سريعا ويبلى جسمه وقائله
وإذا فعلت ذلك فقاعدني بنفسك ثلاثا وادع لي، ففعل الفتى، فلما كان في اليوم الثالث سمع من القبر صوتا اقشعر له جلده وتغير لونه ورجع مصفرا إلى أهله، فلما أتاه الليل أتاه أبوه في منامه وقال له: يا بني، أنت عندنا عن قريب، والأمر ناجز، والموت أقرب من ذلك، فاستعد لسفرك وتأهب لرحلتك، وحول جهازك من المنزل الذي أنت عنه ظاعن إلى المنزل الذي أنت فيه مقيم، ولا تغتر بما اغتر به قبلك الغافلون من طول آمالهم فقصروا عن أمر ميعادهم، فندموا عند الموت أشد الندامة، وأسفوا على تضييع العمر أشد الأسف، فلا الندامة عند الموت تنفعهم ولا الأسف على التقصير ينقذهم من شر ما يلقاه المغبونون يوم الحشر، فبادر ثم بادر ثم بادر.
فدخلت على الفتى ثاني يوم فقصها علي وقال: ما أرى الأمر إلا وقد قرب، فجعل يوزع ماله ويتصدق ويقضي ديونه ويستحل من خلطائه ومعامليه ويرتد عنهم، كهيئة رجل قد أنذر بشيء فهو يتوقعه ويقول: قال أبي: «بادر ثم بادر ثم بادر» فهي ثلاث ساعات، وقد مضت أو ثلاثة أيام وأنى لي بها وما أراني أدركها، أو ثلاث سنين وهو أكثر ذلك، فلم يزل يقسم أمواله ويتصدق حتى إذا كان في اليوم الثالث من ليلة هذه الرؤيا دعا أهله فودعهم ثم أغمض عينيه ومات.
نوادر منوعة
الأعرابي والبخلاء
وقف أعرابي بقوم فقال: يا قوم، أشكوا إليكم زمنا كلح بوجهه وأناخ علي بكلكله بعد نعمة من المال وثروة من المال وغبطة من الحال، اعتورني بنبال عن قسي نوائيه، فما ترك لي شيئا ارتجي به نفعا، فهل فيكم من معين على صرفه أو مساعد على حنفه؟ فردوا عليه ولم ينيلوه شيئا، فولى عنهم وهو يقول:
قد ضاع من يأمل من أمثالكم جودا
وليس الجود من فعالكم
لا بارك الله لكم في مالكم
ولا أزاح السوء عن عيالكم
نامعلوم صفحہ