملة).
مدد يا أسيادي :
تعبير يقال عند زيارة شيخ يطلب منه المدد والإعانة.
المدفع:
ليس يهمنا إلا أنه يستعمل عادة عند المصريين في مواقف خاصة، فيطلق عند الإفطار في رمضان، وعند السحور وعند الإمساك. ويطلق في أوقات الأذان في الأعياد: صباحا، وظهرا، وعصرا، ومغربا، وعشاء. يطلق في كل مرة إحدى وعشرين طلقة، وكذلك في بعض المناسبات كعيد الدستور ونحوه. هذا في الأفراح، وقد يطلق في الأحزان كإعلان موت أحد من البيت المالك سابقا، ويطلق أيضا كطلقة واحدة عند ظهر كل يوم.
وإذا كان أغلب ما يستعمل في الأفراح قلده الأطفال في إطلاقهم البارود مصغرا في الأعياد والمواسم، المسلمون في أعيادهم، والأقباط في أعيادهم.
المر:
يستعملونه هو والصبر كثيرا في كلامهم، بمعنى تجرع الغصص، فيقولون شربت المر، وسقاه المر من كيعانه، وشفت المر، وذقته حلو على مر، وشربت كأس المر وهكذا.
المرأة:
المرأة المصرية مشهورة من القدم بخصائص، وحتى الأجانب الذين زاروا مصر لفت نظرهم خفة روحها، وجمال عينيها العسليتين، وحسن قوامها، ولطافة تقاطعيها، وجمال مشيتها، وظهور أنوثتها، وقد ذكرهن هيرودوت أبو التاريخ في كتابه، فوصفهن وصفا غريبا إذ قال: إن النساء في مصر يخرجن إلى الأسواق ويتعاطين التجارة، والرجال يقيمون في البيوت ويشتغلون في النسيج، ورجال مصر يحملون الأحمال على رءوسهم، والنساء على ظهورهن. وأولاد الرجل الذكور إذا لم يشاءوا أن يقوموا بمعاش آبائهم لا يجبرون، أما الإناث فإذا امتنعن يجبرن.
وقد اكتشفت أخيرا وثيقة من وثائق قدماء المصريين فيها أن رجل يتعهد أن يمهر زوجته عند تمام الزواج بمبلغ معين ينقدها إياه لتشتري به ثيابها، ويؤكد أن يدفع المبلغ في السنة الأولى، ويتعهد بأن يجعل أكبر أبنائها منه وارثا لكل ممتلكاته، وأن يدفع لها غرامة إذا تزوج عليها غيرها.
ومن العوائد التي كانت مرعية قديما أن يتزوج الرجل المرأة سنة زواجا مبدئيا، فإذا وافقت مشربه ثبت زواجها وسلم لها كل ماله، وإذا لم توافق مشربه ردها إلى أهلها بعد دفع تعويض، ثم إذا هو ثبت زواجها صار كأنه رقيق لها، فلا يخالف لها أمرا ولا يتصرف تصرفا إلا بإذنها، وإنما يجب عليها شيء واحد هو أن تعوله في حياته، وتقوم بنفقة مأتمه وتحنيطه في مماته. ولشدة سلطانها كان الرجل ينسب إليها فيقال: إنه زوج فلانة وينتسب أولادها إليها فيقال فلان بن فلانة، ومن أجل ذلك قال ديورودوس «إن الرجال كانوا عبيدا للنساء.» ويقول هيرودوت: إن المرأة كانت تبيع وتشتري أيضا كالرجل، والرجل يحيك ويغزل كالمرأة، ويظهر أن التاريخ يعيد نفسه، فنحن في مصر الآن سائرون في هذا الطريق.
وقد جرت على ألسنة الشعب المصري أمثال تدل على نظرة الرجل للمرأة منها: (1)
هنياك يا من عاش بلاهم، وخلص من بلاهم. (2)
المرأة ضلع أقصر، ولسان أطول. (3)
جو يخطبوها تدللت، راحوا تركوها تذللت. (4)
لو محبة العرس تدوم، كانت القيامة ما بتقوم. (5)
قال لها: يا مره اطبخي طيب، قالت: يا راجل كتر إدام ... إلخ.
والمرأة المصرية ككل نساء العالم في طباعهن مما يمتزن به عن الرجل، وما يمتاز به الرجل عنهن. وقد قتل ذلك الموضوع بحثا علماء الفسيولوجيا وعلماء النفس والاجتماع، ووصلوا من ذلك إلى نتائج مختلفة. وعلى العموم ربما كان محل اتفاق أن عواطف المرأة أرهف، وعقل الرجال أقوى ... إلى آخر ما قالوا.
وتحكى حكايات في المجالس الخاصة يفرط فيها القائلون في حوادث الغرام، ونحو ذلك مما لا تخلو منه أمة من الأمم. وهم يرون أن هذه الحوادث حين الحجاب كانت أكثر مما هي بعد السفور، والسبب في ذلك أن المرأة في القديم كانت في الطبقة الوسطى والعليا فارغة ليس لديها ما يشغل زمنها؛ إذ عندها في البيت خادمات وخادمون يقضون كل حوائج البيت، وليس لديها علم حتى تقرأ الكتب وتحسن قراءتها، وهي في المجالس تسمع من زوارها الأحاديث الفارغة وأحاديث الغرام، فتصرف بكليتها إلى ذلك فلما كثر تعلمها قل زللها، ومن قديم قال أبو العتاهية:
إن الشباب والفراغ والجدة
مفسدة للمرء أي مفسدة
وليس الذنب ذنب النساء وحدهن بل يشاركهن الرجال في ذلك.
وقد كنت في إستانبول في سنة 1928 فقال لي رجل تركي مثقف: إن سمعة مصر عندنا - ولا مؤاخذة - تتلخص في ثلاث كلمات: شهوت، وغفلت، وثروت. وإلى الآن تتدفق في أوروبا كل صيف أموال المصريين الوافرة على القمار والنساء، مما لا يرى مثيله بين السائحين. وتميزت المرأة المصرية بتبرجها وبهرجتها بما تسبي به عقل الرجال من ترقيق الحواجب واستعمال الكحل في إناء صغير من الفضة أو البلور، يسمونه المكحلة يدخلن فيه عند الاستعمال عودا كذلك من الفضة أو البللور يسمى المرود. ومن الأمثلة العامية المشهورة: «جبال الكحل تفنيها المراود» وهذا الكحل يجعل الأجفان سوداء براقة، وهن يصبغن أظفارهن باللون الأحمر غالبا، وكان في القديم يلون بالحناء.
وتتزين الفلاحات بالوشم، ويسمونه الدق؛ وقد مرت المرأة الأوروبية بهذا الدور، ثم اقتصرت أخيرا في الزينة، وهذا ما نحن سائرون إليه.
وأجمل النساء المصريات من كانت من أصل شركسي، وكثيرا ما كانت تتألف منهن الحظيات في القصور ودور الأغنياء، وجمالهن من بياض بشرتهن، وحسن تقاطيعهن الزاهية، وقلما يباريهن فيه أي جنس غيره، هذا إلى عنايتهن بالملابس وتزويقها، واختيارها من الألوان، وتحليتها بالجواهر واختراع كل حين بدعا يسمى موضة، وإكثارهن من الكلام الناعم وترقيق الصوت، والخلاعة في المشية والحديث ونحو ذلك، وعنايتهن بتفصيل أثوابهن حتى يبدين زينتهن.
وربما كان هذا كله سبب كثرة الأحاديث عنهن واتهامهن بأكثر مما تتهم به المرأة في البلاد الأخرى، وقد يكون ذلك حقيقة إذا نظرنا إلى ما يسود الرجال من كيوف، فليس لذلك كله قصد إلا النساء.
وقد اشتهرت المرأة المصرية بأن كيدها عظيم، وأن كيدها يغلب كيد الرجال، وكن قبل الحركات الأخيرة يعشن فيما يسمى الحريم جاهلات غير متعلمات، بين الخادمات والأغوات، مع ما يبذل الرجال من تزويق الحريم وتجميله.
وفي الأزمان الماضية كان المحارب المهزوم إذا التجأ إلى الحريم أصبح آمنا حتى في عهد المماليك، وكن ينتقلن قبل السيارات على حمير، وكن يقبلن هذه المعيشة عن رضا واختيار، وكل متعتهن في الغالب داخل بيوتهن، فلما تسربت إليهن أخبار النساء في أوروبا وسيطرتهن، وخضوع الرجال لهن، وحسن معاملتهن، ثار النساء المصريات على أوضاعهن .
وكان نابليون يحكي في مصر حكاية غريبة، وهي أن أحد كبار الفرنسيين واسمه «منو»، وتسمى بعبد الله بعد إسلامه، تزوج امرأة من رشيد وعاملها معاملة السيدات الفرنسيات، فكان يقبل يدها ويمشي وراءها إلى غرفة الطعام، ويجلسها أوفق مجلس، وإذا وقعت الفوطة من على رجليها، ناولها لها، فلما روت الزوجة هذه المعاملة وأمثالها على النساء في أحد حمامات رشيد ملن إلى تغيير أحوالهن وتعهدن أن يحملن أزواجهن على مثل هذه المعاملة. وقد تسربت أخبار هذه الحادثة من رشيد إلى سائر القطر. هذا عدا ما تنقله السائحات المصريات من أوروبا إلى مصر.
ومن قديم حمل الرجال كثيرا على النساء حتى إن أبا العلاء المعري أكثر القول في لزومياته في استهتارهن ودعوتهن إلى لزوم بيوتهن.
وقد بني نظام الحياة الاجتماعية على فصل الرجال عن النساء، في المسكن، وفي التعليم، وفي الركوب، ونحو ذلك فسبب هذا انحطاطا للمرأة، كما سبب انحلالا في الأخلاق والعادات.
ثم تغير هذا كله فاتصلت الفتاة بالفتى في التعليم، وأصبح المسكن معدا للأزواج والزوجات على السواء من غير حريم، ولا بأس للمرأة أن تركب في الترام مع الرجال ... وهكذا. فهذه العوامل قربت في الأخلاق بين الجنسين، وفي التعليم بين الصنفين، وأزالت كثيرا من الفروق. ولما وجدت المرأة نفسها متعلمة اعتزت بنفسها ورأيها، وأبت أن يسود عليها الرجل، وطالبت بالمساواة في كل شيء، حتى تكون منتخبة ومنتخبة، وستنال ذلك قريبا أو بعيدا.
وتمتاز المرأة المتعلمة بتقليلها للزينة والتبرج، كما كانت أختها من قبل، وملء وقتها بالقراءة والمطالعة والفنون الجميلة من رسم وتصوير وموسيقى، وميل إلى قلة الأولاد حتى يكون لهن وقت من الفراغ، وتربية الأولاد على أساس علمي لا خرافي، ومطالبتها بالسلطة المنزلية، وكثير منهن بلغ الغاية في ذلك؛ فأخضعن الرجال لإرادتهن كما كان الحال في عهد هيرودوت، بل بدأن في مزاحمة الرجال في العمل، فأصبح منهن المحاميات والطبيبات، بل والمهندسات والتاجرات والموظفات في الحكومة. وعلى الجملة فهن يسرن إلى غايتهن بخطوات واسعة.
المراباة:
شاع بين المصريين التعامل بالربا مع حرمته في دينهم، ومن الغريب أنهم يستبيحون أخذ المال بالربا ولا يستبيحون إعطاء المال بالربا؛ ولذلك كان أكثر المرابين أرواما أو أرمنا. وكانوا فيما مضى يتغالون في الأرباح إلى أن قيدها القانون بتسعة في المائة، ومع ذلك فللمرابين وسائل ماكرة في الحصول على أرباح أكثر من ذلك. وينتشر الأروام في بلاد الفلاحين وينتهزون فرص الحاجة إلى المال ويمدونهم به، فإذا لم يدفع المدين الفائدة تضاعفت هذه الفائدة المطلوبة. أضف إلى ذلك ما يستتبع هذا من مغالطة في الحساب، ومن أساليب خداعة لا يستطيع أن يفهمها الفلاح البسيط.
وفي القاهرة نوع من النساء المرابيات تعطين الجنيه بفائدة قرشين أو ثلاثة في الشهر، وتدعين أنهن يعملن ذلك خدمة للمحتاجات، وكم أفلست بيوت من جراء هذا الربا!
المراكبي في حساب والنوتي في حساب:
تعبير يقال لاثنين أو أكثر كل يرمي حسابه على أساس.
المسألة دي ريحتها فاحت:
تعبير يعني أنه كثر فيها الكلام السيئ.
المستوقد:
في كل حي تقريبا مستوقد، تأتي إليه طائفة الزبالين بالزبالة يرمونها فيه، وهؤلاء الزبالون عادة من أهل الواحات الخارجة أو الداخلة وهم يوقدون هذه الزبالة، ويستخدمونها في أغراض شتى، فيحمون بها الحمام الذي يكون بجوارها عادة، وينضجون فيه قدر الفول المدمس التي يأتي بها باعة الفول في أول المساء ويستلمونها في الصباح الباكر، وما تبقى من رماد هذه النار كان يستعمل في البناء: يخلطونه مع الجير والرمل، ويسمونه القصرمل، وهو أسود اللون بسبب احتراقه؛ ويشبهون عادة الرجل القذر المغبر فيقولون: زي الخارج من المستوقد.
المسحراتي:
رجل يمسك بيده اليسرى طبلة، وبيده اليمنى سيرا من الجلد أو خشبة يطبل عليها في رمضان وقت السحور، ويغني لذلك أغاني مناسبة بنغمات خاصة، ويكون لأغانيه سحر خاص؛ لأنه يغني ويطبل في وقت خشعت فيه الأصوات، وقلت الحركات، ويفعل كذلك طول شهر رمضان، ثم يمر على البيوت في العيد يتقاضى أجره.
ومما يلاحظ غرابة هذه النسبة وهي نسبة قد يستعملها المصريون، كالمكباتي والعجلاتي والمخبراتي، وكان القياس يقال المسحر فقط. والنسب في اللسان العامي على أشكال مختلفة، إحداها هذه، وأخرى مأخوذة من اللسان التركي، وهي إضافة جي على الآخر، فيقولون جزمجي وخردجي وعربجي، وهناك النسبة العربية كالليثي ودمشقي، وهناك زيادة الواو والياء بعد الأف مثل طنطاوي ومعداوي وعبد اللاوي، ومنها النون والياء بعد الألف مثل معجباني، للرجل المعجب بنفسه، وكنفاني.
مسكه بهدله:
تعبير يعني أنه شهر به وهجاه.
المش:
هو الطعام الأساسي للفلاحين؛ فأكثر ما تحمله المرأة الفلاحة إلى زوجها في الغيط هو المش القديم فيه جبن قريش ومعه خبز كثير «بتاو» فيأكله مع البصل الأخضر أو الكرات، ويشرب الماء القذر من القناة، وربما لا يذوق الفلاح اللحم طول السنة من العيد الكبير إلى العيد الكبير. والمش أنواع: خيره ما يسمى «مش الحصير» وهو يؤكل في المدن أيضا بعد أن يضاف عليه قليل من الزيت والليمون، وكثيرا ما يصاب بالدود، وهم يعتقدون أن الدود يتولد منه، وهو اعتقاد خاطئ، فقد أثبت العلم أن الحي لا يتولد إلا من الحي.
ومن الأمثال المشهورة عندما يرون أسرة دب إليها الفساد، وتعادى بعضهم مع بعض أن يقولوا: «زي دود المش منه فيه.» وأكثر ما يخزنه الفلاحون بلاليص المش، وكثيرا ما يحدث أن لا يتبقى للفلاح غير مش بعد أن يدفع ما عليه من مال وواجبات، وهم يعتقدون أن المش مع البصل يطرد الجرب، ومن أمثالهم: «زي المش، كل ساعة في الوش.»
المشروبات:
أكثر المصريين المسلمين لا يشربون الخمر لنهي الإسلام عنها، ويكتفون بشرب الماء على الأكل، ولكن لهم مشروبات أخرى؛ من ذلك قهوة البن، وطريقتهم في ذلك أن يجلبوا البن من اليمن أو البرازيل أو نحوهما، ثم يحمصونه، ثم يطحنونه، ثم يغلون الماء في التنكة «الكنكة»، ثم ينزلونها من على النار ويضعون فيها قليلا من البن المطحون، ثم يعيدونها إلى النار وينتظرون حتى تبدأ في الفوران. وهي منتشرة في مصر، وقل أن يخلو أحد من مشربها، وهي تقدم في الصباح عند الفطور، وللضيف عند زيارته لأي بيت في أي وقت، وهي تقدم في فناجين صغيرة تأتي عادة من اليابان أو الصين أو يوغوسلافيا، ولكل فنجان طبقه الصغير. وبعض النساء لا يتكيفن من القهوة إلا إذا عملنها بأيديهن على نار الفحم الهادئ، ويلي هذه الطريقة ما يسمى بالقهوة الفرنساوي، وهي عادة تصنع من البن الجريش، ويستعملها بعض الممدنين.
وعندما اخترعت قهوة البن اختلف فيها علماء الدين: أهي محرمة أو محللة، وألفت الكتب في تحريمها وتحليلها، مثل: «كتاب الصفوة في حل القهوة» ثم انجلى هذا الخلاف على إجماع على حلها.
وبعض النساء من المصريات يتخذن فنجان القهوة وسيلة لمعرفة الغيب عن الرجل أو المرأة؟ فإذا شرب من يريد معرفة مستقبله كفأ فنجانه في الطبق وصبر قليلا، ومن العادة إذا كفئ هكذا أن تتبين فيه خطوط وتعريجات تقرأ فيها المتنبئة أو المتنبئ بالمستقبل حسبما يرى أو ترى.
وبعض الناس يستعملها «سادة» أو بسكر قليل أو كثير.
