نهاية الإقدام في علم الكلام
نهاية الإقدام في علم الكلام
اصناف
فنقول سبيل تعريف الله تعالى عباده صدق الرسل بالآيات الخارقة للعادة كسبيل تعريفه إياهم إلاهيته بالآيات الدالة عليها والتعريف قد يكون بالقول تارة وقد يكون بالفعل أخرى والتعريف بالقول قد يكون إخبارا عن صدقه كقوله تعالى للملائكة " إني جاعل في الأرض خليفة " وقد يكون تنبيها على صدقه بتعجيز الخلق عن معارضته كما علم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة وكما علم المصطفى القرآن وقال " فأتوا بسورة من مثله " فكما عجزت الملائكة عن معارضة آدم بالأسماء عجزت العرب والعجم عن معارضة المصطفى بآيات القرآن ودلت الأسماء والآيات على صدق النبي الأول والنبي الآخر ولما ثبت صدق الأول كان مبشرا بمن بعده إلى الآخر ولما ثبت صدق الآخر كان هو مصدقا لمن قبله إلى الأول فكانت الأقوال متواصلة والعلوم متواترة والكلمات متفقة والدعوات متحدة والكتب والصحف متصادقة والسيوف على رقاب المنكرين قائمة ومن اصطفاه الله عز وجل لرسالته من عباده واجتباه لدعوته كساه ثوب جمال في ألفاظه وأخلاقه وأحواله ما يعجز الخلائق عن معارضته بشيء من ذلك فيصير جميع حركاته معجزة للناس كما صارت حركات الناس معجزة لمن دونهم من الحيوانات ويكون مستتبعا جميع نوع الإنسان كما صار الإنسان مستسخرا جميع أنواع الحيوان " والله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل " ونعيد ما أبديناه آنفا.
فنقول أنتم معاشر الصابئة والبراهمة المعولون على مجرد العقول وقضاياها وافقتمونا ولم يحتج بالموافقة بل قام الدليل الواضح على أن لله تعالى تصرفا في عباده بالتكليف والأمر وعلى حركاتهم بالإحكام والحدود ومن القضايا العقلية أن نوع الإنسان يحتاج إلى اجتماع على نظام وصلاح وإن ذلك الاجتماع لن يتحقق إلا بتعاون وتمانع وإن ذلك التعاون والتمانع لن يتصور إلا بحدود وأحكام وإن تلك الحدود والأحكام تجب أن تكون موافقة لحدود الله وأحكامه وإن كل من دب ودرج ليس يتلقى من الله حدوده وأحكامه ولا له أن يضع من عند نفسه حدودا وأحكاما فلزم العقل ضرورة أن يكون بين الناس شرع يفرضه شارع يتلقى من الله وحيا وينزله تنزيلا على عباده وهذه قضايا عقلية بيننا وبينكم وإنما حقيقة القول إيل إلى تعيين الشارع.
فنقول لن يتحتم على الله تعالى تعريف صدق من اصطفاه لرسالته وتعيين شخص من اجتباه لشريعته فإنه يؤدي إلى التعجيز وإلى تكليف ما لا يطاق وهو كما لو كلف عباده بمعرفته ثم يطمس عليهم وجوه أدلته وإذ لا طريق إلى التصديق إلا بالقول والفعل ولا طريق إلى ذلك بالقول تعين الفعل ولربما يعرف الملائكة بالقول ويعرف الناس بالفعل ولربما يعرف النوعين بهما جميعا أعني تعريفهما بفعل نازل منزلة القول أو بقول دال دلالة الفعل وليس ذلك التعريف إيجابا عليه تعالى وتقدس بل وجوبا له حتى لا يؤدي إلى التعجيز في نصب الأدلة وحتى لا يفضي إلى التكذيب في خبر الاستخلاف وحتى لا يكون على الله حجة بعد الرسل بتكليف ما لا يطاق فيقال " ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا " وإذا أرسلت فهلا بنيت لنا طريقا ودليلا يتوصل به إلى صدقه ويتوصل بتصديقه إلى معرفتك وطاعتك.
صفحہ 148