49 - هذا رجل جائع!
* وفيه أيضا:
وأين هذا من فراسة أبي الحارث حمير وقد أنشد بين يديه قول العباس بن الأحنف:
قلبي إلى ما ضرني داعي يكثر أسقامي وأوجاعي
كيف احتراسي من عدوي غذا كان عدوي بين أضلاعي
إن دام بي هجرك مع كل ذا يوشك أن ينعاني الناعي
فبكى وقال: هذا رجل جائع يصف جارية طباخة مليحة. فقيل له: من أين لك هذا؟ قال: لانه بدأ فقال: قلبي إلى ما ضرني داعي، وكذلك الإنسان تدعوه شهوته وقلبه إلى ما يضره من الطعام والشراب، فيأكل فتكثر عليه أوجاعه. وهذا تعريض، ثم صرح فقال: كيف احتراسي. . . إلخ البيت، وليس للإنسان عدو بين أضلاعه إلا معدته، فهي تتلف ماله، وهي سبب أسقامه، ومفتاح كل بلاء عليه، ثم قال: إن دام بي هجرك. . إلخ البيت، فعلمت أن الطباخة كانت صديقته فهجرته ففقدها وفقد الطعام، ولو دام عليه لمات جوعا ونعي. .
50 - من حكمة العرب
* ابن نباتة في ((شرح رسالة ابن زيدون)) في الحديث عن ابن قيس سعيد بن تميم:
ومن كلامه: لا خير في لذة تعقب ندما، لن يفتقر من زهد، اقبلوا عذر من اعتذر، ما أقبح القطيعة بعد الصلة، أنصف من نفسك قبل أن ينتصف منك، لا تكونن على الإساءة أقوى منك على الإحسان، العم أن لك من دنياك ما أصلحت به مثواك، أنفق في حق ولا تكونن خازنا لغيرك، لا راحة لحسود، ولا مروءة لكذوب، عجبت لمن يتكبر وقد خرج من مخرج البول مرتين.
ومن أقواله: ما نازعني أحد إلا وأخذت في امره بثلاث: إن كان فوقي عرفت له فضله، وإن كان دوني رفعت قدري عنه، وإن كان مثلي تفضلت عليه.
51 - لا يكلمه لأنه لم ير على باب عالم
* ابن بشكوال في ((صلته)):
عن صالح بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: ما الناس إلا من قال: حدثنا، وأخبرنا (يعني المحدثين) وسائر الناس لا خير فيهم، ولقد التفت المعتصم إلى أبي، فقال له: كلم بن أبي داوود، فأعرض أبي عنه بوجهه وقال: كيف أكلم من لم أره على باب عالم قط؟
52 - بث الصنائع
* وفيه أيضا في ترجمة سراج بن عبدالملك:
أنشد أبو القاسم خلف بن محمد صاحبنا رحمه الله قال: أنشدنا أبو الحسين سراج بن عبدالملك لنفسه:
بث الصنائع لا تحفل بموقعها من آمل شكر الإخوان أو كفرا
فالغيث ليس يبالي أين ما انسكبت منه الغمائم تربا كان أو حجرا
53 - لا أجر على فعل الخير
* ظهير الدين البيهقي في ((تاريخ حكماء الإسلام)) في ترجمة أبي علي ((ابن الهيثم)):
وقد قصده من أمراء أسمنان (¬1) أمير يقال له ((سرخاب)) متعلما. فقال له أبو علي: أطلب منك للتعليم أجرة وهي مائة دينار في كل شهر، فبذل ذلك الأميرمطلوبه وما قصر فيه، وأقام عنده ثلاث سنين، فلما عزم الأمير على الانصراف قال له أبو علي: خذ أموالك بأسرها فلا حاجة لي إليها، وأنت أحوج إليها مني عند عودك إلى مقر ملكك ومسقط رأسك، وإني قد جربتك بهذه الأجرة، فلما علمت أنه لا خطر ولا موقع للمال عندك في طلب العلم بذلت مجهودي في تعليمك وإرشادك، واعلم أن لا أجرة ولا رشوة ولا هدية في إقامة الخير، ثم ودعه وانصرف.