وهناك في مصر قهاوي كثيرة تقدم فيها القهوة بجانب المشروبات الأخرى، فتقدم فيها القهوة في فنجان بطبق حسب الطلب، ومعها كوب من الماء على صينية من المعدن. والمقهى عادة محل لمقابلة من يراد مقابلته لحديث أو قضاء عمل أو لقضاء وقت في نرد أو شطرنج أو كلام فارغ، ومن مشروباتهم: الشاي، والقرفة، والزنجبيل، واليانسون، والمغات.
وإذا كانت البلاد حارة والماء قليلا يصعب الحصول عليه، وجدت دكاكين الشربتلية تبيع الخروب والتمر هندي والليمون ... إلخ. ويوجد باعة متجولون في الشوارع يبيعون العرقسوس والليمون في جرة لها بزبوز أو بطرمان له بزبوز كذلك، ويشبهون الدم الخفيف بالشربات فيقولون «دمه زي الشربات.»
وقد رأيت أهل الواحات الخارجة يستعملون الحلبة المدقوقة شرابا لذيذا باردا يدفع العطش، ومن الأشربة التي كانت مستعملة نبيذ البلح أو الزبيب أو التين. وكان أمام باب سيدنا الحسين في القاهرة محل كبير لبيع هذه الأنبذة، وفي الأيام الأخيرة وجد في مصر والإسكندرية دكاكين لبيع المشروبات سموها «جنة الفواكه»، فهي تبيع عصير البرتقال وعصير القصب في الشتاء، وعصير الأناناس والخرشوف وحب العزيز والمانجو أو العنب في الصيف. وفيها قسم لبيع مزيج اللبن بالقهوة أو الكاكو، وغير ذلك ، وكلها تدار بالكهرباء على آخر طراز. وكثيرا ما كنت ترى في القاهرة بياعي العرقسوس والخروب والليمون، وهم عادة يضعون في أيديهم بعض أطباق نحاسية، وبعضهم يستطيع أن يوقع عليها نغمات موسيقية جميلة، فيلفتون إليهم الأنظار.
وفي العصور الحديثة انتشرت مصانع الغازوزة والكاكولا والبيبسي كولا، ثم قامت قيامة الناس على الاثنين الأخيرين بحجة أن فيهما مادة من عصارة معدة الخنزير، فقلت رغبة الناس فيهما رغم ما استخرجته هذه الشركات من فتاوى دينية وطبية، وحبذا لو ألفت شركات مصرية لبيع المشروبات المصرية، كالليمون والبرتقال والخروب والعرقسوس، وليس ينقصهم للنجاح في ذلك إلا رأس المال والنظافة.
مشي سنة ولا تخطي قنا:
تعبير يعني: إن احتاج الأمر إلى ممارسة ومداورة فافعل وإن طال الزمن، وذلك خير من أن تتغلب على العقبات في سرعة مع تعرضك للخطر، وقد يقع فيها من أراد تخطيها.
مش عارف إن كانت الدنيا بتهوي ولا بتدوي:
تعبير يعني أنه لا يعرف كيف تصير الدنيا وما فيها كأنه أبله، لا يدري.
مش ملاحق:
يقال فلان مش ملاحق على كده، إذا زاد عليه الطلب، وهو لا يستطيع إجابة الطلبات كلها.
مشي:
المشي معروف، ولكن يقولون: مشي على كيفه، ومشي على حل شعره، بمعنى أطلق لنفسه العنان. ويقولون: مشت بطنه إذا أصيب بالإسهال، ومن تعبيراتهم «الحق يمشي.»
مشي لحال سبيله:
تعبير يعني انصرف لوجهه.
المصارع:
هو رجل كان يلبس لباسا من الجلد ونصفه الأعلى عريان، وبيده زخمة، ويسمى مصارعا، يضرب بها على رجله أحيانا. وكان يمشي في الزفات بدعوى أنه يحرسها من الخصوم، وهي مأخوذة من المصارعة، فقد كانت أشكالا وألوانا، فمصارعة باللكمية، وهي الضرب بجمع اليد على قوانين خاصة، والمصارعة بالنبابيت. وقد تكون المصارعة مصارعة فرد لفرد، وقد تكون مصارعة جماعة لجماعة، كمصارعة الفتوات في الجبل، وعامة المصريين ينطقونها بالسين.
المصايف والمشاتي:
اعتاد المصريون خصوصا أهل القاهرة أن يتغلبوا على الجو بالمصايف والمشاتي، فيصيفون في الإسكندرية، أو رأس البر عند دمياط، أو بور سعيد، ويشتون في الأقصر أو أسوان أو حلوان.
وكثير من الذوات وأولادهم يفضلون التصييف في أوروبا، كسويسرا وشمال إيطاليا وهناك ينفقون النفقات الطائلة، حتى عرف المصريون هناك بالسرف في الترف والشهوة، وعدم المبالاة بالمال، واللعب على مائدة القمار؛ ومن أجل ذلك لا تعجبهم المصايف المصرية ولا الشرقية؛ لأنها أقل حظا من الملاهي وأدعى إلى التحرر من القيود التي تتطلبها معرفة الشخص.
المصحف:
كثير من الناس يتبركون بحمل مصحف صغير الحجم على صدورهم، وقد يوضع في علبة صغيرة ذهبية، ويعلق في سلسلة ذهبية أيضا. وكثير يضعونه تحت رءوسهم إذا ناموا ليمنع عنهم الأذى.
وقد بالغوا في العناية بخطه وتحليته بالذهب وما إلى ذلك، واختيار الورق الذي يطبع عليه، وإليه ينسبون عدم الأذى والضرر، فإذا هب حريق في البيت فأطفئ، أو فشل سارق في سرقة شيء؛ نسب ذلك كله إلى وجود المصحف في البيت، وقد لا يكون الرجل متدينا فلا يؤدي الصلاة ولا الصوم، ومع ذلك يحرص كل الحرص على اقتناء المصحف. وهو كثير الانتشار بين المسلمين، يعتقدون فيه الاعتقادات الكثيرة هو والبخاري، ومن حين للآخر تطبع دار الكتب مائة ألف نسخة مثلا أو أكثر فلا تلبث أن تذهب. وهم يحافظون على خط المصحف، وهو الخط العثماني، نسبة إلى عثمان بن عفان، فيكتبون الصلاة والزكاة بالواو، ورحمة الله بالتاء المفتوحة أحيانا والمربوطة أحيانا؛ ومن أجل ذلك لا يحسن قراءته إلا من كان يحفظه من قبل، وقد اشتهر الأتراك بحسن الخط في المصحف، وإذا أراد بعض المصريين تأكيد القسم أحضروا المصحف واستحلفوا الذي يراد تحليفه بقوله: وحياتك يا دي المصحف، أو وحياة المصحف ده واللا أعدم عيني ... وهكذا.
وشغف بعض الفنانين بجمع المصاحف الخطية المطبوعة، وأعرف منهم من أنفق كل ثروته في ذلك، كالآخرين الذين ينفقون أموالهم في جمع السجاجيد العجمية.
المصرية:
للشخصية المصرية خصائص ظاهرة بسبب أنها تداول عليها أمم كثيرة من يونان ورومان وفرس وعرب ومماليك وشراكسة وأتراك وفرنسيس وإنجليز وطليان ومع ذلك هضمتهم أكثر مما هضموها.
نعم قد أخذوا بعض عوائد وكلمات واستعمالات، ولكن ما أثرت هي فيهم أكثر ، وربما كان أقل الأمم تأثرا الإنجليز؛ لأنهم أبوا أن يندمجوا في المصريين وترفعوا عن مخالطتهم والزواج منهم، إلا في القليل النادر.
وكما أن لرجولتهم سحنة خاصة، ربما كان من أصعب الأشياء وصفها، فهي شخصية ذكية فنية، تدرك الجمال وتتذوقه، ذات عواطف حادة يؤثر فيها الكلام الناعم، شهوانية تستعين كثيرا بالعقاقير التي تثير الشهوة، وتكثر من الكلام في وسائلها، تحب الأرض وتحب الالتصاق بها، وتكره السفر من بلد إلى آخر، صبورة على تحمل المشاق، حتى كاد صبرها أن ينقلب رذيلة، فهي قل أن تثور لظلم يلحقها ولا لكارثة تنزل بها ففعلت بها الأمم المحتلة الأفاعيل الشنيعة، ومع ذلك تحملت وارتقبت الفرج، ولكن مع صبرها وحملها، إذا ثارت حطمت كل ما أمامها من دون إدراك للعواقب، وقبل أن تثور تفرج عن نفسها بنكتة لاذعة أو أغنية لامعة أو مثل تستعمله، يغلب عليها الكرم أكثر مما تغلب عليهم الشجاعة، وهم سريعو النسيان للحوادث، فمن عاملهم معاملة سيئة ثم أعقب ذلك بحسنة نسوا السيئات بجانب الحسنة، كالحاكم التركي قد يغلو في الظلم ثم يتبع ذلك ببناء مسجد أو حجة يحجها أو سبيل ينشئه أو مصحف يحمله أو نحو ذلك فيغتفرون له إساءته. يغلب عليهم السرور حتى كان من الغريب أن أكثر الناس شقاء أكثرهم مرحا وغناء، كأن الطبيعة تعوضهم بذلك عن بؤسهم، وهم كثيرا ما يخدعون بالمظاهر، ويميلون إلى الكسل حتى لتجد الرجل ليس عنده قوت يومه ثم لا يتحرك لكسب الرزق، وإذا كسب مالا انقطع لينفقه في سخاء، ولم يحسب حساب المستقبل، وقال: اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب. يتجلى ذلك كله في الأمثال الدائرة على ألسنتهم، والأقوال الشائعة التي ينطق بها عجائزهم، كما يتجلى ذلك بمقارنتهم بغيرهم من الأمم.
المعجون:
المعجون والمنزول بمعنى واحد، وهو منتشر بين الطبقات وخصوصا طبقة الفقير. وهو مما يضرها ضررا بليغا، والقصد الأكبر منه تخدير الأعصاب عند الاتصال الجنسي، وهو مزيج من بعض العقاقير يضاف إليه بعض من الحشيش، ويعجن جيدا؛ ولذلك يسمى المعجون.
ويسمون الرجل الذي يبيعه «تحفجي» ويسمى المعجون نفسه «تحفة »، وكم له من ضحايا كثيرة بسبب الحشيش الداخل فيه، وسبب تهييج ما يضاف إليه من بهارات للأعصاب. وقد يضيفون إليه شيئا من العنبر لتحسين رائحته ولتنشيط الدورة الدموية.
وأعرف شابا من أولاد الأغنياء كان ذكيا مؤدبا في سن الثلاثين، ورث أموالا طائلة، وكان متزوجا، فلما حصل على هذا الإرث احتاط به جمع من الشباب الفاسد، فتزوج بأخرى. وبعد أسابيع قليلة تزوج بثالثة، ثم برابعة، وسقط في هذه العادة الرديئة ويجمع هؤلاء الأربع كل ليلة ويتلاعبون ويرقصون ويغنون ويفعلون الأفاعيل الشائنة؛ لأنه في حالة الذهول. وأخيرا ضعف عقله، وانحطت قوته، حتى صار لا يقوى على المشي، وإذا تحرك للضرورة أسندوه إلى أن يعود إلى فراشه، ولا يقوى على وضع اللقمة في فمه، واستمر على هذه العادة الرديئة حتى مات.
وكنا في مجلس فأتت هذه السيرة فقال الآخر: كنت أعرف رجلا أفغانيا ادعى أنه يستحضر الجان، وكان يتاجر في بعض السلع فاشترى حمارا ووضع عليه خرجا، وكان ينتقل في الأرياف حتى وصل أمره إلى المنصورة ونزل ضيفا على رجل وادعى أنه يستحضر الجان. كان المضيف مضطرا إلى مباشرة أطيانه، فكان يتركه في البيت ويذهب إلى عمله، وهو يدعي أنه يستحضر الجان، فاتصل بنسائه، وما زال على ذلك الحال وهو يتعاطى المنزول إلى أن صار لا يفيق منه، فوقع في إغماء شديد واضطر من معه لإحضار الطبيب، فلما أفاق هرب.
وقال آخر: كنت أعرف شابا متعلما من ذوي الشهادات العالية، ثم وظف في الحكومة، وورث عن أبيه بعض المال، وانهمك في المعجون حتى كان يسكن في ماخور من المواخير، واختلط عقله أخيرا، فكان يتكلم كلاما رفيعا، ولكن سرعان ما ينتقل من موضوع إلى موضوع ثم يطيل الصمت ثم يرفع رأسه ويلتفت يمينا وشمالا ويقول: حسبي الله ونعم الوكيل، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وكثيرا ما كانت تنهمر الدموع من عينيه إذا أفاق.
وقال ثالث: كنت أعرف رجلا تجاوز الخامسة والثلاثين، كاتب حسابات في إحدى المديريات، وكان أديبا لطيفا، لا يأخذ عليه من جالسه أقل شيء ثم وقع في المعجون فأصيب في عقله، فكان إذا رأى من بعيد مطربشا هرب منه خوفا من أن يعرفه.
وقال رابع: جاء رجل كردي إلى مصر وأقام بها وتزوج، ثم ماتت زوجته فورث بعض الشيء من قريب له، ثم وقع في هذا المعجون، وأخيرا أشعل النار في نفسه ... وهكذا، من ضحايا ...
وهم يسمون المعجون أحيانا «لسان العصفور» و«البلبل» و«حلاوة سمسمية» و«خلطة عنبرية» و«حجر الذخيرة» ... إلخ. وهو منتشر في مصر انتشار الحشيش لأنه نوع منه؛ حتى اضطرت الحكومة أخيرا إلى تشديد العقوبة عليه.
المعددة:
هي امرأة تدعى للغناء بنغمة حزينة في مجتمع النساء من المآتم. وهي تستفسر أولا عن الميت ومن هو، وعلى أي حال كان، وما فضائله ومزاياه. وتصوغ من كل ذلك كلاما في تعديدها يثير كوامن النفوس، ولها لسان فصيح وقدرة تامة على الإبكاء، وبعضهن يصحبن معهن الدف، فيثرن بذلك دوافع اللطم على الوجه، خصوصا في الأوساط الدنيا. وبعضهم يستعملن في هذا أيضا النيلة يصبغن بها وجوههن، ولها طرائق في التعديد، فتشعب حديثها إلى نواح كثيرة، مرة على الغرقى ومرة على الحرقى ومرة على القتلى، ومرة على الموتى بأنواع مختلفة، وفي كل مرة تثير شجون بعض من يمسهن كلامها. وهن في الفصاحة يشبهن الأدباتية في فصاحتهم، ويقابلهن في ذلك العوالم في الأفراح يثرن السرور، ولكل نغمات. ويشجع العوالم الرقص والضرب على الدربكة، ويشجع المعددات اللطم والضرب بالدف والنيلة، وقد قلت هذه العادة حتى كادت تفنى.
معلهش:
يكثرون عادة من استعمالها عند نزول كارثة في ولد أو مال؛ إعلانا بالرضا بالقضاء والقدر. فإذا مات ابنه قال: «معلهش»، وإذا تلف زرعه قال: «معلهش» ... وهكذا، وقد يتضاحك الفرنج على مصر فيقولون: بلاد معلهش.
المغاوري:
هو شيخ في جبل الجيوشي، يعتقد النساء أنه من زارته وكانت عقيما ولدت، ولعله حدث ذلك مرة أو أكثر بسبب وجود رجال من سيئي الأخلاق، انتهزوا هذه الفرصة واتصلوا بالمرأة وكان العيب من زوجها فحملت، فأشاع هؤلاء الرجال والنساء هذا الخبر؛ الرجال لإرواء شهواتهم، والنساء لستر موقفهن، والله أعلم.
المغسل:
كان في جار بيتنا قريبا من ميدان المنشية مكان معد لغسيل القتلى والمشنوقين، وكانت تحضر إليه القتلى ملوثين بدمائهم، وكان النساء يهجمن على هذا المغسل إذا علمن بقتيل، فتغمسن بعض الثياب في دمائهم، يدعين أن ذلك يحبل من لم تحبل.
المفارقات:
هي نوع من أشهر أنواع الفكاهات المصرية، ويعنون بها الجمع بين شيء ونقيضه، أو ما يبعد عنه ويخالفه ... ذلك مثل قولهم: «البردان يقلع عريان» وفي هذا الباب طرف مليحة كثيرة. وقد أكثر منها الشيخ حسن الآلاتي في كتابه «مضحك العبوس»؛ من ذلك قوله: «روح خد لك مكان في خان جعفر، بيع جلة ونيفة وكدب أخضر»، وخان جعفر هذا سوق مشهورة في طنطا، يباع فيها الحرير والجوخ والأصواف القيمة، ومثل قوله: «قال لها وحياة جمالك وافتنانك، قصدي في الهوى أقلع سنانك»، والمفارقة في قوله: «قصدي أقلع سنانك»، ومن ذلك أن رجلا فلاحا من أهالي الشرقية كان ذكيا وكان خفيف الروح ذهب إلى خان جعفر هذا، ووقف على دكان من دكاكينه المشهورة بالأجواخ والأصواف والحراير وأخذ يقلب النظر فيها، ودعاه صاحب الدكان وقال له: تفضل يا عمدة! فلم يأبه به، ومكث ينظر طويلا، ثم اتجه على دكان آخر ينظر إليه، فقام صاحب الدكان وشده من يده ليعرض عليه ما عنده، وقال له: والله العظيم ما عندي لا يوجد عند غيري. وقدم له سيجارة كبيرة ثم فنجانا من القهوة ثم سيجارة أخرى، ثم قال له: ماذا تطلب. قال له الفلاح: لا أظن أن طلبي يوجد عندك! قال التاجر: أتريد جوخ أمبريال من أحسن الأصناف؟ قال الفلاح: لا. قال التاجر: كشمير صوف معتبر؟ قال: لا. قال: شاهي أو قطني من أحسن صنف؟ قال: لا. قال التاجر: عصب حرير أو أثواب كريشة أحسن ملبس؟ قال: لا. قال: إذا ما هو مرادك؟ قال الفلاح: إني أريد طواجن فخار لقلي السمك. فاصفر وجه التاجر وقال: يا فلاح يا حمار! أفي دكان الحراير والجوخ تسأل عن الطواجن الكبار؟ وقام من عنده بعدما شرب القهوة والسجاير.
