فانتبه فإذا هو بالعراق في مجلسه ومكانه بين إخوانه، وتلك الأصوات والروائح التي تأملها قبل نعاسه على ما كانت عليه لم تتغير شيئًا.
حكاية: قيل إن نبيًا من أنبياء الله قال في مناجاته مع ربه يا رب لم خلقت الخلق بعد أن لم تكن خلقتهم؟ قال له ربه على سبيل الرمز كنت كنزًا مخفيًا من الخيرات والفضائل ولم أكن أعرف فأردت أن أعرف. قال العلامة ابن الجلدي صاحب إخوان الصفا معناه أن لو لم اخلق لحقيق بهذه الفضائل والخيرات التي أفضتها وأظهرتها من عجائب حلقي ومصنوعاتي المحكمات التي كلت الألسن عن البلوغ إلى كنه صفاتها وحارت عقولهم عن كنه معرفتها بحقائقها.
حكاية: قيل إنه كان بين يحيى بن خالد البرمكي، وبين عبد الله بن مالك الخزاعي عداوة وتحاسد، وكان كل واحد منهما ينتظر لصاحبه الدوائر، فلما ولي عبد الله بن مالك أذربيجان وأرمينية ضاق برجل من الدهاقين بالعراق الأمر وتعذرت عليه المطالب فحمل نفسه على أن افتعل كتابًا على لسان يحيى بن خالد البرمكي إلى عبد الله بن مالك بالوصاية به وأكد بمعاونته كل التأكيد ولم يعلم ما بينهما من التباعد فشخص من مدينة السلام إلى أذربيجان وصار إلى باب عبد الله بن مالك بالكتاب فأوصله الحاجب فقال له عبد الله أدخل صاحب هذا الكتاب فأدخله فقال له عبد الله إن كتابك هذا مفتعل ولكنك قد طويت هذه الشقة البعيدة ولسنا نخيبك، فقال الرجل أما كتابي فليس بمفتعل وإن كنت تريد بهذه التهمة أن تردني خائبًا فالله ﷿ حسبي وعليه أتوكل فقال عبد الله أفترى أن تحبس في دار وتزاح علتك وأن أكتب وأستطلع الرأي وأعرف نبأ هذا الكتاب فإن كان مزورًا عاقبتك وإن كان صحيحًا أنعمت عليك قال نعم، فأمر عبد الله بحبسه وإزاحة علته وكتب إلى وكيله بالعراق أن رجلًا يسمى فلان بن فلان أورد إليّ كتابًا من يحيى بن خالد فابحث عن أمر هذا الكتاب واكتب إليّ بالحال فيه فصار الوكيل بكتاب عبد الله إلى يحيى وقرأ عليه فدعا بالدواة والقلم وكتب إليه بخطه فلان من أخص الناس إليّ وأوجبهم حقًا عليّ وقد أخبرني صاحبك بشكك في أمره فأزل الشك جعلت فداك وليكن صرفه إليّ معجلًا بما يليق بك، فلما خرج الوكيل قال يحيى لأصحابه ما تقولون في رجل افتعل عليّ كتابًا إلى عبد الله بن مالك ووصل به من مدينة السلام إلى أذربيجان؟ فقالوا جميعًا نرى أن تفضحه وتهتك ستره وتعلن أمره
1 / 47