الأبصار وتتحير البصائر، ولو كشف ذلك الحجاب فتجلى بما وراءه من حقائق الصفات وعظمة الذات، لم يبق مخلوق إلا احترق ولا مقطور إلا اضمحل، وأصل الحجاب الستر الحائل بين الرائي والمرئي وهو ههنا راجع إلى منع الأبصار من الإصابة بالرؤية له بما ذكر، فقام ذلك المنع مقام الستر الحائل فعبر به عنه وروى (حجابه النور أو النار) وقد تبين لنا من أحاديث الرؤية وتوقيفات الكتاب على التجليات الإلهية أن الحالة المشار إليها في هذا الحديث هي التي نحن بصددها في هذه الدار المستعدة المعدة للفناء دون التي وعدنا بها في دار البقاء، والحجاب المذكور في هذا الحديث وغيره يرجع إلى الخلق لأنهم هم المحجوبون عنه.
وفيه سبحات ومعنى (سبحات وجهه) أي جلالته كذا فسرها أهل اللغة وقال أبو عبيد: نور وجهه، وسبحات بم السين والباء جمع: سبحة كغرفة وغرفات، وقد قال بعض أهل التحقيق إنها الأنوار التي إذا رآها الراؤون من الملائكة سبحوا وهللوا لما يروعهم من جلال الله وعظمته] ١٣/ب [.
[٦٤] ومنه حديث أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ: (يد الله ملأى لا تغيضها نفقة سخاء الليل والنهار) كل ذلك ألفاظ استعيرت لفضل الغنى وكمال السعة والنهاية في الجود وبسط اليد بالعطاء.
وفيه (لا تغيضها) من قولهم غاض من السلعة: أي نقص، وغضته أنا قال الله تعالى (وما تغيض الأرحام) أي وما تنقص.
وفيه (سحاء الليل والنهار) أي دائمة الصب في الليل والنهار وليس لهذا اللفظ ذكر على أفعل، ومثله: ديمة هطلاء، ولم يرد أهطل، وسح الماء يسح سحًا: أي سال من فوق وكذلك المطر والدمع، وما أتم هذه البلاغة وأحسن هذه الاستعارة فلقد نبه ﷺ بهذا اللفظ من حيث الاشتقاق اللغوي على معان دقيقة وهو انه وصف يد الله في الإعطاء بالتفوق والاستعلاء، فإن السح إنما يكون من عل، ثم أشار إلى أنها هي المعطية عن ظهر غنى؛ لان الماء إذا انصب من فوق انصب بسهولة وعفو ثم إنه أشار إلى جزالة عطاياه سبحانه وغزارتها؛ لأن السح يستعمل فيما ارتفع عن القطر وبلغ حد السيلان يقال: مطر سحساح: أي يسح شديدًا وأشار أيضًا إلى أنه لا مانع لعطائه؛ لأن الماء إذا أخذ في الانصباب لم يستطع أحد أن يرده ثم وصف السح بالدوام تشبيهًا، على أن لا انقطاع لمادة عطائه.
[٦٥] منه حديث أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ: سئل عن دراري المشركين ... الحديث.
الذراري: جمع ذزية وهي نسل الثقلين أخذت من ذرا الله الخلق يذرأهم: أي خلقهم وقد تركت
1 / 58