وتعجبني قصيدة في هذا لصريع الدلاء عارض بها مقصورة ابن دريد يقول فيها:
من لم يرد أن تنتقب نعاله
يحملها في كفه إذا مشى
من دخلت في عينه مسلة
فاسأله من ساعته عن العمى ... إلخ. •••
وهناك قصيدة أخرى في هذا المعنى:
الأرض أرض والسماء سماء
والماء ماء والهواء هواء
والبحر بحر والجبال رواسخ
والنور نور والظلام عماء
والحر ضد البرد قول صادق
والصيف صيف والشتاء شتاء
والمسك عطر والجمال محبب
وجميع أشياء الورى أشياء
والمر مر والحلاوة حلوة
والنار قيل بأنها حمراء
والمشي صعب والركوب نزهة
والنوم فيه راحة وعناء
والماء قيل بأنه يروي الصدى
والخبز واللحم السمين غذاء
ويقال إن الناس تنطق مثلنا
أما الخراف فقولها مأماء
كل الرجال على العموم مذكر
أما النساء فكلهن نساء
الميم غير الجيم جاء مصحفا
وإذا كتبت الحاء فهي الحاء
إن المدام لدى التعاطي مسكر
ويشربه قد جنت العقلاء
ما لي أرى الثقلاء تكره دائما
لا شك عندي أنهم ثقلاء
إذا سئلت عن الثقيل فقل لهم
الناس عندي كلهم ثقلاء
المفتقة:
وتسمى «حلاوة مفتقة»، وهي سوداء اللون، يفطر بها بعض الناس، ويصفونها للنحيفة حتى تسمن. وتصنع من جملة مواد يبلغ عددها على قولهن نحو أربعين صنفا، أكثرها من الثمار الزيتية، وهي عسيرة الهضم، أبين ما فيها العسل الأسود والزيت، ويضعون في داخلها بندقا مقشرا، وقد يرشون عليها سمسما، ويزعم بعض الناس أن بعض النساء مبالغة في السمن يضفن عليها بعض الخنافس.
المقاطعة:
إذا قال الرجل سأفعل كذا، قالوا: بلاش مقاطعة. أي لا تسبق الزمان، فلعل المقدر يعاكسك، وقل: إن شاء الله.
ويحكون أن رجلا كان عنده جرة كبيرة مملوءة لبنا ومعلقة في السقف، فنام في سريره ونظر إلى الجرة فتمنى الأماني أن يبيع اللبن ويشتري بثمنه بيضا، ثم إذا كثر البيض باعه واشترى نعجة، والنعجة تلد له شياها كثيرة، فيسرح بها، وإذا خالفته إحداها ضربها بعصاه هكذا. وحرك عصاه فأصابت الجرة فكسرت وذهب سدى ما فيها من لبن. يحكونها للدلالة على أن الأماني قد لا تتحقق، ويسمون هذه مقاطعة، وأن المقاطعة قد تنعكس على صاحبها، بل إنها كثيرا ما تدعو القدر إلى معاكسته.
وتستعمل كلمة المقاطعة أيضا في أن يقاطع الإنسان الآخر أثناء كلامه، فلا ينتظره حتى يتم كلامه، واشتهر المصريون بذلك أيضا، فلا يكاد يبدأ المحدث حديثه حتى يقاطعه سامعوه؛ ولذلك يسرع المتحدث في حديثه شاعرا بالخشية من أن يقاطعه أحد. وهم في حاجة إلى أن يتعلموا فن السماع، فللسماع فن كفن الكلام، فيتركون المتحدث في حديثه إلى أن يتمه، ثم لهم الحق في أن يردوا عليه إلى أن يتموا ردهم.
المقويات:
أولع المصريون من قديم بالمقويات على أشكال مختلفة، من منزول ومعجون، وكذلك الشرقيون. وتقرأ القاموس المحيط للفيروزابادي، فلا تكاد ترى صفحة من صفحاته خالية من دواء أو نبات، ينص على أنه يقوي الرجل، كأنه اختصاصي في هذا الموضوع، وأخيرا زعم الفرنج أنهم اكتشفوا أشياء تفعل فعل هذه الأشياء الشرقية وردوها إلى الشرق، كخصا الثعلب وغيره. (انظر معجون ومنزول).
مقياس الروضة:
كان مقياسا قديما من قبل الإسلام، فلما اختل بناؤه بنى سليمان بن عبد الملك الأموي العمود الموجود الآن للمقياس؛ بدليل الكتابة التي عليه، وقد اختل مرارا ثم أعيد ترميمه. قد اعتنى المصريون من قديم بهذا المقياس؛ لأن النيل عندهم هو رب ثروتهم والعامل لخيرهم، ولولاه لكانت مصر صحراء قاحلة.
وقد أنشأوا المقياس ورتبوا عليه تحصيل الضرائب؛ لأنه إذا لم يرتفع أو علا كثيرا فغرق الأرض لم يكن من العدل تحصيل الضرائب كالمعتاد، والزيادة المعول عليها هي ما بين ستة عشر ذراعا وأربعة وعشرين. وجعل هذا المقياس في الروضة بحيث يدخل الماء إلى حجرة لا يفعل فيها الهواء، فتنقطع الأمواج، ويمكن مقياس النيل مقياسا صحيحا.
وقد عين للمقياس محمد علي باشا رجلا اسمه الشيخ علي، ولقب بالمنادي؛ لأنه ينادي هو وأتباعه على النيل كل يوم، وجعل له مرتبا. ولما مات عين مكانه ابنه وأمر المهندسين بالكشف على المقياس كل عام، وإجراء ما يلزم له من التطهير والتعمير.
وأقيمت مقاييس أخرى في أعلى الصعيد ليستدل منها على ما سيكون الحال في مصر، حتى إذا كان النيل في أعلاه، اتخذت الاحتياطات الكافية لاتقاء الغرق. وعمل مقياس في الخرطوم، ومقياس في مدينة أسوان، ومقياس في القناطر الخيرية.
وقد جرت العادة بأن النيل متى بلغ ستة عشر ذراعا احتفل بوفائه، وسمي اليوم يوم وفاء النيل، وكتب سجل يثبت أن النيل بلغ حدا يجوز معه للوالي أن يحصل الضرائب. والاحتفال به قديم، وكان بالغا حد العظمة، وإلى اليوم تزين مركب تسمى العقبة، ويكون فيها الموسيقيون وغيرهم. وكان الموكل بالمقياس يطلق عليه اسم قاضي المقياس، وهو الذي يقيس كل يوم زيادة النيل أو نقصه ويخبر بذلك الحكومة وينادي بذلك في المدينة، ويقيد في دفتر مخصوص. ولهذا كان شيخ المقياس يعرف فيضان النيل يوما فيوما من ابتدائه إلى انتهائه.
وفي عهد إسماعيل باشا نظم مقياس جزيرة أسوان، وأمر العامل عليه أن يخبر مصر كل يوم بواسطة التلغرافات ترسل إلى مصر.
والمصريون أيضا يسمون بلوغ النيل فيضانه، والاحتفال به جبر الخليج؛ لأن خليج القاهرة كان يمد بالماء في هذا العيد ... والمنادون وأولادهم يسيرون في شوارع القاهرة يوم عيد جبر الخليج وبأيديهم الجريد عليها الرايات من البفتة الملونة: الأخضر والأحمر والأبيض، ويقولون: البحر زاد غرق البلاد! ويرد عليهم آخرون يقولون: عوفا الله! بإمالة الألف في الله، وأصل عوفا الله: أوفى الله؛ أي أوفى الله النيل.
وبعد تحرير المحضر بوفاء النيل تطلق الصواريخ وتعزف الموسيقى ... إلخ، ويكون يوما مشهودا، ويبدأ الجو بعده بالتلطف.
المكتبة:
كانت المكتبات كثيرة في المساجد، ولكن خدمتها لم يعتنوا بها، فكانت تسرق أو تباع، وأكثرها كتب توحيد أو فقه أو تفسير. ويقتني بعض الأغنياء في بيوتهم مكتبات حسنة، حتى ولو لم يقرءوا فيها، وأكثر الكتب يوضع في غلاف مجلد. وكثيرا ما تكون الملازم مفكوكة، حتى يمكن أكثر من واحد استعارة ملازم منها.
وكاتب الكتب عادة يستعمل الورق المتين ويسطره على مسطرة هي قطعة من الورق المقوى، يشد عليها بعض الورق وطوله خيوطا ملصقة بالغراء، فيجعل المسطرة تحت الورقة ويضغط على كل خيط بخفه، فتؤثر في الورق المراد الكتابة عليه، وقد جمع هذه الكتب كلها الموجودة في المساجد علي باشا مبارك وجعلها في بناء في درب الجماميز حفظا لها من الضياع، ثم بنى لها مكانا خاصا في باب الخلق.
وبدأت مكتبة باب الخلق هذه تنشئ مكتبات صغيرة في أحياء مختلفة في القاهرة والإسكندرية، وهناك مكتبات لا بأس بها في الأرياف، كمكتبة دمياط وسوهاج وأسيوط، وهناك مكتبة لا بأس بها أيضا في الإسكندرية. وهذه المكتبات صورة من عقلية المصريين، ففيها الكتب القيمة النافعة، وفيها كتب التدجيل، وكتب الكيمياء واليازرجة، ونحو ذلك. والمصريون يطلبونها أكثر من الكتب الجديدة وقد يستعيرونها، وبعض الأفراد مولع باقتناء الكتب، فهم ينشئون في بيوتهم مكاتب خاصة، كتيمور باشا وطلعت باشا، ولكن مع الأسف قل الراغبون فيها اليوم.
ملا:
كلمة تستعمل للتعظيم، يقال: ملا راجل، وملا كتاب؛ أي رجل عظيم، وكتاب عظيم، إلا إذا قصد بذلك الاستهزاء.
الملاهي:
أولع المصريون بالملاهي كغيرهم من الأمم، وكانت لهم في القديم أنواع من الملاهي البدائية مثل: القراجوز، أو خيال الظل، وابن رابية، والرقص، ولعب البرجاس ونحو ذلك. ثم لما تقدم الزمن غيرت هذه الألعاب بسبب الاقتباس من المدنية الغربية، فحلت السينما والتمثيل محل القراجوز، وحل الرقص الإفرنجي محل الرقص البلدي، وأصبح عندنا ملاه متنوعة على شكل مصغر من الملاهي الأوروبية.
الملاية:
كانت المرأة خصوصا من الطبقات الوسطى والدنيا تلبس الملاية، وقد تتخذها وسيلة من وسائل العياقة؛ إذ تشدها على جسمها حتى تظهر تقاطيعه.
وقل الآن استعمالها بسبب السفور، وفرش الملاية يستعملونه كناية عن الردح وكثرة السباب فيقولون: فرشت له الملاية.
ملة:
يقولون ملة كل يوم! وملة كانت عشوة! أي يا له من يوم! ويا لها من عشوة! ويستعملون الملة بمعنى مذهب أو دين، ففي سبابهم أيضا سب الملة؛ أي الدين.
الملح:
هو المادة المعروفة، والذي يهمنا منه أنه يستعمل في البخور كثيرا ، كما يستعمل في دفع أثر العين، فيرشونه على من تراد وقايته من العين؛ ويقولون في ذلك: ملحة في عين اللي ما يصلي على النبي. ومن قديم يستعمل في توثيق الروابط بين شخصين أو جماعة، فيقال: أكل معه عيش وملح، ويخونه العيش والملح. ومن استعمالهم أيضا قولهم مثلا: «فص ملح وداب» يقولون لمن تغيب فجأة ولم يعرف مقره!
الملق:
يكثر فيهم الملق، خصوصا ملق المرءوس للرؤساء، وملق الفقراء للأغنياء؛ يدل على ذلك أمثالهم المشهورة، مثل: «إذا دخلت بلد يعبد العجل حش واديله»، وكقولهم: «عاز الغني شقفة، كسر الفقير زيره!» وأمثال ذلك كثيرة، وهم معذورون في ذلك؛ لأن ما مر عليهم في عهود طويلة من الظلم والاستبداد - خصوصا في عهد الأتراك - علمهم الملق والإفراط في المديح غير المصقول؛ ولذلك قلما تجد مرءوسا يقول الحق لرئيسه، أو يتوقف عن تنفيذ أمر وجه إليه مهما اعتقد أنه خطأ. وهو أشكال وألوان، يظهر ذلك في خطاباتهم وجميع تصرفاتهم.
ففي الخطابات من ألفاظ الملق وأساليبه ما ليس له حصر، ومن أعمالهم في مخاطبة الرؤساء وإظهار علامات التعظيم الذي قد يصل إلى تقبيل الأرجل ما ترى منه الكثير.
الملوخية:
من طعام مصر المألوف، فملوخية أهل الحضر يأخذونها ويخرطونها بالمخرطة خرطا جيدا، ويطبخونها باللحم الضاني أو الفراخ أو الوز، يستبشرون بالملوخية في أول طلوعها؛ لأنها خضراء، وهم يستبشرون عادة باللون الأخضر، ويقولون دائما اللهم اجعلها علينا سنة خضراء، ومن ذلك أنهم إذا أرادوا أن يسكنوا بيتا جعلوا معهم سلقا أخضر.
وهناك نوع آخر من الطبخ ويسمونه ملوخية بوراني، نسبة إلى بوران بنت الحسن زوج المأمون، وطريقتها أن يخرطوا الملوخية ثم يحمروها بالسمن حتى تجف ثم يدقوها فتكون لذيذة جدا.
ومن غرائب ما يروون في أمر الملوخية هذه أنها تكون على يد النساء ألذ مما يطبخها الطباخون، وينسبون ذلك إلى العادة المتبعة وهي أن المرأة بعد أن تطبخ الملوخية تضع لها التقلية، وهي ثوم محمر بالسمن، فإذا أرادت أن تضعه عليها فلا بد من أن تشهق، وربما كانت هذه الشهقة هي السر في لذتها.
وكان لنا أستاذ يعلمنا الرياضة أغرم بالملوخية حتى كان يطبخها كل يوم، فإذا حضر من عمله سأل زوجته: طبختم اليوم ملوخية وأي شيء آخر؟ كأن الملوخية شيء لا بد منه ومن أغانيهم:
أبو قردان
زرع فدان
ملوخية
وباذنجان
وهو قول سمعته ولم أفهم معناه.
المماليك:
حكمت مصر بالمماليك مدة طويلة، وحكمهم هو جزء من حكم الأتراك وقبله، فلما فتحها السلطان سليم سنة 1517 أيقن أنه لا يمكنه حكمها مباشرة لبعدها، فتركها للمماليك. وعهد إلى ديوان أعضاؤه من كبار المماليك ومن رؤساء فرقهم وطوائفهم وزعمائهم أن يديروا البلد، وكان لهم الحق في فرض الضرائب وجبايتها، يأخذون منها الحصة ويرسلون منها الباقي إلى خزانة الدولة العثمانية، وقد أعادوا الترف والنعيم، فأخلدوا للراحة وإن لم يفقدوا صولتهم. وغلوا في سلطانهم حتى كان سلطة السلطان في الآستانة سلطة اسمية، بل في سنة 1766 رفع علي بك - أحد بكوات المماليك - لواء العصيان على الدولة وضرب النقود باسمه، ودحر الجيش العثماني، وبايعه شريف مكة سلطانا على مصر. وكثيرا ما نقصوا ما يرسلونه إلى الدولة العثمانية معتذرين باعتذارات كثيرة، كإنفاقها في مصالح الدولة، فما كان يسع السلطان إلا قبول عذرهم.
وقد أورثوا الشعب صفات كثيرة، بعضها حسن وبعضها رديء، فقلدهم الأغنياء في الترف والنعيم وحب الفخفخة واعتيادهم بعض العادات التركية حسنها ورديئها، كتقليدهم في النظافة والنظام، وأحيانا كانوا يقلدونه في الغطرسة والاستبداد إذا ولوا أمرا من الأمور، ونظر الأغنياء إلى الفقراء نظرة احتقار وازدراء. ومن أسوأ ما ورثوا عنهم الإسلام السطحي والإيمان بالخرافات والأوهام؛ فالتركي عادة يرتكب المظالم ويعتقد أنه يكفرها ببناء مسجد أو سبيل أو إقامة صلاة ونحو ذلك، فيحترم القرآن إذا قرئ فلا يضع رجلا على رجل في مجلسه ولا يدخن، ولكن لا يدخل جوهر الإيمان في قلبه. وربما كان للمماليك أثر كبير في أن المصريين يعبدون الله عبادة ظاهرية، فلا يصل فيها الإيمان إلى قلوب أكثرهم. وكثير من عادات المماليك دخلت على المصريين في أكلهم وشربهم واختلاف طبقاتهم، بل أثروا كذلك في موسيقاهم وألاعيبهم وأمثالهم، وربما أيضا في جمال المصريين، فقد كان بعض المماليك يتزوجون من مصريات، وبعض المصريين يتزوجون من مماليك، والمماليك في الحقيقة أجمل؛ ولذلك إذا وصفوا أحدا بالجمال يقولون إنه جميل كالمملوك. واستقصاء هذا الباب - أعني ما أثر المماليك في المصريين - يحتاج إلى بحث طويل لا محل له الآن، وقد ذكرنا في ثنايا الكتاب أمثالا تدل على ما لقيه المصريون من المماليك.
من دقنه وافتل له حبل:
تعبير يقال بمعنى أنك تعمل له حبلا من صميم عمله، وأحيانا يقولون: من دقنه وافتل له كعك.
من شاف بلوة غيره هانت عليه بلوته:
تعبير يعني من رأى مصائب غيره، هانت عليه مصيبته.