54 - اجتنب ثلاثة وعليك بأربعة
* وفيه أيضا في ترجمة الحكيم أبي الحسن البسطامي:
وقال: اجتنب ثلاثة وعليك بأربعة، ولا حاجة لك إلى الطبيب:
اجتنب الغبار، والنتن، والدخان. وعليك بالحلو، والدسم، والحمام، والطيب مع الاقتصاد.
55 - ما تحمله الرسول صلى الله عليه وسلم في سبيل الدعوة
* الشيخ محمد يوسف الداعية الإسلامي الهندي الكبير في كتابه ((حياة الصحابة)):
وأخرج أبو نعيم في ((دلائل النبوة)) ص 243 (¬2) عن عبدالرحمن العامري عن أشياخ من قومه قالوا: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بسوق عكاظ، فقال: ((ممن القوم؟)) قلنا: من بني عامر بن صعصعة، قال: ((من أي بني عامر؟)) قلنا: بنو كعب بن ربيعة، قال: ((كيف المنعة فيكم؟)) قلنا: لا يرام ما قبلنا ولا يصطلى بنارنا، فقال لهم: ((إني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن أتيتكم تمنعوني حتى أبلغ رسالة ربي ولم أكره أحدا منكم على شيء؟)) قالوا: ومن أي قريش أنت؟ قال: ((من بني عبدالمطلب)) قالوا: فأين أنت من بني عبد مناف؟ قال: ((هم أول من كذبني وطردني)) قالوا: ولكنا لا نطردك ولا نؤمن بك، ونمنعك حتى تبلغ رسالة ربك، فنزل إليهم والقوم يتسوقون (أي يبيعون ويشترون) إذا أتاهم بجرة بن قيس القشيري فقال: من هذا الذي أراه عندكم؟ أنكره، قالوا: محمد بن عبدالله القرشي، قال: ما لكم وله؟ قالوا: زعم لنا أنه رسول الله، يطلب إلينا أن نمنعه حتى يبلغ رسالة ربه، قال: فماذا رددتم عليه؟ قالوا: قلنا في الرحب والسعة، نخرجك إلى بلادنا ونمنعك مما نمنع به أنفسنا. قال بجرة: ما أعلم أحدا من اهل هذا السوق يرجع بشيء أشر من شيء ترجعون به! بدأتم لتنابذ الناس وترميكم العرب عن قوس واحدة؟ قومه أعلم به، لو آنسوا منه خيرا لكانوا أسعد الناس به؛ تعمدون إلى رهيق قوم (¬3) قد طرده قومه وكذبوه فتؤوونه تنصرونه؟ فبئس الرأي رأيتم! ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قم والحق بقومك، فوالله لولا أنك عند قومي لضربت عنقك، قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ناقته فركبها فغمز الخبيث ((بجرة)) شاكلتها (أي خاصرتها) فقمصت (نفرت) برسول الله صلى الله عليه وسلم فألقته، وعند بني عامر يومئذ ضباعة بنت عامر بن قرط - كانت من النسوة اللاتي أسلمن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة - جاءت زائرة إلى بني عمها فقالت: يا آل عامر ولا عامر لي! أيصنع هذا برسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم، لا يمنعه أحد منكم؟ فقام ثلاثة نفر من بني عمها إلى بجرة - واثنان أعاناه - فأخذ كل رجل منهم رجلا فجلد به الأرض، ثم جلس على صدره، ثم علوا وجوههم لطما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم بارك على هؤلاء. والعن هؤلاء))! قال: فأسلم الثلاثة الذين نصروه فقتلوا شهداء، وهلك الآخرون لعنا، واسم النفر الثلاثة الذين نصروا بجرة: فراس، وحزن بن عبدالله، ومعاوية بن عبادة، وأما اسم الثلاثة الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقطريف وغطفان ابنا سهل، وعروة بن عبدالله.
