يساعده عليها الوهم ولا يناقض في شيء منها ولا ينازع ثم إذا انتهى إلى نتائج مضادة لمقتضى فطرة الوهم أخذ الوهم حينئذ في الامتناع عن تسليم الحق اللازم فيعلم أن هذه الفطرة فاسدة وأن السبب فيه أن هذه جبلة قوة لا تتصور شيئا إلا على نحو المحسوس - وهذا مثل مساعدة الوهم العقل في جميع المقدمات التي أنتجت أن من الموجودات ما ليس له وضع ولا هو في مكان ثم امتناعه عن التصديق بوجود هذا الشيء ففطرة الوهم في المحسوسات وفي الخواص التي لها من جهة ما هي محسوسة صادقة يتبعها العقل بل هو آلة للعقل في المحسوسات وأما فطرتها في الأمور التي ليست بمحسوسة لتصرفها إلى وجود محسوس فهي فطرة كاذبة. فصل في الذائعات وأما الذائعات فهي مقدمات وآراء مشهورة محمودة أوجب التصديق بها إما شهادة الكل مثل أن العدل جميل وإما شهادة الأكثر وإما شهادة العلماء أو شهادة أكثرهم أو الأفاضل منهم فيما لا يخالف فيه الجمهور وليست الذائعات من جهة ما هي هي بما يقع التصديق بها في الفطرة فإن ما كان من الذائعات ليس بأولى عقلي ولا وهمي فإنها غير فطرية ولكنها متقررة عند الأنفس لأن العادة تستمر عليها منذ الصبا وفي الموضوعات الاتفاقية وربما دعا إليها محبة التسالم والاصلاح المضطر إليهما الانسان أو شيء من الاخلاق الانسانية مثل الحياء والاستئناس أو سنن قديمة بقيت ولم تنسخ أو الاستقراء الكثير أو كون القول في نفسه ذا شرط دقيق بين أن يكون حقا صرفا أو باطلا صرفا فلا يفطن لذلك الشرط ويؤخذ على الاطلاق وإذا أردت أن تعرف الفرق بين الذائع والفطري فاعرض قولك العدل جميل والكذب قبيح على الفطرة التي عرفنا حالها قبل هذا الفصل وتكلف الشك فيهما تجد الشك متأتيا فيهما وغير متأت في أن الكل أعظم من الجزء وهو حق أولى - وفي أن الكل ينتهي عند شيء خارج خلا أو ملأ وهو فطري وهمي والأوليات والوهميات أيضا ذائعة. وربما عرض من الأسباب ما زيف الوهميات فأخرجها عن الذائعات وأما الذائعات المحمودة في بادئ الرأي الغير المتعقب فهي آراء إذا عرضت على الأذهان العامية الغير الفطنة أو الفطنة الغافلة عرضا بغتة أذعنت لها وإذا تعقبت لم تكن محمودة كقول القائل يجب أن تنصر أخاك ظالما أو مظلوما وليس الشيء الواحد ذائعا في البادي بالقياس إلى كل سامع بل إلى نفس نفس.
صفحہ 54