نداء الحقیقت
نداء الحقيقة: مع ثلاثة نصوص عن الحقيقة لهيدجر
اصناف
علينا إذن أن نحيا تجربة اللغة بحيث تعبر عن نفسها بنفسها، فاللغة تتميز بأننا نعيش فيها ونألفها دون أن ننتبه لها في العادة أو نحاول تركيز أبصارنا عليها، فكيف نخرج من هذه الحال ونفكر في ماهيتها؟
إننا جميعا نفزع إلى بيت أو قصيدة من الشعر نستشهد بها حين تتأزم مواقفنا في الحياة أو نعجز عن التعبير عن مكنون مشاعرنا، فالشعراء هم أصحاب الرؤية، وكلماتهم لآلئ بحر التجربة البشرية، وكم من أبيات قليلة كشفت - كالبرق الخاطف - عن خبرة أجيال طويلة، وكم لخصت في حكم قليلة ما عجز الفيلسوف عن قوله في مجلدات ضخمة (ولقد طالما لجأ الفلاسفة أنفسهم إلى صور الشعر ورموزه وتشبيهاته واستعاراته حين انطلقوا إلى مجال الفكر الخالص وعجزت أجنحة الرؤية والعيان عن التحليق إليه، كذلك فعل أفلاطون عندما غادر أرض الحس والمحسوس في رحلته إلى عالم المثل ولم يستطع أن يعبر عن تجربته الفكرية المجردة بمثال الخير - وهو أسماها جميعا - إلا بالصورة والرمز، ورمز الكهف ورمز الشمس والخط كلها تعبير عن عجز اللغة حين يصعد الفكر إلى أفق مرتفع فوق الأشياء والموضوعات المرئية والمحسوسة، فتكبو كذلك جياد اللغة - التي خلقت بطبيعة استعمالها لوصفها ومخاطبتها - عن اللحاق به).
ويبدو أن التفكير في ماهية اللغة قد ألجأ هيدجر كذلك إلى التماس العون من الشعراء، لا لأن علاقتهم باللغة علاقة متميزة فحسب، بل لأنهم أقدر من غيرهم على التعبير عنها، وكما ذهب إلى هيلدرلين ليستوضحه عن ماهية الشاعر والشعر، نجده يتجه إلى الشاعر الرمزي ستيفان جئورجه
166 (1868-1933م) ليتعرف على علاقته باللغة، وهكذا يحلل قصيدة «الكلمة» التي كتبها الشاعر سنة 1919م ونشرها بعد ذلك في ديوانه «المملكة الجديدة»:
معجزة من بعيد أو حلما
جلبته إلى طرف بلادي،
وانتظرت حتى تجد ربة القدر
167
المظلمة
في نبعها اسما تضفيه عليه،
نامعلوم صفحہ