فصل في أن الحد لا يكتسب من البرهان ولا القسمة ولا حد ضد المحدود ولا الاستقراء
لا يمكن اكتساب الحد بالبرهان لأنه لابد حينئذ من حد أوسط مساو للطرفين لأن الحد والمحدود متساويان وذلك الأوسط لا يخلو إما أن يكون حدا آخر أو يكون رسما أو خاصة أما الحد الآخر فإن السؤال في اكتسابه ثابت فإن اكتسب بحد ثالث فالأمر ذاهب إلى غير النهاية وإن اكتسب بالحد الأول فذلك دور وإن اكتسب بوجه آخر غير البرهان فلم يكتسب به هذا الحد على أنه لا يجوز أن يكون لشيء واحد حدان تامان على ما سنوضح بعد: وإن كانت الواسطة غير حد فكيف صار ما ليس بحد أعرف وجودا للمحدود من الأمر الذاتي المقوم له وهو الحد حتى يكتسب به وأيضا فهل يكون الحد إنما حمل في الكبرى على الوسط على أنه محمول مطلق أو حمل على أنه حد له فإن حمل على الأوسط على أنه محمول مطلق أنتج أنه محمول على الأصغر فقط ولم يعرف من ذلك أن له حد ولم يكن إلى ذلك القياس حاجة فإنا قد بينا أن حمل الحد وأجزائه على المحدود مما لا يحتاج فيه إلى برهان وأن حمل على أنه حد للأوسط فهو كاذب فإنه ليس حد النوع هو بعينه حد خاصته فليس حد الانسان هو بعينه حد الضحاك إلا أن يقول قائل إنه حمل على الأوسط بأنه حد لموضوعه أي أن ما هو موضوع للأوسط فهذا حده فإن هذا أيضا كاذب فإن الباكي والخجل وسائر الخواص والفصول المساوية لها تحمل عليها الخاصة وليس حد النوع حدا لها فإن قيل إنه يحمل على الأوسط على أنه حد ما هو موضوع للأوسط وضعا حقيقيا وضع النوع لخواصه فيكون قد أخذ المطلوب في بيان نفسه فإنه لو كان هذا معلوما لما احتيج إلى البرهان والحد لا يكتسب بالقسمة فإن القسمة تضع أقساما ولا تحمل من الأقسام شيئا بعينه إلا أن يوضع وضعا من غير أن يكون للقسمة فيه مدخل وإما استثناء نقيض قسم ليبقى القسم الداخل في الحد فهو إبانة الشيء بما هو مثله أو أخفى منه فإنك إذا قلت لكن ليس الانسان غير ناطق فهو إذا ناطق فلم تكن أخذت في الاستثناء شيئا أعرف من النتيجة وأيضا فإن الحد لا يكتسب من حد الضد فليس لكل محدود ضد ولا أيضا حد أحد الضدين أولى بذلك من حد الضد الآخر وأيضا فإن الاستقراء لا يفيد علما كليا فكيف يفيد الحد ولأنك إن استقريت أن الحد حد لكل شخص حتى تجعله حدا للنوع فقد كذبت وإن قلت أن الحد محمول على كل شخص من غير زيادة فليس يوجب هذا أن يكون حدا للنوع وإن قلت
صفحہ 67