[٦٠] ومنه حديث أبي هريرة- ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال (جف القلم بما أنت لاق) يقال جف الثوب وغيره يجف بالكسر جفافًا وجفوفًا إذا ابتل ثم جف وفيه ندى فجعل جفاف القلم كناية عن جريانه بالمقادير وإمضائها والفراغ منها تمثيلًا بما عهدناه وذلك أبلغ في المعنى المراد منه؛ لأن الكاتب إنما يجف قلمه بعد الفراغ عما يكتب ولم نجد هذا اللفظ مستعملا على هذا الوجه فيما انتهى إلينا من كلام العرب إلا في كلام الرسول ﷺ فيمكن أن يكون من الألفاظ المستعارة التي لم يهتد إليها البلغاء فاقتضتها الفصاحة النبوية.
وأما ما ذكر عنه في هذا الحديث أنه قال (فاختص على ذلك أو ذر) فالصواب فاختص على ذلك بتخفيف الصاد من الاختصاء وكذلك يرويه المحققون من علماء النقل وقد صحفه بعض أهل النقل فرواه على ما هو في كتاب المصابيح ولا يكاد يلتبس ذلك إلا على عوام أصحاب الرواية أو على من انتهى الحديث إليه مختصرًا كما هو في كتاب المصابيح فأما من كان معنيا بضبط الألفاظ وإتباع المعاني فلا يخفي عليه وجه الصواب إذا استوعب طرق هذا الحديث وقد روى هذا الحديث مستوفي في كتب أهل العلم من وجوه أحدها ما أخبرنا به الشيخ العالم المهذب ابن زينة في كتابه قال أنبا أبو الخير الباغبان إجازة قال أنبا سليمان بن إبراهيم إجازة أنبا أبو علي الحسن بن أحمد ابن شاذان البزار ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا محمد المثني قال ثنا عباد بن جويرية قال ثنا الأوزاعي قال حدثني الزهري] ١٠/ب [قال حدثني أبو سلمة قال حدثني أبو هريرة ﵁ قال (أتيت رسول الله ﷺ فقلت يا رسول الله إني رجل شاب وإني أخاف العنت ولست أجد طولا أتزوج به النساء فإذن لي أن اختصي قال فقال رسول الله ﷺ يا أبا هريرة جف القلم بما أنت لاق فاختص على ذلك أو دع.)
[٦١] ومنه حديث عبد الله بن عمرو ري الله عنه أنه قال (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن ... الحديث) ظاهر هذا اللفظ محمول على ضرب من التمثيل ومؤول على نوع من المجاز والمراد منه الاستظهار في القدرة وسرعة نفوذ الأمر والتصرف في القلوب على مقتضى العلم والمشيئة، وعلى نحو ذلك أوله المحققون من السلف والراسخون من علماء الأمة وقد أجرى بعض المؤولين الأصبع في هذا الحديث مجرى قول العرب (للراعي على ماشيته أصبع حسن) أي أثر حسن وذكروا فيه قول القائل:
ضعيف العصا بادي العروق تري له .... عليها إذا ما أجدب الناس إصبعا
1 / 53