في القول في ترك الله منع المعاصي مع القدرة على ذلك فإن قال قائل: أفيكون حكيما، من ترك عبده يعصيه، ويعمل عملا، يستحق به الخلود في النار، ولا يمنعه، وخلصه منه؟
قلنا له: قد منعهم من ذلك أشد المنع، وخلصهم منه، بأفضل الخلاص: بأن زجرهم، ونهاهم وتوعدهم بالنار، وأراهم العبر والآيات والمثلات.
وأما الخلاص، فقد أقدرهم على ترك المعاصي، وجعل لهم السبيل إلى الطاعة، وأعطاهم كل ما ينجون به من المعصية. وحذرهم، ووعدهم وتوعدهم.
فإن قال: فهلا منعهم بالجبر والقهر، وخلصهم بمثل ذلك؟
قلنا: لو فعل ذلك بهم، لم يستحق محسن ثوابا، ولا مسيء عقابا. وكان لا معنى لخلقهم؛ إذ لم يخلقهم لينفعهم. ولكان قد خلقهم عبثا، وتركهم سدى - تعالى الله عن ذلك.
الباب الثاني عشر والمائة
في العبادة واختلاف الناس في كيفية خلق الله تعالى الخلق لعبادته
قال الله تعالى: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } الآية.
قال بعض المسلمين: المعنى في ذلك: إلا لآمرهم بعبادتي.
وقال بعض قومنا: المعنى في ذلك: أي وما خلقت صالحي الجن والإنس إلا ليعبدون.
وقال ابن عباس في قوله تعالى: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } أي ليعرفوني.
قال بعض أهل الخلاف لدين المسلمين: ما خلقهم إلا لعبادته.
فمن زعم أن الله تعالى، أراد العبادة، من جميع خلقه، وأراد الطاعة من الجميع؛ لأنه خلقهم لذلك، ولم يفعلوا، كان في قياد قول هذا القائل: إن الجن والإنس، فعلوا خلاف ما أراد الله منهم وكانت إرادتهم غالبة لإرادته فيهم، خلاف لما خلقهم له. وكانوا قد أكرهوا وغلبوه. وكان قوله تعالى ذلك، غير صدق.
فلما فسد هذا بطل ما قالوه. ولو أراد الإيمان من العاصين، ممن خلق، من الجن والإنس جميعا، لآمنوا كلهم جميعا. ولكن لم يرد ذلك؛ لأنه تعالى قد قال: { ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا } يدل أنه لم يشأ الإيمان من الجميع.
صفحہ 93