بالتسويف فيه والتأخير له والعجز والكيس روى بالرفع والخفض عطفًا على كل أو على شيء والأوجه أن يكون في الكسر حرف خف بمعنى إلى وكلاهما جائز وفى الرواية الخفض أكثر والمعنى المراد من الحديث يقتضي أن يكون بمعنى الغاية؛ لأنه أراد بذلك أن أكساب العباد وأفعالهم كلها بتقدير خالقهم حتى الكيس الذي يوصل صاحبه إلى البغية والعجز الذي يتأخر به عن درك البغية والله أعلم.
[٥٤] ومنه (حديث أبي هريرة ﵁ احتج آدم وموسى)] ٩/أ [الحديث. هذا حديث يتمسك به المجبرة ومنكر القدرية وكلا الفريقين على جرف هار من الإفراط والتفريط إذ لا يقدر أحد أن يسقط الأصل الذي هو القدر ولا أن يبطل الكسب الذي هو السبب، فإن ذلك من أصول الدين ومعالم الإيمان وليس معنى قول آدم ﵇: (كتب الله على) أي ألزمه إياي وأوجبه على فلم يكن لي في الشجرة كسب ولا اختيار وإنما المعنى: أن الله أثبته في أم الكتاب وكتب في اللوح قبل كونه أنه سيكون وحكم بأن ذلك كائن لا محالة لعلمه السابق في أمري فهل كان يمكن أن يصدر عنى خلاف علم الله السابق في فكيف تلومني على القدر المحتوم وتغفل السبب عن العلم السابق] الذي واقع [على معنى تدبير الربوبية وتذكر الكسب الذي هو السبب وتنسى الأصل الذي هو القدر وأنت من المصطفين الأخيار الذين يشاهدون سر الله وراء الأستار فلا ينبغي لك أن تعود باللائمة على من تنصل وتاب وإنما يلام من جهل حق العبودية وأصر على الذنب أو لم يعترف به أو لم يتب عنه فبذلك جرت سنة الله في عباده فكان الاحتجاج من آدم- ﵇ لدفع اللائمة لانكسار ما اجترحه من الزلة ثم إن القضية تشتمل على معان هي المحررة لدعوى آدم ﵇ المقررة لحجته لم يذكرها رسول الله ﷺ اكتفاء بوضوحها واستظهارًا باشتهارها فمنها: أن هذه الحاجة منهما لم يكن في عالم الأسباب الذي لم يجوز فيه قطع النظر عن الوسائط والأكساب وإنما كان في العالم العلوي عند ملتقى الأرواح حيث تنكشف الحقائق وتضمحل الرسوم والأطلال فكانت تلك الملاقاة والمكالمة كملاقاة رسول الله ﷺ آدم وغيره من الأنبياء الذين ذكروا في حديث المعراج ومكالمته إياهم ومنها أن آدم احتج بذلك بعد اندفاع مواجب الكسب منه وارتفاع أحكام التكليف عنه، ومنها: أن اللائمة كانت
1 / 50