من طقطق لسلام عليكم:
طقطق حكاية صوت الباب عند الدخول، وسلام عليكم علامة الانتهاء من الزيارة: تعبير يضربونه في أن الرجل حكى الحكاية كلها ولم يترك منها شيئا.
المندل:
شاهدت مرة مندلا لإظهار سارق شيء، فأتى صاحب المندل بطفل في نحو السابعة أو الثامنة واختاره بواسطة رسم كفه، فهم يعتقدون أنهم إذا كان رسم كفهم يقرأ 71 أو 17، كان الأطفال أقرب إلى نجاح المندل. وبعد أن أحضر صاحب المندل الطفل صب في يده اليمنى نقطا من زيت مع إطلاق البخور، ثم سأل الطفل هل ترى مكانا مرشوشا وكراسي مصفوفة؟ ولا يزال بالطفل حتى يقول رأيت. ويسأله عن صفة هذا الرجل وما يلبسه فيقول أرى رجلا أو امرأة صفته كذا، ثم يطبقون هذه الأوصاف على شخص يعرفونه فيكون هو اللص، وهو نوع من الإيحاء.
وروى الأستاذ لين الإنجليزي الذي كان في القاهرة منذ حوالي مائة عام أن ساحرا أحضر غلاما وأجلسه على كرسي وأمر خادمه الإنجليزي أن يحضر مجمرة فلما أحضرها وضع فيها لبانا وكسبرة ثم أمسك يد الصبي اليمنى ورسم على راحته مربعا سحريا، ثم صب في وسطه قليلا من الحبر وطلب من الصبي أن ينظر فيه ويخبره إذا كان يمكنه رؤية وجهه معكوسا فيه، فأجاب الصبي أن نعم، فأمر الساحر الصبي بأن يظل يحدق النظر وأن لا يرفع رأسه، وأخذ الساحر ورقا مكتوبا عليه أدعية وألقاها في المجمرة على الحبر والبخور حتى امتلأت الغرفة بالدخان وأخذ الساحر يدمدم دمدمة لم تفهم ثم سأله: هل يري شيئا في الحبر؟ فأجابه بالنفي، ولكنه لم يلبث أن ارتعش وخاف وقال: أري رجلا يكنس الأرض، قال الساحر: أخبرني بعد أن ينتهي من الكنس، ثم سأل الساحر الصبي: على تعرف البيرق؟ فقال: نعم. فسأله هل أحضر الجن بيرقا؟ قال: نعم. قال الساحر: على أي لون هو؟ قال: أحمر. فقال له: اطلب بيرقا آخر. فقال: إنهم أحضروا بيرقا آخر. قال: اطلب بيارق. قال الصبي: إنهم أحضروا بيارق أخرى، أبيض وأخضر وأسود وأحمر وأزرق، حتى صارت سبعة. ثم وضع الساحر في المجمرة لبانا وكسبرة مرة أخرى، وقال للصبي: قل لهم أن يحضروا خيمة السلطان، فأخبره الصبي أنهم أحضروها، وهي خيمة كبيرة خضراء وقد نصبوها. فقال الساحر للصبي: مر الجنود بالحضور ونصب معسكرهم حول الخيمة. فقال الصبي: قد حضروا واصطفوا. فقال الساحر للصبي: مرهم أن يحضروا ثورا. فقال الصبي: قد أحضروه. فقال له: مرهم بذبحه وتقطيعه ووضع لحمه في أوعية وطهيه. ثم قال: قل للجنود يأكلون ...
قال الأستاذ لين: إن الساحر سألني إذا كنت أرغب في أن يرى الصبي شخصا غائبا أو متوفى، فذكرت اللورد نيلسون، ولم يكن الطفل قد سمع به؛ لأنه قد نطق اسمه بصعوبة كبيرة فقال الرجل للصبي: أحضر هذا الرجل، فقال الصبي: أرى رجلا يلبس ملابس أوروبية زرقاء وهو قد فقد ذراعه اليسرى، وكان لورد نيلسون من عادته أن يعلق كفه الخالي إلى صدره، وكان قد فقد ذراعه اليمنى لا اليسرى فسألت الساحر فقال: إن الصورة تنعكس في المرآة فاليمنى تظهر يسرى وبالعكس. وقد استغرب لين من ذلك، ولم يكن مخرفا، وكان يستدعي الصبي والساحر كلما أراد أن يظهر الإنجليز على عجيبة.
المنسج:
المنسج إطار كان يقضي النساء فيه أكثر أوقات فراغهن في المنزل، فهن يشتغلن عليه بالإبرة أو يطرزن مناديل أو طرحا بالحرير المذهب. والفقيرات وحتى الأوساط كن يتاجرن في هذه العملية فيعطين عملهن لدلالة تبيعه في السوق أو في حريم آخر. وكثيرا ما تجتمع بعض الشابات على المنسج يقضين أوقاتهن للتسلية ويتحدثن أثناء ذلك حديثا ظريفا.
المنظرة:
ينطقونها عادة بالضاد، وهي في أغلب بيوت الأوساط والأغنياء، وقد كانت هذه المناظر موضع المسامرات في الليل وتلاقي الرجال فكان بكل حارة بيوت، ولكل بيت منظرة يستقبل فيها الزائرون، وبعض البيوت له مناظر بهيجة تجذب إليه الناس للطف صاحبها وكثرة أصحابه، فأحيانا تقضي لياليها في السير، وأحيانا في قراءة القرآن، وأحيانا في سماع الموسيقى والغناء، بل وأحيانا يتواعدون على أن يحضر كل واحد ما عنده من العشاء في بيته ويتعشوا جميعا من كل ما يحضر، وكم كانت هذه المناظر معهدا لتخريج سمار وآلاتية ومغنين وغير ذلك.
وقد اشتهرت منظرة العمدة بأنها محكمة للمتخاصمين وحالة المشاكل التي تعرض لهم أثناء النهار، وسمر لذيذ في الليل وغير ذلك.
منفوخ ع الفاضي:
تعبير يعني متكبر على لا شيء.
الموالد:
الموالد عند المصريين ذكرى ميلاد الولي، وأشهرها مولد النبي
صلى الله عليه وسلم ، وقد كان يقام له حفلات عظيمة، فيجتمع رجال الطرق الصوفية، وكان الاجتماع في باب الخلق، وكل طائفة بأشايرها. وعند تكاملها تسير في موكب كبير، كل موكب ينشد نشيده الخاص على نغماته الخاصة مع دق الدفوف وقرع ما يسمى البازة، وهي آلة نحاسية، حتى يصلوا أخيرا إلى مشيخة الصوفية في بيت البكري، فتقرأ الفاتحة والصلوات، ويعلن السيد البكري افتتاح المولد. وفي مساء ذلك اليوم يدعى الأمراء والعلماء في ساحة المولد، ويأتي طوائف الصوفية وأمام كل طائفة فانوس أو أكثر كبير غطي بالقماش الأبيض بدل الزجاج. وبعد الصلوات تقام مجالس الذكر، وتعتري بعض الذاكرين جذبات وإغماءات، فيرش على وجوههم الماء، ويتصاعد من أفواههم رغاء كرغاء الإبل. وبعض أهل هذه الطرق يدخلون النار في أفواههم أو الجمرات فلا تضرهم، وربما يكون ذلك بسبب دهن حلوقهم بمادة خاصة تعدم أثر النيران. ومنهم من كان يقذف قطعة من الحديد على الحائط ثم يتلقاها على رأسه فيسيل دمه دون مبالاة .
وبعد ذلك تنصب الصواوين، في كل صيوان من يقرأ القرآن أو يقرأ السيرة النبوية أو يقيم حفلة ذكر.
ومن أشهر ذلك حفلة «الدوسة» ففي يوم (11) ربيع الأول يجتمع أرباب الطرق بميدان باب الخلق على نظام خاص، ويسير الموكب بأهم شوارع المدينة، ومنهم كثيرون من المشعوذين، بعضهم يأكل الزجاج، وبعضهم يأكل الثعابين، وبعضهم يضرب شدقه بدبوس ذي رأس غليظ في عنف وقسوة، ومنهم من كان يضع حد السيف في بطنه ثم ينام فوقه، ويأتي الشيخ فيبل يده بريقه ثم يمسح على بطن المريد حتى لا يتأذى من حد السيف. وعندما تصل هذه المواكب إلى ساحة المولد ينبطح الكثيرون على وجوههم في صف كبير فيمر فوقهم شيخ السادة السعدية بحصانه يقوده اثنان من أتباعه، ويعتقدون أنهم سينالون من ذلك بركة كبيرة.
وكان الناس يروحون عليهم بمراوح إذا تحرك الموكب من شدة الحر. ومن الغريب أن لا تحدث من ذلك أضرار كثيرة كالذي كان ينتظر.
وبعد صلاة العشاء يشرف الصوان الخديو والكبراء فيسمعون المولد، ثم توزع الحلوى وشراب الليمون ويزدحم الناس في هذه الليلة ازدحاما كبيرا، ويهيص بعض الشبان في هذا الازدحام، وكثيرا ما تحدث أفاعيل ومراسلات بين راكبات العربات وراكيبها؛ مما يجعل الليلة فتنة، وقد أبطل الخديو توفيق عادة «الدوسة» هذه لما ينشأ عنها من أضرار.
موت يا حمار على ما يجيلك العليق:
تعبير يعني انتظر طويلا، حتى يحدث ما تأمل، ولن يحدث ومثله حتى يجيء الترياق من العراق.
الموسيقى والغناء:
للموسيقى والغناء عند المصريين مقام كبير وشغف عظيم، يظهر ذلك في كثير من عاداتهم، فترى الباعة فيهم يغنون على بضائعهم، حتى حب العزيز تقام له زفة كزفة العروس، والدين دخل فيه الغناء؛ فالأذان يقال في غناء، والذكر يغنى له، والقرآن يغنى به، وكثيرا ما كان يمر بحارتنا رجل يغني بقصائد نبوية وهكذا، ولكل نوع من أنواع الحياة الاجتماعية غناء خاص، فغناء في الأفراح، وغناء المعددات في المآتم، وغناء المسحراتية في رمضان، وغناء لليالي المولد، وهكذا ...
لكنهم كانوا مع ذلك ينظرون إلى المغني نظرة فيها شيء من الاحتقار، إلا في الأيام الأخيرة، وكانوا يسمون الموسيقي مزيكاتي والمغني آلاتي.
ومن المؤكد أن الموسيقى المصرية مأخوذة من عدة نواح من موسيقى قدماء المصريين، كالذي يظهر في موسيقى الكنائس ومن الفرس ومن الترك، وهي تختلف في المقام عن الموسيقى الإفرنجية، والموسيقى المصرية تناسب ذوق المصريين وآذانهم، ولا يستسيغون الموسيقى الأجنبية، ومع أنها قد تكون أرقى، كما أنه لا يستسيغ الفرنج الموسيقى العربية.
والغناء موضوعه الحب غالبا والمصريون أميل إلى النغمات الحزينة لما تواتر عليهم من ظلم الحكام واستبدادهم، وهم لا يسمعون الغناء في صمت وسكون كما يفعل الأوروبيون ولكنهم يهيصون ويهللون، ويعتقدون أن في ذلك تشجيعا للمغني والمغنية؛ من مثل قولهم: الله الله! كمان يا عيني! ونحو ذلك.
وإذا أتم قارئ القرآن، قراءته بالغناء قالوا له: أحسنت، ومنهم من اعتاد أن يغني غناء خاصا للتعاون على الصنعة كالفعلة، وأرباب المهن الصغيرة؛ كأن الغناء يسليهم عن متاعبهم، كالحداء للجمل وكالمراكبية؛ ولهم أغان خاصة بهم، وكبائعي حب العزيز، وكالسقايين، وقد يتوارثون الأغاني من عصر إلى عصر، مثل أغنية «الحنا يا حنا يا قطر الندى» فيظن بعضهم أنها ميراث من العهد الطولوني، أيام زفت قطر الندى بنت خماروية إلى الخليفة العباسي. والمغنون من طبقات شتى، ويختلف منبع غنائهم، فبعضهم من طبقة راقية مثقفة، وبعضهم من طبقة شعبية مثال الأولى ما حكي من أن مفتيا للديار المصرية وضع أغنية «الله يديم دولة حسنك» ومثال للثاني «سبع سواقي بتنعي لم طفولي نار.»
وأكثر المغنين والمغنيات يظهرون «شيطاني» من غير تعليم ولا مدرسة، إنما منحو حسن الصوت الطبيعي فاتجهوا بعد ذلك إلى التعلم، وهي هبة يهبها الله من يشاء، لا نستطيع أن نعللها، فقد كانت من مشاهير المغنيات السيدة ساكنة، وكانت تشتغل فاعلة تحمل المونة في القوالب، تغني للفعلة، ثم اكتشف حسن صوتها بالمصادفة، وفي حفلات الغناء يكون عادة رجل مخصوص يسمى «مطيباتي»، من وظيفته تطييب خاطر المغني أو المغنية بإظهار علامات الإعجاب؛ وقد يحترف المطيباتي حرفة بيع اللب، وقد يكون سافلا فيكون صلة الغرام بين الرجل والمغنيات، أما الآلات الموسيقية فهي كثيرة بسيطة ومركبة، فالبسيطة كالمزمار والطبل البلدي والرق والنقرزان، والكاسات والصاجات والمركبة كالناي والعود والقانون، ومن آلاتهم الجديرة بالذكر الربابة، وهي عبارة عن كمنجة ينقصها التجويف، ويستخرجون منها نغمات شجية.
والمغنيات في مصر تسمين «العوالم» وهي تسمية غريبة، ولهن أغان خاصة، وخصوصا عند زفة العروس وزفة العريس، وقد يأخذن أجرا صغيرا في مقابل النقطة الكثيرة التي مر ذكرها في موضعها، وقد أدخلت الموسيقى الغربية في الجيش المصري مع الموسيقى العربية، ولذلك يلقى الجيش في الحفلات والميادين أدوارا من الموسيقى الشرقية وأدوارا من الموسيقى الغربية، ثم ارتفع حديثا شأن المغنين والمغنيات حتى لم يعد يستنكر أن يجلس العظيم في مجلس مغن كبير أو مغنية كبيرة، وقدروا الغناء كفن جميل.
الموظفون:
ويسمون أيضا المستخدمين، وكان يسمي العوام الواحد منهم «ابن عيشة»، أو أنه خضع للوظيفة التي عليها قوام معاشه، ويكثرون من ذكر هذه الكلمة للاعتذار عن خضوعه للرئيس، وأنه مضطر لتحمل مشاق الوظيفة، للحصول على العيش الذي هو الخبز.
وللموظفين عادات رديئة، منها التزامه الخطط المرسومة حتى كأنهم آلة صماء، ومنها انتظار الموظف آخر الشهر لقبض المرتب، فلا يسعى في جلب رزق آخر، ومن سوء هذه العادات الأخيرة أن الموظف إذا رفت من وظيفته أو أحيل إلى المعاش لا يجد نفسه صالحا لأي عمل حر آخر.
وقد قال البوصيري صاحب البردة قصيدة لطيفة في المستخدمين، وتكاد تكون حالتهم كحالة الموظفين اليوم وهي:
يا أيها المولى الوزير الذي
أيامه طائعة أمره
ومن له منزلة في العلا
تكل عن أوصافها الفكره
إليك نشكو حالنا إننا
حشاك من قوم أولي عسره
في قلة نحن ولكن لنا
عائلة في غاية الكثره
قد أقبل العيد ما عندهم
قمح ولا خبز ولا فطره
1
فارحمهمو إن عاينوا كعكة
في كف طفل أو رأوا تمره
تشخص أبصارهم نحوها
بشهقة تتبعها زفره
كم قائل يا أبتا منهم
قطعت عنا الخير في كره
ما صرت تأتينا بفلس ولا
بدرهم ورق ولا نقره
وأنت في خدمة قوم فهل
تخدمهم يا أبتي سخره
ويوم زارت أمهم أختها
والأخت في الغيرة كالضره
قالت لها كيف تكون الناس
كذا مع الأزواج يا عره
قومي اطلبي حقك منه بلا
تخلف منك ولا فتره
وإن تأبى فخذي ذقنه
ثم انتفيها شعرة شعره
فقالت لها ما هكذا عادتي
فإن زوجي عنده ضجره
أخاف إن كلمته كلمة
طلقني وقالت لها بعره
وهونت قدري في نفسها
لجاءت الزوجة مجتره
فقاتلتني فتهددتها
فاستقبلت رأسي بآجره
وحق من حالته هذه
أن ينظر المولى له أمره
فهم من عهد البوصيري وقبله طلاب علاوات.
مولد السيد:
يقام في طنطا كل عام مولد كبير، تجتمع فيه حلقات الذكر، وأهل الدعارة والخلاعة، والطبل والزمر، وتجار المأكولات، وعلى الأخص الحمص والحلاوة وحب العزيز، وقد اشتهرت حلاوة السيد اشتهارا كبيرا، حتى يسمع المار في طنطا أو عليها «حلاوة السيد، حلاوة السيد!»، وأصل مولد السيد أن أتباعه كانوا كثيرين متفرقين في البلاد، فاستدعى مرة خليفته عبد العال أتباعه، وأوثق الروابط بينهم، وقالوا له هذه العادة لا تنقطع إن شاء الله وفي الميعاد حضروا وظلوا يحضرون، واستمرت العادة إلى يومنا، وحدث أن أحد المشايخ المنتمين إلى السيد حضر هو وتلاميذه وجماعته وأقام الأذكار، وتعاهدوا على العودة في الميعاد، فكان من ذلك المولد الصغير؛ وأما الأول فالمولد الكبير، وكان من أحد أتباعه شيخ يقال له الشيخ الرجبي، حضر هو وأتباعه ومعهم مقدار كبير من الشاش المصبوغ بالأخضر، لتجديد عمامة السيد وفكوا العمامة القديمة ووضعوا عمامة خضراء جديدة، فسمي المولد: المولد الرجبي، وكانت مدينة طنطا مدينة صغيرة فنصبوا المولد خارجها حيث يقام الآن؛ وقد جددوا ميعاد المولد بعادات البلاد الزراعية من النيل وانغمار الأرض للري وكثرة المال في جيوبهم بعد الزرع ونحو ذلك؛ ولذلك يحدد المولد بالتاريخ القبطي؛ لأنه أثبت، والحكومة تحدد الموعد رعاية لذلك، وهو في العادة يكون في أوائل شهر مسرى، والمولد الصغير في أوائل شهر برمودة، والمولد الرجبي قبل المولد الصغير بنحو مائة يوم، ويرحل إليه الناس من كل فج.
