وإن سلمنا أن الربيع وحده متأول، فقد صادف تأويله وجهة حسنة، دليلها ليس بأقل قوة من دليل جعل الأذنين من الرأس، وأيضا من محسنات استحباب الربيع الخروج من الاختلاف، فإن كان باطنهما من الوجه فقد مسحهما معه كما قيل، وإن كان ظاهرهما من الرأس فقد مسحهما معه، وإن كانتا مستقلتين فقد أتى عليهما مسحا، ولا بأس بتجزئتهما: باطنهما مع الوجه، فظاهرهما مع الرأس، فتلك التجزئة مراعاة منه للخروج من الخلاف، وتحر لأفضلية الأحب إلى الشارع، وهذه المراعاة وهذا التحري أعظم درجة في الفضل من الموالاة.
وإن كانت سنة على أن هذا من فعل ابن عمر في وجه، وأخذ من كونهما من الرأس إن صح الحديث من وجه، وجمع للتجديد والمسح من وجه نعم قد يرد على هذا أنه لم يعرف في الشرع جمع عضو واحد بالغسل والمسح إن فسر مسح الربيع إياهما باطنا مع الوجه بالغسل الخفيف، فهذا لا يرد على قول الربيع، لأن مراده بالمسح هو المسح الحقيقي بأولوية غسلهما مع الوجه، ومسحهما مع الرأس، إذ وجود المسح بعد الغسل عبث ظاهر.
أما الربيع فإنه محافظ على أنهما جارحتان ممسوحتان، فاعتبر قول ابن عباس باستقلالهما من جهة تخصيصهما بالمسح مثل الرأس، واعتبر من قول ابن عمر بأنهما من الوجه، يغسلان معه، مسح المواجه منهما مع غسل الوجه ، واعتبر ظاهرهما من الرأس فمسحه مع، فاندفع الإيراد.
ومم يجب اعتباره: إن الدلائل المتنازعة هنا ليست خفية، ولا ما ينازع دليل كونهما من الرأس مجرحا بالضعف، بل كان دليلهما مجرحا كما ترى فيما قدمناه، هذا ما ظهر لي من تحرير مذهب الربيع ومحتبر رحمهما الله،،، والله أعلم.
على أن العمل على استقلالهما بوضوء يجدد له الماء ثلاثا كسائر الجوارح، وما عداه من أقوال السلف صواب من الرأي رضوان الله عليهم، فقد كان موسى بن علي لا يمسح القفا، ويقول: الأذنان أقرب أن يكونا من الرأس (1).
وكان بشير (2) يمسح القفا ويمر على الأذنين، قيل له: فعليه مسحهما إلى أقصى ما ينال ثقب السمع، قال: هكذا عندي.
__________
(1) ينظر: المصنف، 4/ 78.
(2) بشير بن محمد بن محبوب، عالم، فصيح، من صحار، عاش في صدر الإسلام، ويذكر ضمن من يحتج بهم على شيوع الفصاحة والبيان في أهل عمان، ألف العديد من الكتب منها: كتاب البستان في الأصول، وكتاب المحاربة، توفي في سنة 273ه. (ينظر: دليل أعلام عمان، ص33، 34، إتحاف الأعيان، 1/ 194، 195).
قيل: فهل قيل فيهما باختلاف في الديات والقصاص، قال: إنهما جارحتان من الوجه والرأس في الأروش والقصاص والدية، ولا أعلم في ذلك اختلافا (1).
صفحہ 82