نظریہ تطور اور انسان کی اصل
نظرية التطور وأصل الإنسان
اصناف
فعندما يشتد الجفاف - مثلا - وتطول مدته يموت أكثر الذباب، إلا أفرادا قلائل تستطيع مقاومة الجفاف مدة أطول من غيرها، وقد لا تكون هذه المدة سوى دقيقة واحدة، أو يكون بقاؤها عائدا إلى أنها تأكل غيرها، أو إلى أنها تستطيع هضم المادة الجافة أكثر من غيرها، أو إلى أن حرارة الشمس لا تفعل في غيرها، وهلم جرا.
وقد يكون بقاء بعض النباتات راجعا إلى أنه أوسع حيلة من غيره على نشر نوعه؛ كأن يكون للبذرة نسيج يجعل الريح تحملها، كما هو الحال في القطن، فالبذور تتسابق إلى أن تحملها الريح حتى تقع بعيدا عن أمهاتها، فبعضها لا يكون نسيجه خفيفا فيقع تحت أمه ويموت، وبعضها تحمله الريح ويقع في الماء أو الصحراء فيموت أيضا، وبعضها يعلق بالأشجار فلا يقع على الأرض، وبعد كل هذا تبقى بذرة يقدر لها النجاح فتقع حيث تنبت. هذا إذا فرضنا أن القطن يعيش في حالته البرية، أما الآن فإنه في رعاية الإنسان لا رعاية الطبيعة.
وتنازع البقاء قانون شامل عامل كل يوم في إبادة بعض الأحياء وإبقاء بعضها، وذلك الذي يبقى إنما يوفق إلى ذلك لميزة فيه تدل على ارتقائه على غيره؛ ولذلك فنظرية التطور كانت تدعى عندنا منذ مدة قريبة نظرية «النشوء والارتقاء»؛ لأن الحي يرتقي كلما صعد في سلم التطور، ولكن «الارتقاء» كلمة ذات معان إنسانية قلما تتفق وتطور الحيوان أو النبات؛ فالنعجة في نظرنا مرتقية على النعاج البرية؛ لأنها سمينة، ولكنها في اعتبار الطبيعة منحطة؛ لأنها تعجز عن دفع العدو. والحلقيات؛ كالديدان التي تعيش في أمعائنا، لا يمكن أن نقول إنها مرتقية أو منحطة، فقد فقدت قناتها الهضمية، ولكنها صارت تهضم بجلدها. والخلد فقد تقريبا قوة البصر؛ لأنه يعيش عيشة سرية في نافقاء تحت الأرض، ولكنه يعرف كيف يحفر النافقاء ويحتمي بها ويخرج في الليل، وأيضا فقد ذنبه وإبهام يده، فهل هو ارتقى أو انحط؟
لهذا السبب نفضل استعمال كلمة «تطور»؛ أي الانتقال من طور إلى طور، على استعمال كلمتي نشوء وارتقاء.
وقد كان أحد الكتاب يقول للبرهنة على أن قانون تنازع البقاء يتمشى صارما قاسيا بين الأحياء، ينفي منها وينقي: «إن الطبيعة حمراء بين الناب والمخلب».
وهذا حق؛ لأنه لولا ذلك لتكدس العالم بالأحياء حتى لا يبقى مكان لمولود جديد؛ فالأسد يقاتل الأسود من أبناء نوعه على الأنثى وعلى المكان، ويقاتل الغزلان والجواميس والأبقار كي يأكلها، ويقاتل الأمراض التي تنتشر بينه، ويقاتل الوسط الذي يعيش فيه، إذا كان الوسط يفشيه في الهيئة أو الرائحة.
وكذلك الحال في سائر الحيوان، ومما يدلك على شدة هذا النزاع أنه أنشئ من مدة قريبة حرم لبعض الطيور في إنجلترا، ومنعت عنها جوارح الطير كالصقر والعقاب وغيرهما، فلم تمض مدة حتى فشت الأمراض بين هذه الطيور، واجتاحت عددا منها ... وما ذلك إلا لأن هذا الحرم قد حمى ضعاف الطير وما به قبول للأمراض من الوقوع فريسة للجوارح، فانتشر الضعف بين الطيور، وتفشت فيها الأمراض.
فالضعف على أشكاله المختلفة يتفشى كل يوم بين الحيوانات، فتموت الأفراد التي يتفشى بينها، ولا تبقى سوى الأفراد القوية، ومن هنا ندرك السبب في كثرة الأمراض التي نراها في الحيوان والنبات المدجنين، وقلتها في الحيوان والنبات البريين.
ويمكننا أن نتصور الصراع الهائل بين الأحياء عندما نرى الوسائل التي يتخذها بعضها للعيش، على ما فيها من مشقة مباينة الوسط لها.
فالسرطان، هذا الحيوان البحري الضعيف، قد اضطره تنازع البقاء إلى ترك البحر والصعود إلى قمم الجبال، وإلى تسلق الأشجار، والزواحف اضطرت إلى الطيران في الهواء، بل اللبونات نفسها؛ كالخفاش، اضطرت إلى الطيران واعتلاء الهواء، كما نزل بعضها؛ كالدلفين، إلى البحر، وأحال يديه إلى زعانف، وبعض الأسماك نزلت إلى قعر البحر على عمق خمسة كيلو مترات، وتحملت ضغط الماء العظيم، وصارت تعيش مما يتساقط إليها من حطامة الأحياء.
نامعلوم صفحہ