وهذا المولد وغيره من الموالد كان مستعملا نظيره عند قدماء المصريين حسب ديانتهم، ذكر ذلك هيرودوت المؤرخ، فكانوا يقيمون مولدا في تل بسطة في مديرية الشرقية، وصال حجر في الغربية، وهليوبوليس، وهي المسماة الآن عين شمس، وكانت هذه الأعياد مرتبطة بأوقات الزراعة، وهي في العادة ترمز إلى أشياء هامة؛ وسار على ذلك قدماء المصريين فاحتفلوا بأول السنة القبطية، وهو المسمى بعيد النيروز، فيشعلون فيه النيران، ويرش بعضهم على بعض الماء؛ وكان في العهد الفاطمي يركب فيه أمير يسمى أمير النيروز ومعه جمع كثير، واستمر على ذلك حتى أبطله السلطان برقوق، وكان للأقباط في شهر توت عيد الصليب، وهو في السابع عشر منه، يقولون: إن المسيخ صلب فيه.
وقد منع من إقامته الخليفة الفاطمي العزيز بالله، وكان قدماء المصريين أيضا يعملون في سادس «بابة» عيدا يزعمون أن إيزيس حملت فيه بولدها، يشيرون بذلك إلى وضع بذور الزرع في الأرض بعد نزول ماء النيل.
وفي الثامن والعشرين من «بابة» عيد يسمونه عيد الشمس كانوا يرمزون إلى أن إيزيس تبحث عن جثة أوذوريس ... وكانوا في بعض الاحتفالات يظهرون الحزن والكدر لنقص النيل وغلبة الريح الجنوبية إلخ إلخ ...
وكان عيد الميلاد، وليلة الغطاس وغير ذلك، فيظهر أن الأقباط أخذوها من قدماء المصريين، وأخذها المسلمون من الأقباط وصبغوها بالصبغة الإسلامية، كمولد النبي، ومولد السيد، ومولد الحسين، والسيدة زينب إلخ ...
والحكام تشجع هذه الموالد لترويجها للحركة التجارية ومسايرتها للعواطف الشعبية.
المولوية:
حضرت مرة ذكرا للمولوية في تكية بالقاهرة في شارع المظفر، وكانت تكية نظيفة ذات حديقة نظيفة، واجتمع المولوية بعد صلاة الجمعة واستداروا على شكل حلقة كبيرة، وقد لبسوا لبدة طويلة على رءوسهم، وتحزموا في أوساطهم على سراويل واسعة، وهم يتقنون الضرب على الناي، ويستخرجون منه أصواتا جميلة؛ وقد بدءوا بذكر الله، ويحنون في كل مرة رءوسهم، وبدأ درويش منهم يدور على حركات الناي وسط الحلقة ويتحرك برجليه ويداه ممدوتان، ثم أسرع في حركات رجليه فانتشرت سراويله على شكل شمسية وظل يدور نحو عشر دقائق ثم انحنى أمام شيخه الجاس داخل الحلقة منسحبا إلى الدراويش الذين يذكرون، ثم تحلقوا ووضع كل رجل يديه على كتفي الآخر وأخذوا في الذكر بسرعة شديدة، ثم استراحوا، وبعد ربع ساعة قاموا للذكر ثانية، واستمروا على هذه الحال نحو ساعة أو ساعة ونصف، فكان منظرا عجيبا يمتع السمع بنايه، والنظر بسراويله المفرودة، والحركات العجيبة.
الميري:
أصلها أميري، مثل ميرالاي؛ أي أميرالاي، ومرجوشي؛ أي أمير الجيوش، والميري هو الحكومة، والرغبة في التوظف في الحكومة رغبة شديدة، حتى من أمثالهم الشائعة «إن فاتك الميري تمرغ في ترابه»، ولعل السبب في ذلك أن الوظيفة الحكومية هينة مضمونة الأجر، ومن أسباب ذلك أيضا عدم مغامرة المصريين في المشاريع التجارية ورغبتهم في وضع أموالهم في البنوك أو شراء الأطيان والعقارات؛ ولذلك كان أكثر الشركات المؤسسة للأعمال الحرة أجنبية، وهذه الشركات لم تكن ترغب في تخديم المصريين؛ ومن الأسباب أيضا إجلال المصريين للموظف الحكومي وتفضيلهم له على الموظف الحر، أضف إلى ذلك أن أصحاب الأعمال الحرة يتطلبون عملا يوازي الأجر الذي يتقاضاه، وليس كذلك في الحكومة.
ومع أنه قد كثرت الأعمال الحرة في هذه الأيام ونال أصحابها من الأرباح ما لا يحلم به موظفو الحكومة، فلا يزال الإقبال على الوظيفة أكثر، فإذا أعلنت الحكومة عن عمل خال عندها تقدم لها مئات يطلبون هذا العمل.
وإذ كانت الحكومة تربط الماهية بالشهادة دون نوع العمل، فقد كثر الإقبال على التعليم الجامعي كثرة منقطعة النظير لا تجد مثلها في الأمم الأخرى.
ميزانية البيت:
عثرت على ميزانية بيت لعام، وضعت لبيت متوسط الحال، ومن نحو مائة عام، فكانت كالآتي:
قرش
400
قمح في السنة
50
طحن القمح
40
خبزه
550
لحم كل يوم رطل ونصف
185
خضراوات نصف قرش في اليوم
100
رز
335
قنطار سمن في العام
185
بن
20
تنباك جبلي لصاحب البيت
100
قنطار سكر
100
ماء
75
خشب للوقود سبعة أحمال
100
فحم حطب
125
زيت لقنديلين أو ثلاثة
100
شمع
50
صابون
25,15
المجموع
هذا عدا الملبس والطوارئ.
وهو يدل دلالة واضحة على تغير المعيشة وتغير الأسعار، وإذا قورنت هذه الميزانية بميزانية بيت متوسط اليوم وجدناها مثلا كالآتي:
جنيه
180
أجرة مسكن في السنة بواقع 15 جنيها في الشهر.
216
لحم وخضار وما يتبعهما على الأقل.
36
مسلي
18
ماء في السنة
10
كهرباء
96
كسوة للزوج وزوجته وللأولاد على الأقل
36
دخان
50
خدم
50
مصاريف نثرية للطوارئ كدواء وطبيب
3
بن بواقع رطل ب 30 قرش كل شهر
24
مواصلات
24
السينما والتمثيل بواقع 200 قرش كل شهر
24
لبن بواقع كيلو في اليوم بسعر 7 قروش
18
خبز بواقع 10 أرغفة ب 5 قروش كل يوم
785
المجموع
وهذه تقريبا ميزانية الموظف المتوسط الحال؛ أي إن نسبة الجنيه الآن إلى نسبة الجنيه فيما مضى تساوي 1 إلى 30 وهي نسبة غير معقولة.
الميضة:
كان في كل مسجد تقريبا ميضة، وهي حوض من الماء مربع تقريبا، أو شبه مربع، يملأ بالماء من حين لآخر، ويتوضأ منه، وكان بجانبه في الغالب بئر تملأ الميضة منه، والذي يتولى هذا يسمى الملاء.
وكثيرا ما نشأ عنها الضرر الكبير؛ لأن بعض المتوضئين يكون مصابا بمرض معد في عينه أو جسمه، فينتقل منه المرض إلى الصحيح الذي يتوضأ بعده، ولأجل هذا دعا المصلحون للاستغناء عنها بالحنفيات، ولكن مع الأسف كان مما أخذ على الشيخ محمد عبده أنه أبطل ميضة الأزهر، واستعاض عنها بالحنفيات، فقالوا: إنه أذهب البركة. وما زالت الحنفيات تهاجم الميضة حتى هزمتها؛ لأن الحنفيات أصح وأنظف.
وقد حدثت لي حادثة سيئة في الميضة، ذلك أني أردت أن أتوضأ فتزحلقت رجلي وانكفأت في الميضة، ولم يكن أحد يتوضأ معي، وكدت أغرق لولا أن سمعنى أبي، فالتفت ليرى ماذا حدث فرآني فأنقذني. وكم للميضة من ضحايا! ومما يزيد الميضة ضررا الملاية لها من بئر قريبة القاع من مراحيض المسجد، يتسرب منها بعض الميكروبات إلى البئر، ومنها إلى الميضة، فيزيد بذلك الضرر؛ ولذلك تتصاعد روائح كريهة من المراحيض على المصلين، وعلى أولاد الكتاب الذين يكونون عادة بجوار هذه المراحيض.
الميعة:
هي مزيج من عقاقير مختلفة، تجهز وتباع في الأيام العشرة الأولى من المحرم، ينادون عليها: يا بركة عاشوراء المباركة! يا شهر يا مبارك! يا ميعة مباركة! والمنادي يحمل على رأسه طبلية عليها عقاقير مختلفة، تتوسطها مادة قاتمة حمراء، تحيط بها أكوام من الملح الملون بالأزرق والكركم الأصفر؛ فإذا دعي المنادي للرقيا، قال تعويذة معروفة: بخرت اللحاف من وجع الأكتاف، بخرت كذا، من كذا ... إلخ.
حرف النون
النار ولا العار:
هو تعبير أيضا من تعبيرات العوام؛ أي إنه يفضل النار على العار، ومثل هذا الاستعمال: «شرا العبد ولا تربيته»، فولا هنا بمعنى أحسن، ومثله أيضا الشرط عند الحرت ولا الخناقة في الجرن.
ناس يأكلوا البلح، وناس يترموا بالنوى:
تعبير يعني ناس سعداء وناس أشقياء.
نبين زين:
طائفة من النساء تدور في الحارات والشوارع والمصايف تنادي: «نبين زين» ويحملن على رءوسهن في الغالب قفة أو منديلا فيه ودع، وتفرد الودع وتدعي أنها تشوف البخت وتبين زين! وبعضهن يصدقن بعض الأحيان؛ إما بسبب أن لها قدرة على الكشف بطريق يشبه التنويم المغناطيسي، وإما أن تكون عندها قوة الفراسة، وإما بكلامها كلاما عاما ينطبق على كل حال. وأكثرهن يكذب ولا يقول حقا، وهي طائفة لا تزال كبيرة في مصر، وخصوصا في القاهرة.
وأحيانا يحترف الرجال هذه الحرفة فيدعون أنهم متصلون بالأولياء أو بالجن، وأنهم يتلقون أخبار المستقبل عنهم. ومن غريب الأمر أن بعض الباشوات الكبار يسمح لهم بالدخول في بيته، ويفرد لهم غرفة يقيمون فيها، ويسمح لهم بالاتصال بالخدم وسيدات البيت؛ اعتمادا على أنهم من أولياء الله، وقد روى الجبرتي أن امرأة كانت تدخل بيوت الذوات وتبيت فيها الليالي ذوات العدد، وتدعي العلم بالمغيبات، وصادف أن كانت في بيت أحد الباشوات وماتت، فلما جاءوا يغسلونها ظهر أنها رجل، فافتضح الذوات الذين كانوا يبيتونها في البيت، وكانت حادثة شنيعة.
وبعد ذلك كانت حادثة الشيخ بلال اليمني واتصاله ببعض الأغنياء وإعداد حجرة خاصة له، وتزويجه له بنته، وافتضاح أمره بعد ذلك فظهر أنه فاسق عربيد ليس له من الولاية شيء وكثير من أمثال ذلك من الأحداث.
الندا:
يولع المصريون بتحسين سلعهم التي يبيعونها، ولهم في ذلك التحسين أساليب مختلفة، فقد ينادون عليها بأصواتهم الجميلة، وأحيانا يعلنون عنها بنسبتها إلى ولي: فالترمس للشيخ الإمبابي ، والخس للمليجي. وأحيانا بنسبة الشفاء إليه، كما ينادون على الموز أو الحلبة: «الشفا من الله يا موز» و«الشفا من الله يا حلبة»! وأحيانا باستخدام البلاغة مثل: «زي بيض اليمامة يا عنب» و«نواك لوز يا بلح.»
والغريب أن الأشياء التي جدت في مصر لم تحسن بشيء من هذه التحسينات، كأن الجدد قصروا عن القدامى، فهم لا ينادون على المانجو والجوافة إلا بأسمائهما من غير تحلية.
النذور:
اعتاد كثير من المصريين تقديم النذور إلى المشايخ الكبار، كالسيد البدوي، وسيدنا الحسين. ولما رأت وزارة الأوقاف أن هذه النذور تذهب إلى جيوب بعض الموظفين، جعلت بجانب الشيخ صندوقا توضع فيه النذور، وحرمت على الخدمة أخذ شيء منه، وفي كل ثلاثة أشهر تفتحه بمحضر رسمي، وتوزعه بنسبة معروفة عندها على الخدم: هذا لشيخ المسجد، وهذا لمؤذنه، وهذا لكناسه، والمصريون - وخصوصا الفلاحين - يفوقون غيرهم في هذا. وقد يحرم البعض أولاده من أكل شيء يتطلعون إليه من أجل أنه منذور للسيد البدوي؛ فهذا ينذر عجلا، وهذا ينذر بقرة، وهذا ينذر شاة، وهذا ينذر عشرة جنيهات ذهبا أو ورقا، ونحو ذلك.
وهم عادة ينذرون هذا النذر معلقا كأن يقولوا: إذا شفي ابني المريض من المرض فللسيد البدوي خروف، وإذا قضيت لي حاجة فللسيد البدوي عشرة جنيهات. ثم هم يوفون بنذورهم على الأكثر خوفا من السيد البدوي أن ينتقم منهم إذا لم يفوا. وتذهب هذه النذور عادة ممن يستحقونها إلى من لم يستحقوها.
وبعض من يأخذ هذه النذور ربى ثروات كبيرة. وقد قرأت اليوم في الصحف إعلانا عن تأجير مائة فدان تجمعت عند صاحبها من أموال النذور، وحبذا لو عقل المصريون فتركوا هذه النذور وأبطلوا هذه العادة. وهناك من وجوه الخير ما هو أبر من هذه العادة وأنفع، كبناء مستشفيات وملجأ للأطفال والأيتام وغير ذلك.
نسن السكين:
كثيرا ما نرى في المدن الكبيرة في مصر رجلا يحمل حجر مسن ركب على عجلة ولف على العجلة سير، فإذا ضغط برجله على السير دار الحجر، والرجل ينادي عادة نسن السكين! نسن المقص! والناس ينادون عليه ليسن لهم السكين أو المقص على هذا الحجر. فإذا فرغ من ذلك أخرج حجرا آخر أخضر وصب عليه بعض الزيت وأتم الشحذ عليه بيده. وفي الأمثال القديمة «حجر المسن يشحذ ولا يقطع.»
النشل:
يكثر في مصر النشل، وهو أخذ المال أو المحافظ خلسة، وقد احترف قوم ذلك من رجال ونساء وصبيان، ويسمون النشالين. ومما يؤسف له أن مصر قد اشتهرت بذلك عند السائحين، ووضعت على المراكب التي تحملهم إعلانا كتب فيه ما مضمونه «احترس من النشالين»! وهي سبة فظيعة وربما لم تكن مصر أسوأ حالا من بعض البلاد المتمدنة.
ولهم في ذلك طرق مختلفة ومهارة ممتازة، حتى ليستطيع مهرة النشالين أن ينشلوا من غير أن يحس المنشول، بل قد ينشلون ضابط المباحث، فإذا لم يستطيعوا أخذ الشيء شقوا الجيوب أو فتحوا شنط النساء وأخذوا ما فيها. ثم لهم حيل وألاعيب، خصوصا على من تفرسوا فيه أنه فلاح مغفل أو غريب الدار، بعضهم يسرح الأطفال بعد أن يعطيهم القليل منه، ويستلب منهم الكثير، وكثيرا ما تنضم إلى رذيلة النشل رذائل أخرى خفية تتضح عند اكتشاف النشالين.
النشوق:
ويسمى أيضا السعوط هو نوع من ورق الدخان يدق ويضاف عليه قليل من النطرون فيما أظن، وبعد أن يسحق يشم في الأنف فيهيجه ويسيل المخاط منه. ومتعاطوه كثيرا «ما يحملون معهم منديلا أحمر كبيرا للنف.»
وكانت توجد دكاكين في أكثر الأحياء لبيعه، وكان استعماله منتشرا خصوصا بين علماء الأزهر ومن اتصل بهم؛ لأنهم أجازوا استعماله في المسجد دون استعمال الدخان، وكانوا عادة يشترونه في قرطاس ويضعون منه في علبة خشبية صغيرة، وقبل أن يتنشقوا يضربون ضربات خفيفة على رأس العلبة لينزل منه ما قد يكون علق به، ولتهييجه أنف المتعاطي يزيد عطاسه خصوصا من لم يعتده، وقد قل كثيرا بقدر ما انتشرت السجاير وتدخينها، وشم الكوكايين وأمثاله.
النظافة:
مما يؤسف له أن النظافة لم تنل من المصريين العناية الكافية، وربما كان الجو عاملا في ذلك، وقد رتبت الأمم الشرقية في النظافة فكان الأتراك أولا، ثم اللبنانيون والسوريون، ثم المصريون، ثم الإيرانيون، ثم الهنود. وكانت مأكولاتهم تعرض في الطريق للذباب والغبار، وقل من الفلاحين من يلبس حذاء، وهم يأكلون الفجل والكرات بعد غسيله بماء قذر في الترع، ويشربون ماء النيل من غير تقطير؛ وهكذا من مظاهر عدم نظافتهم. ولعلهم يسيرون إلى الأمام سريعا في سبيل النظافة، وقد تمر على الأطفال والفقراء فتجزم أن وجوههم لم تغسل بالماء منذ أيام، وأن ملابسهم لم تغسل منذ أن لبسوها، وتدخل بيت الوجيه وخصوصا في القرى فتجد أثاثا فخما وموائد فخمة لكنها تنقصها النظافة.
