قلب العراق رحلات وتاريخ
قلب العراق رحلات وتاريخ
اصناف
ورأيناهم في دار الأنوال التي تدار بالكهرباء ينسجون أقمشة القطن والحرير، فيأتون بأنواع منها، للرجال والنساء، حسنة الديباجة، يبيعها مخزن السجن بأسعار بخسة. أما مصانع الأحذية والأجربة فهي تصنع في السنة ما يسد حاجة الجيش كلها.
وهناك مصانع للنجارة والحدادة والحصر وغيرها، تنبئك بها، إذا فاتتك في جولة الاستكشاف، ما تراه في المخزن الكبير الحافل بأنواع شتى من حاجات السجن.
كل هذا حسن محمود، بيد أنه عادي مألوف إذا قيس بمثله في سجون أميركا الحديثة، فهل في سجن بغداد ما يميزه عن سجون العالم المتمدن بشيء؟ أجيب: نعم، فقد لا تجد في غيره، في الشرق وفي الغرب، ما تجده فيه من الرحابة والنور والهواء الطلق. أجل إن من هذه البركات في سجن بغداد ما يكفي للتوزيع على عشرة سجون في مكان آخر، وإنك لتجد الرحبات للنور والهواء النقي حتى في السجن الداخلي المعد للمحكوم عليهم بالسجن طوال الحياة.
ليس من العجب إذن ألا يكون للمجرمين هنا تلك الوجوه التي تسمها الجرائم بميسم التنكد والتأبد، ليس من العجب أن يكون أكثرهم على جانب يذكر من البشر والوداعة.
إن ذنوبهم لتنحصر في الدفاع عن العرض، والثأر، والسرقات، و«العركات» التي تنجم عن تنازع في أرض أو ماء، وما أحد منهم إذا سئل عن ذنبه يكذب أو يجمجم الكلام.
سألنا عددا من القتلة فكان جواب كل منهم: نعم قتلت، وزاد ثلاثة بقولهم: مقدر - هو ما قدره الله.
وقفنا عند زمرة من السجناء جالسين في الشمس أمام حجراتهم، وفيهم شاب مسيحي أسلم ثم أجرم، سألته فأنكر أنه قتل، وجمجم الكلام، وانتحل الأعذار، لا أقول إن هذا الرجل هو مثال صادق لكل من أذنب من المسيحيين، إنما حزنت؛ لأنه مجرم وفوق ذلك جبان، حزنت؛ لأنه على إسلامه، لم يكن كالمسلم صريحا صادقا شجاعا.
قال فخري آل جميل يطيب خاطري: «ما خسرتموه، يا أمين، وما كسبناه، هو من مال إبليس.»
وأخبرني زميله المحترم علي الإمام أنه عرف بنفسه، قبل الاحتلال، حجرة من هذه الحجرات، وما ألفها، وأن المجرم اليوم يلقى من الحسنى والمعروف في السجن ما لم يلقه في عهد الترك المذنب السياسي.
والمجرمات يعاملن بمثل ما يعامل المجرمون، ما زرنا القسم الذي يختص بالنساء، ولكننا علمنا أن فيه أربعين سجينة، منهن القاتلة والسارقة والزانية.
نامعلوم صفحہ