وأخرجه الحافظ سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي في ((مغازيه)) عن أبيه به، كما في ((البداية)) ج3 ص141.
56 - معنى الحكمة
* الإمام النووي في ((شرح مسلم)) عند قوله في الحديث ((الفقه يمان والحكمة يمانية)):
وأما الحكمة ففيها أقوال كثيرة مضطربة، قد اقتصر كل من قائليها على بعض صفات، وقد صفا لنا منها أن الحكمة عبارة عن: العلم المتصف بالأحكام المشتمل على المعرفة بالله تبارك وتعالى، المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به والصد عن اتباع الهوى والباطل، والحكيم من له ذلك. وقال أبو بكر ابن دريد: كل كلمة وعظتك وزجرتك، أو دعتك إلى مكرمة، أو نهتك عن قبيح فهي حكمة وحكم، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن من الشعر حكمة))، وفي بعض الروايات: ((حكما)) والله أعلم.
57 - حكم اجتهاده صلى الله عليه وسلم
* وفيه أيضا:
وهذه المسألة، وهي اجتهاده صلى الله عليه وسلم فيها تفصيل معروف:
فأما أمور الدنيا فاتفق العلماء رضي الله عنهم على جواز اجتهاده صلى الله عليه وسلم فيها ووقوعه منه، وأما أحكام الدين فقال أكثر العلماء بجواز الاجتهاد له صلى الله عليه وسلم، لأنه إذا جاز لغيره، فله صلى الله عليه وسلم أولى. وقال جماعة: كان يجوز في الحروب دون غيرها، وتوقف في كل ذلك آخرون، ثم الجمهور الذين جوزوه اختلفوا في وقوعه. فقال الأكثرون منهم: وجد ذلك، وقال آخرون: لم يوجد وتوقف آخرون. ثم الأكثرون الذين قالوا بالجواز والوقوع اختلفوا هل كان الخطأ جائزا عليه صلى الله عليه وسلم؟ فذهب المحققون إلى أنه لم يكن جائزا عليه صلى الله عليه وسلم، وذهب كثيرون إلى جوازه ولكن لا يقر عليه، بخلاف غيره.
58 - ثلاثة صحابة يروي بعضهم عن بعض
* وفيه أيضا عند شرح حديث أورده مسلم وفي سنده: حدثنا ثابت عن أنس بن مالك قال: حدثني محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك :
وفي هذا الإسناد لطيفتان من لطائفه: إحداهما أنه اجتمع فيه ثلاثة صحابيون يروي بعضهم عن بعض، وهم أنس، ومحمود، وعتبان، والثانية أنه من رواية الأكابر عن الأصاغر، فإن أنسا أكبر من محمود سنا وعلما ومرتبة، رضي الله عنهم أجمعين.
59 - ليس قصر الرجال بعيب
* أبو إسحاق الحصري القيرواني في ((زهر الآداب)):
وكان ((كثير)) قصيرا دميما، ولذلك قال:
فإن أك معروق العظام فإنني إذا ما وزنت القوم بالقوم وازن
ودخل كثير على عبدالملك بن مروان في أول خلافته فقال: أنت كثير؟ فقال: نعم، فاقتحمه (¬4) وقال: ((تسمع بالمعيدي لا أن تراه)) (¬5) فقال: يا أمير المؤمنين؟ كل إنسان عند محله رحب الفناء، شامخ البناء، عالي السناء، وأنشد يقول:
ترى الرجل النحيف فتزدريه وفي أثوابه أسد هصور
ويعجبك الطير إذا تراه فيخلف ظنك الرجل الطرير (¬6)
بغاث الطير أطولها رقابا ولم تطل البزاة ولا الصقور (¬7)
خشاش الطير أكثرها فراخا وأم الباز مقلاة نزور (¬8)
صفحہ 24