خطاب الله لاهل الكتاب وبنى اسرائيل فى القرآن على وجهين أحدهما خطاب على لسان محمد صلى الله عليه وسلم تسليما مثل قوله فى سورة البقرة
ﵟيا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكمﵞ
إلى قطعة من السورة وكذلك فى آل عمران والنساء
ﵟيا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكمﵞ
ﵟيا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلناﵞ
ونحو ذلك فهذا حكم سائر الناس فيه حكم بنى اسرائيل وأهل الكتاب ( ان شركوهم ) فى المعنى دخلوا والا لم يدخلوا لان بنى اسرائيل وأهل الكتاب صنف من المأمورين بالقرآن بمنزلة خطابه لاهل أحد وعتابه لهم فى قوله
ﵟإذ همت طائفتان منكم أن تفشلاﵞ
إلى أواخر السورة أو خطابه لاهل بدر بقوله
ﵟفكلوا مما غنمتم حلالا طيباﵞ
وبمنزلة قوله
ﵟقل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلفﵞ
ونحو ذلك فان الخطاب المواجه به صنف من الامة المدعوة أو شخص يشمل سائر المدعوين وهذا نظير خطابه لواحد من الامة المدعوة فانه يثبت الحكم فى حق مثله اذ الامر تارة يتوجه إلى الامة المدعوة وتارة يتوجه إلى الامة المجيبة ثم الشمول هنا هل هو بطريق العادة العرفية أو الاعتبار العقلى فيه الخلاف المعروف وسره أن المخاطب قصد بنفس ذلك الخطاب الخاص فى اللغة العموم أو لم يقصد به الا الخاص لكن قصد العموم من غير هذا الخطاب وعلى هذا يبنى استدلال عامة الامة على حكمنا بمثل قوله
ﵟأتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكمﵞ
فان هذه الضمائر جميعها مع بنى اسرائيل
فأما خطابه لهم على لسان موسى وغيره من الانبياء عليهم السلام فهى مسألة شرع من قبلنا والحكم هنا لا يثبت بطريق العموم الخطابى قطعا لكن يثبت بطريق الاعتبار العقلى عند الجمهور كما دل عليه قوله
ﵟلقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألبابﵞ
وقوله
ﵟفجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفهاﵞ
وقوله
ﵟفاعتبروا يا أولي الأبصارﵞ
ونحو ذلك وهذا ينتفع به ويحتاج فى أكثر المواضع إلى أصل آخر يعم هذا وغيره وهو أن الحمد والذم اذا كان على جنس فعل قد علق به ثواب أو عقاب فانه يحصل للمكلف من ذلك الجنس بقدر نصيبه منه فان قام به البعض استوجب بعض الثواب اذا لم يكن فعل البعض شرطا فى فعل البعض كصوم طرفى النهار مثلا والغالب فى الذم عدم الارتباط وفى الحمد قد يقع الارتباط فإن إستحقاق الذم على المعصية ليس مشروطا في الغالب بمعصية أخرى بخلاف فإن استحقاق الثواب على الطاعة فاذا ذموا على جنس فعل ذم قليله وكثيره ثم ذلك الجنس قد يشمله اللفظ وهو ظاهر كقوله
ﵟولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحقﵞ
ﵟأتأمرون الناس بالبرﵞ
وقد لا يشمله اللفظ الا بطريق العبرة كما فى قوله
ﵟقالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءهﵞ
ونحو ذلك وقد يكون الشمول هنا بالعموم العرفى كما فى قوله ( قنطار ) ودينار و ( أف ) ونحو ذلك
صفحہ 43