من رغب عنه إلى غيره، ولم يستنر منه بمنيره، فعمه في ضلالات المضلين غرقا متسكعا، إذا لم يكن بكتاب الله مكتفيا ولا عنه مستمعا، يستفيد الباطل من المبطلين ويفيده، معرضا عن حق المحقين لا يطلبه ولا يريده، راضيا لنفسه بالهلكة من النجاة، وبالموت الموصول بنكال الآخرة من الحياة، يعد غيه وعماه بعد رشدا، وضلالته عن الرشد هدى، قد زاد غيه وعماه، ما أسعده من دنياه، لما أسلمه الله لجريه إليه، بما أمده من ماله وبنيه، فاستدرجه به من الملأ، بالعافية من نوازل البلاء، كما قال تبارك وتعالى فيهم: { أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون، ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين } [المؤمنون: 55 - 56]. فغرض كتاب الله المبين، فإنما هو البيان واليقين.
وقد تعلمون أن كل ذي صناعة، أو تجارة مما كانت أو بياعة، قد علم قبل ملابسته لها ودخوله فيها، ما قصدها وغرضها وما دعا أهلها إليها، كما قد رأيتم وأيقنتم من حال البناء، الذي قد علم قبل دخوله فيما يريد أن غرض البناء، رفع السقوف والحيطان، وعقد العقود والطيقان.
وكذلك النجار فيما يريد بعمله من النجارة فقد علم قبل دخوله فيها أن غرضها عمل الكراسي والأبواب وكذلك مثلهما، في علم غرض ما يريد غيرهما، من التجارة والبياع، فهم في علم غرض التجارة والبيع وما يريدون فيه كالصناع، قد علم كل تاجر، من بر أو فاجر، ما غرض بيعه وتجارته، علم الصانع بصناعته، وعلى قدر علم كل صانع، وتاجر منهم أو بائع، يجد ويجتهد، ويسعى ويحتفد، فيقل فتوره، ويجل سروره .
صفحہ 49