نهاية الإقدام في علم الكلام
نهاية الإقدام في علم الكلام
اصناف
ووجه آخر الآية الخارقة للعادة كما دلت بوقوعها على قدرة الفاعل وباختصاصها على إرادته وبأحكامها على علمه كذلك دلت بوقوعها مستجابة لدعاء الداعي لا لدعوى المدعي على أن له عند الله حالة صدق ومقالة حق ومن كانت دعوته مستجابة عند الله يستحيل أن يكون في دعواه كاذبا على الله تعالى وهذا هو حقيقة النبوة وذلك أن استجابته في أمور لا يقدر الخلق على ذلك دليل على صدق هذا الداعي ولو قدر الداعي كاذبا في نفسه على الله أقبح كذب وهو الرسالة عنه بما لم يرسل انقلب دليل الصدق دليلا على الكذب وهو متناقض ونحن لا ننكر أن يكون شخص من الأشخاص مستجاب الدعوة ثم ينقلب حاله إلى حالة الأشقياء كما لا ننكر أن يظهر خارق للعادة على يد ساحر لكن الشرط في الأمرين واحد وهو أن يكون المدعي في حال ما يدعي مستجاب الدعوة بالآية حتى تكون الآية دالة على صدق حالته ودرجته عند الله تعالى وإذا قدر كونه كاذبا انقلبت الدلالة على الصدق دلالة على الكذب وهو محال لتناقضه وكما أن الوقوع إذا دل على القدرة لم يدل على العجز والإحكام لما دل على العلم لم يدل على الجهل كذلك دليل الصدق لا يجوز أن يكون دليلا على الكذب وهذه الطريقة أحسن من الأولى.
ووجه آخر نقول إن قرينة الصدق ملازمة لتحدي النبي الصادق عن الله تعالى وذلك أن المعجزة تنقسم إلى منع المعتاد وإلى إثبات غير المعتاد أما المنع فكالجنس من الحركات الاختيارية مع سلامة البنية وإحساس التيسير والثاني في مجرى العادة ومثال ذلك تيه بني إسرائيل في قطع الطريق ومنع السحرة من التخييل وحصر زكريا من الكلام المعتاد ويجوز أن يقدر صرف الدواعي عن المعارضة بمثل ما جاء به النبي عليه السلام من جنس المعجزات وإن كان ذلك من قبيل مقدوراتهم ولهذا عد بعضهم إعجاز القرآن من هذا القبيل وهو مذهب مهجور ويجوز أن يقدر منع الناس عن التحدي بمثل ما تحدى به النبي من جنس المعجزات فلا يقدر أحد على المعارضة بالدعوى فضلا عن معارضته بالخارق للعادة ويكون لهذه المعجزة قرينة متصلة بنفس الدعوى حتى لا تخلو قط دعوى نبي من الأنبياء عن قرينة الصدق ولا تتأخر الدلالة عن نفس التحدي وهذا أبلغ في باب الإعجاز فإن المتصدي للمعارضة يحس من نفسه عجزا مع استمرار عادته بمثل ذلك التحدي فيقول النبي إني رسول الله إليكم وآية صدقي أن لا يعارضني معارض في نفس دعواي هذه والنفوس متطلعة والألسن سليمة والدواعي باعثة فتتحير العقول وتنحصر الألسن وتتراجع الدواعي وتنمحق الدعاوي لست أقول لا ينكره منكر بل أقول لا يعارضه معارض بمثل التحدي والدعوى فيقول لا بل إني رسول الله إليكم ولهذا لم نجد في قصص الأنبياء من عارضهم بمثل دعواهم في حال التحدي ولا استمرت هذه الدعوى لأحد من بعدهم ولا يلتفت إلى ما يحكى عن مسيلمة الكذاب أنه ادعى الرسالة عن الله تعالى فإن من كتب إلى نبي الله أما بعد فإن الأرض بيني وبينك نصفين لم يكن معارضا له في نفس دعواه بل مسلما له من وجه ومتحكما من وجه ومن ادعى الرحمانية في الحالة الثانية لم يكن ثابت القدم على الدعوى الأولة وكان من حقه لو كان متنازعا له أن يقول إني عبد الله ونبيه لا شريك الله في الرحمانية وشريك رسوله في الأرض فاعرف هذه الدقيقة فإن فيها سرا وغورا.
ثم الجواب عن شبهات المنكرين أن نقول قولكم أن اقتران المعجزة بدعوى المدعي لا ينتهض دليلا على صدقه فإن نفس الاقتران بالإضافة إلى دعواه أو إلى غيرها من الأفعال أو الأقوال بمثابة واحدة.
صفحہ 147