وقد امتازت بيوت الأتراك في القاهرة - والحق يقال - بالنظافة التامة لما تعودوه في بلادهم. والحارات البلدية في القاهرة من أدل الأشياء على القذارة خصوصا في أيام المطر، فوحل وماء وقذر ورائحة عفنة ونحو ذلك.
وقد يصادفك وأنت مار طشت ماء من الغسيل ألقي عليك! والفقراء عادة لا يتورعون من رمي مصاصات القصب في الشارع وقشر البرتقال وقشر الموز وقشر البطيخ، فيكون الشارع قذرا مهما كنسه الكناسون.
نظام الطبقات:
الطبقات في الأمم تنشأ تبعا للتاريخ، ولما كان تاريخ مصر ذا أحداث خاصة نشأت الطبقات فيها نشأة خاصة.
وقد كثر الفاتحون وتتابعوا من يونان ورومان وعرب، وترك وفرنساويين وإنجليز ... إلخ، فنشأ عن ذلك أن الفاتحين كانوا هم الطبقة الأرستقراطية دائما. وأقل منهم كثيرا الطبقة الفقيرة من فلاحين وعمال وصناع، ويكونون أعظم الشعب، وبين هؤلاء وهؤلاء طبقة وسطى، ورغم أن الإسلام سوى بين الطبقات فإن النظام الاجتماعي فارق بينها. وقد اعتادت الطبقة الفقيرة احترام الطبقة العالية والذل والخضوع الشديد لها.
وأظهر الطبقات طبقة الأمراء، وكان العلماء طبقة ممتازة يصغي إلى أوامرها العامة والأمراء معا، وكثيرا ما تدخلوا في الحركات السياسية لهذا السبب، ولكن ضعف شأنهم على توالي الأيام، ولم يعد لهم تأثير كبير لا على الشعب ولا على الأمراء. ويلي هؤلاء وهؤلاء كبار الملاك والتجار، وهم أثرياء ثروة متوسطة، وفي الزمن الأخير كثر عددهم وسلطانهم، ويلي هؤلاء جميعا طبقة العمال والصناع، وهم ينقسمون إلى طوائف، كل طائفة منهم لها نقابتها يفضون مشاكلهم ويرعون أوامرهم بأنفسهم وآخر طبقة هي طبقة الفلاحين، وهم أكثر عددا ممن قبلهم وأسوأ حالا وأكثر بؤسا وأشد تعرضا للمظالم.
ولما جاءت الحروب الكبرى الأخيرة زلزلت هذه الطبقات وجعلت عاليها سافلها وسافلها عاليها، وأفهمت الطبقات الفقيرة حقوقها، وعلمتهم الإضراب لنيل حقوقهم. وكان العمال في ذلك أسرع من الفلاحين وأقدر؛ لأنهم متكتلون وتكتلهم يجعل قيمة لإضرابهم ويعلم بعضهم بعضا المطالبة بحقهم، أما الفلاحون فيتفرقون، وتفرقهم يضعف من شأنهم، على أننا سمعنا في الأيام الأخيرة حركة جديدة قاموا بها يطالبون بالعدل ورفع الظلم، ولا يعلم إلا الله منتهاها. وكان من أهم أغراض الثورة الأخيرة في مصر إزالة الفروق بين الطبقات بتحديد الملكية وإلغاء الرتب والنياشين، ونحو ذلك.
نعل الجلشني:
الجلشني مسجد في القاهرة عند مسجد المؤيد، وهناك نعل صغير يزعم الناس أنه نعل الشيخ الجلشني، والناس يعتقدون في هذا النعل ويتبركون به، ويشربون من مائه غرفا من بئره، وله يوم مخصوص في الأسبوع هو يوم الأربعاء، يزار فيه الجلشني ويتبرك بنعله.
نظره على قده:
يستعملون «على قد» كثيرا بمعنى قليل، فيقولون نظره على قده إذا كان قصيرا، ومعيشته على قده، إذا كان فقير وهكذا.
انفتح زي البرابند:
تعبير يعني تكلم كثيرا بطلاقة وتدفق.
نقاوه عيني:
تعبير يعني اخترته على عيني.
نقبه على شونة:
تعبير يقال في الأصل للحرامي ظل ينقب، وأخيرا انتهى نقبه إلى شونة حيث لا ذهب ولا فضة، إلا قمحا أو شعيرا تصعب سرقته، ثم استعيرت لكل رجل يأتي عملا لغرض ثم ينقلب عليه غرضه فلا يكسب شيئا.
النقطة:
يطلقها المصريون على أول نقطة ترد من الأمطار إلى مصر، وتكون عادة في 11 بئونة، وهم يستبشرون بها وينسبون إليها تنقية الهواء، ومنع الأمراض، وخصوصا الطاعون. وقد اعتادوا أن يضعوا في تلك الليلة قطعة من الطين المجفف يقيسون به الفيضان، فإن ابتلت بالماء دل ذلك على أن الخير سيكون عظيما، وهم يعتقدون أنه في هذه الليلة إذا وضعت عجينة اختمرت لاعتدال الجو ، والمصريون يحتفلون بليلتها، ويسمونها ليلة النقطة.
وللنقطة معنى آخر وهو المال الذي يمنح للعروس أو للعالمة ليلة الدخلة، وكانت العادة أن يوضع منديل في حجر العروس والمعازيم يتحفن العروسة من المال كل على قدره، ويسمون ذلك كله نقطة. وكذلك عند زفة العريس تقف الزفة على بعض الأماكن، وينادي بعض الخاصة: شوبش شوبش! فينقط من يشاء، وكذلك تنقط العوالم بعد الزفة، وأحيانا يرسل الأصدقاء بعضهم إلى بعض هدايا المناسبات، كزواج بنتهم، أو طهور ابنهم أو ابنتهم، أو عودتهم من الحج، أو نحو ذلك وتسمى نقطة. وتكون هذه النقطة كدين على المهدى له، يؤديها عندما تحدث مثل هذه المناسبات للمهدي.
النمس:
هو حيوان منتشر في مصر، ويمكن استئناسه، فإذا استؤنس أفاد صاحبه بإبادته للفئران، ولكنه يؤذيه من جهة أخرى بأكله للحيوانات الأخرى كالدجاج. ومعروف عنه أنه يبيد التماسيح الصغيرة، ويفحص عن بيضه في الرمل. ويبالغون في ذلك فيقولون: إنه إذا فتح التمساح فمه دخل النمس في فيه فقتله. وفي القوانين المصرية القديمة نصوص صريحة توجب حمايته وتوصي به؛ لأنه يأكل الفئران والحيوانات الضارة.
والمصريون يطلقون على الشاب الماكر الماهر الذي يصل إلى غرضه بأساليب ناعمة «نمس».
النوبيون:
هم سكان النوبة وهم سمر الألوان، لونهم أشبه ما يكون بلون الحبش، وقد اشتهروا بالأمانة والنظافة والصلاحية للخدمة؛ ولذلك تراهم يملئون البيوت للخدمة، كما يملئون الفنادق والقهوات ولا يغني عنهم البيض، وكثيرا ما يتزوجون ويتركون زوجاتهم في بلادهم، ويأتون إلى مصر ويقيمون فيها سنوات ثم يعودون على بلادهم للإقامة فيها على الدوام أو بعض أشهر.
وفي الأيام الأخيرة اعتاد بعضهم الوقوف في الشوارع حيث تقف السيارات، فإذا خرج صاحب السيارة أو سواقه نصحه بأن يسير إلى الوراء قليلا أو كثيرا ليمكنه السير إلى الأمام في نظير قرش أو نصف قرش. ولهم لباس خاص، وهو القفطان الأبيض أو الجلباب وعليه أو عليها حزام أحمر.
وقد يشاركهم بعض السودانيين في أعمالهم وهم أسود منهم لونا، ولكنهم لا يكثرون كثرتهم . وهم بحكم أنهم أقلية يرتبطون فيما بينهم ارتباطا كبيرا، حتى إن بعض القهاوي يكون كل جلاسها منهم؛ لأن صاحب القهوة ومقدمها منهم.
نماذج:
نسوق تحت هذه الكلمة بعض نماذج من الأحداث والأشخاص تعتبر نماذج للناس في مصر وما كان يجري فيها، مأخوذة من تاريخ الجبرتي. قال في ترجمة «إيواظ بك» إن أصل اسمه «عوض» حرفت باعوجاج اللسان التركي إلى «إيواظ» فإن اللغة التركية ليس فيها الضاد، فأبدلت وحرفت حتى صار فيها «إيواظ» وهو شركسي الجنس قاسمي؛ أي إنه يتخذ الشارة القاسمية، تولى الإمارة عوضا عن سيده مراد بك، وقد تلقى مرسوما بالركوب إلى الصعيد للتغلب على العربان وإجلائهم عن البلاد؛ لأن الملتزمين والفلاحين يتظلمون منهم، فجمع «إيواظ بك» نحو ألف جندي وخرج إليهم بموكب عظيم، ثم طلب الإمداد فأجيب إلى طلبه، فحارب العربان وانتصر عليهم، ففروا إلى الوجه البحري عن طريق الجبل، بعد أن نكل بهم تنكيلا كبيرا، وقتل بعضهم ونهب جمالهم. وفي وقعة من الوقعات أخذ منهم ألفا وسبعمائة جمل بأحمالها، وعاد «إيواظ بك» ودخل القاهرة في موكب عظيم وخلعت عليه الخلع.
ولما عاد إلى مصر، وجد بعضهم تترسوا في جامع السلطان حسن، فحاربهم وانتصر عليهم بعد أمور وحروب يطول شرحها. وحدث أن بعضهم أحرقوا بيت أمير وما لاصقه من البيوت والحيوانات والرباع، فركب إيواظ «بك» وأمامه القواس بمزراق، فاشتبك المزراق في الباب فانكسر، فتطير إيواظ بك من ذلك وطلب مزراقا آخر، وفعلا انهزم «إيواظ بك» وكانت فتنة كبيرة يقول فيها الشيخ حسن حجازي قصيدة مطلعها:
أيها الشخص لا يكن منك معتب
إن إيذاء خلق ربك معطب
ومنها:
وعلينا مدافع نصبوها
في أعالي الأبراج ترمي بملهب
وبيوتا عديدة حرقوها
مع نهب الأموال من غير موجب
وأحاطوا بنا وقد منعونا
استقاء من نيلنا أو مصوب
فعطشنا وماء ملح شربنا
رمونا بكل ما كان يرعب
مدة مستطيلة ثم باءوا
بعقاب لم يبق منهم معقب
والذي ذكرته هنا
1
مجمل
لو بسطناه ضاق تعبير معرب
ويستفاد من هذا الجزء أشياء كثيرة منها:
أولا :
كثرة فساد العربان وتأديبهم بالقتل والتشريد.
ثانيا:
كثرة المظالم على الناس بشتى أنواعها.
ثالثا:
تحريف الأتراك لكلمات عربية إلى نطق غريب تركي، كتحريفهم عوض إلى «إيواظ».
رابعا:
احتمال الأهالي الظلم وصبرهم عليه.
خامسا:
ضعف الشعر، ومع ذلك عنايته بتسجيل الحوادث إلى غير ذلك. •••
النموذج الثاني: شيخ العرب همام بن يوسف، كان غنيا كبيرا، ملجأ للفقراء والأمراء، ومحط رحال الفضلاء والكبراء، تنزل بحرمه قوافل الأسفار، إذا نزلت بساحته الوفود والضيفان، تلقاهم الخدم وأنزلوهم في أماكن معدة لأمثالهم، وأحضروا لهم ما يحتاجون إليه، من سكر وشمع عسل وأوان، ثم يحضرون لهم مرتب الطعام في الغداء والعشاء، والفطور، وفي الصباح تحضر المربات والحلوى، سواء كانوا يعرفونهم أو لا يعرفونهم، وإن أقاموا على ذلك شهورا لا يختل نظامهم. وكان ينعم بالجواري والعبيد والسكر والغلال والتمر والسمن والعسل، وكان الفراشون والخدم يهيئون الفطور من طلوع الفجر إلى ضحوة النهار، ثم يشرعون في أمر الغداء من الضحى إلى قرب العصر، ثم يبتدئون في أمر العشاء، وعنده من الجواري والسرائر والمماليك والعبيد الشيء الكثير، وكانت أملاكه واسعة، فله في زراعة القصب وحدها اثنا عشر ألف شونة، وكانت شون غلاله لا تعد، تكتل أتلالا، وعنده من الأجناد والقواسة الشيء الكثير، فيقضي الأقباط والمحاسبون عنده زمنا طويلا ليلا ونهارا، لمحاسبته وبيان ما له وما عليه. وإذا جلس مجلسا عاما وضع بجانبه فنجانا فيه قطن وماء ورد، فإذا قرب منه الأجلاف وتحدثوا معه وانصرفوا، مسح بتلك القطعة عينيه وشمها بأنفه حذرا من رائحتهم. وكان له صلات بالعلماء والأمراء كالسيد مرتضى الزبيدي وغيره.
وهذا منظر آخر يصور لنا الكرم العربي مع الغنى العريض والجاه الواسع، كما يصور لنا نوعا جديدا من الحياة التي يحياها هؤلاء الأغنياء المترفون من الأعراب. •••
ونموذج ثالث: يمثل لنا حياة العلماء في ذلك العصر: كالشيخ حسن الكفراوي، فهو عالم من علماء الأزهر، ولد ببلدة كفر الشيخ، ومن ذلك سمي الكفراوي، وقرأ القرآن وحفظ المتون بالمحلة الكبرى، ثم حضر إلى مصر وحضر على شيوخ الوقت، ومهر في الفقه والمعقول، وتصدر ودرس وأفتى، وتداخل في القضايا والدعاوي ، وفصل في الخصومات بين المتنازعين، وأقبل الناس عليه بالهدايا، وتجمل بالملابس وركوب البغال، وأحدق به الأتباع، ووفدت عليه الناس، ثم تزوج بنت جزار بالحسينية، وسكن بها، واحتاط به أهل الناحية، وصار له بهم نجدة على من يخالفه أو يعانده ولو من الحكام. وتردد على الأمير محمد «بك» أبو الذهب قبل استقلاله بالإمارة فأحبه محمد «بك» وحضر مجالس دروسه في شهر رمضان بالمشهد الحسيني.
فلما استبد محمد «بك» بالأمر لم يزل يراعي صحبته، ويقبل شفاعته في المهمات، ويدخل عليه من غير استئذان في أي وقت أراد، فزادت شهرته. ولما بنى محمد «بك» جامعه عين الشيخ حسن رئيسا له، واجتمع المترجم له بالشيخ صادومة المشعوذ، وكان يدعي أن شعوذته من باب الولاية والكرامات، إلى أن اتضح أمره ووافاه الأجل والحمام بعد أن تمرض شهورا وتعلل، ولم يكن مثالا للعلماء الزاهدين، رحمه الله. يستنتج من هذا: (1)
أن بعض العلماء كان واسطة بين العامة والأمراء. (2)
بعض العلماء يؤيد المشعوذين في شعوذتهم. (3)
استنجاد العلماء أحيانا بالشطار ورؤساء الحرف والصناعات ليحتموا بهم عند اللزوم.
ونموذج رابع: من الأمراء في عهد المماليك للأمير عبد الرحمن كتخده: كان لما مات سيده لم يأخذ شيئا من المال الموجود، فغضب وخرج من وجاقهم إلى وجاق آخر، فلما مات واضع يده على أمواله انتقل الأمر إلى زوج أم عبد الرحمن، فاستدعاه وسلم له التركة أجمعها، وكان شيئا يجل عن الوصف. فرجع عبد الرحمن على وجاق الإنكشارية، وعلا أمره من حينئذ ثم تولى الإمارة فأبطل خمامير حارة اليهود، وأنشأ كثيرا من الأسبلة والكتاتيب، وزاد في الجامع الأزهر مقدار النصف وبنى له فيه مقبرة، وعلى العموم أنشأ عمارات كثيرة في كل حي، وكان إذا جاء رمضان اجتمع الفقراء على باب بيته فأخرج لهم اللحم والفت، وأعطى كل رجل سحوره، ثم اشتد ساعد علي بك الأمير عدوه، فأخرجه من مصر وأبعده إلى الحجاز، ولما رجع من الحجاز رجع متمرضا فلم يلبث إلا قليلا ومات، وخرجوا بجنازته في مشهد حافل حضره العلماء والأمراء والتجار ومؤذنو المساجد، وأولاد الكتاتيب التي أنشأها، ودفن بمدفنه في الأزهر. وكان كثير قبول الرشوة، صادر الأغنياء على أموالهم، واقتدى به في ذلك غيره، حتى صارت الرشوة سنة مقررة، وكذلك كان يصالح على تركات الأغنياء التي لها وارث، ومن أكبر سيئاته إثارته العداء بين الأمراء وتسليطه بعضهم على بعض؛ ولذلك تنفسوا الصعداء لما أخرج من القاهرة.
نستنتج من ذلك: أن الأمراء كانوا يظلمون ويتصدقون ويبنون الأسبلة والمساجد ظنا منهم أن هذه تغفر لهم سيئاتهم، كما تدلنا هذه السيرة على ما كان في تلك الأزمان من جور وفساد، وسلب ونهب، وما أكثر ما احتمل المصريون!
