وتضاحك الشاب، ورأى محجوب يرمي في الموقد حطبا، فرغب أن يعاونه وقال: حالك خير دليل!
فضحك محجوب ضحكة عالية ارتج لها المكان، وقال: حدثني بما لك من خبرة عن أنواع القيادة. - قيادة عمياء لا يدري بها ضحيتها، من النوع الذي ابتلي به زوج عشيقتي ... - واحد. - وقيادة يعلم بها الزوج ويتجاهلها إيثارا للسلامة، وهي موضة منتشرة في بعض الأوساط. - اثنان. - وقيادة يختارها الزوج للذة أو لفائدة. هل أنت متزوج؟
فعاوده الضحك، وأغرق فيه ليخفي توتر أعصابه، ثم قال بحقد خفي: يوجد نوع رابع يجمع ميزات الثلاثة معا، وهو وقف عليك؛ كنت أول الأمر تجهل ما أنت مبتلى به، ثم تكشف لك فتجاهلته إيثارا للسلامة، ثم تعودته فاستلذذته.
وأغرقا في الضحك معا، ثم قال الشاب الغريب بلهجة ظاهرها الجد وباطنها المزاح: الواقع أن القيادة من أعقد مشكلات الزواج في العصر الحديث. - الحقيقة أن الزواج من أعقد مشكلات القيادة ... - صدقت، ألا ترى كيف يضرب الشبان عن الزواج؟ ولكنهم يشتركون في الأسر من منازلهم ... - الانتساب ألذ بلا تكاليف ...
وهذيا طويلا، بلا ملل ولا تعب، حتى أوشك الليل أن ينتصف ... •••
وطاب له أن يخبط في الشوارع على غير هدى قبل أن يعود إلى البيت. وغمغم كالمترنم: «أنا في الحجرة، والكبش في الحقل.» ثم راح يقول: «أنا في الحانة، والبك في الحجرة.» ولكنه كان في منتهى النشوة والسرور، فارتفعت حرارة غبطته لدرجة تذوب فيها جميع الأحزان، وبدا له وكأن شيئا في الدنيا لا يساوي مثقال ذرة من الكآبة، وآتته قدرة يمكنه أن يحقق بها فلسفته إذا شاء بلا تردد ولا تفكر ولا انفعال. وقد أدرك في تلك اللحظة أن فلسفته والخمر كلتيهما من جوهر واحد! وعاد إلى البيت، ودخل الحجرة. كان كل شيء هادئا ساكنا، وهي مستغرقة في نوم عميق، ووقف في وسط الحجرة يحدق في وجهها بعينين محمرتين ذابلتين، ولبث واقفا حتى خال الأرض تدور به، وخطر له خاطر فسر به دون أن يتدبره، ونفذه بأسرع مما خطر له. دنا من الفراش، ثم ارتمى عليها بجسمه كله كأنه يلعب حركة سويدية، واستيقظت إحسان فزعة، وفرت من فيها صرخة، وحملقت في وجهه بعينين مرتعبتين، ثم دفعته بعيدا عنها وقد أخذت تدرك حقيقة الحال، دفعته بغيظ وحنق، وصاحت به: أنت سكران ... كدت تقتلني ... ابعد ...
فجعل ينظر إليها بذهول مالئا عينيه من وجهها الساخط الغاضب، ثم ابتسم، ابتسم ابتسامة لا معنى لها، أو ابتسم سرورا بما أحدث فيها من ألم وغيظ، وزاد حنقها وتضاعف، وقالت بحدة: كسرت أضلعي بجنونك، فابعد عني ... أنت سكران، لا تنم في هذه الحجرة ...
وظل الابتسام مرتسما على شفتيه، ثم فرت من فيه ضحكة خفيفة، ولما تضاعف غضبها أغرق في الضحك حتى زلزل كيانه ...
34
في صباح اليوم الثاني استيقظ في ساعة متأخرة، ونهض متعبا مصدع الرأس، وكان نام ليلته على الشيزلنج، فنظر في الفراش بعينين خائفتين، ولكنه وجده خاليا، وتذكر ليلة الأمس، فهالته الذكرى، ثم هز منكبيه استهانة ومضى خارجا، والتقى بها في الصالة، فطالعته بوجه مقطب، فارتبك حينا، وابتسم غاضا من بصره، وسألها بلهجة لطيفة: لا زلت غاضبة؟
نامعلوم صفحہ