العرب همز الذرية كتركهم في روية وبرية. والذرية أصلها: الصغار وتقع في التعارف على الصغار والكبار ويستعمل للواحد والجمع وأصلها الجمع، وأما معنى قوله ﷺ (الله أعلم بما كانوا عاملين) فيحتمل أنه لم ينبأ عند حدوث هذا السؤال عن حقيقة أمرهم فتوقف فيه أو علم ولم يؤذن له في الكشف عنه رعاية لمصلحة العباد فأجاب عنه بما أجاب، أي: الله أعلم بما صائرون إليه، وبما هو كائن من أمرهم أيدخلون الجنة آمنين منعمين، ام يردون النار لابثين معذبين أم يتركون ما بين المنزلتين ويحتمل أنه علق أمرهم بما علم الله من عاقبة أمرهم لو تركوا فعاشوا حتى بلغوا الحنث والمعنى أن من علم الله منه أنه إن أمهل حتى بلغ الحنث عبده ثم مات على الإيمان أدخله الجنة ومن علم منه أنه يفجر ويكفر أدخله النار وفي هذا التأويل] ١٤/أ [- نظر لأنا ننفي في أصل الدين ومنهاج الشرع أن يعذب العصاة على معصية كانت تقع منهم لو طالبت بهم الحياة، فلأن ننفي ذلك عن الأطفال وهم أضعف منه وأقل قوة أحق وأجدر.
وبعد فاعلم: أن مبنى اختلاف التأويل في هذا الحديث على اختلاف المسلمين في ولدان المشركين فمنهم من يسكت عنهم ولا يقطع في أمرهم بشيء ومنهم من يعلق أمرهم بما علم الله منهم كما قدمناه ومنهم من يقول: إنهم مع آبائهم وأمهاتهم في النار كما هم يتبعونهم في كفرهم في هذه الدار ومنهم من يقول: إن المولود إذا كانت قبل أن يبلغ مبلغ الاختيار زال عنه ولاية الأبوين فيزول عنه ما كان فيه من تغيير الدين فيرجع إلى ما كان عليه من أصل الفطرة فيصير بذلك من أهل الجنة. ومنهم من يقول: إنهم لم يعملوا ما يثابون به ولم يجترحوا ما يعاقبون عليه ولا مقر في الآخرة إلا في إحدى الدارين، وإحداهما ينفيها العدل والأخرى يقضيها الفضل، فنقول: إنهم يدخلون الجنة لا على سبيل الاستقلال بل يكونون لأهلها كخدام الملوك في قصورهم ومنازلهم. ومنهم من يقول إنهم كائنون بين الجنة والنار لا منعمين ولا معذبين.
قلت والقول المبني على قاعدة أصول الدين هو أن لا يقطع في أمرهم بشيء وما عداه فإنه إما مستنبط بالرأي والقياس أو مأخوذ عن الأخبار الواهية وأمثال ذلك لا يلتقي إلا من جهة الرسول ﷺ بالنقل الذي ينقطع العذر دونه ولم يوجد هنالك، فوجب التوقف لعدم التوقيف.
(ومن الحسان)
[٦٧] حديث عمر ﵁ حين سئل عن قوله تعالى (وإذ أخذ ربك من بني آدم) الآية فقال: سمعت رسول الله ﷺ يسأل عنها ...) للحديث
1 / 59