هذه نماذج من تركي وشيخ عرب وعالم وأمير، وهي تمثل أصناف الناس من الطبقة الوسطى والعليا، ولا يختلف عنهم أمثالهم إلا قليلا، فقد يزيدون في بعض الصفات وقد ينقصون، ويمكن أن نتصور الشعب المصري من هذه النماذج على قدر الإمكان، إلا أفرادا شذوا في باب الخير أو باب الشر، فمنهم من زهد في الدنيا، ومن الحكام من عدل، ومن العلماء من تورع أو تصوف، ولكن عددهم قليل، والعبرة بالغالب.
النيل:
تعد مصر بحق هبة من هبات النيل، وقد سمي النيل نيلا من اسم نيلوس، أحد الفراعنة القدماء؛ لما قام به نحو النيل من جلائل الأعمال. وقد بهر النيل أبصار اليونان فقرر بعضهم أن الماء أصل الكائنات وأسسوا مدينة أطلقوا عليها اسمه، وشادوا هيكلا فخما كان النيل في هذا الهيكل ممثلا في صورة شيخ تحته مرمر أسود؛ رمزا إلى بلاد الحبشة، وكلل رأسه بالسنابل، واستند إلى تمثال أبي الهول، وجعل عند قدمه تمساح وفرس بحر، حيث يصب النيل، وأحيط بصورة تمثل الستة عشر طفلا، وترمز أوضاعهم اللطيفة إلى ما اكتسبوه من نعمة فيضان النيل، واشتهرت شلالات النيل شهرة عظيمة من أكبرها شلال أسوان، ويسمع خرير الماء منها من مسافة بعيدة، وقد كان الشلال جبلا كان يعترض النيل، فتمكن من قطعه في عدة مواضع حتى يمر الماء منه، خصوصا في أيام الفيضان .
ويتكون مجرى النيل من ماء وطمي، ويختلف عرضه وعمقه بحسب الأماكن، كما تختلف ضفتا النيل كبرا وصغرا، وكما تختلف في أيام الفيضان، وأيام التحاريق، ويمر النيل وترعه بجميع مدن القطر المصري وقراه، وتقوم على قراه القصور والعزب. والنيل كغيره من الأنهار تزداد مياهه سنويا عقب الانقلاب الصيفي، وحده بالفيضان ستة عشر ذراعا إلا في سنون نادرة، ويبدأ الفيضان في جهة الحبشة في أبريل ومايو ويونية على أثر نزول الأمطار الغزيرة، ثم تمر المياه في الخرطوم في أوائل أبريل، ولا تظهر في القاهرة إلا في النصف الأخير من يونية؛ أعني أن المياه تصل إلى القاهرة في نحو ثلاثة أشهر.
وسبب هذا البطء أن المياه الأولى للفيضان تذهب في الطريق قبل وصولها إلى مصر العليا، وينصرف بعضها إلى جهات مختلفة كثيرة ويرشح بعضها. والزيادة في النيل لا تأتي مطردة منتظمة، بل قد تختلف زيادته في بعض السنين، وقد تجيء متأخرة، وفي أواخر سبتمبر أو أوائل أكتوبر تبلغ الحد الأعلى من ارتفاعها، ثم تهبط بالتدريج حتى تكون التحاريق في مارس وأبريل ومايو. وليس الفيضان كما يظن بعض الناس الأجانب سيحان النيل على الأرض فيغمرها كالطوفان، وإنما هو عبارة عن امتلاء مجرى النيل وترعه وارتفاع الماء فيهما، وإذا بلغ النيل حدا مناسبا لري الأراضي - وذلك يحدث في النصف الأخير من أغسطس - احتفل في القاهرة بفتح الخليج الذي كان يخترقها من جانب إلى جانب، فيضيئون الأنوار، ويطلقون الأعيرة النارية بأشكال مختلفة، وتعزف الموسيقى، ويغني المغنون، وتسير في النيل زوارق مزينة بالأعلام. وقد كان شائعا أن المصريين يرمون فتاة جميلة في النيل محلاة بالزهور، وقد أبطلها عمر بن الخطاب، ثم ظهر أنها خرافة كاذبة، وأنهم إنما يرمون هيكلا من الطين على شكل فتاة، وكثير من مياه النيل يضيع سدى في البحر الأبيض المتوسط من فرع دمياط ورشيد، وللنيل في القاهرة مقياس في الروضة قديم تجاه مصر العتيقة، وهو عبارة عن عمود من المرمر الأبيض، قائم وسط بحيرة تتصل بالنيل، والعمود ذو ثمانية أوجه، مقسم ستة عشر قسما، كل قسم منها ذراع، فإذا ارتفع النيل ارتفع ماء البحيرة فأمكن قياسه، وقبيل الاحتفال يمر المنادون على أبواب البيوت ويغنون أغنيات مختلفة منها: البحر زاد! غرق البلاد! والأطفال حولهم يجيبونهم في كل نداء بقولهم: عوفا الله! بإمالة الألف إلى الياء، وربما كان أصلها أوفى الله؛ أي أوفى الله النيل، فإذا انتهى الاحتفال بالخليج مر المنادي وأطفاله على البيوت يوزعون بعض البلح والليمون الحلو والبرتقال الحادق، يرجون بذلك المكافأة بقرشين أو خمسة أو عشرة، كل على حسب استعداده وقد كان هذا العمل رائجا في مصر ثم كاد يندثر مع المدنية.
وكثير من ماء النيل يذهب رشحا في باطن الأرض، بسبب ضغط مائه على ضفتيه وتخلل أجزاء الأرض، وفي الأرض عروق يجري فيها الماء كأنها قنوات، ويأخذها المصريون بواسطة الآبار الارتوازية أو السوقي العميقة، وفي العادة يحمر ماء النيل في أيام الفيضان، ويخضر في أيام التحاريق. ومن الغريب عزوف الرجال عن شرب الماء المقطر أو المرشح، أو بعبارة أخرى من الطلمبات؛ لأنهم يعتقدون أن ماء النيل أبعث للقوة.
النيل نجاشي:
تعبير اخترعه أحمد شوقي، ومعناه أسمر نحاسي.
حرف الهاء
هاته من شعر راسه:
تعبير يعني بالقوة.
هاتي يا سدرة، ودي يا مردرة:
تعبير يعني أنه أسرف في حياته حتى أنفق ما جمع.
هرجلة:
معناها الفوضى، والهرجلة كثيرة في مصر، ومعناها عدم النظام، تجدها عند حضورك سينما أو تمثيلا، وتجدها في المجتمعات في الأفراح، وخصوصا عند حضور أولاد البلد أو تلاميذ المدارس، وتجدها في الرجال والنساء، وفي التلاميذ حين يضربون. فقسم يريد الإضراب، وقسم لا يريده، وقسم يهتف لذاك، ولم يتعلموا بعد المظاهرات الصامتة، فإذا تظاهروا كسروا الترام وفوانيس الشوارع ودكاكين التجار.
وتجد الفوضى في المصالح أيضا؛ فورق هنا وورق هناك، وورق يضيع بين الموظفين، وهرجلة أخرى في الملابس، فهي متعددة الأشكال، عمة وطربوش، ولبدة وطاقية، وجلبية وجبة وقفطان، وجاكتة وبنطلون، إلى آخر أنواع الهرجلة، حتى يحسبهم الإفرنجي إذا نظر إلى الشوارع المصرية لأول مرة أنهم كرنفال، وفوضى في مجالس الغناء ففي كل نغمة آه وآهات! وحديث بصوت عال مع الجار، ونحو ذلك.
الهزل:
يسمى الهزل، ويسمى المزاح، ولهم في ذلك أعاجيب ذكرنا بعضها عند الكلام على النكتة والفكاهة فارجع إليهما.
هزيمة الجيوشي:
هي نوع من العزايم المشهورة، وصفتها أن يكتب الخاتم الآتي:
في كاغد أخضر بماء ورد وزعفران ويبخر بلبان الذكر والمستكا، على أن يكون الطالع هو الميزان والساعة للشمس، ويجعل تحت الذي يريد منازلة أعدائه، ويستعمله أيضا قائد الجيوش فإنه يتغلب على أعدائه، وهذه صورته:
سيهزم
الجمع
ويولون
الدبر
الجمع
ه ه
د د
ويولون
ويولن
د د
ه ه
الجمع
الدبر
ويولون
الجمع
سيهزم
ويستعمل أيضا في قضاء الحوائج وعند الدخول على العظماء.
هشك:
إذا لاعب الأب أو الأم طفلهما الصغير فأمسكاه بين أيديهما، ورفعاه إلى فوق يقال لهذه العملية «تهشيكة».
هفتني نفسي:
تعبير يعني اشتقت.
هف طلع النهار:
كان الناس قديما يعيشون ليلا في ضوء الشمع أو القنديل، أو مصباح الجاز، فإذا بدا النهار أطفئوا المصباح بقولهم: «هف» وهي حكاية صوت الإطفاء. فإذا قالوا هف أطفأوا المصباح وذلك دليل على طلوع النهار. وهم يقولونها للدلالة على تغير الحال إلى أسوأ، فمثلا إذا ذهبت أيام عزه وأصبح شقيا بائسا، أو ذهبت أيام غناه وأصبح فقيرا، قالوا إذ ذاك: «هف طلع النهار.»
هل نورك:
تعبير يقولونه للرجل أو المرأة ترحيبا به، وأحيانا يقولونها عند قدوم شهر رمضان.
الهلال:
هو القمر أول ما يبدو، وللمصريين عقيدة كبيرة فيه، فإن رؤيته تؤثر في الشهر كله، فإذا رآه أحد هلل وابتهل إلى الله وقال: «اللهم اجعله شهرا مباركا علينا وعلى من يتصل بنا» وعندهم عقيدة فيه مربوطة بوجوه الناس، فمنها وجوه خيرة، ومنها وجوه شريرة. فإن فتح الإنسان عينه أول ما يرى الهلال على وجه سعيد كان الشهر كله ذا حوادث سعيدة، وإن فتح عينيه على وجه نحس كان الشهر كله بؤسا؛ ولذلك يكف بعض الناس عن رؤية أي أحد، ويتعمد بعده أن يفتح عينيه على المرآة ليرى فيها وجهه كأن وجهه أسعد مخلوق.
وبهذه المناسبة إذا حصل خسوف للقمر أو كسوف للشمس دق الأطفال والنساء على الصفيح والنحاس يصيحون صيحات مختلفة لاعتقادهم بأن الجن خنقت القمر أو الشمس، وهم بهذا الدق والدعاء إذ يدعون: يا لطيف يا لطيف! يظنون أنهم يبعدون الجن عن القمر أو الشمس!
هم عيان، وهم مامعاهوش فلوس:
تعبير يستعملونه كثيرا، فيستعملون هم بمعنى من ناحية.
هنومة:
يطلق على المرأة الجميلة الحسنة التقاطيع «هنومة»، ويسمون نوعا من السمك أيضا «هنومة»، فلعلهم شبهوا المرأة الصبوح بها.
هو أنا اشتيكت من شيء شوية:
تعبير يعني لم أشك من شيء قليل، بل شكوت لما فاض بي الهم.
هو داخل عامل زيطة وزنبليطة:
تعبير يعني دوشة.
هو السما وإنت القمر:
تعبير يعني أنك حللت في قلبه محل السماء يدور فيها القمر.
هو عقلك دفتر؟:
تعبير يقال للاستغراب ممن حسنت ذاكرته.
هو قال كده وأنا اتبليت:
تعبير يعني أنه بمجرد ما قال ذلك خجلت من قوله.
هي دي أخلاق بني آدمين:
بني آدمين جمع ابن آدم؛ أي أهذه أخلاق ناس طيبة؟!
هي حسبة برمة:
تعبير يقال للحسبة ... يحسبها الرجل فيطيل في حسابها، فيستنكر عليه ويقال: هي دي حسبة برمة ولا أدري ما أصلها.
هيله هب هيله:
تعبير يقوله المراكبية عند زحزحة المركب، ومثلها هب ليصا.
حرف الواو
الواو:
حرف الواو في اللغة العامية يساوي عند الإفرنج
O ، وهو واو خفيفة وواو ثقيلة، والنوعان يظهران في كلمة بوسة ودلوعة، مع أنه في اللغة الفصحى ليس هناك إلا النوع الثاني، كيلقبون ويقرءون.
وأبوها:
تعبير يستعمل كثيرا فتسأل رجلا، هل تستطيع أن تفعل هذا الشيء فيقول لك وأبوها؛ أي إنه يستطيع أن يفعل أكثر منها.
الواحد ما يخدش إللا نصيبه:
تعبير يستخدم دلالة على الإيمان بالقضاء، ولكن من الأسف أنها تستخدم أحيانا لتبرير الكسل.
الواحد يكلمه بعرض حال:
تعبير يعني أنه متكبر لا يتكلم إلا بصعوبة.
واخد مني على خاطره:
تعبير يعني هو غضبان وعاتب علي.
واوا:
يقولها الطفل إذا أحس بوجع، وقد يسمى موضع الوجع نفسه «واوا »؛ ويظهر أن أصلها قبطية قديمة.
الوجبة:
هي اسم للمرة من الشيء تعمل في وقت معين، فيقال: وجبة الطعام؛ أي الأكلة التي تؤكل في وقت معين دوري. ووجبة العمل؛ أي العمل المفروض على شخص يعمله في وقت معين، كوجبة الخفير أو التلغرافجي.
وكان الفلاحون يطلقونه على الملتزم عند ذهابه لتحصيل المال من القرية، وذلك أن الأراضي الحكومية كانت تؤجرها الحكومة لملتزمين وهم الذين رسا عليهم المزاد، وهم يؤجرونها لصغار الفلاحين بأجور مرتفعة، ثم يذهب هؤلاء الملتزمون للقرية من حين لآخر ليأخذوا الإيجار. والملتزم في العادة يذهب ومعه بعض الأفراد، وعلى أهل القرية أن يؤكلوا الملتزمين ومن معهم خرفانا ووزا ونحو ذلك، وتسمى هذه وجبة.
وأحيانا يكون الملتزم قبطيا فيأتي هو أيضا من الظلم والعسف مع المسلمين ما يشفي غليله، وهو يدخل القرية عادة في موكب عظيم من الخدم والحشم، ويركب عادة فرسا مسرجة لها ركاب مطلي بالذهب، وللركاب حديدتان خارجتان، فإذا أرسل إلى الفلاح الذي عليه الإيجار حضر يرتعد من الخوف، ويقف بجانب فرسه وهو راكب، ويسبه ويغلظ له القول ويقول له: «لا بد أن تحضر ما عليك الآن وإلا أضربك بهاتين الحديدتين» فيجرحه أو يميته.
وتوزع عادة الوجبة على الفلاحين بحسب غناهم وفقرهم، فهذا عليه خروف، وهذا عليه وزة وهذا عليه فطيرة، وهكذا، والفلاحون يرتعدون منهم، وقد يحرمون أنفسهم طول السنة ويضنون بالشاة أو الوزة على أولادهم ليقدموها وجبة للملتزم. وأحيانا تحول الوجبة إلى مال يزاد على الإيجار ويدفع معه.
ويروون في تاريخ مصر حادثا غريبا، وهو أن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد كان السلطان في زمنه قد ولى صرافا قبطيا على إقليم يقبض ماله، فاتفق أنه ذهب إلى قرية ابن دقيق العيد، فأحضر الصراف فلاحا وطالبه بما عليه، فقال له الفلاح: أمهلني بقية هذا اليوم. فلم يقبل، وأراد أن يضربه بالحديدتين ليقتله - ويسمونهما «السفافيت» واحدتهما «سفوت»، وربما حرفت التاء إلى الدال - فولى الفلاح هاربا فتبعه القبطي وما زال الفلاح يجري حتى رمى نفسه بين يدي الشيخ وكان الشيخ يحرق قيمنا من الجير، وهي صنعة الشيخ في ابتداء أمره، فقال له الشيخ: أمهله بقية النهار. فلم يقبل، وأغلظ له في القول، فقام الشيخ غاضبا وأمسكه واتكأ على ظهره حتى قفصه وألقاه في تنور القمين فاحترق، وبلغ الأمر السلطان فغضب غضبا شديدا، واستحضر الشيخ وقال له: ما حملك على حرق القبطي؟ قال له: ما حملك أنت على تولية النصراني على المسلمين وأذيتهم؟ فزاد الغضب بالسلطان وأراد أن يبطش به ... قالوا فأشار الشيخ إلى الكرسي الذي يجلس عليه السلطان فتحرك، وانكب السلطان على الأرض مغشيا عليه، ثم أفاق السلطان فقال له: اعف عني أيها الشيخ! قال له: أنا لا أريد شيئا إلا أن لا تؤمر النصارى ولا اليهود على المسلمين وإلا هلكت. وخرج الشيخ من عنده على غاية من الكرامة والتبجيل، وذهب إلى قريته.
والذي ألجأ السلطان إلى تعيين الأقباط مهارتهم في الحساب؛ ولذلك قال قائلهم:
لعن النصارى واليهود جميعهم
نالوا بمكر منهم الآمالا
جعلوا أطباء حسابا لكي
يتقاسموا الأرواح والأموال
ولذلك كان من الفتاوى في ذلك الوقت هل يصح الخضوع للنصارى واليهود إذا ولوا على المسلمين؟ وكان الجواب:
إن خدمة المسلم للكافر حرام، وكذلك الخضوع له والتذلل له بين يديه، ما لم يخف منه ضرر أو أذية، بأن يكون حاكما أو متوليا أمرا كالصرافين في ديار الفلاحين. وظل الصرافون من هذه الفئة إلى عهد قريب، وكثيرا ما ترك الفلاحون أراضيهم وأملاكهم من الإيجار والوجبات.
وحوي وحوي:
هي أغنية منتشرة في رمضان بين الصبيان، يجتمع الأطفال بعد الفطور وبأيديهم فوانيس صغيرة مضاءة بالشمع، زجاجها ملون بألوان مختلفة، من أحمر وأخضر وأزرق وأصفر، وينشد منشدهم: وحوي وحوي! فيجيب الآخرون إياحة! ثم يستمر المنشد: «بنت السلطان، لابسة قفطان، بالأحمر، بالأخضر، بالأصفر» وينشد الأطفال وراء كل كلمة «إياحة»، ولا أدري معناها هل هي كلمة مصرية قديمة، أو هل هي مشتقة من حوي يحوى؛ أي عمل كما يعمل الحواة، بدليل قولهم: لولا فلان ما جينا، ولا تعبنا رجلينا، ولا حوينا ولا جينا ...
