قلت: الفرق بين ما نحن فيه وما جاء عن ابن الزبير واضح، لأن المحترق من البيت كان البناء مدماكًا (١) من خشب ساج ومدماكًا من حجر، كما ذكره الأزرقي في تاريخ مكة.
قال: بناؤها كذلك من أسفلها إلى أعلاها، وعليها الكسوة فاحترقت من نار لبعض أصحاب ابن الزبير وطارت الرياح بلهب النار فاحترقت كسوة الكعبة والساج الذي بين البناء، وكان احتراقها يوم السبت لثلاث خلون من شهر ربيع الأول سنة أربع وستين (٢)، فضعفت جدران الكعبة، حتى أنها لينقض أعلاها إلى أسفلها، ويقع عليها الحمام فتناثر حجارتها وهي مجرد متوهية من كل جانب.
قال الأزرقي: وكان أشد الناس إباء لهدمها ابن عباس، وقال: دعها على ما أقرها رسول الله ﷺ فإني أخشى أن يأتي بعدك من يهدمها فلا تزال تهدم وتبنى فيتهاون الناس بحرمتها، ولكن ارقعها. فقال ابن الزبير ﵄: والله ما يرضى أحدكم أن يرقع بيت أبيه وأمه، فكيف أرقع بيت الله وأنا أنظر إليه ينقض من أعلاه إلى أسفله، حتى أن الحمام ليقع عليه فتتناثر حجارته؟! انتهى.
فحينئذ كان الحريق أثر في كل مدماك من الساج بإحراقه، وفي المدماك الحَجَر إلى جانبه بالتسويد صار في بناء ما تآكل من الساج وإبقاء ما بقي من مداميك الأحجار قُبْحٌ في الصورة وإخلال بتعظيم الكعبة، فهدمها أجمع لتبنى على أكمل الوجوه، ولئلا يحصل الترقيع في بنائه الذي لا يرتضي به ذو القدرة في بيت أبيه، فكيف في بيت الله تعالى.
_________
(١) المدماك: هو الصف من البناء، وخيط البناء. كذا في "المعجم الوسيط": ١/ ٣٩٧. عن منائح الكرم: ٣/ ١١٥ (حاشية). وعدد مداميك الكعبة المشرفة في عهد ابن الزبير: سبعة وعشرين مدماكًا، ينظر: "التاريخ القويم"، للكردي: ٣/ ١٦١.
(٢) وقيل سنة خمس وستين، "الجامع اللطيف": ٨٦.
1 / 72