نزعة فکر یورپی
نزعة الفكر الأوروبي في القرن التاسع عشر
اصناف
على أنه إن كان في القرن التاسع عشر من قوة وحدت بين المؤثرات التي انبثت فيه، فإنها لم تظهر طافية على وجه الحياة، بل ظلت دفينة في أعماق الطبيعة البشرية، والمعضلة التي أخذنا على عاتقنا أن نبلغ إلى حلها، والغرض الذي قضينا مجاهدين في سبيل الوصول إليه لن يظهر سافرا غير مقنع؛ إذن نعتقد أنه غرض يمكن أن يدرك من طريق الاستنتاج وحده، فلا نستطيع له تحديدا ولا حصرا؛ لهذا نوقن بأن الغرض الذي من أجله عشنا وشقينا وجاهدنا لم يظهر لمشاعرنا تاما بينا، كما ظهر للذين عاشوا خلال عصر الإصلاح البروتستانتي، أو عصر الثورة الفرنسوية، وإلا لما سقنا بأنفسنا، لولا هذا الأمر، إلى فلسفة «اللاشاعرية» و«المجهول»، ولما انتهى القرن التاسع عشر مختتما بالتساؤل: «أمن قيمة لهذه الحياة؟»
وأنت تعثر من جهة أخرى، إذا ما قلبت صفحات التاريخ، على عصور سادت فيها روح الهدوء، فانصرف فيها الناس إلى متابعة بعضهم بعضا في السير في سبيل بعينها، واطمأنوا إلى ميول عامة أحدثتها فكرات واحدة، وأخلدوا إلى الأخذ بعادات خاصة في التفكير، وانتحوا في البحث أساليب فيها من الفطرة الأولى أثر السذاجة، وتطريات البساطة والاعتدال، وعمدوا إلى تطبيق بضعة سنن لم يعدوها إلى غيرها، فظلوا عليها عاكفين، ومضوا بها قانعين.
كان هذا طابع الزمان الذي تقدم الثورة الفرنسوية، أي الشطر الأعظم من القرن الثامن عشر، حتى لقد أصبح من الهين علينا أن نصف طابع ذلك القرن، فصرفنا عليه اسم القرن الفلسفي؛ قرن التنوير العقلي
Aufklarung
9
وإن شئت فقل «قرن فولتير»، ذلك في حين أننا لا نستطيع أن نصرف على عصرنا اسما مشابها لهذا الاسم، ولا أن نخصه بنعت كهذا النعت؛ فإنك لن تقع فيه على «اسم علم» يحمل معه شهادة بالأثر الذي ترك صاحبه مطبوعا في جبين كل ما احتك به من حاجات الحياة العديدة التي وقعت تحت سلطانه.
لقد ادعى بعض الباحثين أن تاريخ الفكر هو بذاته تاريخ الفلسفة، على اعتبار أن مذاهب الفلسفة ونظرياتها المختلفة تتضمن في مجملها الإبانة عن السبيل التي تمشت فيها الفكرات خلال عصر ما من العصور، وعلى ذلك يكون الكلام في تاريخ الفكر في القرن التاسع عشر هو بذاته الكلام في تاريخ الفلسفة خلاله.
لقد أنتج القرن التاسع عشر كثيرا من صور الفلسفة ومذاهبها المختلفة، غير أنك تجد أن تلك المذاهب، على الرغم من اختلافها وتباينها، من مثالية «فيخته» المتطرفة، إلى مادية «بخنر»
Buchner
الأحادية، لن تجعلنا نشعر بأنها محيطة بعالم الفكر كل الإحاطة. إن أكبر دليل على هذا أن العصر الذي أجدب فيه العقل الإنكليزي من الفلسفة - وهو أربعة العقود الأولى من القرن التاسع عشر - قد أخصب هنالك في إنتاج نزعة أدبية حديثة، وفي إبراز تصور خاص في الفن، وفتح في كلا الاتجاهين: اتجاه الأدب واتجاه الفن، ينبوعا فائضا بمنتجات الحياة العقلية، في حين أنك لن تقع في المذاهب الفلسفية على أثر تناولها بالوصف والتقدير.
نامعلوم صفحہ