مسألة فان كان على جهة القربة ولم يكن بيانا لمجمل أو امتثالا لامر بل ابتداء ففيه روايتان فيما ذكره القاضى احداهما أنه على الندب الا أن يدل دليل على غيره نقلها اسحاق بن إبراهيم والاثرم وجماعة عنه بألفاظ صريحة واختارها أبو الحسن التميمى ( ح ) ولفخر اسماعيل والقاضى فى مقدمة المجرد وبها قالت الحنفية فيما حكاه أبو سفيان السرخسى وأهل الظاهر وأبو بكر الصيرفى والقفال والثانية أنها على الوجوب وبها قال أبو على بن خيران وابن أبى هريرة والاصطخرى وابن سريج وطوائف من المعتزلة حكى ذلك الجوينى وبها قالت المالكية واختارها القاضى ( ح ) والحلوانى وأخذها من قوله فى رواية حرب يمسح رأسه كله لان النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الراس كله ( ح ) قال فى مقدمة المجرد هو قول جماعة من أصحابنا وحكاه فى القولين عن ابن حامد وقطع بذلك ابن أبى موسى فى الارشاد من غير خلاف ومن قوله فى رواية الاثرم اذا رمى الجمار فبدأ بالثالثة ثم الثانية ثم الاولى لم يصح قد فعل النبي صلى الله عليه وسلم الرمى وبين فيه سنته وفى رواية الجماعة المغمى عليه يقضى لان النبي صلى الله عليه وسلم أغمى عليه فقضى وفى هذا كله نظر لان فعله للمسح وقع بيانا لقوله ( وأمسحوا برؤوسكم ) ورميه وقع بيانا لقوله ( خذوا عنى مناسككم ) وليس النزاع فى مثل ذلك وأما حديث الاغماء فانه لما علم منه الراوى أنه قضى لزم الوجوب لا من مجرد الفعل بل من كونه قضى اذ لو حمل على الندب لخرج عن كونه قضاء وقال قوم لا يدل على شىء لان الصغائر والسهو والنسيان يجوز على الانبياء قال القاضى وذهبت المعتزلة والاشعرية إلى أن ذلك على الوقف فلا يحمل على وجوب ولا ندب الا بدليل والقول بالوقف اختيار ابن برهان وأبى الطيب الطبرى وحكاه عن أبى بكر الدقاق وأبى القاسم بن قال والبربجى من أصحابنا أعنى حكى عنهم القول بالوقف واختار الجوينى مذهب الندب الا فى شىء من أفعاله وهو ما تعلق بفعل ظهرت فيه خصائصه فانه وافق فيه الواقفة ( ز و ) وذكر عن أحمد ما يقتضى الوقف وأخذه من كذا وذهب الجوينى إلى أن من أفعاله صلى الله عليه وسلم ما يستبان بها رفع الحرج عن الامة فى ذلك الفعل وزعم أنه قد علم ذلك من حال الصحابة قطعا وأما اذا خوطب بخطاب خاص له بلفظه فانه وقف فى تعدية حكمه إلى أمته حتى يدل عليه دليل وقد سبقت ثم ان كان فى فعله قصد القربة فاختار مذهب من حمله على الاستحباب دون الوجوب وقال فى كلام الشافعى مايدل على ذلك وحكاه عن طوائف من المعتزلة وذكر مذهب الواقفية وذكر كلاما يقتضى أن معناه أنهم لا يعدون حكمه إلى الامة بوجوب ولا ندب ولا غيرهما الا بدليل اذ الفعل لا صيغة له وجائز أن يكون من خواصه
فصل
فأما مالم يظهر فيه معنى القربة فيستبان فيه ارتفاع الحرج عن الامة لا غير وهذا قول الجمهور واختاره الجوينى والمحققون من القائلين بالوجوب أو الندب فى التى قبلها وغلا قوم ممن قال بالوجوب هناك فذهب اليه هنا أيضا وعزاه بعض النقلة إلى ابن سريج قال الجوينى وهذا زلل وقدر الرجل أجل من هذا وذهب جماعة ممن قال بالندب فى التى قبلها إلى الندب هنا احتياطا بصفة التوسط وأما الواقفية فعلى قاعدتهم فى الوقف وانما أعدنا هذه المسألة تحريرا للقول فيها
صفحہ 65