البيان عن حدود الأدب
ما يجب على الأدباء من الفحص والطلب
اعلم أن أول ما يجب على العاقل المنفصل بصفته عن الجاهل أن يتبعه ويميل إليه، ويستعمله ويحرص عليه، مجالسة الرجال ذوي الألباب، والنظر في أفانين الآداب، وقراءة الكتب والآثار، ورواية الأخبار والأشعار، وأن يحسن في السؤال، ويتثبت في المقال، ولا يكثر الكلام والخطاب، إن سئل عمّا يعلمه أجاب، وإن لم يسأل صمت للاستماع، ولم يتعرض لمكروه الانقطاع. فقد روي في الخبر المأثور أن النبي، ﷺ، قال: أغد عالمًا، أو متعلمًا، أو مستمعًا، ولا تكن الرابع فتهلك. والصمت أحسن بالرجل من الهذر في منطقه، والكلام فيما لا يعنيه، والتسرع إلى ما يكون على وجل منه. وقد قال بعض الشعراء:
يموت الفتى من عثرة بلسانه ... وليس يموت المرء من عثرة الرجل
فعثرته من فيه ترمي برأسه ... وعثرته بالرجل تبرا على مهل
وقال أبو العتاهية:
إذا كنت عن أن تحسن الصمت عاجزًا ... فأنت عن الإبلاغ في القول أعجز
يخوض أناس في المقال ليوجزوا ... وللصمت عن بعض المقالات أوجز
وقال أيضًا:
1 / 6