نقل سے تخلیق تک (جلد دوم تبدیلی)
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (١)
اصناف
وفي «منطق المشرقيين» يظهر التمايز بين الأنا والآخر في صورة التمايز بين الشرق والغرب، بين المشرقيين و«المغربيين». لم يخترع ابن سينا لفظا للمقابلة غير اليونانيين.
126
وقد لفظ «المشرق» عند ابن سينا وابن طفيل لوصف الحكمة في «الحكمة والمشرقية»، والمنطق في «منطق المشرقيين». وقد ظهر لفظ مشابه مشتق من الشرق في «حكمة الإشراق» للسهروردي والفلسفة الإشراقية لابن سينا ذاته. كان لدى ابن سينا إحساس بالعصر والزمان والعلم باعتباره من عوائد الزمان وأعراف الناس. وتختلف الأسماء والمسميات واحدة مثل النطق الذي قد تكون له أسماء أخرى. ولكن ابن سينا آثر الاسم الشائع. فمنطق المشرقيين ليس في المنطق بل في حكمة المشرقيين. آثر استعمال اللفظ الشائع للحكمة وهو المنطق طبقا لمنطق التشكل الكاذب، التعبير عن مضمون الموروث بلغة الوافد.
127
ومقدمة منطق المشرقيين أهم ما في الكتاب؛ لأنها تعطي السياق الحضاري وتكشف عن الدافع على التمايز بين الأنا والآخر، المشرقيين واليونانيين. كتب «منطق الشرقيين» للخاصة، وكذلك «اللواحق» في مقابل «الشفاء» للعامة. الأول إبداع والثاني نقل. الأول مختصر والثاني موسع، فسمة الإبداع التركيز، وسمة المعلومات الإسهاب، مثل تقابل الخاصة والعامة. كما تكشف أن التأليف أزمة نفسية، هم وجودي وليس مجرد تجميع علم منقول.
128
وهو هم اختلاف الناس بين اليونانيين أصحاب الأصول وتابعي المشائين المتعصبين الذين امتلكوا الحقيقة كلها. يحاول ابن سينا حله بعقل وموضوعية بعيدا عن الهوى والعصبية، والعقل دون العادة والإلف، بصرف النظر عن الاختلاف والاتفاق مع اليونانيين ومن تعلم كتبهم عن غفلة وقلة فهم ، تبعية ونقلا . كتب من قبل الشفاء العامة المتفلسفة المشغوفين بالمشائية الظانين أن الله لم يهد إلا سواهم؛ فالموسوعة مكتوبة لاحتواء الوافد وتجاوزه ومنع تقليد المشائين. وهذا لا يعني إنكار قيمة الأوائل، وقيمة أفضل السلف فيما تنتبه عنه وتجاوز به أساتذته وفي تمييزه أقسام العلوم وترتيبها، وفي إدراكه الحق في كثير من الأشياء، وفي تفطنه لأصول العلوم الصحيحة السرية وكان المعلم الأول شيعيا إسماعيليا يبطن غير ما يظهر، ويعلن غير ما يخفي، صاحب لغتين، لغة للخاصة ولغة للعامة. كما أنه بين لأهل بلاده علوم السلف. كان ابن سينا يشير إلى دور أرسطو مؤرخا يخاطب أهل بلاده في تصور قومي للعلم. وهو أقصى ما يستطيع إنسان أن يفعله، تمييز المخلوط، وتهذيب الفاسد. لذلك كان من واجبات خلفائه بناء مذهبه وتفريع مبادئه وهو ما لا يمكن الفراغ منه في حدود قصر العمر سواء في عرض ما أحسن فيه والتعصب له أو إكمال ما قصر منه وإكماله. ولقد قام ابن سينا بذلك في أول حياته.
ليس اليونان وحدهم مصدر العلم، بل قد يأتي العلم من غيرهم. فإذا أمكن رد علوم اليونان التي اشتغل بها ابن سينا في حداثته إلى المنطق. فلا يستبعد أن يكون عند المشرقيين اسم غيره لنفس المضمون. وهو ما حاول ابن سينا إخراجه في «منطق المشرقيين». النية صادقة نية التمايز بين الأنا والآخر. والتحقق صعب. فمضمون المنطق هو نفسه وإن اختلف الاسم والمصدر، هذا لليونانيين وذلك للمشرقيين دليلا على وحدة العقل البشري بالرغم من تعدد الحضارات، فاتفق ما اتفق، واختلف ما اختلف، حق ما حق، وزاف ما زاف؛ فالاتفاق حق والاختلاف زيف.
129
أراد ابن سينا الإعلان عن الحق دون تعصب، يبحث كخبير للمساعدة، يراجع نفسه، ويعود على ما بدأ، يصحح نفسه بنفسه حتى يصل إلى صواب الرأي ووضوح الرؤية ويقين العقائد. فالوافد والموروث يتفاعلان في نفسه. هناك إذن مرحلتان في حياة ابن سينا، مرحلة الإعجاب بالمشائين، ثقافة العامة والتي كتب لها الموسوعات الثلاث لإكمال الوافد وضبطه. والثانية مرحلة «منطق المشرقيين» و «اللواحق» للتمايز مع الآخر، واستدراكا على الموقف الأول. الأولى النقل والثانية الإبداع. وحياة ابن سينا انتقال من الأولى إلى الثانية. «منطق المشرقيين» خلاصة علم ابن سينا في الأغراض الكبرى والغايات القصوى، المعلم الحق الذي استنبطه بعد طول نظر وتفكير وروية. به جودة الحدس، والحوار مع الخصوم، والتعصب للحق، والاتفاق مع الجماعة دون الطائفة.
نامعلوم صفحہ