نابوليون بونابارت في مصر
نابوليون بونابارت في مصر
اصناف
الذي كان نصيرا لنابوليون، استدعى نابوليون إلى باريز وألقي في غياهب السجن، ولكن ظهرت براءته من التهمة التي وجهها أعداؤه إليه، وبعد حوادث، وتقلبات لا دخل لها في موضوعنا، ضاق صدره من أعمال حكومة فرنسا وشطب اسمه من قائمة الجنرالات، وعول على الذهاب إلى الآستانة ليتولى تدريب الطوبجية العثمانية، ولكن نجم سعده الآخذ في الصعود خدمه، كما خدمه سنين طويلة مقبلة ... ذلك أنه حدثت ثورة في باريس قام فيها نحو ثلاثين ألف من الحرس الأهلي
Guarde Nationale
ضد حكومة الكونفنسيون، التي لم يكن لها من القوة أكثر من خمسة آلاف، وكانت الحكومة قد اختارت براس
Barras
قومندانا لجيش الحكومة في باريس، ولما لم يكن «باراس» من رجال العسكرية، وكان صديقا لنابوليون محبا له اختاره لقيادة الحامية، والدفاع عن العاصمة، فتمكن هذه المرة بمهارته من قهر أعداء الحكومة وحماية العاصمة، قال المؤرخون الثقاة: إنه لولا مهارة نابوليون في وضع المدافع وتصويبها على النقط التي اجتمع فيها الثائرون، لسقطت الحكومة، ولوقعت فرنسا من جديد في دور الفوضى والخراب، وكافأت الحكومة نابوليون بتوليته قيادة جيش الداخلية، وبذلك دوى اسم نابوليون من هذا التاريخ في جوانب فرنسا، وذاع صيته في البلاد.
في هذا الوقت، وقت لمعان شهرته، وقع في حبائل غرام سيدة على جانب عظيم من الجمال والرقة وهي «جوزفين بوهارنيه» وكانت أرملة للمركيز إسكندر بوهارنيه أحد الجنرالات الذين سقطوا ضحية لآلة القتل في الأيام الأولى من الثورة، فاقترن بها «9 مارس سنة 1796» وكان قبل هذا التاريخ بيومين، قد عين قائدا للجيش الذي جهز لفتح إيطاليا ومحاربة النمسا اللتين كانتا متحالفتين مع إنكلترا ضد فرنسا، فلما تولى نابوليون قيادة الجيش كان فيه من القواد من هم أكبر منه سنا، ولكن لم يكونوا أعلم منه بفنون القتال، فلما رأوه، ولم يكونوا من قبل قد عرفوه إلا اسما، ورأوا منه فتى في الخامسة والعشرين من عمره، ضئيل الجسم، قصير القامة، ناحل البدن، ورأوه كذلك يحمل صورة عروسه ويكثر من النظر إليها، ويريها للضباط معه ظنوا أن ترقيته لهذا المركز الكبير، راجعة إلى المحسوبية ولنفوذ النساء؛ ولكن كما قال الجنرال ماسينا
Masséna : «ما كاد يضع على رأسه قبعة الجنرال حتى خلناه قد طالت قامته شبرين، وأخذ يسألنا عن مواقع فرقتنا، ويستفسر عن القوى الفعالة في كل فيلق من الفيالق، ثم ألقى إلينا الأوامر، وأعلن أنه سيستعرض الجيش غدا، ويهاجم العدو بعد غد ... فعرفنا أن هذا ليس بفتى، ووثقنا من أنه قائد عظيم.»
وتوالت انتصارات نابوليون في شمال إيطاليا والنمسا ، وطبقت شهرته الخافقين فالتف به القواد العظام، وأعجب به إلى درجة التقديس ناشئة الضباط، ورجال المستقبل، ولقبته أوروبا بها نيبال الثاني، لما أتى على يديه من المعجزات في فنون الحرب، واستفاد نابوليون من تجاربه في هذه الحرب، ومن مناطحته لرجال السياسة وكبار دهاة الحرب في النمسا، ما ساعده كثيرا في مستقبل حياته الباهرة.
ولما تم له الفوز كما أراد، وأرادت فرنسا عقد مع النمسا صلحا في 17 أكتوبر سنة 1717 سمي «صلح كامبو فورمبو» نسبة إلى البلد التي تم فيها، وأعادت فرنسا تحت رايتها بلجيكا وحدود الرين، ومحت جمهورية البندقية من صحيفة الوجود، بعد أن عاشت عصورا طويلة محتكرة تجارة الشرق بسبب علاقاتها بمصر، ولطالما حاربت الدولة العثمانية في مواقع بحرية أشهرها واقعة «ليبانت» المشهورة في أكتوبر سنة 1571 ... ولم يمض على عقد هذه المعاهدة عشرة شهور حتى كان نابوليون بجيشه في أرض مصر.
بقي علينا، قبل الانتقال بهذا القائد العظيم إلى حملته على مصر، وبيان الأسباب التي دعت إلى هذه الحملة، والأغراض التي قامت بنفسه هو، أن نقول كلمة موجزة في تعليل فوز هذا الرجل تمهيدا لمعرفة القوة الحربية الجديدة، التي داهم بها المماليك في مصر فنقول: أجمع الباحثون المدققون على أن فوز نابوليون الباهر السريع في شمال إيطاليا والنمسا، راجع إلى أن الفن العسكري كان قد دخل في طور جديد في خلال القرن الثامن عشر، بسبب الاختراعات العديدة التي أدخلت على البنادق والمدافع، ففي سنة 1720 أدخل على البندقية تحسينات بحيث سار في إمكان الجندي أن يطلق منها عدة طلقات في الدقيقة الواحدة، ثم اخترع للميدان مدافع أخف حركة وأسهل في النقل، وأخيرا في سنة 1765 اخترع جريبوفال
نامعلوم صفحہ