وليس يا بني بعد فوت الدين والدنيا، حياة لأحد من الخلق ولا بقيا، فليكن أول ما تخطرون في الكتاب ببالكم، وترمون إليه فيه - إن شاء الله - بأوهامكم، ما ذكرت من غرضه ووصفت، ووقفت عليه من قصده وعرفت، فمن لم يعرف غرض ما يريد وقصده، لم يبذل في الطلب له جهده، ولم يعلم منه أبدا، هداية ولا رشدا، فخرج من علمه كله صفرا، ولم يصب بشيء منه ظفرا، وكان كمن سلك طريقا لا يعرف وجهته ولا قصده، فتبع فيه ضلالته وخسرته وتلدده، فلم يزدد من الهدى، إلا نقصا وبعدا، فهلك وأهلك فضل وأضل عن سواء السبيل، وخيم وأقام هالكا متحيرا بين هلكات الأضاليل، لا يبصر رشده فيه ولا هداه، مهلكا لمن أطاعه مطيعا لمن أرداه، لا يرى فيه للهدى علما، ولا يطأ به من رسومه رسما.
فاعرفوا يا بني هديتم لرشدكم، ما قد حددته لكم، في كتاب الله من القصد والغرض، فإن بعض ذلك يدعو إلى بعض، فمتى تعرفوا يا بني غرض كتاب الله وقصده، يبذل كل امرئ منكم في طلبه جهده، ويفز منه بالحظ الأوفر، متى يظفر منه بالفوز الأكبر، فيستأنس به من الوحشات، ويكتفي بعلمه من القماشات، التي قمشها في الدين، فضل بها عن اليقين.
صفحہ 48