ودن من طين وودن من عجين:
تعبير يقال للرجل أو المرأة لم يعلق على هذا الحديث أهمية، بل أغضى عنه حتى كأن آذانه من طين ومن عجين لا تسمع ولا تحس.
ودنك منين قال من هنا:
ثم يشير إلى أذنه البعيدة لا القريبة، وكانت الإشارة إلى القريبة أولى: تعبير يقولونه لمن حاول إتيان الشيء من بعيد وكان يمكنه أن يأتي به من قريب.
وراه نجوم الظهر:
تعبير يعني صب عليه الشدائد.
ورده:
يقولها الحوذيون للمارة بمعنى احترس أو خذ بالك، وهي مأخوذة مع التحريف من أصل إيطالي
Gradez ؛ أي ترقب وانتبه، أو من البرتغالية
Grada ؛ أي الرقيب والمنبه.
وريني عرض كتافك:
تعبير يعني اذهب لحال سبيك.
وزه علي:
تعبير يعني حرضه علي.
وشه يقطع الخميرة من البيت:
تعبير يعني أن وجهه وجه شؤم.
وعنها وشمع الفتلة:
كلمة «وعنها» يستعملونها كثيرا بمعنى إذا به، وشمع الفتلة يكنون بها عن الهروب.
الوقاية:
يعتقدون أن للعين تأثيرا كبيرا فيمن تقع عليه فيتقونها بالرقى تارة وبالأحجبة مرة أخرى، ويعللون كل الأمراض بالعين وبالحسد، ويسمونها أحيانا «نفس» حتى الحمى. ولعلاج ذلك تأتي العجوز فتوقد نارا ترمي عليها قطعا من الشب والفسوخ أو الجاوي، فمتى تبخرت مائيته، فيأخذ أشكالا شتى، تقول العجوز: إنها صورة رجل أو امرأة هي فلان أو فلانة، وأحيانا تأخذ دبوسا تغرزه في الصورة، وتقول: فقأ الله عينها، ولوقاية الفرس يعلق في صدره ناب ضبع، ولوقاية الجمل يعلق على صدغه نعل قديم. ومن الشائع بينهم أن يأخذوا قطعة من الورق يشكون فيها الدبوس جملة مرات، وفي كل مرة يقولون من عين فلان أو عين فلانة! ثم يبخر المحسود بهذه الورقة مع قليل من الملح والشب.
وقع في أرابيزه:
تعبير يقال للشيء المعيب، لم يقدر صاحبه على أن يتصرف فيه، أو تصرف فيه، ولكن عاد إليه لعيوب ظهرت فيه فيقولون: وقع في أرابيزه.
وقع في شر أعماله:
تعبير يعني ما اكتسب من سوء عمله.
ولادة الذكور:
قالوا إن الرجل إذا أراد أن تلد امرأته الذكور فليضع يده اليمنى على سرتها وهي نائمة، ويمسح على السرة وهي في ابتداء حملها ويقول ثلاث مرات وهو يديم المسح بيده: اللهم إن كنت خلقت خلقا في بطن زوجتي هذه فكونه ذكرا وأنا أسميه محمدا، رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين، فبشرناه بإسحق ومن وراء إسحق يعقوب، وبشروه بغلام عليم.
وله يا راجل أو ياخي وله:
تعبير يعني حاسب، ولا تكثر.
والنبي اللي حطيت إيدي على شباكه:
تعبير يقسم به من حج وزار النبي ووضع يده على ضريحه.
والنبي ما كان ينعز:
تعبير يقال للاعتذار عن شيء طلب، وليس في إمكان المطلوب منه ولا في نيته أن يعطيه، فإذا قلت لرجل: أقرضني عشرة جنيهات مثلا وهو لا يريد أن يعطيك أو ليس معه قال هذه الجملة.
وياك وياك عليك عليك:
تعبير يعني أنه يجاريك في قولك، ويجاري الناس ضدك معهم، وهو دليل على خلق فاسد.
حرف الياء
يا بخت اللي نفع واستنفع:
كلمة شائعة على لسان المصريين، وهي تدل على فساد شائع في الخلق؛ لأن معناها ما أحسن بخت الذي ينفع وينتفع؛ أي يأخذ الرشوة ويقضي الحاجة. وهو خير عندهم من الذي لا يأخذ رشوة ولا يقضي شيئا، ومعنى هذا أن الرشوة تحل وتستحسن إذا اقترنت بقضاء الحوائج.
يابن الحلال فضك من الخصام:
ابن الحلال تقال للمدح، وعكسه ابن الحرام. وفضك من الخصام بمعنى اترك، وهو كثير في كلامهم، يقولون: فضك من كده، وفضك من الكلام الفارغ، فهي مرادفه لكلمة بلاش، فبعضهم يقول: بلاش كلام فارغ، وبعضهم يقول فضك من الكلام الفارغ.
يا خبر بفلوس بكرة يبقى بلاش:
بلاش؛ أي بلا ثمن، وهو تعبير يعني أن هذا الشيء اليوم بثمن لندرته، فغدا يكون بلا ثمن لكثرته.
يا داخل بين البصلة وقشرتها ما ينوبك إلا ريحتها:
تعبير يعني لا تتدخل بين المتخاصمين فيلحقك الأذى.
يا دار ما دخلك شر:
تعبير يقال عند انتهاء المسألة من غير أن تثير شرا.
يا دوب قعدنا وجه فلان:
هذا تعبير عامي غريب، يقال إذا حصل الشيء تماما في وقت الشيء الآخر، أو عقبه بقليل، يقولون: يا دوب ركبنا والقطر مشي؛ أي عقب الركوب مشى القطار، يا دوب دخل البيت ووقع مات؛ أي عقب دخوله مات.
يا رايح قول للجاي ويا شاهد قول للغايب:
تعبير يعني ليخبر بعضكم بعضا.
يارمز:
كانت في القاهرة طائفة يسمون «يارمز» لا أعرف اشتقاقها، وكان من أوصافها أنهم يلبسون جلبابا أزرق، ويتحزمون عليه، ويرفعونه حتى يكون له منهم عب، ويلبسون طربوشا من غير عمامة، وله زر أزرق، ويحركون رقبتهم حركة متتالية حتى يدور الزر بسرعة، ويصفع كل منهم وجه الآخر، فتكون لعبة يتضاحك عليها.
وقد يحملون طبلة تحت إبطهم يطبلون عليها وفقا لحركات الزر، وهم أشبه ما يكونون بطائفة الأدباتية التي ذكرناها.
يا روحي على كده:
كلمة تقال في الغالب لمغازلة السيدات.
يا ريت اللي جرى ما كان:
تعبير يقال عند الندم على ما حدث.
يا زرع البداري، يا جني العصاري:
زرع البداري تقال للجسيم؛ لأنهم يعتقدون أن ما زرع مبكرا يسرع إليه النمو، وجني العصاري؛ أي إنهم يجنونه في العصر، وهو خير أوقات الجني.
يا سلام:
تعبير يقال في مواضع كثيرة، فمثلا تقال يا سلام سلم عند الرعب والطلب من الله السلامة، فيقولون مثلا: من عينيه يا سلام؛ أي يا رب سلم من تأثير عينيه، ويقول المريض عند الوجع: يا سلام. ويقول المتعجب عند العجب: يا سلام على كده مثلا.
يا عدوي:
نداء ينادى به على الولد التائه أو البنت التائهة فهم يقولون: يا من شاف ولد صفته كذا، ويلبس كذا، واللي يلاقيه له الحلاوة يا عدوي، والعدوي هذا شيخ ينسب إليه أنه يحضر التائه.
يا فرج:
يمشي في القاهرة رجل يلبس جلبابا أبيض، ويضع عصا مستعرضة على كتفيه وينادي: يا فرج! فمن سمعه فهم منه أنه يخرج الثعابين من مكانها، فإذا نودي عليه أدخل مظان الثعابين وعزم تعزيمات فيخرج الثعبان لشيء يحمله هذا الرجل يشتهيه الثعبان أو غير ذلك.
على كل حال هذا هو ما شاهدته، ومن وظائفه أيضا أنه ينزل الدود من أنف الأطفال بما يدعيه من العزائم، وكثيرا ما يكون ذلك من وضع دود في كمه ينزل من أنف الطفل بحركة سريعة منه.
يا ليلة بيضة يا نهار سلطاني:
تعبير يقال عند الفرح والسرور، والنهار المشرق الجميل يسمى نهار سلطاني، والسكة الواسعة الممتدة تسمى سكة سلطاني.
ياما:
يستعملونها بمعنى كثير، فيقولون: ياما رأيت؛ أي رأيت كثيرا، وياما قلت؛ أي قلت كثيرا، وأحيانا يستعملون «يا» زائدة، فبدل أن يقولوا ما أكثر فلوسه، يقولون: يا ما أكثر فلوسه! ويقولون: «يا ما» باعتبارها صفة، فمثلا يقال: «فلوسه يا ما»؛ أي كثيرة؛ وكذلك «خيره يا ما».
ياما ناس متعذبه ومن الغلا متلهلبه:
هو تعبير ظريف؛ أي إن قوما كثيرين في عذاب من الغلاء، كأنهم في لهلوبة نار.
يا مستكتر الدهر أكتر:
تعبير يعني لا تغتر بكثرة ما في يدك، فالزمان يستطيع أن يضيع الكثير.
يا ميت ندامة:
يستعملون ميت بمعنى مائة، فيقولون يا ميت ندامة، بمعنى ما أكثر ما يستحق الشيء من الندامة، ونحوه يا ميت حسرة، ويا ميت مرحبة.
اليانصيب:
هي كلمة ينادى بها على أوراق «اللوترية»، سموها كذلك؛ لأنها تكون من مئات الآلاف، ثم يربحها عدد محدود من غير سبب معروف، وقد يكون رابحها أبعد الناس عن استحقاقها، ومحرومها أكثر استحقاقا لها. فيربحها الغني المفرط في الغنى، ويخسرها الفقير الممعن في الفقر، فكأن ربحها أو خسارتها مبنيان فقط على البخت، أو بعبارة أخرى النصيب؛ ولذلك نادوا عليها: يا نصيب، وانتشرت هذه الكلمة عند الإفرنج بأن المصريين أكثر الناس اعتقادا في القضاء والقدر والبخت والنصيب، كما أخذوا منهم كلمة «قسمة»، وهي تساوي «قدر».
يا نموت سوا يا نعيش سوا:
يستعملون يا بمعنى إما؛ أي إما أن نموت سوا وإما أن نعيش معا. ومثله قولهم يا كده يا كده، وتقول الأم لولدها، يا تيجي يا اضربك.
يا نهار زي بعضه:
تعبير يعني أنه نهار لا يسر.
يا هل ترى:
تعبير كثيرا ما يستعمل بمعنى الاستفهام عن الشيء، هل يحدث في المستقبل أو لا يحدث ، تقول: هل ترى نعود إلى بلادنا، أو نعيش طول العمر كده.
يا هناي لما افرح بيك:
تعبير يعني إذا فرحت به فما أهنأني.
يا ويل اللي ما يرضى عنه أبوه وأمه:
أي ويل له.
يبوس إيده وش وضهر:
تعبير يقال إذا أنعم على الإنسان بنعمة؛ لأنهم اعتادوا أن يقبلوا أيديهم ظهرا وبطنا علامة على شكر الإله وحمده.
يتعلم الحلاقة في رءوس اليتامى:
تعبير يقال لمن يستحقر أفرادا يتعلم فيهم صنعة كمعلم الجراحة يعلم طلبته الجراحة في رءوس المجرمين.
يخلق من الفسيخ شربات:
تعبير يعني أنه يعمل من الشيء الرديء شيئا حلوا.
ياد العدي:
تعبير يستعمل كثيرا على ألسنة النساء، تقول: ياد العدي يا فلانة.
يرد الروح:
تعبير يعني أنه جميل جدا، حتى ليكاد يرد الروح على من فارقته.
يزمزأ:
تعبير يعني يغضب ويضجر.
يصبر على الأسية:
تعبير يعني أنه إذا أسيء إليه صبر.
يصوم يصوم ويفطر على بصلة:
تعبير يقال لمن يصبر على الشيء ثم لا ينال شيئا يكافئ صبره.
يضرب بلطة:
تعبير يقولونه لمن يتمشى سبهللا؛ أي لا لغرض.
يعملها الصغار، ويقع فيها الكبار:
تعبير يعني أن الشيء يأتيه الصغير، ويقع فيه الكبير، كقول العرب «معظم النار من مستصغر الشرر.»
يضيع المستكي، ويحافظ على الورقة:
تعبير يعني أنه يضيع الشيء الهام، ويحتفظ بالتافه كقولهم: «سرق الصندوق يا محمد، لكن مفتاحه معايه.»
يعملوها ويخيلوا:
تعبير يعني يأتون بالعملة فتكون منسجمة منهم ويخيلوا، يقال إذا لبس أحد ثوبا وانسجم معه خال عليه، والمضارع يخيل.
يفضل الإنسان يتعلم لحد ما يموت:
تعبير يعني أنه يتعلم طول حياته.
اليفط:
أولع المصريون باليفط، كتبت بخط جميل ووضع عليها لوح من الزجاج، ثم صنع لها إطار من خشب، فتجد في القاعات: «بسم الله الرحمن الرحيم»، «وإنك لعلى خلق عظيم»، وتجدها في الدكاكين، وخصوصا: «إن الله هو الرزاق العظيم»، و«رب يسر ولا تعسر»، ووضع على رأس القضاة: «العدل أساس الملك»؛ تذكيرا لتحقيق العدل، وكثيرا يستغنون بها عن صور المناظر الطبيعية أو صور الفنانين.
يفهمها وهي طايرة:
تعبير يعني أنه سريع الفهم قوي الذكاء .
يقتل القتيل ويمشي في جنازته:
تعبير يعني أنه يعمل العمل، ثم يماري، حتى لا يظن أنه هو الذي عمل.
يكلمك ومناخيره لفوق:
تعبير يعني متكبر.
يمه:
أي ناحيته، تعبير يستعملونه بمعنى ناحية يقولون إن رحت يمه، قول له كذا.
اليمنى واليسرى:
يعتقدون البركة في البدء باليمنى سواء كانت يدا أو رجلا، فيلبسون النعل اليمين قبل النعل اليسار، والكم اليمين قبل الكم اليسار، ويتعمدون أن يدخلوا البيت والمسجد بالرجل اليمنى، وعلى العموم يتيمنون باليمنى ويتشاءمون من اليسرى.
يموت الزمار واصباعه يلعب:
ومثله قولهم، الليفهش ما يخلهش.
اليهود:
في مصر طائفة كبيرة من اليهود، امتازوا بالمحافظة على جنسهم، والانطواء على أنفسهم، كما هو شأنهم في كل بلاد العالم ولهم حارة في القاهرة تسمى حارة اليهود، ولا يسكنها غيرهم. وقد عرفوا ببياض بشرتهم وزرقة عيونهم، وامتازت وجوههم بسحنة خاصة يعرفها من اختلط بهم. ولهم شهرة واسعة في الأعمال التجارية وصياغة الحلي. عرفهم المصريون بالبخل، ولهم في ذلك النوادر اللطيفة الكثيرة عنهم؛ فإذا رأوا من المسلمين من يبخل ويدقق في الحساب قالوا له: أنت يهودي. وهم لأنهم أقلية أكثر ما يكون تعاونا بعضهم مع بعض وامتاز بعض نسائهم بالجمال، وهم حيثما كانوا يحترفون التجارة ويسيطرون على المال، حتى إنهم في أمريكا وعددهم فعلا لا يتجاوز الستة ملايين ظهروا على سكانها وهم نحو أربعمائة مليون. ولهم نظر نفاذ في نوع العمل الذي يسيطرون به على الأمة التي يسكنون فيها، من طب وأعمال بنوك واستيلاء على الصحافة وتدريس ونحو ذلك. ولهم مهارة في نشر الآراء والتعاليم التي تزلزل العقائد وترج الإيمان، وفي حرب فلسطين حاربوا الأمم الإسلامية بغاية ما وصل إليه العلم والسياسة من الأساليب الحديثة، يحاربون بها التقاليد القديمة.
يهون عليك دا كله:
تعبير يعني هل يسهل عليك هذا؟
يوضع سره في أضعف خلقه:
مثل قوله تعالى:
الله أعلم حيث يجعل رسالته .
يوم الجمعة:
يعتقدون أنه يوم مبارك، وتستجاب فيه الأعمال، ولكن فيه ساعة نحس لا يعرف متى هي، وهي يوم راحة للمسلمين تغلق فيه أكثر الدكاكين ويستراح فيه من أعمال الأسبوع، ويزاحمه في ذلك يوم الأحد؛ لأنه عند النصارى كيوم الجمعة. ومن كان يعمل عند النصارى اضطر بحكم الضرورة أن لا يعمل يوم الأحد.
وهناك يوم جمعة يقال له الجمعة اليتيمة، ذلك أنه كان في زمن الفاطميين أربعة مساجد: الأنور، والأزهر، والأقمر، ومسجد عمرو بن العاص في مصر العتيقة، فكان الخليفة يصلي كل جمعة في مسجد من هذه المساجد، ويجعل آخرها في مسجد عمرو، فيسمونها الجمعة اليتيمة؛ أي الجمعة التي لا جمعة بعدها في رمضان. ولا تزال هذه العادة جارية إلى اليوم مع تعدد المساجد وكثرتها، وذلك كقولهم: «أربعاء لا يعود» وهو الأربعاء الذي قبل شم النسيم.
نامعلوم صفحہ