٨٦- وأيضا: فلفظ الآية إنما هو خبر عن النصر مع الصبر وذلك يتضمن وجوب المصابرة للضعف ولا يتضمن سقوط ذلك عما زاد عن الضعف مطلقا بل يقتضي أن الحكم فيما زاد على الضعفين بخلافه فيكون أكمل فيه، فإذا كان المؤمنون ظالمين لم تجب عليهم أن يصابروا أكثر من ضعفيهم، وأما إذا كانوا هم المظلومين وقتالهم قتال وقع عن أنفسهم فقد تجب المصابرة كما وجبت عليهم المصابرة يوم أحد ويوم الخندق مع أن العدو كانوا أضعافهم.
٨٧- وذم الله المنهزمين يوم أحد والمعرضين عن الجهاد يوم الخندق في سورة آل عمران والأحزاب؛ بما هو ظاهر معروف.
_________
=لفظه لفظ الخبر فمعناه الأمر كقوله تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ﴾ وليس هو إخبار بوقوع ذلك وإنما هو أمر بأن لا يفر الواحد من العشرة، ولو كان هذا خبرا لما كان لقوله: ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ﴾ معنى لأن التخفيف إنما يكون في المأمور به لا في المخبر عنه، ومعلوم أيضًا: أن القوم الذين كانوا مأمورين بأن يقاوم الواحد منهم عشرة من المشركين داخلون في قوله: ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا﴾ فلا محالة قد وقع النسخ عنهم فيما كانوا تعبدوا به من ذلك ولم يكن أولئك القوم قد نقصت بصائرهم ولا قل صبرهم، وإنما خالطهم قوم لم يكن لهم مثل بصائرهم ونياتهم، وهم المعنيون بقوله تعلى: ﴿وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا﴾ فبطل بذلك قول هذا القائل بما وصفنا وقد أقر هذا القائل أن بعض التكليف قد زال منهم بالآية الثانية وهذا هو معنى النسخ والله أعلم بالصواب".
(أحكام القرآن) (٤/٢٥٦.٢٥٧)
1 / 58