نشأة حقوق الإنسان: لمحة تاريخية
نشأة حقوق الإنسان: لمحة تاريخية
اصناف
كانت أشكال العقاب الوحشية عند الإدانة منتشرة في كل أنحاء أوروبا والأمريكتين؛ فمع أن وثيقة الحقوق البريطانية لعام 1689 منعت منعا صريحا العقوبات القاسية، فإن القضاة ما انفكوا يصدرون أحكاما على المدانين بالخضوع للجلد، ومقعد التغطيس، وفلقة العقاب، وعمود التشهير، والوصم بالحديد المحمى، والإعدام بالسحل والتقطيع إلى أربعة أرباع (باستخدام الأحصنة)، أما فيما يتعلق بالمرأة فالإعدام يكون بالسحل والتقطيع والحرق على خازوق. أما ما كان عقوبة «قاسية» في نظرهم، فاعتمد بوضوح على التوقعات الثقافية. ولم يمنع البرلمان حرق المرأة بالشد إلى الخازوق إلا في عام 1790. على أنه قبل ذلك كان البرلمان قد رفع عدد الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام ارتفاعا مذهلا؛ إذ تضاعف ثلاث مرات طبقا لبعض التقديرات في القرن الثامن عشر، وفي عام 1752 اتخذ بعض الإجراءات كي يجعل عقوبات جرائم القتل أكثر ترويعا بغية المزيد من الردع. أمر البرلمان بعرض جثث القتلة كافة على الطبيب من أجل تشريحها - الأمر الذي كان يعد مشينا في ذلك الوقت - وخولوا للقضاة سلطة اتخاذ قرار تعليق جثة أي قاتل ذكر في سلاسل بعد تنفيذ الإعدام. وعلى الرغم من الانزعاج المتزايد من جراء تعليق جثث القتلة، فقد طالت هذه الممارسة إلى أن ألغيت أخيرا في عام 1834.
6
ليس من المستغرب أن العقاب في المستعمرات اتبع الأنماط السائدة في المركز الإمبراطوري. وهكذا، نص ثلث جميع الأحكام الصادرة عن المحكمة العليا بماساتشوستس، حتى في النصف الأخير من القرن الثامن عشر، على عقوبات تنطوي على الإذلال على الملأ تتراوح ما بين تعليق اللافتات إلى قطع إحدى الأذنين، والوصم، والجلد. وصف أحد المعاصرين في بوسطن كيف «كانت تنقل النساء من السجن في قفص ضخم يجر على عجلات، ثم يخرجن من هذا القفص حيث يوثقن إلى عمود عرايا الظهر فيتلقين ثلاثين أو أربعين جلدة وسط صرخات المتهمات وضجيج الجموع». ولم تحم وثيقة الحقوق البريطانية العبيد الذين لم يكن ينظر لهم على أنهم أشخاص لهم حقوق شرعية. وأجازت ولايتا فيرجينيا وكارولينا الشمالية صراحة خصي العبيد عند اقتراف الجرائم المشينة، وفي ميريلاند كان إذا أساء العبد إساءة متعمدة تقطع يده اليمنى، ثم يشنق ويقطع رأسه ويمزق جسده إلى أربعة أجزاء، ثم تعرض الأجزاء المقطوعة أمام العامة. وفي وقت متأخر - نحو أربعينيات القرن الثامن عشر - كان العبيد يحرقون في نيويورك حتى الموت ببطء مؤلم، أو تسحق عظامهم على عجلة السحق، أو يعلقون في السلاسل ويتركون ريثما يموتون جوعا.
7
شكل 2-3: الطوق المعدني. (كان الغرض من هذه العقوبة الإذلال على الملأ. تصور هذه الصورة المطبوعة، التي رسمها فنان مجهول، أحد المدانين بتهمة الاحتيال والتشهير في عام 1760. ووفقا لما ورد في التعليق، أوثق أولا إلى الطوق المعدني مدة ثلاثة أيام، ثم وصم وأرسل إلى سفينة للتجديف بقية حياته.)
ظلت معظم الأحكام التي صدرت عن المحاكم الفرنسية في النصف الأخير من القرن الثامن عشر تتضمن شكلا ما من أشكال العقاب البدني أمام العامة مثل الوصم، أو الجلد، أو ارتداء الطوق المعدني (الذي كان يثبت في العمود أو أداة التشهير، كما في الشكل رقم
2-3 ). وفي نفس العام الذي أعدم فيه كالاس، نظر البرلمان الفرنسي استئناف أحكام عقوبات ضد 235 رجلا وسيدة خضعوا للمحاكمة أولا في محكمة شاتيليه بباريس (محكمة أدنى درجة): 82 منهم حكم عليهم بالنفي والوصم المقترن عادة بالجلد، و9 حكم عليهم بنفس المزيج السابق بالإضافة إلى الطوق المعدني، و19 بالوصم والسجن، و20 بالحبس في المستشفى العام بعد الوصم و/أو الطوق المعدني، و12 بالشنق، و3 بالسحق على عجلة السحق، و1 بالحرق على خازوق. وإذا حسبنا الأحكام الصادرة عن المحاكم الأخرى كافة في باريس، فسنجد أن عدد العقوبات التي تتضمن الإذلال على الملأ يصل إلى 500 أو 600، منها نحو 18 عقوبة إعدام؛ كل هذا في عام واحد فقط وفي ولاية قضائية واحدة.
8
أخذت عقوبة الإعدام في فرنسا خمسة أشكال مختلفة: قطع الرأس للنبلاء، والشنق للمجرمين العاديين، والسحل والتقطيع إلى أربعة أجزاء للمدانين في الجرائم المرتكبة في حق الملك التي تعرف باسم «الخيانة العظمى»، والحرق على خازوق للمدانين في جرائم الهرطقة ومزاولة السحر وإشعال الحرائق ودس السم ومواقعة الحيوانات واللواط، وسحق العظام على عجلة السحق للمدانين في جرائم القتل والسطو المسلح. ونادرا ما أصدر القضاة أحكاما بالسحل والتقطيع إلى أربعة أجزاء والحرق على خازوق في القرن الثامن عشر، أما سحق العظام على عجلة السحق فقد كان حكما شائعا للغاية؛ فعلى سبيل المثال: في الدائرة القضائية لبرلمان بلدة آيكس إن بروفينس جنوب فرنسا، نصت نحو نصف أحكام الإعدام التي بلغت ثلاثة وخمسين حكما الصادرة في الفترة بين عامي 1760 و1762 على الموت بسحق العظام على عجلة السحق.
9
نامعلوم صفحہ