99

قدیم و حدیث

القديم والحديث

اصناف

ماتت كما مات فيل

تسل منه العظام

وكتب على وجه حائط من حيطان سامرا الخراب:

حكم الضيوف بهذا الربع أنفذ من

حكم الخلائف آبائي على الأمم

فكل ما فيه مبذول لطارقه

ولا ذمام به إلا على الحرم

وكتب عبد الله بن المعتز إلى بعض إخوانه يصف سر من رأى، ويذكر خرابها ويذم بغداد وأهلها ويفضل سامرا: كتبت إليك من بلدة قد أنهض الدهر سكانها وأقعد جدرانها، فشاهد اليأس فيها ينطق وحبل الرجاء فيها يقصر، فكأن عمرانها يطوى ، وكأن خرابها ينشر، وقد وكلت إلى الهجر نواحيها، واستحث باقيها إلى فانيها، وقد تمزقت بأهلها الديار فما يجب فيها حق جوار، فالظاعن منها ممحو الأثر، والمقيم بها على طرف سقر، نهاره أرجاف وسروره أحلام، ليس له زاد فيرحل ولا مرعى فيرتع، فحالها تصف للعيون الشكوى، وتشير إلى ذم الدنيا بعدما كانت بالمرأى القريب جنة الأرض وقرارة الملك، تفيض بالجنود أقطارها عليهم أردية السيوف وغلائل الحديد، كأن رماحهم قرون الوعول، ودروعهم زبد السيول، من خيل تأكل الأرض بحوافرها، وتمد بالنقع سائرها، قد نشرت في وجوهها غررا كأنها صحائف البرق، وأمسكها تحجيل كأسورة اللجين، ونوطت عذرا كالشنوف في جيش يتلقف الأعداء أوائله، ولم ينهض أواخره، وقد صب عليه وقار الصبر، وهبت له روائح النصر، يصرفه ملك يملأ العين جمالا والقلوب جلالا، لا تخلف مخيلته ولا تنقض مريرته، ولا يخطئ بسهم الرأي غرض الصواب، ولا يقطع بمطايا اللهو سفر الشباب، قابضا بيد السياسة على قطار ملك لا ينتشر حبله، ولا يتشظى عصاه، ولا تطفأ جمرته في سن شباب لم يجن مأثما وشيب لم يراهق هرما، قد فرش مهاد عدله وخفض جناح رحمته راجما بالعواقب الظنون، لا يطيش عن قلب فاضل الحزم بعد العزم ساعيا على الحق يعمل به، عارفا بالله يقصد إليه، مقرا للحلم ويبذله، قادرا على العقاب ويعدل فيه، إذ الناس في دهر غافل قد اطمأنت بهم سيرة لينة الحواشي خشنة المرام، تطير بها أجنحة السرور، ويهب فيها نسيم الحبور، فالأطراف على مسرة، والنظر إلى مبرة قبل أن تحث مطايا الغير وتسفر وجوه الحذر، ما زال الدهر مليا بالنوائب طارقا بالعجائب، يؤمن يومه ويغدر غده؛ على أنها - وإن جفت - معشوقة السكنى وحبيبة المثوى، كوكبها يقظان، وجوها عريان، وحصاها جوهر، ونسيمها معطر، وترابها مسك أذفر، ويومها غداة، وليلها سحر، وطعامها هنيء، وشرابها مريء، وتاجرها مالك، وفقيرها فاتك، لا كبغدادكم الوسخة الومدة الهواء، جوها نار، وأرضها خبار، وماؤها حميم، وترابها سرجين، وحيطانها نزوز، وتشرينها تموز، فكم من شمسها من محترق، وفي ظلها من غرق ، ضيقة الدار قاسية الجوار، ساطعة الدخان، قليلة الضيفان، أهلها ذئاب وكلامهم سباب، وسائلهم محروم ومالهم مكتوم، لا يجوز إنفاقه ولا يحل خناقه، حشوشهم مسابل وطرقهم مزابل، وحيطانهم أخصاص وبيوتهم أقفاص، ولكل مكروه أجل وللبقاع دول، والدهر يسير بالمقيم، ويمزج البؤس بالنعيم، وبعد اللجاجة انتهاء والهم إلى فرجة ولكل سائلة قرار، وبالله أستعين وهو محمود على كل حال.

غدت سر من را في العناء فيا لها

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

نامعلوم صفحہ