ومنه قوله ﷺ في حديث البراء بن عازب- ﵁: (فأفرشوه من الجنة) فأفرشوه: بألف القطع، أي: اجعلوا له فرشا من فرش الجنة، ولم نجد الإفراش على هذا المعنى في المصادر، وإنما هو أفرش، أي: أقلع عنه وأقفل فأفرش [بهذا] اللفظ من الباب القياسي، الذي ألحق الألف بثلاثيه، ولو كان من الباب الثلاثي، لكان من حقه أن يروى بألف الوصل، والمعنى: ابسطوا له، ولم نجد في الرواية إلا بالقطع.
قوله ﷺ: (ويفتح له مد بصره) أي: مداه، وهي الغاية التي ينتهي إليها البصر، فإن قيل: كيف التوفيق بين قوله: (ويفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين) وبين قوله: (فيفتح له مد بصره) قلنا: إنما عبر بقوله: (ويفسح له) عند توسيع مرقده عليه، وبقوله: (ويفتح له مد بصره) عما يعرض عليه وينظر إليه من رياض الجنة ومروجها، ويحتمل أن يكون الكلمتان عبارة عن فسحة القبر، ويكون الفسحة المقدرة بالأذرع لعوام المؤمنين، وذلك أدناها، والفسحة مد البصر لخواص عباد الله الصالحين، فالأول إخبار عن مبدأ الرتبة، والثاني عن منتهاها.
قوله ﷺ: (فيقيض له أعمى أصم معه مرزبة) يقيض: أي يقدر، وأصل الكلمة من القيض، وهو: القشر الأعلى من البيض، فقولك: قيض الله لي فلانا. أي أتاحه، فاستولى على استيلاء القيض على البيض، وأما (أعمى أصم) أي: من لا يرى عجزه فيرحمه، ولا يسمع عويله فيرق له، وأما (المرزبة) فإن المحدثين يشددون الباء منها، والصواب تخفيفه، وإنما يشدد الباء، إذا أبدلت الهمزة من الميم، وهي الإرزبة، وهي التي يكسر بها المدر، وأنشد الفراء:
ضربك بالمرزبة العود النخر
[٩٣] ومنه حديث أبي سعيد الخدري- ﵁ عن النبي ﷺ قال: (يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعون تنينا .. الحديث) التنين: ضرب من الحيات والوقوف على فائدة التخصيص في تسع وتسعين على الحقيقة، إنما يحصل بطريق الوحي، ويتلقى من قبل الرسول ﷺ ثم إنا نجد وجها من جهة الاحتمال، وهو أن نقول: قال النبي ﷺ: (إن لله تسعة وتسعين اسما ... الحديث) وقال ﷺ: (إن لله تعالى مائة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة، بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر تسعة وتسعين رحمة يرحم بها عباده)
فتبين لنا من الحديث الأول أن الله- تعالى- بين لعباده معالم معرفته بهذه الأسماء، وعرفنا من
1 / 75