نقل سے تخلیق تک (جلد دوم تبدیلی)
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (١)
اصناف
بعد هذا العرض التفصيلي لأوجه الاتفاق بين رأيي الحكيمين لا يأخذ بأحد العناد الصراح ومتابعة الظنون الفاسدة والأوهام المدخولة واكتساب الوزر بما ينسب إلى هؤلاء الأفاضل مما هم براء وعنه بمعزل.
ويلاحظ على هذه المحاولة: (1)
ليس «الجمع بين رأيي الحكيمين» توفيقا بين متضادين وجمعا بين متناقضين، بل رؤية كلية لرأيين جزئيين، ليس جمعا بعديا صاعدا، بل هو جمع استنباطي نازل. فالحقيقة مكتملة في ذهن الفارابي أولا قبل أن تشد إليها الرأيين المتصارعين. الجمع رد البعدي إلى الهيكلي، والجزئي إلى الكلي السابق عليه. قد لا يكون الجزئي متطابقا مع أفلاطون أو أرسطو ولكن الفارابي ركبه وصوره وتخيله حتى يسهل جمعهما في الكلي في الذهن؛ فالجمع تركيب وبنية أكثر منه ضما لأجزاء متباعدة قد تتفق وقد تختلف. (2)
التقابل بين الحكيمين ليس على الإطلاق وإلا لما كان الجمع ممكنا بل هو تقابل نسبي. عند أرسطو بعض أفلاطون وعند أفلاطون بعض أرسطو فيما اختلفا فيه طبقا لأسطورة «أندروجينوس». كل ذكر به بعض الأنثى، وكل أنثى بها بعض الذكر. الخلاف كمي وليس كيفيا، في الدرجة وليس في النوع. يكون التقريب أحيانا من أرسطو إلى أفلاطون، وأحيانا من أفلاطون إلى أرسطو دون وجود وسط حسابي متناسب بينهما. الغالب هو قراءة أرسطو قراءة أفلاطونية أكثر من قراءة أفلاطون قراءة أرسطية، مما يدل على تفضيل أفلاطون على أرسطو طبقا للفلسفة الإشراقية عند الفارابي، ويدل على ذلك نسبة كتاب أثولوجيا لأرسطو حتى يكون أكثر قربا من أفلاطون في موضوع قدم العالم وحدوثه. يصحح الفارابي رأي أحدهما بالآخر حتى يصل إلى حد التوسط بينهما مثل تصحيح قول أفلاطون في أن العالم تذكر بإخضاعه إلى القياس المنطقي عند أرسطو. (3)
الاختلاف بين الحكيمين ليس في القصد والغاية والهدف والحقيقة، بل في طرق التعبير ووسائل الإيضاح. الاتفاق في المضمون والخلاف في الشكل. الاتفاق في الجوهر والاختلاف في العرض. الخلاف موجود ولا يمكن إنكاره، وهو في نفس الوقت لا يمكن إبقاؤه بل حله. الاختلاف بين الحكيمين في الظاهر وليس في الباطن، في القول وليس في المعنى، في الصياغة وليس في الشيء، والتفرقة بين الظاهر والباطن بين اللفظ والمعنى رؤية إسلامية. (4)
الخلاف بين الحكيمين خلاف في الجهة وليس في الشيء مثل حديث أرسطو عن الجوهر والمحسوس في علم الطبيعة وحديث أفلاطون عن الجوهر العقلي في علم ما بعد الطبيعة. الخلاف بين الحكيمين في الموقف، الأعلى والأدنى، الثابت والمتحول، القديم والحديث، الاستنباط والاستقراء، الجدل النازل والجدل الصاعد، الصوري والمادي، العام والخاص، التحليل والتركيب. وهما طريقان وموقفان ومنهجان متكاملان وليسا على التبادل أو متناقضين. (5)
يرجع الخلاف أحيانا إلى الشراح «الإسكلائيين» وليس إلى أفلاطون أو أرسطو ذاتيهما مثل انتحال أمونيوس وثامسطيوس أن القياس المختلط من الضروري والوجودي. إذا كانت المقدمة الكبرى ضرورية كانت النتيجة وجودية لا ضرورية ونسبة ذلك إلى أفلاطون. وضع المقارنة بين الحكيمين مع الطبيعيين الأوائل في إطار أعم في تاريخ الفلسفة اليونانية، بل ومع سائر الملل والنحل مثل اليهودية والمجوسية خاصة في موضوع قدم العالم وحدوثه. (6)
يزداد الخلاف بالتعصب والتشنيع من كل فريق على الآخر، فالخلاف ليس فقط في الرأي بل يتحول إلى تحزب وتعصب وأهواء بشر وخصام وتشويه كل فريق لرأي الآخر، وانعدام العقل المستقيم والرأي السديد والميل إلى الحق والإنصاف عند الأكثرين. يكون الخلاف بسبب التطرف إلى أقصى حد وأخذ الحد الأقصى لكل فريق مع أن الأمور على التوسط إلى أدنى حد. الحقيقة وسط بين طرفين مثل نظرية الإبصار التي تقوم على الرأيين معا، شعاع من العين إلى الموضوع كما يقول أفلاطون في مقابل شعاع من الموضوع إلى العين كما يقول أرسطو. قد لا يكون هناك خلاف في الرأي بين الحكيمين مثل القول بأن العلم تذكر ولكن المؤولين يدفعون ذلك إلى أقصى حد إلى درجة التشنيع وتصحيح ذلك بأن أفلاطون يروي عن سقراط ولا يعبر عن رأيه الخاص. (7)
يرجع الخلاف إلى سوء استعمال الألفاظ وإلى ضيق العبارات كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة؛ مثل استعمال لفظ خروج وانفعال في نظرية الإبصار بين أفلاطون أو أرسطو، ولما استحال وضع ألفاظ جديدة غير المستعمل منها يكفي فقط إبراز معانيها على نحو أشرف وأعلى مما نتخيله ونتصوره. (8)
يلجأ الفارابي إلى نصوص الحكيمين في كتبهم المختلفة فلعل الخلاف فيها وسوء تأويلها أو تضاربها كما يفعل المفسر في حل التعارض بين الآيات. يرجع الخلاف إلى إخراج القول من السياق وعدم معرفة موضعه ومرتبته في العلم ويحل بإرجاعه إلى سياقه وموضعه وعلمه. (9)
نامعلوم صفحہ