نشأة حقوق الإنسان: لمحة تاريخية
نشأة حقوق الإنسان: لمحة تاريخية
اصناف
17
انحطاط أم سمو؟
عرف المعاصرون من تجاربهم الخاصة أن قراءة هذه الروايات كان لها عظيم الأثر، ليس على الأذهان فحسب، بل على الأجساد أيضا، لكنهم لم يتفقوا بشأن العواقب. شجب رجال الإكليروس الكاثوليك والبروتستانت احتمال ظهور الفسق والإغواء والانحطاط الأخلاقي. وفي وقت مبكر، عام 1734، وجد نيكولاس لينجليت ديفرسنوي - وهو نفسه رجل دين إكليريكي تلقى تعليمه في السوربون - أنه من الضروري أن يدافع عن الروايات ضد انتقادات زملائه، لكنه فعل هذا تحت اسم مستعار؛ لقد فند على نحو مثير للضيق كل الاعتراضات التي دفعت السلطات إلى حظر الروايات «باعتبارها وخزات كثيرة تعمل على تهييج مشاعر شديدة الحيوية والقوة في نفوسنا». وأكد بشدة على أن الروايات مناسبة في أي فترة زمنية، قائلا: «السذاجة والحب والنساء هيمنت في جميع الأزمنة، ومن ثم يتابع الناس الروايات ويتذوقونها في جميع الأزمنة.» ورأى أنه من الأفضل التركيز على تحسينها بدلا من قمعها بالكلية.
18
ولم تتوقف الهجمات عندما حقق إنتاج الروايات النجاح في منتصف القرن. ففي عام 1755 كتب رجل دين كاثوليكي آخر، وهو رئيس دير يدعى أرماند بيير جاكوين، عملا أدبيا من أربعمائة صفحة يوضح فيه أن قراءة الروايات تقوض الأخلاق، والدين، ومبادئ النظام الاجتماعي كافة. كتب يقول مؤكدا: «طالع تلك الأعمال، وسوف تجد في جميعها تقريبا انتهاكا للحقوق الإلهية والعدالة الإنسانية، وازدراء لسلطة الآباء على الأبناء، وتحطيما لعرى الزواج المقدسة وأواصر الصداقة.» يكمن الخطر على وجه التحديد في قدرتها على الجذب؛ فعن طريق اللعب باستمرار على إغواءات الحب، شجعت القراء على التصرف وفقا لأسوأ دوافعهم ونزواتهم، وعدم الانصياع لنصائح آبائهم والكنيسة، وتجاهل القيود الأخلاقية للمجتمع. وكانت الطمأنة الوحيدة التي قدمها جاكوين هي افتقار الروايات إلى القدرة على الاستمرار؛ فالقارئ قد يلتهم إحداها في المرة الأولى لكنه لا يعيد قراءتها بعد ذلك قط. يقول: «هل جانبني الصواب عندما تنبأت أن رواية باميلا سرعان ما ستنسى؟ ... سينطبق نفس الشيء على روايتي توم جونز وكلاريسا في ظرف ثلاث سنوات.»
19
وتوالت شكاوى مشابهة في كتابات البروتستانت الإنجليز. لخص الكاهن المبجل فيسيسموز نوكس عقودا من الاضطرابات الدائمة في عام 1779 عندما صرح بأن الروايات هي ملذات منحطة ومثيرة لمشاعر الذنب تحول عقول الشباب عن القراءات الأكثر جدية وتنويرا. وقال إن الازدهار المفاجئ للروايات البريطانية لم يؤد إلا إلى نشر العادات الإباحية الفرنسية، وهو يفسر الفساد المتفشي في عصرنا الحالي. وأقر نوكس بأن ريتشاردسون كتب رواياته «بنوايا طيبة خالصة»، لكنه يرى أن المؤلف حتما سرد مشاهد وأثار مشاعر لا تتفق مع الفضائل. ولم يكن رجال الإكليروس وحدهم من استهجنوا الروايات، فقد نظمت قصيدة في مجلة ليدي عام 1771 تلخص وجهة نظر منتشرة وسط قطاع عريض من الناس:
لا أعرف رواية باميلا تحديدا
معرفة وثيقة
لأنني لا ألوث ذهني
نامعلوم صفحہ